قراءات نقدية

يوسف علوان: قراءة جديدة لرواية "الأشجار واغتيال مرزوق" للكاتب عبد الرحمن منيف

لم تكن نكسة حزيران عام 1967، هزيمة عسكرية فحسب، إنّما مثّلت إفلاسا للبنى الثقافية والفكرية التي كانت سائدة قبلها، وخيبة مسّت جميع الأصعدة العربية، عقب هذه الأجواء صدرت رواية "الأشجار واغتيال مرزوق" عام 1973 وهي العمل الروائي الاول للكاتب عبد الرحمن منيف،

التي سلطت الضوء على ما كانت تعيشه الأنظمة العربية، التي صنعت لنفسها منظومة من الأساطير والعادات والتقاليد التي توارثتها على مر العصور، وكانت سبباً في تضليل شعوبها، وتغييب وعيها. وقد صورت لنا الرواية الحالة التي كانت تعيشها هذه الشعوب من اضطهاد وتعسف، وذلك من خلال ما تتعرض له الشخصيتان الرئيستان في الرواية: منصور عبد السلام، المثقف الذي يتعرض للملاحقة والاضطهاد ثم الطرد من الوظيفة. والشخصية الثانية الياس نخلة، المواطن البسيط الذي لا يشغل باله سوى في توفير العيش له ولعائلته.

تبدأ الرواية من القطار الذي يهاجر به منصور من بلده من اجل العمل، بعد ان اصبح الحصول على عمل في بلده معجزة يجب ان يقف أمامها المواطن متلاشياً صغيرا. وكانت معاناة منصور كبيرة في الحصول على جواز سفر لهجرة بلده بينما في بلدان غير بلداننا العربية لا يستغرق الحصول عليه اكثر من ساعات: "لا احد يصدق كم انتظرت حتى حصلت على هذه الأوراق اللعينة، نعم لا أحد على وجه الكرة الأرضية يتصور ان أوراقا مثل هذه، لا يكلف انجازها نصف ساعة، تنتظرها أكثر من سنتين.. لكن ما هو الزمن؟ ماذا يعني بالنسبة للآخرين؟ وماذا يعني بالنسبة لك"ص14.."جواز السفر لا يعني هذه الوثيقة الصغيرة التي بين يديك، تخطئ كثيرا اذا تصورت الأمر هكذا! والملفات الكبيرة؟ والتقارير؟ حتى المختار كان يستطيع ان يمنعك من السفر"ص14. ثم يمر أمامه شريط من الملاحقات التي تعرض لها والأسئلة التي كثيرا ما يوجهها الرجال الذين يتابعونه، عند البيت، والذين يسألون بائع السجائر وصاحب الفرن، ويطاردونه في الأزقة ويجلسون في المقهى الذي يجلس فيه: "أتتصور ان هؤلاء سهوا عنك لحظة واحدة؟ لا تتوهم.. كانت آذانهم لا تسهو، تلتقط كل شيء.. بعد ان تتحول كلماتك الى أصوات ميتة في الهواء، تنفجر مرة أخرى، تصبح أشباحا وهي تتراكم في الملفات الزرقاء والحمراء!"ص14.

هذا ما تعرض له منصور وأمثاله، حتى لم يبق أمامه سوى الهجرة من البلد للخلاص من تلك الملاحقات التي تحسب عليه أنفاسه، حتى أصدقائه لم يستطع، او بالأحرى لم يرغب في توديعهم، فهو لا يرغب بالذكرى التي تخلف عاطفة: "اترك كل شيء وراءك".

وبحزن يسائل منصور نفسه: "ما هو الوطن؟ الأرض؟ التلال الجرداء؟ العيون القاسية التي ينصهر منها الحقد والرصاص وكلمات السخرية؟ الوطن ان يجوع الإنسان؟ ان يتيه في الشوارع يبحث عن عمل ووراءه المخبرون"ص25. كثيرا ما يستخدم الكاتب الحوار الداخلي (المونولوج) في مراجعة منصور للأحداث التي مرت به..

هكذا وبكل توجس وخوف يبدأ سفرته في القطار وفي الدرجة الثانية، (مكان الرواية التي تستمر مع زمن الرحلة التي لا تتعدى الساعات الثلاث). عبدالرحمن منيف يقدم اغلب رواياته في أماكن غير محددة، لكنها تجمع العديد من الصفات المشتركة والممثلة للواقع العربي، ولهذا جاءت أماكن رواياته غير محددة بمكان حقيقي معروف. وفي احد لقاءاته الصحفية يبرر ذلك بان الأمكنة العربية متشابهة بظروفها لذلك يعطي للأمكنة شمولية.

في القطار يتعرف منصور على (الياس) الشخصية الثانية في الرواية، وهو شخص عادي، عمل في كل المهن، هرسته الحياة، حتى أصبح أخيراً مهرباً للملابس القديمة يبيعها في اقرب مدينة بعد الحدود.. وعندما يسأله منصور عن مردود تجارته التي سيشاركه فيها؛ رجال الجمارك وحرس الحدود! كما أخبره ألياس فيجيب:"لقد دفعت في المرة الماضية مبلغاً كبيراً، ولم ينته الأمر أيضاً، أوصوني على ألف شغلة!".. ص27.

فيثير بهذا الجواب حفيظة منصور:"آه لو امتلك السلطة، لو امتلكها يوماً واحداً لدمرت هذا العالم، العالم لا يحتاج إلا الى التدمير. لقد فسد كل شيء فيه، تفتت خلاياه، تعفن، لم يعد ممكناً إصلاحه أبدا"ص27. هذا الشعور بالمرارة والظلم يجعل منصور يتعاطف مع ما يحكيه ألياس من تفاصيل حياته طوال الرحلة. فما الذي أراده الكاتب من جمع هذين الشخصيتين معا في مكان وزمان الرواية (القطار)؟ هل يرمز الى عجز القوى المثقفة والأحزاب التقدمية عن تخلصها من حكوماتها التي تسلطت عليها.

باعتقادي ان شخصية ألياس البسيطة المتشربة بالحياة ترمز الى الطبقات المسحوقة في المجتمع العربي والتي لا تشكل خطراً على حكام تلك الأنظمة، فهي تناضل في سبيل توفير لقمة العيش لها:"أتعرف يا صاحبي ان هذا الذي يجلس أمامك الآن عاش حياة صعبة.. قد تكون ممتعة.. لا ليست ممتعة على الإطلاق، كانت حياة شقية، لا يهم، ولكن كانت حياة. نعم حياة"ص47.

ويحكي الياس الى منصور كيف خالف إرادة أبيه الذي قال له:"يا ألياس هذه الأشجار مثل الأولاد، أغلى من الأولاد، ولا أظن ان في الدنيا إنساناً يقتل أولاده، فأحرص عليها اذ مت، أنا اتركها أمانة في رقبتك، فاذا قطعت شجرة قبل أوانها فأن جسدي في القبر سوف ينتفض"ص47.. مع ذلك خسر ألياس أشجاره التي تعني له حياته في لعبة مقامرة:"هذه الليلة لا نلعب إلا على الأشجار نحن ندفع مالاً وأنت تدفع لنا أشجارا"ص48.. بعد ان يخسرها يحمل البندقية ويذهب الى الجبل، ليصبح لأربع سنوات قاطع طريق، مشردا.

بعد ذلك سافر إلى المدينة وترك مدينته الطيبة لأهلها ورحل. في المدينة لم يترك مهنة لم يعمل بها لكنه لم يوفق فيها جميعاً. وعن المرأة يستثيره منصور قائلا:"المرأة ليست سراً، الرجل هو الذي يحاول ان يجعلها كذلك، وكأنه يلتذ بلعبة القطة والفأر!"ص64.

فيرد عليه ألياس:"ان النساء والأشجار لهن طبيعة واحدة... ماذا تحتاج المرأة؟ المرأة تحتاج الى كلمات حلوة. صح إنني أعطيت كثيرا مما كنت أحمله في الخرج: مناديل مرايا وحناء، وبعض الأحيان سكرا وطحينا، ومع ذلك فان قلب المرأة لا تفتحه إلا الكلمات.. ومع الأيام أصبحت الكلمات كائنات عجيبة لها حياتها..؟ المرأة بدون خيال الرجل لا تعني شيئاً. ماذا تتصور ان تكون المرأة لو لم يوجد الرجل؟".

لغة الحكيم التي يتكلم بها ألياس، من أي جامعة او معهد تعلمها؟ أنها الحياة التي علمته كل دروسها فقد اغترف منها بكل ما يملك من حب للحياة. فأعطته ما أراد. وخلال ذلك السرد الذي يقوم به ألياس لتفاصيل حياته، يحاول منصور عبدالسلام أستاذ الجامعة المقال، المثقف الذي استثار أجهزة الأمن بتحركاته فباتت تراقبه في رواحه ومجيئه، ان يقارن بين حياته التي قضاها في الدراسة ثم سفره لإكمال دراسته في الخارج والعلاقات العاطفية التي كان يقيمها مع فتيات مررن به خلال حياته هذه في بلده وخارجه وعدم استطاعته، مع أكثرهن، مفاتحتهن بحبه. وقد تركنه ليتزوجن بآخرين، وبين حياة ألياس المشبعة بحب الحياة! لماذا يتناسى المثقف حياته الخاصة وينغمس في هموم بلده؟ انها ضريبة الوعي التي يدفعها..

"ألياس نخلة.. رجل في الخمسين تجاوز الخمسين.. ليس له عمر.. لم يوجد ابداً، موجود من الأزل، يتلاشى كالغبار، يقف بصلابة الصخرة العظيمة في فم النهر، يبتسم بحزن"ص159.

هل أراد المؤلف ان يرمز الى ألياس نخلة باعتباره الطبقة المسحوقة في المجتمع.. رغم كل معاناتها وكبواتها المستمرة غير أنها تنهض بعد كل سقطة لتعاود المحاولة متمسكة بالأمل وبحب الحياة.

وبالمقابل؛ منصور عبدالسلام الذي يرمز الى الفئة المثقفة الواعية التي تتسلح بالعلم والمعرفة، تجاوز الخامسة والثلاثين، غير متزوج، يحس بالإحباط والعجز عن تغيير واقع بلده. تعرف على الكثير من الفتيات اللائي احبهن، لكنهن جميعهن تركنه وتزوجن آخرين، ويبدو ان آثار إخفاقه في هذه العلاقات ما تزال تبدو في الحزن المرسوم على وجهه، يحب القراءة، فالكتاب بالنسبة له يعادل رجلاً.. كثير ما يتذكر:"حتى وقت قريب كنت أحتفظ بمكتبة صغيرة، كانت بعض الكتب تتمتع لدي بمزايا تفوق أي شيء في هذا الوجود"ص184.

و"في السجن ثلاثون سجيناً في غرفة لا تتسع لثلاثة، وكنا قد صنعنا من بقايا أكياس الخيش مروحة ربطناها بحبل، وكنا نتناوب الحراسة، كل ساعة حارس، من أجل ان نتنفس، ومن اجل ان نفسح مكاناً لإنسان ينام.. كان حارس الساعة يشد المروحة، ويقرأ او يفكر"ص185.

"لو تركت الأحلام وفكرت بهدوء رجل متزن، تجاوز الثلاثين وكان مدرساً للتاريخ.. لو أن هذا حصل، لما تعقدت الأمور الى هذه الدرجة، لو تركت الكتب لأصبحت نمطاً آخر من الرجال.. هذا النوع الذي يفهم الواقع، يعيش فيه، ويتعامل معه دون ان يكفر او يستسلم..."

"اللغة في الرواية تعد الركيزة الأولى والأهم لبنائها الفني، فاللغة تصف الشخصية أو تمكن الشخصية من وصف شيء ما. واللغة هي التي تحدد وتبني غيرها من عناصر الرواية كحيّزي الزمان والمكان. واللغة هي أيضاً التي تحدد وتبني الحدث الذي يجري في هذين الحيّزين"(2). وقد اتصفت اللغة التي استعملها منيف في روايته"الأشجار والاغتيال مرزوق"بنوعين من المستوى ففي الحوار اتصفت بالبساطة حتى تقربها في بعض الأحيان من اللغة المحلية كما في الحوارات الآتية:

"- حسب التيسير، ولكن المعدل بين ساعتين وثلاث ساعات!"ص17

"- شكرا؟؟ والحمد لله!"ص18

"- اشتري ملابس قديمة، وأبيعها في أول مدينة بعد الحدود

- وتربح من ذلك؟

- ربك ساترها!"ص22

"يجب ان لا تتركيه هكذا. اليوم شقاوة أولاد، لكن غدا عندما يكبر يصبح مجرما ويدخل السجن. الشوارع تربي الأولاد على الرذيلة والسرقة والقتل والمقتول!"ص180

"وقال الرجال: الخيالة قتلت واحدا.. قتلت اثنين.. قتلت ثلاثة. وبعد كل قتيل كان غضب الرجال يزداد ويزداد جنونهم، حتى اكتسح كل شيء!"ص190

"والله يا أستاذ منصور المال ليس مهما، المال يأتي ويروح، المهم الأخلاق والسمعة الحسنة، وانت ولله الحمد، منصور عبدالسلام على عيننا وراسنا"ص224.

اعتقد ان كتابة الحوار في الرواية بهذا الشكل البسيط هو محاولة من المؤلف لتوصيل الحوار الى القارئ بيسر وسهولة لإعطاء الصورة القريبة عن الشخوص الذين يتحدثون هذه اللغة. ومشكلة الحوار عند بعض الروائيين تكمن في أن البعض يحمل الحوار ثقلا اكبر مما يحتاجه.

بالمقابل نرى لغة الوصف في الرواية تختلف عن لغة الحوار من حيث فخامة التعابير، لرسم صور واضحة وعميقة من خلال هذه اللغة التي تصور لنا اللوحات التي اراد لها المؤلف ان تؤطر أحداث روايته:

"المدينة تبتعد، وتبتعد معها الأضواء التي بدت، أول الأمر، مثل نجوم سماء ومقلوبة، ثم أخذت تنتظم في أشرطة طويلة متداخلة، تهتز مع اهتزازات القطار الذي يصعد باتجاه الشمال.. عندما تزايدت سرعة القطار أصبحت حركاته رتيبة كأنها ضربات قلب حيوان خرافي"ص17.

"الليل في الخارج مثل خيمة سوداء قاتمة، القطار يلهث وهو يصعد التلال باتجاه الحدود."ص20.

".. كانت المدينة تنام تحت وطأة الغروب، تنام مثل جريح نزفت دماؤه طوال النهار، لم يبق إلا ان ينزلق ويموت"ص175.

".. ومنذ ذلك اليوم بدأت اقول.. واتوهم، وبدأت اركض في أحلامي، كنت اسقط الخيالة عن خيولهم، واضربهم حتى يموتوا، ولم اصرخ في وجه ذلك السمين القصير.. ولكن تمنيت لو أشدُّ لحيته!"ص191.

أهمية العنوان في الرواية

يعتبر العنوان أحد العناصر المهمة للرواية ومدخلا أساسياً في قراءة الرواية. وكثيرا ما يشير الى نص الرواية او لأهم احداثها. "ومن أهم الدراسات العربية التي انصبت على دراسة العنوان تعريفا وتأريخا وتحليلا وتصنيفا نذكر ما أنجزه الباحثون المغاربة الذين كانوا سباقين إلى تعريف القارئ العربي بكيفية الاشتغال على العنوان. الباحث المغربي إدريس الناقوري يقول"للعنوان وظيفة اشهارية وقانونية تتجاوز دلالاته الفنية والجمالية، تندرج في اطار العلاقة التبادلية الاقتصادية؛ وذلك لأن الكتاب لا يعدو كونه من الناحية الاقتصادية منتجا تجاريا يفترض فيه أن تكون له علاقة مميزة وبهذه العلامة بالضبط يحول العنوان، المنتج الأدبي أو الفني إلى سلعة قابلة للتداول"(3)

وهو المفتاح الذي يسهل او ينوه عن الأحداث وإيقاع نسقها الدرامي وتصاعدها السردي. ومدى أهميته في استخلاص البنية الدلالية للنص، وتحديد ثيمات الخطاب القصصي، وإضاءة لها.

والعنوان يجسد المدخل النظري الى عالم الرواية الذي يسميه: لكنه لا يخلق النص فالعلاقة بين الطرفين لا تكون مباشرة في جميع الأحيان؛ انطلاقا من كل هذا قد يكون بالإمكان تتبع عمل العنوان في النص والشروع في نمذجة تصنيفية للعناوين وفقا لعلاقتها بالشرح الروائي بالذات عن طريق الاختزال إلى الحد الأقصى.

إن العنوان الذي يلتصق به العمل الروائي قد يكون صورة كلية تحدد هوية الإبداع وثيمته العامة، وتجمع شذراته في بنية مقولاتية تعتمد الاستعارة أوالترميز.

لاعتبار العنوان الروائي بنية عامة قابلة للتحليل والتفسير والتقويم من خلال علاقته بعناصر النص الأساسية التي تتمثل في بناه وخطاباته، ومنظوره الفني في الشخوص والأحداث والفضاء الروائي. ولا تعبر العناوين الروائية دائماً عن مضامين نصوصها، بطريقة مباشرة او تعكسها بوضوح. فبعض العناوين غامضة ومبهمة ورمزية وضعيفة، لذلك اعتقد ان العنوان الذي اختاره مؤلف رواية"الاشجار واغتيال مرزوق"غير موفق! فمع ان"الأشجار" وهو الجزء الاول من العنوان، التي ترمز الى الحياة من خلال ما كانت تعنيه للشخصية الثانية في الرواية الياس، وإحساسه بعد خسارته لاشجاره، بضياعه واقتلاعه من جذوره التي تشكل قرية الطيبة رمزها، وهروبه الى الجبل والعيش فيه مقطوع الصلة بأهله (أمه وناس القرية) والسنوات السبع التي قضاها في الجبل هائماً يحمل سلاحه ويقتات على الحشائش وعلى صيد الحيوانات، هو رمز لفقدان هذا الشخص آدميته وتحوله الى كائن آخر، وحتى مهاجمته لبعض الناس والاعتداء عليهم, هو رمز لفقدانه مبررات عيشه مثل الآخرين، بعد ان فقد جذوره الآدمية بخسارة أشجاره، قد جاء متعلقا ومشيرا الى النص الروائي.

فنجد ان الجزء الثاني من العنوان" اغتيال مرزوق" ليس له من علاقة باحداث الرواية، ولا تجد لـ"مرزوق" علاقة بأحداث الرواية، ولا تجد له ذكر سوى في بعض صفحات "اليوميات" التي تسجل الأحداث التي مرت بها الشخصية الرئيسة منصور عبدالسلام، بعد هجرته من بلده بسبب ما كان يعانيه من اضطهاد ومحاربته من قبل أجهزة الأمن التي كانت تطارده. وبعد ان تقيله من عمله (أستاذ جامعي) بسبب آرائه التي تخالف السلطة، وتمنع عليه العمل في كل المجالات، وتصل به الحاجة الى تمني العمل صباغاً للأحذية. لذلك يضطر للهجرة من بلده والعمل مترجم في بعثة تنقيب عن الآثار.

لم يأت ذكر لمرزوق في كل أحداث الرواية، إلا في وريقات من "اليوميات".. وكأن الراوي قد استدرك في هذه اليوميات القليلة فذكره بشكل مكثف ليبرر وجوده:

"الجمعة 14 نيسان:

كآبة زجاجية حادة تسيطر عليّ الآن: كل شيء تافه وله رائحة كريهة. لم أنم الليلة الماضية لحظة واحدة قتلوا مرزوق. لا احد يدري كيف قتل. قالوا انه وجد مقتولاً والسلام!.

مرزوق الأسمر، الحصان، الضاحك.. مرزوق الانسان الذي ذرع ارض الوطن من الشمال الى الجنوب، من اجل ان يصبحوا حكاماً.. مرزوق الآن ميت. هل له قبر؟ هل دفنه أحد؟

مرزوق الآن بارد كالحجر. مرزوق غير موجود. كما قتلوه؟ لماذا لماذا؟ (ص301).

الثلاثاء 18 نيسان:

مرزوق ليس واحدا، مرزوق كل الناس. مرزوق شجرة. مرزوق ينبوع. مرزوق هو الياس نخلة الذي لا يموت"ص306.

الأربعاء 25 نيسان:

هل قتل مرزوق؟ ألا يحتمل ان تخطئ الجرائد؟ الا يحتمل ان يكون غيره الذي قتل؟ ولكن الجريدة التي أمامي تقول: "وجدت قرب محطة السكك، جثة رجل، تبين بعد الفحص ان القتيل يدعى مرزوق عبدالله مدرس للجغرافية، عمره ثلاث وثلاثون سنة وأمه هايله".

فليس من المقنع ان تكون لمرزوق هذه الأهمية في الرواية ولم يذكر عنه أي شيء او لم يذكره منصور عبد السلام وهو يتذكر ما مر به في حياته حتى حصوله على جواز السفر ومن ثم رحلته في القطار وفي الدرجة الثانية!

لكن تبقى الرواية تسجيلاً رائعا لما تعرضت له الشعوب العربية وقواها الوطنية من قبل حكامها من محاربة وقمع وتصفيات جسدية. وما حالة الشخصيتين الرئيستين في الرواية؛ الياس نخلة الذي يعيش في دوامة الخوف والحاجة والابتزاز من قبل رجال الكمارك وحرس الحدود، وما تنتهي اليه شخصية منصور عبد السلام من الإحباط والجنون إلا بسبب المعاناة التي عاشها في بلاده، ولم يعرف الراحة حتى في البلد الذي هاجر إليه ليجد له عملا فيه!

***

يوسف علوان

................

1- محمد البغدادي / لغة السرد في الرواية الجديدة/ موقع مجلة الخليج/ انترنيت.

2- إدريس الناقوري: لعبة النسيان- دراسة تحليلية نقدية-، الدار العالمية للكتاب، الدار البيضاء، ط1، 1995.

في المثقف اليوم