قراءات نقدية

نزار سرطاوي: المصادر الاجنية وأثرها في رواية راحابيل للدكتور أنور الشعر

نزار سرطاويفي هذه الورقة أتناول المصادر الأجنبية التي ذكرها واعتمد عليها الدكتور أنور الشعر في رواية راحابيل. وتكمن أهمية هذه المصادر في أن بعضها يدخل في صلب الرواية شكلًا ومضمونًا؛ كما يسهم إسهامًا فاعلًا في تمثل العناصر الروائية الأساسية فيها كالزمن والمكان والشخوص والحبكة والموضوع وزاوية الرؤية وسرد الأحداث. 

هذا التركيز على المصادر الأجنبية يقفز بطبيعة الحال عن المصادر العربية. وذلك لأن الكاتب لم يستند إليها إلا لِمامًا. وأيضًا فإنّ تأثيرها في سير الأحداث محدود. ومع ذلك يمكن تناولها في ورقة منفصلة. 

أقدم أولًا تلخيصًا سريعًا للرواية:

تدور أحداث راحابيل حول رجل مبتور الأطراف متهالك البنية، يشار إليه من أول الرواية إلى ما قبل النهاية باسم "المبتور."  يعثر الصحفي همام على المبتور بمحض الصدفة، أثناء زيارةٍ يقوم بها إلى قاع المدينة لكتابة تقرير صحفي، فيثير فضوله. يتداول همام أمر المبتور مع زوجته إجلال وصديقه بديع، ويقررون نقله إلى بيت همام والعناية به. ثم يبدأون البحث والتنقيب في حياته من خلال فحص الصور والأوراق والوثائق التي دفعها المبتور إلى همام، وتساعدهم في ذلك وداد، خطيبة بديع. ثم يقع بين أيديهم كتابٌ هام باللغة الإنكليزية يتألف من مذكرات دونها أربعة أفراد من أبناء راحابيل، يتحدثون فيها عن تنفيذ مؤامرة كبرى للاستيلاء على الإمارة الرشيدية. وياتي حل لغز المبتور في الفصل الأخير، بعد وفاته، حيث يتبين أنه غزوان أمير الإمارة الرشيدية، الذي يقع ضحية للمؤامرة الراحابية.

***

3320 راحابيليمكن تقسيم المصادر الأجنبية في الرواية إلى قسمين: المصادر اليهودية الصهيونية، والمصادر غير اليهودية:

–  المصادر اليهودية الصهيونية:

ثمة أربعة مصادر يهودية صهيونية تستخدمها الرواية: الأول هو العهد القديم، الثاني كتاب بعنوان حكماء وزعماء أبناء راحاب وجهودهم في إنشاء دولة راحابيل. الثالث هو "تعاليم حكماء أبناء راحاب". أما الرابع فيتمثل في "التقويم الراحابي" الذي يستخدمه شخوص الرواية في الحديث عن تواريخ الأحداث.

1-  العهد القديم:

تأخذ رواية  راحابيل من العهد القديم شيئين: أولهما نصٌّ مقتبس من سفر يشوع (12-27، الإصحاح السادس) تحت عنوان " بين يدي الرواية". وتكمن أهمية هذا الاقتباس في أنه يشكّل عتبةً ثانيةً للرواية بعد العنوان، نرى من خلالها كيف يأمر قادة اليهود جنودهم بارتكاب المجازر بحق غير اليهود في سبيل تحقيق أهدافهم. فالقائد يشوع يأمر جنده أن  يحرقوا مدينة أريحا "بالنار مع كل ما بها"، ولا يستحيوا سوى الزانيةِ راحابَ وأهلِها. كما نلاحظ  تشجيع المرأة، ممثلةً بالزانيةِ راحاب، أن تأتي ما تشاء من الموبقات ما دامت تخدم الأهداف الصهيونية. فالنص المقتبس هو بمثابة تمهيد للفظائع الي سيرتكبها الراحابيون بحق أهل الإمارة الرشيدية وللأفعال المشينة للفتاتين الراحابيتين، كيفيرا وإستير، اللتين يجندهما الراحابيون لاختراق الإمارة الرشيدية.

الشيء الآخر الذي تأخذه الرواية من التوراة هو اسم إستير، وهي إحدى الفتاتين الراحابيتين اللتين تلعب كل منهما دورًا رئيسًا في الرواية. واسم إستير مأخوذ من العهد القديم. إذ وردت قصتها في "سفر استير". وكان اسمها في الأصل هداسا ومعناه زهرة الآس. لكن الملك أحشويروش، الذي سحره جمالها، حوّل اسمها إلى إستير تيمنًا بالإلهة عشتار. وقد  أرادها زوجةً جديدة له بعد أن عصت ملكته وِشتي أوامره. وزير الملك، هامان دبر مؤامرةً لقتل جميع اليهود. لكن إستير أحبطت خطته، وحصلت على إذنٍ من الملك بقتله وقتل كل من يعادي اليهود.

2- كتاب حكماءُ وزعماءُ أبناءِ راحاب وجهودُهم في إنشاء دولة راحابيل:

هذا هو أهم المصادر في راحابيل.يعثر عليه المهندس بديع مكتوبًا باللغة الأليزورية، التي يُقصد بها الإنكليزية (ص. 99). الكتاب من تأليف كاتب يُدعى صمويل هاليسون، وصادرٌ عن دار ليفي للنشر والتوزيع. لكنه غُفلٌ من سنة الإصدار.

يقوم بديع بالتعاون مع خطيبته وداد بتلخيص الكتاب وترجمته، ثم يتعاقب الأصدقاء الأربعة على قراءة فصوله، التي تأتي على شكل مذكرات من تأليف الشخصيات الراحابية الأربعة: كيفيرا ومعلمها الروحاني مصرون وإستير ومعلمها يعقوب مرزاقي. وتشكل فصول هذا الكتاب العمود الفقري للرواية، وتكشف تفاصيل المؤامرة التي يخطط لها الراحابيون لتأسيس دولة راحاب، لتحل محل الإمارة الرشيدية.

والكتاب على الأرجح من نسج خيال الدكتور أنور، ولعله استند إلى مجموعة من المصادر حول الصهيونية وإلى مطالعاته في الأدبيات الصهيونية. 

3- المؤتمر الراحابي الأول وتعاليم حكماء أبناء راحاب:

في منتصف الرواية على وجه التقريب، يخصص الكاتب فصلًا من ست صفحات (140-146) تتحدث عن "المؤتمر الراحابي الأول / بوراكو"، الذي يضم الأعضاء المؤسسين لجمعية ابناء راحاب. يلتئم المؤتمر في مدينة بوراكو عاصمة مملكة أوْباشو ويستمر لأسبوع كامل، وفي الختام يقر المؤتمرون بالإجماع إصدار وثيقة بعنوان "تعاليم حكماء أبناء راحاب"، ترسم هدف المؤتمر، الذي يتمثل في العمل على استعادة أرض الأجداد بكل الوسائل لتكون وطنًا للرحابيين المشتتين في أنحاء العالم. ثم تضع مجموعة من المبادىء والاساليب التي تفضي إلى تحقيق هذه الغاية.

ولعل أبرز ما في وثيقة التعاليم هذه، النظرةُ العنصرية المتعالية للراحابيين، والتنصل من المعايير الأخلاقية في التعامل مع غير الراحابيين، والتركيز على تحقيق الأهداف بكافة الوسائل المتاحة.

يمكن للقارئ المطّلع على الأدبيات الصهيونية أن يربط بسهولة بين المؤتمر الراحابي الأول الذي عقد في براكو عام  5657 بالتقويم الراحابي والمؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا برئاسة ثيودور هرتزل، من 29 إلى 31 آب/ أغسطس من عام 1897. كما يمكنه أن يربط بين "تعاليم حكماء أبناء راحاب" و "بروتوكلات حكماء صهيون" التي يقال إنها انبثقت عن المؤتمر. ولعل من المفيد هنا أن نذكر ما كتبه هرتزل بعد المؤتمر:

في بازل أسست الدولة اليهودية. لو قلت ذلك علنا اليوم، لقابلني العالم بالضحك. ربما بعد خمسة أعوام، أما بعد خمسين عامًا فمن المؤكد أن يدركه الجميع.

4- التقويم الراحابي:

يدرك من له إلمام بالتقويم العبري أن التقويم الراحابي مطابق له. وهذا ما اشرت إليه في الحديث عن المؤتمر الراحابي الأول. التقويم العبري يزاوج بين السنتين الشمسية والقمرية. ولأن السنة القمرية أقصر من العبرية بحوالي 11 يومًا، يعمد الفلكيون المكلفون بمتابعته إلى الكبس، وهو إضافة شهر كل ثلاث سنوات تقريبًا ليحافظوا على توافق السنة القمرية مع الشمسية، وذلك لأغراض الزراعة. وهذا ما كان يفعله العرب حتى بزوغ فجر الإسلام.

غير أن الدكتور أنور يبتدع تقويمًا جديدًا، ربما للتسهيل على القارئ، ويبدأ التأريخُ به من عام الجراد، الذي تتفق عليه "الأمم المتصالحة"، التي ربما يُقصدبها الأمم المتحدة، اعتبارًا من العام الراحابي5677، أي بعد عشرين عامًا من مؤتمر الراحابيين. وهذا يصادف عام 1917، أي قبل نحو سنةٍ واحدة من انتهاء الحرب العالمية الأولى. أما التواريخ التي يصادفها القارئ بعد ذلك فربما لا تتفق تمامًا مع أحداث حرب فلسطين واحتلال اليهود لها عام 1948. وعلى سبيل المثال فإن كيفيرا تصل إلى الإمارة الرشيدية في العام الثالث والعشرين من عام الجراد، وهذا يوافق العام 1940. أما إستير فتصل مع يعقوب مزراقي إلى الإمارة الرشيدية في عام 38 من عام الجراد، وهذا يوافق العام 1955. إلا أن الرواية لا تشير إلى وقوع أية حروب إلا بعد وصولهما ببضعة أعوام. وربما يمكننا أن نلحق التقويم الجرادي والأحداث التي تُؤرَخ وفقًا له بالغرائبية التي أشار إليها الدكتور إبراهيم السعافين في حديثه عن الرواية. 

–  المصادر الأخرى:

ثمة إشارات متعددة إلى أعمال معروفة في عالم الأدب والفكر والسياسة تتناثر في بعض فصول  راحابيل. وورود هذه الأعمال يثري الرواية ويساهم في تعميق بعض ما تتناوله من أفكار وموضاعات.

– أحد هذه الأعمال، ولعله أهمها هو كتاب الأمير  لميكافيلي، الذي صدر في إيطاليا (أو هرقاليا كما تسميها الرواية) عام 1515. ويرد ذكر الكتاب أول مرة في الفصل 18، على لسان كيفيرا. فهي تعطي تعليمات لمربية ولدها عفران أثناء دراسته في لنديشو (أو لندن)، بإلزامه ان يحفظ أسبوعيًا صفحةً أو نصف صفحة من كتاب الأمير (ص. 136). وفي الفصل 26، يحضر يعقوب مزراقي نسخة من الأمير لربيبته إستير، ليقرآ ويناقشا فصلًا منه في كل ليلة. وحين تسأله عن الكتاب يخبرها أنه الكتاب الذي يقرأه الزعماء ورجال السياسة في كافة أنحاء العالم (ص. 234).

الأمير بحث كتبه السياسي والدبلوماسي نيقولا ميكافيلي ليكون بمثابة مرشد يستعين به الأمراء والملوك الذين تؤول إليهم مسؤولية الحكم. والفكرة الرئيسة فيه أن يدرك الأمراء أن الأهداف التي يسعون إلى تحقيقها ،مثل البقاء وتحقيق المجد، تُبرّر اللجوء إلى أساليب لاأخلاقية من أجل الوصول إلى تلك الغايات، وبكلمات أبسط، فإن الغاية تبرر الوسيلة. وهكذا نرى نقطة الالتقاء بين الراحابيين وأصحاب الفكر الميكافيللي. فالراحابيون أيضًا لا يقيمون وزنًا للقيم والأخلاق، بل يضربون بها عُرض الحائط إذا وقفت حجر عثرة في طريق تحقيق غاياتهم وتنفيذ مخططاتهم الشيطانية.

– يأتي بعد ميكافيللي في الأهمية اسمان يردان على لسان الصحفي همام في الفصل الخامس. أول هذين هو الشاعر الأميركي إليوت. فبعد رؤية المبتور للمرة الأولى، يعود همام من قاع المدينة مغمومًا. ويحاول أن يأخذ قيلولة قصيرة، لكن صورة المبتور تلاحقه، ثم يقرأ قصيدة إليوت "الأرض الخراب"، فلا يجد "سوى خطوطٍ سوداء مصبوغة بآهات البشر وعذاباتهم" (ص. 31).

أما الاسم الثاني الذي يذكره همام فهو الفيلسوف والكاتب السياسي الإنكليزي توماس هوبز (1588-1679). إذ يُعلّق همام على حال المبتور مستشهدًا بقول هوبز "الإنسان ذئب لأخيه الإنسان" (ص. 32). والحقيقة أن عبارة هوبز هذه ترتبط بفلسفته الطبيعية التي ترى أن البشر في جوهرهم مخلوقات أنانية. ولذا كان هوبز يؤمن أن ليس هناك أفضل من الحكم المطلق.

– المصدر الرابع الذي يرد في الرواية هو ملحمة كلكامش. إذ يدور بين الصحفي همام وزوجته حوارٌ حولها، وبصورة خاصة حول مسألة الخلود التي تؤرق كلكامش لخوفه أن يكون مصيره الموت، كما كان مصير صديقه إنكيدو. ويُذكّرُ همام زوجتَه إجلال بنصيحة سيدوري لكلكامش أن يَعُبّ من متع الحياة وأن يحتضن زوجته، وبذلك يحقق الخلود. وتلقف إجلال عبارته فتُذكّره أن في وسعه أن يحقق الخلود من خلال إعادة المبتور إلى الحياة الطبيعية (ص. ص. 36-37).

– أما المصدر الأخير فهو رواية إبك يا بلدي الحبيب (Cry, The Beloved Country) للكاتب ألان باتون من جنوب أفريقيا، وهي رواية تدور حول الظلم المرتبط بنظام الفصل العنصري (الأبرتايد). الأمير غزوان الرشيدي يصرخ: "ابك يا وطني الحبيب" في السطور الأخيرة من الفصل الأخير من الرواية الذي تُنسَب كتابته إليه. وكأن مؤلف الرواية أراد أن يختمها بذكر الوطن، الذي تدور الرواية حول كيفية ضياعة.

***

 هذه المصادر الأجنبية إذًا تحتل أهمية كبيرة في الرواية وتلعب الدور الأهم في تشكيلها. فالنص المقتبس من العهد القديم في فاتحة الرواية هو بمثابة بوصلة تحدد اتجاه الرواية وطبيعتها الدرامية، التي تنتهي بسفك الدماء.

والمصدر الأبرز بطبيعة الحال هو الكتاب المتخيل حكماء وزعماء أبناء راحاب وجهودهم في إنشاء دولة راحابيل. فهو وحده يستهلك أكثر من ثلثي الرواية. وعلاوة على ذلك فإن معظم المصادر التي استعرضناها مذكورة في ثناياه.

هذا الكتاب، الذي يستحضره الدكتور أنور من خياله، يساهم بصورة حاسمة في تمثل العناصر الروائية في راحابيل، كما أسلفت في المقدمة. فله الدور الأكبر في تشكيل بنية الرواية؛ إذ هو بمثابة قصة داخل قصة. ثم إن أحداثه ترسم الحبكة الروائية، أي تَسلسلَ أحداث الرواية، وتنطوي على تيمتها، أو موضوعها الرئيسي، وهو أن الصهيونية، التي لا تعترف بالقيم الأخلاقية، استطاعت أن تستولي على فلسطين بالمؤامرات وسفك الدماء. 

كذلك فإن كتاب حكماء وزعماء يرسم الإطارين المكاني والزمني للرواية، فيضفي عليها بانورامية شاسعة. إذ بفضله يتسع الحيز المكاني أو مسرح الأحداث متجاوزًا الشرق الأوسط ليشمل أجزاء من أوروبا، كبريطانيا وفرنسا وإيطاليا. والأمر نفسه ينسحب على الإطار الزمني. فإذا كانت وقائع الفصول الأولى قد جرت في الزمن المعاصر، فإن الكتاب يعيدنا إلى أواخر القرن التاسع عشر، حين عُقد مؤتمر الرحابيين الأول، حيث يقدم لنا مصدرًا آخر لا يقل أهمية عن حكماء وزعماء، هو "تعاليم حكماء أبناء راحاب"، لنتبين أن الوقائع التي يسردها كتاب حكماء وزعماء ما هي إلا تنفيذ لتلك التعليمات. ثم يمضي بنا كتاب حكماء وزعماء قدمًا ليعيدنا في الختام إلى العصر الحاضر.

كذلك فإن الشخوص في كتاب حكماء وزعماء هي التي تصنع الأحداث المهمة في الرواية. فالروحاني مصرون ويعقوب مزراقي يقومان بالتخطيط والتدريب، وكيفيرا وإستير تنفذان ما يخططان له، ولكنهما تعملان بنشاط وباستقلالية كبيرة، وتُجريان تغييرات هامة في البلاط الرشيدي، وهذا ما يضفي على الرواية ديناميكية كبيرة ويمنحها طابعها الدرامي.

وأخيرًا فإن الزاوية التي ينطلق منها الرواة في رؤية وسرد الأحداث تسير على نهج كتاب حكماء وزعماء. فهؤلاء الرواة جميعًا يستخدمون ضمير المتكلم (أنا أو نحن). وكل فصل من فصول الكتاب يحمل اسم الراوي. وهكذا يصبح الراوي عدسةً يرى القارئ الأحداث من خلالها، ما يتيح له أن يستكشف أبعادًا أكثر شمولًا وعمقًا لتلك الشخصية، متجاوزًا المظهر الخارجي لها. ومن شأن ذلك أن يخلق نوعًا من الارتباط العاطفي المباشَر بينهما، سواء أكان ذلك الارتباط يُمثّل تعاطفًا أو شفقةً أو استنكارًا أو غضبًا أو نقمة. ومع أن الاكتفاء بضمير المتكلم يرسم حدودًا لما يطلع عليه القارئ، فإن تعدد الرواة في رحابيل  يعوّض هذا الجانب، ما يتيح للقارئ أن يرى أبعادًا جديدة للشخصية من خلال رؤية الآخرين.

أما المصادر الأجنبية الأخرى التي سقتها أعلاه، فأكتفي بالقول إنها أثّرت في الرواية من أكثر من جانب. فالتقويم الراحابي يُبرِز الفكرَ الصهيوني الذي يتكئ على التلمود والبروتوكولات، فيرى نفسه فوق سائر البشر. إذ أن التقويم يبدأ من خلق آدم حسب زعمهم؛ وتوراتُهم هي التي أتت بقصة الخلق وما تلاها، وصولًا إلى ظهور بني إسرائيل، الذين اختارهم الله وفضلهم على سائر خلقه. والبروتوكولات تُشكل منهجًا يتبعونه لتحقيق أهدافهم في السيطرة على العالم. والأفكار السياسة لميكافيلي وهوبز تدعم فكرهم ويستقون منها ما يلائم نهجهم الشرير.

***

تقول الروائية الأميركية ميغ وايت كلايتون: "لطالما قلت إن كتابة الرواية أشبه بالجري في ماراثون. لكنني بدأت أفكر أنها أقرب إلى الشُغل على أحجيه الصور المقطوعة"، وهي بذلك تشير إلى لعبة تُجمع فيها صور مقطوعة في إطار، لتتشكل منها لوحة متكاملة.  ولعل هذا الوصف ينطبق على رواية راحابيل. فهي تبدأ بلغز الرجل المبتور الذي يشترك شابان وشابتان  لحلّه. فيجمعون الصور المقطوعة ليشكلوا اللوحة الكاملة. ويمكنني القول إن المصادر الأجنبية التي فصّلت فيها تشكّل هذه اللوحة، مبرزةً المؤامرة الصهيونية الكبرى التي أدت إلى ضياع فلسطين.

وتأتي الخاتمة لتكون بمثابة الصوت الخفي لمؤلف الرواية. إذ يمكن أعتبار المبتور على نحوٍ ما قناعًا للمؤلف، لكنه أيضًا رمز للشعب الفلسطيني المشرد، الذي يصرخ بأعلى صوته: ابكِ يا وطني الحبيب، ابكِ يا بقايا جسد، بقايا جسد، يا بقا... يا...يا...ي..."

 

بقلم: نزار سرطاوي

 

في المثقف اليوم