قراءات نقدية

جمعة عبد الله: متاهات المرأة في المجموعة القصصية (معابر الدهشة) للاديبة زهرة الظاهري

النص السردي يمتلك براعة الصياغة والخيال الفني، في صياغة وخلق وتكوين  الحدث، في الغور في الأعماق في عتبات السردية للنص، في الاتجاه الواقعي، أو الواقعية الاتجاه  التي تملك  المغزى والمعنى والايحاء البليغ في دلالته، هو يدخل في سيكولوجية المرأة التي تبحث عن الأمل والحلم والحب وتشوقه، في مجتمع وتقاليده تقف بالضد  من المرأة، أو  في الاحرى  المجتمع الذكوري يعطي كل الحق للرجل، ويسلب كل الحقوق للمرأة، في سبيل ان تظل ظل الرجل، أو اسيرة رغباته وافعاله، أن يكون ولي امرها، والقائم على شؤونها وبرمجة رغباتها وسلوكها وطريقة حياتها وظروفها وأسلوب طريقة معيشتها . في مجتمع ينظر بشكل أحادي للرجل ويترك المرأة تغوص في الظلم والمشقة والمعاناة  . هذه بيانات النص السردي في المجموعة القصصية (معابر الدهشة) أن الاديبة (زهرة الظاهري) تحاول ان تغوص في الازمة الحياتية الظالمة للمرأة بشكل عام، وبشكل رصين بكشف الحقائق والوقائع في تداعيات الاجتماعية وتصدعها اليومية والمعيشية . في لغة سردية مشوقة وجذابة، بحيث تثير اهتمام القارئ وتترك اثراً في ذهنه من  التأمل والتفكير، وهو يتابع الاحداث الصادمة في النص السردي . واختارت الضمير المتكلم لقيادة دفة الأحداث وبرمجتها، وهي تحمل شحنات  من الانفعال والتعاطف في المشاعر في حسها ونبضها الانساني، وفي مخاطبة الآخر، مواد سردية من خامة الواقع الاجتماعي، في جمالية عتبات النص، الذي يحمل ثنائية قبل وبعد الحدث (ميتا سردية) في النص والشخصيات، التي تغوص في البؤس والمعاناة في حياتها اليومية، يمتلكها القلق والخوف من المجهول، لذلك نجدها محبطة في الخيبة ومنكسرة في التصدعات النفسية في القهر في الواقع الاجتماعي، الذي ينهال على المرأة في كومة اخفاقات لتشكل لها أزمة حياتية ونفسية من الانكسارات .

لنقتبس بعض القصص في إيجاز شديد:

1 - قصة العرافة:

للخروج من دائرة اليأس والإحباط في حياة المرأة المتكسرة نفسياً في مشاكلها اليومية، تلجئ الى العرافة، لكي تساعدها للخروج من النفق الحياتي المليء بالضباب، لكن العرافة نهج عملها الابتزاز والدجل والغوص أكثر فأكثر في المشكلة، حتى تخلق لها عقدة نفسية متشظية عند زبونتها، رغم المرأة دفعت المال و باعت أساورها الذهبية واقترضت المال الكثير،  دون أن تجد كوة أمل . حتى العرافة ضجرت منها بتذمر وأرادت أن تقطع صلتها والكف في المجيء اليها  لتقول لها في آخر لقاء (أتعبتني بشكواكِ  وتبرمكِ من كل ما حولكِ، لماذا لا تقتنعي بأن حظكِ من الدنيا سيء جداً، تصرفي في نظركِ تماماً على ان يكون قادم الأيام مواتياً لامزجتكِ الغريبة، أنسي أنكِ امرأة خلقت لغير البؤس، و تخففي من آفاقكِ الواهية) ص13 .

2  - قصة فلس:

من سخرية الأقدار ومهازلها الاجتماعية من الآباء في اختيار اسماء غريبة لابنائهم، تكون محل تندر واستهزاء وسخرية من الناس، وتكون هذه الاسماء الغريبة،  ثقيلة على صاحبها مثل أسم (فلس) رغم انه خريج جامعة، لكنة يشعر بالارتباك والتذمر من اسمه الغريب بين الناس، وترشده احدى الموظفات التي استغربت من  اسمه (فلس) واقترحت عليه الذهاب الى المحكمة في سبيل تغيير الاسم الى اسم مناسب، وبالفعل قدم طلب الى المحكمة بتغيير الاسم، نظر قاضي الى اسمه الغريب وقال متذمراً (- ابوك الامي الجاهل أسمه ابراهيم العريبي وانت الشاب خريج الجامعة أسمك فلس؟) ص27 . وتم تغيير اسمه الى أسم مجد ابراهيم العريبي .

3- قصة حمام الشفاء:

امرأة بائسة منكودة الحظ، كأنها خلقت للقهر الاجتماعي، ان تكون لعبة بغض وكراهية  من زوجة أبيها بعد وفاة أمها، أن تجبرها على الزواج من رجل يفوقها عشرين سنة ومعتوه كأنه من أهل الكهف، وضع مصير حياته بيد أمه، التي عجزت أن تجد امرأة واحدة تقبل بهذا المعتوه بالزواج، وكانت الام شريرة في تعاملها الخشن والقاسي، وكانت المسكينة في عذاب ومحنة، وكانت على الدوام آثار التعذيب الجسدي واضح في جسمها، من رضوض ودماء من الفم والأنف وبقع السياط على جسمها، وزادت معاناتها انها انجبت جنين معوق ومشوه بعد ولادة عسيرة، فلم تعد تتحمل المزيد من المعاناة، وفي ليلة كالحة هربت مع طفلها المعوق، ليستقر بها المقام . ان تشتغل في حمام النساء، وتحت رحمة صاحب الحمام وزجته العجوز في استغلالها بابشع صور من المعاملة القاسية، وبالتالي زوجة صاحبة الحمام دبرت  لها مكيدة بتهمة سرقة أساورها الذهبية الثمينة وجرجرتها الى المحكمة، لم يفلح بكائها ودموعها الحارقة بأنها بريئة من التهمة،وفي يوم قرار المحكمة طلبت من قاضي أن تكشف خفايا واسرار من الفضائح للزوج والزوجة، وخشية من كشف هذه الفضائح، سارعت العجوز البدينة الى سحب دعوة السرقة والتسامح عنها بحجة (المسامح كريم) .

4 - قصة كورونا:

الاب مناضل سياسي تعرض الى السجن والاعتقال بسبب مبادئه السياسية  السامية بالمثل العليا في سبيل الدفاع عن  المظلومين والمحرومين، وكان يملك الجرأة والعزم والارادة، فلم ينحنِ للمضايقات والاضطهاد وكان داخل السجن (يغني مع رفاقه سجناء الرأي، وللحرية والفلاحين والمقهورين وللذين  قضوا نحبهم تحت السياط وهم يهتفون بالقدس وفلسطين) ص51، وتحملت اعباء الحياة القاسية ابنته، لانه خرج من السجن فقير معدم، ولا يجد احداً يشفع له ويقدم العون لحالته  الرثة، وزاد الطين اكثر بوًساً تعرضه  بإصابة بـ الكورونا، ولم يستطع الذهاب الى المستشفى وشراء الدواء، لأن كل ما جمعته ابنته من المال كان شحيحاً لا يلبي الحاجة للعلاج والدواء . وتدهورت صحته اكثر، وابنته تفتش عن وسيلة نقله  الى المستشفى .

5 - قصة نور:

قصة مأساوية تمثل صرخة احتجاج وادانة للمجتمع وتقاليده الظالمة بحق المرأة، في ارتكاب جريمة قتل متعمدة،  للفتاة انجبت منذ سويعات قليلة  جنين غير شرعي، في عملية دهس وحشية مزقت جسم الفتاة الى اشلاء متناثرة، وبالصدفة كانت هناك امرأة شاهدت مشهد الجريمة بشكل كامل، هرعت اليها، وتطلعت الحاوية القمامة، وجدت هناك علبة بلاستكية، حين فتحت العلبة وجدت في داخلها،  جنين ملطخاً بالدماء، عارياً من الثياب، رغم البرد والمطر، وانطلقت بالجنين وقد لفته بعطفها صوب مركز الشرطة، تطلعت في وجه الجنين، كان نائماً كوجه ملاك بريء، ابتسمت له وهي تردد بحنان الأم (- نور سيكون أسمك نور، ستنيرين الدنيا بضيائكِ) ص109 .

***

جمعة عبدالله

 

في المثقف اليوم