قضايا

فلسفة التاريخ الاجتماعية

مشكلة الإنسان المركزية في حياته أنه ينظر إلى التاريخ باعتباره تسلسلًا زمنيًّا عابرًا بحُكم الأمر الواقع، وهذا يعني أن التاريخ مُجرَّد وعاء للأفعال الماضية التي انقضت وانتهت. وهذه نظرة قاصرة شديدة الخطورة. إن التاريخَ ترجمةُ الزمن إلى معنى، وتحويل الوقت إلى فكر، وإحالة الموضوع إلى محتوى. والفِعلُ الماضي وُجِدَ ليبقى في نواة المجتمع الأساسية، ويتكرَّس كحياة اجتماعية متكاملة وقائمة بذاتها، ومليئة بالدروس والعِبَر، مِن أجل الاستفادة منها، وصناعة الحاضر، والانطلاق إلى المستقبل. والماضي هو المستقبل المُؤجَّل، والقوة الدافعة للانبعاث في قلب المدنية والحضارة. والماضي بابٌ مفتوح على الحاضر والمستقبل، لا يُمكن إغلاقه، ولا كسره. والإنسانُ لا يَستطيع الخروجَ مِن جِلْده حتى لو أراد. وكما أن الباب المفتوح لا يُفتَح، كذلك الماضي لا يَمضي.

2

تتمحور رمزيةُ التاريخ حول قيمة المعنى الإنساني وبُنيةِ التحليل الفكري. وفي كل نسق معرفي تُشكِّل القيمةُ والبنيةُ منظورًا اجتماعيًّا متماسكًا ذا تماس مباشر مع حياة الفرد والجماعة، وأحلامِ العقل الجمعي، وطموحاتِ المجتمع الكُلِّي. وإذا انتقلَ التاريخُ من حصار عقارب الساعة إلى دَيمومة الفِعل الاجتماعي، فإن مجتمعًا فكريًّا سينشأ في قلب الأنساق الاجتماعية، ويُطهِّر المعنى الإنساني من العوامل السلبية والعناصر الفوضوية. وبالتالي، ستظهر مفاهيم جديدة تتعامل مع التاريخ كجزء أساسي مِن الحاضر، وقاعدة انطلاق نحو المستقبل.

3

لا يمكن للإنسان أن يعرف ماهية التاريخ، ويصل إلى جوهره العميق، إلا إذا امتلكَ الشغفَ للتنقيب في مناجم التاريخ اللغوية والفكرية. وعمليةُ التنقيب تستلزم القيام بحفريات معرفية في أعماق التاريخ، لاستخراج المظاهر الأسلوبية في تحليل أنماط الحياة القائمة على الوعي والوعي المضاد. والإنسانُ هو الإنسانُ في كل زمان ومكان، مهما كان دِينه وعِرْقه ولَوْنه. ومِن خلال تحليل الأضداد وتفكيك التناقضات، يمكن الوصول إلى طبيعة الأنظمة الفكرية الحاكمة على الأفكار الاجتماعية، والخصائصِ النفسية للفرد والجماعة. ومفهومُ الأنظمة الحاكمة أكبر مِن عَالَم السياسة، وغير محصور في العلاقات الدولية. إن الأنظمة الحاكمة موجودة في كل تفاصيل المجتمع مِن القمة حتى القاع. والكشف عن هذه الأنظمة وروابطها ضروري جدًّا لتحليل مضامين الواقع المنعكسة عن محتويات الذهن.

 

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

 

في المثقف اليوم