قضايا

الإعلامى السوبر.. طريق الإعلام المصرى إلى العالمية

عبد السلام فاروقالعالم اليوم أمام مشهد جديد ومختلف

عشرات ومئات الأخبار يتم تناقلها وبثها عبر أثير الإعلام العالمى خلال لحظات على مدار اليوم. الغريب فى هذا المشهد أن الجمهور صار لاعباً أساسياً فى هذه اللعبة الصعبة.

الصحافة الإليكترونية واليوتيوب أتاحا الطريق والطريقة المثلَى لأى شخص عادى يملك أدوات التصوير والتقنيات التى باتت فى كل يد، أن يتحول إلى جهاز بث ينافس أعتى وأعرق المؤسسات الإعلامية الكبري!

تابع إذا شئت أرقام المتابعات على فيديوهات اليوتيوب لتصدمك أرقام تصل إلى المليارات . بينما بطل الفيديو ليس إلا شخص عادى استطاع اقتناص اللحظة التى يخطف بها خبر الموسم!

إنها نفس آليات الإعلام الناجح قديماً وفى كل عصر. لكنها باتت اليوم فى أيدى العامة من الجمهور.

فهل هذا معناه انتهاء عصر الإعلام التقليدى؟ أم أنه الإعلام التقليدى نفسه بثوبٍ جديد؟

وإذا كان مستقبل الإعلام- فى ظل تلك التغيرات الجذرية لموازين اللعبة- على كف عفريت، فهل هناك فرصة لدى الإعلام المصرى للتنافس إقليمياً أو دولياً، بينما يعانى مشاكل كبري وتحديات عظمى متراكمة، ناهيك عن الأزمة العالمية للإعلام عموماً وللصحافة الورقية على وجه الخصوص؟

نحن التاريخ.. ورياح التغيير فى صالحنا

أشهر وأعرق الأسماء اللامعة فى سماء الإعلام مصريون ..

طارق حبيب، فهمى عمر، حمدى قنديل، ممدوح الليثى، يوسف شريف رزق الله، عمر بطيشة، آمال فهمى، نادية صالح، سهير الإتربي، أحمد سمير، حمدى الكنيسي .. وعشرات غيرهم.

اليوم هناك محطات فضائية عربية تنافس وتتصدر المشهد.. لكن الباحث المدقق يكتشف أن تلك المحطات نفسها قامت على أكتاف مبدعين مصريين. فالإعلام حتى وقت قريب كان مصرياً خالصاً.

بل إنك لو بحثت فى أروقة الإعلام العربي المتصدر اليوم ستكتشف أن أكثر العاملين به مصريون.. بدءاً من الإعداد إلى التحرير إلى الإخراج إلى التصوير.. الأطقم الفنية خلف الشاشات أغلبهم كفاءات مصرية هاجرت بحثاً عن رزق أوفر وأجور أعلى ليس إلا .

غير أن واقع الإعلام لا يعترف إلا بالتطور ومواكبة الحدث والمعلومة والخبر.  فالسبق الصحفى يظل سبقاً مهما كان اسم وجنسية صاحب السبق.

هناك إعلام جديد نشأ على الهامش والحواشى، ثم إذا به يتحول إلى غول يلتهم الجميع. الإعلام الرقمى هو البطل اليوم الذى تسعَى إليه كل وكالات الإعلان .. ومن المألوف اليوم أن ينشئ أحد اليوتيوبرز قناة، فتشتهر، فتشتريها شركة بألوف الجنيهات، ثم تستغلها إعلانياً لتربح الملايين . المسألة لم تعد مجرد عمل صحفى روتينى يرصف الأخبار رصفاً، وإنما حرفة وفن صعب فى كيفية اجتذاب اهتمام المتابعين والفانز بكل طريقة ممكنة، لأن تلك الحرفة تُترجم إلى تلال من الأموال.

وعلى الناحية الأخرى ينفق الإعلام التقليدى ملايين الجنيهات ولا يربح إلا القليل لو كان ما يزال يحقق ربحاً بالفعل!

العالمية هى الكفاءة .. لا التكلفة

هناك تجارب صحفية رقمية عديدة تؤكد حقيقة هامة قد تقلب الموازين ..

هذه الحقيقة هى أن الطريق للجمهور لم يعد رهناً بالتكلفة المرتفعة للخدمة الإعلامية. وأن هناك من استطاعوا تحقيق رواج جماهيري واسع المدَى بأقل التكاليف.

وهى تجارب بالعشرات . أفراد أو مؤسسات، سيان.

المطلوب إذن هو النزول من البرج العاجى الذى يصر الإعلام التقليدى على المكوث فيه إلى هذا الجمهور البسيط وملاحظة ما يستهويه حقاً . رصد الذوق الشعبي الإعلامى بعد أن تغيرت أنماطه وتبدلت أهواؤه وأمزجته .

لا بد من دراسة ذوق السوق قبل خوض سباق يتصدره الجمهور نفسه!

عشرة فى واحد!

مهمة الإعلامى المتميز لم تعد مهمة واحدة كالأمس القريب .. أبداً ..

الإعلاميون أصحاب الريادة والتميز لديهم عشر مهمات تجرى فى آن واحد .. بدءاً من اقتناص الخبر إلى التقصي والمتابعة، ثم التجاوب والتفاعل، ثم الرد على الجمهور، ورصد ردود فعله، بالإضافة للمنافسة والتسابق مع المؤسات الإعلامية الأخرى ووكالات الأخبار المحلية والعالمية والإقليمية . ثم تدريب الكوادر وتحديث المنظومة .. والأهم تطوير الذات لمواكبة ركب التقدم الذى يتسارع بطريقة مخيفة .. فكم عدد الإعلاميين القادرين على تحقيق النجاح والتطوير فى مؤسساتهم وفقاً لهذه الآليات؟

التساؤل تم طرحه فعلاً على الإعلامين والمتخصصين والأكاديميين. وجاءت الإجابة متشابهة ومكررة: أننا فى حاجة لتطوير شامل يواكب الطفرة التكنولوجية الحادثة فى الكيان الإعلامى العالمى، بدءاً من تطوير مناهج التدريس الجامعى فى كليات الإعلام وأقسام الصحافة والمعاهد والأكاديميات الإعلامية المتخصصة .. مروراً بصياغة برامج التدريب المكثفة للعاملين بالحقل الإعلامى طبقاً لأحدث لمستجدات التقنية فى المجال الإعلامى والصحفى. وانتهاءً بإنشاء المراكز البحثية ومراكز الصحافة الاستقصائية وبنوك المعلومات وشبكات المراسلة والتحرير المتطورة القادرة على متابعة الأخبار لحظة بلحظة .

ربما تكون أمور مكلفة .. لكنها أيضاً مربحة .

والأهم أن التطوير صار بديلاً لاغنى عنه .. إما هذا أو الاستسلام لطوفان الإعلام الرقمى  الذى سيلتهم الإعلام التقليدى يوماً ما.

الطريق للعالمية يبدأ من هنا

نحن فى حاجة اليوم إلى الإعلامى السوبر.. صاحب أفضل المواصفات القياسية، لأن المنافسة باتت صعبة وقاسية ولارحمة فيها . إما أن تُدهش الجمهور فيحبك، أو تهمله فيهملك.

لا بد للإعلامى اليوم أن يجيد لغة أجنبية أو عدة لغات حتى يتاح له الإطلاع على أحدث المستجدات الغربية بشكل مباشر وطازج، لا نقلاً عن جهة ما . مع إجادته التامة لأدوات التقنية والتكنولوجيا.

لابد له ثانياً أن يجيد اختيار طاقم العمل المساعد له مع إجادة توظيفهم فيما يجيدونه، مما يساعده على سرعة الإنجاز والتجاوب مع المعلومة والخبر الصحفى .

مواصفات أخرى عديدة لا بد من توافرها فى الإعلامى الذى يقود ركب الإعلام للعالمية .. كسعة الإطلاع، وطول الخبرة، وقوة التأثير، والحصافة والذكاء والمرونة، بالإضافة لتمتعه بشبكة علاقات اجتماعية وإعلامية محلياً وخارجياً .

نحن فى حاجة إلى ألف إعلامى بهذه المواصفات حتى يتسنى لنا التقدم فى ركب التطور الإعلامى محلياً ودولياً، لأن الصحافة اليوم لا يصلح فيها نهج الروتين والتقليدية الذَين يتسمان بانعدام روح التنافس، وانتفاء القدرة على التكيف ومواكبة التطور.

نعم لدينا كفاءات بالألوف .. ونعم نستطيع أن نصل للعالمية ..

فهل لدينا الإرادة الحقيقية لاتخاذ تلك الخطوة؟

 

عبد السلام فاروق

 

 

في المثقف اليوم