قضايا

كورونا: الخوف المزدوج

اشاع فيروس كورونا المستجد (Covid 19) فوبيا اصابت آلاف الناس عبر العالم، وازدادت بتزايد سرعة انتشاره بعد ان تقدمت ايطاليا على الصين في عدد الأصابات ووفاة 800 شخص في يوم واحد!، واحتلال فرنسا المركزالرابع في عدد الأصابات واعلانها أن الوضع (مقلق جدا)، واجتياحه لخمسين ولاية في اميركا، وتحذير العلماء للحكومة البريطانية بأن كورونا سيفتك بحياة ربع مليون بريطاني ان لم تغيير اجراءاتها الصحية، واعلان دول اوروبا قرب نفاد المستلزمات الطبية، ووصول عدد الأصابات الى (300) ألفا، والوفيات (13) الفا لغاية (21/3/2020)، مصحوبة بهوس وسائل تواصل اجتماعي وفضائيات على صناعة رعب احترافية غير مسبوقة عالميا( قاسم حسين صالح ، موقع. المثقف)

في الواقع كانت فلسفتي في الحياة تقوم على المبدأ التالي: طالما والموت قدرًا محتومًا على كل حي فمن السخف الخوف منه، بل علينا تقبله بكل رضا وسرور. والما كان الموت هو اقسى وأقصى حدث مأساوي يمكنه أن يصيب الأنسان في حياته، فكل ما يحدث دونه من أمراض وحوادث وآلام ومتاعب هي أمور مقدور عليها ولا ينبغي أن نخاف منها أو نفقدنا عقولنا وقدرتنا على التكيف مع شروط الحياة بكل تقلباتها ومصاعبها، فكم هو أولئك الذين جن جنونهم عند أو مشكلة صادفتهم؟! وكم هم أولئك الذين من شدة خوفهم من الموت فقد القدرة على الاستمتاع بالحياة؟ وكم هم أولئك الذين اصيبوا بالاكتئاب والقلق والخرس والانفصام وغير من الوساوس القهرية لأسباب تافهة. الحياة هي أغلى وأعظم وابداع شيء منحه الله لنا، حياة كل فرد وحياة الآخرين وحياة الكائنات كلها. وكل من منحت له فرصتها مرة واحدة فقط

يفترض عليه أن يقدر قيمتها ويحفظها ويعيشها بفرح وسعادة كلما وجد إلى ذلك سبيلًا. ولا عذر لكل من ولد ووجد هنا والآن. ولا عذر للإنسان طالما وهو موجودا. ويعرف أصدقائي الذين تعرضوا لبعض الأزمات أن هذا الوصفة هي التي اقولها لهم

حينما أجدهم وقد خارت قواهم العقلية والجسدية بسبب صدمات ومشكلات بسيطة واجهتهم في حياتهم؛ كالفشل في الامتحان، الخوف من السفر ، القلق من الزواج ، الخوف من الأمن أو الإرهاب وغير ذلك من الوسواس القهري الذي يصيب معظم الناس في المجتمعات غير الصحية.

تلك كانت فلسفتي في الحياة وخلاصة؛ أنا لا من الأشياء التي ليس لي عليها سلطان، والموت حق وأنا راضٍ به وهو أقصى ما يمكن أن يصيب الإنسان في حياته. والموت لإ يأخذ إلا ميتا. والأمر كذلك فأن كل ما يحدث أو يحصل لنا ما دون الموت بما في ذلك الأمراض أمور مقدور عليها. ربما كان تلك الفكرة هي ايديولوجية خاصة بي وليست حقيقة علمية لانني اعرف أن ثمة حالات وأحوال وآلام وعذابات يمكن أن يتعرض الإنسان في حياته هي افضع وافجع وأوجع الف مرة من الموت ذاته. لاسيما حالات التعذيب في السجون وآلام بعض الأمراض أجارنا الله وإجاركم منها.

الفكرة التي دفعتني لكتابة هذا المنشور لا زلت احاول الإمساك بها. اقصد فكرة الخوف من المرض أكثر من الموت. وهذا ما لاحظته مع أزمة كورونا الفاجعة.

إذ أن معظم الناس أخذا ينتابهم الرعب ليس خوفا من الموت بالفيروس بل خوفا من أن يكونوا حاملين له وناقلين العدوى إلى من يحبونه. قبل أيام لاحظت فيديو يصور طالب يمني أكمل دارسة الطب في الصين مع ظهور الفيروس، ركب أول طائرة إخلاء الجاليات، كان يطير من الفرح لرؤية أمه ووالده وأخوته واهله ومواطن بعد غياب طول؟! فماذا كانت النتيجة؟ حصد ما لم يكن يخطر بباله أبدًا، إذ وجد كل الناس تخاف منه، من أول ما وضع قدمه على أرض وطنه. كل من عرف أنه قادم من الصين صرخ في وجهه وولى مذعورا. وحينما علم والده بعودته، جن جنونه وتمنى لو أنه مات في الصين! طرق عتبة دارهم بمشاعر محبطة مما صادفه في طريقه، ولكن كانت الصدمة حينما رفض والده أن يفتح له الباب وترجاه بأن يعود الصين أو يذهب إلى إي مكان! تلك الحكاية الرمزية تكشف عن جانب من جواب ثورة القيم والعادات والتقاليد والذات والهوية والمشاعر والانفعالات التي أخذت تكتسب معاني ودلالات لا سابق للإنسانية بها أبدًا.

فالخوف حالة من حالات الانفعال الإنساني ينتاب المرء بها شعور قوي بالخشية والقلق والتوتر والروع والهلع وغير ذلك من حالات الشعور ومقاماته. وقد يكون هذا الشعور واقعاً وحقيقيّاً، أو رمزيا متخيلا. والخوف فطري في الكائن الحي إذ أن الكائن منذ أن تفقس بويضة ميلاده في رحم أمه يحيطه الخوف من كل الاتجاهات، ويقال أن أول صرخة للمولد الجديد هي صرخة الخوف من الحياة المتعبة! وللخوف وظائف إيجابية في حدوده السوية المتوسطة؛ الخوف من الموت، الخوف من الله ، الخوف من الفشل الخوف من المجهول، الخوف من العقاب الخوف من العوز ، الخوف من الفضيحة، الخوف من الاحتقار، الخوف من الضياع الخوف من الحرمان الخوف من القتل أو من الظلم وغير ذلك من احوال الخوف الطبيعية التي تحفظ حياة الكائنات الحية والإنسانية على وجه الخصوص. وتختلف أنواع الخوف باختلاف أنواع التهديدات التي تثيره في نفوس الناس. يحدث الخوف علميّاً نتيجة تنبّه منطقة معيّنة في الدماغ تسمّى اللوزة الدماغيّة إلى حالة الخوف، ممّا يؤدّي إلى إفراز الهرمون المحفّز للغدّة الكظرية من قبل الغدة النخاميّة، وهذا بدوره يؤدّي إلى إفراز هرمون الأدرنالين والنورادرينالين اللذان يعملان على تحديد استجابة الجسم للمحفّز هنا وهو الخوف إمّا بالمواجهة أو بالهروب، ويتسبّب الخوف بتسارع في نبضات القلب والدّوار والتعب وفقدان الشهيّة والتوتّر وزيادة التعرّق وخاصّةً في راحة اليدين. مع كورونا لم تتغير العلاقات والعادات والتقاليد وكل شئ ما يتصل بحياة البشر من الخارج بل وهناك تغيير بلغ صميم الذوات في الداخل وفي طبق العواطف والمشاعر. إذ لم يعرف الناس هذه الحالة من الخوف المزدوج إلا مع كورونا؛ أنه خوف مركبا من مؤثرات عدة والطريف في الأمر أن ليس من بينها الخوف من الموت ذاته. مع كورونا يكتسب الخوف معاني ودلالات بالغة الحساسية والخطر في مجال العلاقات الإنسانية" فجأة لم يعد الإنسان المعاصر -منذ نهاية القرن التاسع عشر- جسماً يدّعي أنّه مساحة أخلاقية لا يزال يمتلك الوصاية الاجتماعية عليها تحت عنوان "الصحة"، بل هو قد تحوّل بسرعة مرعبة إلى دوائر حيويّة لا متناهية من "إمكانيات المرض" لا يرى منها سوى طبقتها الخارجية فقط. إنّ حدود أو تخوم الجسد قد تغيّرت بلا رجعة، سواء نحو الداخل (في اتجاه الخلية) أو نحو الخارج (في اتجاه الأجسام الحية الأخرى)، وفجأة غيّر مفهوم "المرض" من دلالته. إنّه لم يعد خطأ صحّيا (ناتجا عن "حمية" غير مناسبة) ولا هو ضرورة بيولوجية تحت مفعول العمر (مثل الموت)، بل هو مساحة "فيروسية" لا نراها، بل هي عصيّة حتى على المجاهر العادية. -إنّ هوية أجسادنا إذن لا توجد بين أيدينا، في مساحة أخلاقية مرئيّة، يمكننا أن نسيطر عليها، بل هي قد أصبحت توقيعات وراثية تتخطى الادعاء الأخلاقي للبشر من أجل أن تعيدهم إلى التركيبة الخلويّة التي يشتركون فيها مع النبات والحيوان-، تلك التي أقامت الإنسانية التقليدية لفترات متطاولة انفصالها الأخلاقي أو الميتافيزيقي عنها" (فتحي المسكيني، الكورونا من معارك الجماعة إلى حروب المناعة، مؤمنون بلا حدود، ١٣ مارس٢٠٢٠).

مع كورونا يكتب مفهوم الرهاب ( الفوبيا) كامل طاقته التوليدية إذ أن الفوبيا" ومفردة (Phobia) مشتقة من (Phobos) وهو آله الخوف عند الإغريق.وتشير إلى خبرة الخوف المفرطة أو غير المناسبة، أو الخوف الذي يدفع إلى الهرب. والرهاب (الفوبيا) خوف فجائي مفرط من موضوع أو موقف معين. والمفارقة ان الشخص المصاب به يعرف أن خوفه لا يناسب مصدر الخوف، ومع ذلك فأنه يفقد السيطرة على الإحساس المفرط بهذا الخوف الذي يرتبط بمثيرات متعددة ومتنوعة تعمل على إحداثه مثل: أماكن شاهقة، مناطق مغلقة، الوحدة، الناس، العواصف ، رؤية الدم ، الجراثيم والفيروسات ، المرض ، الحرائق ، والحيوانات.

وللرهاب تعريفات متعددة، منها:

- هو اضطراب قلق يتصف بخوف مفرط أو غير مناسب.

- خوف شديد ومستمر من موضوع أو موقف لا يعد في الواقع مصدراً واضحاً أو بارزاً للخطر.

- خوف من نوع خاص لا يتناسب وحقيقة الموقف، ولا يوجد تفسير أو سبب واضح له، وهو أبعد ما يكون عن قدرة الشخص في السيطرة عليه أو تجنبه .

- هو خوف مبالغ فيه ولا يحمل في طياته ما يبرره. بحسب عالم النفس العراقي قاسم حسين صالح.

في تأمل قوبيا كورونا الصاخب اليوم في كل مكان من عالمنا الأرض يمكن رصد دوائر الخوف المصاحبة في جملة من النقاط هي:

اولا: خوف الأفراد والمجتمعات من كائن مجهول الهوية يصعب التعرف عليه.

ثانيا: خوف كل فرد من كل الأشياء التي تحيط به في بيئته الأسطح والأشخاص والأسواق والمواصلات والمؤسسات والحيوانات والأغذية والرياح وكل شيء تقريبًا.

ثالثا: خوف كل فرد من أن يكونا مصابا بالفيروس ومن ثم ناقلا للعدوى لأقرب الناس اليه من الذين يحبهم.

رابعا: خوف المرء من أنه إذا ما قدر الله وأصيب بالمرض سوف يكون منبوذا من كل العالم ومن اقرب الناس اليه ولن يجد من يحيطه بالرعاية والمواساة في لحظة مرضه وقد يمت دون أن يجد من يودعه ولا يعرف كيف مات وأين تم دفنه.

خامسا: مع كورونا يكتسب الخوف والموت معاني ميتافيزيقية تتصل بقيمة الكائن الإنساني وكرامته التي تضمحل إلى حد كونه مجرد جسدًا ناقلا للعدوى والموت والخطر.

سادسا: لا حلول بديلة لهذه الفوبيا الجديدة غير التزام الناس بتعاليم دولهم والبقاء في منازلهم مع الاحتفاظ بكل متطلبات الواقية والنظافة والصحة والتباعد الجسدي بين الأفراد واستخدام الوسائل المتاحة لتحصين الأطفال والكبار بالسن والتركيز على الأغذية المقوية للمناعة كما وصفها الأطباء.

 

أ‌. د. قاسم المحبشي أستاذ فلسفة التاريخ والحضارة

 

في المثقف اليوم