قضايا

مجيد ملوك السامرائي: الجغرافيا وتكنولوجيا المعلوماتية

الـذكـــاء الاصطناعي – أنموذجا

الجغرافيا: هوية اولا.. ومنهج ثانيا.. وتطوير مستدام لمنهجها، وفهمها كعلم راقي وليس فقط سبيلا للمنفعة او التوظيف كحق مشروع لكل انسان.

ان التطوير والمواكبة المعاصرة تقنيا معلوماتيا لا تلغي او تقزم هوية الجغرافيا بالتعكز او الاستظلال بتقنية او بتخصصات علمية اخرى، وهذا ما وقع فية بعض الجغرافيون من الذين يمنون النفس بلبس ثوب مغاير للجغرافيا تخصصا،   ودأب يتبعهم البعض من طلبتهم، وهذه لا تمنح الجغرافي امتيازا.. إنما تهبط به  وتقزم هذا التخصص العملاق/ الجغرافيا التي تقدم بها الانسان قرونا... والصحيح علميا هو؛ الأضافة والتطوير والاسهام والابداع والابتكار، وخلاف ذلك هو عنوانا للفشل.

الجغرافيا او الجغرافية ميدان معرفي يحتوي المكان بفلسفته العلمية الشمولية ويحللـهُ ويَصفه ويوَصِفَه، ويعبر عنه بدراسة أنظمته المختلفة، ويقـود إلى مخرجات علمية عـبر استخدام أحدث التقنيات والأدوات البحثية، هــو عـلم الثقافة وعلم التطبيـق، وميدان الدراسة والبحث فـي كـل من التوزيعات المكانية لمختلف الظواهر الطبيعية والبشرية، والعلاقات المكانية المتبادلة بين تلك الظواهر، والبحث في مدى وجـود الظاهرة وانتشارها وتباينها المكاني وكثافتها وتعاقبها والتنبوء باتجاهاتها، هـو عـلم تحليلي تركيبي ومعرفة متطورة ذات طبيعة شمولية متباينة زمانياً ومكانيا، وبذلك فأن الجغرافيا ذات بعدين في اهتماماتها العلمية، أي الظواهر الطبيعية والبشرية.

أن كافة حقول المعرفة ذات أبعاد قديمة وحديثـة ومعاصرة، وإذا كانت الجغرافيا الحديثة قـد ركزت على (تجاوز وصف الظواهـر الطبيعية والبشرية الذي أتسمت به الجغرافيا القديمة)، فأن التطور الأحدث للجغرافيا المعاصرة تمثل؛ بالسعي نحو الرقي بهذا الميدان ونقلها من الجانب الأكاديمي النظري إلى الجانب التطبيقي الاستشاري للتحول باتجاه ترتيب المكان وتنظيمه ودراسة الأنماط المكانية للظواهر ونظمها وبما يقود إلي مخرجات علمية جاهــــزة للاستفادة منها في الحقول العلمية ذات العلاقة مكانياً،  وبالتالي تجاوز مرحلة استلام المعرفة من العلوم الأخرى فقط.

تستعين الجغرافيا بالعلوم الأخرى للانجاز: كالجيولوجيا، علوم الحياة، الاقتصاد، التاريخ، الاجتماع، الرياضيات، الفيزياء، الإحصاء، والهندسة، والتطبيقات المعلوماتية المناسبة الكترونيا.

المفاهيم والمعلومات الجغرافية تطورت على مـدى عـدة قرون، وكان للعراقيين السبـق في ذلك منذ العهد البابـلي، ثم جاء الإغريـق، وكان للعرب والمسلمون في العصور الوسطى الإبـداع والبراعـة في حقـل الجغرافيا عـبر ميادين رسم الخرائط والرحلات وكشوف الأرض وحياة الإنسان، ومنهم؛ العالم (الإدريسي) و (الحموي)،   وفي القرون الحديثة تطورت الجغرافيا في مجالات الكشوف والأفكار والنظريات وصدرت المؤلفات الحديثة على يـد الباحثين والمختصين أمثال (كانت، ريـــتر و راتــزل).

في القرن الماضي ( 20 م ) ظهرت عـدة نظريات في حقول جغرافية عــديـدة منها الصناعة، المدن، النقل، السياسية، الزراعية، المناخ، والتربة،   ومن بين العديـد ممن برعوا عالميا (هاريس، و كرستالر)، ومن العرب (محمد السيد نصر، وجمال حمدان)، ومن العراقيين (جاسم محمد خلف)  قبل عام 1960.

عبر السنوات الستين الماضية ظهر التوجه نحو استخدام الأساليب الكمية (الرياضيات والإحصاء) في البحث الجغرافي،   إضافة لاعتماد الأسلوب (الوصفي)،   وبحلول عام 1970 بـدء استخدام الأسلوبين معا يأخذا طريقهما في الأبحاث والانجازات الجغرافية.

اعتمدت الجغرافية المعاصرة أساليب البحث الميداني والكمي والتقانات العديدة والمعلوماتية والبرمجيات ومختلف مصادر البيانات لإنجاز الدراسات والبحوث العلمية ذات الصلة بالمـكان وبدرجة عالية من المصداقية للوصول إلى تحليلات واستنتاجات وتـنبؤات وتعميمات، ومن ثم اقتراح الحلول للمشكلات والاختناقات في مختلف المجالات التي تطرقها الجغرافيا وبما يدعم اتخاذ القرار المناسب بدقة وبسرعة.

ان السعي الدائم من قبل الجغرافيين في مختلف الاختصاصات الدقيقة للرقي بعلم الجغرافيـا يستلزم؛ إشاعة الفكر العلمي المعاصر والمتمثل (بالتركيز على أساليب البحث الأحدث حيثما توفــرت إنجازا ونشراً وابتكارا وإضافة معـرفــية).

تعــد الأساليب الكمية من أساسيات القياس اللازمة لإنجاز البحوث الجغرافية، ويتضمن استخدامها من قبل الباحث الجغرافي؛  جمع البيانات، تبويبها، تلخيصها، عرضها ثم تحليلها بهدف؛  الوصـول إلى استنتاجات وقرارات مناسبة قد تمثل فرضيات وتعميمات ترتقي إلى القوانين والنظريات الجغرافية، ومن خلال إيجاد قيم تقديرية للاستدلال على القيم الحقيقية،  زيادة على اختبار الفرضيات التي توضع كتفسير أولـي (أبتدائي) للوصول إلى قرار نهائي بقبولها أو رفضها، ويعتمد استخدام المقاييس الكمية على المعادلات والقوانين التي وردت بشكل مستقل في دراسات عديدة، وتم تعديلها أو تطويرها، وكذلك الاعتماد على الأساليب الإحصائية - الرياضية المبرمجة حاسوبـياً ضمن منظـومة (Spss ) الإحصائية الجاهزة والمحدثة باستــمرار.

تتمثل سمات الجغرافية الحديثة في؛ التداخل الأوسع بين فروع الجغرافية عـــند دراسة ظاهــرة ما، والبحث عن خاصية المستقبل الجغرافي لمنطقة الدراسة المعنية، وتحديد مشكلات البيئة، فـي محاولة لوضع إستراتيجيات مناسبة لتطويرها، وهـذا يتطلب الاستفادة القصوى مـن الأساليب والتقنيات والتكنولوجيا المعاصرة وفي المقدمة منها (معطيات المعلوماتية).

نظـم المعلومات، ونظرية النظام،  من أحدث أساليب البحوث العلمية الرصينة، إذ إن أية ظاهره تتكون من نظام متكامل مؤلف من عدة عناصر، تتشكل هي الأخرى من أجزاء فأجزاء، ولهذه العناصر علاقات متبادلة، كما إن للنظام (أي نظام) ذات العلاقات مع انظمه أخرى،

وتعتمد هذه الأساليب على الكثير من الأدوات البحثية ومنـها؛  الحاسب بكل ما يحتويه من برمجيات عاملة ومستحدثة للإنجاز الدقيق والسريع والتفصيلي وابرز ذلك؛ نظم المعلومات الجغرافية ( GIS ) التي تعد برمجياتها من أحدث الأساليب المعاصرة للبحث، وازدادت أهميتها بعـد بروز الحقل العلمي الأحدث وهو؛  التكامل بـين مخرجات التحسس النائي ( RS ) ونظم المعلومات الجغرافية ( GIS )،  وكان وراء ذلك تنوع تلك المخرجات بفعل تطور الآليات التكنولوجية للمتحسسات المحمولة على متن الأقمار الصناعـية.[1]

تتطلب الأبحاث العلمية الجغرافية الاحدث وبكل مستوياتها وبياناتها (الوثائقية الوصفية ) و ( المنطقية الإحصائية ـ الرقمية ).. وكذلك إنشاء خرائط نظم المعلومات الجغرافية... تتطلب جميعها؛ أعتماد التطبيقات المناسبة للذكاء الاصطناعيArtificial Intelligence (AI)

والمتمثل؛ بعلوم الكمبيوتر الخاصة بمعالجة المعلومات على نطاق واسع وبوقت أسرع... عن طريق تحديد المعلومات وتقديم الإجابات، مع إمكانية إتخاذ ( القرارات الأكثر ذكاءً ) لتحسين إنجاز الأعمال والتنبؤ بالقيم المستقبلية للبيانات الجغرافية مهما بلغت.. بعد عمليات الجمع والتبويب/التصنيف والادخال.. واختيار التقنيات المناسبة.

تطبيقات الذكاء الاصطناعي في إنجاز البحوث الجغرافية تشمل العديد من المجالات، سواء في الجغرافيا البشرية أو الطبيعية ومن أبرز هذه التطبيقات:

تحليل كميات هائلة من البيانات الجغرافية التي تم جمعها من مصادر متنوعة مثل البيانات الاجتماعية والأقمار الصناعية وأجهزة الاستشعار عن بعد بتحليل صور الأقمار الصناعية لتحديد التغيرات في؛  الأراضي ومراقبة الغابات، ودراسة ونمذجة التغيرات المناخية لتحسين نماذج التنبؤ من خلال تحليل البيانات المناخية التاريخية والتنبؤ بالتغيرات المستقبلية.

تساعد تقنيات التعلم الآلي، والذكاء الاصطناعي في؛ إنشاء خرائط دقيقة وتفاعلية.

تحليل الأنماط الجغرافية المعقدة؛ كدراسة وتحليل أنماط الحركة البشرية،  وتحسين نظم النقل العام، وتحليل حركة المرور وتخطيط المدن.

تحليل توزيع واستخدام؛ الموارد الطبيعية مثل المياه، الأراضي الزراعية، والمعادن، ودراسة وتحليل بيانات الأنشطة الاقتصادية وتوزيع السكان وهجراتهم.

التحليل البيئي لتقييم التأثيرات البيئية للنشاط البشري وإدارة الكواث والتنبؤ بها.

ان هذه التطبيقات تساهم في جعل البحوث الجغرافية أكثر دقة وكفاءة، مما يساعد العلماء وصناع القرار بفهم أفضل لاتخاذ القرارات المستنيرة.[2]

***

أ. د. مجيد ملوك السامرائي – أستاذ أكاديمي، جغرافية

.........................

المراجع:

1. مجـيد مـلـوك السـامـرائي، جغرافية- تكنولوجيا المعلوماتيه وتطبيقات التقنيات الكمية، دار اليازوري العلمية للنشر والتوزيع، عمان،2022.

www.yazori.com                ww.neelwafurat.com

2. مجيد ملوك السامرائي،  الذكاء الاصطناعي - وإستراتيجياته العالمية، شبكة الألوكة، 14/3/2024. https://www.alukah.net

في المثقف اليوم