قضايا

عبد الرضا حمد جاسم: السعادة في العراق في يوم السعادة العالمي (1)

في 12 تموز 2012، الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 20 آذار من كل عام بوصفه اليوم الدولي/ العالمي للسعادة ولبيان مؤشرات حدة المشاعر السلبية التي يعاني منها الناس وذلك اعترافا منها بأهمية تلك المشاعر وتأثيرها على البشر، ولما لها من أهمية في ما يتصل بمقاصد السياسة العامة.

شمل التقرير هذا العام (2023) فقط (137) دولة من اصل عدد الدول المنضوية تحت خيمة الأمم المتحدة الباغ عددها (193) دولة.. جاءت فنلندا في المرتبة الأولى كما موقعها في السنوات الخمسة الاخيرة وأوكرانيا بالمرتبة (92) والعراق حلَ في المرتبة(98) ولبنان للسنة الثانية على التوالي وقع في المرتبة (136) وآخر القائمة أي في المرتبة (137) كانت أفغانستان.. وبهذه المناسبة نشر البروفيسور قاسم حسين صالح مقالة تحت عنوان: [السعادة.. لمناسبة يومها الدولي وحالها في العراق] بتاريخ 23.03.2023.. وكتب في التوطئة: [في تقريرها السنوي لهذا العام (2023) تصدرت فنلندة الدول الأسعد عالميا فيما تصدرت الامارات عربيا وجاء العراق في مرتبة متأخرة، وعن احوالها فيه تتحدث هذا المقالة التي لم يتطرق لها التقرير المذكور] انتهى.

ما اثار انتباهي في هذا التقرير وما نُشر عنه من بعض المساهمين في اعداده وإصداره هو ان هناك جانب أو نَفَسْ سياسي فيه وهذا يمكن ان يلمسه من يتابعه وما قيل عنه من احد المساهمين فيه والدليل هو التالي:

1 ـ قال مساهم في التقرير [ان هناك ارتفاع في المشاعر الإيجابية للشعب الاوكراني].. ليتحسن موقع اوكرانيا في سلم التقرير بالقياس للتقرير السابق من مرتبة (98) الى (90) رغم دمار الحرب ومآسيها تلك الجارية على تلك الأرض منذ 24.02.2022 ولليوم واكيد آثارها ستستمر لسنوات وعقود ومست وستمس أجيال الشعب الاوكراني والمستقبل المظلم المتوقع لتلك الأرض وذلك الشعب مهما كانت او ستكون نتيجة او نتائج هذه الحرب الكبرى..

2 ـ قال مساهم في التقرير: [ان مآسي جائحة كورونا خلال الأعوام الثلاثة الماضية لم تترك اثرا على مستوى السعادة العالمي] وهذا كما اظن مُحير ومثير وغريب حيث كورونا واثارها مست كل الشعوب وتألم منها ولها كل انسان ينطبق عليه وصف انسان وحتى من لم ينطبق عليهم هذا الوصف عكسوا صور من الألم وحاولوا مراعاة مشعار الغير..

3 ـ أشار التقري الى تحسن موقع إسرائيل في قمت السلم التي كانت فيه منذ التقرير السابق حيث انتقلت في هذا التقرير من الموقع (5) الى الموقع (4) لتأتي بعد ايسلندا (3) والدنمارك (2) وفلندا (1).

ملاحظة:

https://al-ain.com/article/day-happiness-five-foods-improve-mood

في يوم السعادة العالمي.. 5 أطعمة لتحسين الحالة المزاجية

الطماطم والحمضيات والخضار الورقية التوت والسلطات3077 السعادة 

اكيد هناك أسئلة كثيرة تُطرح عن وعلى وحول السعادة .. مثل التالية:

ماهي السعادة وكيف تُقاس؟ هل يمكن للإنسان ان يصنع سعادته او يخلقها؟ ما هي المعايير التي اعتمدتها الأمم المتحدة في انجاز دراستها عن السعادة والنتائج التي طلعت بها علينا؟ هل السعادة تُمنح ام تُكتسب ام تُنتزع؟ هل السعادة مراتب ودرجات ومنازل؟ هل السعادة لحظات المتعة واللذة والرضا والقناعة؟ هل السعادة في الرفاه، في الحرية، في النجاح، في التفوق والتميز؟ هل المشاهير من الذين حققوا الكثير سعداء؟ هل يؤثر الدماغ والعقل في موضوع سعادة الفرد؟ هل السعادة مشاعر وانفعالات تنتج مواقف وأفعال؟ هل يتمكن الانسان من اختيار السعادة/الحصول عليها/تصنيعها/ انباتها أو انتاجها مختبرياً (كيمياء/فيزياء/بيولوجي)؟ هل سعادة الفرد من سعادة المجموع ام العكس؟ هل السعادة حالة طارئة / لحظية؟ هل يمكن تمييز الانسان السعيد عن غير السعيد؟ هل السعادة نواة تدور حولها المخلوقات وفق ثوابت؟ هل من ضمن تركيب جسم الانسان هناك غدة تفرز هرمون السعادة واليها تعود سعادة الانسان وهل يمكن تنشيط هذه الغدة وقت الحاجة او اذا أصابها قصور او عطب؟ هل مظاهر الرفاهية والسرور والضحك والتأمل والحب من علامات السعادة؟ هل الحكام والملوك والامراء والمترفين والمتسلطين الذين يملكون الأرض وما عليها وما في باطنها سعداء؟ هل القضاة سعداء؟ ما هي السبل التي تؤدي الى السعادة؟ هل هناك شعب/ مجتمع/مجموعة سعيد/سعيدة وأخرى غير ذلك وما هي صور السعادة هنا؟ هل يستطيع الانسان ان يكون سعيداً في وسط غير سعيد او طارد للسعادة؟ هل تحقيق /توفير الاحتياجات يؤدي الى السعادة؟ هل تحقق احتياجات الفرد بالطرق الملتوية وغير الشريفة (الفساد) تجلب له السعادة؟ هل الحب والابداع والنجاح والتفوق والانشراح والبهجة والاطمئنان من علامات ساعة السعادة؟ هل السعادة هي المدينة الفاضلة التي تتغنى بها دواخل النفس البشرية؟ هل للسعادة حراس ومدافعين ومتابعين وعاملين؟ هل الجغرافية تؤثر على السعادة؟ هل للكوارث الطبيعية المتوقع حصولها في أي لحظة وأي مكان تأثير على السعادة؟ هل الياباني سعيد.. هل الفنلندي سعيد.. هل الأمريكي سعيد.. هل من يعيش في الادغال سعيد وكيف التحقق من ذلك؟

شخصياً اعتقد ان السعادة فردية/ ذهنية ولا اعتقد انها تكتمل دون ان تكون جماعية إنسانية وهي في لبنتها الأولى كما أتصور ايضاً ان يعرف الانسان نفسه بدقة ويتعامل معها بصراحة تامة بينه وبين نفسه ويبدع في فعالياته الإرادية أولاً ويحاول مع أللإرادية بشكل متطور ليكون هذا التطور هو سُلَّمْ للسعادة.. اعتقد ان السعادة في الابتكار والتطوير والإخلاص والإنتاج.. و وفق ذلك اعتقد ان السعادة نادرة فردياً وجماعياً وتتعقد وتتشوه صورتها ومعناها بمرور الوقت ومع مرور الوقت تحيط بها شرنقة التعاسة الصلدة وهي لحظات عابرة يمكن ان تنتهي بكارثة اذا لم يُحسن ادارتها.. اعتقد ان انسان اليوم هو العدو الأول للسعادة، سعادته وسعادة الغير.

بعد البكاء الاول للوليد الناتج عن اعتراضه الواعي / ردت فعله على انتزاعه من مكان الأمان الذي تكَّون فيه وتَصَّور، أي رحم الام الذي سد ويسد كل احتياجاته دون بيع او شراء او مساومة او تهديد او مساومات او مزايدات او اهانات. بعد ذلك الرفض او الاعتراض يشعر الطفل ان عليه القبول بالأمر الواقع والتأقلم معه وبالذات تحت تأثير الفرح والسعادة التي يلمسها عند من يحيط به حيث يعمل الى ان يتأقلم من هذه الأجواء ليطمئن انه اشاع البهجة عند محيطه الذي سد له كل احتياجاته في عالمه الجديد وبالذات بعد ان يعيش الدفأ مرة أخرى بعد دفئ الرحم.. السعادة كما اظن هي الحلم الذي لم يتحقق وحَّيَرَ ويُحَّير الانسان في محاولاته تفسير ذلك الحلم ووضع الأسس اللازمة للوصول اليها تلك التي تساعد على انباته في الواقع سواء بمفرده او بتعاون المحيط الذي يعيش فيه بحلقته أولى او الحلقات اللامنتهية التي تليها.

وانا ابحث عن السعادة في الحياة العامة وفي الأرشيف والمصادر صُدمت ولم اُصْدَمْ بما صار امامي فأغلب المنشور عنها: قال افلاطون وقال سقراط وقال نيتشه وقال كانط وقال غيرهم ولا اعلم ما علاقة هؤلاء الفلاسفة وظروف زمانهم ومكانهم والناس المحيطين بهم ومعاناتهم وحياتهم واحتياجاتهم وسعادتهم بسعادة ناس اليوم فهل احتياجات الناس زمن افلاطون وسقراط ونيتشه هي احتياجات انسان اليوم وهل ظروفهم كما ظروفنا اليوم وهل طموحات الناس المحيطين بهم تقترب من تشعب طموحات انسان اليوم وهل المشاعر السلبية والايجابية في مسيرتهم الحياتية هي نفسها المشاعر السلبية والإيجابية التي تحيط بناس هذه الأيام وهل تزاحم وتصارع البشر وأدوات ذلك ووسائله وقتهم تقترب لحالها اليوم.

سينتفض بوجهي البعض لهذا الطرح ويقول : الانسان بحث ويبحث عن الرضا والاطمئنان والأمان ووسائل العيش الكريم في كل زمان ومكان، لا بأس لكن أقول هل كان البحث عن وسائل العيش الكريم مسيرة سهلة وجميلة بحيث لم تنتج التقاتل والتحارب والحرائق والاضرار وامامنا هابيل وقابيل حيث تقاتلا وهم مؤتمنين على كل الأرض وخيراتها ولا منافس لهما.. هل هناك انسان سعيد في تلك الحقبة وهو الذي يعيش القلق في محيطة من علية القوم والطبيعة بإفرازاتها من ظواهر وامراض والقلق على معيشته ومن معه مع ندرة المتوفر (كمية ونوعية).. انا اعتقد ان طرح الأساتذة افلاطون وسقراط ونيتشه وغيرهم من الذين قبلهم وبعدهم دليل على انها مفقودة او غير معروفة او ملموسة على زمانهم لذلك طرحوها كفلاسفة واختلفوا عليها وعلى معاييرها .. لا اعتقد ان سقراط عرف السعادة لكن ربما صنعها لنفسه من خلال الفلسفة حيث كان من يحيط به من الناس يعرفون حاله وحالته والقريبين منهم يعرف انه كان مهتم بالنفس الإنسانية والقول وقائله والرضا من النفس وهذه لا تترك له مجال للشعور بالسعادة حيث انه يعيش القلق في تفسيرها والتفكير بها وربما يعتبره البعض من الزنادقة وافلاطون عرفها بالعقل ولم يلمسها او يعيشها رغم جمهوريته الفاضلة التي ربما نشدَ السعادة بالعمل على ايجادها او اكتفا بأنه طرحها وتمناها وتخيلها فأسعدته ب (الفضيلة والشجاعة والحكمة) .و اخرون قالوا بعد ان عجزوا ان الإرادة هي التي تنتج السعادة او ترسمها او تُشعر الشخص بها.. حيث الأفعال الارادية تُحقق وجود النفس وتُشَّرِفْ الانسان لأنها فضيلة وتمنع الانسان من إيقاع الضرر بنفسه وبالغير.. و اختلفوا هنا حول الفضيلة وتفسيرها وهل هي العدل او الرحمة وتفرقوا في كيفية الوصول اليها ووتوصيفها وتفسيرها وتحديد معانيها وصورها واشكالها وكل خير فضيلة وكل عدل فضيلة وكل صحيح فضيلة وكل دقة وابداع فضيلة.

اما طرحها اليوم فهي رغبة انسان هذا الزمان في البحث عن شيء مفقود/ غير مرئي او يمكن تَلَّمسه اليوم وهو من تركات أفكار وطموحات ذلك الزمان حيث اخذوا الكلمة فقط "سعادة" ورغبوا في البحث فيها ليتيهوا كما تاه السابقون وانسان هذه الأيام راغب حد الغرام بأن يكرر ما قيل .. طروحات الأمس طرحها فلاسفة اما طروحات اليوم فهي إعلامية تجارية سياسية تحيط بها شكوك وإلا هل يتجرأ احد ليقول بوجودها وتحت يافطتها العريضة ويربطها باحتياجات الانسان التي لا تُقارن باحتياجات الناس وقت الفلاسفة ولو ان سد كل تلك الاحتياجات لا تعني غير الوصول المؤقت للحظة الرضا التي تثير القلق وليس السعادة لان الرضا سينتهي ربما بعد دقائق او في اليوم التالي حيث يعود الانسان الى التجهم والتعاسة وهو يفكر بفقدانها وصعوبة الحصول عليها.. و دليل ان سد الاحتياجات لا تجلب او تقيم او تنتج السعادة هو حال الدولة الأسعد الأولى للسنوات الأخيرة واقصد فلندا حيث انها رغم سد الاحتياجات تُعتبر الدولة التي تنخرها الكأبة وان الانتحار فيها من طرق الرغبة في رؤية او تلمس السعادة.. حيث تتحدث الأرقام عن ارتفاع حالات القلق والكآبة والانتحار في فلندا وكل بلدان قمة تقرير السعادة (الاسكندنافية) بحيث قيل للتندر: [ان حالات الانتحار والكآبة تتناسب طردياً مع السعادة].

الغريب لم اعثر وقد يكون قصور مني على من قال بشأنها هذه الأيام قولاً خارج قول أولئك الفلاسفة.. وكل او اغلب اقوال وطروحات اليوم لا تخرج عن تلك الطروحات بعد ان جعلوها نصوص مقدسة" نقل حرفي بتعظيم" وبعضها تجاسر كاتبها وقدم واْخَرَ فيها او ابدل هذه الكلمة بأختها وتلك العبارة برديفتها واللغة العربية بحر كلمات ومعاني.

لقد بيَّن البروفيسور قاسم حسين صالح رأيه بالسعادة في مقالته: [رسالة إلى نفسي] بتاريخ 02.10.2009 حيث كتب التالي: [ والواقع أن كثيرين منّا يحمل مفهوما مثاليا عن السعادة، وهؤلاء لن يصلوا لها ولا يستمتعوا بالحياة . فالسعادة الواقعية لها معياران : أن يكون وضعك الحالي أفضل مما كنت عليه، وأن تكون بمستوى أقرانك في الوظيفة أو المهنة أو المكانتين الاجتماعية والاقتصادية.. ] انتهى

مقالة البروفيسور قاسم حسين صالح التي يُشكر عليها لتفرده بطرح موضوع السعادة هي موضوع المناقشة في التاليات لأنها من أستاذ متخصص بعلم النفس وكونه طرح رأي علم النفس وهو احد المتمرسين بعلم النفس حيث كتب: [وصف علم النفس في بداياته بأن السعادة هي نتائج الشعور أو الوصول لدرجة رضا الفرد عن حياته أو جودة حياته، أو أنّها الشعور المُتكرر لانفعالات ومشاعر سارّة فيها الكثير من الفرح والانبساط.. ما يعني أنّ السعادة برأيه مفهومٌ يتحدّد بحالة أو طبيعة الفرد، فهو من يقرر سعادته من تعاسته]انتهى. وطرح في مقالته: [رسالة إلى نفسي] بتاريخ 02.10.2009 رأيه او تفسيره او تعريفه للسعادة حيث كتب التالي: [والواقع أن كثيرين منّا يحمل مفهوما مثاليا عن السعادة، وهؤلاء لن يصلوا لها ولا يستمتعوا بالحياة . فالسعادة الواقعية لها معياران : أن يكون وضعك الحالي أفضل مما كنت عليه، وأن تكون بمستوى أقرانك في الوظيفة أو المهنة أو المكانتين الاجتماعية والاقتصادية..] انتهى

و اختار البروفيسور قاسم حسين صالح معايير السعادة التي يبدو انه يعتمدها وحددها بالاحتياجات واعتمد هنا هرم ماسلو حيث كتب التالي: [يعد هرم ماسلو للحاجات افضل نظرية بعلم النفس عن السعادة برغم انها ما كانت خاصة بها] انتهى.3078 السعادة 

يتبع لطفاً

***

عبد الرضا حمد جاسم

 

في المثقف اليوم