كتب واصدارات

نبيل الربيعي: معايير التفاوض عند الإمام علي بن أبي طالب

صدر الكتاب عن دار الفرات للثقافة والإعلام في بابل، وقد احتى على (238) صفحة من الحجم الوزيري. مهمة الكتاب تقوم في الكشف عن حقائق الباطن التي مَثلّها الإمام علي في حياته ومماته، وعن روح المعاني في أقواله وأفعاله. وبالتالي ضرورة إيجاد الصلّة الفعلية ونموذجها الممكن بين قوة مثاله وشخصيته الواقعية، أي نفيها الحقيقي في الفعل المعاصر. فليست هناك من شخصية كبرى في تاريخ الإسلام استطاعت أن تستثير خفايا الوعي والضمير وتضارب المشارب والتقييمات كشخصية الإمام علي بن أبي طالب. فهو يبدو في كيانه الواقعي لُغزاً، وفي صورته التاريخية كياناً يصعب احتوائه أو المسك به. فهو الشخصية التي يصعب التعامل معها على أساس قواعد المنطق الصارمة أو الإنتماء المذهبي، فكلاهما يضعفان البحث.

كُسِرَ هذا الكتاب على مقدمة وستة فصول وخاتمة، شمل الفصل الأول دور الإمام علي في المصير السلطوي ومفارقاته، أما الفصل الثاني فتعلق بخصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. أما الفصل الثالث فشمل عناصر التفاوض في مدرسة الإمام علي. وخصص الفصل الرابع صفات المفاوض الناجح وفق مفهوم الإمام علي، أما الفصل الخامس فتضمن محطات من حياة الامام علي. ثم الفصل السادس دور الامام علي في معركة الجمل.

اعتمدت في اصدار هذا الكتاب على مصادر متنوعة تراوحت في أهميتها بين مصادر وثيقة الصِلّة بموضوع شخصية الإمام علي، وأخرى برزت أهميتها في موضوعات خاصة من الكتاب، كانت في مقدمة تلك المصادر الكتب العربية مصدراً مهماً للكتاب، ومن أبرز هذه الكتب: شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد، وأمالي الصدوق لأبن بابويه القمي، وتهذيب التهذيب لأبن حجر العسقلاني، وتاريخ ابن خلدون، ووفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان لأبن خلكان، وتحف العقول عن آل الرسول لأبن شعبة الحراني، والإمامة والسياسة المعروف بتاريخ الخلفاء لأبن قتيبة، وكشف الغمة في معرفة الأئمة للأربلي، والإمامة والقيادة لأحمد عز الدين، والغدير في الكتاب والسُنة والأدب للأميني، وحلية الأبرار في أحوال محمد وآله الأطهار للبحراني، والطبقات الكبرى للبغدادي، والكامل في التاريخ للجزري، ووسائل الشيعة للحر العاملي، ومصادر أخرى مهمة اعتمدت عليها في كتابي هذا.

لقد حدد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب معايير المفاوضات وعناصرها، وأسَسَّ لواقعية السياسية قبل مئات السنين، أي قبل توماس مور في كتابه (اليوتوبيا)، ونيقولا ميكافلي في كتابه (الأمير) الذي كان صاحب الواقعية السياسية، والفارابي في كتابه (المدينة الفاضلة)، وتوماس هوبز في كتابه (ليفيثان في الدولة والسياسة)، وروجر فيشر، وقبل مفهوم السيدة في كتب (الجمهورية الستة) لجان بودان، فضلاً عن جان لوك وكتابه (العقد الاجتماعي)، ومونتسكيو و(الفصل بين السلطان والدساتير والحريات)، وفولتين وجان جاك روسو. أما الهداية والحكمة والمعرفة والشجاعة والجرأة والقوة الجسدية فجميعها اجتمعت به، فضلاً عن آداب الفروسية والنخوة، والحق والشرف، والسلام والحرب، فكان يلتزم بالحكم الشرعي في كل قول وفعل.

ولتوضيح المزايا لأهدفنا في هذا الكتاب، هو تم تسليط الضوء على أسلوبه التفاوضي بصفته ابن عم النبي محمد بن عبد الله، وصحابياً يلتزم بالأحكام الشرعية، كأساس في حياته وافعاله وسلوكه، فضلاً عن كونه صاحب قرار بالحكم الشرعي ملتزماً به، فقد طالب بتسليم قتلة الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وكان لهُ موقف في وجوب عزل معاوية بن أبي سفيان عن ولاية الشام، وفي معاملة طلحة بن عبد الله والزبير بن العوام، وفي قبول التحكيم.

في هذا الكتاب نركز على مواقف الإمام علي بن أبي طالب التفاوضية انطلاقاً من فهمه للأحكام الشرعية، سواء في قوته أو ضعف سلطانه. فكان مثالاً للصحابة في عناصر المفاوضات التي كانت من بديهيات فهم الصحابة للأحكام الشرعية، ولو قارنا ذلك مع عناصر التفاوض في الفكر الغربي التي كُتبت بعد حوالي 1300 عاماً بعد استشهاد الإمام علي. وعناصر التفاوض التي وثقها العالم الأمريكي روجر فيشر السبعة لأي مفاوضات، هي: 1- المصالح، 2- الخيارات، 3- الشرعية، 4- العلاقات، 5- الإتصال، 6- الإلتزام، 7- البدائل. وإن الإمام علي بن أبي طالب قد وضعها قبله بألف وأربعمائة عام، وهي اثني عشر عنصراً، أي بزيادة خمسة عناصر على فيشر؛ وعناصر التفاوض الكاملة هي: 1- المصالح، 2- الخيارات، 3- الشرعية، 4- العلاقات، 5- الإتصال، 6- الإلتزام، 7- البدائل، 8- العلم والمعرفة، 9- القيادة والمسؤولية، 10- المُتغيرات، 11- الصبر والثبات، 12- العدل. وهناك من يعتقد أن توماس هوبز هو أول من أسس العلاقة بين الدولة والناس والدولة والسياسة، لكن الحقيقة العلمية واضحة لنا أن الإمام علي جاء بها قبل هوبز، فقد حدد مفهوم السيادة بوضوح.

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

في المثقف اليوم