قضايا

محمد محفوظ: مختلفون ولكننا متساوون

محمد محفوظفي سياق التوجس والتوتر، اللذين يسودان العلاقة بين المختلفين، لأسباب دينية أو مذهبية أو قومية أو إثنية، تبرز حالة العداء النفسي تجاه المختلف، والتي تأخذ أبعادا وصورا عديدة، وقاسمها المشترك هو نبذ الآخر المختلف، ووصمه بكل الصفات والخصائص السلبية سواء على مستوى الاعتقاد والتصور، أو السلوك والممارسة..

فإن تطهير النفوس جميعا من الأحقاد وسوء الظن ووساوس الشيطان ومفردات الكراهية، هي الخطوة الأولى في مشروع إدارة اختلافاتنا مهما كان حجمها بصورة حضارية.

ولا ريب أن حالة العداء والعداوة، من الحالات التي تحتاج إلى معالجة واعية ودقيقة، لأنها حالة نفسية سلبية ضد الآخر، بحيث تستهدف نفيه ونبذه، ورفضه في نفسه أو موقعه أو مصالحه، وتتحرك هذه الحالة العدائية بطريقة تدميرية، متوحشة على مستوى القول والموقف وعلى مستوى الشعور والفكر، وعلى مستوى الحياة بمختلف تفاصيلها ودوائرها..

لهذا تكثر الصور والأساليب المستخدمة، في ذم الآخر، وتسفيه آرائه ومعتقداته والعمل على إبقائه في دائرة النبذ و القتل الاجتماعي والمعنوي. 

وإذا أردنا أن نكتشف حجم وفداحة العداء النفسي والاجتماعي، الذي بدأ يستشري في مجتمعاتنا ضد الآخر الديني أو المذهبي أو القومي، فلنتصفح صفحات الانترنت ونطلع على بعض المواقع الالكترونية المتخصصة في تعميق حالة العداء بين المختلفين، وشحن النفوس تجاه المغايرين.. واستخدام في سبيل ذلك، كل المفردات وعمليات الشحن النفسي والتعبئة الاجتماعية التي تقشعر لها النفوس والأبدان..

لأنه حينما تتحول الاختلافات العقدية أو الفكرية، إلى حالة من الضيق النفسي والمشاعر الحاقدة، حينذاك تتحول هذه الحالة إلى خطر يهدد مجتمعاتنا، ويوفر كل أسباب الصدام لأي سبب من الأسباب..

لهذا يسجل لنا القرآن الكريم، أول حالة عداء حدثت في الوجود بين إبليس وآدم، من جراء حالة نفسية تمثلت في الحسد والكبر، تلبست إبليس، وحولته إلى رافض للامتثال لأمر الباري عز وجل.. إذ يقول تبارك وتعالى: (فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين، قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) "الأعراف: 11، 12"..

فحينما يشعر الإنسان، بأنه أفضل من الآخر المختلف دينا أو أخلاقا أو أصلا اجتماعيا، فإن هذا الشعور الاستعلائي يقوده إلى الكثير من المهالك والمآزق.. وهي التي قادت إبليس إلى الطرد من الجنة.. إذ يقول تعالى، ونتيجة لاستعلاء إبليس وشعوره بأفضليته على آدم: (قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) "الأعراف: 13"..

فنحن نختلف مع غيرنا، وغيرنا يختلف معنا، وشعور أحدنا بأنه الحق المطلق، ويمارس من جراء هذا الشعور ممارسات نابذة وطاردة إلى الآخر المختلف باسم تلك العناوين المختلف عليها، هي ذاتها النزعة الاستعلائية التي تقود إلى العداء والعداوة بين الإنسان وأخيه الإنسان..

نحن نعترف بوجود اختلافات بيننا، ولكن هذه الاختلافات، لا تعطي أفضلية لأحد على أحد، لأننا جميعا نمتلك أدلة وبراهين على ما نعتقد ونؤمن، وكلنا ينشد الحق والحقيقة.. والطريق إليها يتطلب المزيد من الحوار العلمي..

 

محمد محفوظ

 

في المثقف اليوم