قضايا

مراد غريبي: بحثا عن المثقف عربيا وإسلاميا: من الاحترافية إلى الحكمة

مراد غريبيمع كل إشراقة صباح تزداد أسئلة الثقافة والمثقف والنقد والتنوير والتجديد والاصلاح والنهضة إلحاحا وضغطا وتعرية وكشفا لعدة إخفاقات وامراض واوهام طالت جذور الوعي الثقافي، حيث سؤال التفكير والتجديد بين المنهج العلماني والمنهج الإسلامي الاكثر  بروزا في اعتبارات الواقعية والمصداقية بين العديد من رواد الثقافة من مثقفين وأكادميين ومفكرين مجددين، ولا يمكننا الوقوف على حقيقة واقع المثقف في المجال العربي والإسلامي  ودوره ورسالته في مجتمعه، الا من خلال كاشف الإحترافية التي عرضها الراحل ادوارد سعيد بكتابه صور المثقف، كخطر مهدد لموقع المثقف في مجتمعه وعلى رسالته الأخلاقية في صناعة الوعي وتعديل الرؤية للأهداف والغايات الحضارية وليس تغليب الميول الغالبة وتزوير الأهداف والمتاجرة بالأفكار لتصفية حسابات وهمية أنتجتها الإحترافية ضمن أنساق الأزمات الثقافية التاريخية أو الاكتئاب الفكري النابع  من فشل تحصيل رواد  واتباع ضمن مسارات الفكر والفلسفة والأدب والثقافة عموما، وهذا الخطر يكاد يتهدد كل من يصدق عليهم وصف مثقف في أروقة ثقافتنا، لأن التحرر والحرية والاختلاف والنقد والتنوير والتجديد مسؤوليات والمسؤولية تحتاج قيم وأخلاق حتى ترقى لمستوى العضوية الاجتماعية التي ترسم معالم الإيمان بالوطن والأمة والإنسانية وليست لافتات مرحلية، فلا المثقف العلماني أو الديني في منأى عن خطر الاحترافية التي تعود في نشأتها لشعراء البلاط وفلاسفة الرواق وفقهاء المعبد وشيوخ الفتن، والإحترافية البغيضة هي تلك التي تجعلك تثير الجدل لأهداف مضمرة أي تجادل لأنك تريد تستفز الآخر ليس لتحاوره وإنما صياغة صورة نمطية حوله سواء كانت صحيحة أو خاطئة  وهذا ما يحدث غالبا بين العلمانية الملحدة والمتطرفين الإسلاميين،  بينما العلمانية المؤمنة والاعتدال الإسلامي غالبا هناك هامش من التراشق والحوار غالبا لا ينال قسطه من الموضوعية ومحاولات التكاشف، ولعل بعض المثقفين من كلا المنهجين محمي من هذا الداء والخطر على أساس بصيرته ونزعته الإنسانية المنفتحة على الحياة بكل صدق وإخلاص لرسالته الثقافية المرتكزة على أسس بالتي هي أحسن وما يتناسب والأخلاق الحضارية المشتركة أو لنقل مكارم الأخلاق، المثقف حكيم ومن اوتي  الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا، لا يقيم الظواهر بتعميم ليضرب منافسيه سواءا في الجامعة أو الصحافة أو الفكر والدين والإنسانية، حيث يمكن الإشارة هنا لكتاب صدر مؤخرا  حول الأمية الأكاديمية للدكتور علي أسعد وطفة الذي يناقش وينقد ويرشد وينبه ويقارب للاشكالات والمشكلات والآثار والأبعاد والتحديات والاستراتيجيات بلغة الموضوعية والدقة العلمية لتفكيك مأزق الأمية وليس بالتعالم والتمويه الإعلامي والثقافي، فأهم محفز للاحترافية عند المثقف هو التنافس المؤسس على النكوص والتعالي عن نقد الذات والمنهج والتيار والطائفة، حيثما  يكون فثمة الذكاء والنباهة والحذاقة والتحضر والتمدن، هناك منزع نفسي متفاضل بين المثقفين الذين يعانون من الإحترافية في أداء الدور أو المماثلة للمثقف الغربي أو الشرقي، التاريخي أو المعاصر، الهرطقات عديدة والمكاشفات لا تكاد تذكر، التحرر الفكري والنباهة المعرفية والنقدية المنفلتة ليست كتابة مقال كبالون مائي تبلل به عقول القراء، على انك حذق وتقارب الظواهر وتنقد الواقع بمساحيق ثقافة ايريك زيمور الذي يعرفه جيدا مثقفو ما بعد الحداثة, البلجيكي  ميشال كولون والبريطاني فرانك فاريدي الذي تساءل : أين هم المثقفين؟، هذا في راهن المشهد الثقافي الغربي الذي يزخر بنقاشات وجدالات حول دور المثقف من عصر التنوير والحداثة إلى عصر ما بعد الحداثة، لكن عندنا في بيتنا العربي والإسلامي حري بنا أن نتساءل: هل يوجد مثقفون أحرار في مجالنا العربي المعاصر؟ وكيف يتحرر المثقف عندنا؟

المثقف الحكيم هو الذي يؤلف كتابا يطرح فيه كل انشغالاته وإشكالاته على الآخرين من أي تيار كان ضمن تيارات الفكر والثقافة في المجال العربي ليس عبر روايات مفخخة تعكس نكوصه عن مواجهة المثقف العلمي الحكيم كما كان جون بول سارتر يجلس في المقهى ليناقش ويحاور، لكن كثير من محترفي الثقافة عندنا، ليست بضاعتهم سوى مفرقعات النفسية عبر الصحافة المكتوبة والمرئية يحتاجون لشجاعة تعالوا الى كلمة سواء ننطلق منها لنفتح نوافذ ثقافتنا على الهواء الطلق، أما غير ذلك فمجرد   انفعالات ذات خلفيات متعددة الأبعاد لا تسمن ولا تغني من  ظلاميات همبورجر الثقافة الغربية، آن الآوان أن نقول للعلماني المتعالم وللديني المعجب كلاكما يعلف لكن من ايناءين مختلفين وكلا الانائين ليس فوق النقد ولابد أن يكون الأساس الموضوعية المفتوحة على احترام عقول الناس وليس الوصاية بإسم الحداثة أو الدين...

يبقى أن اختم، أنه حتى هذه السطور لها وعليها، ما كتبتها سوى لمشاورة الرجال، فنحن بأمس الحاجة للنهل من خبرات علم النفس الثقافي في دراسة ظاهرة التعصب الفكري والنقدي التي بدأت تظهر وتتوسع في اوساط المفكرين والعلماء والاكادميين والادباء في مجتمعات العالم العربي والإسلامي، مما يستدعي الوقوف أساسا على ظاهرة التعالم الإعلامي لدى بعض الكتاب علمانيين ودينيين ممن بلغ بهم العجب إلى استحمار القراء..

 

بقلم: مراد غريبي

 

 

في المثقف اليوم