قراءات نقدية

أكاسيا الأسير 15052

adil merdanببداهة اختارتني هذه النصوص، أنْ احتفي بها، لأنّها تتمتع بمعطيات الشعر، العفوية – الاختصار – التكثيف - والحماس العفوي الذي يخلقه الألم .

ثريا الديوان: (تحت شجرة الأكاسيا)، تحتوي على 67 مقطوعة . تتوزع فضائياً، كلّ مقطوعة في صفحة واحدة . طباعة الينابيع – دمشق 2004 ..

919-adil صلاح شلوان شاعر عراقي من الجنوب، له (تجاعيد الممحاة 1996)، (فوتوغراف البروق 2000) .  يبرز الإهداء منطقياً: (الى مجهول)، وهو القارئ المفترض، الذي يرسل إليه، بعض الأشعار الشاقة . أما المقطع الذي خُتم بـ (ص. ش) فيوضح ما سيدور في فضاءات (الأكاسيا الفجائعي): (لكم تؤرقني الفجيعة، في ساعة الطقوس حتى أكاد  أفرّ من أسلافي) .. في المقطوعة الأولى، إشارة الى استمرار الشتات . اذ يختلط الغيم بالغبار، الإقامة بالفجيعة، هي غربة النجمة التواقة في اللارحيل .. بعدها ص8 حيث يتبعثر الدخان في الأعالي، واعداً النظرات البريئة بالتقرّح والانهيار .. وتستمر المقطوعات منجذبة بتفاصيلها الى تلك الشجرة المنذرة بالشرّ، في طريقنا العابس أوقات الحرب . اذ يتّقد الجنود انتظاراً على جسر، بلا بشارة تلوح في البعد . الاستذكار قائم، بينما يتذكر الطفل اليتيم، حينما كان يتكلم مع الله . في الليلة الممطرة، إذ يأتي سؤال الأب مفاجئاً . يكون رده في غاية الاعتباط . في مقطوعة ص11، تتمركز شجرة الأكاسيا، بينما الطفل الشاعر مجذوب الى جذعها الساحر . لقد استنزفت قواه، فماعاد لقول الريح من معنى . حين يبحث المجذوب عن مصيره . ثم تتوالى الأنثيالات: (الوحل الفوار تحت صخرة قصية – ليتها أخذت بي تلك السواقي النبيلة– نصف آلامي أشياء لا أتذكرها -0 أيّها النهر كن عكراً إنْ شئت – رغائب الريح عسل ملبّد – لو مثل ومضة تختفي – نفير الثلج دشّن سقفي المنعزل – كلّ جهد ما برح أنْ يزول، الأطول عمراً في مستنقع ضخم – الصقر أبو الأشياء – أجمل ما في اللوحة، الاستدارة الخفية والتفاحة المقضومة – لزهرة الأصيص حزن المنافي، لوعة لا يبلغها شجر – تتناسل القواقع، فيستيقظ في جراب طويل – جدتي تكره التأويل، لا أدري لماذا خططت في دفتري كلّ هذه  الفوضى؟  لئلا يمتص فروتي عرين – هكذا استقبلني العالم، ولحن النار تدير رأسي - أنياب الديناصور تكريس من القلق - أمنية ما كان بمقدور الفرح، أنجزها الحزن، بأحسن وضع .  في المرايا المحطمة، غالباً ما أسأل أشباح الخيام البعيدة، عن الألم اللا مسؤول – أرول في نهايات التفاصيل، طائراً بلا غمد، تاركاً على الغيمة وصية – من يعطيني تيه الحجارة، ويأخذ متعة الغداف – سعة المتن = امتداد التيه – أيّها الميناتور ماأنت بالأسوأ حالاً منا – الريح تعتمر الغيمة، وتصرخ بالأطفال المفقودين – لا مبرر للوحل في الأعماق، الفدية مدفوعة سلفاً – كلّ أصول العدم الخالص مأخوذة بالرفقة، نيفور ما كان لي قلب  مضطرب قبل الجمال –  لا أوقد القناعة، لأفسد الطين، إنّه المخاض الأنجع، الذي انتظرته – يوهم متعة شائكة، وبه دعابة لآخر الحتوف– مالك يا ابن شلوان، تروح وتجيء؟ وعيناك في الأفق– موزارت طهّر سمعي الليلة، وطرد عن دربي الأشباح – الشاقول ينعى حجر الذكرى – ويحاجج زبد الزيغ – ما الذي أمسك به ؟ ما الذي أبقيه؟ ما الذي بقي؟ تلوك الندامة ورقة، بعد ماانفكت شفرة الطين – إفريز الخشب على مستودع برج ينزلق، وحمى الوادي تعبئ القطيع – قل أيّها الثاقب، لهذا الأعزل  القرير: هذا ما تراه حين تنظر إلى السماء – في يوم ما فقدت نعمة الشك .   هذه الوسامة المأخوذة عنوة يُغريها المزيد – إنّها مزحة أيّها الشعر، هذه واحدة من ألاعيبنا الخطرة – تلك خطوتي كرة في الفضاء ستغفو قليلاً – العربة خارج اللوحة دلو أبيض من سديم ينوشه – الإنثيالات بارعة في إتقانها للغبار، لكن أين  بقيتها من الطوق الأبيض – في هذه الأرجوحة الضيقة، كم يغدو الحياء فضلة زائدة –  مَنْ علَّم حواء أنّ بستان الخطيئة هنا – في الوقت الذي أقفز في الهواء، وأنت تمسكين لي الأرض – الحصاة بعد أن تعبَ البندول، أنا لست واقفة أجر ورائي الآن – أنا عجلة بلا وقود ببراءة يدفعني الأطفال- التراب الذي ولهني بجماله، عند تلك السهوب – الذهان والنمل بموازاة الحقائق المحتملة – الحزام المنبعث منه الوجود ماعداه: غباره ينتمي إليه – تهبط بالعصافير دون سراجها، جفلة الى الأرض – أقدر محنتك أيتها الحفرة – سنختفي في ظلال الزمن المريع، حتى ينعق الغراب نعقته الأخيرة – يا للوحشة أصدافك أبلغ من نيازكي .....) تحت شجرة الأكاسيا ينمو 67 فضاء شعرياً، تحت ثرياها، نجح صلاح شلوان، حين ترك نصوصه بلا عناوين، بذلك تجنب الإحالات غير المرغوبة .. لغة بسيطة سيالة تعتمد الإخبار أساسا، كانت كامنة في نقل مشاعر شتى .  إجمالاً يتصف شعر (شلوان) بالنبرة الوجودية، وهي سمة جاذبة، اذ يوصف شعره بالتأملي .  حيث ينجح في الكتابة القصيرة المركزة المكثفة،  الطافحة باللوعة والشجن، بينما توجد عوالم سريالية، إعتمدت على إخراج المنطقي الى اللامنطقي، بألعاب الفنطازيا، هوس الشعر الحديث .. كلّ هذه الأجواء الملبدة بالحسرات والتفجّع , وليدة الطفولة الدامعة والأسر الجائر .. هكذا يهندس شاعرنا حياته المريرة، بهذه المقطوعات النازفة، صادقة الوجدان مترجماً لحظاته بها، بالرغم من الشقاء الذي يحيط بنا، منذ أن مشت أقدامنا العارية، على أديم أرضنا الملتاعة .. وهذا برهان دامغ أنّ الشعر المؤثّر لا تكتبه الاّ اللوعة، التي تسكن قيعان المدن . هنا اختصار باذخ، من مجموع  المقطوعات، يتسم بالحيوية والفعالية الشعرية، حيث تعتبر (تحت شجرة الأكاسيا) ترجمة صادقة,لحياة خلقتها المآسي والحروب .

 

1

يتردد الدخان في صيغ مبتكرة

مقرقعاً في الأعالي

بأنياب منصهرة

يطوّح، يغلي ينتشر بلا قلب

متوعداً تلك النظارة المرهفة

بالتقرّح والإنهيار

2

في الليلة الممطرة

تذكّرتُ ذلك الطفل الذي كان

يكلمه أبوه

-        وهو نائم –

: مع من تتكلم يا ولدي

:   مع الله

: وماذا قال لك ؟

: كلّ شيء على مايرام

4

تحت شجرة ألأكاسيا

بعد أن إستنزفت قواه

قالت الريح: لم أعدك بشيء

أنا أيضاً أبحث عن مصيري

5

يرغو الشعاع

وبعيداً هو مسرى الضوء

أما من عصفور ٍ، شمسٍ

تلعقني ؟

أيّها النهر كن عكراً إنّ شئت ..

إني سئمت الرتابة .

6

لا تحسب كلّ ما تراه يا ولدي

فالصفرُ أبو الأشياء

وأجمل ما في اللوحة

الاستدارة الخفية

التفاحة المقضومة .

7

لا جغرافيا لدينا

ولا صورة للقدم

الخطوات الأولى إبتلعتها الرمال الزاحفة

خيط واحد ممكن أنْ نمسك به

دون الاستعانة بعرافة المدينة

أنياب الديناصور

تكديس من القلق

8

الشارعُ الجديد

الدمعة الجديدة

النزهةُ على طول الطريق دون تحفظ !

بلوتو بلوتو

أمنية ما كان بمقدور الفرح ..

أنجزها الحزنُ، بأحسن وجه .

9

في المرايا المحطّمة

غالباً ما أسأل أشباح الخيام البعيدة

عن الألم اللامسؤول

العابث في صحراء جسدي

الى أين أيّها البدوي الغليظ ؟

10

من يعطيني تيه الحجارة

ويأخذ متعة الغذاف ؟

أين اخفقتِ يا ترهات فرائصنا المحمية ؟

فقيرة هي الغابات ما لن يطوّفها الجراد

11

موزارت طهّرْ سمعي الليلة

وأطردْ عن دربي هذه الأشباح

أجل أنا نظيف أيها المبجّل

فأشرْ اليّ انْ أدخل حجرتك المضيئة

حتى أنام على سلّم قلبك الأمين

12

عندما تنطفئُ الشموس في مرابعكم

ويتلقفكم الظلام بغتة

سيأتي من يحمل زيت الحوت

ويدهن رأس الجبل

لتكونوا أكثر وضوحاَ إزاء الفتنة

حينئذ أيُ واد تسلكون ؟

13

أيّها الميناتور

ما أنتَ بالأسوأ حالاً منا

على قلبي تستطيع أنْ تطلق

رصاصاتك الأنيقة

عن بعد خطوة

فنحنُ لا نستطيع أنْ نمحو الشرّ كلهُ

أخصُ في القول سفاحنا الواطئ

الذي لايريد أنْ يطور مديته الصدئة

البشعة

14

كلّ أصول العدم الخالص

مأخوذة بالرفقة !

غثياناتُ الدم الأزرق المسفوحة قسراً

من سماوات وحيد القرن

نيفور ما كان لي قلب مضطرب

قبل الجمال

15

قال لي عبدالله المجنون وكان بحّاراً

: مالك ياابن شلوان تروح وتجيء

وعيناك في الأفق

هل أضعت طائرك مثلي

قلتُ: لا يا عبدالله إنّما أمرّن نفسي

على الرحيل

وما أنا متجاوز تلك النخلة !

16

في يوم ما

فقدت نعمة الشك

فأوقعَ في ظلّي اليقين

وما كان معي في جوار .

17

تلك خطوتي .

كرةٌ في الفضاء

ستغفو قليلاً

في القليل تنام .

18

في هذه الأرجوحة الضيّقة

في الريح

كم يغدو الحياءُ فضلةً زائدة

حين تبسطُ فروتها الناعمة الوفيرة !

تحت شمسٍ لاهثةٍ

وضائعة .

19

من علّم حواء أنّ بستان الخطيئة هنا

وانّ المعول الحجريّ ..

حين يلامسُ بابها الطينيّ

ينتفض وينتفض

حدّ التشظي والصراخ

تلك القنبرة السرية

والفاكهة الشهيرة .

20

في الوقت الذي أقفزُ في الهواء

وأنتِ  تمسكين لي الأرض

في اللحظة أرثي لحالي !

خوفاً أنْ تجري الرياحُ بعيداً

ولن نطأ عمر الزمان معاً .

21

أقدّرُ محنتكِ أيتّها الحفرة !

لن أحنقَ بعد

الرحلةُ شائكةٌ

فخذي بهذا الخيط

الغزير !

22

سنختفي في ظلال الزمن المريع

حتى ينعق الغرابُ نعقتهُ الأخيرة

- وحده –

فوق الجيفة الهائلة

23

يخيل لي أني كنتُ في حلمٍ

ويقظتي هذه

عثرةٌ

من على سرير كبير ! .

24

يندلقُ الجسرُ

يدخلُ قوقعة ً

متأخرةً تستشرفُ السماء !

: يا للوحشة

أصدافك َ أبلغُ من نيازكي

25

ما الذي امسكُ به؟

ما الذي أبقيه؟

ما الذي بقيَ؟

أيها الطين

قالت العاصفة

26

أتعثرُ بأحجاري الأولى

أرقّن بعضها

تتسعُ الهوة

فتختفي الى الأبد

 

عادل مردان

 

في المثقف اليوم