قضايا

المراة في كتاب الله: زليخة.. قصة العشق الخالد

"وقال نسوة في المدينة امراة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا انا لنراها في ظلال مبين"..يوسف

لقد حفل التاريخ عبر حقبه المختلفة بقصص الحب والعشق الخالد ،ولكن لايوجد عشق مثل عشق السيدة زليخة لنبي الله يوسف ،تلك القصة  الدرامية الرائعة التي جسدت اعلى معاني الحب والهيام،باحداثها وتفاصيلها المثيرة التي فاقت كل الحدود ،ذلك الاصرار والثبات على الحب رغم كل شئ..

لم يذكر القران "زليخة "باسمها الصريح وانما ذكرها على انها "امرات العزيز"..

وزليخة:هي زوجة عزيز مصر"بوتيفار"،وقد كانت امراة ذات حسن وجمال واشتهرت بانفتها وكبريائها،لكنها لم تنجب من بوتيفار،وكان هذا سببا لشراء زوجها ل"يوسف" من بعض السيارة ليتخذانه ولدا لهما،لما راى فيه من جمال وذكاء وفطنة "وقال الذي اشتراه من مصرلامراته اكرمي مثواه عسى ان ينفعنااو نتخذه ولدا"..يوسف21

ترعرع يوسف في بلاط العزيز حتى صار شاباحسن الوجه،حلو الكلام،لبق،قوي،شجاع،ذا علم ومعرفة،كل هذه الصفات حركت غريزة الانثى داخل زليخة ولم تستطع ان تمنع نفسها من التفكير به والتعلق به بل انه شغفها حبا"وقال نسوة في المدينة امرات العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا انا لنراها في ضلال مبين"..يوسف30

وهذا ماحدث فعلا فقد بدات زليخة مطاردتها ليوسف وسرعان مااقتنصت اللحظة المناسبة لتراوده عن نفسه"وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلّقت الابواب وقالت هيت لك قال معاذ الله انه ربي احسن مثواي انه لايفلح الظالمون"..يوسف23

وقد استخدمت كل اساليبها للايقاع به وكادت ان توقعه في حبائلها لولا انه راى برهان من ربه صرفه عن فعل السوء في اللحظة المناسبة"ولقد همت به وهم بها لولا ان راى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين"..يوسف 24

استطاع يوسف ان يتملص منهاووصل الى الباب لكنها قدت قميصه من دبر باللحظة التي فتح فيها "العزيز" الباب،فحاولت ان تبرر ذلك لتنقذ نفسها من ذلك الموقف المشين فاتهمته زورا بمحاولة النيل منها"قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من اهلها ان كان قميصه قد من قبل فصدقت وهومن الكاذبين وان كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين"..يوسف26-27

استغرب "العزيز" من هذا الموقف خصوصاانه راى ان قميصه قد من دبر،عندها قال مقولته الشهيرة "فلما راى قميصه قد من دبرقال انه من كيدكن ان كيدكن عظيم"..يوسف 28

وقد جرت هذه المقولة "كيدكن عظيم" على لسان القاصي والداني واتخذت سبّة ونسبت خطأ الى الله عز وجل وهومنزه عن ذلك وجرت على لسان العامة والخاصة بانها اية من ايات القران الكريم وانها موجهه للمراة بصورة عامة كونها مخادعة وتكيل بمكيالين وبالحقيقة هي مقولة "بوتيفار"عزيز مصر وقد ذكرت في لحظتها حسب السياق العام للقصة..

سجن يوسف ظلما وقضى سنين طويلة فيه حتى جاء امر الحلم واطلق سراحه،واستطاع ان يرد اعتباره ودارت به الايام فاصبح عزيز مصر" وكذلك مكناليوسف في الارض يتبوأ منها حيث يشاء".. يوسف56 غير ان زليخة لم تتوقف لحظة عن حبه والتفكير به،بل زادت شغفا به بعد ان خسرت كل شئ جمالها ومالها وشبابها وبصرها من بكاءها عليه، ومرت السنين ولم تقطع الامل برؤية يوسف ثانية بل زاد عشقها له وكانت تسال عنه القاصي والداني،ثم دخل الايمان قلبها  وكانت تصلي ليل نهار وتدعواالله  ليجمعها بيوسف،وذات يوم مر موكب يوسف فنادته ثم قالت"الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيدا ،وجعل العبيد بطاعتهم ملوكا" توقف عندها وعرفت عن نفسها بعد ان اصبحت عجوزا هرمة،وشكته من ابتلائها بحبه وزوال جمالها بعد ان كانت اجمل امراة بمصر،فسالها عن حاجتها،فقالت ان تسال الله ليعيد الي شبابي وجمالي فكان لها ماارادت ،فقد اعادها الله الى سابق عهدها واوحى الى يوسف للزواج منها ليكملا حياتهما معا..

نستشف من هذه القصة النقاط التالية:

1- ان بذور الشر لاتثمر غير الشر وان بذور الخير تثمر وتزهر عطاء دائم،فبالصبر والايمان تتحقق الاماني وان كانت مستحيلة.

2- كل محاولات زليخة للايقاع بنبي الله يوسف باءت بالفشل رغم سلطانها وجمالها لانها كانت عاصية،لكنها تكللت بالنجاح بعد ان دخل نور الايمان الى قلبها ،وقد ساعدها الله لما راى فيها من اصرار على حبها للنبي وصبرها وابتهالها ومناجاتها لله جل وعلا،فكانت المكافاة مجزية وذلك جزاء المؤمن الصابر.

3- "كيدكن عظيم"هذه المقولة التي استغلت من قبل الناس والتي نسبت خطا لله جل وعلا انما جاءت على لسان" بوتيفار" عزيز مصر ،وكانت وليدة لحظتها،وليست دستورا يستغله البعض للتقليل من شان المراة.

4- قد يكون الجمال احيانا ابتلاءا يدفع ثمنه صاحبه كما حدث للنبي يوسف عليه السلام.

5- اعتراف زليخة بخطاها  ثم توبتها وطلب المغفرة من الله"وماابرئ نفسي ان النفس لامارة بالسوء الامارحم ربي ان ربي غفور رحيم"..يوسف53

6- تسامح النبي يوسف وتلك القدرة الهائلة على الصفح والغفران والصبر على الاذى رغم تعرضه للظلم مرتين الاولى على يد اخوته والثانية على يد زليخة،وقد قابل الاساءة بالاحسان وتلك اخلاق الانبياء.

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم