قراءات نقدية

علي محمد القيسي: مرة اخرى ما هو الهايكو..

علي محمد القيسيليس من الصعب ان نصف اي مشهد فمنذ الازل الانسان يكتب مشاهداته من رجل الكهوف الى يومنا الحاضر لم تختلف شيء وهناك من يبدي رايه بما يشاهد او يسمع ايضا من رجل الكهوف ليومنا الحاضر ..

وما نسميه اليوم نقد اكرر نقد وليس انتقاد

نَقَدَ كَلاَمَهُ: أَظْهَرَ مَا بِهِ مِنَ الْعُيُوبِ أَوِ الْمَحَاسِنِ: نَقَدَ نَصّاً شِعْرِيّاً .

وبحسب هذا التعريف اندرج كل شيء للنقد من اظهار المحاسن والعيوب في كل عمل وليس فقط بالادب

اليوم قرأت تعريفا للهايكو بانه قصيدة من بيت شعري واحد !!

حيث جعلني هذا التعريف اعود لتعريف الشعر ..

عُرّف الشعر بأنه كلام موزون مقفىّ (للشعر العربي)، دالٌ على معنى، ويكون أكثر من بيت. وقال بعضهم: هو الكلام الذي قصد إلى وزنه وتقفيته قصداً أولياً، فأما ما جاء عفو الخاطر من كلام لم يقصد به الشعر فلا يقال له شعر، وإن كان موزونا.

ويقول يقول ابن خلدون في الشعر:

هو كلام مفصل قطعاً قطعاً متساوية في الوزن، متحدة في الحرف الأخير من كل قطعة، وتسمى كل قطعة من هذه القطعات عندهم بيتاً، ويسمى الحرف الأخير الذي تتفق فيه رَوِيّا وقافية، ويسمى جملة الكلام إلى آخره قصيدة وكلمة، وينفرد كل بيت منه بإفادته في تراكيبه، حتى كأنه كلام وحده، مستقل عما قبله وما بعده، وإذا أفرد كان تاماً في بابه في مدح أو نسيب أو رثاء.

وهذا هو الابسط من التعاريف المتداولة والمتعارف عليها وهو قطعا لا ينطبق على قصيدة الهايكو

تذهب الناقدة الفرنسية سوزان برنار إلى أنَّ قصيدة النثر هي: «قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور...خلق حرّ، ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف في البناء خارجاً عن كلّ تحديد، وشيء مضطرب، إيحاءاته لا نهائية»

اما عن قصيدة النثر او (النص النثري القصير )

لقصيدة النثر إيقاعها الخاص وموسيقاها الداخلية، والتي تعتمد على الألفاظ وتتابعها، والصور وتكاملها، والحالة العامة للقصيدة. وكما يقول الشاعر اللبناني أنسي الحاج -أحد أهم شعراء قصيدة النثر العربية إن لم يكن أهمهم - عن شروط قصيدة النثر: «لتكون قصيدة النثر قصيدة حقاً لا قطعة نثر فنية، أو محملة بالشعر، شروط ثلاثة: الايجاز والتوهج والمجانية» .

وهذا التعريف هو الاقرب لما نكتبه اليوم من قطع نثرية صغيرة (قصيدة الهايكو) لو دققنا النظر حرفيا بما نكتب من ايجاز وتوهج لاصبح جليا اننا نكتب نثرا منفلت من القافية مرهون بموسيقى النص الداخلية من حيث اللفظ والبناء الخاص بكل نص ..

اعود للنقد الكثير من من يتبنون القراءات في نصوص الهايكو هم يتناولون نصوص تحفزهم على القراءة لتكاملها بناء ومعنى بالتالي يسهبون بمدح النص والصحيح هو العكس وعدم تطبيق قانون النقد من اظهار العيوب والمحاسن في النص لذا تذهب الجهود سدى وكمن يفسر الماء بالماء بينما لم اجد يوما من يتطرق الى نص يسجل عليه ملاحظات تحتاج وقفة جدية من اظهار العيوب الا بمحاولات خجولة ..

قبل اعوام قريبة كان لدينا ما نتكلم عنه من انسنة ومجاز وانية وتنحي والخ الخ مما هو متعارف به في النصوص الكلاسيكية ويتفاخر البعض بما يحفظه من مصطلحات يابانية يصنف به ما هي النص المطروح حتى ظهر النص المودرن فاطاح بكل ما تم حفظه من مصطلحات يابانية وصار قدر الهايكو المودرن يطبخ كل شيء من (شذر ومذر ) لنقف مذعورين من كم النصوص التي نقرأ كل يوم في شتى الامور الحياتية ناهيك عن اسفاف بما لا يعد ولا يحصى ..

وكي نعود لتفعيل منظومة النقد في تقبل الشكل العام للنص بالنسبة لي عدت ابحث المقارب بما موجود بالادب العربي فلم اجد اقرب الى النص النثري القصير وتبني المتبقي من ما اتاحه رامبو لنا من انية النص والمفارقة .

اننا كمدعين لنقد نص الهايكو اليوم نعتمد نوعا واقعيا من النقد للهايكو المودرن فالكلاسك مفروغ منه .

المشهدية والانية الموسقة في النص فضلا عن لغته وتقليل المجاز والتنحي قدر الامكان لكن الاهم من هذا كله عمق النص والدلالات التي فيه بلغة لا تجعل من النص قطعة فلسفية ولا شعرية بحتة انما مشهد يفتح للمتلقي اكثر من وجه وكأنك تحمل ماسة بيدك يمكن ان ترى لها اكثر من سطح. والا يبقى العنكبوت عنكبوت والفراشة فراشة وهنا نعتمد رؤية الكاتب في كيفية طرح مشهديته عن العنكبوت او الفراشة .

ويصر البعض من الكتاب الى رفع مستوى الاسفاف في استسقاء نصوصهم المشهدية من ما حولهم لدرجة ان تقف وتقول جملتي المشهورة ثم ماذا ان تجعل للجمادات روح لا باس لكن ليس بشكل مباشر والا ما الداعي لتصنيفه هايكو فلنقل انه ومضة ما الضير الومضة ايضا نص رائع او شذرة فهما توأم الهايكو ولم نصل بالهايكو العربي الصريح الى حد فاصل حقيقي بينهم لولا الماضي بالومضة والحكمة بالشذرة باختصار المتعارف .

ان غضب الشجرة او كلام العصفور او رائحة ثغاء التيس لن تجد طريقا للهايكو انما هو ارتماس كامل بالتخبط فيه ولست هنا في معرض التقييد بل التاكيد بانه هناك نص هايكو واعد تعتمد على ابداع الكاتب في كيفية صياغة المشهد.

 

علي محمد القيسي

 

 

في المثقف اليوم