أقلام ثقافية

بنيامين يوخنا دانيال: التغيرات المناخية تهدد صناعة السياحة والسفر

تأتي التغيرات المناخية في مقدمة التحديات التي تواجهها صناعة السياحة والسفر في السنوات الأخيرة، ويعزى ذلك إلى طبيعة هذه الصناعة وحساسيتها الشديدة تجاه التغيرات عموما، طبيعية كانت أو اقتصادية أو سياسية وغيرها. وللدور المهم للعامل المناخي في تكوين وتشكيل النشاطات السياحية نفسها، وفي تحديد اتجاهات السياح نحو المناطق والوجهات السياحية، واختيارهم لوسائل النقل من أجل الوصول اليها، ولأماكن الايواء والطعام والشراب، ولنوعية المستلزمات المستخدمة في رحلاتهم، وفي مقدمتها الملابس التي سيرتدونها خلالها.

أما ظاهرة التغيرات المناخية (الزلازل، البراكين، الجفاف والتصحر والقحط، الاحتباس الحراري، تملح التربة الساحلية والمياه الجوفية، الفيضانات والأعاصير وموجات المد العاتية – التسونامي نتيجة حدوث البراكين والزلازل في قاع البحار والمحيطات، تراجع نسب المتساقطات – الثلوج والامطار والندى، ارتفاع مستوى مياه البحار، انتشار الأوبئة والامراض، فقدان التنوع الحيوي، تراجع الصحة البشرية، تراجع الإنتاج الزراعي، انتشار الحشرات المضرة بالمزروعات... الخ) والناجمة عن عوامل بشرية (احراق المخلفات الصناعية، عوادم السيارات، حروب وصراعات، تشغيل محطات الطاقة، تجارب على الأسلحة، احراق الوقود الاحفوري – الغاز والنفط -، احراق مخلفات المحاصيل الزراعية والفحم... الخ) وطبيعية (النشاط الشمسي، فلكية - الانفجارات البركانية... الخ)، فتمثل هي الأخرى تحديا قويا ومشكلة بيئية شاملة وواسعة التأثير جغرافيا ونوعيا من حيث شمولها لكافة بقاع واصقاع كرتنا الأرضية، وانعكاسها على جميع مناحي الحياة البشرية على نحو بين. ومن ضمنها أنشطة السياحة والسفر.

وقد انعكست التغيرات المناخية على صناعة السياحة والسفر سلبا بعدة وجوه، ومنها: أولا: تراجع بعض أنواع واشكال السياحات البحرية والنهرية، مثل الغطس والسباحة وركوب الزوارق والكاياك والصيد وركوب الأمواج (الركمجة). كما حصل في المنطقة الساحلية في دلتا مصر في السنوات الأخيرة. وايضا في تشيلي اثر الزلزال الذي ضرب سواحلها عام 2010. ثانيا: تأجيل والغاء الرحلات الجوية واغلاق المجال الجوي بوجه الطائرات بسبب سحب الدخان البركانية وغيرها من التأثيرات الطبيعية. كما حصل في أوروبا وأجزاء أخرى من العالم عام 2010 عندما ثار احد البراكين تحت كتلة (يوجافجالاجوكول) الجليدية في ايسلاندا. وأفضى إلى تعثر حركة الأشخاص والبضائع في الدول الأوروبية وغيرها، وتسبب في هبوط اسهم شركة الطيران في تداولات البورصات الأوروبية، وتضررت شركات التأمين. ثالثا: تراجع الرياضات والأنشطة السياحية التي تزاول في الجبال والمرتفعات نتيجة النقص الحاصل في كميات الثلوج المتساقطة عليها، مثل التزلج وركوب العربات التي تجرها الحيوانات. كما حصل في بعض البلدان الأوروبية المعروفة بمنتجعاتها الجبلية التي تمارس فيها في الشتاء هذه الرياضات والألعاب. رابعا: تأثر عناصر جذب طبيعية مثل الشعاب المرجانية وتراجع أنماط وأشكال سياحية مختلفة مرتبطة بها مثل الغوص ومراقبة الشعاب المرجانية والاحياء البحرية. كما حصل في ماليزيا حيث انحسرت مساحات من هذه الشعاب بسبب التغير المناخي والتلوث، واصيبت بالابيضاض. أو كما حصل لطيور (الاكينا) الجميلة الجذابة في جزيرة (ماوي) في هاواي، اذ أصيبت اعداد كبيرة منها بالملاريا عندما هوجمت من قبل جيوش البعوض الهارب من المناطق الغربية التي ارتفعت فيها درجة الحرارة، الامر الذي أثر سلبا على سياحة مراقبة وتصوير الطيور في الجزيرة. أو الفراشات الزرقاء القزمة التي تعيش في أعالي جبل (سانت كاترين) (1800 متر فوق سطح البحر) في سيناء بجمهورية مصر العربية، الامر الذي أثر سلبا على سياحة مراقبة الفراشات الملونة في المنطقة. أو حيتان (الاوركا) التي تراجعت أعدادها بين السواحل الكندية والارخبيل من (400) إلى (200) نتيجة الانخفاض الحراري وتداعياته على مصادر الغذاء لهذه الحيوانات (سمك السلمون)، الامر الذي يتطلب عدة مئات من السنوات من أجل التعويض الطبيعي في أعداد هذه الحيتان التي تتكاثر ببطء. وهذا ما أثر على أعداد وأحجام المجاميع السياحية المتوجهة على هذه المنطقة من أجل مشاهدة ومراقبة وتصوير الحيتان. خامسا: تكبد المرافق والمنشآت السياحية والفندقية وغيرها من مكونات البنية الفوقية للسياحة لخسائر كبيرة جراء هذه التغيرات، خصوصا تلك الواقعة في الجزر وعلى السواحل والغابات. كما حدث لمنتجع (بنانغ) ومنتجع (لانغاوي) في ماليزيا ومنشآت (بوكيت) في تايلاند ومنتجعات جزيرة (ملكة البحر) السريلانكية اثر موجات المد الزلزالية التي ضربت سواحل تايلاند وسريلانكا والهند واندونيسيا وغيرها في كانون الثاني 2004، نتيجة لهزة أرضية عنيفة (9،3 درجات على مقياس ريختر). وأيضا باكستان اثر تعرضها لموجة سيول وأمطار عارمة تسببت بها الامطار الموسمية عام 2010. سادسا: تضرر البنية التحتية للسياحة المتمثلة في المطارات والموانىء البحرية وسكك الحديد وشبكات الطرق والجسور وغيرها، كما حصل في اليابان عام 2011 اثر سلسلة هزات أرضية وموجات مد عارمة (تسونامي) ضربت أراضيها وامتدت بعيدا لتصل شواطئ استراليا وأمريكا ونيوزيلندا. سابعا: حصول تحول في اتجاهات واختيارات السياح من المناطق والمقاصد السياحية المنكوبة والمتضررة جراء التغيرات المناخية

الى المناطق والمقاصد الامنة. الامر الذي أفضى على نمو السياحة الداخلية في الكثير من البلدان وعلى حساب السياحة الدولية. كما حصل بالنسبة لأستراليا اثر تعرض ولاية (كوينزلاند) في الوسط ومناطق متعددة في الجنوب والشرق على اعصار استوائي شديد.

***

بنيامين يوخنا دانيال

في المثقف اليوم