قراءات نقدية

عصام شرتح: دراسة جمالية في قصيدة: عصفورة القلب لوهيب عجمي

أولاً- نص قصيدة (عصفورة القلب)(1)

1- يا منْ بلغتِ من الجمالِ فصولا

ومهدتِ في أدبِ الغرامِ حقولا

2- هيا اغرسي عشقاً بقلبِ قصيدتي

فالشعر يغدو بالعشيقِ جميلا

3- تمسي الحروفُ كواكباً بل أنجماً

وتعيشُ في كبدِ السماءِ طويلا

4- فوحي بعطركِ في الصباحِ تألقي

وتلبَّسي نجمَ الضحى إكيلا

5- عصفورُ قلبي تائهٌ في عشهِ

والغصنُ يشكو في الفلاةِ ذبولا

6- حوريتي أنت الحياةُ وجنتي

وبغير هذا أهملُ التعليلا

7- مُدِّي ذراعَكِ تحت رأسي حلوتي

أوليس لمسك بالشفاءِ كفيلا

8- أولستِ من أحيا فؤادي كلما

وقعَ الفؤادُ على يديكِ قتيلا

9- طلّي وغذي مهجتي بأناملٍ

ببنانِ سحرٍ ترفضُ التأجيلا

10- وتوضئي بالحبِّ صلي للهوى

وضعي لدين العاشقين أصولا

11- أوليست الأعمارُ إلا كذبة

تلهو بحلمٍ يعتريكِ قليلا؟

12- تباً لعمرٍ دونَ حبٍ ينتهي

والعمر يهوى في الورى التنكيلا

13- هيا إلى بحري تعالي موجة ً

وتعمدي للسابحينَ وصولا

14- إني اعتنقتُ الحب في مهدي وقد

أصبحتُ للحب الكبير رسولا

15- عيناكِ آياتُ الجمالِ وإنها

من ربنا قد أنزلتْ تنزيلا

16- فسرحتُ أهذي غارقاً في وصفها

لغة الهوى بدَّلتها تبديلا

17- دوَّنتها وقرأتها فعشقتها

وبمعبدي رتلتها ترتيلا

18- والفجرُ عند بزوغه لما يجد

إلاك في قهرِ الظلام سبيلا

19- فسعى إليكِ مع النسيمِ بشمسه

حتى تكوني للضياءِ دليلا

20- وتفتحت مهجُ الورود بفجرها

وتناغمت قممُ الخيالِ صهيلا

21- فهممتُ في وجه الصباح مقبلاً

ثغر الحبيبةِ والسنى تقبيلا

22- أيقنتُ أنك في الحياةِ منارتي

لما أضأتِ بصدري القنديلا

23- أحسست قلبي للحبيبةِ دوحة ً

غرستْ بها فوقَ الوريدِ نخيلا

24- شغفٌ بها عند الأصيلِ تمايلتْ

همساً وجفناً ساحراً مكحولا

25- وعزفتُ ألحاني  بروحِ قصيدتي

فسمعتُ في بيت القصيدِ هديلا

26- وغسلتُ أوجاعي بآهاتي وما

وجدَ الفؤادُ مع الغرامِ حلولا

27- (هلي) إليَّ بكل حسنكِ أنعشي

قلبي الجريحَ واستبظئي التهليلا

28- هيا اشرئبي كالحمائم للسما

ماكانض فجركِ في البزوغِ خجولا

29- وتفتحي وردَ القلوبَ بواحتي

ماكان وردكِ بالعطورِ بخيلا

30- في بحري اغتسلي ليغدو ملحُهُ  عسلَ الشفا لايقبلُ التأويلا

31- أيقولُ حسادي بأنكِ خمرتي

ماهمني في سكرتي ما قيلا

32- خمر الدوالي ما أطاحَ بصحوتي

لكن كأسكِ يرفعُ المفعولا

33- طرزتُ حرفي بالبلاغةِ متقناً

ألبسته لحبيبتي منديلا

34- شمس المحاسن من جبينكِ أشرقتْ

وأحبُّ فيكِ قوامكِ المصقولا

35- لاتطفئي ناراً بقلبي أشعلتْ

بل أضرميها بكرةً وأصيلا

علم الجمال الشعري:

قد يختلف معنا الكثيرون، هل ثمة علم يدعى علم الجمال الشعري أو النصي، وإذا كان ثمة علم يدعى علم الجمال الشعري، من هم أبرز النقاد أو العلماء الجماليين الذين ربطوا الجمال بالشعر، والذين ربطوا فن الجمال بعلم الجمال الشعري؟ نقول: إن علم الجمال الشعري علم قديم، بحث فيه النقاد القدامى كأفلاطون وسقراط ضمن ما يسمى علم الجمال، ومؤثرات الفن، وفلسفة الفن، ولما كان فن الشعر من الفنون القديمة كل النقاد ربطوا الفلسفة بالشعر وربطوا الشعر بالفلسفة، وأهمها بفلسفة الجمال الشعري، وهذا يدلنا على أن الفكرة موجودة منذ القدم، لكن انشغل الفلاسفة بقضايا عامة ما التفتوا إلى المسائل الخاصة، لاسيما علم الجمال الشعري، وقد حاولنا في دراستنا النصية أن نمهد لهذا العلم الجديد بشقه التطبيقي عند شاعر جمالي هو وهيب عجمي، شاعر استطاع أن يقرن الجمالية بالعلم والفن بالفكر، والفلسفة بالرؤيا، ويعد الشاعر وهيب عجمي من الشعراء المؤثرين الذين أثروا الساحة الشعرية بقصائد لوحاتية غاية في الفهم والإدراك والحساسية الجمالية من حيث بلاغة الرؤيا وعمق المنظور الفني أو الجمالي، لتأتي قصائده غاية في الاستثارة والبلاغة والتأثير.

وبمنظورنا: إن الشعرية – عند وهيب عجمي- مثيرها دائماً كل ماهو جمالي في الرؤيا والتشكيل والهندسة اللفظية وعمق المتخيل الشعري، فالقصيدة لديه دائماً كمسرح جمالي يشكله العجمي بإحساس واقعي عياني مباشر، يحرك الجماد ويؤنسن الأشياء المحيطة أمامه لتمثل في تجربته وكأنها شخوص حية، وهو ينظر للشعرية من منظار كل ماهو حي، ومن منظار كل ماهو متحرك ومتبدل كما وجه الحياة، إذ يقول: " كل شيء في عيني الشاعر يموج بالحركة لايوجد في رؤى الشاعر ماهو ثابت، كل يوم في حياة الشاعر عالم جديد منفتح على الحياة، فالشعر لعبة من ألاعيب الحياة واستبطان لمعالم الوجود، فما دام الوجود متحركاً بالتأكيد أن مخيلة الشاعر متحركة كما هي الحياة في الواقع العياني المباشر، وأبداص ما عشت القصيدة رهين محبس الوجود كما المعري أعيش الحياة بمتنفس الحياة ذاتها، فكما أعيش يومي الحياتي أعيش حساسية القصيدة وكونها وهواءها ونفسها في داخلي، فأنا مسكون بالقصيدة والقصيدة مسكونة في روحي أشكلها بطينة التجربة وعصارة الخبرة والمهارة والوعي الجمالي، ما كنت يوماً رهين المحبسين كما المعري، فأنا رهين فضاءات الرؤيا وحداثوية المنظور الجمالي للحياة في أدق تفاصيلها"(2).

وبتقديرنا: إن العجمي يدرك سر الحداثة وعصر الحداثة، فالحداثة ليست أيقونة ثابتة أو رمزاً ساكناً؛ إن الحداثة روح وثورة معرفية ورؤيوية وحركة تصويرية انقلابية تعزف على وتر لمتغيرات الدائبة وسيرورة الحياة المتجددة، ولايمكن للشاعر أن يكون شاعراص مؤثراً إن لم يكن حراص في فكره ورؤاه ومتخيلاته الشعرية، ومن هنا من أهم فواعل الرؤيا الجمالية عند شعراء الحداثة بلاغة الرؤيا الشعرية وبلاغة المنظور الجمالي للقصيدة، فالشاعر المبدع يشكل القصيدة بجمالية وبلاغة آسرة يبني النص الكتلة أو النص اللحمة الذي يحتاج مزيداً من الانفتاح والوعي الجمالي والتخطيط الجمالي في تشكيله؛ يقول وهيب عجمي: " ما عشت القصيدة كواجب أو فرض، القصيدة تتغلغل في مسامات روحي، وأحاسيسي العميقة، أنا أتنفس في قصائدي عبير الحياة ونكتها الطازجة، والفكرة لشعرية وليدة لحظتها المتوترة وسخونة الأحداث والوقائع اليومية؛ أنا أكتب القصيدة بفاعلية وجمال وحياكة عالية في التشكيل والتركيب ولهذا أتصيد الصور الحساسة التي تفيض بشعريتها ورؤيتها الخلاقة بالمعاني والدلالات الجديدة."(3).

بهذه الرؤية التي يطالعنا بها العجمي نؤكد أن وعيه الجمالي وقدرته الفائقة على ابتعاث وخلق الصورة التشكيلية الجمالية جعلاه يهندس القصيدة هندسة لفظية وجمالية غاية في الاستثارة والبلاغة والتأثير، وكما قلنا: إن عنصر الاستثارة الجمالية التي تحفل بها قصائده ترتكز على فواتحها أو عتباتها الاستهلالية من حيث القيمة الجمالية المحكمة التي يستهل بها قصائده لتأتي ذات قيمة عالية في الحراك الجمالي على مستوى الأنساق والتشكيلات الشعرية المراوغة، كما في هذه الفاتحة التي استهل بها قصيدته (عصفورة القلب) المهداة إلى زوجته، إ ذ يقول فيها:

1- يا منْ بلغتِ من الجمالِ فصولا

ومهدتِ في أدبِ الغرامِ حقولا

2- هيا اغرسي عشقاً بقلبِ قصيدتي

فالشعر يغدو بالعشيقِ جميلا

3- تمسي الحروفُ كواكباً بل أنجماً

وتعيشُ في كبدِ السماءِ طويلا

4- فوحي بعطركِ في الصباحِ تألقي

وتلبَّسي نجمَ الضحى إكليلا

5- عصفورُ قلبي تائهٌ في عشهِ

والغصنُ يشكو في الفلاةِ ذبولا

6- حوريتي أنت الحياةُ وجنتي

وبغير هذا أهملُ التعليلا

لاشك في أن الشعرية قيمة تحولية غاية في الاستثارة والحساسية والجمال، لاسيما عند بعض الشعراء الذين يهندسون الصور والكلمات هندسة بنائية تشكيلية محكمة؛ فالشاعر وهيب عجمي يتلاعب باللفظ والكلمات تلاعباً فنياً مغرياً في استهلالاته، لتأتي جمالية التراكيب من جمالية المعاني والدلالات التي تفجرها في النص الشعري؛أي ثمة تفاعل حقيقي بين اللفظ ودلالاته، وهذا التفاعل من أهم فواعل الاستشراف الجمالي في ربط الأنساق الشعرية بعضها بعضاً وامتياز البلاغة الجمالية التي أغرت النص الشعري ليثمر برؤيته للقارئ، فالقيمة الجمالية قيمة تحفيزية للنسق الشعري، فهاهو الشاعر في استهلال تراكيبه الشعرية يستدعي الملفوظات الموقعة صوتاً ودلالة: [عصفور قلبي تائه في عشه والغصن يشكو في الفلاة ذبولا]؛ فالقيمة الجمالية للأبيات استشرافية للمعاني والدلالات الجديدة لتأتي موقعة بلاغياً؛وهذا دليل أن العجمي يبني النص التفاعلي، نص الرؤيا البليغة والمعاني المتجددة.

ولو دققنا في مغريات هذه القصيدة على المستوى الجمالي لتبدى لنا أن المستوى الجمالي منبني على الدلالات المكثفة والرؤى الصادمة ؛لتأتي ذات قيمة إيحائية بالتكثيف والرؤى البليغة، كما في قوله:

7- مُدِّي ذراعَكِ تحت رأسي حلوتي

أوليس لمسك بالشفاءِ كفيلا

8- أو لستِ من أحيا فؤادي كلما

وقعَ الفؤادُ على يديكِ قتيلا

9- طلّي وغذي مهجتي بأناملٍ

ببنانِ سحرٍ ترفضُ التأجيلا

10- وتوضئي بالحبِّ صلي للهوى

وضعي لدين العاشقين أصولا

11- أو ليست الأعمارُ إلا كذبة

تلهو بحلمٍ يعتريكِ قليلا؟

12- تباً لعمرٍ دونَ حبٍ ينتهي

والعمر يهوى في الورى التنكيلا

13- هيا إلى بحري تعالي موجة ً

وتعمدي للسابحينَ وصولا

14- إني اعتنقتُ الحب في مهدي وقد

أصبحتُ للحب الكبير رسولا

لاشك في أن الشعرية –أساسها- دقة اختيار الملفوظ الشعري، وبداعة الدلالات والرؤى الغزلية، لتبدو الرؤية الشعرية ذات قيمة ائتلافية تضافرية بين الجملة والجملة؛ والدلالة والدلالة، كما في قوله: [ مدي ذراعك تحت رأسي حلوتي أوليس لمسك بالشفاء كفيلا]؛ولو دقق القارئ في المخزون الجمالي للكلمات ومستوى تفاعلها وتضافرها في النسق الشعري لخلص إلى نتائج موضوعية، وهي أن القصيدة تشكل منعطفاً مهماً في تحفيزها النسقي؛ مما يجعلها غاية في المباغنتة والحنكة الجمالية: (وتوضئي بالحب صلي للهوى/ تباً لعمرٍ دون حبٍ ينتهي)، وهكذا يؤسس الشاعر الدلالات الشعرية على حراك الرؤى البليغة، لدرجة أن الجملة تقتضي الجملة وتشكل معها فاعلية آسرة، والكلمة تقتضي الكلمة بسيرورة نسقية متضافرة لفظاً ودلالة، وهكذا تتناغم الدلالات الشعرية لتحقق أعلى مستوى تفاعلي مؤثر في النسق الشعري من خلال تفاعل الدلالات والرؤى الشعرية، وهذا ما يلحظه القارئ في تتابع الدلالات والصور الشعرية على هذه الشاكلة من المواربة والاختلاف والتنوع والاستثارة الجمالية.

والملاحظ إبداعياً أن الحنكة الجمالية التي تربط البيت والبيت حنكة دلالية ترسيمية، إذ إن البيت يقتضي جمالية البيت السابق وجمالية البيت اللاحق دون أن تنفصل الرؤى أو تتشظى، مما يدل على بلاغة خاصة في رسم الصور الشعرية لتحقق مبتغاها ومقتضاها الجمالي الحقيقي، كما في قوله:

15- عيناكِ آياتُ الجمالِ وإنها

من ربنا قد أنزلتْ تنزيلا

16- فسرحتُ أهذي غارقاً في وصفها

لغة الهوى بدَّلتها تبديلا

17- دوَّنتها وقرأتها فعشقتها

وبمعبدي رتلتها ترتيلا

18- والفجرُ عند بزوغه لما يجد

إلاك في قهرِ الظلام سبيلا

19- فسعى إليكِ مع النسيمِ بشمسه

حتى تكوني للضياءِ دليلا

20- وتفتحت مهجُ الورود بفجرها

وتناغمت قممُ الخيالِ صهيلا

21- فهممتُ في وجه الصباح مقبلاً

ثغر الحبيبةِ والسنى تقبيلا

22- أيقنتُ أنك في الحياةِ منارتي

لما أضأتِ بصدري القنديلا

23- أحسست قلبي للحبيبةِ دوحة ً

غرستْ بها فوقَ الوريدِ نخيلا

24- شغفٌ بها عند الأصيلِ تمايلتْ

همساً وجفناً ساحراً مكحولا

هنا، يأتي المقتضى الصوتي والنسقي بلاغياً، لدرجة أن الكلمة تقتضي جمالياً الكلمة التالية لتحقق مبتغاها النصي، وهاهنا أعتمد الشاعر بلاغة الكلمة الفعلية في نسقها لتثير النسق الشعري، وتعبر عن الحراك أو التحول في الحدث الفعلي، كما في التحولات الفعلية النسقية التالية: "سرحت- بدلت- دونت- قرأت- رتلت- هممت- أحسست) وناهيك عن بلاغة الفعل المخاطب، وما تصاحبه من حركة للمشاعر(تفتحت- تناغمت- أيقنت- غرستْ- أضاءت- تمايلت)؛ وهذا دليل الحراك الشعوري في الأحداث والمشاعر الغزلية المتوالية التي تبعث الصورة والصورة، والدلالة ومثيلها الشعوري الغزلي في كشف الحالة الشعورية وما يصاحبها من أحاسيس متوترة غاية في الشفافية والغزل الروحي والصوفي المحتدم بالأنثى الكمال أو أنثى الجمال.

والملاحظ جمالياً أن الحراك الفعلي جاء متواشجاً مع كثافة الصور والدلالات والمشاعر المحتدمة التي تباغت القارئ في نسقها الجمالي، بالانتقال من نسق تصويري جمالي إلى آخر، لتبرز الدلالات الشعرية المتوترة، كما في سلسلة الصور التالية: [فهممت في وجه الصباح مقبلاً]، فهذه الصورة العغزلية تقتضي بلاغة الصورة الفعلية المتحركة بإيقاعها: [أيقنت أنك في الحياة منارتي لما أضاءت بصدري القنديلا]؛ وهكذا تؤدي الأفعال دورها الحركي التحولي في نقل المشاعر الغزلية المصطهجة بالمشاعر الغزلية المكثفة التي تعبر عن بلاغة مقتضاها التصويري، ليكون الفعل الرابط أو الفاعل المؤثر في أإصابة المقتضيات الشعرية والعاطفية والدلالية البليغة في نسقها الشعري.

ومن هنا، يمكن القول: إن شعرية القصيدة في شعر وهيب شعرية مكونات أسلوبية ومتغيرات أسلوبية بالانتقال من صورة إلى صورة، ومن دلالة إلى دلالة لتحقق أعلى قيمة في منتجة الصور التشكيلية وليست البصرية فحسب، أي ثمة تفاعل رؤيوي خلاق بالمؤشرات الجمالية التي يؤسسها العجمي على الباعث الاسمي ومقتضاها التشكيلي ضمن سيرورة نسقية تفاعلية تدللب على شعرية الكلمة وتفاعلها في نسق الجملة لتثير القارئ بأنغامها وأصدائها الدلالية الموقعة لفظاً ودلالة، كما في قوله:

25- وعزفتُ ألحاني  بروحِ قصيدتي

فسمعتُ في بيت القصيدِ هديلا

26- وغسلتُ أوجاعي بآهاتي وما

وجدَ الفؤادُ مع الغرامِ حلولا

27- (هلي) إليَّ بكل حسنكِ أنعشي

قلبي الجريحَ واستبظئي التهليلا

28- هيا اشرئبي كالحمائم للسما

ماكانض فجركِ في البزوغِ خجولا

29- وتفتحي وردَ القلوبَ بواحتي

ماكان وردكِ بالعطورِ بخيلا

30- في بحري اغتسلي ليغدو ملحُهُ

عسلَ الشفا لايقبلُ التأويلا

31- أيقولُ حسادي بأنكِ خمرتي

ماهمني في سكرتي ما قيلا

32- خمر الدوالي ما أطاحَ بصحوتي

لكن كأسكِ يرفعُ المفعولا

33- طرزتُ حرفي بالبلاغةِ متقناً

ألبسته لحبيبتي منديلا

لاشك في أن الشعرية تأسيس كلمات، وحرفنة نسقية في رسم أبعادها ورؤاها الشعرية، إذ إن الشاعر يتلاعب بالنسق الشعري جمالياً، بالانتقال من صورة إلى صورة، ومن رمز دلالي إلى آخر، لتبرز الدلالات برؤاها المكثفة، ومؤثراتهاالبراقة: [طرزت حرفي بالبلاغة متقناً- في بحري اغتسلي ليغدو ملحه عسل الشفاه لايقبلُ التأويلا]؛وهكذا، يؤسس الشاعر إيقاع قصائده على بلاغة الدلالات الشعرية، وقيمة مؤثرها الجمالي، لتأتي القفلة شاعرية ذات إيقاعات تصويرية متلاحمة، وكأن العجمي يرسم الكلمات رسماً بريشة فنان يعي جمالية الكلمة وإيقاعها الصوتي الخلاق، كما في قوله:

34- شمس المحاسن من جبينكِ أشرقتْ

وأحبُّ فيكِ قوامكِ المصقولا

35- لا تطفئي ناراً بقلبي أشعلتْ

بل أضرميها بكرةً وأصيلا

36- أنا من تشظى بانفجار قصيدتي

وغدوت في نعشِ الهوى محمولا

إن الخاتمة النصية تحقق جماليتها بإيقاع تحفيزي من خلال دهشة ما تشير إليه من دلالات ومعانٍ غاية في التحفيز والتفاعل النصي، وهذا دليل حنكة جمالية وترسيم جمالي في هذه القصيدة التي تعد من الدرر الجمالية في متحف الشاعر وهيب عجمي الغني باللوحات والصور والتحف الفنية، مما يجعلها ذات قيمة جمالية عالية تؤسس شعرية النسق وتحفيزها الاستشرافي الجمالي.

وهكذا تحقق القصيدة قيمتها الجمالية عبر مؤثراتها التشكيلية لترقى أعلى مستويات الاستثارة والبلاغة والتأثير؛وهذا إن دل على شيء فيدل على روح شاعرية مؤثرة باتجاهاتها كافة.

***

د. عصام شرتح

....................

الحواشي:

(1)عجمي، وهيب، 2020- وردة العشق، دار البنان، ط1، ص33- 37.

(2) شرتح، عصام، 2020- حوار مع وهيب عجمي، الفيس بوك

(3) شرتح، عصام، 2020- حوار مع وهيب عجمي، الفيس بوك.

في المثقف اليوم