قضايا

علجية عيش: حديث في المَشْيَخَة والزَّعَامَة..

"نحن اليوم نعيش أزمة "رجال" والزعيم الحقيقي هو من يصلح العود المعوج دون كسره"

أشارت كثير من الدراسات ان المشيخة مرتبطة ارتباطا وثيقا بالذهبية القبلية، فزعيم القبيلة أو العشيرة أو القرية هو من يكون الأكبر سنا والأكثر تعقلا، يتعايش مع كل الأزمات والمواقف، فهو العقل المدبر والعقل الجامع بين أفراد القبيلة أو القرية وهو الحاكم والآمر والناهي فيها، والكل يأتمر بأوامره، وهو الوجيه بالقول والفعل، فصلاحيته تشمل مختلف جوانب الحياة، ولذا يلقبونه بـ: "الشيخ"، فالشيخ كما تقول البحوث هو المسؤول الأول على القبيلة أو العشيرة ومع الدولة المركزية وهو الوحيد المطالب على الحفاظ على العلاقات الإجتماعية، أو كما يسمى عندنا في الجزائر بـ: "تاجماعت" TAJMA3T في منطقة القبائل، فقد كان أعيان المنطقة وأبناؤها يمتثلون لكل القرارات التي تصدر عن تاجماعت، ومن بين الباحثين الذي سلطوا الضور على ظاهرة المشيخة نجد الدكتور غسان الخالد لبناني مختص في العلوم الإجتماعية، ارتكزت بحوثه على التحليل الإجتماعي بالتركيز على النظريات الخلدونية (نسبة الى المؤرخ وعالم الإجتماع عبد الرحمان ابن خلدون).

يقول الدكتور غسان الخالد أن مفهوم المشيخة أو الشيخ أنيطت بها مسؤوليات لابد على أن يتحلى بها، أول هذه المسؤوليات هي حل الخلافات داخل العشيرة وذلك للمحافظة على عملية الضبط الداخلي، أي تجنب الوقوع في الفوضى التي من شأنها أن تؤدي الى اشتباكات بين أفراد العشيرة، أي نبذ الاندفاعية والتهور في الممارسة واتخاذ القرارات من أجل إحلال السلام، حل الخلافات مع العشائر الأخرى أو إقرار التحالفات معها، والشيخ هو ممثل العشيرة في حالة الإعلان عن الحرب أو التفاوض، إلا أنه في هذه الحالات يشترط على الشيخ استشارة شيوخ الأفخاذ ووجهاء العشيرة (الأعيان) في إطار احترام مبدأ "الشورى" قبل اتخاذ أي قرار، كما أن هناك صلاحيات أخرى لها علاقة بالزواج والعلاقات بين الأفراد وغيرها من الصلاحيات التي لا تحق إلا لهذا الشيخ الذي يملك ما لا يملكه ابناء العشيرة من الحكمة والفِراسة والسياسة والتدبر والتعقل والمثالية ما تجعله يحافظ على أمن واستقرار العشيرة أو القبيلة، فلا يكون هناك عنف ولا تطرف ولا فوضى، فهذه الصفات لا تتوفر إلا في رجل يدرك معنى القيادة والمسؤولية، وبالتالي يستحق وصفه بالزعيم.

فالزعامة لها معاييرها وقوانينها وقواعدها، والزعيم وحده الذي يجعل الأفراد أكثر انضباطا، يمشون في صف واحد ويخضعون للقوانين الداخلية فلا يميلون مع الرياح والعواصف مهما كانت قوتها، وهو وحده الذي يصلح العود المعوج دون كسره، ونظرا لأهمية المشيخة في حياة الأفراد والجماعات عرف هذا المفهوم تطورا، وأعطيت له صبغة سياسية، جعلته يخرج من الإطار الإجتماعي التقليدي إلى الإطار السياسي، فظهر ما يسمى بـ: التيار "المشيخي" وتيارات أخرى، أخرجت مفهوم المشيخة من قالبه الأصلي، واختلفت هذه التيارات في توظيف المصطلحات كالشرعية والديمقراطية والحكامة والعدالة كما اختلفت في تحديد العلاقات بين الناس، وقد ساهمت التكنولوجيا الحديثة وظهور مواقع التواصل الإجتماعي في تشويه صورة "الشيخ"، وإعطائه أبعادا أخرى باسم الحرية في الكلام والحركة وتحت شعارات مختلفة لا تخدم مصلحة الجماعة، شعارات حولوها إلى عقيدة (عقيدة الولاء والبراء).

فنحن نرى اليوم كل تيار يرى نفسه هو الزعيم ووجب على الجماعة أن تطيعه ولا تناقشه، تمتثل لأوامره بعينين معصوبتان، ومن يعترض فهو خارج عن الجماعة ووجب إقامة عليه الحد، أو كما قال الحديث: من خرج عن الطاعة وخالف الجماعة فمات، مات ميتة الجاهلية، ومن قاتل تحت راية عميّة يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة... إلى أن يقول ومن خرج عن أمّتي يضرب برّها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي ذا عهد عهده فلي سمني ولست منه (فيما معناه)، هو ما يحدث الآن بين السلطة والمعارضة والتطورات المجتمعية المختلفة، دون أن يولي كل واحد منهما أولوية القضايا المطروحة اهتماما فوقع الشرخ، لأن كل واحد يرى نفسه على صواب وأنه هو صاحب الحق وله الشرعية .

***

علجية عيش

في المثقف اليوم