أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

مسرحية فتى العالم الغربي، كتبها الكاتب المسرحي الأيرلندي جون ميلينجتون سينج، تستكشف موضوع الاستعمار وتأثيره على الشعب الأيرلندي. تدور أحداث المسرحية في ريف أيرلندا في مطلع القرن العشرين، وتصور وصول شخص غريب يدعى كريستي ماهون، الذي يدعي أنه قتل والده. يثير هذا الحدث قدرا كبيرا من الاهتمام في المجتمع الصغير، مما يعكس العلاقة المعقدة بين المستعمِر والمستعمَر. وتسلط المسرحية الضوء من خلال شخصياتها وتفاعلاتها على الآثار النفسية والثقافية للاستعمار.

أحد العناصر الرئيسية للاستعمار التي تم استكشافها في المسرحية هو التأثير النفسي الذي يحدثه على المستعمر. يتم تصوير الشعب الأيرلندي على أنه متأثر بشدة بمنظور المستعمر وقيمه. يظهر هذا عندما يتقبل كريستي ماهون بفارغ الصبر الإعجاب الذي تلقاه من السكان المحليين عندما يكشف أنه قتل والده. في هذا العرض للعنف والتحدي، تجسد كريستي رغبة المستعمرين في تأكيد استقلالهم والاعتراف بهم من قبل مضطهديهم.

 تتعمق المسرحية في الآثار الثقافية للاستعمار. ويعرض كيف استوعب الشعب الأيرلندي الصور النمطية التي فرضها عليهم المستعمر. على سبيل المثال، عندما لاحظت بيجين مايك أن والدها يحذرها من "حيل الرجال"، فإن ذلك يعكس ديناميكيات السلطة في المجتمع المستعمر حيث غالبا ما يُنظر إلى النساء على أنهن مجرد أشياء للرغبة وليسن أفرادا لهن فاعليتهن الخاصة. يتم تسليط الضوء بشكل أكبر على هذا الاضطهاد الثقافي من خلال شخصية أولد ماهون، الذي يتم تصويره على أنه شخصية ضعيفة وخاضعة، تجسّد آثار الاستعمار المُضعفة.

بالإضافة إلى الآثار النفسية والثقافية، يولد الاستعمار أيضًا ديناميكيات السلطة بين المستعمر والمستعمر. تمثل شخصية كريستي ماهون جاذبية قوة المستعمر. اعترافه بقتل والده يمنحه احتراما مؤقتا وسلطة بين السكان المحليين. تتحدى هذه الديناميكية فكرة أن الأفراد المضطهدين عاجزون تمامًا وتوضح كيف يمكن استخدام القوة المتصورة للمستعمر للحصول على ميزة اجتماعية داخل المجتمع المستعمر.

 تتناول المسرحية صمود ومقاومة الشعب المستعمر. تُظهر شخصية بيجين مايك القوة والاستقلالية في تحديها للأعراف المجتمعية. إن قرارها باختيار كريستي خطيبا لها، على الرغم من اعترافه العنيف، يدل على مقاومتها لقيم الانقياد والقمع التي فرضها المستعمر على المرأة. ترمز أفعالها إلى صمود الشعب الأيرلندي في مواجهة الاستعمار، وتسلط الضوء على تصميمه على الحفاظ على هويته وقدرته على الصمود.

تستخدم المسرحية أيضا السخرية لتسليط الضوء على تعقيدات الاستعمار. يبدو في البداية أن وصول كريستي والانبهار الذي أثاره بين القرويين كان وسيلة للهروب من صراعاتهم اليومية. ومع ذلك، مع تقدم المسرحية، يصبح من الواضح أن هوسهم بقصته يعزز فقط الدونية التي فرضوها على أنفسهم. بهذه الطريقة، يصبح وصول البطل المحتمل بمثابة تذكير مؤلم بهياكل السلطة القمعية الموجودة في المجتمع المستعمر.

 تستكشف المسرحية موضوع الاستعمار الداخلي داخل المجتمع الأيرلندي. تمثل شخصيات مثل مايكل فلاهيرتي الشخصيات القمعية داخل المجتمع والتي تعمل على إدامة عقلية المستعمر. إن تصميم مايكل على الحفاظ على الصورة النمطية للأيرلنديين المضطهدين يؤدي إلى إدامة الاستعمار الداخلي للشعب الأيرلندي، مع التركيز على الطبيعة المعقدة لديناميكيات السلطة داخل المجتمع المستعمر.

 تسلط مسرحية فتى الغرب اللعوب الضوء على التأثيرات المتعددة الأوجه للاستعمار على الشعب الأيرلندي. من خلال استكشافها للديناميكيات النفسية والثقافية وديناميكيات القوة، تلقي المسرحية الضوء على تعقيدات العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر. وتلقي الضوء على الآثار النفسية لاستيعاب قيم المستعمر وصوره النمطية، فضلا عن القمع الثقافي المفروض على الشعب الأيرلندي. في النهاية، تعرض المسرحية أيضا مرونة المجتمع الأيرلندي ومقاومته، وتقدم فهما دقيقا للديناميكيات التي تلعبها في المجتمع المستعمر.

***

محمد عبد الكريم يوسف

مقدمة: تتعمق قصيدة إليوت الشهيرة "الأرض اليباب"، التي نُشرت في الربع الأول من القرن العشرين وتحديدا عام ١٩٢٢، في النفس المجزأة لمجتمع ما بعد الحرب العالمية الأولى. إلى جانب تقديم مشهد مقفر من اليأس والانحلال، يقدم إليوت تنبؤات مذهلة بالمستقبل في هذا العمل الأساسي. من خلال الصور الحية، والروايات المجزأة، والاستكشافات المواضيعية، حيث يتحدى إليوت القراء لمواجهة مشهد يبدو فيه الأمل بعيد المنال وينتظره مستقبل شرير. تحلل هذه المقالة عشرة تنبؤات رئيسية قدمها إليوت في "الأرض اليباب" ومدى صلتها بمجتمعنا المعاصر.

تدهور المشهد الحضري:

في "الأرض اليباب"، يصور إليوت رؤية بائسة للانحطاط الحضري، مما يعكس تدهور الجوانب المادية والمعنوية للإنسانية. إن هذا التصوير القاتم للمشهد الحضري يحذرنا من الصراعات البيئية والاجتماعية والاقتصادية الوشيكة التي تنتظرنا.

الفراغ الروحي والإفلاس الأخلاقي:

تسلط قصيدة إليوت الضوء على الفراغ الروحي والانحطاط الأخلاقي لمجتمع ما بعد الحرب. إن المستقبل المتوقع الذي يظهر من خلال هذه الأرض القاحلة هو بمثابة قصة تحذيرية لاستمرار انحدار البشرية إلى الإفلاس الأخلاقي.

خيبة الأمل في التقدم:

تُظهر وجهة نظر إليوت للتقدم والحداثة في "الأرض اليباب" خيبة أمل عميقة الجذور تجاه التقدم التكنولوجي وما تلا ذلك من عزلة ناجمة عن هيمنتها. يتصور الشاعر مستقبلا حيث يصبح البشر منفصلين بشكل متزايد عن بعضهم البعض، ويستعبدون لاختراعاتهم الخاصة.

فشل الاتصال:

يتنبأ تصوير إليوت للروايات المجزأة والأصوات المفككة في "الأرض اليباب" بمستقبل يصبح فيه انهيار الاتصالات وعواقبه أكثر وضوحا. يتم تصوير عدم القدرة على فهم وجهات نظر بعضنا البعض وما تلا ذلك من تصاعد سوء الفهم والصراع بشكل صارخ في القصيدة.

انهيار التقاليد الثقافية والأخلاقية:

تتنبأ "الأرض اليباب" بتآكل القيم الثقافية والأخلاقية، وهو ما يتضح من خلال إشارات القصيدة إلى الأساطير والتقاليد الدينية المختلفة التي تعاني من الفوضى. يقترح إليوت أن المستقبل الخالي من التماسك الثقافي والأخلاقي يولد عدم اليقين والفوضى.

فقدان الهوية وأثره على الصحة النفسية:

تستكشف قصيدة إليوت موضوع الهوية المجزأة، وتتنبأ بمستقبل حيث يعاني الأفراد من شعور مكسور بالذات. تستبق هذه الصورة التداعيات النفسية لمجتمع يفشل في تزويد الأفراد بأساس لبناء هوية متماسكة.

النزعة الاستهلاكية والمادية المفرطة:

"الأرض اليباب" تحذر من مخاطر النزعة الاستهلاكية والمساعي المادية. يتنبأ إليوت بمستقبل يظل فيه الأفراد محاصرين في دائرة من الاستهلاك المتواصل، مما يؤدي إلى مجتمع محبط ومليء بالسخط والتدهور البيئي.

زوال الحب والعلاقات التقليدية:

تسلط قصيدة إليوت الضوء على تآكل الحب والعلاقات التقليدية، والذي يتضح من خلال التفاعلات المختلة والعلاقات الفاشلة بين شخصياتها. يثير هذا التنبؤ مخاوف بشأن مستقبل العلاقة الحميمة والوفاء العاطفي في مجتمع منفصل عن الانحرافات وإشباع الذات.

الصدمة المستمرة وآثارها على المجتمع:

تستكشف قصيدة "الأرض اليباب" صدمة الحرب وتأثيرها الدائم على الفرد والمجتمع ككل. إن توقعات إليوت حول الآثار المتبقية للصدمة تحثنا على معالجة عواقب الصراعات الماضية لمنعها من الظهور مرة أخرى وإدامة حلقة مفرغة من الدمار.

إمكانية الفداء والأمل:

على الرغم من أنه تصوير مؤلم لمستقبل مقفر، إلا أن "الأرض اليباب" تقدم أيضا بشكل غامض لمحات من الخلاص وإمكانية استعادة الأمل. تشير القصيدة إلى أنه من خلال مواجهة الحقائق القاسية للأرض القاحلة، يمكن للبشرية أن تجد القوة لإعادة بناء نفسها وتجديدها.

خاتمة:

من خلال "الأرض اليباب"، يقدم إليوت لمحة مثيرة للتفكير في المستقبل، محذرا المجتمع من مخاطر الانحلال الأخلاقي، والتدهور البيئي، والانفصال. ومن خلال دراسة تنبؤات إليوت، نكتسب نظرة ثاقبة لعصرنا والعواقب المحتملة التي تنتظرنا إذا فشلنا في الانتباه إلى حكايته التحذيرية. دعونا نغتنم هذه الفرصة لإعادة التفكير في طريقنا والعمل على خلق مستقبل يعزز الترابط والتعاطف والاستدامة.

***

محمد عبد الكريم يوسف

 

خواطر

هذا الصّباح، أطلّت علينا الشّمس الدّافئة، بعد أيّام متواصلة من المطر، باستحياء أطلّت من بين الغيوم، ترسل أشعّتها النّاعمة لتملأ الأرض بهجةً وإشراقا. إنّه أجملُ الصّباحات، تفوح منه رائحة الأرض بعد المطر، أكثرُ الصّباحات صمتًا، يبعث السّكينة في النفس، يُنسي البال ما كان بالأمس يشغله، ويملأ النفس فرحًا لا يشبهه فرح. صباحٌ باردٌ بردًا يوقد الأشواق، مغسولٌ بماء المطر وقطرات النّدى. صباحٌ يغري بالكتابة.

شكرا

يمتلئ البال بالخواطر كلّ يوم طوال الأسبوع، معظمها تذهب وتتلاشى في غمرة الأحداث وتسارع الأيام، لكنّ ما يبقى محفورًا في الذّات هو أكثرها صدقًا وعمقًا.

هذا الأسبوع تذكّرتُ جدّي مرة أخرى، عندما سمعتُ أغنية «شكرا»*:

شكرًا لأبطال الحكاية كلّهم

من شكّلوا فينا الحقيقة والخيال

فلكلّ فصل في حياتي قصةٌ

ولكلّ سطرٍ ما يُقال وما يُقال

يقولون إنّنا لا نعرف قيمة الأشياء إلّا بعد أن نفقدها. فكم من مرةٍ لا نقول شكرًا لأناس عبروا من حياتنا، نكتشفُ أنّنا ممتلئون بهم. شكرًا واحدة لا تكفي ولا توفي حقّ جدّي ومنزلته في قلبي، ولا حتى ألف شكر، فهو من علّمني حبّ اللغة العربية، وحبّ الكتب والقراءة وعلّمني ما لم يعلّمني أحدٌ دون أيّ كلام.

وتقول الأغنية أيضا:

شكرًا لمن غرسوا كلامًا طيّبًا

بقلوبنا فغدت ربيعًا لا يزال

ولنا ابتساماتهم كأجمل بُردةٍ

ولهم علينا دائمًا صبر الجبال

وكان السّؤال الذي أثير في بالي: هل هناك فرق بين (شكرا) و (أشكرك) باللغة العربية؟

فخطر لي أنّ شكرًا هي كلمة عامّة جدًّا، تُقال لأيّ أحد، بلا مشاعر خاصّة، وأحيانا كثيرة للمجاملة. لكنّ (أشكرك) هي كلمة موجّهة بشكل خاصّ، محمّلة بالأحاسيس، نابعة من قلبٍ إلى قلب، لها وقعٌ خاصٌّ في القلب، فيها تقرّبٌ، تمييزٌ وامتياز، مملوءة بالمحبة والألفة، تكسر الحواجز بين القلوب.

شكرا أيقظت بي العديد من الأفكار. فقد خطر لي أنّنا لا نستعملها كثيرًا، ليس كما ينبغي ربما، بلغتي الأم الشّركسية، ولطالما كانت مبعثًا للحيرة وربما الحرج لاستعمالها. وقد أكون مخطئة في ذلك.

لماذا؟ هل لأنّها جُملة طويلة؟

«تح ويغبسو» بما يعني: الله يحفظك. وإذا كانت (شكرا) هي (الله يحفظك) فكيف نشكر الله بلغتنا؟ سؤال بقيَ عالقًا في ذهني إلى اليوم بلا إجابة.

هذا الأسبوع أدهشني أحدهم عندما قال لي إنّ طول جملة (شكرا) بالشركسية فيه جُهدٌ وعمقٌ أكثر، وهي تحمل زيادةً في المعنى وتُلغي الغفليّة.

ربما... من يدري*.

خصوصيّة

هذا الأسبوع قرأتُ عن مسلسل «كبرى» الذي يُعرض على نيتفليكس فشاهدتُ الإعلان الترويجي للمسلسل. يظهر فيه رجلٌ وامرأة مستغرقين في حديث، عندما تصل رسالة نصّية إلى الرجل، فتفتح المرأة الرسالة وتقرأها: أنت مختلف.

فتسأله: ما هذا؟

يقول لها: لا أدري.

هل تعرفها؟

لا.

من الواضح أنها تعرفك لأنها تقول لك إنك مختلف.

أنا لا أعرفها حقا.

إن كنت لا تعرفها فلماذا تراسلك؟

لا أدري لماذا، لكنّ هذه المعاتبة للرجل من قبل المرأة بسبب شكّها بأنّه يغازل امرأة أخرى غيرها، والتي نراها ونسمع عنها كثيرا، لا تروق لي. أحسّ فيها شيئًا من الغباء وحتى الإذلال للمرأة، في حال كانت المعاتبة من قبلها، فالحبّ هو الثّقة أولا وأخيرا، وإن ذهبت الثّقة فكيف يبقى الحب؟

 تلك المعاتبة أثارت في ذهني مرةً أخرى خواطر عن الغيرة بين الرّجل والمرأة. أين الحدود؟

هل من حق المرأة (لنفرض أنها الزوجة) أن تفتح رسائل زوجها النصّيّة أو رسائله الالكترونية؟

هناك العديد من الأزواج يطلبون من الشّريك معرفة كلمة السّر لهاتفه الخليويّ أو بريده الإلكتروني ويصرّون على ذلك بادّعاء أن هذا من حقّهم. هل من حقّ الزوجة أن تتابع زوجها خطوة بخطوة وتتدخّل بعلاقاته وصداقاته وخطواته؟ أليس الرّجل هو إنسانٌ أولا ويحتاج إلى شيء من الخصوصيّة ليحتفظ فيها بنفسه، برغباته؟

ألا توجد مساحة شخصيّة بين الأزواج؟

هناك من يدّعي أن لا خصوصية بين الأزواج، يعني كل ما هو لك لي وكل ما هو لي لك.

ما الذي يدفع الإنسان ليجبر أحدًا للتنازل عن خصوصيّته؟

هل هذا هو الحبّ؟ أم الزّواج؟ أم الغيرة؟ أم أنّه حبّ الامتلاك؟

عندما يحاول أحدهم التّحكّم بكلّ تصرّفاتك، كلماتك وعلاقاتك ويعاتبك على كل كبيرة وصغيرة فهذا لا يعني أنّه يحبّك، بل يعني حبّه لامتلاكك والسّيطرة عليك جسديًّا، مادّيًّا وعاطفيًّا، ويعني أنه لا يحترمك ويدلّ على عدم تقديره لذاته حتى تظلّ الشّكوك تراوده. 

كلّنا نحتاج إلى مساحة شخصيّة أو خاصّة بنا بطريقة وإلى حدّ ما، مساحة نشعر فيها بالأمان والاستقلاليّة، ونشعر أنّنا لسنا عرضةً للانتقاد. فيها يمكننا التفكير والتأمّل والتساؤل وتطوير آرائنا ومواقفنا المختلفة بما يتناسب مع أنفسنا، ومنها يمكننا الانفتاح على الآخرين عندما نقرّر ذلك بإرادتنا.

صحيح أنّ الشّفافية مطلوبة وضروريّة في العلاقة الزّوجية، لكنّ الحاجة إلى الخصوصيّة عند الإنسان لا تختفي بعد الزّواج. على العكس، ربما تكبر أكثر. لذا، على الأزواج التوصّل إلى تفاهم بأن العلاقة الزّوجية لا تعني إلغاء الخصوصيّة، بل عليهما احترام خصوصيّة الآخر ومساحته الشّخصية والحفاظ على الثّقة بالآخر.

غضب

هذا الأسبوع أيضا كانت لي محادثة مثيرة للتساؤلات مع إحدى السّاكنات في بيت المسنّين الذي أعمل فيه، والتي وصلت إلى البيت قبل نحو شهرين أو أكثر، مع غيرها من المسنّين والمسنّات الذين سكنوا البيت بعد أن تمّ إخلاؤهم من بيوتهم في شمال إسرائيل بسبب الحرب. إنّها امرأة لطيفة في الثمانينيات من العمر، صاحية وواعية تماما، كانت تعمل في رعاية المسنّين في شبابها، والآن تحتاج إلى الرعاية. منذ سنوات تعاني من مرض الربو، وتنتابها نوبات الربو، ويعني ذلك صعوبة في التّنفس، وما يصعب عليها أيضا أنّها، مؤخرًا، لم تعد قادرة على المشي، وهذا يعني أنّها تعتمد على الآخرين في كلّ شيء تقريبا، وخاصة، في قضاء حاجتها، الأمر الذي تحتاجه مرات عديدة خلال النهار. مكثت في المستشفى لعدة أيام بسبب صعوبة التنفس، ومنذ عودتها إلى البيت كانت مريضة وضعيفة وكثيرة التّذمّر.

جلستُ أمامها وسألتها عن حالها، فقالت: حالي ليس جيّدًا أبدًا، أنظري إليّ. هل هذه حياة؟

أخبرتني عن مدى صعوبة هذا المرض وعدم قدرتها على المشي لقضاء حاجتها بنفسها.

استمعتُ إليها وحاولتُ تشجيعها والتّخفيف عليها قدر الإمكان، فقلتُ لها إن هناك أمورًا لا سيطرة لنا فيها وعلينا فقط مواجهتها والتعايش معها وأنّ ذلك هو قضاء الله.

فقالت: أنا أعرف أنّ ذلك هو قضاء الله وأنا قابلة بذلك، ولكنّني غاضبة أيضا، غاضبة على الله، وأتساءل: لماذا يخلقنا ويعذّبنا؟ هذا مرض صعب جدا، لا أتمنّاه لأحد.

أحيانا، مجرد الحديث عن الصّعوبات يخفّف عنا الكثير، وهذه السّيّدة بالذّات، ربما جزء من معاناتها أنها واعية تماما، بعكس كلّ السّاكنات والسّكان الآخرين في هذا القسم بالذّات من البيت، الذين يعانون من مرض الخرف والزهايمر. وأحيانا قد يساعدنا أن نعرف عن غيرنا الذي يعاني أكثر ويتحلّى بقوّة التّحمّل والصّبر، فأخبرتها عن معاناة سيّدة أخرى أعرفها تعاني أكثر منها منذ الصّغر، وكيف أنّها تحافظ على ابتسامتها وتبقى راضية رغم كلّ شيء، فرأيتُ كيف تبدي تعاطفها معها، وفي نهاية المحادثة سررتُ برؤية الابتسامة ترتسم على شفتيها رغم كلّ شيء. أحيانا، نحتاج فقط إلى من يسمعنا وينصت إلينا، حتّى لو لم يكن بإمكانه فعل شيء.

***

حوا بطواش

كفر كما 3.2.2024

.................................

* شكرا – كلمات: محمد موسى، ألحان وغناء: رامي محمد، توزيع: محمد هارون.

** ربما من يدري- مقتبس من أسطورة صينية بنفس العنوان.

ما كنت أحسب أن الدعوة الكريمة التي أرسلها إلي صديقي محمد المي قبل أيام من افتتاح معرض مدينة تونس للكتاب لحضور أمسية ليوم الإثنين 2 فيفري 2924 خاصة بمنتدى التنوير الذي يشرف عليه منذ سنوات والذي كنت من بين الأدباء التونسيين الذين قدمهم ونشر لكل منهم مجموعة المداخلات الخاصة به في كتاب...

ما كنت أحسب أن تكريما ينتظرني أيضا فجزيل الشكر لصديقنا الأستاذ محمد المي الذي دأب بلا كلل ولا ملل على مدى سنوات عديدة يحتفي بالأدب التونسي في مختلف أطواره وأجياله وعلى تنوع أصنافه وأجناسه متحديا المصاعب والتحديات مؤمنا بأن هذه البلاد التونسية زاهرة بالعطاء واصلا القدامى بالمعاصرين ومحتفيا بالقدامى منهم والأحياء على حد السواء !3381 تكريم سوف عبيد

إن ما أضاف إلى هذا التكريم البهيج الذي حظيت به أنه كان برفقة أصدقاء أعزاء من الذين جايلتهم وعرفتهم عن قرب وهم الأديبة نافلة ذهب صاحبة القلم القصصي المتميز بلغته الشفافة الناصعة وبسبر أغوار شخصياتها القصصية وبالتقاطها لأهم هواجس المجتمع التونسي وتحولاته بالإضافة إلى منجزها المهم في الكتابة للأطفال واليافعين وقد ولجت بقصصها تلك بابا مهما في أدبنا المعاصر وأسدت معروفا لعديد الأجيال بما بذرت فيها من شغف المطالعة وحب اللغة العربية.

وكم كنت سعيداً أيضا بتكريم صديقي الأديب جلول عزونة الذي رغم اختصاصه في تدريس الأدب الفرنسي بالجامعة التونسية فإنه اختار كتابة أقاصيصه باللغة العربية وكذلك دأب على كتابة بحوثه الاجتماعية والتاريخية بلغة الضاد ناهيك أيضا أنه محقق حصيف لكثير من كتب التراث التي نفض عنا غبار النسيان وأعاد إليها وهجها وإشعاعها.

أما الثالثة من المكرمين في منتدى التنوير بمناسبة معرض مدينة تونس للكتاب سنة 2024 فهي الأديبة مسعودة بوبكر هذه الأديبة التي سرعان ما فرضت قلمها بين الأقلام الراسخة في تونس وذلك بفضل غزارة كتابتها وتواتر إصداراتها قصة ورواية وشعرا ونقدا وغير ذلك من فنون الكتابة وقد تيسر لها ذلك لأنها أخذت الأدب مأخذ الجد والحزم وعكفت على النهل من معينه بالمطالعة والاستفادة من تشجيع السابقين لها ونذكر من بينهم خاصة أستاذنا الأديب محمد العروسي المطوي فالأديبة مسعودة بوبكر أعتبرها حقا ابنة الأدب التونسي من خلال منابره وفضاءاته المختلفة حيث كانت مواظبة على ارتدياتها ثم على تسييرها وتنشيطها مثل نادي القصة بالوردية وهادئة القصاصين باتحاد الكتاب وناديك الطاهر الحداد وغيرها فأكدت بذلك أن الموهبة هي أساس الإبداع متى حظيت من صاحبها بحسن الصقل وبالدأب والمثابرة.

أجمل التهاني إذن لأصدقائي المكرمين معي راجيا لهم المزيد من العطاء لإثراء المكتبة التونسية والسلام على أرواح الأدباء الذين غادرونا والشكر الجزيل لصديقنا محمد المي ولجميع الأطراف المنظمة لهذه المبادرة.

***

سوف عبيد

 

لوحة"الأخوات الثلاث" المستلهمة من أثر أدبي لأنطون تشيخوف في معرض خاص..

الفن بما هو مسار بحث وحيرة وتبدلات وأسئلة تجاه الذات والآخرين حيث الفكرة مجال ذهاب نحو العناصر والكائنات انطلاقا من وعي حاد للقول بالبهاء عنوانا والجمال فلسفة وو هنا تبرز الدوافع الكامنة في شواسع الفنان من أحاسيس وهواجس وتأملات عميقة وانسانيات وهموم حافة بالانسان في امتداداته في الزمان والمكان.الفنان التشكيلي الهادي فنينة في رحلته الفنية لعقود من الزمن وضمن تفاعلاته مع الأداب في علاقاتها بالفنون ووفق قراءاته للرواية في تعدد تلويناتها وفي أعماله الفنية وخاصة معرضه المنتظم بفضاء سيدي عيسى بالحمامات عرض عملا فنيا يحيل الى عوالم أدب أنطون تشيكوف وتحديدا " الأخوات الثلاث ".فالعمل الفني كان وفق التكعيبية من خلال الاشتغال على الألوان والفضاء في اللوحة وبأسلوب الفنان شكل حالة جمالية تنهل من هذا المنجز بقلم الكاتب والمسرحي الروسي أنطون تشيخوف الذي كتبت في سنة1900، وعرض أول مرة في سنة 1901 بمسرح موسكو للفنون.. فالمسرحية ضمن قائمة المسرحيات المتميزة لتشيخوف، إلى جانب " النورس " و" العم فانيا. ".. وهي بمثابة عمل يقوم على الخيال الأدبي الذي يخص ثلاث شابات شقيقات وهن أولغا وماشا وإيرينا، حيث عوالم مفعمة بالأحلام والانكسار والرغبات تجاه الحياة وتحدياتها ورتابتها في بلدة صغيرة بروسيا .. الفنان الهادي فنينة نقل كل ذلك مستلهما من هذا الأثر الأدبي حيث اللوحة تعبر بعمق على سردية وأحوال ومناخات رواية “الأخوات الثلاث”.. عمل فني التقى خلاله أدبيا وجماليا فنينة بتشيكوف ضمن رغبات الفنان في قراءة هذا الأثر العالمي فنيا.. وتشيكوف " كاتب مسرحي وكاتب قصص قصيرة روسي يعتبر من أعظم الكُتاب على الإطلاق. أنتجت مسيرته ككاتب مسرحي أربع روايات كلاسيكية، وتحظى أفضل قصصه القصيرة بتقدير كبير من قبل الكتاب والنقاد، كتب المئات من القصص القصيرة التي اعتبر الكثير منها إبداعات فنية كلاسيكية، كما أن مسرحياته كان لها تأثير عظيم على دراما القرن العشرين.. بدأ تشيخوف الكتابة عندما كان طالبًا في كلية الطب في جامعة موسكو، ولم يترك الكتابة حتى أصبح من أعظم الأدباء، واستمرّ أيضًا في مهنة الطب وتخلى تشيخوف عن المسرح بعد الاستقبال الأولي الفاتر لمسرحية النورس في عام 1896، ولكن تم إحياء المسرحية في عام 1898 من قبل قسطنطين ستانيسلافسكي في مسرح موسكو للفنون، التي أنتجت في وقت لاحق أيضًا العم فانيا لتشيخوف وعرضت آخر مسرحيَّتين له وكان ذلك لأول مرة " الأخوات الثلاث" و"بستان الكرز" وشكلت هذه الأعمال الأربعة تحديًا لفرقة العمل وكذلك للجماهيرلأن أعمال تشيخوف تتميز بـمزاجية المسرح والحياة المغمورة في النص.. كان تشيخوف يكتب في البداية لتحقيق مكاسب مادية فقط، ولكن سرعان ما نمت طموحاته الفنية كان أنطون عاشقًا للمسرح وللأدب مُنذ صغره، وحضر أول عرض مسرحي في حياته أوبرا هيلين الجميلة لباخ عندما كان في الثالثة عشرة من عمره، ومنذ تلك اللحظة أضحى عاشقًا للمسرح، وكان ينفق كل مدخراته لحضور المسرحيات...". الفنان الهادي فنينة الذي تماهى مع عمل من روائع تشيكوف كان يرى في الفن مجالا لالتقاء الابداعات والفنون وهو كقارئ لروايات تشيكوف وكونتر غراس وهمنغواي وياسمينة خضراء وغيرهم رأى ممكنات الالتقاء بين الابداعات المختلفة بل انه يسعى لاستلهام العديد من الأعمال الفنية من آثار أدبية قرأها وأحبها... واللوحة المعنية والتي عنوانها " الأخوات الثلاث " برزت في المعرض الشخصي للفنان التشكيلي الهادي فنينة بالفضاء الثقافي سيدي عيسى لجمعية صيانة المدينمة بالحمامات حيث قدم الفنان عددا من لوحاته وأعماله الفنية ضمن نشاطه الفني التشكيلي وذلك بعد معرض خاص انتظم قبل اسابيع بفضاءات العرض بدار سيباستيان بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات.و تنوعت لوحات الفنان لتعكس جانبا من تجربته التشكيلية بين المشاهد الخاصة بالحمامات من البرج والبحر والمعمار الى جانب لوحات أخرى معبرة عن مواضيع شتى تهم الانسان. معرض ينضاف لعديد المعارض الفنية للفنان الهادي الذي بقي على علاقاته بالرسم يحمل بين أنفاسه حبه الدفين للحمامات بعطورها القديمة والحديثة وهو الذي عاش في ألمانيا لفترة وفي دوسلدورف حيث تعرف الى العديد من تفاصيل الحياة والناس والفنون ليعود وفي قلبه شيء من حتى...من قيمة الفن في حياة الناس.. هذه بعض شؤون وشجون الدلفين الحمامي مع الناس والمجتمع لتظل تونس في قلبه والحمامات التي يراها كما رسمها في لوحته الفنية ضمن عنوان " الحمامات التحفونة ". وما الى ذلك من من اللوحات المتعددة ومنها لوحة " الأخوات الثلاث " العمل الفني المستلهم من أثر أدبي لأنطون تشيخوف ونعني " الأخوات الثلاث ".

***

شمس الدين العوني

إن الطبيعة العنيفة للثورة هي موضوع متكرر في رواية تشارلز ديكنز "قصة مدينتين". تدور أحداث القصة خلال الفترة المضطربة للثورة الفرنسية، وتصور بوضوح الوحشية وسفك الدماء التي رافقت هذه الفترة من الاضطرابات. في هذا المقال، سأستكشف حالات العنف المختلفة وأهميتها في إيصال الطبيعة المدمرة للثورة.

تبدأ الرواية بوصف مجتمع يعاني من الفقر وعدم المساواة، وهي الظروف التي تزرع بذور التمرد وتقود إلى الدمار والخراب. ومع تزايد السخط بين الطبقات الدنيا، بدأت الثورة في التبلور. ومع ذلك، فإن ما كان في البداية معركة من أجل العدالة سرعان ما تحول إلى كابوس فوضوي من العنف. يعد اقتحام سجن الباستيل، رمز القمع الملكي، بمثابة مثال مبكر على هذا العنف، حيث يطلق الثوار العنان لغضبهم المكبوت على حراس السجن، تاركين وراءهم مشهدا قاتما من الموت والدمار.

علاوة على ذلك، يصور ديكنز ببراعة الطبيعة القاسية وغير المتسامحة للثورة من خلال شخصية مدام ديفارج. مدام ديفارج، الثورية الانتقامية، تحيك سجلا بأسماء أولئك الذين ترغب في رؤيتهم يُعدمون، وهو ما يمثل العنف العشوائي الذي يصاحب مثل هذه الحركات السياسية. يكشف هوسها بالانتقام وملاحقتها المتواصلة لأعدائها عن عمق القسوة التي يمكن أن تجلبها الثورة إلى الناس.

يضاف إلى ذلك، فإن المحكمة الثورية، التي أنشئت لتحقيق العدالة السريعة، أصبحت أداة للإرهاب. إن المشاهد داخل قاعة المحكمة تقشعر لها الأبدان، حيث يُحكم على أشخاص أبرياء بالإعدام لمجرد الاشتباه، دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة. يرسم ديكنز صورة مروعة لعقلية الغوغاء، حيث يطغى التعطش للانتقام على العقل والأخلاق. تسلط مشاهد العنف هذه الضوء على الآثار اللاإنسانية للثورة، حيث يمكن حتى للقضايا الأكثر صدقا أن تؤدي إلى عواقب وحشية.

بالإضافة إلى العنف الذي يمارس على الأفراد، تجلب الثورة أيضًا الدمار على نطاق واسع. إن اقتحام قصر فرساي وما تلا ذلك من تدمير لثرائه يسلط الضوء على رغبة الثورة في القضاء على رموز النظام القديم. يؤكد حرق القصور ونهب منازل النبلاء على الطبيعة المتطرفة والعنيفة للانتفاضة.

وفي ذروة الثورة، في عهد الإرهاب، يصل العنف إلى ذروته. يتم إعدام عدد لا يحصى من الأفراد بالمقصلة، حيث يكون مجرد اتهامهم بالخيانة كافياً لتحديد مصيرهم. نجد شوارع باريس ملطخة بالدماء، والخوف يتخلل كل ركن من أركان المدينة. يصور ديكنز بمهارة رعب هذه الفترة، حيث تتمزق العائلات، ويخون الأصدقاء بعضهم البعض، ويتفكك نسيج المجتمع ذاته.

وبينما يحتدم العنف في الخارج، يُظهر ديكنز أيضا الأثر النفسي الذي يلحقه بالأفراد. إن شخصية الدكتور مانيت، الذي تحمل سنوات من السجن، متأثرة بشدة بالعنف الذي شهده. تتجلى الصدمة التي لحقت به في عدم الاستقرار العقلي، مما يرمز إلى كيف يمكن للعنف أن يترك ندوبًا دائمة في النفس البشرية.

وأكثر من ذلك، فإن العنف في "قصة مدينتين" يتجاوز الحدود الوطنية، فحتى شوارع لندن الهادئة ليست محصنة ضد قبضته. إن القتل الوحشي لخادمة لوسي مانيت البريئة والفاضلة، الآنسة بروس، على يد مدام ديفارج، هو تذكير صارخ بأن العنف يمكن أن يمتد ويبتلع حتى أولئك الذين ليسوا مشاركين مباشرين في الثورة.

في الختام، تقدم "قصة مدينتين" صورة صارخة للطبيعة العنيفة للثورة. يصور ديكنز بمهارة الانحدار إلى الفوضى وإراقة الدماء بينما تتحول الانتفاضة ضد عدم المساواة إلى كابوس مرعب. ومن خلال استخدام الصور القوية والشخصيات المقنعة، يسلط ديكنز الضوء على العواقب المدمرة التي تصاحب مثل هذه الحركات. تعتبر الرواية بمثابة حكاية تحذيرية، تذكرنا بالفظائع التي يمكن إطلاق العنان لها عندما يصبح العنف هو المحرك الدافع للتغيير المجتمعي.

***

محمد عبد الكريم يوسف

كل شيء موجود في الخارج، حتى نفسي اليوم تتواجد خارج عوالم تحكمات القيم. اليوم، أعيش في عُزلة الفوضى والتي ليست بالخلاقة، حتى وأنا أسير وسط الجسم الاجتماعي الناضج. في الطريق ظللت عاجزا عن التغلب على مستويات القلق، وكنت أعاني من الإخفاق في خوض مراقي سلالم التغيير. كنت أخاف أن أثقل كاهلي بآمال وتوقعات لا ضرورة منها، ولا تُجدي نفسي من تجويد سعادة حياتي الباقية. أعراض الانسحاب من مكان لآخر كانت مستمرة وبلا توقفات. ومن التفكير الجوهري كنت أُعاني قسوة من سلطة الاستثناءات. لحظات أُخلط المعايير والمقاييس، وبات يومي ضحية للاعتباطية العشوائية، وأنا أمشي في هذا المُنْطق منتكس الشعور مع عَرجِ الحمق والتيه.

تحولت في مسار سيري رأسا على عقب، و صدري يضيق نفسا من الغرق المفرط من فراغات الروح العلوية، وحتى من ذاتي يأتيني الخوف والهلع. لحظة، وأنا في هذه الحالة الاستثنائية، سمعت صوتا يشابه صوت أبي (رحمه الله)، وهو في محراب الصلاة يرتل كتاب الله بالطريقة المغربية التقليدية. في انحيازي وجنوح ذاتي المتكرر نحو مصدر الصوت، وضعت نفسي موضع توالد التخمينات، وكأن شكي في سمعي كان واضحا. تذكرت، مقولة للمعلم الأول أرسطو(من مزايا العقل ... أنه قادر على التأمل في فكرة من الأفكار غير أن يقبلها...) كقيم مسلمة جاهزة، وهي مهارة وجدتها أكثر تطويرا، وملمس انتماء إلى عالمي الواقعي المنغمس في الخيال.

في إنقاذ جهازي النفسي، اعتمرت نظارة سوداء، وأنا الذي أكره رؤية عالمي الخارجي في ألوان الزجاج. أحسست أن عقلي يُجري نوعا من التقويمات والتعديلات، حينها عرفت أني أسير نحو الصوت، ولن أتردد من زيارة قبر أبي (رحمه الله) في هذا الصباح للبكاء والترحم على روحه الطاهرة .

ظللت أدور في نفس فلك تفكير الدرب. توقف وهو يلاصق سيري، شيخ لم أشهده قطا يطوف بذات الحي، كانت لحيته بيضاء يعتمرها تخصيب حناء طري، وبعصاه المعقوفة أوقفني بالسلام. أصبح ماثلا بالقرب مِنِّي، حينها أحسست بِبُرهبة غير مألوفة تلفني بالشعور المتدني نحو الخوف من صانعي سحرالسماوي، لكني استحملت رؤيته كذات يقينية لا خيالية، إذ لكل منَّا، نحن جميعا، قيمه الخاصة، وكل منا يعمل على حمايتها ودعمها من التلف، والشيخ كان تلك الصدفة الراقية التي جعلته اليوم بطريقي.

لم أتردد في استحضار الذات الخائفة أمام الذات الحكيمة ومفارقات إصراره على الحديث. كان شعره الكثيف يماثل حكايات سيدي عياد السوسي المتصوف الزاهد. كانت نظراته حادة وثاقبة، وغير رحيمة على نفسيتي المبعثرة بالتشرد البرهاني. قال: أعرفك، لست شخصا صالحا حين تبتعد عن الواقع وعن ذاتك !! ما مشكلتك المفزعة؟ أنت تحتاج إلى الهدوء، والعودة بالارتداد نحو ذاتك الأليفة !!

تساءل في عيوني حين نزعت النظارة: من الواضح أن شيئا ما يزعجك وينغص يومك!! لم أكن أعير لكلامه قيمة تركيبية، لكنه أصر إصرارا على النظر في عيني مرة ثانية بالتفحص الممل. كنت حينها أتردد بالتلعثم في اختيار كلمات مُريحة كإجابات مختصرة لتساؤلاته القصدية، وقلت بأدب: أتعرف سيدي علي الذهاب الآن. ابتسم في وجهي، وهو يخاطبني بشدة صوت العياء: لما تتلاطف مع الهروب الدائم بلا توقف، وترفض أن تكون مثل طائر الفنيق الذي يتحلى بمعاودة الحياة من رماده الناري!! لما لا تُغادر وقوفك المائل، وتترك أثرا لتقويض أسس الزمن المتردي !! لماذا يزعجك أمر التغيير إلى هذا الحد؟ وكيف ترضى أن تبقى في تحجر التفكير السلبي؟ فأبوك في مرقده ينعم بالجنة، فلا خوف على فقيه، لم يفارق محراب ولا ميقات الصلاة.

قلت له ربما علي اللحاق بأبي الآن للزيارة والترحم، فقد نزغ في قلبي ذكراه. لا عليك فالصبر أخلاق، ثم شد على يدي بقوة، وأفرغ وعيي الداخلي من شعور الألم والبكاء. كان يعلم بالعفوية أن الوعي عندي لا داخل به فارغ. حينها أحسست بهدوء التجربة، ولم أسحب يدي عنه، إلا بعد صوت منبه سيارة أرجع الفزع إلى داخلي المرتد. كان السائق المسرع، قد بصق على نافذة السيارة أمامنا انتقاما منّا، ونحن في ممر الراجلين نمشي على مهل بحد سن الشيخ الهرم. لم أعر هذا السلوك اللاأخلاقي بدا، بل جاء الجواب من ذاك الشيخ الذي جعل الله اليوم في طريقي ليفرغ من إرهاق نفسي قسطا وفيرا، حين خاطب صاحب السيارة باستدارة الدعاء: اذهب إلى الجحيم !! من الصدف العجيبة والتي لم أجد لها تفسير عقلاني، أن السائق أتلف مساره، فأوجد السيارة في وسط المدارة بالانحراف، والدخان يتصاعد من المحرك احتراقا!!

***

محسن الأكرمين

 

كريستوفر مارلو، أحد أكثر الكتاب المسرحيين تأثيرا في العصر الإليزابيثي، معروف بإضفاء عناصر غامضة ومظلمة على أعماله الدرامية. غالبًا ما تستكشف مسرحياته، مثل "دكتور فاوستوس" و"تامبورلين العظيم"، أعماق الفساد البشري وعواقب الطموح الجامح. إن استخدام مارلو للظلال الداكنة في دراماته يعمل على تعميق التعقيد النفسي لشخصياته، وزيادة التوتر الدرامي، وتسليط الضوء على الجوانب المظلمة للحالة الإنسانية.

في مسرحية "دكتور فاوستس"، يستكشف مارلو موضوعات الطموح والسعي وراء المعرفة. الشخصية التي تحمل اسمها، فاوستوس، تبيع روحها للشيطان مقابل قوة ومعرفة غير محدودة. إن هذا العهد مع الشيطان يمثل مثالا للظلام والانحلال الأخلاقي. يقدم مارلو فاوستوس كشخصية مأساوية مدفوعة بغطرسته ورغبته في السلطة، مما يؤدي في النهاية إلى إدانته. تخلق الظلال الداكنة المنسوجة في جميع أنحاء المسرحية جوا من الهلاك الوشيك وتؤكد على عواقب الطموح الجامح.

وبالمثل، في مسرحية "تامبورلين العظيم"، يصور مارلو صعود وسقوط الشخصية العظيمة ، والفاتح الذي لا يرحم. تُظهر أعمال تامبورلين المظلمة والعنيفة، مثل قتل المدنيين الأبرياء، عمق قسوته. يستخدم مارلو هذه الظلال الداكنة ليس فقط لتسليط الضوء على الانحلال الأخلاقي للبطل ولكن أيضًا للتشكيك في طبيعة السلطة وتأثيرها المفسد على الأفراد. تتعمق المسرحية في ميل الإنسان إلى الاستسلام للظلام الداخلي عندما يكون مدفوعا بالطموح.

ويتجلى استخدام مارلو للظلال الداكنة أيضًا في تصويره لشخصيات نسائية قوية ومعقدة. في فيلم "يهودي مالطا" يقدم شخصية أبيجيل، التي تدفعها رغبتها اليائسة في الانتقام إلى اتخاذ إجراءات متطرفة. إن تصوير تحول أبيجيل من شخصية تبدو بريئة إلى امرأة منتقمة ومخادعة يضيف عمقًا إلى المسرحية ويسلط الضوء على التعقيدات المظلمة للنفسية البشرية.

يمكن رؤية مثال آخر على استكشاف مارلو للظلال الداكنة في مسرحية "إدوارد الثاني"، وهي مسرحية تتعمق في موضوعات السلطة والمثلية الجنسية والخيانة. يخلق مارلو جوا حزينا وكئيبا للغاية طوال المسرحية، مما يعكس المصير المأساوي لبطل الرواية، الملك إدوارد الثاني. يؤكد استخدام مارلو للصور المظلمة وظلال اليأس على العزلة والعذاب الذي يواجهه الملك في بحثه عن الحب والقبول.

علاوة على ذلك، فإن معالجة مارلو للموضوعات الدينية في أعماله الدرامية تضيف طبقة من الظلام إلى أعماله. في "مذبحة باريس"، يصور الأحداث الفوضوية والوحشية لمذبحة يوم القديس بارثولوميو عام 1572. وتستكشف المسرحية موضوعات التعصب الديني والعنف، وتصور أحلك جوانب الطبيعة البشرية. إن إدراج مارلو لمثل هذه الأحداث الشنيعة يعزز الرسالة القائلة بأن الظلام يمكن أن يسكن حتى داخل أكثر الأفراد تقوىً.

تواجه أعمال مارلو الدرامية أيضا القضايا الاجتماعية والسياسية في ذلك الوقت، مثل الفساد وإساءة استخدام السلطة. في "التاريخ المأساوي للدكتور فاوستوس"، تمثل شخصية مفستوفيلس التأثير المفسد للسلطة والجانب المظلم للسلطة. يستخدم مارلو صورا وظلالا داكنة للتأكيد على عواقب مثل هذه الانتهاكات والانحلال الأخلاقي الذي يصاحبها. يضيف هذا التعامل مع القضايا الاجتماعية والسياسية عمقًا وأهمية لمسرحيات مارلو، ويسمح باستكشاف أكثر ثراء للحالة الإنسانية.

إن استخدام مارلو للظلال الداكنة في أعماله الدرامية يعمل أيضًا على تحدي الأعراف والتوقعات المجتمعية. يتعمق في مواضيع محظورة، مثل المثلية الجنسية والإلحاد، والتي كانت جرائم يعاقب عليها خلال العصر الإليزابيثي. إن جرأة مارلو في معالجة هذه المواضيع تضيف طبقة من الظلام إلى مسرحياته وتعكس الصراع بين القيود المجتمعية والرغبات الشخصية.

وفي الختام، فإن استخدام كريستوفر مارلو للظلال الداكنة في أعماله الدرامية يعمل على تعزيز التعقيد النفسي لشخصياته، وزيادة التوتر الدرامي، وتسليط الضوء على الجوانب المظلمة للحالة الإنسانية. من خلال موضوعات الطموح والخيانة والدين والسلطة، يثير مارلو الاستبطان ويشجع الجماهير على مواجهة الظلام داخل أنفسهم. تستمر مسرحياته في جذب الجماهير بعد قرون، حيث تعرض الأهمية الدائمة لاستكشافه لظلال الظلام في الطبيعة البشرية.

***

محمد عبد الكريم يوسف

كيف ألهمت كوت ديفوار والمغرب العالم بتضامنهما

في قلب كوت ديفوار، حيث الشمس تُشرق بأمل جديد، تجسدت قصة إنسانية رائعة تخطت كل الحدود. ليست قصة كرة قدم عادية، بل قصة أخوة ووحدة تسرد فصولها الجماهير والمؤثرون من المغرب وكوت ديفوار. هنا، في أرض الفيلة، تحولت الملاعب والشوارع إلى مسرح للعرض الأكثر تأثيرًا على القلب والروح. كل شيء بدأ بمباراة كرة قدم، لكن ما حدث كان أكبر من مجرد لعبة. المشجعون المغاربة، بكرمهم الأصيل، ارتدوا التي شيرتات الإيفوارية، ورددوا بكل فخر: "اليوم نحن إيفواريون". وفي الجانب الآخر، استقبل الإيفواريون أشقاءهم المغاربة بالأحضان المفتوحة، مرتدين الألوان المغربية ومعلنين: "نحن مغاربة". الأعلام المرفوعة والألوان الممزوجة صاغت لوحة تضامن بديعة، وكأنها رسالة سلام تحلق فوق السماء. ومن بين الزحام، برزت قصة المرأة المغربية كوثر التي عاشت عشر سنوات في كوت ديفوار. بيتها فتح أبوابه على مصراعيها لاستقبال المغاربة، ليس فقط كضيوف، بل كأفراد من عائلتها. بالزي المغربي والإيفواري، جسدت هذه المرأة الوحدة الثقافية، وقدمت المطبخ الإيفواري بلمسة المحبة. كل زاوية في بيتها روت قصة الاحتضان والتقدير. وفي شوارع أبيدجان، تراقصت القلوب على أنغام الموسيقى، حيث مؤثرون مغاربة ينثرون البهجة بين أطفال ميتم، يشاركونهم الرقص والغناء. تلك اللحظات البسيطة، حيث ذبح البقر وتوزيع الطعام، أصبحت فصولًا في قصة العطاء والأمل. القصة لا تتوقف هنا، فحينما قام أحد المؤثرين المغاربة بتوزيع القفطان المغربي على النساء الإيفواريات، ارتدينه بفخر وتوجهن إلى الملعب لتشجيع المغرب. هذا المشهد البديع، حيث تتداخل الثقافات وتتحد القلوب، يرسم صورة الانسجام الإنساني الذي يمكن أن يكون بين الشعوب. في كوت ديفوار، تحولت كرة القدم إلى رمز للوحدة والتضامن. تلك اللحظات، حيث تجاوز الناس الاختلافات واحتضنوا المحبة والتقدير المتبادل، هي بمثابة تذكير بأن الإنسانية تتجاوز كل الحدود. في عالم مليء بالتحديات، تلك القصص البسيطة من المحبة والكرم تبعث الأمل وتظهر قوة الروابط الإنسانية. "أكثر من مجرد لعبة" ليست مجرد عبارة، بل هي واقع عشناه في كوت ديفوار، حيث اجتمعت القلوب وتوحدت الأرواح في احتفالية الأخوة والتضامن، مؤكدة أن في الإنسانية ما هو أعظم من كل الفوارق.

***

زكية خيرهم

 

كثيراً ما ينبغي أن تكون الكتابة مثل الحُبّ، عَصيّة على المنطق والتّنميط، أشبه ما تكون بالمُغامرة، تتقاطع مع السّائد من الأنساق العقليّة، ترفضها وتوبّخها وتكفر بقدسيّتها المُدعاة..

الكتابة: أخالها انفجارات خُطِّطَ لها أن تكون على الورق، تستهدف تدمير كُلّ ما أنشأته الدّيكتاتوريّة العقليّة، ليتمّ التّأسيس من جديدٍ لكلِّ ما هو مجنون ونَقيّ، فمن يحاول الكتابة، عليه أن يُحاصر العقل بأكثر مما يستحقّ من المعنى..

الكتابة تكون أحياناً مُهمّة شاقّة مثل الحُبّ وبسيطة جدّاً مثل الموت في بلادي، لاسيّما عندما تكون عن رجلٍ كان يُمرّر لسانه على سكين الرّطانة، لأنّ قلبه يُخبره بالمزيد يوم قَرّر الجنون وهو يقول: مستشفى المجانين هو المكان الوحيد الذي يُمكنني أن أقول فيه ما أشاء فيه، دون أن يَتّهمني أحد بالجنون..

والكتابة الكاذبة لا يُمكنها تقديم رغبةً مفيدةً أو نتائج ذات مغزى، مَثَلها مَثَل رجال الدّين الذين يحشرون مؤخّراتهم في السّياسة، فيفسدون الدّين والسّياسة على حَدٍّ سواء.

أحاول الكتابة عن رجلٍ نَجَحَ في سَرقةِ حياته من أنياب العقل والتّديُّن الزّائف والسّلطويّة بشتّى أصنافها الدّينيّة والسّياسيّة والثّقافيّة والاجتماعيّة، وكان يتوزَّع في أكثر منه، وكان يتناسل فكراً وفلسفةً وأدباً وجنوناً..

 كان صاحبي الذي أتوق كتابته، أو الكتابة عنه أو الكتابة فيه، قد رأى ببصيرةِ جنونه، كُلّ الرّؤى خارج أسيجة العقل والتّمنطق وما قبله وما بعده وما فوقه وما تحته، وظَلَّ يرى ويرى ويرى حتّى ابيضت رؤياه من الحُبّ، وبات لونها إنسانيّاً أكثر مما ينبغي، أو أكثر مما تعوّدنا..

قَرَّر صاحبي أن يكون مجنوناً، لينجو من عبثيّة العقل السّائدة، بعد أن لم يبقَ له من الجروح ما تُناسب التحمُّل، وكان يعرف بأنّه لا يُمكن أن يكون حليفاً لمرايا المستقبل، بعد أن عاداه الأمل..

تَمَكَّن من إضاءة الأمكنة المُعتَمة والموحشة في العقل، بمصابيح الجنون التي صنعها لنفسه وللنّاس، مستنداً على عُكازة الوعي المحظور في عوالمنا العربيّة..

لم يثق صاحبي بهذا المستوى من العقل السّائد، ولم ينتسب إليه يوماً ما، وكان دائماً ما يُكرّر بأنّه: ما من جنونٍ ليس على حقٍّ، إنّما العقل وحده الذي يخطئ ويُصيب..

وهكذا غادرنا صاحبي المجنون لسببٍ وجيه، بينما ما زلنا نحن العقلاء عالقين هنا من دون أيّة أسباب..

***

علاء البغداديّ - باحثٌ وكاتبٌ من العراق

..........................

* خصيّر ميري: كاتبٌ وشاعرٌ وفيلسوف عراقيّ، كَتَبَ في الفلسفة والنَّقد والشّعر والتّاريخ. تمّ اعتقاله وتعذيبه بوحشيّةٍ في عهد الحكم الصّدّاميّ. تظاهر بالجنون وتمّ حجره في مستشفى المجانين لسنواتٍ عِدّة.

تحتل العيون الزرقاء مكانة هامة في شعر الشاعر السوري نزار قباني. في جميع أعماله، يستخدم قباني هذه الصور لترمز إلى الجمال والرغبة والشوق، وحتى قدرة البشرية على التواصل مع بعضها البعض. القوة الساحرة للعيون الزرقاء هي موضوع متكرر في شعر قباني، حيث تمثل الجاذبية الجسدية وبوابة للمشاعر العميقة. يستكشف هذا المقال الدور المتعدد الأوجه للعيون الزرقاء في قصائد قباني، ويسلط الضوء على تأثيرها على تصور القارئ للحب والشهوانية والتواصل الإنساني.

تظهر العيون الزرقاء في العديد من قصائد القباني كرمز للجمال الجسدي والرغبة. غالبا ما يصف الشاعر عيني محبوبته باستخدام عبارات مثل العيون الداكنة باللون الأزرق السماوي أو عيون مثل السماء عند الغسق. تثير هذه الاستعارات الحية إحساسا بالشوق والرهبة، مع التركيز على التأثير الآسر للعيون الزرقاء على الناظر. من خلال هذه الأوصاف، يدعو قباني القارئ إلى تقدير الجاذبية الجسدية للعيون الزرقاء والعمق العاطفي الذي تعكسه.

وبنفس القدر من الأهمية، كيف أصبحت العيون الزرقاء تصويرا للشهوانية في شعر نزار قباني. غالبا ما تربط صوره العاطفية للعيون الزرقاء بالتجارب الحميمية الرقيقة. يكتب عن فقدان الذات في أعماق تلك العيون الزرقاء الجذابة و"الهمسات الحسية التي تنبعث منها". هنا، لا تمثل العيون الزرقاء الانجذاب الجسدي فحسب، بل تمثل أيضا الشهوانية والرغبة التي غالبا ما تتشابك معها. إن استخدام نزار قباني للعيون الزرقاء كرمز للشهوانية يضيف طبقة أخرى من العمق إلى قصائده، مما يثير استجابة حسية داخل القارئ.

علاوة على ذلك، أصبحت العيون الزرقاء تعبيرا عن الشوق والحب غير المتبادل في أبيات نزار قباني. من خلال استخدامه لهذه الصور، فإنه ينقل الألم والشوق للرغبة التي لم تتحقق. وفي قصيدة بعنوان "عيون زرقاء بعيدة عن متناول اليد"، يقول قباني: "ستبقى عيناك نسيجا... وقلبي إلى الأبد يحمل شوقا". العيون الزرقاء، التي يُنظر إليها على أنها جمال بعيد المنال، تمثل حبا لا يزال بعيد المنال. يعزز تصوير الشوق هذا الشعور بالضعف والكثافة العاطفية في شعره.

ومع ذلك، يستخدم قباني أيضا العيون الزرقاء لتمثيل العلاقة بين الأفراد، وتسليط الضوء على دورهم كنوافذ للروح. في كتابه "رموشها كالحبر" كتب: "عيناها صلاتان مقدستان لا تمران دون إجابة". من خلال هذه الصور، يشير الشاعر إلى أن العيون الزرقاء تمتلك القدرة على إيصال ليس جمال الشخص فحسب، بل أيضا عمق عواطفه ورغباته. إن تصوير العيون الزرقاء كقناة للروح يدعو القارئ للتواصل مع شخصيات وموضوعات شعر قباني على مستوى أكثر عمقا.

علاوة على ذلك، فإن العيون الزرقاء بمثابة استعارة لقدرة البشرية الفطرية على التواصل مع بعضها البعض. في كتابه "النار داخل عينيها الزرقاوين"، يكتب قباني: "العالم لا يشعر بالنار إلا عندما يحترق داخل تلك العيون الزرقاء". هنا، يشير قباني إلى أنه من خلال نظرة العيون الزرقاء يمكن للمرء أن يفهم العالم من حوله ويتعاطف معه حقا. تمثل هذه الفكرة الإنسانية المشتركة وإمكانية التعاطف والتفاهم الموجودة داخلنا جميعا.

تستكشف العيون الزرقاء في شعر القباني أيضًا الانقسام بين العالمين الجسدي والعاطفي. وبينما تمثل الجمال الجسدي، فإنها تكشف في الوقت نفسه عن أعماق مشاعر الشخص. على سبيل المثال، في "همسات العين الزرقاء"، يكتب قباني: "لقد تدفق قلبي من فمي من خلال فتح عينيك الجميلتين". تشير هذه الصور إلى أن العيون الزرقاء هي بوابة للتأمل العاطفي للفرد وقدرته على التعبير عن الضعف العميق. من خلال الجمع بين الجسدانية والعاطفية، يؤكد قباني على تعقيد وترابط التجربة الإنسانية.

وفي الختام، فإن تصوير العيون الزرقاء في شعر نزار قباني يشمل مواضيع وعواطف مختلفة. من تمثيل الجاذبية الجسدية والشهوانية إلى رمز الشوق والحب غير المتبادل والاتصال العاطفي، فإن العيون الزرقاء لها أهمية متعددة الطبقات في شعر القباني. ومن خلال استخدامه البليغ للصور، يحيي قباني الجاذبية الآسرة والعمق العاطفي الذي تمتلكه العيون الزرقاء. تدعو هذه القصائد القراء إلى التفكير في جمال وتعقيدات العلاقات الإنسانية والعواطف، مما يترك انطباعًا دائمًا عن القوة الموجودة في هذه القزحية الزرقاء الساحرة.

نموذج من قصائد نزار قباني في العيون الزرق:

رحلة في العيون الزرق

أسوح بتلك العيون

على سفنٍ من ظنون

هذا النقاء الحنون

أشق صباحاً .. أشق

وتعلم عيناك أني

أجدف عبر القرون

جزراً .. فهل تدركين ؟

أنا أول المبحرين على

حبالي هناك .. فكيف

تقولين هذي جفون؟

تجرح صدر السكون

تساءلت، والفلك سكرى

أفي أبدٍ من نجومٍ

ستبحر؟ هذا جنون..

قذفت قلوعي إلى البحر

لو فكرت أن تهون

على مرفأٍ لن يكون ..

عزائي إذا لم أعد

أفي أبدٍ من نجومٍ

ستبحر؟ هذا جنون..

***

قذفت قلوعي إلى البحر

لو فكرت أن تهون

ويسعدني أن ألوب

على مرفأٍ لن يكون ..

عزائي إذا لم أعد

أن يقال: انتهى في عيون..

***

محمد عبد الكريم يوسف

 

وثائقي يحكي قصة قرية فلسطينية في الضفة الغربية

السينما من أجل السلام.. توجه الأنظار لوقف الإبادة الجماعية في فلسطين

فاجأ الفلسطينيون، أبناء غزة المحاصرة، فجر السابع من أكتوبر 2023 العالم، بعبور جدار الفصل العنصري لإعادة قضيتهم إلى الواجهة ولفت الأنظار حول معاناتهم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من خمسة وسبعين عاما.

في اليوم التالي قامت الحكومة الإسرائيلية بإعطاء الأوامر للجيش لشن هجوم عسكري كبير الحجم على غزة، استعملت فيه الأسلحة المتنوعة، الطائرات والصواريخ والمدفعية والدبابات على نطاق واسع... بعد شهرين ونصف من استمرار حرب الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء معظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ. نشرت "مؤسسة السينما من أجل السلام"، على موقعها، وهي مؤسسة لها فروع في العديد من دول العالم، عنوانا: "اليمنيون يبطئون تدفق النفط العالمي في البحر الأحمر" إلى جانب تذكيرها بأحداث فيلم "بدرس" لجوليا باشا. القصد كان بالارتباط مع تفاقم الحرب الهمجية وآثارها الخطرة على الصعيدين البشرى والبيئي. وتمادي أمريكا والدول الأوروبية في تزويد إسرائيل بكل أنواع الأسلحة والمعونات المختلفة مع صمت عربي ودولي يزيد من حماقة الحكومة الاسرائلية للاستمرار في حرب الإبادة الجماعية. فضلا عن توجيه الأنظار إلى معاناة الفلسطينيين وما يتعرضون له من دمار واضطهاد وتمدد "المستوطنين" إلى مزارعهم واغتصاب أراضيهم بالقوة.

في فبراير عام 2010 وخلال الدورة 60 لمهرجان برلين السينمائي الدولي "برليناله"، كانت فرصة لمشاهدة الفيلم التسجيلي "بدرس" لمخرجة الأفلام الوثائقية جوليا باشا، البرازيلية من أصل لبناني، بمعية الصديق الناقد السينمائي المصري الراحل سمير فريد والصديق المخرج السينمائي العراقي قيس الزبيدي. وخلال حفل تكريم الفيلم بجائزة "بانوراما" للجمهور، التقينا مخرجة الفيلم وبعض أبطاله وجرى بيننا حوار لا يخلو من الأسئلة حول الفيلم، الذي يدور حول مظاهرات غير عنيفة قام بها سكان بلدة "بدرس" الفلسطينية خلال أوائل عام 2000 للاحتجاج على بناء جدار الفصل الإسرائيلي في الضفة الغربية.

"بدرس" فيلم وثائقي مثير للتفكير، يحكي قصة قرية فلسطينية في إحدى بلدات محافظة رام الله في الضفة الغربية، وجدت نفسها في قبضة إقليمية مخيفة عندما بدأت الحكومة الإسرائيلية في بناء الجدار العازل في عام 2003 لتقسيم البلدة، التي يبلغ عدد سكانها 1500 نسمة، وتطويقها مما أدى إلى فقدان 300 فدان من الأراضي و3000 شجرة زيتون. لم تكن هذه الأشجار حاسمة للبقاء الاقتصادي فحسب، بل كانت أيضا مقدسة لتاريخ المدينة بين الأجيال، وكانت سبل عيش القرويين تعتمد بشكل كامل على أشجار الزيتون التي اقتلعتها جرافات الجيش بوحشية لبناء "الحاجز"، الذي يتعرج مساره بطريقة تعزل المجتمعات عن بعضها البعض وتجعل عيش المواطنين الفلسطينيين شبه مستحيل.

إنه حبكة سينمائية، تكشف قصة "عايد مرار"، الناشط الفلسطيني الذي ينظم مقاومة معلنة غير عنيفة تشارك فيها جميع الفصائل السياسية الفلسطينية المحلية، بما في ذلك حماس وفتح في حركة غير مسلحة لإنقاذ قريته من الدمار بمساعدة الليبراليين الإسرائيليين المتعاطفين والمراقبين والناشطين الدوليين. وبالطبع فإن "اللاعنف" يتعرض للضغط عندما يصطدم بقوات الجيش الإسرائيلي التي تقاوم المتظاهرين بقوة. أدى حراك عايد إلى تداعيات بعيدة المدى، اعتقال خمسة أشخاص من أبناء بلدته في السجون الإسرائيلية، لكن قراره الاستراتيجي، بقي ثابتا: "أفضل ما يمكن لمعارضة الجدار، هو المقاومة اللاعنفية".

نشاهد في الفيلم كيف منظم الحركة في بدرس، عايد مرار: يوحد أبناء القرية ويشجع مئات المناصرين الإسرائيليين لقضيتهم على العبور إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة والتظاهر معهم دعما لقريته. ابنة عايد "التزام" البالغة من العمر خمسة عشر عاما، تحفز شجاعتها القرية بأكملها وتؤكد أهمية المرأة في الحركة. هي المرة الأولى التي يلتقي فيها معظم شباب القرية بإسرائيليين ليسوا جنودا أو مستوطنين في بدرس. كوبي سنيتز ناشط إسرائيلي شارك في المظاهرات. أحمد عواد عضو في حماس ساعد عايد في تعزيز "اللاعنف كأداة استراتيجية، الأنسب، لتحقيق أهداف القرية". مشاركة نشطاء إسرائيليين في المظاهرات، ترك انطباعا يبين: بالفعل أن هناك إسرائيليين يريدون السلام مع الفلسطينيين. وفي المسيرات الأصوات الإسرائيلية في الحياة الحقيقية فاقت التوقعات. لم يكن مجرد شيء سمعت عنه ياسمين ليفي، قائد الفرقة المكلف بحمل القرية على وقف احتجاجاتها: تتطور علاقة معقدة لها مع النساء في القرية اللواتي يناديها بالاسم في هتافاتهن.

ما يلفت الانتباه في فيلم الباشا هو أنه يعرض شيء عن الجدار الإسرائيلي، الذي لا يفصل الفلسطينيين عن بعضهم فحسب، بل يتجول في الأراضي الفلسطينية، متعرجا وملتفا: الفكرة ليست مجرد وقف العبور إلى إسرائيل، بل فرض الشلل سرا داخل المنطقة الفلسطينية نفسها. في نهاية المطاف، تتراجع الحكومة الإسرائيلية وتكتفي بخط تقسيم بسيط حول "بدرس". وتترك لنا الباشا، ما إذا كان هذا انتصارا كبيرا للفلسطينيين أم وسيلة ماكرة لحملهم على قبول الجدار من حيث المبدأ.

ظهر فيلم "بدرس" لأول مرة في مهرجان دبي السينمائي في 13 ديسمبر 2009. وتم إصداره للعرض في فبراير 2010 في مهرجان برلين السينمائي. وفي سبتمبر 2010 في المملكة المتحدة. وفي أكتوبر 2010، في الولايات المتحدة) نيويورك. وهو فيلم لعام 2009 من إخراج وسيناريو جوليا باشا وإنتاج رونيت أفني ورولا سلامة وجوليا باشا. احتل المرتبة الأولى لقائمة النقاد على موقع مراجعة الأفلام ومقره بريطانيا، ويضم كبار النقاد السينمائيين حيث أعطي الفيلم أربعة من أصول خمسة نجوم. ووصف بأنه "شهادة في الوقت المناسب على قوة المقاومة السلمية، وبأنه" فيلم يفتح العين "، لما يثيره من قلق. هو أنه يظهر شيء من الحقيقة عن الجدار الإسرائيلي الذي أصبح يشكل خطر لابتلاع الأراضي الفلسطينية نفسها. كما يقدم صورة صارخة وقابلة للتصديق تماما لصراع الشرق الأوسط في صورة مصغرة. ومن خلال إضفاء الطابع الرومانسي على القرويين والتركيز لتسجيل النقاط السياسية في العديد من المشاهد التصويرية، يمنح الفيلم ركلة عاطفية ثقيلة مع أصحاب الأرض.

تم إدراج فيلم بدرس على" اختيار النقاد "من قبل مجلة نيويورك وآن هورناداي من واشنطن بوست، وحاز على قدر كبير من الجوائز في عدد من المهرجانات السينمائية: برلين وتريبيكا وسان فرانسيسكو وجائزة منظمة العفو الدولية لحقوق الإنسان، جائزة مهرجان بيلينجهام لأفلام حقوق الإنسان. جائزة هنري هامبتون للتميز في السينما والوسائط الرقمية. جائزة ريدنهور للأفلام الوثائقية. جائزة مهرجان القدس السينمائي شرف لأفضل فيلما وثائقيا في جائزة روح الحرية.

***

عصام الياسري

تلعب النساء دورا مهما في الأعمال الدرامية لوليام شكسبير. في جميع أنحاء أعماله، يخلق شكسبير شخصيات نسائية معقدة ومتعددة الأبعاد تتحدى الأعراف والتوقعات المجتمعية. تُظهر هؤلاء النساء الذكاء والقوة والفاعلية، وغالبا ما يتفوقن على نظرائهن من الرجال. سوف يدرس هذا المقال التمثيلات المختلفة للمرأة في مسرحيات شكسبير ويحلل تأثيرها على الموضوعات والرسائل العامة المنقولة في أعماله.

واحدة من أبرز الشخصيات النسائية في مسرحيات شكسبير هي الليدي ماكبث من "ماكبث". طموحة ومتلاعبة، الليدي ماكبث مدفوعة بالرغبة في السلطة والسيطرة. إنها تتحدى الأدوار التقليدية للجنسين من خلال التخطيط النشط وتشجيع ماكبث على ارتكاب جرائم القتل. من خلال أفعالها، تظهر أنها ليست قوية الإرادة فحسب، بل أيضًا مصممة وواسعة الحيلة. تواجه الليدي ماكبث التوقعات المجتمعية المتعلقة بالسلبية والطاعة، وتعرض إمكانية أن تكون النساء عوامل للتغيير.

شخصية نسائية مؤثرة أخرى هي كليوباترا في فيلم "أنتوني وكليوباترا". يتم تصوير كليوباترا على أنها حاكمة مغرية وقوية تستخدم حياتها الجنسية للتلاعب بمن حولها. على الرغم من عيوبها، تم تصويرها على أنها حازمة ومستقلة، متحدية التوقعات المجتمعية في ذلك الوقت. من خلال شخصية كليوباترا، يستكشف شكسبير موضوعات القوة والحب والولاء، بينما يتحدى المفاهيم السائدة عن ضعف المرأة وخضوعها.

في مسرحية "روميو وجولييت" يقدم شكسبير شخصية جولييت كامرأة قوية الإرادة وذكية تتحدى توقعات عائلتها. قرار جولييت بالزواج من روميو، أحد أفراد الفصيل المنافس لعائلتها، يتعارض مع الأعراف المجتمعية ويؤدي في النهاية إلى عواقب مأساوية. ومع ذلك، فإن تصرفاتها تظهر إصرارها على تحقيق رغباتها الخاصة وتحدي القيود المفروضة عليها كامرأة. يسلط تمرد جولييت ضد قيود المجتمع الضوء على النضالات التي تواجهها المرأة في المجتمع الأبوي.

تتميز مسرحيات شكسبير الكوميدية أيضا بوجود بطلات قويات وحازمات. في مسرحية "جعجعة بلا طحين"، تم تصوير بياتريس على أنها ذكية وصريحة وتتحدى الأدوار التقليدية للجنسين. تنخرط في مباريات السجال اللفظي مع بينيديك، لتظهر ذكائها واستقلاليتها. توضح شخصية بياتريس إمكانية حصول النساء على القوة والسيطرة على حياتهن، حتى في إطار كوميدي خفيف.

علاوة على ذلك، فإن شخصية فيولا في "الليلة الثانية عشرة" تتحدى التوقعات المجتمعية المتعلقة بالجنس بطريقة مختلفة. تتنكر فيولا كرجل، وتتنقل في مثلث الحب المعقد، مما يؤدي في النهاية إلى تقويض الأدوار والتوقعات التقليدية للجنسين. من خلال شخصية فيولا، يستكشف شكسبير انسيابية الجنس وتعقيدات الحب، ويسلط الضوء على قدرة المرأة على تحدي القيود المجتمعية وتجاوزها.

بالإضافة إلى هذه الشخصيات النسائية المؤثرة، يستخدم شكسبير أيضا شخصيات نسائية ثانوية لتقديم نظرة ثاقبة للمجتمع في ذلك الوقت. تعمل أوفيليا من "هاملت" وديسديمونا من "عطيل" كضحايا مأساويين للتلاعب والتحيز الذكوري. ومع ذلك، فإن وجودهن في المسرحيات يسلط الضوء على المعاملة القمعية والتمييزية التي تواجهها المرأة. ومن خلال تسليط الضوء على الضعف والظلم الذي تعانيه هذه الشخصيات، ينتقد شكسبير المواقف السائدة تجاه المرأة في المجتمع.

علاوة على ذلك، فإن معاملة شكسبير للمرأة لا تقتصر على الشخصيات النبيلة والفاضلة؛ كما أنه يستكشف الجانب المظلم من الأنوثة. تظهر شخصيات مثل الليدي ماكبث وزوجة ياجو، و إميليا، الطموح والمكر والخداع. من خلال هذه التصوير، يتحدى شكسبير التصور الثنائي للمرأة على أنها إما نقية وفاضلة أو غير أخلاقية ومتلاعبة. ويقدم فهمًا أكثر دقة لتعقيدات الأنوثة، ويعرض إمكانية امتلاك المرأة للصفات الإيجابية والسلبية.

وفي الختام، تلعب المرأة في مسرحيات شكسبير أدوارا قوية ومتعددة الأوجه، وتتحدى الأعراف والتوقعات المجتمعية. من طموح الليدي ماكبث وقوتها إلى ذكاء بياتريس وذكاءها، تتحدى الشخصيات النسائية في شكسبير الأدوار التقليدية للجنسين وتشكل بنشاط روايات مسرحياته. من خلال هذه التمثيلات، يثير شكسبير أسئلة مهمة حول السلطة والقوة والحب والقيود المجتمعية، مما يسلط الضوء على قدرة المرأة على تعطيل وتحدي المواقف السائدة. تعمل هؤلاء النساء بمثابة تذكير مؤثر لنضالات النساء ومرونتهن في زمن شكسبير ويستمر صداهن لدى الجماهير اليوم.

***

محمد عبد الكريم يوسف

يُفتتح قريباً في بغداد متحف يضم مكتبة وأثاثاً ومقتنيات للشاعرة العراقية نازك الملائكة، وهو إنجاز مهم للثقافة العراقية، خصوصاً أن العراق يشكو من عدم الاهتمام في هذا المجال؛ حيث فقد كثيراً من تركات ومقتنيات رموز فكرية وأدبية عراقية بسبب الإهمال وعدم الوعي بأهمية هذه الرموز،، حيث كان مقررا ان يتم الانفتاح العام الماضي، ولكنّ ظروفاً كثيرة أجّلت ذلك، حتى حانت فرصة تنظيمه من خلال اتصال المركز الثقافي البغدادي بعائلتها التي أبدت استعداداً لذلك

ويذكر ان المركز الثقافي البغدادي قدم مشروعا يتضمن نقل مكتبات ومقتنيات علماء بغداد إلى المركز الثقافي البغدادي، وبدأ المركز بنقل مكتبات عماد عبد السلام وميخائيل عواد مروراً بالدكتور أحمد سوسة وعبد الحميد الرشودي وعزيز السيد جاسم، وعبد الرزاق الهلالي، وجميع هذه الشخصيات كان لها أثر كبير بالثقافة العراقية... وقد خُصص أكثر من 30 مكتبة في المركز الثقافي البغدادي تضم مكتباتهم وبعض التفاصيل من حياتهم، والمعروف أن المركز الثقافي البغدادي يقيم أكثر من 1600 نشاط ثقافي سنوياً، يزوره أكثر من مائة ألف مواطن سنوياً، لذلك رأت عائلة الملائكة أنه المكان الأنسب لمتحف نازك الملائكة، خصوصاً أن شارع المتنبي الذي يقع في المركز في إحدى البنايات الأثرية في منطقة القشلة وسط بغداد، كان قبل ما يقرب من مائة عام مقراً للحكومة العراقية، وهو مركز استقطاب للجميع خصوصاً المثقفين، فكان أن اتصلت بالمركز الأديبة سيناء محمود وزوجها أكرم العكيلي، وابدوا رغبتهم بنقل مكتبة الملائكة وجميع مقتنياتها من المكتب الذي كانت تعمل عليه وجميع أدواته، وكذلك جميع أثاثها، وكذلك الكتب والمخطوطات النادرة والنفيسة، وبعض الهدايا من أصدقائها المشاهير في كل مكان من العالم، بعد نقل هذه المحتويات التي تخص الشاعرة التي ارتبط اسمها بأهم ثورة نوعية في الشعر العربي، ثورة الشعر الحر مع زملائها بدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي وشاذل طاقة، تمت فهرسة المحتويات المختلفة وضمها في سجل خاص للمقتنيات يحتفظ به المركز وتم تخصيص واحدة من كبرى القاعات لها في المركز الثقافي البغدادي.

تضمنت المكتبة التي احتلت جانباً كبيراً من القاعة، لم يكن فقط كتب نازك الملائكة بل ضمت بعضاً من كتب زوجها الدكتور عبد الهادي محبوبة، وهو الأديب المعروف في العراق، وأول رئيس لجامعة البصرة، لذلك توزعت الكتب بشكل عام بين كتب التاريخ وكتب الأدب، وتضمنت كثيراً من المخطوطات والنفائس الثمينة، وكذلك العديد من الإهداءات من الأدباء العراقيين والعرب، وهناك الأثاث الذي كانت تكتب عليه أغلب قصائدها، وبعض الإهداءات مثل العود الذي أهداه لها الموسيقار محمد عبد الوهاب، إذ عُرف عن الشاعرة تعلمها أصول العزف على العود على يد الموسيقار والعواد الكبير جميل بشير عام 1950، والدرع الذي أهداه إياها النحات العراقي الكبير محمد غني حكمت، وكذلك مزججات تحوي كثيراً من صورها الشخصية والعائلية، وصورها مع بعض الأدباء العرب، وكذلك مستمسكاتها الشخصية، من بطاقة الجنسية العراقية وبطاقات عضويتها في المؤسسات الثقافية، إضافة للعديد من الوثائق المهمة... وهناك أيضاً جانب مهم في المكتبة يتضمن ما كُتب عنها من قبل أدباء عراقيين عرب.

ولدت الشاعرة نازك الملائكة في بغداد عام 1923م، ونشأت في بيت علمٍ وأدب، في رعاية أمها الشاعرة سلمى عبد الرزاق أم نزار الملائكة وأبيها الأديب الباحث صادق الملائكة، فتربَّت على الدعة وهُيئتْ لها أسباب الثقافة. وما أن أكملتْ دراستها الثانوية حتى انتقلت إلى دار المعلمين العالية وتخرجت فيها عام 1944 بدرجة امتياز، ثم توجهت إلى الولايات المتحدة الأمريكية للاستزادة من معين اللغة الانكليزية وآدابها عام 1950 بالإضافة إلى آداب اللغة العربية التي أُجيزت فيها. عملت أستاذة مساعدة في كلية التربية في جامعة البصرة.

تجيد من اللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية، بالإضافة إلى اللغة العربية، وتحمل شهادة الليسانس باللغة العربية من كلية التربية ببغداد، والماجستير في الأدب المقارن من جامعة وسكونس أميركا.

مثّلت العراق في مؤتمر الأدباء العرب المنعقد في بغداد عام 1965.

آثارها: لها من الشعر المجموعات الشعرية التالية:

- عاشقة الليل صدر عام 1947.

-  شظايا ورماد صدر عام 1949.

-  قرارة الموجة صدر عام 1957.

-  شجرة القمر صدر عام 1965.

-  مأساة الحياة وأغنية للإنسان صدر عام 1977.

-  للصلاة والثورة صدر عام 1978.

-  يغير ألوانه البحر طبع عدة مرات.

-  الأعمال الكاملة – مجلدان – (عدة طبعات).

ولها من الكتب:

-  قضايا الشعر المعاصر.

-  التجزيئية في المجتمع العربي.

-  الصومعة والشرفة الحمراء.

-  سيكولوجية الشعر.

كتبت عنها دراسات عديدة ورسائل جامعية متعددة في الكثير من الجامعات العربية والغربية.

نشرت ديوانها الأول ” عاشقة الليل ” في عام 1947، وكانت تسود قصائده مسحة من الحزن العميق فكيفما اتجهنا في ديوان عاشقة الليل لا نقع إلا على مأتم، ولا نسمع إلا أنيناً وبكاءً، وأحياناً تفجعاً وعويلاً ” وهذا القول لمارون عبود.

حصلت على الماجستير من الولايات المتحدة عام (1370هـ= 1950م) في الأدب المقارن وأجادت اللغة الإنجليزية والفرنسية والألمانية واللاتينية، ثم عادت عام (1374هـ= 1954م) ثانية إلى الولايات المتحدة لدراسة الدكتوراة في البعثة التي أوفدتها الجامعة العراقية، واطلعت على الأدب الفرنسي والصيني والألماني والهندي.

وبعد عودتها للعراق عملت بكلية التربية ببغداد سنة (1377هـ= 1957م)، ثم انتقلت إلى جامعة البصرة وتزوجت في عام (14384هـ= 1964م) من الأستاذ الدكتور “عبد الهادي محبوبة” رئيس جامعة البصرة.

رحلت إلى الكويت مع زوجها وعملا بالتدريس في جامعة الكويت، ومنحتها الجامعة عام 1985م إجازة تفرغ للعلاج بعدما أصيبت بمرض عضال ثم عادت إلى العراق ومنها إلى القاهرة لتكمل علاجها الطبي بسبب نقص الأدوية في العراق بسبب الحصار الأمريكي. واتخذت نازك وزوجها وابنها الوحيد الدكتور “براق” القاهرة سكنا ومستقرا دائما.

وبعد وفاة زوجها الدكتور “محبوبة” سنة (1422هـ= 2001م) عاشت في عزلة بعيدا عن ضجيج الحياة، مما حدا ببعض الصحف أن تنشر أخبارا عن وفاتها رغم أنها ما زالت على قيد الحياة.

جمعت الدكتورة “نازك الملائكة” بين الشعر والنقد، ونقد النقد، وهي موهبة لم تتوفر إلا للنادر من الأدباء والشعراء، وأصدرت عددا من الدواوين والدراسات النقدية والأدبية، فمن دواوينها “عاشقة الليل” عام (1947م) و”شظايا ورماد” عام  1949م)، و”قرارة الموجة” عام 1957م)، و”شجرة القمر” عام (1388هـ= 1968)، وجمعت دواوينها في مجلدين ضخمين ونشرا في بيروت. ومن دراستها النقدية “قضايا الشعر المعاصر” و”الأدب والغزو الفكري” و”محاضرات في شعر علي محمود طه” و”سيكولوجيا الشعر“.وقد حصلت “نازك الملائكة” على عدد من الجوائز الأدبية منها جائزة الإبداع العراقي عام (1992م) وجائزة البابطين للشعر.

***

نهاد الحديثي

في القول رفضا أم قبولا.. ما يتبعهما من تغير في قادم الأعمار، وقد يترك أو ما قد تبقى منها؛ ما يطرق بالك حينا وأحيانا. وفي كلا القولين؛ ربما أنساك زمانك؛ ما قد أحاط القول في حينها من ضرف محيطك، أو هكذا أرتبطت حينها بأسوار حكمتك فهما لحياتك خصوصها وعمومها.

لأجل ذلك كله.. لا ينبغي لحزنك ندما نشر ظلاله ألوانا تلقى على شخصك جلدا لذاتك تارة، وأخرى تلقىيها على من هم سواك. فيا قلبا رقيقا أن قد أتعبتك الأعواما، فكن شجاعا ولا تدع يوما للحزن مكانا، ولا تأسف على ما قد مضى من قول.. لا.. او.. نعم.. فربما أراد لك خيرا بها... الواحد الخلاقا، وإليه تعالى فأحتسب دوما فعنده.. لا يضيع ما عنك قد ضاعا؛

إن كان مالا فهو آت اليك مختارا...

إن كان عـزا فالعمر في الأزمان دوارا...

إن كان فقدا ففي الادور كلنا مفقودا...

نسبح في الحياة وهما.. تلو وهما تغرنا بها؛ الأموال، والشهوات، والأمجادا، وسيان.. نقبل ذلك.. او.. لم؟.. فالأمر كله للمخلد.. ودونه إندثار الأكوانا.

** لكم.. الخير المبارك كله. ولكم من القلب طيب التحايا.

***

مجيد ملوك السامرائي - جغـرافـي، كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي

 

تواصل الفنانة التشكيلية سنية الغزي المزغني عملها الفني التشكيلي وفق سياق حضورها ضمن المشاركات الفنية الجماعية وكذلك المعارض الشخصية التي أقامتها ومنها على سبيل الذكر المعرض الخاص برواق الفنون علي القرماسي وكذلك المعرض الشخصي بفضاء المعارض بدار الثقافة ابن رشيق فضلا عن مشاركاتها العربية الدولية ومنها تألقها في فعاليات ملتقىCANVAS الدولي للفنون التشكيلية بالقاهرة قبل فترة حيث تمت دعوتها للمشاركة في القاهرة من خلال انجاز لوحات فنية والمشاركة في المعرض لهذه التظاهرة الفنية التشكيلية العربية التي شهدتها القاهرة بحضور ومشاركة عدد من الفنانين التشكيليين والنقاد من عدد من الأقطار العربية. وبخصوص هذه الدعوة وكذلك تألقها في ملتقى العصاميات للتعبير التشكيلي المنتظم بالمنستير تقول الفنانة سنية الغزي المزغني ".. سررت بدعوتي للمشاركة في ملتقىCANVAS الدولي للفنون التشكيلية بالقاهرة. كل الشكر التقدير للساهرين على تنظيم هاته الدورة واخص بالذكرالدكتورة سناءعتيق والدكتورة رانية سيد.. وبشأن مشاركتي الأخيرة بملتقى العصاميات.. لقد ظللت شديدة الاشتياق للمشاركة في الملتقى الوطني للمبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي بالمنستير بعد سنتين من الانقطاع بسبب جائحة كورونا.. كانت المناسبة مميزة وهامة في اللقاء بالمبدعات في المجال التشكيلي وما يمكن أن ينعكس على تجاربنا كعصاميات وهنا لا يسعني الا أن أشكر جزيل الشكر كل من ساهم في انجاح الملتقى وتنظيمه من المسؤولين والمشرفين والمشاركين.. ممتنة جدا بخصوص مشاركتي ودعوتي وخاصة العمل والنشاط وأجواء الفعالية بقصر المرمر قصر الحبيب بورقيبة وما في ذلك من حسن التسيير والتنظيم.. قدمت عملي الفني بما فيه من جمال ورونق لمجموعة نسوة وسط تجمع متناسق.. و لكن هوة المسافة والتنافر والتباعد تحدث المفاجأة بعد التدقيق والتركيز أكثر في فضاء اللوحة وأبعادها.. حشد متجاور متلاصق لا يجمعه في الحقيقة الا ايقاع ألوان نارية صاخبة حامية ولمسة فنانة ألهمها انعكاس مجتمعها اليوم وفق تنافر وتناحر وتفكك وسط ايهامات بالتجاذب والانصهار.. ".3280 سنية الغزي المزغني

سنية الغزي المزغني فنانة تشكيلية تواصل نشاطها بكثير من العمل والاجتهاد وفق دأب فني متواصل وبأعمال فنية متعددة فقد تعددت معارضها الفنية الخاصة والجماعية وفي سياق تجربتها الفنية والجمالية هذه وتشتغل الفنانة التشكيلية سنية الغزي المزغني على تنويع الأعمال الفنية في منجزها التشكيلي من حيث المواضيع وفق نظرة تقول بالرسم والتلوين كمجالي فعل للتواصل مع ما يوجد من حولنا من أشياء وعناصر تصلح كعبارات ومفردات للبوح الفني والثقافي.. فالفن التشكيلي هنا لغة اخرى تتعدد معانيها ودلالاتها ومن هنا فقد تخيرت الفنانة سنية الغزي المزغني في لوحاتها الزيتية وفي معرض شخصي سابق لها هذا القول بالانسجام كعنوان دال حيث اللوحة كون نظر وتأمل وبهجة وغيرها.. في رصيدها لوحات متعددة فيها دقة رسم وجمال تلويني لتسافر مع الشيخ وهو يغوص في تفاصيل الجريدة في حالة الشغف والغرام بالخبر ومنه القراءة.. كذلك في لوحة أخرى استراحة مع الجريدة والقهوة خلال شغل على الحاسوب.. عزف النسوة وحالة تفاعل مع الطرب والموسيقى..

الفنانة التشكيلية سنيا الغزي المزغني وفسحة أخرى من التجربة مع الفنون وأجوائها حيث تتواصل العلاقة بالألوان والقماشة قولا بالفن في حضوره البهي في حياتها ووعيها بالعالم والجمال والحلم.

***

شمس الدين العوني

 

إذا بحثت عن أصعب صحبة فى ظل عالم التقنيات اللاهث ستكتشف أنها صحبة أبنائك!

لا وقت لديك ولا لديهم للحديث الودى وتبادل الأفكار! وفى يد كل فرد من أفراد العائلة جهاز يشغله عن أحبائه ويفصله عن الواقع المعاش إلى الواقع الافتراضي. ولم نخرج من دائرة العزلة القسرية هذه إلا خلال فترات الحظر بسبب كورونا، تلك الفترة التي أظهرت سلبيات اجتماعية كثيرة لم نكن نفطن إليها.

نعم ثمة إيجابيات لا حصر لها للتكنولوجيا الحديثة التي سهلت الحياة  وأمكن من خلالها ممارسة التعليم عن بد والتدريب أونلاين وتطوير أية مهارة مختارة. واستطاع أصحاب الأعمال إنجازها فى وقت أقل كثيراً مما مضي. ثم إن البعض قد يزعم أن وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية تضمن نوعاً من التواصل مع الأقارب عن بعد فى حده الأدني، وقد يستخدمها بعض الآباء للاطمئنان على أحوال أبنائهم عن بعد فى حالة انشغالهم الدائم فى أعمالهم، خاصة لو كان الأبوان كلاهما يعملان.

وفى إطار المدح والإشادة أكدت منظمة الأمم المتحدة أن الطفرة الحادثة فى استخدام التقنيات فى بلدان العالم النامي خلال آخر عقدين من الزمان أسهمت فى إحداث تحولات كبري فى هذه المجتمعات. وأن أهم مكسب مادي لهذه الطفرة ارتفاع معدلات الخدمات التجارية سريعة الوصول، وأن جزءاً كبيراً من العالم العربي اليوم بات يستخدم الهواتف للطلبات التجارية اليومية والأسبوعية. وإذا كان مثل هذا الأمر قد أحدث منفعة لأصحاب المتاجر الإليكترونية وأصحاب خدمات التوصيل السريع، إلا أنها تسببت فى ضعف أصحاب الخدمات التقليدية وركود التجارة التقليدية فى بعض أنواعها. ثم إن الرفاهية التي ظللت البيوت فى المدن باتت سبباً فى ضعف المهارات اليدوية الشخصية، وأصبحت الأمهات والبنات فى البيوت المحافظة البسيطة أكثر ميلاً للكسل والدعة وعدم القيام بالخدمات المنزلية التي كانت معتادة فى جداول العمل المنزلي اليومية. فلا طبخ ولا غسل ولا تنظيف، وإنما أجهزة مبرمجة وخدمة توصيل سريعة أو فورية.

هناك اهتمام لدي المنظمات الدولية أن يصل الربط الإليكتروني لجميع القطاعات المحرومة منه، وبخاصة النساء وكبار السن وذوي الإعاقة والأقليات العرقية وسكان المناطق الفقيرة والنائية، وهم يستشعرون الفجوة بين استخدام الرجال والبنين للتكنولوجيا بنسبة أكبر بنحو 85% عن البنات والنساء. وهم يرون أن الاهتمام بتعميم التكنولوجيا يسهم فى التقليل من التحيزات الاجتماعية والفروق الطبقية.

هذا وتشير تقديرات منظمة العمل الدولية إلي أن الترويج للاقتصاد الأخضر من خلال وسائل التواصل قد يسهم فى توفير نحو 24 مليون وظيفة جديدة حتي عام 2030. وعلى الناحية الأخري قد يسهم تطوير التشغيل الإليكتروني وزيادة الاعتماد على التقنيات الحديثة بدلاً من العمالة البشرية فى فقدان نحو 800 مليون شخص لأعمالهم التقليدية حول العالم! فالتكنولوجيا سلاح ذو حدين فى مجال الأعمال..

الذكاء الاصطناعي أحدث طفرة إضافية خاصة فى مجالات البيانات الشخصية والعامة. ومثل تلك الطفرة لها بعض الإيجابيات، لكن لها سلبيات ضخمة قد تصل إلى حد الكوارث. خاصة إذا ضممنا إلى الفضاء الإليكتروني ذلك الفضاء المظلم فيما يعرف بعوالم الهاكرز وقناصي المعلومات والبيانات، وهؤلاء منهم من يستخدم تلك البيانات فى جرائم سرقة ونصب وابتزاز وربما تجسس وتهديد شخصي أو أمني.

أما نحن الآباء فإننا قد نقف فى حيرة أمام تلك الطبيعة المزدوجة للتقنيات الحديثة؛ حيث يصعب علينا تحقيق التوازن المطلوب بين سلبيات وإيجابيات التكنولوجيا. وفى رأيي أن أهم وأخطر سلبياتها إحداث تلك الفجوة الاجتماعية التي قد تؤدي بأبنائنا لحالات متفاوتة من العزلة والتوحد وربما الاكتئاب.. أخطر من هذا ما ظهر حديثاً من دراسات حول مرض شهير له اسم مختصر هو: (ADHD) والذي اتضح أنه قد يكون من إفرازات عصر التكنولوجيا وتأثيرات الموجات الكهرومغناطيسية على أدمغة الأطفال، فنجد أطفالنا وقد أصيبوا بكوكتيل من أمراض نفسية وذهنية تضطرب فيها أفكارهم ويتشتت انتباهم ويقل تحصيلهم العلمي وقد تزداد لديهم ميول العنف والعصبية والعناد والحدة فى التعامل فتزداد بهذا صعوبة علاجهم من الآثار السلبية للتكنولوجيا! فما عساه الحل الأنجح أمام مثل تلك المعضلة؟!

خبراء علوم النفس والاجتماع يتحدثون عن ضرورة العودة للطرق القديمة فى الدفع بأبنائنا بعيداً عن تأثيرات التقنيات.. وأن تشجيع الطفل على تطوير علاقاته الاجتماعية بأقرانه من الجيران وزملاء الدراسة، وأن يهتم بتطوير قدراته البدنية واليدوية بممارسة الرياضة واكتساب المهارات وإشباع الهوايات، كلها وسائل أثبتت فاعليتها فى هذا المضمار.. ويبقي على الآباء هنا توفير جزء من نفقاتهم على التكنولوجيا وتوجيهها نحو الأنشطة الرياضية والفنية والتدريب على اكتساب المهارات، ثم يبقي على الدولة دور فى تقليل تكلفة مثل هذه الأنشطة، إذ باتت أسعار اشتراكات النوادي باهظة، وقلَّ عدد الحدائق العامة التي تستوعب طاقات الشباب والنشء. ونتمني ألا يستغرق تطوير حديقة الحيوان وحديقة الأورمان زمناً طويلاً فقد كانا متنفساً للكثير من الأسر المصرية المتوسطة .

إننا على أعتاب افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهي فرصة للآباء فى استصحاب أبنائهم والاستمتاع برفقتهم للتحدث وتبادل الأفكار معهم، حتي يتسني لهم اكتشاف طريقتهم فى التفكير وسبر أغوار مشاعرهم الحقيقية نحوهم، ثم الأهم أن نبني جسراً للصداقة الأصعب فى هذا الزمان .. صداقتنا مع أبنائنا!

***

د. عبد السلام فاروق

(استرَقَ سمعي أنينَ الجسر فكتبتُ النصَّ في مقهى الشَّابندر على ضفاف دجلة)

إِيِهٍ بَغدادَ!  وَيْهاً دَارةَ الرَّشيدِ...

صَومُ العَوَامِ شَهرٌ كُلَّ عَامٍ مُتَوَاكِلٌ مُتَنَقِّبٌ، وصَومُكِ كَوَمُ أعوامٍ متَوَاصِلٌ مُتَعَقِّبٌ!

عُذرَاً بغدادَ، إِذ أُنَاجِيكِ وإذ يَغشَاني غَمٌّ شَارِدٌ مُتَرَقِّبٌ. وَلَئِن كَانَ لِلأفئِدةِ أن تَهوى مَدَائِنَها، فأنَّى لِفؤاديَ ارتِقاءٌ في هواها مُتَيَّمٌ مُتَهَيِّبُ.

أَمَّن يُفتِينِي في رَسمٍ كَرَسمِ بغدادَ مِن لُؤلُؤِ البَحرِ انبَجَسَ وَجهُها فَتَجَسَّم، فَعَلا ثمّ علا ثمّ علا فتجلّى في بأسِ التّبَرُّمِ فَعَرَشَ هنالك فَنَجَم.

"مَن لِي بِبَغدادَ أبكِيها وَتَبكِيني1".

أَمَّن يَأتينِي باِسمٍ كاِسمِ بَغدادَ مِن بُؤبُؤِ الزَهرِ اقتَبَسَ حَرفُها فَتَبَسَّم، فدنا ثمّ دنا ثمّ دنا فَتَدَلى في كأسِ التّبَرعم ففرشَ هنالك ووَشَم.

"قَد عَشَّشَ الحُزنُ بَغدادَ حَتى في رَوَازيني2".

وَيْهَا بغدادَ، مَا بَالُ جَبينُكِ يَتَصَببُ عَنبَراً يَا شَمعةَ الأعيَادِ. أَفَعَليلَةٌ أنت ومَا بَرحتِ تَسخَرينَ منَ عِلَلٍ وكُلِّ ضَمادِ، فَإن غَزاكِ دَاءٌ كَفَرتِ بهِ بِلَمزٍ وإلحادِ. أَم هُوَ ضِغثٌ مَرَّ بغَفوَةٍ، كيف وأنتِ الشَّاهدُ على النّجمِ والأشهَادِ.

تَأَهَّبي بَغدادَ وتَوَثَّبي حِسَّاً يا مَربَضَ الآسَادِ بَينَ الأممِ

تَوهَّجي بَغدادَ وتَأَجَّجي بسَاً يَا سُؤدَدَ الأجنادِ فَوقَ الحِمَمِ

انهضي فادحَضي رِجسَاً يا مَقبضَ الأوتَادِ بَينَ الخِيَمِ.

شُدِّي عَلى الأحزَانِ وَتَبَسَمي يَا هَديرَ الرَّوْحِ وَالأجسَادِ

مُدِّي عَلى الأفنَانِ وتَنَسَمي يَا غَدير الدَّوْحِ والسَّوادِ

شُدِّي ومُدِّي فمَا أنتِ بِرَقمٍ نُكْرٍ عَابِرٍ، بَل أنتَ مَن صَكَّ الرَّقمَ للأفرَادِ وأنتِ مَن دكَّ العظمَ للأوغادِ.

وَيْهَاً بَغدادَ، حَدِّثيني ولا تَذريني أغَمغِمُ يا كبرياءَ والدي وأولادِي. حَدّثيني وبُعداً لصَمتٍ وهجرٍ وإبعاد، فَثَنايايَ لا تَتَبَسَّمُ إلّا بكِ وإليكِ يا بَهاء

نَسبي وأجدادِي، وحناياي لا تَتَرَسَّمُ إلّا منكِ ومعكِ يا رِداءَ الفخرِ للأحفادِ. وعلامَ الصَّمتُ والسَّبتُ يا بغدادي. أفَأنتِ غضوبٌ من خنوعي يا سَماءَ عنفواني وأمجَادِي. فما كانَ سَمتُكَ إلّا نابِضاً بِتَغرِيدٍ وإنشَادِ، وَنَحتُكَ  رَابِضاً عَلى توحيدٍ بإسنادِ، وَنَبتُكَ قَابضاً في عُلُوٍّ على أطوَادِ، وَنَعتُكَ رَافِضاً لسبتٍ وإلحادٍ وَحِيادِ.

وَيْهَاً بغدادَ تَفَوَّهي وأنت المُهَلِلُ للعاكِفِ والمُضَّيفُ للبَادي، ولا تَتَأوَّهي فأنت أمُّ الضّادِ وضادُ الضَّادِ لِكُلِّ ضادِ

تَفَوَّهي وكفى صمتاً وسبتاً يا مَثوى الرَّشيدِ ومأوى السّندباد، فإنَّ صَمتَكِ مُكَمِّمٌ لِأنفاسِ الأجنادِ وَأقبَاسِ الرَّشادِ، ومُوجِعٌ لِخَافِقِي وَكُلِّ جَوارحِي تُبَّعٌ

لهُ بانقيادِ، بل ومُغَمِّمٌ ومُوجِعٌ حَتَّى لِمَن كانَ وإياكِ في تَضَادِ. وهاهمُ أولاءِ أَهلُ الضَّادِ مَا انفَكُّوا يَتَحَسَّسُونَ أَنباءَكِ بارتداد، يَا شَذاهُمُ وَشَذْو العِبادِ والبِلادِ ويا شَداهم وشَدْو المَناقِبِ للضَّادِ وهُدَى المُعاقِبُ للضَّادِ.

فكفى صمتاً يا عَبيرَ الأورادِ ويا نميرَاًلأسيادِ.

وها قد أطبَقَ أنينُ الجِسرِ في صَمتٍ كَظيم، فَتُهتُ في صَحارى أنينُ صَمتَيهما؛ الجِسرِ وبغداد، وبَدَأتُ أتَحَسَّسَ سبيلاً لِأنجَادِي؛

"لعلَّه مِن عارِضِ رِيحٍ صَرٍّ جَاءَ بها زُرّاعُو ضوضاءَ وإلحادِ، وأذنابٌ مِن خَلفِهم غوغاء وأوغَادِ، ولا رَوْمَ لهمُ إلا في إِحرَاقَ "سرجونَ" ومتونِهِ ذا العمادِ، ولا عَوْمَ لهمُ إلا في إغراقَ عرجونِ نخلتي ذاتِ العِنادِ. وإِيهِ بغدادَ...

ألم يأنِ أوَانَ فَتحِ البابِ وصَدِّ الرِّيحِ بتكاتفٍ واتِحَادِ فلا عَزاءَ ولا مراسمَ من حداد 

ألم يأنِ لساحةِ التَّحريرِ أن تقدَحَ؛ نحنُ الأصابعُ على الزِّنادِ وسيفٌ كارِهُ الأغمادِ

ألم يأنِ لساحة الميدانِ أن تمنَحَ مُستَبشِرَةً "سوقَ السّرَايَ" قِلادَةَ الحَرفِ والمِدادِ

ألم يأنِ لرَنّات "سوقِ الصّفافيرِ" أن تجنَحَ لِصُنعِ مَفاتِحَ القيدِ والأصفادِ

ألم يأنِ لِاستكانات "مقهى عزّاويّ" أن تصدَح بِملعقةِ الشّاي لتُضَيّفَ أكارِمَ الخِلّانِ والرّوادِ

ألم يأنِ لشَارعِ "الرَّشِيدِ" وخِلُّهُ "السَّعدَون" أن يتَهامَسا أمرَهم بينَهم؛ "نحنُ المُنتُدى للوِدٍّ ونحنُ المُفتَدى للجَهادِ"

قد آنَ أوانُ "حَجي مُقدَادَ" لينَادي على عُكازَتِهِ المُزَخرَف بتَنادِ: "إنّي لَفي شَوقٍ لخُطوةٍ رُوَيدَاً رُوَيدَاً على "الكورنيش" مُتَأنِقاً بسِدارتي الحَنونِ السَّوداءِ ورفيقتي عُكّازتي من أنفسِ الأعواد".

وقد آنَ أوانُ "جَمُّولِي" صغيرُ الحيِّ المُلَقَّب "قِمبيزَ" لينادي بينَ العِباد: "إنّي لَفي تَوقٍ لِسَطوَةٍ على صَدرِ مَقعَدِ طابقٍ علوِيّ لِحافلتي الميمونِ

الحمراء وأنا على أهبَةِ الاستِعدادِ".

وقد آنَ أوانُ زَغْرَدَةِ الحيِّ "بَسعادَ" لتنادي في تَهَاد؛ "إنّي لَفي جَذوَةٍ لِسُوقِ حَيّنا ذي البَرَكاتِ والإمدادِ، فأعودُ مٍنهُ تَمايِلاً بتَهادِ؛ أَقبِضُ بِشِمالي حقيبَتي على رَأسي وبِيَميني على عباءتي تُشبِهُ المِنطادِ، وبأنفاسٍ مُجتَرَّةٍ لاهِثَةٍ، وخُدُودٍ مُحمَرَّةٍ وبَاعِثةٍ ، وببسماتِ بَسعادَ تتراقصُ الأزقَّةُ بإسعادِ".

  إنَّك بَغدادَ في ذَرى العَافيَةِ، مَا كَذَبتُ أنا ومَا هي بشِيمَةٍ ليَ. فَهَيّا بغدادَ لتَسمَعَ دلدلُ منكِ ولنَستَمتِعَ كلُّنا بِنَبَراتِ صَوتِكِ مُؤَطَّرَةً بألحانِ زِريَاب ومُعَطَّرَةً بِألوانِ الأحسابِ والأنساب، فأمُري "عَزاويّ" بِصَحنِ كاهيّ وقَيمر، وليَعزِفَ بِمِلعَقَةِ الاستكانِ نَغَم "البستنگار" الشَّجيِّ؛ "يا حلو يابو السِّدارة"، ولتَتَهادى مَسابِحِ مقاهينا هُوَيناً هُوَينا، حَبَّةً على حَبَّةٍ، وَلِيَصدَحَ المَقهى عَالياً بمقام البيات؛

"وفراكُهُم بَجَّانِي جالمَاطِليَه بالضِّلع.. بِيك أشتِرَك دَلّالِي يكلُون حُبِّي زَعلان.

آآآآه.. يا كَهوِتَك عَزاوي بِيها المدَلَل زَعلان".

آه.. وإِيهاً بغداد، أَوَمِن رَحلِ استِبدادٍ خَرَجتِ إلى وَحلِ أَوغَادٍ وَلَجتِ!

فَدَتكِ عَينُ العَينِ وَفَلَذَةُ الأَكبَادِ.

***

علي الجنابي

........................

[1] من قصيدةِ (مَن لي ببغداد) للشاعر عبد الرزاق عبد الواحد (1930 -2015).

[2] بحثت على مفردةِ (روازيني) فلم أعثر لها على معنى في معاجم الضاد، لعلها موجودة في المعاجم أو ربما هي من اللهجة العراقية أضطر الشاعر لحشرها بين القوافي فتبعتُهُ أنا فنشرتُها على الخوافي. ويُذكَرُ أن شاعر العراق عبد ألرزاق عبد الواحد قد قالَ وهو على فراش المرض من المهجر في قصيدٍ رفيعٍ رغم أنه موجعٌ:

دَمعٌ لِبَغداد دَمعٌ بالمَلايين    

مَن لي بِبَغداد أبكيها وتَبكيني؟

*

مَن لي ببغداد روحي بَعدَها يَبِسَتْ

وَصَوَّحَتْ بَعدَها أبْهى سَناديني

*

عُدْ بي إلَيها فَقيرٌ بَعدَها وَجَعي  

فَقيرَة ٌأحرُفي خُرْسٌ دَواويني

*

قد عَرَّشَ الصَّمتُ في بابي وَنافِذ َتي

وَعَشَّشَ الحُزنُ حتى في رَوازيني

*

والشِّعرُ بغداد، والأوجاعُ أجمَعُها

فانظُرْ بأيِّ سِهام ِالمَوتِ تَرميني

وغالب ظني أنَّ ألسنةَ العربِ لا تعلمُ شيئاُ عن (الروازين) بل ينطقُونها (رَوَازِن)، [والرَّوْزَنة في "لسان العرب": الكُوَّة، وفي المحكم: الخرق في أَعلى السقْف، وفي التهذيب يقال للكُوَّة النافذة الرَّوْزَن، قال: وأَحسبه معرَّباً، وهو الرَّوَازِن] وهكذا تكلمت بها العرب، ولأني لستُ بمختصٍّ بصنعة الضاد فقد وجب علي التماس النصح من خبير فيها، فأبانَ لي الآتي؛ (الذي أعرفه أن الأمر في (روازين) طبيعي لأن الكلمة معربة فإننا أضفنا إليها صبغة عربية حين أضفنا الياء دليل على تملكنا لها ودخولها في لغتنا لأنها جرت على أوزاننا، ومن المعلوم أيضا أن كل جمع على فواعل يصح فيه فواعيل بزيادة الياء). أنتهى كلام المختص، وفهمتُ منه أنه قد سُمحَ لحرف (الياء) اقتحام فواعل (روازن) لكي تُمنحَ "روازن" نسبٌ وجواز سفر عربي" . ولئن ارتضينا ياءَ "روازيني" فما عسانا قائلين في قول الشاعر في (سناديني) إذ لا وجودَ لها في المعاجم  الا بمعنى الحَدِيدَةِ العَرِيضَةِ يَطْرُقُ عَلَيْهَا الحَدَّادُ الحَدِيدَ، ولا رابط بين المفردة وبين الورود البتة.

 

من فكرة بالدواخل حيث الذات في هيجانها الرجيم نظرا وحلما وتقصدا لما به تفصح الأحوال عن معانيها وهي في حلها وترحالها.. أخذا بناصية الفن وهو يعلي من شؤون وشجون شتى.. هو الكائن يحمل قلبه في الدروب يحاول ما تداعى به من خوف وشغف وألم.. وأمل قديم معتق يفضي الى الراهن في ارباكاته وانكساراته حيث التلوين مجال قول مفتوح على الأساطير والموحش والمبهج في سير المخلوقات..

كون من أحاسيس وهواجس عبر زمن مفتوح ومتواصل في هذيانه تجاه العناصر والأشياء والتفاصيل حيث جدة قديمة من بدايات قديمة أيضا تروي الما يحدث.. وتماما.. مثل شجرة قديمة في أزمنة نائية تحكي شجنها للأغصان.. تفصح عن نواحها الخافت.. هي تفعل ذلك بينما.. حطابون ينعمون.. بموسيقى الفؤوس..

هي لعبة الحكي في أرض الفن تعري ما تداعى من حال الكائن وهو ينعم بالألوان تغري القماشة بالقول في حميمية فارقة.. في تقابل بليغ بين ما أسطرته الشواسع في الانسان.. والحلم اذ يكفي أن يحدث ذلك ليمضي الهائم بالفن الى ركنه يلتقط سرديات ملونة من الفجائع وسوريالية بطعم الشجن وما الى ذلك.. ولكن في ضرب من التلقي والبث المبهجين حيث أن هذا ما يغنمه الفنان في صفائه تجاه الآخر.. العالم..

انها فتنة الحكي الجمالي في عالم معطوب منذ القدم ومفعم بعناصر السقوط المريع وفق تداعيات من أمزجة وقيم معكوسة ورداءات سائدة ومن ثمة وفي هذا الحكي وبحسبه لم يبق غير.. الحلم.. نعم الحلم هذا ابن النوم.. واليقظة.. وليس من مجال غير المواءمة الرائقة في سمو ذهني وابداعي بين الواقعي والمتخيل والأسطوري كحامل للاعتمالات والعواطف وما يتطلبه كل ذلك من نظر عميق في تأويل لى يخرج عن جماليات شتى هي محصلة الفن.. والفنان.

و الحلم هنا ذهب ليكون عنوانا لافتا محيلا الى قراءات مولدة ومتحركة في حدث فني جمالي بمضامين لها من عطور الشعر نصيبها المتخير.. مورفيوس (Morpheus) احالة ضمن الأساطير الإغريقية إلى إله الأحلام وباعتبار كونه أحد أبناء هيبنوس إله النوم.. حيث كان يعتقد أنه يأخذ شكلاً آدميًا ويظهر للناس في نومهم.. ومن هذا الاطار وغيره كان الفن وما يزال يتطلب الحلم الشاسع لتغذية الخيال والذات لأجل الابداع والتجدد واعادة النظر تجاه الأشياء وابتكار صياغات أخرى ومختلفة للمرغوب في قوله واستدعائه جماليا وأدبيا بما يحيل الى المنجز في خصوصياته التي منها وهذا الأهم ابداعيته.

هكذا نلج عوالم التجربة المفضية الى معرض مهم للفنانة التشكيلية والباحثة شيماء الزعفوري التي خلصت في معرض جامع لحيز لافت من أعمالها الفنية الى فكرتها الفنية حيث اللوحات في تعدد أحجامها وأشكالها تجتمع في السياقات المذكورة وعليها وبها لتفضي الى هذا العنوان الدال اسطوريا وأدبيا وجماليا الذي اتخذته كتعلة عميقة للقول برغباتها تجاه الفن والكامنة فيه نبشا واجتراحا وتوغلا في.. الحلم.. هذا الذي أرهق الانسان والكائنات.. الكل حلم ويحلم.. حيث يبقى الفن هذا الملاذ الممكن للحفاظ على الحلم ولشحنه وللقول بوجهه.. اننا نتقصدك ونحبك أيها الحلم.. لا تتركنا يا حبيبنا الحلم.. نحن هنا سيدنا الحلم..

و الفنانة شيماء الزعفوري متحصلة على الدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون سنة 2019 بتونس العاصمة ودرست بالمعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس وتدرس حاليا بالمعهد العالي للفنون والحرف بسيدي بوزيد ولها مشاركات متعددة في الفعاليات الثقافية والتشكيلية والعلمية ضمن الندوات وذلك فضلا عن معارضها الفردية ومشاركاتها في معارض جماعية كما أنها شاركت في العديد من الملتقيات داخل تونس وخارجها من ذلك حضورها في بوركينا فاسو والكونغو وتركيا والمغرب والكاميرون وكوريا وفرنسا.

مورفيوس (Morpheus) العنوان الحاضن لهذا المعرض الخاص للفنانة التشكيلية شيماء الزعفوري المنتظم بالمعهد العالي للفنون والحرف بمدينة سيدي بوزيد وقد شهد اقبالا من قبل طلبة المعهد ورواد الفنون الجميلة وأحباء الابداع الفني التشكيلي حيث قدمت منجزة الأعمال بانوراما لشغلها الابداعي بما يحيل الى جانب من تقصدها الجمالي ضمن رؤيتها المخصوصة والتي رافقتها من سنوات في تعاطيها مع الرسم والتلوين وغيرهما من التعبيرات فهي فنانة مسكونة بهواجس الاختلاف والذهاب في الطرق غير المطمئنة بروح مغامرة فيها الكثير من الرغبة في الفن وتفاصيله وبحلم دفين فيه الكثير من شاعرية الأحوال وبمناخات من سرديات بينة وأسطورة موحية ومحركة وباعثة على المضي أكثر في أرض فنية تخيرتها شيماء.. تقصدا لدرب جميل للانسان يخلص فيه وبه الى عالم الأحلام قتلا للانكسار والصدام والسقوط المريع.. انها انتظارات فنانة ضمن مسارات تعبيرية في مجالات فنّ تشكيليّ معاصر وفق رؤاها المختلفة .. أعمال بتنوع في الشكل والحجم بتقنيات و بتصرف فيه الكثير من التعبيرية والحركة ضمن الفضاء العام للوحات فنحن أمام شخوص وأصوات في تعددها لتشكل بالنهاية نظر ولغة وحواس ورسائل الزعفوري في امتداداتها الزمنية قديييييما وراهنا حيث الفن هنا حمال معان وكلمات هي عين هذا " الحلم الزعفوري " المفتوح على الدهشة والبهجة والقلق وال ...أمل .

الفعل التشكيلي هنا مساحات خيال ضمن عوالم الإنسان والكون والطبيعة وفق الاحالة الى ديناميكية بها حركة الحياة الأشياء والعناصر والشخوص والمفردات يمكنها الحلم من التواصل جماليا في كل ما هو بينها.. هي فسحتها في أرض الفن الشاسعة في ضرب من النظر الجمالي والفلسفي والشعري تقصدا للكنه وما يعلي من شأن الجوهر.. جوهر اللعبة الفنية في مقابلتها الشاملة مع الكينونة..

معرض به أعمال هي ثمار سنوات من البحث والتفكير حيث الجمال الخفي والبين والتقنيات في بهاء توظيفها ليلنس المتلقي هذا النزوع تجاه تيارات السوريالية والتكعيبية الى جانب بروز حال القسوة وتبين مظاهرها بيسر وهو ما يطلبه جانب من مضمون اللوحات على غرار الوحشية..

عالم ومزيج من الأحاسيس تزخر بها أعمال مختلفة لشيماء الزعفوري في احالة الى عنفوان الوعي والادراك ساعات انجاز العمل الفني في سياقاته هذه بين الثقافي ولاجتماعي والانساني والوجداني والحضاري وفق المألوف والمختلف والثابت والمتحول ..

هكذا هي التجربة ضمن هذا السياق من المعرض الفردي لشيماء الذي حوى (22) عملا فنيا بنباهة من الاحساس وبجمالية تعمل ضمنها وتواصل فيها في شواسعها من الرمزي والأسطوري واليومي فكأننا تجاه ملحمة ملونة تستدعي الأسطوري لتدعم قولها في هذا الراهن المربك والموحش ولعل ما يحدث لغزة وشعب فلسطين المقاوم والصامد امام صمت كوني مريب من قبل آلة الابادة الصهيونية حيث بشاعة الأفعال.. شكل مجالا قديما متجددا من فعل الطغيان والخراب الانساني الذي واجهه الفن والملاحم بالادانة جماليا ووجدانيا وهذا المعرض في حيز مهم منه كان ضمن هذا السياق أو تزامن معه ولكنه يعيد للذاكرة الفنية فعل الوعي ودور الفن في مواساة الانسان..

تجربة فنية تفضي لهذا المعرض الفني المخصوص حيث تمارس شيماء الزعفوري شغفها الفني كما تقصدته مخاطبة الحواس والناس والكائنات بما اعتمل بدواخلها من شجن ووعي وجمال لأجل الحلم.. الفن هنا هو ذلك الحلم البليغ.. المؤلم.. الممتع.. والباذخ.

***

شمس الدين العوني - تونس

 

أعلام: من عَلَم، أي لواء أو راية لبلد أو ولاية أو مدينة.

صفي الدين الحلي عراقي من الحلة (1277 - 1339) ميلادية، شاعر معروف وإشتهر بقصيدته التي كنا نحفظها في المدرسة، ونرددها يوم رفع العلم كل خميس ومطلعها:

سلي الرماح العوالي عن معالينا

واستشهد البيض هل خاب الرجا فينا

ومنها:

إن الزرازير لما طار طائرها (قام قائمها)

توهمت أنها صارت شواهينا

***

قوم إذا استخصموا كانوا فراعنة

يوما وإن حكموا كانوا موازينا

*

تدرعوا العقل جلبابا وإن حميت

نار الوغى خلتهم مجانينا

*

إنا لقوم أبت أخلاقنا شرفا

أن نبتدي بالأذى مَن ليس يؤذينا

*

تغشى الخطوب بأيدينا فندفعها

وإن دهتنا دفعناها بأيدينا

*

بيض صنائعنا سود وقائعنا

خضر مرابعنا حمر مواضينا

البيت الأخير وضع ألوان أعلام دول الأمة، فكأنه رسم راياتها قبل أكثر من ستة قرون، وما إستطاعت دولة واحدة أن تشذ عن تلك الرؤية السلوكية المعبرة عن جوهر قيم وأخلاق إنسانها.

بل يبدو أنه إستطاع أن يختصر دوافع السلوك ويرمز لها بأربعة ألوان، وكأنه غاص في أعماق النفس وكشف عن مطموراتها المتناقضة، المتوطنة أعماق البشر.

والعجيب أن معظم أعلام الدول يبرز فيها اللون الأحمر الذي يرمز للدم.

ترى هل أن هذا البيت صار وهما، أو ولد من رحم خيال وتأسي، لأن الشاعرعاش في الفترة بعد سقوط بغداد (10\2\1258)، وكان ما جاء في القصيدة من أفكار وتصورات، تعويض عن الواقع الخسراني الإنهزامي الأليم الذي عاشته الأمة، فأصبحت فريسة للوحوش المنقضة عليها بين حين وحين.

إنه بيت خيالي وضعناه على أعلامنا، لنهرب من آلياته وندّعي بوجودنا، وما لدينا القدرة على التحدي والإستبسال، وأمعنا التغني بأمجاد الأجداث!!

فهل سنرتقي إلى مقام البيت الشعري، أم سنضع على رؤوسنا قبعات ألوان؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

حين نظرت صُبْحا إلى المرآة لم أعد يومها أَتذكر شكلي بكل تفاصيله الخارجية المُمِلَّةِ، لم أَعُدْ أُجري تلك الحركات التي كانت تُحفزني على خلق التوافق بين روحي وجسدي. ساَلِفَ الذكر، كانت رُؤيتي تجاه المرآة يَمرُّ عبر اهْتمامِي بذاتي كنمط من عصر اليقظة. فقد كان نوع من اهتماماتي بذاتي ومعرفتها بغاية رأب صدع الماضي المزدوج بين فَوالق الفرح والألم، ولما لا استيعاب عمليات تسرب الفكر الذكي نحو الوعي الخارجي الكفيل بتدبير القلق. اليوم قلقي مع ملمح المرآة صنع عدة تساؤلات من طينة الزوبعة الذهنية، بمؤشرات رَتقِ فُتُوقِ التباينات العمرية، وبكل أَنَاةِ استعادة الحالات العمر الزمني التي استعصى استحضاره للمحاكمة أمام المرآة.

انسحبت تاركا ذاتي باعتبارها كيانا مستقلا ومختلفا لاصقة على مُسطح لوح المرآة، وفي تلك العلاقة التقابلية ولما لا التناقضية. فقد كان هدفي الأول، أن أتعلم بِنْيةَ علاقة الانعكاس والتناظر بين تَضَاد الفطنة والسذاجة. اليوم، تحررت من فئة خوارج تفكير سلطة الذات بالثورة، ومن كل مُفرقعات الحياة السلوكية التي تصنع تجليات الوهم في صورة لوح المرآة. اليوم، أرنو طواعية إلى امتلاك جزء ميسر من الذات، والأنا، والفلسفة، والهوية بالواقعية، ولما لا كَسْبِ قسط تزكية من الوعي المنتج للأخلاق الخيرية، ولو عبر قناة مفهوم الراحة النفسية. اليوم، فكرت مليا على أن أفكر من الخارج إلى الداخل، و ضمن وضعيات استنطاق (الأنا) الأعلى بنهايات الذات الحاضرة، وكذا امتلاك المتعة الجمالية في الفهم والتخطيط الحياتي، وضبط تجليات الآخر الغائب. اليوم، كونت معرفة للعالم بمتغيراته، والتي تُفضي إلى معرفة فلسفة الذات، وصناعة القدرة على رؤية الوجود (المعرفة التوافقية والاصطلاحية)، والبحث عن أثر الحرية وتحريرها من ربقة العصيان.

أروي لكم سادتي الكرام ما استعصى عليَّ من الفهم والتدبر بالتفسير والسؤال، فقد كنت أتنقل داخل غرفة (الذات) بتلك الأحلام المستقظة، والتي كانت تُجسد سياقات متعة الخدع الحسية (السحر المعرفي)، ومراوغة المنطق والعقل بالتنويم. فحين أردت انتقاد صورتي المتبقية داخل لوح المرآة، رأيت أني لا أتسلح بالآليات المنهجية الحصينة بالتجرد عن الذات، وملاحق الزمن العمري. وجدت أن النقد العنيف، قد لا يقدم سوى فقاعات من الوهم والزيف، ووضع الحقيقة في غرفة الإنعاش. تعلمت بالفطرة، ربط ثنائيات فُتوقَ (الداخل والخارج) حتى لا أنزلق في إنتاج تفاهة الوهم. فلا غرو اليوم سادتي الكرام، أن تحمل تخوفاتي الأولية، ضُعف وجهي الذي بقي عالقا على لوح المرآة بلا رقيب ولا حسيب، وهو يتوجس قسطا من الخوف على مفارقتي بالبتة.

استيقظت لحظة باسترجاع (الأنا) المفكرة عندي، وجعلت منها لِحافا قُطنيا لتدثر روحي الزائدة من التآكل والتغيير المفرط في التجريد. حينها شعرت بالأمن، وأضحيت أبحت عن نفسي وهويتي وذاتي، وكيفية الاهتمام بهم إزاء التعيينات القاسية للنقد والسلبية. من فرحتي، أن المذياع صدح بمتنوع أغان من الماضي، من تم شعرت أني لا أمارس الانعزال عن العالم الخارجي، بل صارت ذاتي تُعلن الثورة على لوح المرآة، وسحب وجهي بالوجود الحقيقي المتنور بأخلاق الخير والقيم الاجتماعية.

اليوم، تحررت من سلطة المرآة (الآخر) ومن كل الأبعاد الثقافية والأخلاقية، ومن غيث سيولة انسياب الحداثة السائلة المفزعة. اليوم، تحررت من تلك النواة الصلبة في التحجر الفكري والسلوكي، والتي كانت لا تقبل معرفة ماهية اختلاف تصورات الكينونة والكونية. اليوم، وذاتي المتحررة تتناول وجبة الوعي والتفكير في الاتجاه الصحيح لا المنعرج في الغائر. اليوم تعلمت أن التغيير لن يتأتى حتى يمتلأ العقل والذهنيات بأنماط الوعي والسلوك الحضاري المتنور.

***

محسن الأكرمين

برعاية كريمة من لدن السيد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني للمدة من العاشر ولغاية الرابع عشر من شهر شباط فبراير 2024، ستشهد بغداد انطلاق مهرجان بغداد السينمائي (دورة المخرج الكبير محمد شكري جميل) الذي تقيمه نقابة الفنانين العراقيين بالتعاون مع وزارة الثقافة والسياحة والآثار ودائرة السينما والمسرح، أعلن ذلك نقيب الفنانين العراقيين رئيس مهرجان بغداد السينمائي الدكتور جبار جودي، وقررت اللجنة التحضيرية للمهرجان قبول ستة عشر فيلماً للمشاركة في مسابقة الأفلام الروائية القصيرة من بين الأفلام العربية والعراقية المتقدمة للمهرجان، وتشمل أربعة أفلام من جمهورية مصرالعربية، وفيلمين من مملكة البحرين، وفيلماً واحداً لكل من: تونس، وفلسطين، ولبنان، وسوريا، والمغرب، فضلاً خمسةأفلام عراقية, وأوضح جودي أن الأفلام التي ستشارك في مسابقة المهرجان للأفلام الروائية القصيرة هي أفلام: (ترانزيت) - باقر الربيعي- العراق. (خطاف)- ياسر الاعسم – العراق. (يد أمي) – كاردينيا هيمن – العراق. (دويرة) - سيف صباح – العراق. (كيمر عرب) - رانيا حمزة – العراق. (16 مللي) - عبدالله جاد – مصر. (عيسى أعدك بالجنة) - مراد مصطفى – مصر. (فطيمة) - أحمد عادل – مصر. (الترعة) - جاد شاهين – مصر. (نصف روح)- مروان طرابلسي- تونس. (فلسطين 87) - بلال الخطيب- فلسطين. (الحفرة) – علي بازي- لبنان. (العزلة) – جمال غيلان- البحرين. (عروس البحر) - محمد عتيق – البحرين. (فوتوغراف) - المهند كلثوم – سوريا. (الموجة الاخيرة) - مصطفلى فرماتي – المغرب, وأكد جودي أن المهرجان سيعلن قريباً عن الأفلام المشاركة في مسابقة المهرجان للأفلام الروائية الطويلة، وكذلك قائمة بأسماء نخبة من النجوم وصناع ونقاد السينما العرب البارزين بما فيهم مديرو المهرجانات السينمائية العربية، فضلاً عن كوكبة من صناع ونقاد السينما من العراقيين في الداخل والخارج، ناهيك عن عدد من الفعاليات والبرامج والأنشطة السينمائية المتنوعة. وتابع جودي وهناك (مسابقة فضاءات سينمائية جديدة) التي تشمل عشرة من الأفلام الروائية العراقية القصيرة والجديدة والتي أنتجت بموجب منحة نقابة الفنانين العراقيين في سابقة فريدة من نوعها تحصل للمرة الأولى في تأريخ المهرجانات العراقية والعربية، وتهدف الى تفعيل الحراك السينمائي وإنعاش المشهد السينمائي في العراق ودعم الطاقات والكفاءات السينمائية ودوران عجلة الانتاج السينمائي العراقي,, مضيفا / أن المهرجان سيعلن قريباً عن الأفلام المشاركة في مسابقة المهرجان للأفلام الروائية الطويلة، وكذلك قائمة بأسماء نخبة من النجوم وصناع ونقاد السينما العرب البارزين بما فيهم مديرو المهرجانات السينمائية العربية، فضلاً عن كوكبة من صناع ونقاد السينما من العراقيين في الداخل والخارج، ناهيك عن عدد من الفعاليات والبرامج والأنشطة السينمائية المتنوعة. وتابع جودي وهناك (مسابقة فضاءات سينمائية جديدة) التي تشمل عشرة من الأفلام الروائية العراقية القصيرة والجديدة والتي أنتجت بموجب منحة نقابة الفنانين العراقيين في سابقة فريدة من نوعها تحصل للمرة الأولى في تأريخ المهرجانات العراقية والعربية، وتهدف الى تفعيل الحراك السينمائي وإنعاش المشهد السينمائي في العراق ودعم الطاقات والكفاءات السينمائية ودوران عجلة الانتاج السينمائي العراقي.

ومن جانبه أوضح مدير مهرجان بغداد السينمائي الدكتور حكمت البيضاني، أن اللجنة التحضيرية تواصل مناقشة المهام التنفيذية واللوجستية المتنوعة لإقامة المهرجان على أحسن وجه، وقرارات اللجان الفرعية بما فيها قرارات لجنة قراءة وفحص سيناريوهات مسابقة إنتاج الأفلام العراقية القصيرة (فضاءات سينمائية جديدة) التي تضم عشرة أفلام وتهدف الى تفعيل ودعم الإنتاج السينمائي العراقي، وتابع الدكتور البيضاني أن اللجنة التحضرية تنتظر صدور القرارات النهائية للجنة مشاهدة وفرز الأفلام المرشحة للمشاركة في مسابقات المهرجان بغية الإعلان عنها في القريب العاجل في بيان خاص، إضافة الى مواصلتها مناقشة وإقرار الأسماء المقترحة لعضوية لجان التحكيم الرسمية، والندوة الفكرية حول (سبل تعزيز الانتاج السينمائي العربي المشترك)، وورشة الإخراج السينمائي، فضلاً عن الضيوف والشخصيات المقرر دعوتها، وجميعها ستضم نخبة من أبرزالمعنيين بالسينما من مخرجين وكتاب ونقاد ونجوم عراقيين وعرب

***

نهاد الحديثي

 

الفنُّ هو أحد الفنون التي يمارسها الإنسان في حياته الشخصية، القدرة والإتقان بمستوًى عالٍ من الجودة والكفاءة العالية في العمل أكثر جمالًا وتنظيمًا، الوظيفة ليست صعبة ولا بسيطة، إنّها مجمل التفكير في قرار ساحله أزرق العينين. توظّف قدراتك في التجادل مع الحياة، روية وهدوء.

هذه الأحداث الوصول إليها يغلب عليه التكاثر المعرفي التجريبي الواعي في تزويد ذلك العقل الباطن، بالرؤية التي تحلم بها في موطن حياتك. الأزمات ليست قليلة وقد لا تتوقف، لكنها طاقة أثيرية، توطّن إحساسك بالحياة، تلك هي الفلسفة التي تنير صفحاتك المتبقية قبل الرحيل من عالم إلى آخر مقدّس بما وراءه من صور ووعود جميلة وتحت رحمة لا تتوقف من العالي المُعيل، غدًا وما بعده يحمل كلّ الأمنيات.

لا تثقل نفسك بين عقول تناثرت عليك قاسية مؤذية، عندما تستوعب القاعدة الطبيعية للبشر في السباق بين الماراثونات المتعدّدة في الفوز الأول، حلّق مع أحلامك بهدوء وقدرة عالية، عليها أثر البسمات الجريئة النابضة بالحياة، قسمات قدرت، يغلب عليها التعب، لكنها طبيعية في حالاتها، انتصر عليها في وقتها.

التبعثر شقاء، القناعة جمال داخلي، أمثال البشر بين يديك، بين سقوط ونهوض، انهض بوعيك الذي ينبض، الغبار لا يتوقف والمطر لا ينتظر المظلات المهترئة، اضرب بين جناحيك، حلّق كما تستطيع، بين الإقلاع والإقلاع حياة وخبرات جديدة، الحياة جميلة رغم بعض محطاتها الحزينة، إنّها رواية لا تتوقف عند سطر حزين، صعابها قد تكون النهاية سعيدة وجميلة، متى ما ضغطت على أيقونة القبول، تبقى القناعة الأمل الأول والأخير.

الطائرة تنتظرك في الصعود بين رحاب العالم، يأتي الخيال بين الصخور الحافرة الصلدة، تخطو خطوتك، تشعر بأمانها تجلس بعد أن تطمئنّ الروح بأنّ غدك سوف يكون بين يديك، الموت لا ينتظر أحدًا والعزاء مستمر، بين القافية ينابيع تفجّرت من أعماق لا تدركها الأرقام، جميع المحطات منسجمة مع الطبيعة التي ولدت أمامك وقبلك.

منذ الأزل، البشر لديهم القدرات والأقدار التي تحطم طواحين الألم في خيال بعده واقع، تذكر بأنك ذلك الإرث الذي تخلفه يبقى ومن بعدك سوف يقرئه، إنّها المعارف المستمرة في النضج، ذلك المدّ الغائب يتحدّث إليك أن ترفع تلك الأشرعة أمام الأمواج العالية، بعيدًا عن الأرض ترى الوجود لم يكن من قبل، أيُّها القبطان، ابتسم أمام الريح التي أمامك، أنت الآن في الأمان الذي انتظرته وقت طويل.

***

فؤاد الجشي

 

في مقهى ينأى عن ضجيج المدينة ومتابعات مباريات الدوري الاسباني (لا ليغا/ La Liga). في مقهى يقع بالمحاذاة من بدال الطريق السيار الشرقي لمدينة مكناس. كعادتي، جلست منفردا لأحتسي فنجان بُن أسود يفوح بنكهة مرارته وبلا قطعة سكر. كان كل مَنْ بالمقهى المطعم في انشغالات أحاديث دائرية منغلقة، فيما كانت الخدمات في متناول الجميع، وبتلك الابتسامات والترحيب والسرعة المتناهية.

كنت في غفلة من أمري، وأنا أمارس صناعة فكر الانعكاس والتناظر، وفق علاقة التقابل والتناقض في نوعية المشاهد بين حركة من يلج وبين من يغادرها. كنت أمارس فِطْنة تأمل سقراط المعلم الأول (اعرف نفسك، اهتم بنفسك)، وتحرر من جاذبية السلطة الخارجية، ثم تخلص من الهيمنة المادية. كنت مرات أفكر من خارج الصندوق ثم أعود باللاوعي إلى داخل نفس الصندوق لأفتش عن ذاكرتي الذهنية الماضية.

كان كل من يقربني بالمجاورة في مجلس طاولتي المنفردة، في انشغال تام بالمأكل والمشرب، وتناول قسط من بذخ الحياة، وترف الحضارة المستحدث. مرات بالقلة، كنت أسمع ضحكات من مائدة يتحلق عليها ثلة شباب من متنوع الأعمار وصنف الجنس. هذا، لا يعني أني أمارس الانعزال عن العالم الخارجي، بل مشاهداتي المتنوعة كانت تفكر في المتغيرات ، حين كان المكان مزرعة فلاحية تنتج القمح والخضروات، لكن تحولات المدينة الجديدة، غيرت (بلاد الفلاحة) إلى منتزه رحب بالأداء، وتقديم خدمات للميسورين من الطبقات المتوسطة.

حين انتهيت بالعياء الفكري من تقابلات ثنائية (الداخل والخارج) و(المتغير والخالد)، كان مدخل المقهى المنير يستقبل أسرة تُدخلُ شابة أنيقة وجميلة على كرسي متحرك، كان كل من الأب و الأم والأختين في خدمة تامة لهاته الشابة العليلة، والتي يبدو الإنهاك على ملامحها الخارجية. لحد هذا المتغير، كل الأمور تسير وفق نظام الترحيب بالأسرة، وتيسير ولوجها بأخلاق العناية الفضلى لهذه الشابة في ذاك الكرسي المتحرك، بحق كانت الأخلاق الخيرة لمن يشتغل بهذا المطعم المقهى ترتقي إلى رفع القبعة لهم احتراما.

لم تُغْنِ عَنِّي المشاهد بدا، من متابعة الشابة التي باتت تتحرك إلا من خلال كرسي متحرك وهي ليست من ذوي الاحتياجات الخاصة. كانت تَعْتمر قبعة الرأس شديدة البياض، في ملمح وجهها النحيف، رأيت أن المرض أنهكه باستدامة الألم والمعاناة، وأفقده احمرار الشفاه والخدود. كان يبدو على تلك الفتاة أنها تجابه الداء والدواء، وقسوة الألم منذ زمن. كانت لا تبتسم، ولا تتكلم طويلا، ولا تعير المكان متابعة وأية اهتمام، فيما أسرتها الصغيرة فقد كانت بحق الله خدومة وتقدم لابنتهم العليلة كل المساعدة والابتسامة والفرح.

لحد جلوسهم وعناية النادل بهم، لم تَبُحْ هذه الشابة بأي كلمة تجاه مرافقيها، بل كانت تحول نظرات إلى شرود عن المكان ودون استطلاع. لحظة كشفت عن هامة رأسها، وأزالت القبعة الشديدة البياض، خطفت نظرة متأنية عنها والألم يُشعرني بالحرج، هنا كادت عيناي تسبقني إلى الدمع دون أن أناديه بتوجسات ذاكرة ألم الداخلي الماضي. كان شَعر الشابة قصيرة المورد والمنبت، كان خفيفا ويتسم بالرقة وقلة الكثافة، هنا جاء تفكيري ليربط العلاقة الخارجية للشابة والألم بمرضها، فقد كانت تبدو منهكة بالتمام، وكأنها خرجت تَوَّهَا من حصة العلاج الكيماوي      (  chimiothérapie). هنا زاد الوجود الحقيقي المتنور بالخير من أمها حين كانت تلهو بخصلات شعرها القصيرة، وهي تخاطبها بابتسامة لا تفارق ملمحها، فيما الشابة فقد كانت تنظر في عيني الأم حبا وعطفا، وكأنها تناجي قلب أمها بالفقد والافتقاد، لماذا  يا أمي يقتلني المرض يوما بعد يوم؟ لماذا يا أمي يعتصرني الألم، ويخنقني حتى في أمكنة اللعب والمرح؟ لماذا يا أمي أحمل مرضي على كرسي متحرك؟ لماذا يا أمي لا ينتهي الألم بنهاية زمن الحياة، حينها أشعر أنِّي انتصرت على المرض بقتله؟

كما وضع النادل قهوتي السوداء بنكهة البن المستفز، تركتها ولم أتناول منها غير رشفة بَلَعْتُ من خلالها ألمي الذي بات يعتصرني داخليا من شدة المشاهد المتكلمة بلا أصوات. تذكرت رثاء الخنساء وقلت: أعينيَّ جودا ولا تجمدا، ألا تبكيان هذه الشابة الجميلة العليلة الندى... تركت الشابة العليلة بنظرة دعاء، و ترجلت خارجا بمتغير زفير آهات لذاتي المتألمة، حين مددت ورقة نقدية للنادل، سألني ألم يعجبك اليوم فنجان قهوتك المفضل ؟ فقد لاحظت أنك لم ترتشفه !! ولم تمدده بقطعة السكر الوحيدة كعادتك !! اليوم، لم أبتسم في وجه النادل، ولم أشكره على خدماته، وتركت له ما يزيد مِمَّا تَبقى من الورقة المالية، وانسحبت نحو أبتغي العودة إلى المنزل، ورَتْقِ فُتُوقِ الألم بالبكاء.

***

محسن الأكرمين

 

أدركنا بحمده تعالى صبح عاما جديدا عبر الزمن الكوني المطلق.. بحلول 2024، وقد تقاطرت على أهل الأرض العواصف إعصارا تـلو إعصارا، ولا يتسع المقام هنا لذكر جميع أسبابها، مع ان إستقرائها يوضح أبرزها ممثلا؛ في تهافت الأنسان طمعا بمنافع الإثراء لموارد الأرض بباطنها وسطحها وسمائها، وبذلك تسابق الأنسان في كل دماره وصراعه وحروبه الدامية منذ فجر التأريخ ولحد اللحظة.. ظالما في تجاوزه لقوانين الكون طبقا لما فصلها الواحد الخلاق.

بعيدا عن ما سبق، وفي خضم أمواج بحار الحياة التي تلقيني احيانا على بعض من شواطيها، وقبل أن التقط أنفاسي؛ تأخذني بعيدا تلك المتربعة تـاجا بأعماق الذات.. ذاكرتي.. الى حيث كانت هناك مرابع الطفولة والصبا والفتوة لتكشف في ثناياها عن أناسا من الأستحالة وصفهم بالصداقة مدى السنيين، إنما وصفهم وتوصيفهم يرقى الى الأخوة  المطلقة بكل معناها .. وعندها تـرحمت على من غادر منهم دنيانا.

ثم ينفتح بابا لم يوصد يوما أمام تسجيل ما صقلته الأيام بالساعات حراكا في الحياة؛ مرة بالأفكار، وبالأبدان مرة أخرى.. تكريما وفاء للوالدين في كدحهم بين الصخور وعبر السنين السابقات بحلوها أحيانا وقسوة مرارتها بأحيان أخرى.. والى أن تسلق الوعي لإدراك كل معانيها.

لقد مضت بلمح البصر تلك السنون.. فكان الطائر كالصقر يجني ويجني بغابات الحياة ليس نفعا، إنما على الدوام تقضه عقولا قد تفتحت براعمها الندية ترنو نحو حرفا أو قولا من الجني ذاك، إذ إن من الحماقة أن يدفن بالموت الحصاد المثمر بالعلوم معارفا وأفكارا.. وقد حجبت عمدا عن عباد الرحمن .. وهو العظيم الذي علم الأنسان ما لم يعلم.

هـكذا.. تتمادى الذاكرة مرة أخرى لتخبرك عن من تكرمو خيرا عليك ساعات وأياما.. سواء بالمشورة الراشدة مرة، وبالجهد البناء مرة أخرى.. ليبصروك فقط للأخذ بذاك الأحسن من ذاك، ولأجل ذلك لا زالو في القلب بمحبة وإحتراما، ومن المؤكد هم مع تلك المحركات نحو السمو نجاحا وللهفوات تفاديا.. فمنها من مر كالأطياف يأخذ بالأحوال من هذا إلى ذاك، ومرة تكون للهمة حافزا، وفي أخرى تكون للطاقات الإثارة والإلهاما، وجميعها مماثل للسيوف البارقات شموخا في سماء قد تألق بضياء القمر العملاقا.

لا تبتأس.. عزيزي القاريء الكريم، فأنت أن علمت أو لم تعلم.. فأنت بصفاء قلبك من المؤكد أنت منهم.. وقد أتيت لنا فخرا وإلهاما، ولكم ما يليق من الأماني الباسمات نجاحات وأفراحا.. المقرونة بالإحترام الأسطع بياضا.

*****

د. مجيد ملوك السامرائي

جغـرافـي، كاتـب ومـؤلف وأستاذ جامعي

 

أبي رحمه الله وأغدق على قبره شآبيب الرحمة، كان يصرف نهاره في وظيفة عادية هي قوام عيشه، وينفق أول المساء إلى الهزيع الأول من الليل في جهد ونصب دائم، وهو قوام مركزه ومكانته التي حازها وسط دائرته، كان رحمه الله يصل الرحم، ويقري الضيف، ويكسب المعدوم، ويغيث الملهوف ويعين على نوائب الدهر، كما قالت السيدة خديجة الكبرى، وسفاتة بنت الطائي، وكنت رغم صغري أضيق بهذا كله، و أفصح عن ضيقي في وضوح وجلاء، كنت أنتظر مقدمه من عمله وأنا فرح مسرور، حتى أستقي من عواطفه ومشاعره الجياشة، فأنا آخر العنقود، وليس من اليسير على آخر العنقود أن يألف تسلط الناس عليه، واعتدائهم على حقوقه، كانت لدي خواطر تجيش في دواخلي، أريد أن أقولها لوالدي لحظة رؤياه، ولكني لا أستطيع أن أوثره بها، فأهل الوصل من أقطاب الصوفية، وأصحاب العلل الروحانية، كانوا ينكرون حقي في والدي، ولا يبيحونه إلا بمقدار، وبمقدار ضئيل كما قال الدكتور طه حسين، وفي الحق كثير ما كان  يقع بيني وبين هؤلاء تنازع وشجار، خاصة حينما أطبق بيدي الصغيرة البضة على أصبع أبي وأتشبث به في قوة واهية وخشية، وأسير مع الشيخ الجليل، الباد الوقار،بخطى متعثرة خلفه، فيأتي أحدهم غير مبال بعواطف صبي أغر تجاه أبيه، تمثل الضعف الذي ليس بعده ضعف، فيدفعه دفعاً عنه، بل لا يرضى أو يقنع بهذا، فيغلظ عليه القول، لإلحاحه في أن يكون بمعية والده، ويستهجن تهالكه عليه.

رغم كرور الأيام، وتعاقب الحدثان، مازالت الصور هادئة مستقرة في مكانها، وما زال حنيني إلى والدي كثيراً غزيراً، لا يستغنى عن فؤادي، ولا يستغنى فؤادي عنه.

***

د. الطيب النقر

 

سقطت ورقة من حياتنا وجاءت أخرى وحتماً ستسقط الثانية عاجلاً أم آجلاً هذه سنة الله في أرضه وهكذا دواليك يستمر الحال يولد إنسان ويموت آخر والحياة تمضي نحو الامام ويمضي معها الكثير ولا يبقى سوى الاثر ومع مرور الوقت سينتهي الاثر وتتعاقب الامم والحضارات أنتَ في القيمة أسمى العَالَمَيْن كليهما فماذا يمكن أن أفعلَ إذا كنتَ لا تعرفُ قَدَرَك؟؟لا تبعْ نفسك رخيصاً، وأنتَ نفيسٌ جدا في عيني الحقّ فإذاً لا تكلف على ذاتك وتضطرب وتهجس ضجيج الحاضر وحزن الماضي وقلق المستقبل كن على يقين بأن الله لطيف رحيم لم يخلقنا ليشقينا حينما تصرخ الروح يستجيب لها الإله فتمطر السماء بهدايا الرب اللطيف لتحمل في طياتها الأمل فيسري السلام على سائر كياننا لنشعر بالمحبة والوئام، لأن الله كلّ الجمال المطلق هذا هو الإله الذي أعرفه، ولكننا نظلم أنفسنا بأشياء لا داعي لها كن راضيا بقدر الله فكما جاء في الاثر لو عرضت الأقدار على الإنسان لأختار القدر الذي أختاره الله له، فاﻟﻴﻮﻡ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ نجلس ﻣﻊ أنفسنا .. لنعلم ﻫﻞ ﺣﻘﻘنا ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﻣﺎ نريد؟.. ﻣﺎﻫﻲ أخطاؤنا وهل ﺃﺻﻠﺤناها؟.. ﻭﻣﺎ ﻫﻲ ﺃﺣﻼﻣنا ﻭﻫﻞ ﺣﻘﻘناها!! .. ﻓﻬﻜﺬﺍ ﺳﻴﻤﺮ ﻋﻤﺮنا ﻓﺈﻥ ﻟﻢ نحاسب أنفسنا سنظل ﻛﻤﺎ نحن ! .. ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻳﺠﺐ ﺃﻥ نعلم ﻫﻞ نحن نسير ﻋلى ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺍﻟﺼﺤﻴﺢ لتحقيق حلمنا وذواتنا أم اننا أخطأنا الطريق! ﻓﺎﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﺣﻘﺎً ﺣﻴﻨﻤﺎ نكتشف ﺑﻌﺪ ﻓﺘﺮﺓ ﺃﻥ عمرنا لم ﻳﻀﻊ .. ﻭﺃﻧنا ﻧﺠﺤنا ﻭﺣﻘﻘنا ﻣﺎ نريد لنواصل ﻓﻲ ﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻤﺰﻳﺪ .. ﺟﻤﻴﻞ ﻫﺬﺍ اليوم لأننا سنبدأ عام جديد .. ﻭﻛﻢ ﺳﻴﻜﻮﻥ ﺃﺟﻤﻞ ﻭﺃﺭﻭﻉ ﺣﻴﻨﻤﺎ نحقق ﻓﻴﻪ ﻣﺎ نريد.. ﻭﻟﺪ هذا اليوم لتشرق حياتنا بالأمل الجديد, وما أجمل أن يولد بداخلنا ﺍﻹﺑﺪﺍﻉ ﻭﺍﻟﺤﻤﺎﺱ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﺅﻝ ﻣﻦ ﺟﺪﻳﺪ .. ﻓﻬﻮ ﺃﺷﺒﻪ ﺑﺎﻟﻄﺎﻗﺔ نأخذ منه لنمضي ﻭنحقق ﻣﺎ نريد .. في أول يوم من عامنا الجديد.. كل أمنياتي و دعواتي لكم بأن يجعل الله عامنا هذا عام صلاحٍ وفلاحٍ و نجاح و أن يحقق فيه الأحلام و الطموح والأهداف وأن يصلح الله لنا النفس و السريرة .. و لكل من يتمنى للناس الخير .. جعلكم الله دائماً في رضا وسلام ووئام .أتمنى لي ولكم عام حافل بالعطاء، والنجاح والمضي قدماً نحو العزة والمجد وعلو المقام وسلامي إليكم لا ينتهي ..انتهى

***

زكريا الحسني -  كاتب من سلطنة عمان

اصحاب الثروات الضخمة التي تقدر بعشرات الملايير من الدولارات يقرأون بنهم ويخصصون ساعة أو اكثر للإبحار في عوالم الكتب وكيف لا وهي التي تلهمهم الأفكار التي يحولونها إلى مشاريع تدر عليهم ثروة طائلة

و حسب  الباحث الأميركي توم كورلي الذي قضى سنوات في دراسة له ببحث عن الاختلافات الجوهرية بين أصحاب الثروات وغيرهم من الناس، فتوصل  إلى نتيجة وهي  أن أهم ما يميز الأثرياء عن غيرهم من الناس العاديين  هو التركيز على أوقات الفراغ والعادات اليومية التي يستغلونها في القراءة والتأمل..

ويرصد موقع "فينانثاس بيرسوناليس" (finanzaspersonales) الكولومبي في هذا التقرير أهم تلك العادات اليومية التي تميز الأغنياء، والتي لا يدرك أغلب الناس أهميتها ولا يُقبلون عليها رغم أنهم يمتلكون الكثير من أوقات الفراغ يوميا.

وفي  كتاب "عادات الأغنياء"  لتوم كورلي الذي وثق  الأنشطة اليومية لحوالي 233 شخصا ثريا و128 شخصا يعيشون في ظروف عادية.

وخلال البحث حدد أكثر من 200 نشاط يومي يميز الأغنياء عن غيرهم، وخلص إلى أنهم يستفيدون بشكل رائع من أوقات فراغهم.

وحسب هذه الدراسة التي قام بها كورلي فإن 80% من الأثرياء يخصصون ستين دقيقة (60 د ) لتنمية مهاراتهم وتثقيف أنفسهم .

فمثلا بيل جيتس يقرأ 50كتابًا في السنة، بما يعادل كتاب كل أسبوع، وينشر على مدونته قائمة نصف سنوية بأفضل 5 كتب قرأها ليستفيد منها جمهوره، أما مارك زوكربيرج فأنشأ في عام 2015  ناديًا للكتب قدم من خلاله توصية لكتاب كل أسبوعين لملايين من متابعيه، فيما أعلن الثري المعروف وارين بافيت أنه يقضي معظم وقته في القراءة والتفكير (80%من يوم عمله).

والملياردير الأمريكي وارن بافيت الذي تبرع مؤخرا ب 3.6مليار دولار من أسهم مجموعته بيركشاير هاثاواي لخمس منظمات خيرية ، يقرأ كل يوم بين خمس وست ساعات في اليوم ويبلغ ما يقرأه يوميا خمسمائة صفحة(500 ص) ويطالع خمس جرائد يومية وعددا من المجلات والتقارير. 

 ومن بين الأثرياء رجل الأعمال الأمريكي مارك كيوبان الذي عرف بشغفه الشديد للقراءة والذي يقرأ أكثر من ثلاث ساعات يوميا ..

وأوبرا وينفري اكتسبت عادة القراءة منذ الصغر وكانت زوجة أبيها تحثها على تخصيص نصف ساعة للقراءة يوميا وهكذا أسست نادي أوبرا للكتاب الذي تشجع من خلاله الناس على القراءة أو اقتراح كتاب أو مجموعة كتب لمطالعتها...

فلا تستغرب إذن من نجاح هؤلاء الأثرياء الذين أسسوا لتقاليد النجاح باستغلال أوقات فراغهم بالقراءة النافعة بينما الفقراء يضيعون أوقاتهم في المقاهي والملاعب وفي القيل والقال و اتهام الأغنياء بأنهم فاسدون ولصوص و أموالهم من حرام بل حتى نظرتهم للمال بأنه وسخ الدنيا و أن السعادة في القليل ويعيشون على الأماني والأحلام الكاذبة فكن قارئا حتى لو لم تكسب المال فستكسب الغنى النفسي والثراء الروحي.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

شدري معمر علي 

...................................

المراجع :

1- أسرار يومية للنجاح ، هذا ما يفعله الأغنياء وقت الفراغ، موقع الجزيرة.

2- فوائد قراءة الكتب وكيف ساهمت في نجاح أشهر رواد الأعمال؟موقع خمسات.

3- محمد عبد الرحمن ، الوظيفة رجل أعمال والهواية القراءة،.اليوم السابع .

هذه انا اليوم في سابقة ادبية جديدة حيث أقدّم عملي بنفسي متقمّصة في نفس الحين دور النّاقد ومسؤولية المؤلّف. ابدأ بالإفصاح وأقول: هذه الرّواية واقعيّة. جذعها غَرسٌ في أحد اريافنا في الكاف. وأبطالها يعودون إلى عائلتي. ابدأ إذن بتناول الحديقتين: الأمامية والخلفية اللتين تحيطان بمتن الكتاب اي العتبات.

1- الحديقة الأمامية وهي العنوان والصّورة.

العنوان: وهو أوّل ما يلتقطه المتأمًل في الكتاب ابن العاقر هذا العنوان المخاتل الذي يستفز القارئ فيجعله يتساءل في الحين: كيفاش ابن العاقر؟

كيف يكون هذا الابن ابن امراة عاقر. وكيف يكون لامراة عاقر ابن؟ ما هذا الهراء!. وفي لمح البصر تلوح الصورة:

امراة بلباس ريفي حولي احمر او حولي خمري (ولنضع كلمة خمري نصب اعيننا). تظهر لنا من الوراء. مغطّاة الرأس. تسرع الخطى نحو الجبل

انظر خطواتها: ساق على الأديم والأخرى في الهواء!، تكاد تجري!/ لا يظهر لنا وجهها الذي ولّته شطر الخلاء مسرعة. فكأنّما قد خاتلت الكامرا فلم تستطع اللحاق بها لأخذ صورة لوجهها. أو ربّما كانت المرلفة تطاردها لتستفسر منها الأحداث وكانت تفرّ من أسئلتها.

ماهي الأحداث الممكنة:

المراة تمسك بيد طفل وتجرّه لسرعتها. الطّفل في خطاه المضطربة يلتفت إلى الخلف

ما باله؟ لماذا يلتفت

ما الذي يشغله؟

ماذا ترك وراءه؟

هل ترك أمّه؟

هل ترك أباه؟

ما الحكاية؟؟

وهنا تتدافع التأويلات2184 زهرة الحواشي

1- الإمكانية الأولى:

امراة عاقر تختطف صبيا من الدّوار الذي تسكن فيه وتهرب به إلى الجبل حيث يصعب اللحاق بهما.

2- امرأة ساورتها الشكوك في ادّعاء زوجها بأنًها هي العاقر فسعت إلى علاقة ثانية وأنجبت ولدا وهاهي تهرب من زوجها الذي لن يغفر لها فعلتها

3- امراة عاقر تزوًج عليها زوجها من امرأة ثانية انجبت منه هذا الولد... وهاهي العاقر تهرب به من فرط حرقتها بنار الحرمان من الأمومة.

عديد التأويلات تبعث عنها هذه الصّورة.

نمرّ إلى الحديقة الخلفية:

إذن هي رواية مربكة، تثير التساؤل تارة والحيرة اخرى

كما تلهب الروح شجنا في بعض مواقعها.وسنرى ذاك في تعاريج المتن.

الآن تعالوا معي ننصب السلالم لتسلق جدرانها والاطلاع على كهوفها. وهنا أشير إلى ما شعرت به وانا اكتب بعض المقاطع:

حين تتسلّل إلى دواخل الاماكن الاي تدور فيها رحى الرّواية أي "تتجسّس" على ابطال الرّواية كي تنقل أخبارهم إلى خارج تلك المغاور وتفشي أسرارهم وسرائرهم تشعر أحيانا بالخياتة...خيانة هؤلاء الابطال

تختطفها من واقعهم وتركبها صهوة قلمك قلمك فرحا بالغنيمة، ثمّ تحطّ بها الرّحال فوق بياض الورق مفشيا أخبارهم ينتابك السؤال ملحّا:

من سمح لك بذلك؟

نمرّ إذن إلى المتن:

يحتمل هذا المتن 138 صفحة.فقط

اي ان الرولية من نوع النّوفلّا..La nouvella

بحيث هي رشيقة القوام، محمرّة البشرة كلون مهرة أصيلة من ذاك الريف الزاخر بالجمال، لكنّها مكتنزة الأحداث، صاخبة تحملك إلى سهول يحاكيها خرير الجداول. عامرة المراعي بثغاء الأغنام وصوت الضّاوي والد ربح صادحا بأغاني عذبة من موروثنا الشعبي الذي يحكي قصص العاشقين التي تأجّجت نيرانها بين شبّان تلك المنكقة حينا مثل أغنية الضّاوي والد البطلة ربح "يا فاطمة لاث ريڨي... يا رفيڨي..." وعديد الأهازيج الرائعة من جهة وبينهم وبين أندادهم من " الهطّايه " اي أهالينا الذين يقبلون من الجنوب التونسي إلى الشمال "فريڨا" مع مواشيهم طلبا للعمل في فصل الصّيف موسم الحصاد فيعملون "حصّادة" عند أصحاب المزارع وكذلك للرّعي أي يُسرّحون مواشيهم في بقايا التبن وما تخلّفه آلات الحصاد من جهة ثانية.

ولطالما كانت هذه الرّحلات مورد رزق وحركة معيشية كبيرة تصل حنوب الوطن بمشاله وتعقد أواصر الأخوّة والمودّة والنّسب بين الطّرفين

- بل تظلّ موجودة إلى يومنا هذا في الأرياف .

وقد حدث شيء من هذا القبيل لبطل الرّواية علي بالخمري، شيء بقي في ذاكرته كالوشم تذكي حراحه ربح كلّما غنّت بصوتها الشّجيّ أغنية "وحش الصّرا وبروده".

هذا جانب من جوانب الرّواية

الخاصية الثانية

2- الحوار بين أبطال الرواية

اعتمدت فيه وسيلتبن:

كتبت الحوار الذاتي او الآحادي le monologue باللغة العربية الادبية.

امّا الحوارات الثّنائية فقد اعتمدت فيها اللجهة الأصليّة الريفية للأبطال والخاصّة بتلك الرّبوع حتّى يكون القارئ قريبا اكثر من الأبطال فيحسّ أنّه لصيق بهم يعيش معهم في حوشهم... يتابعهم و يراقب تصرّفاتهم ويتعرّف إلى عاداتهم.

وهنا نبلغ العنصر الثّالث الثالث، التّعرّف إلى بعض العادات والتقاليد عند أهالينا في ريف الرّواية من ربوع الكاف.

عادات حميدة تثري معرفة القارئ وتمتّعه في سرديّة سلسة الأسلوب صاخبة الوقع تطوّقه برفق حتّى لكأنًه يعيشها على عين المكان.

الميزة الرّابعة 4 للرواية:

تؤرّخ الرواية لبعض الأحداث الوطنية المهمّة التي مرّت بها تونس مثل أحداث معركة الجلّاز الأليمة.وإشارات أخرى.

ويبقى السّؤال قائما

صارخا

محتجّا عن هذا العنوان المخاتل المراوغ

ملحّا على الوصول إلى الإجابة:

كيف يصير للعاقر ابن؟

بل ربّما أبناء!!

أحداث رواية ابن العاقر مليئة بالمفاحآت المفاجئة حتّى أنّي انا شخصيا ما كنت لأصدّقها لولا أنّي عايشت ابطالها.

ومكتضّة بالحوادث المأخوذة من ارض واقعها.

أرجو ان يجد القارئ متعة في التعرّف إليها والتّواصل مع أبطالها.

وفي الختام

اقول بتحفظ:

ربّما يحسن بكل امرإة مازالت في طور الانجاب ولم تنجب بعد أن تطّلع على أحداث ابن العاقر وتسبر أغوار الرّواية...

***

زهرة الحوّاشي

 

اعلن مندوب فلسطين بــ«اليونسكو»: إسرائيل تعمدت استهداف 200 موقع تراثي وأثري في غزة، واتهم منير انسطاس المندوب الدائم لفلسطين لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، إسرائيل، بتعمد استهداف نحو 200 موقع أثري وتراثي منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، رغم علمها بإحداثيات تلك المواقع، وقال انسطاس: «الاستهداف متعمد، ليس فقط للمواقع الأثرية كالمساجد والكنائس والمتاحف والمنازل الأثرية وغيرها من مواقع التراث، لكن أيضاً للمدارس والجامعات والمستشفيات، وأضاف أن المديرة العامة لليونسكو أودري أزولاي، أبلغت السلطات الإسرائيلية بإحداثيات مواقع التراث العالمي الموجودة في غزة بعد اندلاع الحرب كي لا تستهدفها، ومن ثم فإن إسرائيل «تضرب المواقع وهى لديها إحداثياتها، وأكد على أن القصد من وراء هذا التعمد هو «مسح البنية التحتية لغزة كي تصبح غزة أرض صحراوية غير قابلة للحياة»، مشيراً إلى أن المواقع التراثية والأثرية في القطاع واضحة مثل «المسجد العمري الكبير الذي يمكن رؤيته على بعد كيلو مترات وكذلك قصر الباشا الذى تم تدميره وكنيسة بروفيريوس، وأشار إلى أن مسؤولية اليونسكو لا تندرج تحتها حماية مواقع التراث العالمي فحسب، بل كذلك المدارس والجامعات والمراكز الثقافية ومراكز الصحافة والإعلام وأيضاً حماية الصحافيين الذين قتل منهم أكثر من 100 صحافي حتى الآن،، وعبر المندوب الفلسطيني عن أسفه لعدم قدرة اليونسكو على اتخاذ إجراءات عقابية تجاه إسرائيل كونها ليست عضوا في المنظمة، وإن كانت لا تزال طرفاً في الاتفاقية المؤسسة لها،، وعن تحريك دعوات جنائية ضد إسرائيل بشأن استهداف المواقع التاريخية، قال «الدعوات يتم تقديمها من قبل الدول المعنية أو الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، لكن اليونسكو لا يمكنها رفع دعوى أمام الجنائية الدولية بهذا الشأن

دمرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عشرات المعالم الأثرية التي كانت شاهداً على تاريخها الثقافي والحضاري الحافل والممتد طيلة قرون،، ووفق دراسة حديثة أجرتها مجموعة "التراث من أجل السلام"، دمر العدوان الإسرائيلي على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، أكثر من 100 موقع أثري وتاريخي،، ومن أبرز المعالم التي تعرضت لأضرار كبيرة المسجد العمري الكبير، أحد أهم وأقدم المساجد في فلسطين التاريخية، وكنيسة القديس برفيريوس، التي يُعتقد أنها ثالث أقدم كنيسة في العالم، ومقبرة رومانية عمرها 2000 عام في شمال غزة، جرى التنقيب فيها العام الماضي فقط، ومتحف رفح، في جنوب غزة، الذي كان مكاناً يقصده الدارسون لتاريخ وتراث قطاع غزة الطويل، ولم تكن الحرب الأخيرة، هي الحدث الأول الذي تتعرض فيه المعالم الأثرية في غزة للدمار، إذ تعرضت عشرات المواقع، بما في ذلك المسجد العمري الكبير الذي طمست معالمه الآن، لأضرار في عام 2014 كما يشير تقرير صادر عن اليونسكو2021، أيضاً إلى المزيد من الدمار للمواقع الثقافية والتاريخية في غزة من جانب أخر، أقام فنانون فلسطينيون، معرضا للفنون التشكيلية يحاكي تاريخ قطاع غزة ومعالمه الأثرية، شارك في المعرض الذي أطلق عليه تسمية (شظايا المدينة)، نحو 28 فنانا وفنانة ضم أكثر من 100 عمل وأقيم داخل المركز الثقافي الفرنسي في غزة، وتخلل المعرض أعمال فنية صممت بتقنية الحفر والطباعة اليدوية لمعالم أثرية في قطاع غزة، وطوابع بريدية استخدمت في فلسطين خلال الحقب الماضية، بالإضافة لمعالم الحياة العامة القديمة، كما قامت وزارة السياحة والآثارالفلسطينية بأصدار الدليل المعالم الأثرية والشواهد العمرانية التاريخية في قطاع غزة، ويُفصح عن أسرار المقتنيات الحضارية المكتشفة من واقع الحفريات والتنقيب الأثري في باطن الأرض وظاهرها، ويحتوي الدليل على الشواهد التاريخية للحياة العامة، من أسواق وخانات وأسبلة وحمامات عامة، وأسبطة (السباط ممر ضيق مقوس بين منزلين) وزوايا، ومقامات ومقابر، ويُفرد الدليل مساحة مفصلة عن تاريخ المواقع الأثرية بشقيه الإسلامي والمسيحي، "ويوثق جزءا من الحضارة الإسلامية الأيوبية والمملوكية والعثمانية، إضافة إلى نماذج عن أنماط الحياة التعليمية والاجتماعية، من خلال دراسة تاريخ القصور والبيوت الأثرية.

***

نهاد الحديثي

حين بَلغتْ سنة (2023) العد العكسي في حياتها الفانية، اكتشفت ليلتها أن التاريخ ليس تعاقبا لعصور وأزمنة متتالية وبالدقة المتناهية، وإنما هو اقتراب لفهم ذات الشيء عند انفصال عن الماهية، وتعلم معرفة حدود التطابق والاختلاف. حقيقة، لم أَكنْ قَبْلها أعرف أن الزمن يتعاقب ويتطور من خلال الانتقال من حالة اللاتعيين إلى وضعية التعيين (تعريف الذات من خلال الآخر)، لم أكن أمتلك فكرة عن تلك الآليات العقلية لضبط ذاتي وهويتي وذاكرتي من شدة الخواء الذي احتواني في سنة (2023) نحو روح الامتلاء بقدوم عام (2024). وقفت عندها، على أن التطور في حركة عقارب الزمان يزدحم بدون تأن ولا توقف، أحسست بعدها أن الخواء في تفعيل بنية العقل، قد ُيلغي الماضي من ذاكرتي الضيقة بالتذكر، ومرات أخرى بالنسيان المُرْتَمي في التجريد.

لكن، تيقنت بدا، أن الاستسلام للعدمية الفكرية، قد يُمِيت الذات العارفة (الأنا)، فيما الامتلاء قد يحافظ في ذات الوقت على تعاقب تراث الأثر وتحركه من السكونية نحو التفاعل مع غياهب المستقبل، وقد يُنعش رمز التمثل (النسقية)، ويجعل أي موضوع ماثلا وحاضرا بقوة المنطق والعقل ويجابه ذات الهوية المنفردة، ويرسو عند طابع الوحدة المشتركة في الهوية الكلية لا الضمنية.

حين فكرت في نهاية سنة (2023)، عاينت أن الرجوع إلى الوراء يقودنا إلى ميدان أَهْمله فكر التخزين (الأنا الداخلي) حتى الآن من الاستذكار، وبقي استذكار النسيان هو المحارب الجدي للتذكر والبقاء. وقفت على رمزية بروز فجر الفكر (الحداثة البعدية)، الذي حتم لزوما نوعية منابر الاشتغال في المستقبل والحاضر، واستحضار الماضي، وليس بالرجوع إلى الوراء لاستذكار ذات متذكرة ومتفحمة بالمأساة، والعمل على إحياء وبعث الماضي (مهما كان)، ولكن لنشل الذاكرة من ذات التحجر، ونقد الذات المعرفية نحو فهم العولمة الكونية.

بحق الله، أننا نَضَعُ ذواتنا مرارا ضمن خندق ذهنية دوغمائية / متحجرة خَطِرة بالانعراجات، وقد تكون منتشية بالرسوبات التراكمية المتحركة. وقد تجعلنا الذاكرة المتكهربة (الاختلاف في خلق التوازن بين الماضي والحاضر والمستقبل) نتهرب من المسؤوليات البَيْنية، ونشعر باستحقاق الركود التام، ونفقد طرق الاحتفاظ والاحتضان بفكر الاختلاف والتغاير، فيطفو  حتما الاختلاف الباطني أو الجوهري من فرضية غياب التطابق السفلي،  ومرات عديدة تتبعثر الأفكار حدة بحدود وحدة التطابق والتنوع. فالتناقض الحارق، هو تلك المجابهة التي تَفقِدُ فيها الأزواج (الاختلاف والتغاير) طريقها نحو الوحدة الوهمية. أما المفارقة القاتلة، فإنها تعمل على تصدع الوحدة النمطية التأملية، وبعدها  قد لم يعد بوسعنا تمثل الهوية بأنها الوحدة بذاتها في الفكر والذاكرة المشتركة.

فالتنوع التجانسي، هو اختلاف الانعكاس المقعر، وهو الاختلاف نفسه !! وبلا مناورات فلسفية تجريبية. إنه اختلاف متعين لوضعية خلخلة الذات وهز وحدتها تجاه صناعة المتغيرات التأملية. فيما استعراضات الاختلاف (الذات/ الآخر)  فهي مجرد اختلافات خارجية لا جوهرية (تُرَيِّبُ وَتَبْنِي). لحظتها لن يكون لرمزية المساواة والإنصاف اللغوية والاصطلاحية، إلا التطابق في حدود الرمزية والحساب الذهني الآلي، وليست هي المساواة العادلة في ذاتها (المقايسة والمعادلة)، إنها بحق حدود اكتشاف اللاتطابق من التطابق (الذات والهوية والفكر)، وتم يكون احتمال حدوث الانجراف الخاطئ في بناء المعرفة الجديدة.

***

محسن الأكرمين

- الفن عالم نوفره لأنفسنا فيعطينا ألوانه وتنوعه ووسعه..لا نكتفي منه ولا يتوقف عن تطويرنا..

- لوحات وحركات وأضواء لتجتمع المادة والتقنية في أعمال تشكيلية ثرية للتخلص من الأدوات التقليدية للرسم..

الفن والتلوين والذهاب الى التجدد والاختلاف مجالات حلم وبحث حيث الابتكار حيز للتعبير عن الدواخل والافصاح عن ما به تسعد الذات وهي تقول عوالمها الملونة منذ شغف بالفن من طفولة مقيمة والى الآن وبتناغم بين نظرات متعددة للعناصر والأشياء في كثير من الوعي بجماليات شتى وممكناتها الابداعية...

من هنا وهكذا مضت الفنانة في بداياتها الفنية في حوارها المفتوح مع القماشة لتكون عوالمها على اللوحة بتقنيات مختلفة كالرسم الخطي بالقلم أو الألوان المائية والأكريليك والطباعة وما الى ذلك...المهم ان تدعو الى عملها الفني المبتكر رغباتها في الاختلاف والتجدد..فالفن عندها عالم ابداع وجمال وتجدد.

الفنانة التشكيلية شيماء بن سليمان  تنوعت لوحاتها وأعمالها الفنية التي كان لها عبرها حيز من الحضور في النشاط الثقافي والمعارض عبر المشاركات المتعددة ومنها مشاركتها الأخيرة ضمن معرض صالون الشبان الذي أقامه اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين بفضاءات العرض برواق يحيى للفنون بالبالماريوم حيث تميزت بخصوصية لوحاتها المعروضة وفق اشتغالها الجمالي المتخير من قبلها ومنذ فترة في تعاطيها الفني التشكيلي.

هي فنانة تعد بالكثير في مجال الابداع التشكيلي وهي تحرص على تطوير تجربتها الفنية من خلال رؤيتها للفن والرسم والابداع التشكيلي عموما...

هي خريجة المعهد العالي للفنون الجميلة اختصاص رسم، رسامة مختصة في فن الطباعة باستعمال الأقمشة وهو موضوع تخرجها، أي استعمال الأقمشة بالإستعانة بمواد مختلفة كالأكرليك والحبر والماستيك لتحقيق أشكال مختلفة ناجمة عن ثراء الأنواع المختلفة من الأقمشة الحاملة للملمس والخيوط وأليافها المتنوعة الناجم عنها حركات مختلفة وأضواء لتجتمع المادة والتقنية في صنع أعمال تشكيلية متنوعة وثرية وذلك في سعي نحو التخلص من الأدوات التقليدية للرسم فتأخذ الأقمشة مكان ودور الفرشاة التقليدية.. مختصة في الرسم الغرافيكي باستعمال أقلام الرصاص مع الاتقان لابراز التفاصيل وابراز الملمس texture  في أعمال ثنائية الأبعاد وذلك بالاعتماد على ثنائة الضوء والظل...

وعن عملها الفني وبداياتها في التجربة تقول شيماء "...قمت بمجموعة صغيرة من الرسومات المعتمدة على الألوان المائية لإعجابي الشديد بالطبقات العديدة التي تسمح لي بابراز العمق والتباينات اللونية... مختصة في رسم portrait لاعجابي بتفاصيل الملامح البشرية والتي تعبر على هوية الشخوص.. أقوم برسم الأشخاص التي أحبها كتعبير عن المحبة والوفاء.. لا أقوم برسم ما لا يحمل فضولا داخلي.. كان ذلك في علاقة بالأعمال المجردة أو الواقعية... جميعها أعمال تنتمي لي على مستوى الفكرة أو التقنية التشكيلية... أحب تدريس الأطفال لمادة الرسم، ففي ذهني هم أساس التطور الفني في العالم العربي والذي يعتمد على ارادتهم وابداعيتهم... البحث في خبايا الأطفال وأحلامهم وتشجيعهم على التعبير عليهم وعرضهم بكل جرأة... الإرادة، الحلم والإبداع هي ألفاظ تتكرى في ذهني وهي التي تدفعني نحو القيام بأعمالي وتقودني للأطفال فالأطفال شديدو الحساسية والابداعية ويمثون المرحلة العمرية الممتازة التي وجب أن يطور فيها الطفل مهاراته وأن يكتسب المعارف الأساسية التي سيبني فيها مشروع حياته ومسيرته وهذا الرأي ينطبق على الموسيقى والمسرح والرياضة وحتى العلوم والأدب.. فكل المجالات وجب لمسها برغبة وشغف.. فلن تتميز في القيام بشيء إلا وان كنت تعطيه من قلبك فلا تتعب ولا تستسلم.. وبعد التضحية من أجل الحلم تجد نفسك اكتسبت زادا معرفيا وحياة تحيطك بكل الأشياء التي تحبها... الفن هو عالم نوفره لأنفسنا فيعطينا ألوانه وتنوعه ووسعه... لا نكتفي منه ولا يتوقف عن تطويرنا..".

شيماء بن سليمان فنانة تشكيلية من جيل الشباب تعمل في دأب وحرص وشغف فني حيث الرسم والفن عندها عالمها المخصوص الذي تطور من خلاله تجربتها التي تعمل على تتويج مرحلتها المنقضية بمعرض شخصي يضم جانبا من لوحاتها الفنية المنجزة الى الآن في هذه البدايات المتواصلة مع الفن التشكيلي.

***

شمس الدين العوني

صاحبة الوحي مجموعه قصصيه تعد من أشهر أعمال الكاتب الإصلاحي الشهيد أحمد رضا حوحو، وهي تعكس أسلوبه ونظرته وهدفه من الإبداع، وانك لتتعجب أن تجد كاتبا إصلاحيا ينتسب إلى جمعيه العلماء المسلمين،  ينتمي إلى ذلك العهد، يكتبُ بذلك الانفتاح وبالأخص الانفتاح على عالم الحب والعلاقات العاطفية بين الرجل و المرأة!

وقصص المجموعة عددها تسعاً، كلها تقريبا تعالج هذا الموضوع، الحب والتقاليد، وتدخل الآباء، ودور المال في التفريق بين المحبين، إذ طالما استخدم الأغنياء سلطانهم المالي لمحاولة شراء قلوب الصبايا المتعلقة بمن تحب من الفقراء المعدمين!

ثلاث قصص فقط حادتْ عن هذا الموضوع، وهي أيضا قصص جميله وممتعة؛ ثري الحرب التي يمكن أن تكون عنوانا كبيرا لكل أولئك الانتهازيين الذين يثرون فجأة مستغلين الظروف والفاقة، قصة مسرحية عنوانها أدباء المظهر! وتبحث الفروق بين الأدب الحقيقي والأدب المزيف، وقصة الفقراء التي نسجها على منوال رواية البؤساء لفيكتور هيغو ...

قصص المجموعة كلها اجتماعيه يغلبُ عليها الطابع الإصلاحي، ومحاولة إصلاح نظرة المجتمع الظالمة إلى عواطف الحب وأحاسيس المحبين..

صاحبة الوحي، خولة، القبلة المشئومة، جريمة حماة، فتاة أحلامي، صديقي الشاعر؛ قصص تتناول موضوع الحب كعاطفة سامية تختلف تماما وتبتعدُ جدا عن الإباحية والجنس، الحب في أجمل صوره، في ذلك الزمن ليس في الجزائر وإنما في كل البلاد العربية كان الكاتب يتحرج من الحديث عن الحب كعاطفة جياشة وذلك بسبب عصور الانحطاط، بينما تراثنا الأدبي العربي والإسلامي مليء بقصص الحب كضرورة من ضروريات الحياة، والحب ليس الجنس والإباحية أو الخيانة والتلاعب بعواطف الصبايا!

في مجموعة صاحبة الوحي عالج الكاتب سلوك الناس الاجتماعي والنفسي داخل مجتمع محافظ، يحاول أن يصون تقاليده وقيمه الدينية والاجتماعية، ولم يشر الكاتب في المجموعة القصصية، لا من بعيد أو من قريب إلى تأثير الاستعمار الفرنسي في المجتمع ...

ربما لأن المجموعة نشرت سنه 1949، قبل اندلاع الثورة التحريرية الكبرى بسنوات....

***

بقلم عبد القادر رالة

الروَايَةُ الَّتِي لَيسَت حَاضِرا هِيَ رِوَايَةٌ لَا اخلاقِية...،، مِنْ كتب سِيرَتَة بِاقدَامَةٍ غَير مَنْ كَتبَهَا بِقَلمةٍ...!

الثلْج يَشتَعِلُ تحتَ اقْدَامِ نِسَاءِ غَزة غَابَ كِتَابُ الروَايَةِ العَرَبِيةِ فِي إِظهَارِ كِفَاحِ نِسَاءِ غَزة الصابِرِينَ تحتَ القَصف وَالحِصارِ والقَتلِ وَالهَدمِ ورِعايةِ الِاطفَالِ، فِي حَياة تُشبة يومَ القيَامةِ، فِي حَدِيثٍ مَعَ صَدِيقِي عَنْ غِيَابِ الروَايَةِ العرَبِيةِ فِي تَجسِيدِ وَاقِعٍ حَقِيقِي، لِنِسَاءِ غَزة مُنْذ 17عَامًا مِنْ الحِصَارِ وَإِخفَاءِ دَورِهِمْ فِي الكِفَاح الْمُسَلح الثورِي الْآنَ الذِي تَخَوضَةُ المُقاومَةُ الفِلَسْطِينِية فِي غَزة وَالضفّةِ، فِي نِهَايَةِ حَدِيثِنَا تَبادلنَا النقَاش حولَ رِوايةِ (رِيجِيسْ دُوبرِيه) الثّلْج يَشتَعِل.، وتناقشنَا حَوْلَ شَخصِيةِ إِيمِيلَا، قَد تكُون شَخصِيةً حَقِيقِية... التَقَى بِهَا رِيجيسْ دُوبِرِيهْ رَفِيق دَرَّب" تِشي جِيفَارَا وكاسترو" الذِي أُعتقلَ مع (جِيفَار) فِي ادغَالْ بُوليفيَا وَلَعِبَ الرئِيس الفرنسي دِيجُولْ دورًا كَبِيرًا فِي اطلَاقِ سَرَاحِهِ بعدَ حُكْمِ الِاعدَامِ وسنوَاتٍ فِي السّجنِ قَامَ فِيهَا بِمُراجعةٍ شَامِلَةٍ هُوَ مُؤلف: ثَورَة فِي الثّورةِ، لِجِيلِ الحركَاتِ الثّورِيةِ المُسلحةِ، وكَتَبَ عَنْهَا رِوَايتهُ \"الثّلْج يَشتَعِل\".

لَكِن مَنْ يتعرف عَلَى شَخصِيةِ إِيمِيلَا، لَا يَملِكُ غيرَ الوُقُوعِ فِي حُبهَا.

امرَأَةٌ مِنْ جِبالِ النمْسا تَترُكُ خَلفَهَا حياتهَا المُرَفهَ

مِن أَجْلِ قَضِيةٍ،

تُلتقَى فِي هافانَا بِبُورِيسْ الذِي:

(نجَا مِنْ ثَوْرَةٍ أُخرَى فَتخسرهُ، ثُم تَلتَقِي بِزَعِيمٍ ثَوْرِي آخر هُو كَارلُوسْ، فِي الفرَحِ وَالخَفَاءِ حَتى اغتِيَالهِ، تَفَقِدَ كُلَّ شَيْءٍ، الرجُلُ الَّذِي تُحِبُّهُ، الطفْلُ الَّذِي انتظَرَتهُ، والمعرَكَةُ التِي تَخُوضهَا، لَكِنهَا لَا تَترُكُ الدَّربَ الَّذِي سَلَكَتْهُ، سَعَادَةُ بُورِيسْ وَإِيمِيلَا مُستحِيلةً، لَكِنَّ أُنَاسًا آخَرِينَ سيكُونُون يَوْمًا بِفَضلِهِمْ أَقَلَّ شَقَاءً،،.

مِنْ الْمُؤكدِ أَنَّ دُوبْرِيهْ فِي رِحلتِهِ الطوِيلَةِ فِي صُحبَةِ نِسَاءٍ كَبِيرَاتٍ وَرِجَالِ كِبَارٍ قَد تعرَف عَلَى إِيمِيلَا، وهُناك من يَقُولُ إِنَّ علاقةً وثِيقةً ربِطتْ الِاثنَينِ وَإِنَّ بُورِيسْ هُوَ دُوبْرِيهْ نَفسُهُ وقد تنكرَ خلفَ شَخْصِية أُخْرَى مُستعارة، فَالعوَاطِف وَالمَشَاعِر المُتبادَلَة بِهَذَا القُرب والوُضُوح والحساسيَةِ والشفَافيةِ والرقَّةِ لَا تَصدر مِنْ شَخصِية مُتَخيلَة بَلْ مِنْ تَجرِبَة، وَلَا يَعنِي القَارِئُ ذلِكَ فهُو يتعاملُ معَ شَخصِيةٍ رِوَائِيةٍ مُقَنعَةٍ وحَيةٍ وَنَابِضَةٍ بِالْحَيَاةِ وَالْقُوة والبسَالَةِ وَلَا يَعْنِيهِ انْ تكُون الشخْصِية حَقِيقِية أَمْ مُتخَيلَة وَكُلُّ مَا يَعْنِيهِ هَلْ هِيَ مُمتِعَة وَمُقنِعَة...؟.

كَيفَ تستطِيعُ إِمْرَأَةٌ تُجاوِز شرطهَا البشَرِي فِي حيَاةٍ مُرَفّهَةٍ فِي جِبَالِ النمْسَا، الَى أَدْغَالِ حَرْبِ الْعِصَابَاتِ الثّورِيةِ مِنْ كُوبَا الَى تِشِيلِي، وَمِنْ بُولِيفْيَا الَى انجِلترا ومنْ بارِيس الَى هامبورج وهِي تَحمِلُ حُلمًا بَشرِيًّا نَظِيفًا، وشُعُورًا نَقِيًّا فِي أَنَّ سعادتهَا نَاقِصَةٌ وهُنَاكَ بَشَرٌ أَشقِيَاءَ...؟ لِماذَا تَلَاشَى هَذَا الصّنْفُ مِنْ النسَاءِ العظِيمَاتِ، فِي زَمن صَارَت التفَاهَة فِيهِ حَفل وعادةٌ، ونمط حَيَاة، وشَطارة...؟

بِلَا شَكٍّ أمثَال إِيمِيلَا كَثِيرٍ فِي العَالَمِ وَخَاصتًا فِي غَزّة وَالضفةِ الْآنَ لَكِنْ مَا يَجمعنَا بِهَذَا الصنْفِ مِنْ النسَاءِ هُوَ نَفْسُهُ مَا يَربطُنَا بِالحيَاةِ مِنْ مَبادِئَ وعدَالَةٍ وَجَمَالٍ، وَالتوقُ الَى فَرَحٍ بَشَرِيٍّ نَظِيفٍ وَصَادِقٍ:

لَيس كُلُّ رَجُلٍ هُوَ بُورِيسْ، وَلَيسَتْ كُلُّ إِمْرَاةٍ هِيَ إِيمِيلَا. إِيمِيلَا حُلْمٌ حَقِيقِيٌّ مُمْكِنٌ ومَفقُودٌ وكذلِكَ بُورِيسْ لَكِنْ لَيسَت كُلُّ امْرَأَةٍ وَلَا كُلُّ رَجُلٍ يَكُونُ بِمُستوَى حُلْمِهِ البَشَرِيِّ الْعَادِلِ وَالنظِيفِ وصِناعةِ أُسطُورَةٍ كَبِيرَةٍ فِي خِدْمَةِ البشَرِيةِ.

ذَهَبَت إِيمِيلا نَحْو قَدرِهَا وخسَارَاتِهَا بِرأْسِ أُنثَى بَاسِلَة مَرْفُوعٍ لِأَنَّ مَعْرَكَةَ الْحُريّةِ لَيْسَتْ فِي النتِيجةِ بَلْ فِي الغايَةِ، كَمَا ذَهَبَ دُوبْرِيهْ نَحْوَ حُكْمِ الِاعدَامِ بِأَقدَامِ ثَابِتِهِ مُعتَزَأٌ بِقَدرِهِ وَمَصِيرِهِ.

فِي عَامِ 1967 بعد القبضِ عليْهِ مع جِيفَارَا فِي غَابَاتِ بُولِيفْيَا وَأَعدَامِ جِيفَارَا وَحَكَمَتْ الْمَحْكَمَةُ عَلَى رِيجِيسْ بِالِاعْدَامِ لَكِنْ انْقَذهُ الرئِيسُ شَارْلْ دِيجُولْ وَأُطلِقَ سَرَاحَهُ عَامَ 1973 وَعَمِلَ مُسْتَشَارًا لِلرئِيسِ فَرانسُوا مِيتْرَانْ وَكَتَبَ سِيرَتَهُ بِأَقْدَامِهِ قَبْلَ كِتَابَتِهَا فِي رِوَايَاتِ. مَنْ يَكْتُبُ لِلْمُقَاوَمَةِ وَنِسَاءِ غَزةَ إِيمِيلَا هِيَ كُلُّ نِسَاءِ غَزةَ

فِي الروَايَةِ رَغْمَ انْ الروَايَةِ حَقِيقِية...!!

***

محمّد سعد عبد اللطيف

كاتب وباحث مصري في الجغرافيا السياسية ..

 

أضحى عقله يطلب منه شيئاً، ويسعى إليه، ويلح فيه، فعقله يريد أن يصون قلبه من تباريح الهوى، ويعصم مهجته المنهكة من الضياع، فهو إذا سار في ذاك الطريق المدلهم بالخطوب سوف يعاني في دهره مرارة الألم اللاذع، وفداحة الحزن المضني، يجب أن يستأصل ما لصق بسويداء فؤاده من عشق جارف، وغرام نبيل، تجاه من لا مرمى وراءها في جمالها، وكريم خلالها، تلك الحسناء التي فتّر النعيم أطرافها، وأرهف الظرف أعطافها، ينبغي أن يتحاماها ويسلو حبها، ويرق لعين أرقها السهاد، وكبد مزقه ترقب الميعاد.

لقد جنى عليه لسانه الذي يخاطبه، وعينه التي تراقبه، ومهجته التي تعاتبه، فخيالها الآسر الفتّان لا ينزل عليه في هدأة الليل البهيم إلاّ بعد أن يطنب لسانه في ذكرها، لا يتسيد قوامها الأهيف، وطرفها الأحور حماليق عينيه، إلا بعد أن تغرق نفسه في عميق سحرها، ما ضرّهُ إذا تدله في هوى مقلة تجرح ألحاظها، وشفة تفتن ألفاظها، وصيارف تومض ألماظها، أنىّ له أن يتغاضى عن قد يتمايل، وأعضاء تتزايل، ورموش تتحايل، حتى لا تصرع قتلاها.

2-

تعساً لعاطفة حادت عن النهج المعروف، والسنن المألوف، عاطفة متأججة لم يستبيحها صاحبها لنفسه لأنها تجحد فضله، وتطمس مناقبه، ولكنه حملها رغم أنفه في حنايا قلبه، لقد قاتل عساكر اقبالها دهراً حتى قهرته جحافلها على الاستسلام، هي الان متغلغلة في مسالك أنفاسه، متصلة بأعصابه وحواسه اتصال الروح بالجسم، فكيف له أن يتعافى منها؟، وحتى متى يخمد هذا الصوت المفعم بالمشاعر والأحاسيس؟، ليت شعري متى يتاح له أن ينداح في بوحه، أن يكشف لجارته الغيداء التي ترفل في ثوب السعادة والهناء مع “زوجها” مكنون سره.

3-

يضايقه الان نكول جنانه، وقصور لسانه، عن الإفصاح لزوجته التي أودع الله فيها أشتات المناقب، وانتظمت عندها عقود المحامد، الأسباب التي جعلته ينتزعها من جارتها الودود انتزاعا، ويحجب عنها رقة طبعها، ودماثة خلقها، مازالت زوجته الحانية تجهل الدوافع التي أجبرت زوجها لترك ذلك الحي الراقي الذي كانوا يقطنون فيه والفرار إلي الآجام والدّحال ورؤوس الجبال.

***

د. الطيب النقر

 

في كل نهاية رأس السنة.، أتذكر الملاك في منطقة فيلانوف / في العاصمة البولندية "وارسو" عام 1999/ في إجازة أعياد الميلاد، جلست بعد الغروب أمام مقابر بالقرب من المركز الثقافي الإسلامي مكان إقامتي في بولندا، يأتي زوار المقابر بوضع الشموع والأزهار علي القبور قبل الغروب ، ذهبوا جَمِيعًا، وأنا جالس أتأمل فقط للطقوس في حالة صمت رهيب وحيد غريب،

الشوارع متوحشة من الثلج والضباب وشتاء قارص، والبواخر راسية في الميناء، وأشجار عيد الميلاد تَضَىء في النوافذ، والأجراس تقرع لمن تقرع الأجراس...؟

لماذا نحن غرباء في أعياد المدينة...؟

لا أحد يأتي، لا أحد يذهب \"

مازلت أنظر على الطريق، ما عندي عمل غير أنظر على الطريق، الثلج والضباب والمطر، وفجأة توقفت الحافلة أمام محطة الحافلات أمامي ونزلت الملاك، صبية كاملة الأركان أنها (راهبة) بالزي الأسمر والأبيض اتجهت ناحيتي، انتفض جسدي أنها لوحة" لصورة ملاك"،

ابتسامتها العريضة تقاسيم وجهها لم أرى هذا الجمال من قبل، الأجراس تقرع وصوت "فيروز" في مسامعي وهي تنشد في مشهد يَاقُدُسُ

أمام كنيسة المهد، ما زالت الملاك تنتظر وتنظر ناحيتي،

اقتربت مني وتحدثت أنا أتحدث بعض الكلمات البولندية قليل جِدًّا، من لغة الإشارة عرفت أنها تسأل عن مكان (الدير) وكان في شارع جانبي قريب في نفس الشارع الرئيسي، مازالت تبتسم، وتتحدث فهمت أنها سوف تأتي فترة الأعياد كل يوم إلى الدير في نفس الميعاد، وإنها من مدينة 'كراكوف"، بدأنا السير إلى الدير، واستمر الحال كل يوم انتظر بعد الغروب علي محطة الحافلات، حتى جاء يوم الوداع، طلبت منها "قبلة عذرية"، لقد سَكَرَتْ مِنْ الْهَوَى سُكْرًا،، فبتعدت وقالت اعقل يافتي فأنا حورية... إنها ملاك في معقل عاصمة الشيوعية سَابِقًا،،وذهبت الملاك، وسافرت بعد شهور إلى " ألمانيا" وجاء عيد الميلاد ولكن دون الملاك، بدأت الأحلام وتخيلت أن تأتي في نفس الميعاد ومن ذاك الطريق،

لماذا لا تأتي من النوافذ...؟

لماذا أنتظر في الصيف وأنتظر في الشتاء،

وليس فيه أحد  يذهب ولا أحد يجيء...؟ احتمال تطلع من الأحراش، ونذهب  نلعب في البرية لعل نسمع صرخة  النبي يحي (أنا صارخ في البرية ) ، ونكتب على الأحجار لكن جاء الثلج وذهب الثلج وعشرين مرة جاء وذهب، ما أحد جاء ولا أحد ذهب.، أنا من عشاق المطربة" فيروز" ومع الأحداث الجارية في فلسطين،دَائِمًا استمع إلى أغنية يَاقُدُسُ

والموسيقي التصورية "للبيت العتيق" وصوت الأذان مع أجراس الكنائس وصور الراهبات في القدس،  (الأحلام التائه) معي في المنام  بعد أنصار فيه قتال، ومع القصف وصوت فيروز، ماتت الملاك في القدس: هم قتلوا الملاك في النهار، لماذا قتلوا الملاك الصهاينة؟ ما عاد فيه ناس وما عاد فيه شتاء، ولا ثلج ولا شارع وسقط البيت العتيق، ما عاد فيه وطن ولا عاد فيه أشجار، وجف دمع الزهر وما في فوانيس. أين ذهبت فوانيس الشارع من القصف. قلت فيروز تكذب، مؤرخة الحارة وزمن الفوانيس ونواطير العنب وشايف البحر شو كبير كبر البحر بحبك.

ذاك زمن القلوب الكبيرة التي تقيس بحجم البحر. زمن الفن الجميل وزمن الحب العذري...؟ نحن في زمن شايف حجم السيارة والبيت والبطاقة المصرفية شو كبير...؟ حسب حجم السيارة بحبك.،،، انتهى زمن الأطفال الكبار ورقصات الشوارع ومواسم الحصاد ودخلنا في زمن الأقزام والزبائن في مقاهي صفحات التواصل الاجتماعي وطابور يدخل وآخر منتظر. ومازالت تحكي البنت المجنونة فيروز عن :صيف وشتاء،، وعن مواسم العصافير وعن صبي يأتي من الأحراش ..!

كل شيء كان\" غير الشكل \"، غير شكل الزيتون وغير شكل الليمون وكان غير شكل اليانسون وحتى أنت غير شكل، حتى رفيف العصافير كان غير شكل. أين ذهبت العصافير...؟ لماذا انطفأت فوانيس الطرقات...؟ ما في أحد ينظر حدا. كان زمن يأتي العصفور جاب سلام وينفض جناحه على الشباك وهو يحمل سلام ويخفي الأسرار في جناحه، قبل زمن الزبائن خلف الشبابيك وخلف غرف النوم في انتظار الدور...!!

لا أحد راح ولا أحد جاء، ما فيه أحد صار يظهر في الطريق، لكن عيون الملاك الصبية تأتي من الأشجار، وتأتي من الضباب وتأتي من الأحراش، وتأتي من الأيام وتأتي من الأحلام، وتأتي في سنوات الغربة، وتأتي من المشاوير ومن ورق الخريف. أنا أَيْضًا سألت شجر اللوز، ورسمت على المشاوير، ونتظرت في الصيف ونتظرت في الشتاء، ونذرت شمعة وقلت خليني دمعة بدربك، وشفت بالصحو وجاء من الصحو في مواسم العصافير، لكن، لا أحد جاء ولا أحد ذهب،

ومازلت أنتظر وعيني

على الطريق في انتظار الملاك من الدير.

***

محمد سعد عبد اللطيف -  كاتب وباحث مصري

 

كلنا بشر مهما كان ديننا أو لوننا أو عرقنا أو ثقافتنا. كلنا بشر سواء كنا أطباء او مهندسين أو عمال في مصانع الحديد. لكن كلمة إنسان وإنسانية تتطلبُ قيمةً إضافية كي يتحول البشر إلى إنسان بمعنى الكلمة. أما الثقافة فهي من حيث الأساس معلومات، تتحول إلى ثقافة حين يضاف لها قيمة إنسانية حضارية. وأنا سعيد الحظ لأنني تعرفتُ وإن كان في خريف حياتي على ذلك النوع من البشر: إنسان يمتلك معلومات ثقافية يوظفها في خدمة الإنسانية، وبالتالي فهو الإنسان المثقف الأمثل. ولست مُبالغاً فيما أقولُ قولي هذا، وليس من باب الصداقة، وليس تحزباً أو مناصرةً طائفية أو عنصريةً أو مناطقيةً، لأنها جميعاً غير متوافرة هنا. ولكن الذي اوصلني لهذا التقدير هو تجربتي القصيرة، بل القصيرة جداً في عمر الزمن. فلقد تعرفتُ على الدكتور محمد عبد الرضا شياع، وهكذا يفضل أن يُنادى باسمه الكامل على ما أعتقد، تعرفتُ عليه يوم 6 أيلول من عام 2020، الموافق 18 من شهر محرم الحرام عام 1442 هجري، حينما قدمتُ بحثي الموسوم " الدور السياسي والوطني للمواكب الحسينية" في منصة "الصالون العراقي- لوس انجلس". كان الدكتور محمد عبد الرضا شياع أول المعقبين، وقدم مداخلته ولم يكن لي معرفة مسبقة به. وكما هو متوقع في معظم المنصات الحوارية، يجتهد بعض المحاورين للبحث عن النقاط السلبية أو يطرحون أسئلةً لأحراج المتحدث. على العكس من ذلك كان الدكتور شياع. لم يكن تقييمه للبحث إيجاباً فقط، وإنما أبدى إعجاباً بحماس، داعياً منصة الصالون العراقي لنشر هذا البحث على أوسع نطاق، لأنه بحث يُسلط الأضواء على الدور الإيجابي للمواكب الحسينية. بطبيعة الحال تقييمه أبهرني وأسعدني وشجعني، لأن البحث لم يكن سرداً لما هو مألوف عن واقعة الطف ومراسيم إحياء ذكراها، خاصة إن البحث مُقدم من قبلِ شخصٍ علماني يساري. بعد ذلك بحوالي أربعين يوماً قدّم الدكتور محمد عبد الرضا شياع، وعلى منصة الصالون العراقي، بحثه الموسوم "تداخل الأنواع الإبداعية وتشكيل النص: بابلو رويث بيكاسو وعبد الوهاب البياتي أنموذجاً". وكنت أحد المشاركين في اللقاء. بدأ الدكتور بالحديث بلغته العربية الفصحى، والتي كانت فوق المستوى اللغوي لمعظم الحاضرين وأنا واحداً منهم. كلماته ليست من مفرداتنا اليومية، بل حتى ليست مفردات عربية مألوفة في لغتنا العربية او أي مؤلف باللغة العربية. كانت لغته أقرب إلى اللغة الشعرية للعصر الجاهلي أو مفردات لا يستعملها سوى كبار الأدباء أمثال المتنبي والجواهري. أحسَ الجميع من ان المتحدث فوق مستوانا ليس بقليل، وانما بفارق شاسع. لم يتجرأ أحد أن يكتب تعقيباً في الدردشةِ أو يرفع يده لطلب المداخلة. أمر غير مُعتاد ومخجل وربما سوف لن يحاور أحد ضيف البرنامج. قبل انتهاء الدكتور من محاضرته، وصلتني رسالة على الخاص من أحد مديري الصالون طالباً النجدة، بقوله: "اترجاك أبو عامر حضر سؤال أو سؤالين، وإلا سوف نشعر بالخجل مع الدكتور". حقيقة الأمر إن الدكتور في الجزء الأول من بحثه عرض صوراً لبيكاسو وفي الجزء الثاني قرأ نماذج شعرية وأحداثاً ومفارقات استأنس لها الحضور. لحسن الحظ أني مُطلع على بعضٍ من شعر عبد الوهاب البياتي خاصة ترجمته لشعر الشاعر التركي ناظم حكمت، وبعض أعمال بيكاسو خاصة الرسوم التكعيبية منها. لم افتعل الحوار لأني فعلاً وجدتها فرصة لا غنى عنها كي استفيد من معلومات ثقافية، هي ليست معلومات مجردة.  لأن المحاضر يُحللها ويقارنها ويقيمها ويمنحها قيمة ثقافية في الميزان العام للثقافة. بدأت كلامي من أن هذه المحاضرة قد حققت طفرة ثقافية في مستوى المحاضرات والبحوث التي تُقدم في الصالون العراقي، ورجوته أن يزيدنا مستقبلاً منها. كنت صادقاً في ذلك لأنني شعرت من إضافة المحاضرة لي معلومات جديدة، وتعرفت على مصطلحات لم تكن لها سابقة في قراءاتي. طرحت عليه أربعة تساؤلات، أجاب عليها بكل سلاسة ووضوح وكان متفقاً مع معظم تساؤلاتي بدلاً من أن يكون مناهضاً لها، وهذا ما شجع الآخرون للمشاركة في العديد من المداخلات. كان لهذين الحدثين وقعاً مؤثراً في نمو العلاقة الثقافية بيننا، والتي تحولت إلى علاقة صداقة شخصية وعائلية أعتز وأفتخر بها.  دعاني أبا إيناس لزيارته في سانت دياغو وكانت دعوة كريمة التقينا فيها العائلتين مع الأستاذ عقيل العبود وعائلته ومجموعة أخرى من العوائل الكريمة. كانت نزهة على الشاطئ الذهبي لجنوب كاليفورنيا، تمتعنا بالسمك المسكوف الذي أشرفت عليه إيناس البنت البكر للدكتور. كذلك تعرفنا على أبنائه مهند ومرتضى وابنته الصغرى فاطمة. عائلة يصعب وصفها. الأبناء والبنات يدورن حول أبيهم ويحضنون الضيوف بقلوب صادقة وبنية صافية تتحسسّها من أول لحظة. ثم جاءت المفاجئة الكبرى حينما أعلن الدكتور شياع المباشرة بإنشاء منصة "مجموعة زينب كحل الفردوس الثقافية". اعتقد انني كنت من الأوائل الذين اطلعوا على هذا الأمر، وتمنيتُ مخلصاً النجاح لهذه المنصة الثقافية والتي كنت متأكداً من إنها ستكون مصدر إشعاع ثقافي وعلمي نحن بأمس الحاجة إليه. وهذا ليس كل ما في الموضوع. إذ يبرز دور الدكتور شياع كونه مخلصاً ووفياً لزوجته التي رحلت ليس بالأمد البعيد، حين سمى المنصة باسمها وباسم مشروع كتاب كان يعمل معها لإنجازه. إلا أنها رحلت بأمان الله، فشيد لها زوجها الوفي حسنةً جاريةً تستمر مادام هناك أثير في الكون. والدكتور محمد عبد الرضا شياع لا يشبه   معظم المثقفين والأدباء والشعراء الذين انفردت أو انعكفوا على ذواتهم ولحالهم في صومعة مغلقة على أنفسهم. كلاً فإنه من اليوم الأول قدم مشروع زينب كحل الفردوس على إنه مشروع عائلي يُساهم فيه أبنائه الأربعة إيناس ومهند ومرتضى وفاطمة. كل واحد منهم له دوره في البحث والأعداد والتنسيق وتقنية الزوم ومصاعب العالم الرقمي في النشر والتوزيع. يا لها من عائلة مباركة متعاضدة مُتآزرة لإنجاح مشروع ثقافي حيوي. ومع ذلك يبقى الفضل الأكبر لربان السفينة التي آمن من إن مرساها ومجراها لا يعتمد فقط على الربان وانما كذلك على سواعد وهمة الكادر المرافق له. ولم يكتفِ هذا المثقف الأنسان بذلك، حيث ان مشروعه كان ليس ندوة أو محاضرة وسؤال وجواب، انما جاءنا بمفهوم جديد، ففي كل جلسة تحتفل المجموعة بالمحاضر، تبرز أعماله ونشاطاته وإنجازاته الأدبية والفكرية. حيث يقدم الدكتور شياع دراسة موثقة عن المحاضر تتضمن معلومات واسعة ومنظمة عما قدمه المحاضر من استحقاقات إسهامات تحسب له في مجال المعرفة والثقافة. وهذا جهد مُضنٍ ومتعب إلا أنه مُجدٍ يقدمه الدكتور لنا لا عن نفسه وإنجازاته التي ليست بالقليلة، إنما عن الآخرين الذين يستحقون التقدير والذين تقديمهم من على منصة مجموعة زينب كحل الفردوس فيه مساهمة وخدمة للمثقفين والثقافة عموماً. وأنا لا أنكر بهذا الصدد كم استفدتُ من هذه اللقاءات وكم تعرفت على أشخاص ومفاهيم لا يخلو قسماً منها من الغرابة والاندهاش في بعض الأحيان بالنسبة لي على أقل تقدير. والمفهوم الآخر الذي اجتهد في تنميته الدكتور شياع هو عدم اقتصار المشاركين على النخبة الثقافية العراقية في المهجر. إذ انه ربط ربطاً جدلياً بين النخبة داخل الوطن والعراقيين في المهجر. هذا من جهة ومن جهة أخرى فتح وباعتزاز واضح باب منصته على مصراعيها للنخب الثقافية ليس في المشرق العربي متمثلاً بمصر وسوريا والأردن وفلسطين فقط، وإنما في المغرب العربي لمفكرين من تونس ومصر والمغرب والجزائر. أليس هذا ما يسمى بالوحدة العربية!!! نعم إنه تطبيق حي للمفهوم الوحدوي العربي عن طريق الثقافة ولم الشمل إنسانياً وليس قسرياً كما تُفرض من قبل السياسيين. وللدكتور محمد عبد الرضا شياع فضل عليّ شخصياً. أولها إنه وعائلته منحوني وزوجتي صداقة لا مثيل لها، وكأننا نعرف بعضنا من عشرات السنين. صداقة يصعب تقييمها، أستطيع القول من أنها صداقة لا أستطيع الاستغناء عنها. وثانيهما إنه شجعني بحرارة على استكمال ونشر كتاباتي، حيث ساعدني في تقديم الكتابين "المناضل الصغير" و "شموع لا تُطفئها الرياح"، وفي تصميم الغلافين، وكثير من الإرشادات التي لا يراها إلا ناقداً متمرساً وصديقاً مهتماً بإنجازٍ لصديق له. وثالثها إنه مكنني ولا زال من ان أثقف نفسي أكثر واتعرف على نخبة أدبية ومفكرين مبدعين من خلال منصته ذات الاعتبار، منصة "مجموعة زينب كحل الفردوس الثقافية" التي أرى انها تسير باتجاه ان تكون أكاديمية ثقافية عُليا عبر الأثير بجميع أشكال وأنماط وسائل التواصل الاجتماعي. كما إنني أتمنى أن تجد هذه المحاضرات طريقها للنشر على شكل مطبوعات لتكون مصدراً مهماً للباحثين وطلاب الدراسات العليا. الأستاذ الدكتور محمد عبد الرضا شياع إنساناً متميزاً وقامةً أدبيةً لأنه يمثل صورة المثقف الأنسان بأبهى صورها، لما يملكه من نكران للذات وحبه المتناهي للغير وليس للأنا. إنه منار وقدوة لمن يريد المسير في هذا المشوار الثقافي الإنساني.

***

 محمد حسين النجفي

رئيس تحرير موقع أفكار حُرة

4 آذار 2023

للوهلة الأولى تبدو القضية عاطفية نوعاً ما، فمن الصعوبة أن يتصور الصحفي الذي قضى عمره بين هدير المطابع ورائحة الحبر وسخونة الورق، حلول اليوم الذي تشرق فيه الشمس على الأرض من دون صحف ورقية، لكن هذا الأمر قد يكون مستساغاً للأجيال الجديدة من الصحفيين والقراء الذين استغنوا عن الورق واستبدلوه بشاشة الكومبيوتر والهاتف الذكي، يُقَّلبون صفحات الصحف والمجلات بيسر وسهولة مع تحديثاتها المستمرة للأخبار التي لا تتوقف مثل سيل متدفق، أضف إلى ذلك أخبار الفضائيات والمحطات الإخبارية التي لا يمكن أن تمنع نفسها عن إذاعة الخبر مهما كانت اهميته حتى مطلع الصباح.

ومناسبة الحديث عن مستقبل صحافة الورق ومدى صمودها أمام الصحافة الإلكترونية، هي قيام متحف الاعلام العراقي بتنظيم جلسة نقاشية عن مستقبل الصحافة الورقية، وذلك ضمن جلسات نصف شهرية أعد لها المتحف لتكون تحت عنوان" أمسيات عراقية " بعد مضي عام على افتتاحه، وحضوره الملحوظ في المشهد الثقافي العراقي بفضل الجهود المثابرة لمديرته مينا أمير الحلو التي تديره بحماسة ومحبة وكأنها تدير مشروعاً خاصاً تحقق فيه حلماً من أحلامها الجميلة. 

كثيراً ما يطرح السؤال عن مستقبل الصحافة الورقية على الكُتاب والصحفيين وأساتذة الصحافة والإعلام، من دون أن تكون اجاباتهم قاطعة بنعم أو لا، وذلك أمر بديهي بسبب طبيعته التي تنتمي إلى نمط من الأسئلة الاستشرافية التي لا يمكن البت بأجوبتها بصورة يقينية ومؤكدة وقاطعة. صحيح أن معطيات الحاضر تشير إلى سيادة المواقع الإلكترونية الخبرية، وعزوف ملايين القراء عن متابعة الصحف الورقية، وموت الخبر على أيدي الوكالات الخبرية، ومعها القنوات الفضائية التي تنقل الأحداث مباشرة، وتتقصى الأخبار وتتابع الأحداث أمام أنظار ومسامع المشاهدين في كل بقاع العالم، غير أن ذلك كله لا يعني موت الصحافة الورقية، ولا انسحابها النهائي عن مسرح الحياة، ولو إلى حين لم يحن أوانه بعد.

أمام هذه الحقائق، اختفت الكثير من الصحف الورقية، أو انخفضت مبيعاتها وتقلصت أعدادها ، وأكتفى الكثير منها بالموقع الإلكتروني، تقليصاً للنفقات وللجهد البشري، ومن أجل الصمود أمام الغول الإلكتروني الرقمي الذي ابتلع العشرات من الصحف والمجلات، وما زالت شهيته مفتوحة لابتلاع صحف ومجلات أخرى قد تجد نفسها مُجبرة في النهاية على الانصياع لمنطق السوق، منطق العرض والطلب الذي يحدد مدى الحاجة للسلعة.

هل نصحو يوماً على عالَم بلا ورق؟. قد يكون السؤال واقعياً، لكنه على أي حالٍ سؤال مزعج لعشاق الورق والصحافة الورقية .

***

د. طه جزاع

 

(النَّصُّ منقولٌ بتَصرّفٍ عن «خربشاتٍ مَسائيةٍ» لأخي أستاذ النحو؛ أحمد الرَّاشدي من بلاد الشام)

أيَّامَ ما كانَ العَاَلمُ كلُّهُ مُنهَمِكاً بتَبَتُّكٍ وتَهَتُّكٍ وبِصَلافة، يَتَقَصَّى عن أسلحةِ دمارٍ في أرضِ العراقِ بكَثافةٍ وكَسافةٍ وسَخافَة، وكأنَّ العالَمَ رَاهبٌ هُمامٌ وديعٌ في دَيْرِ سلامٍ بَديع مُتَنسِّكاً باعتكافِه، كانَ «أبو حذيفَةَ» مهندساً شَغوفاً بعلمِ «المِيكانيك» وبأصنافِه، يعملُ في دائرَةٍ حذوَ دجلةَ جاثمةٍ على ضِفافهِ، فَتَوَجَّهَ صَديقُهُ منَ الشَّامِ الصُّحفيُّ «حُسام» محترفُ الصَّحافة رفقةَ «أبي قيس» مُتَدربٍ في فنِّ الإعلامِ والصَّحافة، الى بغدادَ ليحلّا على «أبي حُذيفةَ» في ضيافة، وبغيةَ إجراء حِوارٍ معهُ إذ هو مُتَوَرِّكٌ حذوَ النَّهر على أردافِه.

قالَ أبو قَيس لحُسامَ؛ دَعْنيَ أكُ المُحاوِرَ، فإن أخطَأتَ فقُمْ بالسّعالِ بلَطافَة، فأجَابهُ الحُسامُ أن نَعم، قدِ اتفَقنا وحذارِ من غَثِّ الحِوارِ أو انحِرافَه، فَوَصَلا إلى بَغدادَ فَاتَّجها صَوبَ شَركَة أبي حُذيفةَ فَطَلبَا لقاءَهُ بِظَرافة، وبعدَ السَّلامِ والتَّحياتِ قدَّمَ لهما أبو حذيفةَ لبنَاً وتمرَاً ثمَّ عصائرَ وشَطائرَ وكُنافة، ثمَّ قالَ حُسامُ لأبي قيس؛ إليكَ بنودُ اللقاءِ فيها حُدودُ الحِوارِ وقيودُ تطوافِه، فردَّ أبو حُذيفةَ؛ ما من داعٍ لقيودٍ في بنودٍ ودعِ اللقاءَ عَفَوياً بارتِشَافهِ وائتِلافِه، فَهَزَّ حسامُ رأسَهُ مُؤيِّداً باصطِفافِه، ثُمَّ انعَطفَ الثَّلاثةُ والتَفُّوا حولَ طاولةٍ بالتفَافة، وَبينَما كانَ حسامُ يضَبَطُ التَّسجيلِ غَمَزَ لأبي قَيس أنِ انطلقْ يا صاحُ في عالَمِ الاعلامِ والصَّحافة، فانطلقَ مُغرِّداً أبو قَيس باستشرافِه؛

نُرحِّبُ بالمُهندسِ أبا حُذيفةَ وخيرُ ما نُبْدَأُ بهِ ذا الحوارِ آيٌّ من قرآنٍ وألطافِه، فَسَعَلَ حسامُ فناوَلَهُ أبو حذيفة كأسَ ماءٍ بودٍّ ورَهَافة، فانتَبَهُ أبو قَيس فأعادَ الكَرَّةَ برَصانةٍ وحصافَة؛ يُسعِدُنا أن نبدأَ حَديثَنا بالنَّشيدِ الوَطنيِّ العِراقيِّ تَبجيلاً لأعرافِه، فَسَعلَ الحُسامُ ثلاثاً مُتَتابِعاتٍ بارتجَافة، فجَفَلَ أبو قَيس فأحضَرَ أبو حذيفةَ الكَأسَ لحسامَ المُتَبَسِّمَةِ أوصافه وهو يقولُ؛ أبو قيس فَتى من فتيانِ الصَّحافةٍ لكنَّهُ ذو ظَرافة، ومجبولٌ على حبِّ المناكفَةِ والطَّرافَة، والتَفتَ إلى أبي قَيس يَهمسُ بِشَنافَة؛ «فَضَحتَنا أبا قيس».

اسْتَأْنَفَ أبو قيس الحِوارَ واستكتِشافَه: هلّا حَدَّثتَنا عنِ العَملِ هنا «كابتنَ» أبو حُذيفة وعن أكنافِه؟ فَسَعلَ حسامُ خمساً وهوَ يَتَلعثَمُ ﻷبي قَيس: أستاذٌ أستاذٌ ﻻ كابتن، ثمَّ كأسُ ماءٍ آخرٍ لحسامَ المُغَلَّفِ بارتِجافِه. فَرَدَّ أبو حذيفة: عَملُنا يا كابتن هو هَندسيٌّ ويتمَحورُ كُلُّهُ حولَ علمِ المُسَنَّناتِ وأطيافِه، فأردفَ أبو قيس: فهَلّا أخبَرتَنا نبزَةً عن آليةٍ المُسنَّنِ والتفافِه؟ فَاحمَرَّ وجهُ حُسامَ فَسَعَلَ سَبعاً وفمُهُ مُرتعِشٌ إذ يهمسُ ﻷبي قيس بارتجافَة؛ هي نبذةٌ وليسَت نبزَةً، وقد بلغتَ بالحِوارِ ذروةَ انحرافِه، وصَيَّرتَ الحِوارَ تَخَرُّصاً وخُرافة، فقَدَّمَ أبو حُذيفةَ كأسَ الماءِ لحُسامَ بتَوَدّدٍ لإسعافِه.

أمسكَ أبو قَيس ورقةَ الأسئلةِ فقالَ؛ هلّا حَدَّثتَنا أبا حُذيفةَ فيما هَهُنا عنِ القنابلَ كما قالَ القائدُ باعترافِه؟ فتَشَرْنَفَ الحسامُ فسَعلَ تسعةَ عَشْرَةَ سَعلةً ولاتَ حينَ ثقافَة، فاسْتَطْرَدَ أبو قيس غَمزاً بحَاجِبَيهِ يَهتفُ بهتافِه؛ أعني هل لنا بنُبذةٍ عن تَصنِيعِ القَنابلَ وما عَنيتُ خِلافَه، فأصابتِ الحَازوقةُ الحسامَ واختَنَقَ منَ سعالِ بكثافة، فأحضرَ أبو حَذيفةَ صنبورَ ماءٍ بأُنْبُوبٍ الى دجلةَ مَمدُودةٌ أطرافِه.

كانَ أبو قيسَ ينظرُ لحسامَ مُدَندِناً يودُّ شرحَ أهدافِه؛ قلتُ نُبذةً نُبذةً وما قلتُ نبزةً واختلافَه، فانتفخَت أوداجُ حسامَ وهوَ يَشيرُ بإصبعِهِ إلى كلمةٍ في ورقةِ أبي قيس وإذ تَهتَزُّ أكتافَه؛ «مَنَاقِل»، فَهرعَ أبو قيس مُحاولاً رتقَ ما انفتقَ وايقافَه؛ هل لنا أن نَرى مَناقلَ قنابلِكمُ الظَّريفةِ بلمحةٍ واختِطافة؟ فَصَكَّ حسامُ الفَكَّ، وحَكَّ أبو قيس رأسَهُ وهوَ لا يَشكُّ باحتِرافِه؛ قُلنا نبذةً لم تُعجِبْ، قُلنا مَناقِلَ لم تُعجِبِ الحسامَ المُحتَرفَ للصَّحافَة.

أدرَكَ أبو حُذيفة إذ ينظرُ بِعينِ عَطفٍ لسعالِ حُسامَ وارتجافِه، أنَّ الحسامَ يبغي نطقَ كلمةٍ عالقَةٍ وتأبى الخروجَ من حِقافِه، رُبَما علقت مِن غَضبٍ على أبي قيس وانجِرافِه، رُبَّما من كثرةِ التقامِهِ للتَّمرِ دونَ الكنافة، فانكَبَّ أبو حذيفةَ لإسعافِه، فَرفعَ يَمينَهُ فدَفعَ بها بقوةٍ على ظَهر حُسامَ وتحتَ وأكتافِه، فخَرجتِ الكلمةُ العالِقةُ بزُعَافَة؛

«فَضَحتَنا».

[ وهكذا فإن كثيراً من الإعلاميين الذين يتصدون لإجراء الحوارات مع ضيوفهم، نراهم يفهمون في كل شيء إلا فن الحوار وأطيافه، فتكونُ محصلةُ الحوار كلمةً يتيمةً خرجت من فمِ الضيفِ في زحمةِ ألفِ كلمةٍ للمحاورِ مُتَعجرفةٍ جهولٍ وبصلافة].

***

علي الجنابي

 

يستمد نقاش الهوية الثقافية كنموذج مكناس أسسه اللازمة من النظريات الاجتماعية المتنوعة، والتي حتما تتوزع من حيث مكونات البنية الإثنية، وكذا من وضعيات أصناف الطبقات الاجتماعية. لكن، وازع القيم والمعتقدات المشتركة التكاملية قد وحدت المدينة بالجمع لا الإفراد. فالمدينة انطلقت قديما وحاضرا من الهوية الانفرادية (الفهم الذاتي الإثني) إلى الهويات المشتركة، وتطويق غياب التجانس والاختلاف.

فأنساق الهويات الجماعية قد نقلت المدينة من الهويات الخشنة الثقيلة نحو الهوية الناعمة والخفيفة، سواء في سلاسة اعتناق الهوية الوطنية الموحدة (تمغربيت). من تم نصل بدا نحو مفهوم الحديث عن الهوية والتطابق والاختلاف (علم التاريخ النقدي)، وهي مسألة نقاش الذات والهوية، التي يكون فيه الزمان صيرورة بين حاضر منفصل عن الماضي وعن المستقبل، مع حتمية الخوف من إمكانية ضياع الوعي من داخل الذاكرة التاريخية المشتركة.

حقيقة، لم يعد تراث مدينة مكناس رؤية عين مجردة واصفة، فاليوم أُحب الحديث عن مسألة تراث مدينة، ولن أنجر نحو حد التأصيل، وذكر التقسيمات والتعريفات، بل أرغب في مناولة تراث ماضي المدينة كخصوصية حضارية ولما لا تحويل الزمان الماضي إلى حاضر متحرك، وجعل الاختلاف في خدمة التطابق (عبد السلام بنعبد العالي / كتاب هايدغر ضد هيجل التراث والاختلاف).

من صدق الدفوعات، أن تاريخ مكناس تجده موشوما (التراث المادي) على جسم الساكنة وسمع آذانهم (التراث اللامادي)، من خلال ألقاب وأنساب تلتصق بشواهد المدينة العتيقة، وهذا طرح تقليدي لمفهوم التراث الذي يبحث عن التأثيرات والاستمرارية والامتداد. وقد يكون نفسه غائبا في وعي أحفاد السلف، من خلال النسيان الذي قد يسببه التقادم في مُركبات ذاكرة مدينة مكناس.

مسألة التراث تنتعش شدة في ملابسات سياسية وفكرية تخلط الحق بالباطل، ويمكن أن تكون ذات قيمة تحليلية وتفكيكية لقضايا مكناس التاريخية، و يمكن أن ترتعش الملابسات عند شط تقويض وتكسير ماضي المدينة باعتبار أن تراث نُخلفه من ورائنا، والحاضر يَسرقنا ضمن الذاكرة المضادة للمستقبل، حينها يتم التطويح الصريح بالمدينة في المستقبل بلا سند من  المرجعية التاريخية الذي ما ينفك يمضي.

 إن خلخلة تلك المركزيات المنهجية (الملابسات السياسية والفكرية) من تاريخ الماضي، وتهميش المدينة في الحاضر ما يفتأ يحضر بالمنغصات الشديدة، وهي خلخلة مَعيبة من حيث حساب الهوة السحيقة بِأُبَّهَة التاريخ الحقيقي بالمدينة، وهذا لا يتم كذاتية تعويضية لتقوية الوهم بخلود الحقيقة (نقد خرافة التراث)، وكسب رهانات الاختلاف والانفصال والتباعد في الزمن الحاضر والمستقبل كفرص مضادة، وتهديدات تدمر امتداد تراث المدينة.

فمحاربة التضخم في المفاهيم الماضوية (خرافة الوهم بالخلود)، وجعل المدينة تلتصق بالماضي فقط (الزمن الذهبي)، يُعتبر مدخلا أساسيا لتجفيف مستنقع العلاقة الفارقة بين ماضي المدينة وحاضر مكناس التي تبحث بُدا في امتلاك التنمية الذكية، وقد يغيب مفهوم الوحدة التاريخية (التقليد والحداثة)، لهذا لا زال تراث مكناس ينطوي على الخواء رغم امتلائه كقيمة مادية حضارية وطنية.

إن قراءة تاريخ المدينة بنيويا لا يقوض حاضرها ولا مستقبلها بالترهل، لذا يجب أن تمتد القراءة نحو كشف اللامنكشف، و تأصيل الذات قراءة بنيوية، لا يَنْخرها التباعد ولا الفراغات في الزمان و لا بياضات الأمكنة، ولا حتى الاختلاف المنصهر بلا معالجة صادمة للشوائب. فإذا كانت معايير القيم المتحركة تتجدد ضمن حوض المدينة المتحول اجتماعيا ووظيفيا، فإنه من الحتمي الاستفادة من الطاقات والإمكانات الكامنة ضمن مسألة التراث الصامت، في أفق نظرية إعادة التوظيف والتسويق المتكلم. ولما لا، محاولات ترتيب عمليات الإصغاء للأصوات المتعددة (التنوع والاختلاف) لتقوية خلود تراث مدينة مكناس في الحاضر والمستقبل، على اعتبار التراث يمثل ميزة الثقافة العالمة.

 نعم، هنالك قناعة بإمكانية التغيير على المدى القريب (تثمين المدينة العتيقة لمكناس، وإعادة التوظيف النموذجي) في حاضر ومستقبل مكناس، وذلك على مستوى المعرفة التامة بالسياسات العمومية للمدينة. فالنجاح في هذا الصنف من التحول يتمسك بجدوى نواجذ الدراسة الاستشرافية، ويمكن اعتبار هذا  الموجه الأساس لصناعة مكناس الجديد.

***

محسن الأكرمين

في المثقف اليوم