أقلام ثقافية

مثلث الرعب وبرمودا الذات

محسن الاكرمينتعرية الذات مثل الولادة الأولى لن يكون هو متم نهاية مسلسل (مثلث الرعب). لكن، من عيب التفكير الذي يسيطر علينا لزوما أننا نتقن فن تصور العري ولا نختلف في بناء وضعياته التجسيدية، أننا نقلص من سلطة تفكير العقل وفن التجريد نحو التشخيص الرديء برغبات بواعث إخراج مكبوتات الذات الخفية.

حين يكون مسرح تصوير لحظات دراما من مسكوتات العمر الزمني، حين يصبح التطفل على امتلاك الحقيقة سرابا واهيا، حين يحس الفرد أن لحظة العري التام تتم لزوما بعد نهاية الحياة، حينها يتم انتهاك الحدود بين التصورات الحسية وبنيات التفكير العقلية، تسقط الحقيقة ونتعرى جميعا ولو بحد ستار لباسنا. هنا لنتفق وبدون شتات جدالي عقيم، فلا أقصد نهاية حياة الختم ب(الموت)، بل الدلالة تتوسع عند موت الطموح في حياة، تتوسع حين تفتقر الحياة إلى نسخة حب تبادلية.. حين تصير الحياة لعبة يومية بين الأرجل بالتقاذف الممل.

كل منا بالجمع يحمل نزعة خير تتعدد ونزعة شر تتسع بمتوالية (ادفع)، لكنا نفترق عند مستوى قياس أثر كل من حمولة الخير ومثلث رعب الشر، وهي بالتمام فلسفة الحياة الكامنة وراء الحرب الباردة والمعلنة بين مثلث الشر ونقط الخير.

زوايا الشر الناتئة تحيط بالخير وتقلص من حرية تحركه بالرحابة التامة، وهي المعادلة التي أفرزت لنا مسلك الشيطنة وأشكلت فيها معرفة الطينة الطيبة ومعدن الشر.

اليوم انتابني شعور أن الشر له تحالفات قوية، أن الشر له أكثر من سلاح فتاك، أن الشر ممكن أن يعبر الأنفس ولا يحتاج إلى جواز سفر. اليوم تأكدت أن الخير يعيش الظلم واليأس من ناسه، أن الخير يدافع عن قلعته المحتلة بدون سلاح، أن الخير لازال يمتلك سلاح القيم القديمة من منجنيق ودروع وسيوف آتية من قوم عاد وثمود، اليوم علمت أن الخير يحصي مساحات حدوده المنتهكة والمحتلة بقوة الشر. اليوم أصابني البكاء حين تم تقليص مساحة خير الحب الأبدي بين معكوفتين وسلة شروط متراكمة ومتزايدة...

مثلث الرعب (برمودا) الأسطوري نعايشه في مدينتنا في وطننا في معاملاتنا المرتبطة بالمصالح النفعية، مثلث الرعب يتجدد في علاقاتنا الثنائية والجماعية. فيما الإقرار بأن تعرية الذات خلف ستار مسرح الحياة لن يجدينا نفعا، فمادام للحياة شروط ونقط وفواصل متجددة، ومادام للحياة شبكة كلمات متقطعة بين الخير والشر...

تعرية الذات بالمكشوف يغنينا عن التأويلات واستعمال فرامل المنعرجات القاتلة، هو كلامي الذي ممكن ألا يفهم اليوم بالمكشوف، هو تفكيري الذي شاخ قبل حدوث الأمل ومعجزة الليلة الظلماء، هو شعوري الذي نال من التعب وانكمش حول ذاته لكي لا يعري بالتمام ذات الداخلية بالكشف الفاضح نحو الآخر الحاضر والغائب.

 

محسن الأكرمين.

 

في المثقف اليوم