أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

صوت: الو.. مقهى النخبة؟.. هنا نيويورك اريد أيوب العربي.

أيوب: هو الذي يتكلم.

اصوت: ولو، انا الدكتور جافييه بيريزدي كويلار، الم تعرفني؟

أيوب: مع الأسف

الصوت: ولو انا الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، ما هذا؟ تكاد تنتهي مدة ولايتي ولم تعرفني او تحفظ اسمي

الصوت: بسيطة يا سيدي فنصف الوزراء الذين يتحدثون باسمي وبيدهم لقمتي ومصيري لا اعرف أسمائهم وبعضهم لا اسمع به الا عند تشكيل الوزارة على كل حال اهلا وسهلا، أية خدمة.

الصوت: تعرف ان الاستعدادات بذكرى الإعلان عن حقوق الانسان قد بدأت.

أيوب: أي انسان! الانسان الآلي؟

الصوت: لا.. لا الانسان العادي الذي من لحم ودم ومشاعر، الانسان الذي يزرع لنأكل، ويغزل لنلبس ويمت لنحيا.

أيوب: وما علاقتي انا بهذا الموضوع؟

الصوت: ان الأمم المتحدة معنية هذا العام بإقامة احتفالها السنوي بهذه المناسبة في احدى دول العالم الثالث.

أيوب: ولم تجدوا سوى دول العالم الثالث مكاناً للاحتفال بحقوق الأنسان؟

الصوت: لا ، لأن هذه الحقوق في تلك البلاد وخلافاً للتقارير ما زالت موضع شك، ولهذا وجهت الدعوة الى كبار الكتاب والفنانين والتكنوقراطيين للمساهمة في هذا الاحتفال ليأتي فليماً وثائقياً وشهادة حية اقف من خلالها على واقع هذا الانسان وطموحاته وعلى العوامل التي تجعل وتيرة نموه اقل بكثير من طاقاته وإمكاناته واريدك ان تشرف عليه شخصياً من حيث استقبال المدعوين وملاطفتهم وترتيب أماكن جلوسهم ومراجعة كلماتهم، انني اعتمد كثيرا على خبرتك وحكمتك في نجاح هذا الاحتفال.

أيوب: ولكني تركت الادب والسياسة منذ زمن بعيد.

 الصوت: هذا ليس موضوعاً سياسياً او أدبياً انه موضوع انساني. هل تخليت عن انسانيتك ايضاً؟

أيوب لا ولكنك فاجأتني بمهمة خطيرة ليس عندي أي استعداد نفسي او معنوي للاضطلاع بها ليس عندي حتى الثياب اللائقة لائقة لأظهر بها في هذه المناسبة

الصوت: سترتدي ثياب الأمم المتحدة

أيوب: حسناً، وزمتن ومكتن الاحتفال؟

الصوت: كل هذه المعلومات ستصلك برقياً في حينه.

أيوب: والتعويضات!

الصوت: ستكون مغرية وبعملة البلد المضيف.

أيوب: لا انا يساري ولا أقبض الا بالدولار

الصوت: كيف صرت يسارياً بين ليلة وضحاها؟

أيوب: كما صار الاستاذ محمد حسنين هيكل. هل هو احسن من غيره؟

الصوت: جهز نفسك للسفر فوراً.

***

أيوب: وما ان وصلت الى مكان الاحتفال حتى هرع كبير الموظفين المكلف بمرافقتي للاطلاع على كافة الإجراءات المتخذة، يشرح لي الآمال المعلقة على هذا الاحتفال وسط بحر من الوفود والصحفيين والمصورين والمراسلين الذين تقاطروا من جميع ارجاء اسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية هذا يعبئ غليونه وذلك يشعل سيجارة والذي راجع كلمته والذي يختصر منها او يضيف عليها وضحكات من هنا وتعليقات من هناك وما ان بلغت القاعة المخصصة للاحتفال حتى صرخت بمرافقي: ما هذه الفوضى؟ من سمح لهم بالجلوس بهذا الشكل العشوائي؟

المرافق: لقد اختار كل وفد مكاناً وجلس فيه وليس عندي أي سلطة تحول دون ذلك.

أيوب: اما انا فعندي مثل هذه السلطة ، ثم من هؤلاء الذين يجلسون في الصف الأول ويلفون ساقاً على ساق بكل هذه العظمة؟

المرافق: وفود من الدول العربية.

أيوب: وماذا جاؤوا يفعلون بهذه المناسبة؟ من وجهه اليهم الدعوة؟ ما من مؤتمر او مهرجان او مناسبة حقوق الانسان او حقوق الملاحة او حتى حقوق الفقمة الا ونراهم جاهزين بكلماتهم وتوصياتهم وبرقيات تأييدهم واستنكاراتهم. يا الاهي هل ينامون بثيابهم في المطارات؟

اخرجهم حالاً من القاعة كلها بل حتى لو وجدت في هذا المبنى ولو "تواليت عربي "سأقدم استقالتي وانسحب

المرافق: الا يمكن ان نسمح لهم بالبقاء كمراقبين؟

أيوب: مراقبين على ماذا؟ على حقوق الانسان؟ هل انت اجدب؟ هل يؤتمن الثعلب على الدجاج؟

هيا.. ليغادروا المكان ولتقف جميع الوفود في الزاوية ريثما اعيد ترتيب الجلوس حسب هذه اللائحة التي اعددتها بنفسي فهناك أصول ومقامات يجب ان تراعى في مثل هذه الأحوال.

 المرافق: وهذه لائحة يا سيدي بأهم البحوث والموضوعات التي ستلقى في الاحتفال هل اتلوها عليك؟

أيوب: طبعاً وبسرعة.

المرافق: كلمة الافتتاح سيلقيها الدكتور خوريا موريا من الارجنتين عن الجذور التاريخية لحقوق الانسان عند جان جاك روسو ثم يعقب عليه الدكتور غوهوموهو من افريقيا الوسطى بمقولة ديمومة الانسان لهيغل

أيوب: عظيم ولكن أسرع.

المرافق: ثم هناك التكنولوجيا ومستقبل الانسان

الميثولوجيا وطقوس الانسان

فولتير وروح الانسان

بيكاسو وضمير الانسان

بريجينسكي وجد الانسان

شوبان وشفافية الانسان

ثم بيتهوفن وعظمة الانسان والحركة الرابعة من السنفونية الثالثة وقدر الانسان

ثم اسيا تنهض

أمريكا اللاتينية تتمخض

افريقيا تتحفز

أيوب عظيم والان يجب ان يكون ترتيب الجلوس على الشكل التالي:

في الصف الأول يجلس الحدادون والنجارون والسباكون والمقاولون والمهربون وأصحاب الملاهي والكباريهات

المرافق: سيدي ما هذا؟

أيوب: لا اريد مناقشة او اعتراضا من احد فهذا الترتيب نهائي وجاء نتيجة دراسة ميدانية في جميع ارجاء العالم الثالث ثم لو لم اكن موضع ثقة سيادة الأمين العام للأمم المتحدة لما كلفني بهذه المهمة وارجو عدم مقاطعتي بعد الأن.

يليهم في الصف الثاني أصحاب البنوك وتجار العقارات والموبيليا والمفروشات

يليهم السفراء والقناصل ورؤساء البعثات الأجنبية

يليهم القضاة والأطباء والمحامون والمهندسون

يليهم الطلاب والمدرسون والمقررون والمفتشون

يليهم العمال والفلاحون والحراس الليليون

يليهم الحمالون وماسحو الأحذية والباعة المتجولون

يليهم النشالون والجانحون وأصحاب السوابق

و أخيرا يليهم الكتاب والصحفيون وارباب القلم

ثم ليوضع في مقدمة الجميع بوط عسكري

و احتفلوا وناقشوا بعد ذلك حتى يورق الصوان

***

 التالية 9/ الحديقة قرب الغابة

 عبد الرضا حمد جاسم

 

يعكس الفن الهوية الثقافية، والتاريخية للمجتمع، ومن خلاله نتواصل مع جذورنا وتقاليدنا، فهو يمتلك السحر الذي يتخطى به الحواجز اللغوية والثقافية، مما يُمكّننا من ذلك التواصل العالمي.

في يوم السبت الماضي، تلقيت دعوة لحضور معرض في زيورخ. لم أكن   أعرف المعرض أو الفنان الذي يعرض أعماله.

جاء الفنان من لوزان، لكنه أحضر معه الروح الفنية (وكذلك الثقافية والتاريخية) لوطنه، في الحقيقة، هو قادم من العراق، أحد أقدم بلدان الثقافة والحضارة. ربما كان هذا هو الدافع الأكبر لحضوري المعرض الذي كان يقام في المدينة التي أعيش فيها منذ فترة طويلة.

من ناحيتي فأنا لدي رغبة دائمة في متابعة تيارات الفن الحديثة التي تُنتج وتُعرض في المكان الذي أعيش فيه. وأشعر بالفضول لرؤية القيم الفنية التي تُنتج خارج هذه البيئة التي أعيش فيها. بشكل خاص، تجذبني الأحداث الفنية التي تخرجنا من الروتين الفني اليومي، الذي قد يكون مملًا في بعض الأحيان. لذلك، أفضّل تلك الأحداث النادرة التي تحمل معها قيمًا فنية مميزة.

الفن يتخطى الحواجز اللغوية والثقافية، ويمكّننا من التواصل العالم

عندما قررت الذهاب إلى المعرض، كنت أعلم أن البلد الذي ينتمي إليه الفنان هو واحد من أقدم البلدان ذات الثقافة العريقة والتاريخ الدرامي. إنه يمتلك ثقافة قديمة. إنه الشرق، ملتقى طرق الثقافات المختلفة عبر التاريخ. وطن الفنان هو واحد من البلدان التي تتمتع بقيم خاصة في مجالات الفن والأدب. لديه أدب شفوي من أقدم وأجمل الآداب. وعلى أساسه، نشأ الأدب المكتوب. وكنت أعلم أيضًا أنه من هذا البلد جاء ذلك السرد الجميل، والدرامي لألف ليلة وليلة، وشهرزاد. من هناك جاء الفنان فائق العبودي، الذي ذهبت لرؤية لوحاته. ومن هناك، أتى للعالم أيضًا واحد من أقدم وأجمل الملاحم، ملحمة جلجامش، التي تمثل أول حضارة أدبية مكتوبة.

الفنان فائق العبودي عراقي جاء إلى سويسرا، كما جئتُ أنا في يوم من الأيام، نتيجة للعواصف التاريخية التي عانت منها بلاده.

في المعرض

كان الفنان سعيدًا، ودودًا، ويبدو أنه كان يشعر بالسعادة لأنه يعرض جزءًا من أعماله الفنية في زيورخ، لوحاته الفريدة من نوعها. لم أتواصل مع الفنان بلغته أو لغتي، بل بدأنا الحوار بلغة ثالثة، الفرنسية، ثم انتقلنا إلى تلك اللغة العالمية وربما الوحيدة التي تجمع البشر جميعًا، لغة الفن.

 تتميز لوحات فائق العبودي بتقنية خاصة. فهو يستخدم الأكر يليك على الخشب والقماش. تقريبًا، جميع لوحاته كانت تحمل خلفية سوداء، مما أضفى عليها قوة خاصة، وغموضًا فريدًا، ربما كان اللون الأسود الثقيل هو الذي منح التعبير الفني للفنان وزنه الخاص، الفنان بصفته محترفًا، يعلم تمامًا أن الأسود يجب أن يُستخدم بدقة، وإلا فإن الإفراط في استخدامه قد يصبح خشنًا، ويفسد جماليات الفن، ولكن فائق العبودي أضاف إلى الأسود مجموعة غنية وحيوية من الألوان الدافئة والمشرقة، مما منح لوحاته دلالات رمزية قوية.

هذا الاستخدام للألوان كان مستوحى بالكامل من روح الشرق، وعند تأملي في لوحاته، كنت أحيانًا أشعر بحرارة النار وأحيانًا أخرى بلهيب الشمس. وفي لوحة أخرى، كان يظهر ضوء أصفر يشبه ضوء القمر، وفي مكان آخر، كنت أرى ألوانًا خضراء تشبه واحة في الصحراء، تعلوها لمسة من الزرقة السماوية البعيدة. وفي بعض الأحيان، كانت تظهر خطوط حمراء تُذكرنا بالأحداث الدرامية التي مرت بها بلاد الفنان عبر القرون. تلك الألوان توضح للمشاهد أن التاريخ في وطن الفنان فائق العبودي كان مليئًا بالأحداث العنيفة. وقد حوّل الفنان هذا الواقع التاريخي العاصف إلى واقع فني، مما جعله ذاكرة تاريخية. فمن خلال فنه، يعبر الفنان عن كل الألم الذي تسببه الأحداث التاريخية.451 faeq

أبجدية قديمة تحولت إلى رمز للتواصل الفن

بينما كنت "أقرأ" لوحات فائق العبودي، شعرت كما لو أنني أشاهد أجزاء من مآسي العصور القديمة، بل حتى مآسي أيامنا هذه التي يتم تجسيدها على مسرح التاريخ. بهذا، تتواصل لوحات فائق مع العصور، مع الأحداث، ومع الدراما التي تحدث في مسرح التاريخ. من خلال فنه، أنشأ فائق لغته ورموزه وطريقته الخاصة في التعبير الفني.

تتميز لوحاته بأنها تحتوي على عدة لوحات أصغر داخل اللوحة الواحدة، فقد أنشأ في بعض اللوحات خمس، أو ست، أو حتى ثماني لوحات أو محتويات. لقد تمكن فائق من إنشاء لغة تواصل خاصة بلوحاته، حيث أدرج في أعماله حروفًا وعلامات ورموزًا. وبذلك، تواصلت لوحاته مع الجمهور عبر هذه الرموز الفنية.

في الحقيقة استخدم فائق العبودي في جميع لوحاته حروفًا من أبجدية قديمة تعود لآلاف السنين، من خلال هذه الأبجدية اللغوية القديمة، أنشأ فائق أبجدية فنية حديثة. وبهذا، وصل بين العصور المختلفة، ربط بين القديم والحديث، بين الماضي والحاضر، وبينهما جميعًا وبين المستقبل.

الفنان فائق العبودي هو فنان يتواصل مع العصور، مع الفترات الزمنية، ومع الأحداث. وفي هذا التواصل، يتجلى بوضوح فهمه الفني، وطريقته في التعبير عن اهتماماته، والرسالة التي يريد إيصالها إلى الجمهور المحب للفن.

بينما كنت أغادر المعرض، شعرت وكأنني ما زلت أتحدث إلى العصور الفنية القديمة، وكأنني ما زلت أقرأ تلك الألواح الطينية التي كتبت عليها، قبل 5000 سنة، ملحمة جلجامش، واحدة من أروع الأعمال الأدبية المكتوبة.

***

Gani Baytyçi

فنان وناقد من البانيا

..........................

* مقالة نقدية للناقد والاعلامي الالباني غاني بأتياسي عن معرض الفنان التشكيلي فائق العبودي في المركز الثقافي العربي السويسري / غاليري الأرض في زيورخ الذي افتتح مساء السبت 19/ 10/ 2024

الحياة الشعرية غير المتوقعة لوالدي

بقلم: جريتشن ماركيت

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

كان والدي يعرف أسماء السحب وكان يستطيع أن يخبرنا بما يحترق من لون الدخان في المسافة. كانت بلدتنا صغيرة، ورائحة المصنع كانت تشبه رائحة الزهور المتعفنة لكنها لم تصل أبدًا إلى الشارع الرئيسي، حيث كنا ننتظر في الرابع من يوليو لسمع صوت كسر الحلوى الصلبة على الرصيف، مشاهدين والدنا وهو ينظم حركة المرور بصافرته. قضيت معظم طفولتي المبكرة معتقدًا أن هذه هي حدود وظيفته.

كان والدي دائمًا يريد منا أن نكون في فرقة موسيقية، لكن لم يكن أي منا جيدًا في العزف، ولم نصل إلى ما بعد صف الموسيقى في الصف السادس. ما زلت أبكي في العرضات—وجوه الأطفال تتورد تحت قبعاتهم. من المؤسف أن أخيب ظن والدي.

قبل عدة أشهر من صدور كتابي، سألني صديق إذا كان هناك أي شيء فيه قد يزعج والديّ. الحقيقة أن والديّ قد قرأوا النسخة الأطول من المخطوطة منذ زمن بعيد، بعد أن وقعت على عقد النشر. اتصل بي والدي في الليلة التي أنهى فيها قراءة الكتاب. قال: "لاحظت أن لديك الكثير من البرتقال في كتابك."

كان والدي يرتدي حزام سلاح جلدي يصدر صوت طقطقة عندما يخلع معطفه ويجلس لتناول العشاء، مصحوبًا بصوت جهاز الاتصال اللاسلكي الذي يهمس بأخبار عن شجارات في الحانات عبر النهر. لقد قتل حيوانين مصابين بداء الكلب عند حافة حديقتنا— واحد كان حيوان زباد محاصر، والآخر كان راكونًا سقط من شجرته وكأنه مغطى بزهور الكتالبا. كنا نعيش خارج المدينة، ولم يكن هناك ما نخاف منه، على الرغم من أنه في إحدى الليالي، فتحنا الباب لامرأة كانت شفاهها مشقوقة وعينيها منتفختين. اعتذرت قائلة: "أنا آسفة، لكن سمعت أن هناك شرطيًا يعيش هنا."

كان لديه 30 دقيقة فقط لتناول العشاء، لذا في الليالي التي كان يعمل فيها، كان هناك شعور بوجود ضيف. كنت أنا وأختي نزحف عليه، ونريه الصور التي رسمناها في ذلك اليوم - قوس قزح بألوانه العكسية، وشجرة بطائرها الأحمر غير القادر على الطيران، ومهر بساقي صرصور. في معظم الليالي، كان يحمل أخي الصغير أثناء تناوله الطعام. عند خروجه من الممر في طريق العودة إلى العمل، كان أحيانًا يشعل أضواء سيارة الدورية لنا. في بعض الأحيان، إذا كان لديه وقت، كان يعود إلينا حاملاً هدايا من محطة الوقود - كب كيك المضيفة لي ولأختي، وكعكة سوزي-كيو لأمي.

لم يكن والدي يتناسب تمامًا مع قسمه—وهذا جزء كبير من السبب الذي جعلنا في النهاية ننتقل بعيدًا. كان لديه قاعدة—إذا كان يمر بيوم سيئ، فلن يكتب أي مخالفات سرعة، بل فقط تحذيرات. لم يكن يريد نقل مزاجه السيء للآخرين. وعندما تكون الأمور هادئة، كان يستخدم جهاز الرادار لقياس سرعة الأطفال في الحديقة وهم يركضون بجواره. لقد تم السخرية منه بسبب هذا. وكذلك لأنه لم يكن يذهب في رحلات صيد أو صيد السمك. ولم ينضم إلى فرق البولينغ، أو يذهب للتزلج على الثلج، أو يشاهد كرة القدم.

في مرحلة ما، عندما كنت مراهقة، بدأ والدي يأخذ دروسًا في المدرسة التقنية القريبة. إحدى هذه الدروس جعلته يكتب مقالات شخصية. ساعده معلمه في نشر واحدة، عن تجاربه كشرطي في بلدة صغيرة. قامت والدتي بتأطيرها وتعليقها على الجدار في غرفة العائلة. وفي وقت لاحق، فعلت الشيء نفسه مع قصائدي.

انضم والدي إلى الجيش بمجرد تخرجه من المدرسة الثانوية، لأن الخيار الوحيد الآخر كان البقاء والعمل في مصنع الأحذية أو معمل التعليب. لكنه لم يهرب من العمل بنظام المناوبات. سألته في وقت ما عن الوقت الذي كان ينام فيه عندما كنا صغارًا. ولأنني أحببت هذا الأسلوب في الحديث، أتذكر بوضوح أنه قال: "سأكون في منتصف الليل حتى الثامنة هذا الأسبوع"، وتساءلت عما يعنيه ذلك. في كثير من الأيام كان يعتني بنا أثناء النهار بينما كانت أمي في العمل. قال: "الآن عرفت لماذا كنت أحاول دائمًا إقناعك بالنوم معي".

لم يكن أي من الحزن الذي شعرت به في كتابي مفاجأة لوالدي. فقد انفصلت عن شريك حياتي الذي دامت علاقتي به أكثر من ست سنوات، وعانيت لفترة طويلة بسبب ذلك. لقد أحبه والدي كابن له، لذا فقد فهم شيئًا ما عن الخسارة. وخلال فترة حزني، غادر أخي الأصغر في مهمته الثانية ــ هذه المرة إلى أفغانستان. كنت حطامًا في ذلك الصيف. لم أكن آكل أو أنام، وبدا الأمر وكأنني أشعر بالفزع. رفضت عرض والدي وأختي بالقيادة لمدة خمس ساعات لمساعدتي في الاحتفال بعيد ميلادي. اقترح والدي أن يأتي بمفردي ــ رضخت عندما وعدني بأنني لن أضطر إلى الشعور بالسعادة في وجوده. وأننا نستطيع فقط أن نتناول مشروبات البيرة الجذرية ونشاهد فيلم Hell Boy معًا. وأثناء زيارته لي، جلس بجانبي بينما حددت موعدًا مع الطبيب. بكى عندما ركب السيارة للمغادرة في ذلك الأحد. وقال: "هذا يشبه مشاهدتك تسقط من خلال الجليد".

قضى والدي طفولته مع إخوته، وهم يطلقون النار على زجاجات الكحول الفارغة خلف منزل جيرانهم المتنقل. كانوا قادرين على صفها وإسقاطها طوال اليوم دون أن تنفد. في مرة من المرات، عثر على قطة وولدت صغارها محاصرة في أحشاء جرار قديم. قضى طوال اليوم في تفكيك الجرار لإنقاذها، فقط لتقتلهم قطة أخرى في الليل. أخبرنا كيف وجد أطرافهم الصغيرة في العليّة المليئة بالقش. كانت طفولته في الغالب مجموعة من القصص مثل هذه.

لطالما اتصل بي من السيارة على مدى سنوات كلما كان هناك أي شيء له علاقة بالشعر على إذاعة NPR. أحيانًا لم يكن الأمر يتعلق بالشعر حتى—فقط شيء اعتقد أنه قد يثير اهتمامي، أو قد أرغب في الكتابة عنه. ذات ليلة، ترك لي رسالة صوتية: "مرحبًا غريتشين، إنه والدك. أتصل فقط لأنهم يجرون قصة على NPR عن امرأة ستصبح الأولى التي تصل إلى القطب الجنوبي بمفردها. قالت إن الأمر كان أصعب مما كانت تعتقد، وأن هذا هو اليوم الأول منذ انطلاقها الذي لم تبكِ فيه. لا أدري لماذا، لكن ذلك جعلني أفكر فيك. أردت فقط أن أخبرك أنها تبعد أقل من عشرة أميال عن هدفها الآن بينما نتحدث..."

من بين جميع القصص التي سمعتُها عن حياة والدي كشرطي، سواء من فمه أو من أفواه الآخرين، إليك الأسوأ. في إحدى الليالي، استجاب لنداء حول حادث. تعرف على السيارة على الفور، رغم أنها كانت ملتفة حول شجرة. كانت تعود لمراهق كتب له مخالفات سرعة من قبل، وكان قد اتصل بوالديه في بعض الأحيان ليخبرهم أنه كان يتسابق في الشوارع أو أنه كان يتجاوز السرعة القصوى على الطرق الريفية خارج المدينة. كان الصبي مستلقيًا في العشب خارج السيارة وقد تعرض حنجرته للكسر. بينما كان شريكه يتصل بالإسعاف، بدأ والدي ينفس في فم الصبي. أخبره شريكه بالتوقف، لكنه استمر حتى وصلت الإسعاف دون صفارة إنذار. لم يتوقف والدي إلا عندما لمست المسعفة كتفه. وعند العودة إلى المحطة، ضحك شريكه، وأخبر بقية رجال الشرطة في المحطة: "كان يجب أن تروا كيف كان يتنفس في ذلك الصبي الميت. ها، ها." عبر والدي الغرفة، ووقف وجهًا لوجه مع شريكه وقال: "إذا كان هذا ابنك، من تود أن يأتي؟ شخص مثلي أم شخص مثلك؟" هذه قصة أخرى لم أسمعها إلا عندما كنت قد كبرت.

في ليلة وفاة ذلك المراهق، وأثناء مغادرته المحطة، توقف والدي ليتحدث مع المراقبة، وهي امرأة تدعى ساندي وكانت صديقة له. بعد بضعة أشهر من تلك الليلة، سيتم نقل والدي جواً إلى المستشفى. ستكون ساندي هي التي تأخذ سيارة وتقود إلى منزلنا لتخبر والدتي. إن ذكرى ساندي وهي تسير على ممرنا الأمامي، ووالدتي وهي تراها وتقول بصوت مرعب ومستوي: "هذا ليس جيدًا، يا أطفال... هذا ليس جيدًا"، متجذرة في ذاكرتي. لذا، يبدو من المناسب أنه كان هو أيضًا من ناقش ما حدث مع ساندي بعد تلك الليلة السيئة التي مر بها. قال: "أعتقد أنني سأذهب إلى المنزل لأتناول مشروبًا."

عندما عاد إلى المنزل، كان الوقت متأخرًا، وكنا جميعًا نائمين. سكب لنفسه مشروبًا ثم جلس على طاولة المطبخ، ونظر إليه لبعض الوقت قبل أن يسكبه في البالوعة، ويخرج برتقالة من الوعاء الخشبي على المنضدة. جلس وقشر البرتقالة بعناية - بنفس الحرص الذي يقشره به من أجلي، حتى لا يتبقى لب البرتقالة - ثم أكلها ببطء، قطعة قطعة قبل إطفاء الضوء والتوجه إلى السرير في الطابق العلوي.

في المساء التالي، سألته ساندي عن مشروبه، فقال: "لم أشرب مشروبًا. تناولت برتقالة بدلاً من ذلك." فضحكت. أصبح هذا مزحة بينهما. "هل هو ليلة برتقال، ديفيد؟" كانت تسأله كلما غادر كل ليلة. كانت هناك ليالٍ كثيرة تُعرف بأنها "ليالي البرتقال"، لكنني لم أكن أعلم بذلك أبدًا.

عندما جاء والدي في عيد ميلادي، كان قد أخذني لتناول البيتزا واستمع إلى بكائي، ثم أخذني لتناول الإفطار واستمع إلى بكائي. وفي محاولة لإرضائه ولو بقدر معقول من الوقت، أخذته إلى حصن سنيلينج، حيث كان بوسعنا مشاهدة إعادة تمثيل المعارك العسكرية ورؤية أقدم مبنى في ولاية مينيسوتا، من بين أشياء أخرى. وفي ساحة انتظار السيارات، شاهدنا ديكًا روميًا بريًا ضخمًا يتبختر. وفي النهاية، اكتشف انعكاسه في جانب سيارة الجيب الجديدة اللامعة، وبدأ في نقره. كان الأمر صعبًا. بونك. بونك بونك. لقد مت من الضحك (يا له من أحمق!) حتى أشار والدي إلى أنني مؤخرًا كنت أتصرف كثيرًا مثل ذلك الطائر: أسوأ عدو لنفسي. قضيت معظم اليوم في التقاط الصور لوالدي الذي كان يلتقط صورًا لحصن سنيلينج. وفي متجر الهدايا، اشترى ديكًا روميًا محشوًا صغيرًا، على الرغم من حقيقة أنني كنت بالغًا جدًا. "توقف عن كونك ديكًا روميًا"، قال، وقبّل وجهي به.

بعد عدة أشهر، أثناء قراءته لمخطوطتي، صادف كل تلك البرتقالات في كتابي، بما في ذلك قصيدة بعنوان "البرتقالة"، حيث أذكر، بشكل خاص، كيف كان يقشر لي البرتقالات بعناية عندما كنت صغيرة. قال: "إنه غريب فقط. لم أخبرك بأي من هذا، لكن يبدو أنك كنت تعرفين على أية حال."

***

....................

الكاتبة: جريتشن ماركيت / مؤلفة مجموعة قصائد بعنوان "يوم مايو". وقد ظهرت قصائدها في مجلة هاربر، ومجلة باريس ريفيو، وأماكن أخرى. تعيش في مينيابوليس بولاية مينيسوتا.

https://lithub.com/my-fathers-unexpected-poetic-life

(هذي خَاطِرةٌ خَاطِفةٌ عَابِرَة، وعُيوبُها على كاتِبِها دابِرةٌ ودَائِرَة).

قد نَصَحَني غيرُ واحدٍ مُحتَرمٌ مُعتَبرٌ وبحَرفٍ وفيٍّ نَصُوحٍ؛ إن كنتَ للأضواءِ مَيَّالاً بجِنوح، وذا هوىً لأفيائِها سَيَّالاً بطَموح، فلكَ أن تَكفرَ بالتَّقوقعِ وتَفرَّ من حالكِ تَموضعِ مَقبوحِ. وأن تَنفرَ الى أماسيِّ أدبيةٍ في ملتقىً ومُنتدىً مَفتُوح، وتَنثرَ ذرفكَ هنالكَ بلاهِبٍ مِن لَهيبٍ جَمُوح، كراهبٍ من رَهيبِ ما يَخطُّهُ حَرفُكَ السَّمُوح. فعَسى ما لديكَ مِن لبيبِ نضحٍ نضُوحٍ، أن ينالَ استِحسانَ ناقدٍ مادحٍ بمدحٍ مَحمودٍ مَمدُوح. وهكذا نُصحُ النَّاصحِ كانَ خفيةً غير مَصدوح. فَرَدَدتُ عليهِ شاكراً بكلمٍ مُمتنٍّ صَبوح:

لا ناقةَ لي يا ذا عزٍّ في تَهي أماسيِّ سَقيمٌ حرفُها بَحُوحٌ، ولو تَرى إذ هيَ في كلِّ شيءٍ عَليمةٌ وبهِ تَنوحُ، إلّا في بيانِ الضَّادِ وجَمالِ مافي عَنانهِ من صُروح فهيَ عقيمةٌ وبهِ لا تَفوح. ولو ترى إذِ نَواديَ الضّادِ  بَهيمةٌ وعنهُ مُتَغرِّبَةٌ ومِنهُ مُتسرِّبةٌ كسُوح، ولبيانٍ سواهُ مُتحَزِّبَةٌ وبهِ مُتَحزِّمَةٌ بوضُوح. أوَلم تراها كيفَ إنًّها صَوبَ شِعرِ "الهايكو" لاهثةٌ ولم تزلْ تَشتَهيَ لهُ أن تغدوَ ولحرفهِ تلوح. فأمسَتِ الأمسياتُ غُرابَ بينٍ ناعقٍ أضاعَ المَشيَتينِ ذهاباً وحينَ يَروح.

ثمَّ مَن لهُ طاقةً -ياذا حِجْر- في إنصاتٍ لأدبٍ مَسطوح، ويَصرُّ بريحِ لَغوٍ مَلفُوح، ويَجرُّ على مَسمعِهِ بشَذرٍ مَذرٍ مَسفُوح، مابينَ شعرٍّ يَزعُمونَ أنّهُ حُرٌّ، ونثرٍ يَخرُّ بالهَذِّ، ويَدرُّ لبَنَ بَقرٍ غيرِ مَنكوح. بقرٍ لا يدري ما البيانُ بل من جنانِ البيانِ يَفرُّ مُتَثاقلاً بنزُوح.

رحمَ اللهُ ﷻ"الفَراءَ" إذ حدَّثنا عن "الكسائي" فقال: [تَعَلَّمَ الكسائي النحو على كِبر، لأنه جاء الى قوم وقد أعيا، فقال عَيِيتُ، فقالوا له: تجالسنا وأنت تلحن؟ قال: كيف لحنت؟ قالوا له: إن كنت أردت من التعب فقل: أعييتُ، وإن كنت أردت انقطاع الحيلة والتحير في الأمر فقل: عييتُ، فأنفَ من ذلك، وقام من فوره فسأل عمن يُعلم النحو ، فدُل على معاذ الفراء، فلزمه ثم خرج الى البصرة فلقى الخليل ثم خرج الى بادية الحجاز] .

ثمَّ رحمَ اللهُ ﷻ العَبقريَّ"عباسَ العَقَّاد"الفَذَّ الفهيمَ النَّصوح، إذ نزعَ عن"طه حسين"وجوقَةٍ معهُ لحوحٍ، ولاهِثَةٍ نحوَ تَقليدٍ غَربيٍّ بجِمُوح، فنزعَ عنهم لباسَ أدبٍ أغبرٍ أبترٍ أعورٍ نَطُوح، فكانَ عاقبةُ العقَّادَ أن غضبَتِ الجوقةُ عليهِ ومعها إعلامُ الحُكَّامِ بتَغافلٍ مُتعمَّدٍ وبتَجاهلٍ مَفضوح، وأعصَبَتْ رأسَ"طه"بلقبِ "عَميدِ الأدبِ العربيِّ"، فانتصبَ"طه"مُصدِّقاً أنَّه هوَ العَميدُ السَّديدُ المَرجُوح. ثمَّ باركَ اللهُ تعالى في عُمُرِ العلّامةِ "فاضلَ السَّامرائيّ" إذ يقولُ بوضوح؛ "نحنُ اليومَ لا نَتكلَّمُ العَربيَّةَ ولا نفهمُ منها شَيئا"إلّا نَبحٍ مَنبُوح.

ثمَّ إنّي ما خطَطتُ هِذِي الخَاطرةَ إلّا بقلمٍ ذي قُرُوح، ومن وراءِ ألمٍ من مهرجاناتِ أدبيةٍ قبيحٌ ذرفُها، كسيحُ صَرفُها لكنهُ للعَوامِ غيرُ مَفضُوح. عَوامٍ  لا تَدري ما الفَصَاحةُ ولا البَلاغةُ من ذَوي لسانٍ أهوجٍ أعوجٍ بقُروح.

وإذاً فأنا -يا ذا عزٍّ - لا ناقةَ لي في رَحْلِ أهْلِ ضَادٍ جهابِذةٍ في كلِّ شيءٍ مُفَلطحٍ مَطرُوح، إلّا في جمالِ بَيانِ الضَّادِ وكَمالِ مافي عَنانهِ من صُروح. ألا فبُعداً لذا أدَبٍ في ذا دهرٍ كلُّ تَفهٍ وسَفهٍ فيهِ مَسمُوح، وتَعِسَ القَائلُ ولبئسَ المَقالُ الطَّافحُ من زفرةِ الأبطِ لا مِنَ نفرةِ الرُّوح.

***

علي الجنابي

مهرجان الجواهري في دورته الخامسة عشرة.

 

دمشق 2018

ما كدت أدلف خطوتين أو ثلاثا في بهو ـ فندق الشام ـ حتى هرع نحوي بالأحضان الصديق الأديب الفلسطيني حسن حميد سائلا عن أحوالي وأحوال تونس وأدبائها الذين يعرف الكثير منهم ثم التقيتُ بصديقي الشاعر العراقي جبارالكوازالذي لقيته أول مرة في بغداد سنة 1984 بمناسبة المهرجان الأول الشباب

واحسرتاه على ذلك المهرجان وعلى أيامه ولياليه التي قضيناها بين شعر وندوات ورحلات وسهرات

والحق أنّ صديقي جبار الكواز هو الذي تعرّف عليّ الأول فناداني وهو الذي لم يرني منذ تلك السنة متعجّبا من شعري الذي غدا أبيض

تلك هي سنوات العمر

مضت سريعا

لم تترك وارءها إلا القصائد والذكريات

إن مثل هذه اللقاءات بين الشعراء والأدباء العرب مناسبة مهمة للتعارف ولتبادل الإصدارات التي لا تنتشر في أرجاء البلدان العربية وحتى المعارض التي تنتصب هنا أو هناك ليس بوسعها أن تفي بالحاجة بسبب الرقابة الصارمة واِرتفاع تكاليف نقل الكتاب

من أصدقائي القدامى الذين لقيتهم في دمشق الأديب رشاد أبو شاور الذي ما أن أتممت قراءتي الشعرية حتى هرع إليّ مبتهجا بما سمع ثم ونحن جلوس في البهو اِسترجع بحنين ذكرياته في تونس من حين نزوله من الباخرة التي نقلته مع المقاتلين الفلسطنيين بقيادة الزعيم ياسر عرفات من بيروت نحو بنزرت سنة 1982 إلى أن عاد إلى الأردن غير مطمئن إلى الاتفاقيات التي أبرمتها المنظمة في أوسلوا وقتذاك ولم يكن الوحيد من الأدباء الفلسطينيين الذين أبدوا احترازهم من تلك الاتفاقية وذكر لي أن صديقنا الشاعر أحمد دحبور قد مات وفي صدره غصّة خانقة من الوضع الذي آلت إليه الحالة الفلسطينية

لا شك أن الانفسام بين الفصائل الفلسطينية والذي وصل أحيانا إلى الاقتتال هو من أهمّ الأسباب التي جعلت القضية تتخبط في المعاناة بعد المعاناة فعندما يتوحدون ويتحالفون ضمن جبهة واحدة آنذاك سيجدون درب النصر

كان يمكن لرحلتنا أن تكون من تونس إلى دمشق مباشرة مثلما كانت من قبل ولكن حكومة الثلاثي الحاكم بعد 14 جانفي 2011 أسرعت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع سوريا مما نتج عنه انقطاع الخط الجوي المباشر ناهيك عن المعاناة الأليمة التي يتحملها آلاف التونسيين المقيمين في سوريا للعمل أو الدراسة وتلك هي عواقب اتخاذ الإجراءات المتسرعة وغير المسؤولة والتي لا تراعي المصلحة الوطنية بل هي بسبب إملاءات وولاءات ما كان لبلادنا أن ترتهن لها فمن الأجدر بها أن تظل تونس منتصرة لقيم الحرية والعدالة والتعاون والحوار فتكون بذلك مساعدة على التقارب والتفاهم بين مختلف الأطراف سواء بالنسبة للشأن الداخلي لكل بلاد أو بالنسبة للخلافات بين بقية البلدان إذا ما اِستوجب الأمر ذل

تلك هي دمشق اِحتفلت كعادتها بالشّعر والأدب فالحياة فيها نابضة دافقة وقد تأقلمت مع ظروف الحرب فالأسواق عامرة والشوارع ناشطة والأرصفة مفروشة بالكتب واللّعب ولابدّ من مقهى النّوْفرة

و ما أمتع الجلوس ساعة في النّوْفرة بعد أن دخلتها من سوق الحميديّة ووقفت للحظات عند تمثال صلاح الدين الأيوبي ثم زرت الجامع الأموي وصلّيْت فيه ركعتين وهو الجامع الذي يمكن اعتباره تحفة فنية وذاكرة معمارية للحضارات التي عرفتها دمشق

مقهى النّوْفرة

أعود إليه بعد عشرين عاما فأجده كما هو يختزن ذاكرة ويبعث الصّفاء والمسرّة رغم كراسيه الخشبيّة القديمة وطاولاته الحديديّة المتهالكة ولكنّ كأس الشّاي المنتصب فوقها يعطي لها بهاء فلا تجده إلا في بعض مقاهي مدينة تونس العتيقة أو في حيّ خان الخليلي بالقاهرة

مقهى النّوفرة

والجالسون فيه من كل الأعمار

***

سُوف عبيد

مرت ثلاثة عقود على غرق السفينة استونيا، وما زالت الصحف في الدول المطلة على بحر البلطيق تتحدث عن المأساة كلما تحل ذكراها.

كان بحر البلطيق هادئا مساء يوم 27 ايلول 1994، حين ابحرت من ميناء تالين سفينة نقل الركاب التي تحمل اسم "عذراء استونيا"، في طريقها الى استكهولم حاملة حوالي ألف راكب من جنسيات مختلفة، غالبيتهم من السويديين والأستونيين، وبينهم فنلنديون. كانت سنة بناء السفينة في المانيا عام 1979. عملت في السنوات 1980 ـ 1990 بين مدينة توركو الفنلندية والعاصمة السويدية ستوكهولم، وفي الاعوام 1991 ـ 1993 عملت ما بين مدينة أوميو السويدية وفازا الفنلندية. في كل مرة كانت السفينة تحمل اسما يناسب خط النقل واهواء الشركة المالكة، فهي مرة Viking Sally، ومرة Silja Star، ومرة Vasa King، الا انها في كل مرة ومع تغير الشركة المالكة ظلت سفينة لنقل الركاب والسيارات بين شواطئ المدن الكبرى في دول بحر البلطيق.

يومها كنت شخصيا مع 98 عراقيا، نخوض محنة اليوم التاسع من الاضراب عن الطعام للخلاص من ورطة السجون الاستونية، بعد ان القت القبض علينا السلطات الاستونية، لتجاوزنا الحدود بشكل غير شرعي في طريقنا الى السويد. غدر بنا المهرب العراقي، حامل الجنسية السويدية والمقيم حاليا في كندا، وتركنا لمصيرنا المجهول بعد صرف على موائد القمار والعاهرات ما استلمه من العراقيين الذين وثقوا به وسلموه أجور نقلهم الى السويد.

هل كان السجن منقذا لنا من الموت؟ ربما!

كانت تالين في تلك الأيام محطة أساسية لعبور العراقيين، الهاربين من سجن كبير اسمه العراق، والحالمين ببلد يمنحهم سقفا آمنا بعيدا عن شرطة وسجون الديكتاتور المجرم صدام حسين وجبهات حروبه وزنازين سجنه وعذابات الحصار الاقتصادي، حيث يمكنهم العيش بهدوء وتربية ابنائهم في اجواء مطمئنة. يصل العراقيون الى تالين بشكل غير شرعي من روسيا بطرق مختلفة، في طريقهم الى دول الشمال الأوربي خصوصا الى السويد التي تمنح العراقيين ايامها حق اللجوء بسهولة. عمل العديد من المهربين العراقيين كوكلاء مع المافيات الروسية والشيشانية الذين لهم علاقات بشكل ما مع عاملين في السفن المبحرة في بحر البلطيق. الطريقة المثلى للتهريب، هي وضع مجموعة من الراغبين باللجوء، في سيارات الشحن، وذلك بإعداد مساحة فارغة بين البضائع، يزودون بالمياه ووجبة طعام ويطلبون منهم السكوت، (يعطون الأطفال حبوبا منومة) وتصعد السيارات بحمولتها الى ظهر الباخرة. قبيل وصول الباخرة الى الشواطئ السويدية يسمح للركاب بالخروج والاختلاط بركاب السفينة وثم النزول الى الأراضي السويدية وتسليم أنفسهم لاحقا للشرطة السويدية والادعاء انهم وصلوا عن طريق المطار او طريق اخر ما للتغطية.

فجأة هاج البحر، وبسرعة خاطفة هبطت السفينة استونيا مع 852 راكبا الى قاع البحر. لم ينج الا 230 راكبا. كأن مأساة التايتانك تتكرر هنا مع قلة قوارب النجاة، وعدم صلاحية بعضها. كان غرق السفينة استونيا صدمة انسانية، ادخل الرعب في نفوس سكان الدول في بحر البلطيق، المحبين للسفر والسياحة، مستثمرين عطلات نهاية الاسبوع، والاجازات القصيرة. هاج وغضب أوكو، إله الأعالي، مالك الرياح، عند الفنلنديين، فأرسل العاصفة التي حولت امواج البحر الى جبال غاضبة راحت تتلاعب بالسفينة مثل دمية.  سرعان ما مالت السفينة بحمولتها، فتكسرت سلاسل ربط وثبيت سيارات الحمل الكبيرة كما تقول فرضيات التحقيق. بدأ الهياج على سطح السفينة، وراح الناس يتراكضون بدون هدف. كان غالبية الركاب في قمراتهم، لم يفهم كثيرون ما الذي يجري وماذا يفعلون. خلال عشرين دقيقة، انفصلت مقدمة السفينة مثلما يكسر الانسان قطعة خيار مطلقة دويا كأنه الانفجار. هذا الصوت الغريب جعل فرضيات التخريب ووجود قنبلة وصراعات المافيا وشركات النقل تطفو للسطح عاليا. عند الواحدة والنصف ليلا بدأت السفينة بالغرق، خلال ثلاث وعشرين دقيقة اختفت تماما بكل ركابها وحمولتها في مياه البحر الهائج، ليعم الحزن والأسى والخوف والاحتمالات والتكهنات شواطئ بحر البلطيق والعالم، ولتشهد بلدان حوض البلطيق امواج اسئلة هائجة واشاعات لا حصر لها. كيف سكن البحر في اليوم التالي بشكل غريب؟ ماذا عن طاقم السفينة، لماذا نجوا كلهم؟ ما هي الاسباب الحقيقية لتخلف مساعد القبطان في اللحظات الاخيرة عن الالتحاق بعمله، ولماذا اختفى بشكل غامض؟ أهي حرب سرية بين شركات التأمين؟ أهي فصل من حرب التجسس؟ لحساب من، ومصلحة من؟ انتهت الحرب الباردة ولم يعد هناك بعبع سوفياتي للكثيرين؟ أتكون روسيا لا تزال تشكل خطرا على جيرانها؟ وما دخل السياسة بحياة 852 انسانا بريئا؟ ما هي عوارض ونتائج العقدة النفسية الجديدة التي ظهرت عند فئات من الناس بأسم "استونيا"؟ ما هو مصير الضحايا وحقوقهم؟

قررت الحكومات المعنية بمأساة استونيا ردم السفينة استونيا وما فيها بأطنان من الإسمنت وهي في قاع البحر وتحويلها الى قبر جماعي، تفاديا لأثارة الكثير من الاحزان. كتبت عن المأساة العديد من الكتب التي ترجمت لمختلف لغات العالم واخرجت العديد من الأفلام الوثائقية، وبثت عشرات الساعات من الأحاديث التلفزيونية، بل وهناك رابطة للناجين من مأساة السفينة. وتحول يوم غرق السفينة الى مناسبة حزن تجمع عوائل الموتى، فكل عام تبحر السفن الصغيرة والطائرات الشراعية الى هناك لتلقي بباقات الورد ولتقام مراسم الحزن.

لم يتحدث أحد عن سيارات الشحن وما تحمل؟

كان مقدرا للبعض من العراقيين، المسجونين في سجون استونيا، ان يكونوا على ظهر الباخرة استونيا، فقد نجح المهرب العراقي بأرسال شحنة من العراقيين على ظهرها قبل عدة شهور. غلب عليه الطمع، فبدل أرسال 45 شخصا، وكل شخص يدفع من الفين الى ثلاثة دولار، أراد المغامرة بجمع أكثر من خمسين شخصا، فقام بتجميعهم في شقق في مدينة تالين بانتظار اليوم الموعود للسفر، ولم يدر انه وزبائنه كان تحت مراقبة الشرطة الاستونية معززة بوحدات من السويد التي حصلت على معلومات كافية من زبائنه الذين وصلوا الأرض، وانتقاما من سلوكه العفن معهم زودوا السلطات السويدية بكل شيء، حتى صوره!

على الارض حصلت العديد من القصص المأساوية. في تلك الأيام ترددت قصة مجموعة من العراقيين الذين اختفوا في روسيا بشكل غامض. قيل انهم اختفوا في تالين. هل يمكن ان تكون المافيا الروسية وبعد ان سلبتهم ما يملكون قتلتهم في غابة على مشارف بطرسبورغ عند الحدود الاستونية ودفنتهم هناك؟ طويلا ظلت السلطات الروسية ايامها تحقق في جثث لناس مجهولين لا يحملون اي وثائق؟ هناك روايات أخرى ذكرت ان مافيا استونية أخبروا مجموعة من العراقيين انهم في طريقهم الى المانيا، ولكن في مقبرة استونية، وفي قبر واحد، دفنوهم جميعا بعد اعطائهم طعاما مسموما. اعتاشت المافيات جيدا على العراقيين الراغبين في الاستقرار وسقف آمن، فكان مصيرهم الموت وبغموض. تبرز مع مأساة السفينة استونيا، فرضية، لو ان مهربا آخر، وهم كثر، نجح في التعاون مع المافيا الشيشانية او الروسية، وقام شحن مجموعة من العراقيين على ظهر السفينة الغارقة استونيا، فهذا يعني انهم الان هناك في قاع البحر، لا أحد يعرف بأسمائهم ولا قصتهم.

من سيكشف اللغز بعد كل هذه السنين؟

***

هلسنكي ـ يوسف أبو الفوز

بفضاء الهادي التركي للثقافة والفنون تابع كل من زار الفضاء من فنانين تشكيليين ونقاد وأحباء الابداع التشكيلي معرضا متنوع اللوحات الفنية في فسحة هي بمثابة " السفر العاطفي " حيث عوالم الفنان المعبرة عن أحواله وهواجسه واعتمالات دواخله الأمارة بالرسم والتلوين ..كان ذلك بمناسبة افتتاح المعرض الشخصي للفنان التشكيلي محمود عمامو الذي يتواصل الى غاية يوم 01 من شهر نوفمبر المقبل ..ازدان هذا الفضاء الثقافي والفني الأنيق الذي يحمل اسم علم من أعلام الفن التونسي المعاصر عم الهادي التركي رحمه الله والمفتوح أمام المعارض التشكيلية واللقاءات الفكرية والابداعية ومنها تقديم الكتب والاصدارات الجديدة..نعم ازدان الفضاء الجميل بجملة أعمال الفنان عمامو الذي فتح الزائرين لمعرضه هذا على أكوان من التشكيل والتلوين بمثابة الترجمان لأحاسيس شتى بثها في لوحاته وهو يرسل العبارة في النظر والتقبل مشيرا الى خبراتهالجمالية والفنية وهو الذي نوع من مشاركاته عبر المعارض الشخصية والجماعية ..437 amamo

هكذا يبحر الفنان في هذه الأحوال ومعها وبها وضمنها مشيرا بشغف لا يضاهى الى ممكنات التلوين حيث يقول حيزا من شواسعه وهو يحاور القماشة ويحاول عناصر فيها تبرز قابلة للقول بالرسم والتلوين مجالي خيال وابتكار في هذا البحر العاتية أمواجه من الفن الذي مر به منذ القدم محاولون ومبدعون ومحبون ومتمرسون وعشاق ديدنهم البوح بما في الأعماق رغبة في الامساك بلحظات امتاع ظلت بعض آثارها الى الآن من العلامات والشواهد في تاريخ الفن وفق اتجاهات وتيارات ومدارس وبما في بعضها من عفوية التعاطي ودلالات ورموز هي عين العصارة للتجربة وثمارها الجمالية واشراقاتها اليانعة..

ها هو الفن في زواياه المتعددة حيث الفنان يعي شيئا من هذه اللعبة الفنية التي تتلبس به فيمضي معها بالمهج والعواطف والعواصف والأحاسيس حوارا وسؤالا ونظرا مفتوحا قدام العناصر والأشياء..و هنا وفي سياق التجربة نمضي مع تجربة الفنان التشكيلي محمود عمامو بمناسبة معرضه الفني التشكيلي الشخصي هذا المتواصل الى غاية يوم 01 من شهر نوفمبر 2024 حيث تم افتتاحه يوم 18 أكتوبر الجاري ..تخير الفنان التشكيلي محمود عمامو عالمه المشكل للوحاته وفق رؤيته لجمالية بها عفوية واعية تبرز مفردتها الفنية وكأنها في تصميم متقصد يحيل الى ذلك العالم الساحر من احتشاد الذاكرة الحسية عبر فيض الأحاسيس لتبدو اللوحة في وحدة متكاملة عناصر القراءة حركة ولونا ومساحة قائلة بالوجد وما به من باطن الفنان من عواطف شتى..في هذه الأعمال بهذا المعرض رغبات للارتجال تلاؤما مع ما يفضي اليه العمل الفني في سياق من الانسيابية تلوينا وموضوعا وهذا ضرب من الخروج عن مألوف الايقاع الباطني لسياقات معيشة من قبل الفنان فكأنه يرجو اللامنتظر واللامتوقع فقط ما هو منسجم مع احساسه العميق وبطريقته هو فقط..انه الانسياب للذات تفعل فعلها العميق بعيدا عن بهرج اليومي والآخرين..انه الانصات لايقاع مخصوص هو ايقاع الدواخل بأحاسيسها المتحركة والمتراكمة والعميقة وقد حفرت في ذات الفنان حكاياتها وسردياتها المختلفة وها هو الفنان محمود عمامو ينصت اليها ويحاورها ويحاولها قولا بلذتها وجمالها ..لذة الفن وجماله..لوحات مختلفة في هذا المعرض معبرة ودالة على عوالم الفنان محمود عمامو فيها موسيقى بينة وهدوء ضاج وسردية ملونة هي عين بوحه وشجنه وبهجته وقوله الدفين وكل ما نسميه الاحاسيس التي عثر عليها في ذاته وبثها بدلال الفن واللون على مساحات القماشة ..438 amamo

معرض وتجربة وذهاب آخر من قبل الفنان محمود عمامو للتجريب تفاعلا مع دواخله وبنزعة فيها من الشاعرية الكثير ..سفر من عواطف شتى وسردية تشكيلية بها حساسية فائقة حيث التواصل مع الجمهور ومحبي الفن ضمن هذا المعرض الجديد في تجربة الفنان المميز محمود عمامو ليتواصل ذلك الى غاية يوم 01 من شهر نوفمبر 2024.

***

شمس الدين العوني

قبل الوصول إلى بيروت ومنها إلى دمشق لا بد من المرور عبر صراط الإجراءات فلا مناص من المراقبة والتفتيش والمعاينة والتثبت فخلعنا الحذاء والحزام وربما في المرة القادمة نخلع كل شيء…! فاللهمّ اُستُرنا… وباِسم اللّه مَجراها ومُرساها ومُحلِّقُها في الأجواء أيضا

عندما أقلعت الطائرة وشقّت السحاب واستقرت في سَمتها هادئةً ساكنة جال في فكري ِاجتهاد الإنسان عبر العصور منذ اكتشافه النار إلى حذقه اللغة والحساب والعلوم من عصر إلى عصر ومن حضارة إلى حضارة حتى هذا اليوم حيث أجد نفسي على متن جناحين من حديد ونار قاصدا المشرق من المغرب لأصل بيروت في أقل من ثلاث ساعات.

كنت رابع أربعة:

- الشاعر صلاح الدين الحمادي رئيس اتحاد الكتاب التونسيين ورئيس الوفد إلى الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب

- الشاعر عمر الكوز مساعده

- الدكتور فريد عليبي أستاذ الفلسفة

فرفاق السفر جميعهم أصحاب خبرة ودراية لذلك أسلمت لهم المشورة والقيادة فتجاوزنا تعقيدات المرور والأمور من مطار بيروت إلى دمشق بسرعة وسلام

الطريق من بيروت إلى دمشق مكتظة الحركة بالسيارات والشاحنات وتتلوّى بين الشّعاب والأودية والجبال فمنعرجاتها لا يكاد يكون بينها خط مستقيم وترتفع أعلى فأعلى حتى تشقّ السّحاب ثم تنزل هاويةً حتى نكاد نسقط متدحرجين في الوهاد…

الطريق بناياتٌ متصلة وهي مترامية الأطراف بين السّفوح والقمم وسط الاخضرار… اخضرار الغابات والبساتين… وأحيانا نرى الثلوج راسية في القمم ممّا يجعل الطريق لوحة جميلة فليس عجبا أن أنجبَ لبنانُ جبران خليل جبران وفيروز.

هذه دمشق

أقدم مدينة في العالم ما تزال مدينة وعاصمة. هذه دمشق سيدة بلاد الشام التي منحت الإنسانية أبجدية أوغاريت. هذه الشام وملكتها زنوبيا التي حكمتها وجعلت الفلاسفة مستشاريها. هذه شام سيف الدولة الذي نازل الروم وتصدى لهجماتهم على الثغور. إنها شام المتنبي وأبي فراس الحمداني والناصر صلاح الدين.

هذه دمشق

وصلناها أول الليل فإذا هي ساطعة الأضواء والحركة فيها على قدم وساق فالمقاهي والمغازات مفتوحة والناس سائرون على الأرصفة في اِطمئنان ووئام ولم يسترع انتباهي إلا نقاط التفتيش في المفترقات والمداخل ولكنك تمرّ منها بسلاسة وِاحترام.

هذه دمشق التي تنادت عليها السّيوف والرماح فأدمتها وأثخنت فيها مثلما تنادت على العراق وليبيا واليمن ومصر والجزائر وتونس…سيوف ورماح تريد الفتنة والشقاق والحروب الأهلية للظفر في آخر المطاف بثرواتها وإذا كان الأمر في هذه البلدان قد تطلب الإصلاح أو التغيير فإنّي أرى أنه كان يجب أن يكون من دون تدخل القوى الأجنبية على كل حال فكل بلاد مواطنوها هم الأولى بها ولسائل أن يسأل لماذا لم يتنادوا لتحرير فلسطين أو الجولان ومن أين لهم كل هذا العتاد الكبير والمتطور؟ لقد تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

ما كدت أدلف خطوتين أو ثلاثا في بهو ـ فندق الشام ـ حتى هرع نحوي بالأحضان الصديق الأديب الفلسطيني حسن حميد سائلا عن أحوالي وأحوال تونس وأدبائها الذين يعرف الكثير منهم ثم التقيتُ بصديقي الشاعر العراقي جبارالكوازالذي لقيته أول مرة في بغداد سنة 1984 بمناسبة المهرجان الأول الشباب.

واحسرتاه على ذلك المهرجان وعلى أيامه ولياليه التي قضيناها بين شعر وندوات ورحلات وسهرات. والحق أنّ صديقي جبار الكواز هو الذي تعرّف عليّ الأول فناداني وهو الذي لم يرني منذ.

***

سُوف عبيد - تونس

 

أو عائد من دمشق

الطائرة نحو بيروت على الساعة الثامنة صباحا ويجب أن أكون في المطار قبل ساعتين على الأقل أي السادسة لذلك قضيت الليلة في دار والدي ـ رحمه الله ـ وسط العاصمة لأكون قريبا من المطار إذ الفصل شتاء والسّحب باتت دكناء والحالة الأمنية لا تبعث على الطمأنينة ممّا يجعل التنقل من ضاحية رادس إلى المطار في ساعة مبكرة غير مضمون فسيارات الأجرة لا تجازف بالجولان في مثل هذه الظروف.

وقبل أن ترنّ ساعة الهاتف بادرتُ بالنهوض وعند الخامسة كنت أّودّع زوجتي الحريصة دائما على أدقّ التفاصيل في حلّي وترحالي وأكّدتْ مُوصيةً على تناولل قراص الدواء في مواعيدها ثم دسّت بعنايتها المعهودة اللّمجة والبسكويت وقارورة الماء في حقيبتي الصغيره التي لا تحتوي إلا على نسختين من ديواني وقميصين وربطتيْ عنق وثيابي الداخلية فأنا أحبّ السفر خفيفّ الحِمل لا يُعيق تنقلي و يسهّل إجراءات التسجيل والتفتيش في المطارات والحدود

رذاذٌ على تونس

فجرَ يوم الجمعة الثاني عشر من جانفي سنةَ ثماني عشرة وألفين خرجت من المدينة العتيقة مُسرع الخطى نحو الشارع الكبير فلم ألاحظ الحركة العادية ولا تواتر سيارات الأجرة في مثل هذه الساعة بسبب الاضطرابات السائدة في البلاد التي لم تعرف الاستقرار رغم تعاقب الحكومات ووعود الأحزاب

صباح الخير يا تونس

الخامسةُ والنصف والسيّدةُ التاكسي لم تأت

ماذا أفعل إن فعلَتْها ولم تأت

لا شكّ أن الطائرة لن تنتظرني وسترحل في موعدها

بدأ هاجس الشك ينخرني

ولمحتها صفراء تطل قادمةً تتهادى في ثوبها الأصفر بإشارتها الضوئية الحمراء وهي علامة أنها مُهيأة لي فأشرتُ إليها من بعيد إني هنا يا سيدتي وفي اِنتظارك

صباح الخير

صباح الخير

إلى المطار من فضلك

لم أكن في حاجة أن أرجو من السائق أن يسرع حيث لم أكد أغلق الباب حتى انطلق كالعاديات ضَبحا والمغيرات صُبحا لا يعبأ حتى بالأضواء الحمراء وما رأيت سيارة أمامه إلا تجاوزها حتى وقف عند باب مطار تونس قرطاج

شكرا سيدي

والشكر يجب أن يكون نقدا كي يكون ذا جدوى وإلا أكون كقول الشاعر جَحظة

لي صديق يحبّ قولي وشدوي * وله عند ذاك وجهٌ صفيقُ

إن غنّيتُ قال أحسنتَ زدني * وبأحسنتَ لا يباع الدّقيقُ

ـ 2 ـ

قبل السّادسة بخمس دقائق مكثتُ واقفا أنتظر الأصدقاء مبتهجا بعدم وصولي متأخرا بل غمرتني الفرحة أيضا إذ لم أفوّت موعد الطائرة نحو بيروت ومنها أعبر إلى دمشق.

دمشق التي لم أعُد إليها منذ سنوات عديدة وهي اليوم قد أثخنتها الحرب التي أسعر نارها أطراف خارجية لمصلحة القوى العالمية وبعض الأطراف العربية التي دعمتها بالمال والعتاد والأيادي وقد كان من المفروض أن يبقى الخلاف في سوريا بين السّوريين فحسب فهم أدرى بشؤوتهم الوطنية وكان على االأشقاء العرب قبل غيرهم أن يساعدوهم على الوفاق وليس على الشقاق وليتهم تنادوا إلى تحرير فلسطين أو الجولان وليت أولئك الشيوخ نصحوا ملوكهم وأمراءهم ونصحوا أنفسهم أوّلا

قبل الوصول إلى بيروت ودمشق لا بد من المرور عبر صراط الإجراءات فلا مناص من المراقبة.

***

سُوف عبيد - تونس

 

مواطن عربي ينقل ابرة الراديو من محطة الى محطة ويعلق على ما يسمعه من اغان وبرامج واخبار وتعليقات من الصباح الباكر حتى نهاية الارسال في الوطن العربي.

إذاعة رقم 1: عزيزي المستمع في نزهتنا الصباحية كل يوم تعالى معنا الى ربوع وطننا الحبيب حيث لا شيء سوى الحب والجمال.

المستمع: والتخلف.

اذاعة رقم 2: اغنية لفيروز "جايي انا جايي...جايي لعندك جايي"

المستمع: يا فتاح يا رزاق انها حتما فاتورة الماء او الكهرباء او الهاتف.

إذاعة رقم 3: عزيزي المستمع مع الزهور والرياحين والنرجس والنسرين والفل والياسمين.

المستمع: يا فل يا ياسمين والله لو مات احد أصدقائي في هذا الغلاء الفاحش فلا استطيع ان اقدم له الا إكليلا من الخطابات.

إذاعة رقم 4: قصيدة اليوم وللحرية الحمراء باب.

المستمع: بكل يد قابضة يدق.

إذاعة رقم 5: وانا نعلن من هنا ان لا شروط لنا ابدا على تحقيق الوحدة العربية.

المستمع: باستثناء شرط واح هو اننا لا نريدها.

إذاعة رقم 6: حكمة اليوم قل كلمتك وامشي.

المستمع: الى البنك.

إذاعة رقم 7: ان المجلس الأعلى لشركات الطيران العربية يحذر في مؤتمره المارقين والعابثين بقضايانا المصيرية ويضع كافة امكاناته وطاقات في خدمة المعركة.

المستمع: بما ان الأمور قد وصلت الى شركات الطيران فمعنى ذلك ان القضية " طايرة قريباً"

إذاعة رقم 8: "حلم لاح لعين الساهر"

المستمع: عودة الحياة الطبيعية الى لبنان.

إذاعة رقم 9: من انبائنا الرياضية خرج الجواد العربي "نور الصباح" من الداربي الانكَليزي بعد الشوط الأول بسبب اهمال الجوكي وسقوطه عنه.

المستمع: طبعا لان العرب لا يعرفون ان يُخيلوا الا على بعضهم.

إذاعة رقم 10: وان الاتحاد النسائي العام في الوطن العربي يدعو كافة اعضاءه المنتسبات...

المستمع: الى ترك اطفالهن دون رضاعة وازواجهن دون طعام وبيوتهن دون ترتيب ومطابخهن دون جلي والتفرغ لحل مسؤولياتهن وفضح المؤامرات التي تحاك ضد قضيتنا وامتنا وكل فرع لا يتقيد بهذه التعليمات يغلق وتختم جميع مكاتبه "بالشكي الأحمر"

إذاعة رقم 11: وكما قلنا واكدنا مرارا نعلن امام العالم اجمع انه:

لا صلح

لاعترافات

لا مفاوضات

المستمع: لا تكذبي اني رأيتكما معاً.

إذاعة رقم 12: واننا نؤكد أيضاً من هنا لجميع الشعوب العربية والإسلامية اننا لن نذهب الى مؤتمر ولن ننسحب من جلسة ولن نتهاون في قضية ولن نساوم على حق ولن نتردد في مساعدة ولن نتراجع عن موقف ولن نفاوض ولن نصالح ولن نقرر الا ما تمليه إرادة الشعوب.

المستمع: والشعوب في السجون.

إذاعة رقم 13: اغنية " ديماً وراك دايماً اتبع خطاك ديماً"

المستمع: معروفة المواطن والمخابرات.

إذاعة رقم 14: وبعد ان شرح سعادته لسفراء الدول الغربية الظروف الخطيرة التي تمر بها المنطقة، اعطاهم مهلة شهرين للعودة بأجوبة واضحة من حكوماتهم، وذلك قبل بدء حملة الانتخابات الامريكية وانشغال العالم بها لأن العرب مصممون اكثر من أي وقت مضى على صوم رمضان القادم في القدس والصلاة في عكا والوضوء في مياه الأردن، ثم استقل سعادته الطائرة في رحلة استجمام في اوروبا تستمر.....

المستمع: الى ما بعد الانتخابات الامريكية.

إذاعة رقم 15: واننا في هذه الظروف المصيرية نحث جميع القادة والمسؤولين العرب على الالتزام بقرارات جميع القمم العربية دون استثناء: قمة الخرطوم وقمة الرباط وقمة بغداد وقمة فاس الأولى والثانية.

المستمع: عجيب كل هذه القمم ومازلنا في الحضيض.

إذاعة رقم 16: والان سيداتي سادتي ومع اقترابنا من ركن المنزل تنضم جميع موجاتنا العاملة....

المستمع: الى جبهة الصمود والكفاح العربي...و تقدم لكم طبخة اليوم.

إذاعة رقم 17: ان طريقنا الى فلسطين لا بد ان تمر ببيروت.

المستمع: وجونيه.

إذاعة رقم 18: ومن موسكو.

إذاعة رقم 19: ومن واشنطن.

المستمع: من كثرة الطرق التي أصبحت تؤدي الى فلسطين صارت القضية في حاجة الى ادارة مرور.

إذاعة رقم 20: فيروز تغني انا وشادي...تربينا سوا...راح شادي...ضاع شادي.

المستمع: بس شادي؟

المذيعون العرب: اخرس.

المستمع: لن أخرس.

المذيعون العرب: ستخرس رغماً عن أنفك. ( وتمتد مئات الأيدي من الراديو وتنهال عليك ضرباً وصفعاً): كلب جاسوس، حقير، طابور خامس...الخ....

إذاعة رقم 21: ناسف لهذا الخلل الفني، وسنعود بعد إصلاحه.

إذاعة إسرائيل: لا....لا...خذوا راحتكم.

***

الى القادمة (8): اللوحة المسمارية

عبد الرضا حمد جاسم

 

رَجَعْتُ الى بَغدَادَ مُتلَهِّفاً لنَوارسَ دجلةَ بعدَ طَوالِ غِيَاب. غِيابٍ ضَاعَتْ بهِ الأيامُ في أرَقٍ وجزعٍ من ضُروبِ الإغتِراب، وزَلَقٍ وجَزعٍ في دُروبِ الإكتِئاب، وماكانَ الاغتِرابُ إلّا غُروباً موجِعاً بعَذاب.

عُدُّتُ الى بَغدادَ وعنها ما ابتَعدتُ لحظةً في فُؤاديَ باحتجَاب، بلِ النَّبضُ فيها كلَّ حينٍ كانَ نابضاً بمَقامِ البَياتِ باستِطرَاب:

"على شَواطئِ دجلَة مُرْ، يا مُنيَتي وقتَ الفَجر، شُوفوا الطَّبيعة تِزهي بَديعة، ليلة ربيعَة يضوي البدرْ ..".

عُدُّتُ لبغدَادَ فقبَّلتُ رأسَ ما تَبقَّى من أهلِ داريَ الأحبَاب، ولقد بَصُرتُ رُؤوسَهمُ بالغَمِّ مُتَذَمِّرَةً وفيهِ شَارِعةً باستِقطاب، وكُؤوسَهم بالهَمِّ مُتَخَمِّرَةً ومنهُ جارِعةً بانكِبَاب، فقَالُوا لي؛ " كُلْ قِطَعَاً مِن كَعكَةِ بهجَتِنا بكَ وذَرِ كلَّابَ الغَمَّ وما أصَاب. كَعكعةٍ مُعطَّرةِ بماءِ دجلةَ بخِضَاب، ومؤطَّرةٍ بعَسلِ تَمرِها، وبَيضُ نوارِسها كانَ لها الرُّضَاب". فأجهَضتُ على قطعَةٍ ثمَّ نَهَضتُ مُيَمِّماً وَجهيَ شَطرَ منزلِ صَديقٍ من سَالفِ الأصحَاب.

صَديقي هذا هوَ لديَّ الأعزُّ بينَ الصِّحَاب، وما إنفكَّ يَعصِفُني طِيلةَ سِنينَ مِن اغتِراب، بنَفخٍ مِن لاذعِ حَرفٍ ولفحٍ من لاسعِ خطاب، على مَعَرَّةِ هَجريَ الوَطنِ وما كانَ يُباليَ بما لديَّ من أسبَاب، بل يُعَيِّرُني بفِراريَ مِن الوطنِ إن حاقَ بِرافِديهِ والتُّراب، مُحتلٌّ غاشِمٌ باغتِصاب، سَائِقٌ أمامَهُ أدِلّاءَ من هَوامٍ وذُباب، وأذلّاءَ مِمَّا سيخلِفُهُ من أذناب.

صديقي كانَ ينصحُنيَ أنَّ الأوطانَ حينَ الرَّغدِ أحضَانٌ لأهلِها ولضيوفٍ أغراب، و حينَ الرَّعدِ هيَ خنَادِقُ كفاحٍ لأبنائِها حتَّى يَنجليَ الضَّيمُ والضَّباب، وما كانَتِ الأوطانُ فَنادِقَ استِجمامٍ واستِرطاب.

ضَرَبَ خُنصُري على الجَرَسِ فَفتحَ صديقي ليَ البَاب، فأعربَ لي بحَنينٍ صَافٍ وخَلَّاب، وأنينٍ وافٍ من تِرحاب. ثمَّ غَربَ حَنينُنا والأنينُ الى كأسِ دَمعٍ فَشَربنا منهُ باضطِراب. ثمَّ هَربَ من صَديقي كلَّ عَصفٍ كانَ قد عَصَفَني بهِ طَوالَ أيامِ الغياب. فنَادَيتُهُ بكَلمٍ مَكلومٍ من فمٍ يَتَبَلَّعُ باللُّعاب؛

- كيفَ أنتَ يا خيرَةَ الأحبَاب؟

- لا تَسلْ  عِراقيَّاً "كيفَ أنتَ" في ذا حقبةٍ من أحقَاب، كيلا تضطَرَّهُ لردٍّ كاذبٍ من جَواب؛ " أنا بخيرٍ ولا يَنقُصنيَ إلّا رؤيةَ الأحبَاب". ولسوفَ ترى عينَاكَ ما في البلادِ من سُبابٍ وخرابٍ العجبَ العجاب.

- قد عُدُّتُ في أجازةٍ خاطِفةٍ لأتَمَلَّصَ من آهاتِ الاغتراب، وأتَخَلَّصَ ولو لشهرٍ من واهاتٍ في الصَّدرِ جَلَلٍ صِعاب.

- حسَناً فعلتَ يا نابِضَاً "بالهامبُرغرَ"، ورابضاً في "الكافِيه" ورافِضَاً لليشماغِ والجلباب. ولا ريبَ أنَّ لتُرابِ الوطنِ رَنَّةً بِأنَّةٍ من عَذاب، وكُثَيِّبُ رَملِهِ هوَ على خَافقِكَ دَوماً غالبٌ غَلَّاب. وذلكَ كُثَيِّبٌ لا يشعرُ بدِفئِهِ إلّا مَن فارَقَهُ شَطرَ الهَوى الأشقرِ الجَذّاب. وأراكَ قد غَرفتَ من ذاكَ الهَوى حتَّى بردَ فيكَ الوَطيسَ وكفَّ عنكَ سيلُ اللُّعاب. ثمَّ عَرَفتَ دِفءَ النَّوى في هذا الكُثيِّبِ الغَلّاب، فَذَرَفتَ الدَّمعَ فانجَرَفتَ صَوبَهُ توقاً بانقِلاب، وإذِ كان نغمُ "على شَواطئِ دجلة مُرْ" لكَ رافِعاً، والدَّمعُ فيكَ وقتَ الفجر دافعاً وقد تَهطَّلَتِ الأهداب.

- أجل، يا زبدَةَ مَن رأتَ عينيَّ من أصحَاب. بيدَ أنَّ دَمعيَ قد جَفَّ وكَفَّتْ رَعشَةُ الأهداب، لمَّا بَصُرتُ وأنا في طَريقيَ إليكَ خَراباً في تَباب. وإذ رأيتُ القومَ قد أبدلَوا صورةَ الزَّعيمِ بألفِ صَورةٍ لزعماءَ شتّى من أحزاب وحتَّى عمائِمَ دينٍ شيبةٍ وشَباب، وإذ شَعرتُ أنَّها صُورٌ لضباعٍ، وبعضُها كانت أقربُ لوجوهِ ذِئاب. وإذ رأيتُهم كارَهينَ لأشارةِ مرورٍ وَمُتَفَكِّهينَ بالشَّغبِ والصَّخبِ جيئةً وذهاب. وإذ يتَفَوَّهونَ بكلِّ تلاعنٍ وتلاحنٍ وسباب. لقد شَعرتُ أنَّهم مُتَرَفِّهونَ بحَالكٍ من جهالةٍ ولا يفهمونَ خردَلةً في فيزياءَ ولا حتَّى جدولِ الضَّربِ في الحِسَاب. وعَجَبي هذا أُبدِيهِ بينَ يَديكَ بامتعَاضٍ وارتيَاب، فَعَسى أن يكونَ بؤبؤُ عينيَ هو ناقدٌ حاقِدٌ كذَّاب، فما عهَدتُ بني قوميَ عبر سِجلَّاتِ الأحقَابِ والأعقَاب، إلَّا من ذوي الفضائلَ ومن خيرةِ الأنسَابِ والأحسَاب. فهَلَّا أنبأتنيَ يا صاحبي باقتِضاب؛

ماهذا السَّفهُ في النُّفوسِ والسَّفلُ بأقبحِ ما يكونُ من خطاب. وعَلامَ قائِمٌ ومستَمِرٌّ هذا الخزيُ وهذا الخَراب. أوَليسَ الحِصارُ عنِ بلدِنا قدِ انقَشَعَ، والاستبدادُ عن مُتونهِ قدِ انخَلَعَ، ثمَّ قانونُ "الدِّيمُقراطيةَ"في قلبهِ قدِ انجَمَعَ، وهاهوَ"بنكُهُ"المركزيِّ بالأموالِ قدِ فاضَ وارتَفَعَ فوقَ السَّحَاب. فعلامَ قائِمٌ هذا السَّفلُ وذا الخَزيُ والخَراب؟

- لا أدري يا أخيَّ، وحقَّاً لا أملكُ لكَ بينَ يديَّ من جواب. بلِ العَجَبُ إنَّ حُكمَ البلدِ مدعومٌ من أممِ الغربِ كافةً بإيجاب، وإنَّهُ مباركٌ من مَراجعِ الدِّينِ كافَّةً باستِحباب، ومؤَيَّدٌ من مجامعِ العشَائرِ وغيرُ مُعاب. أنا حقَّاً لا أملكُ تبياناً عن ذا سَفَهٍ وسَفَلٍ مَهينٍ مُعاب. وألتمسُ منكَ العذرَ يا صاحبي على مافَرَّطَ لساني بحقِّكَ من عَصْفٍ فَاقدٍ للذَّوقِ والآداب. ولكَ أن تقصِفُنيَ الآنَ بشَذرٍ من عِتَاب بل بشَرَرٍ من عِقاب، جزاءً وفاقاً على ما عَصَفتُ بهِ عليكَ طِيلةَ أيامِ غِيابِ الإغتِراب. ولقدِ اكتَشَفتُ اليومَ بعدَما زالَ عنّيَ الحِجاب، أنَّ كلَّ أولئكَ كانَ مِنّي مَحضُ هَباءٍ في هضَاب. ثمَّ إنِّيَ أرى أنَّ الشَّهرَ طويلٌ أمدُهُ عليكَ في بلادِ الغَاب، فعُدْ راشِداً في غدٍ أو بعدَ غدٍ، ودَعْ لنا الهمَّ وشَوْكَ الرّهَابِ، والغَمَّ ولوكَ اللُّعاب. مهلاً يا كارهَ الغترةِ والجِلباب؛

هلّا تَكرَّمتَ يا صاحُ فأرسَلتَ اليَّ تأشيرةَ دخولٍ لبلدكَ البعيدِ، يا سيِّدَ أولي الألباب.

***

علي الجنابي

 

من الملاحظات المحيرة أن الشعراء كالبحتري، وعلي بن الجهم، وإبن المعتز، لم يشيروا في أشعارهم ولو ببيت واحد إلى الجامع الملوية!!

فالبحتري الذي رافق البناء منذ بدايته لم يتحفنا بوصف شعري له، بل وصف العديد من القصور ومدح جميع الخلفاء، وقصيدته في البركة الحسناء معروفة، لكنه لم يذكر الملوية في شعره !!

 ترى كيف يصح في الأفهام ذلك؟

كيف يتم إهمال جامعين كبيرين في المدينة، هما الجامع الملوية وجامع أبي دلف، ويتحقق تخريبهما، وينتفي ذكرهما في قصائد الشعراء، وهما يمثلان ثورة معمارية أصيلة، ويتمتعان بجمالية متميزة في ذلك الزمان.

لو كان الحرص على الدين متقدما في الدولة آنذاك، لظهر واضحا في النصوص الشعرية، ولنال الجامعان حقهما من الوصف والتقدير والتعبير عن دورهما في المجتمع، لكن الدين يبدو كان من الدرجات الأخرى، وأن الجامعين كانا مجرد مظاهر لحالة غير موجودة، وإلا كيف يفسر غيابهما من النصوص، وخرابهما بعد أن تحولت العاصمة إلى بغداد، وربما قبل ذلك.

فلا يعقل أن يتحول جامعان بروعة المواصفات المعمارية والأهمية الدينية، إلى خرائب وأطلال، والذين خربوهما المسلمون أنفسهم!!

نعم الذي خرب معالم سامراء بقصورها وجوامعها هم المسلمون، فهل كانوا حقا يعرفون دينهم؟

بقيت معالم الأندلس التي سبقتهما بأكثر من قرن، وتحولت إلى أطلال بائدة مباني سامراء.

إنها الإنتقامية والكراهية، والشعور بالقهر لسيادة الأجانب على الدولة، والنيل من العرب والحط من قبمتهم ودورهم، وتحكم الأغراب بمصائرهم، مما دفع إلى حركة عدوانية على ما يمثل تلك الفترة العصيبة، التي عصفت في سامراء أثناء فوضتها الدموية العارمة.

وحبذا لمن لديه الدليل الواضح أن يدحص المقال، ويزيدنا معرفة ودراية.

"رفعوا القصور على كواهل شعبهم...وتجاهلوا حقا له مشروعا"!!

***

د. صادق السامرائي

 

(إن الهدر يبدأ من هدر الدم إلى هدر الوقت مرورا بهدر الفكر والوعي والإبداع، "وقد يتخذ الهدر شكل عدم الاعتراف بالطاقات والكفاءات أو الحق في تقرير المصير والإرادة الحرة وحتى الحق بالوعي بالذات والوجود).

من كتاب "الانسان المهدور"

(لا يمكن أن يصل إنسان العالم المتخلف إلى التوازن النفسي وإلى الشخصية المعافاة والمتوازية والغنية، إلا إذا تحرر من وضعية القهر التي تفرض عليه. لا يمكن للرجل أن يتحرر إلا بتحرر المرأة، ولا يمكن للمجتمع أن يرتقي إلا بتحرر وارتقاء أكثر فئاته غبنا، فالارتقاء إما أن يكون جماعيا عاما، أو هو مجرد مظاهر وأوهام.)

"من كتاب مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور"

صباح هذا اليوم الاثنين الرابع عشر من تشرين الاول 2024 رحل عن عالمنا المفكر اللبناني مصطفى حجازي تاركاً وراءه إرثاً فكريا كبيرا من الاشتغال بحقل التحليل النفسي، وعلم الاجتماع والتزاماً لم ينقطع عن هموم المجتمعات العربية وقضاياها.مات مصطفى حجازي وبلده لبنان يتعرض الى عدوان وحشي في وقت يعاني منه المواطن من تجبر السلطات وتغولها وسرقتها لاحلام الناس

ولد  مصطفى حجازي في مدينة صيدا عام 1936، درس علم النفس  في جامعة عين شمس" المصرية  وتخرج عام 1960. بعدها سيحصل على منحة دراسية الى بريطانيا  بأربع سنوات سافَر إلى بريطانيا للاطّلاع على التجارب العليمية الجديدة في مجال علم النفس، يدرس في جامعة ليون الفرنسية ليحصل على الدبلوم  في  علم الجريمة العيادي عام 1965، ثمّ دكتوراه في علم النفس من الجامعة ذاتها عام 1967. وهناك يتعرف على عالم النفس الشهير مصطفى صفوان .

عمل استاذا لعلم النفس والصحة النفسية في عدد من الجامعات . اهتم مصطفى حجازي بدراسة أحوال المجتمعات العربية منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وقد شملت في إطارها موضوعات عديدة مثل الطائفية والتخلّف والمجتمع المدني وانتظام السلطة الحاكمة وعلاقتها بالمحكومين والعولمة، وفي هذا السياق قدّم كتابين  اساسيين عن  أحوال الإنسان العربي، وهُما: "التخلّف الاجتماعي: مدخل إلى دراسة سيكولوجية الإنسان المقهور" ، و"الإنسان المهدور: دراسة تحليلية نفسية اجتماعية" وكتاب " العصبيات وافاتها" و"النقلات الحضارية الكبرى اين نحن منها.

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

بعد ثلاثين سنه من الثقة المتبادلة بين المواطن العربي وأجهزة الاعلام العربية، نعلم انه عندما تركز هذه الأجهزة على قضية ما وترعاها فجأة بكل ما عندها من صحف ومجلات وخطب ومهرجانات ومطربين ومطربات، فمعنى ذلك أن نقرأ الفاتحة قريباً على هذه القضية.

انا مثلاً دون تردد او مناقشة ما ان تركز هذه الأجهزة على قضية الحرية فجأة حتى اجهز شحاطتي وبيجاماتي واحلق رأسي على الصفر سلفاً.

و عندما تركز على موضوع الاشتراكية اسارع على الفور واتفقد برادي صحناً صحنا وبيضة بيضه لأن معنى ذلك ان الناس ستأكل بعضها عما قريب.

وعندما تركز على موضوع النصر والتحرير واستعادة الأماكن المقدسة أضب الحقائب واستعد للمبيت قريباً انا وعائلتي تحت أحد الجسور في الفاتيكان لأن معنى ذلك ان قطعة أخرى من الأرض العربية ستطير.

والان تركز هذه الأجهزة في مشرق الوطن العربي ومغربه فجأة وبعد خراب البصرة على موضوع الوحدة العربية بحجة انها الرد الحاسم على ما تطرحه الامبريالية الامريكية في المنطقة من مشاريع جديدة للتجزئة والتقسيم ومعنى ذلك ان عدد الدول العربية سيرتفع من 22 الى 42 دولة أي بعدد الولايات المتحدة الامريكية تقريباً

ماذا فعل المواطن العربي لحكامه خلال الثلاثين سنة حتى يُعامل هذه المعاملة؟

اعطاهم أولاده للحروب

و عجائزه للدعاء

و نساءه الزغاريد

و كساءه لليافطات

ولقمته للمآدب والمؤتمرات

و شرفاته وموطئ قدميه للمهرجانات والخطابات

وطلب منهم نوعاً واحداً من الحرية وهو النوع المتعارف عليه في ابسط الدول المتحضرة، فأعطوه عشرين نوعاً من الحرية لا يوجد لها مثيل لا في الدول المتحضرة ولا في الدول المتوحشة

و طلب منهم نوعا واحد من الاشتراكية وهو النوع المعمول به في معظم الدول الاشتراكية ، فأعطوه خمسين نوعاً من الاشتراكية الا النوع المعمول  به في الدول الاشتراكية

اعطاهم سبع دول عام 1949 لتوحيدها فأعطوه بعد ثلاثين سنة 22 دولة لا يستطيع 22 بسمارك ان يوحد أنظمة السير فيها.

ومنذ ثلاثين سنة أيضا اعطاهم قضية ظريفة خفيفة كالفلة تتمنى معظم الدول والشعوب في ذلك الحين ان يكون عندها قضية مثلها وهي قضية فلسطين فأعطوه بالإضافة اليها:

قضية لومومبا

وقضية المالكي

وقضية الشواف

وقضية البارزاني

وقضية بن بركة

وقضية بن بلا

وقضية بن عاشور

وقضية عبد الحكيم عامر

وقضية برلنتي عبد الحميد

وقضية علي صبري

وقضية خزنة عبد الناصر

وقضية موسى الصدر

وقضية جنبلاط

وقضية سعد الحداد

وقضية احمد الخطيب

وقضية الخميني

واخيراً قضية السادات

فماذا يتحمل هذا الانسان ليتحمل؟

بمعنى ان ينام المواطن العربي على هم قديم هذا لا يجوز وامر لا ترضاه أنظمة الحكم العربية ولا دول عدم الانحياز ولا منظمة الوحدة الاسيوية الافريقية ولا منظمة الصحة العالمية

المفروض كل يوم جديد، هم جديد وان يعود المواطن العربي الى بيته في المساء وهو لا يحمل لعائلته واطفاله اكلة جديدة او ثياباً جديدة بل قضية جديدة.

وتقول إعلانات الدعاية ان ساعة اوريس التي تتحمل الصدمات هي ساعة المستقبل.

قسماً بالله الف ساعة اوريس لا تتحمل في ثلاث سنوات الصدمات التي يتحملها المواطن العربي في ثلاث دقائق

و لذلك كل ما يلزمه هو قشاط جلد من عند الرأس والقدمين ليلفه الطيارون ورجال الاعمال حول معاصمهم باعتباره هو لا أحد سواه ساعة المستقبل ...

الى التالية: 7/ سيداتي سادتي

***

عبد الرضا حمد جاسم

 

‏العام 1886 سألت احدى السيدات الكاتب الأنكليزي أوسكار وايلد وكان يعمل رئيسا لتحرير مجلة " عالم المرأة" عن الكتب التي ينصحها كامرأة بقراءتها فكانت إجابته مقال نشره في المجلة بعنوان " مقدمة في الفن " والطريف إن المقال الشهير الذي وضع فيه وايلد نظريته في الفن والأدب ترجمه الى العربية أحد أشهر أطباء علم النفس في العراق الدكتور علي كمال ونشرته مجلة الرسالة المصرية عام 1942، ومن وصاياه التي تضمنها المقال :" ليس هناك كتاب أخلاقي أوغير اخلاقي.الكتب أما أن تكون كتابة جيدة أو رديئة، وهذا كل شيء.

‏في ظهيرة يوم ممطر من شهر تشرين الثاني عام 1895، وقف أوسكار وايلد بانتظار القطار الذي ينقله الى السجن، كان قد حكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة عامين بتهمة الأفعال الفاضحة، شاهد المارة الكاتب الشهير مكبل اليدين، في السجن تمت مراعاة مكانته فكلف بمهمة مساعد أمين المكتبة، مما أتاح له فرصة نادرة للحديث مع السجناء عن موضوع محبب الى نفسه، وهو القراءة. في الوقت نفسه أخذ يقدم نصائح ممتازة عن الكتب لمن يريد أن يقرأ من السجناء.

‏التقارير التي كانت تقدم عن وايلد في السجن تقول انه كان منهمكاً في إعادة قراءة الكلاسيكيات المحببة الى نفسه، فقد طلب أن يحصل على سبع كتب أبرزها الكوميديا الالهية لدانتي، ويكتب في رسالة الى شقيق زوجته إن : "الحرمان من الكتب فظيع مثله مثل الحرمان الجسدي في حياة السجن الحديثة، هذا الحرمان الجسدي لا يُقارَن بالحرمان التام من الأدب بالنسبة لشخص كان الأدب له أهم شيء في الحياة، الشيء الذي يمكن من خلاله إدراك الكمال، ومن خلاله وحده يمكن للعقل أن يشعر بأنه حي".

‏وفي عريضة قدمها الى وزير الداخلية شرح وايلد معاناته من نقص الكتب التي هي اساسية لكي يحافظ الانسان على توازنه العقلي. وقد سمحت له ادارة السجن بقراءة كتابين في الأسبوع، ولكن مكتبة السجن صغيرة جدا، فتم السماح له بادخال كتب جديدة، فطلب روايات غوستاف فلوبير وكتب ارنست رينان، وبعض مؤلفات شكسبير ورواية ثيربانتس " دون كيشوت "، وكتب سبينسر واشعار كيتس ومؤلفات افلاطون ونسخة من الانجيل، ومجلد يضم أعمال من المسرح الاغريقي، ونسخة من ألياذة هوميروس، ويكتب في احدى رسائله إن :" "الكوميديا الإلهية" لدانتي فوق كل الكتب ساعدته على فهم العالم البشع للسجن، لقد قرأت دانتي من قبل كل صفحة فيه، لا المطهر ولا الفردوس كانا يعنياني... ولكن الجحيم! ما الذي يمكنني فعله سوى أن أعجب به؟ الجحيم، ألم نكن ساكنين فيه؟ الجحيم: كان هو السجن".

‏بعدما قضى العام الأول من مدته، وضع وايلد مقترحات بشأن أفضل الكتب التي على السجناء الاطلاع عليها، وقد قسم قائمته الى ثلاثة اصناف من الكتب.

‏يضم القسم الاول الكتب الواجب قراءتها ويضع وايلد الكوميديا الالهية والياذة هوميروس ودون كيشوت في المقدمة بعدها رسائل شيشرون وكتاب رحلات مارك بولو ومذكرات سان سيمون ورواية مدام بوفاري وصومعة بارما لستندال.

‏أما القسم الثاني فيضم الكتب التي تستحق أن تُقرأ مثل مؤلفات افلاطون ودواوين كيتس وكتاب دليل المرأة الذكية لبرنادشو.

‏الى جانب هذين القسمين يضيف وايلد قسماً ثالثاً وهو يخص الكتب التي يجب ان لاتُقرأ، وهو يقول :" مثل هذه القائمة بالكتب السيئة ضرورة مهمة، خصوصا اننا نعيش عصر يقرأ كثيرا الى حد إنه لم يعد له الوقت ليتعجب ويفكر، ويطالب كل قارئ كتب أن يضع قائمة بأسوأ مئة كتاب ليجنب الشباب فوضى القراءة غير النافعة ".

‏ساهم أوسكار وايلد الذي عاش حياة قلقة في تجديد شكل الأدب والفن، وكان من أبرز نقاد الفنون، أهتم بالتجربة الفنية وركز على أهمية الفن في مواجهة الإنحطاط الذي يحيط بالعالم المتصل وعلى الزمن المنفصل لحظات والمتصل سنيناً وقروناً.

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

 

بقلم: أوليفيا روتيجليانو

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

بصراحة... محتمل.

كان عيد ميلاد ماري شيلي بالأمس، وللاحتفال بها، دعونا نتوقف لحظة لتفكيك إحدى القصص الأكثر تداولاً عنها: أنها فقدت عذريتها فوق قبر والدتها مع بيرسي شيلي. رغم أن هذا يبدو مثيرًا، فإنه ليس تمامًا مجرد خرافة، بل فرضية طويلة الأمد ومقبولة. ولكن هناك سياق أعمق لسبب اختيارها هذا الموقع. تبدأ القصة ليلة ولادتها في 30 أغسطس 1797، حيث توفيت والدتها، الكاتبة ماري ولستونكرافت، بعد الولادة بسبب تعقيدات صحية.

وفقًا لكاتبة السيرة ديان جاكوبس، وُلدت ماري الصغيرة على يد قابلة مرموقة تُدعى السيدة بلانكنسوب من مستشفى وستمنستر للولادة، ونجت الولادة بسلام. ولكن بعد أربع ساعات، لم تخرج المشيمة من جسد ماري ولستونكرافت، مما عرضها لخطر النزيف. استدعى زوجها الفيلسوف وليام غودوين طبيبًا لاستخراج المشيمة يدويًا، ولكن دون غسل يديه، مما أدى إلى إدخال عدوى تسببت بوفاتها بعد 11 يومًا. ماري الصغيرة نشأت وهي تدرك أن ولادتها كانت السبب في وفاة والدتها المبدعة.

قضت ماري شيلي حياتها الأدبية في مواجهة علاقاتها المعقدة مع والديها. في الواقع، ترى الباحثة الأدبية ساندرا جيلبرت أن فرانكشتاين ليس مجرد قراءة جديدة من منظور ذكوري لـ الفردوس المفقود كما يعتبره الكثيرون، بل هو إعادة سرد لقصة نشأة ماري شيلي نفسها. فهي ترى مخلوق فرانكشتاين كرمز لطفل وحشي يريد الحب من الوالد الذي تسبب أيضًا في موته.

لم تكبر ماري بدون أم فحسب، بل نشأت مع أم ميتة. وهذان أمران مختلفان تمامًا. فقد تم اصطحابها إلى شاهد قبر والدتها في ساحة كنيسة القديس بانكراس في سن مبكرة، ولأنهما كانتا تشتركان في نفس الاسم الأول، فقد تعلمت ماري كيفية كتابة اسمها من خلال تتبع النقش على شاهد قبر والدتها. في الواقع، كما يكتب جيلبرت، "كانت أمها الحقيقية الوحيدة هي شاهد القبر". وبالتالي، كان قبر وولستونكرافت هو المكان الذي ستحوله ماري إلى ملاذ آمن لها. تلاحظ مورييل سبارك أنها كانت تحمل كتبها إلى هناك، وكانت تقرأ، بنفسها. تلاحظ جيلبرت أنها أعادت قراءة كتابات والدتها بحماس، مرارًا وتكرارًا. يبدو أن نصبها عند قبر والدتها كان محاولة للتواصل مع عقلها - للتعلم منها، قدر الإمكان. وكما ذكرت بيس لوفجوي في مجلة جيستور ديلي، كانت ماري تقضي وقتًا هناك بشكل خاص عندما انتهى الأمر بوالدها إلى الزواج من جارتهم المزعجة ماري جين كليرمونت في ديسمبر 1801، عندما كانت في الرابعة من عمرها. كان هذا مكانها الخاص والهادئ. وبعد سنوات، أحضرت الشاعر بيرسي شيلي إلى هذا المكان لتعلن له عن حبها.

التقى بيرسي شيلي بماري جودوين في عام 1812. كان عمره آنذاك تسعة عشر عامًا، وكانت في الرابعة عشرة. كان معجبًا جدًا بعمل والد ماري، وانضم إلى العائلة لتناول العشاء. لم يلتق الاثنان مرة أخرى لمدة عامين آخرين، عندما كانت ماري في السادسة عشرة، وكان بيرسي في الحادية والعشرين من عمره ومتزوجًا من فتاة أخرى تبلغ من العمر ستة عشر عامًا تدعى هارييت، وكان لديه طفل منها بالفعل. لم يكن الأمر مهمًا. كانت ماري مفتونة تمامًا ببيرسي، الصبي الشرير الصاعد في عالم الأدب - والذي رُفضت بعض مؤلفاته الشعرية للنشر لكونها حادة للغاية. فقد كان متمردًا ومؤمنًا بالحب الحر. (اعذروني بينما أرفع عيني إلى الأبد). كانت زوجة أبي ماري متشككة فيه؛ وفقًا لكاتب السيرة ويليام سانت كلير، كانت تعتقد أن بيرسي كان يغازل الفتيات الثلاث في منزلهم: ماري، وأختها غير الشقيقة فاني، وأختهم غير الشقيقة كلير "جين" كليرمونت، التي كانت أصغر من ماري بثمانية أشهر فقط. كانت تعتقد أن الفتيات الثلاث وقعن في حب الشاعر الوسيم، الذي ادعى صديقه الحميم توماس جيفرسون هوج أنه كان يبدو "متوحشًا ومثقفًا وغير عادي".

لكن بيرسي وماري  كانا يتسللان معًا في كثير من الأحيان، حيث كانا يتجولان ويقرآن في المكان المفضل لماري في المقبرة. في يوم الأحد، 26 يونيو من ذلك العام، اصطحبت ماري جودوين بيرسي مرة أخرى إلى المقبرة وأخبرته أولاً بأنها تحبه،فبادلها نفس الشعور على الفور. ويبدو أنهما مارسا الجنس بعد ذلك بوقت قصير، حيث كتب بيرسي في مذكراته الخاصة في اليوم التالي أن شيئًا رائعًا حدث جعله يعتبر ذلك اليوم "عيد ميلاده" الحقيقي الجديد.

يعتقد الباحثون أنهما مارسا الجنس لأول مرة في هذا المكان، مع اعتراف كاتب سيرة ماري، مارتن جاريت، بالتقاليد المتوارثة حول هذا الافتراض، حيث كانت القبر مكانًا للعديد من مراحل علاقاتهما العاطفية.. في الواقع، كما تلاحظ ساندرا جيلبرت، كان هذا المكان يمثل معظم النشاط العاطفي لماري: "القراءة، والكتابة، أو ممارسة الحب." ومع ذلك، كما تشير بيس لوف جوي في مقالها، لم يكن المكان فظيعًا بالنسبة لهما: "لم تكن المقبرة مجرد مكان لجثث متحللة، بل كانت موقعًا للمعرفة والتواصل: حيث قرأت لتعميق تعليمها الأدبي وتواصلها مع والدتها، ومكانًا أدخلت فيه أسرار الجنس." بعد كل شيء، لم يكن هذا المكان مجرد مقبرة ماري وولستونكرافت، بل كان أيضًا موقع زواجها من غودوين، الذي تم بعد أربعة أشهر فقط من وفاتها. بالنسبة للأم وابنتها وعشاقهما، كان هذا المكان يدمج بين مظاهر الجسد المختلفة، حيث يمكن أن تتحول الروابط المجردة إلى واقع ملموس. هنا تبدأ حيوات جديدة وما بعد الحياة، متداخلة ومترابطة، تعكس عمق التجارب الإنسانية.

في 28 يوليو 1814، ترك بيرسي زوجته هارييت وهرب مع ماري، رغم أنهما لم يتزوجا رسميًا نظرًا لوجود زوجة أخرى له. سافرا إلى فرنسا، وأحضرا معهما كلير كلارمونت، أخت ماري غير الشقيقة. لم يكن ويليام جودوين، والد ماري، الكاتب البوهيمي الذي أدان الزواج ذات يوم باعتباره سجنًا، مسرورًا بهذا الوضع، خاصة بعد أن علم بمشاكل بيرسي المالية. يبدو أن ماري كانت تعتقد أن خطوبتها لبيرسي، وتبنيهما للأفكار التقدمية للحب الحر، سيكون متوافقًا مع الإيديولوجيات الراديكالية التي اعتنقها والداها، عندما كانا صغيرين. لكن جودوين أصبح بعيدًا جدًا  عنها بعد هروبها، مما زاد من معاناتها.

خلال شهر العسل، اكتشفت ماري أنها حامل، ولكن فرحتها تحولت إلى كآبة عندما بدأ بيرسي وأختها غير الشقيقة كلير (التي كانت تُعرف بـ "جين") في قضاء وقت طويل معًا، مما يُشير إلى احتمال بداية علاقة عاطفية بينهما. سافرا ببطء من كاليه إلى بقية القارة، في محاولة للابتعاد عن زوجة والد ماري التي كانت تسعى للانضمام إليهما وإقناعهما بالعودة. ومع نفاد أموالهما في النهاية، وعندما كتبت ماري إلى والدها تطلب المساعدة، أصيبت بالخيبة عندما رفض مساعدتها بشكل قاطع.

عند عودتهما إلى إنجلترا، اكتشف بيرسي وماري أن زوجة بيرسي، هارييت، قد أنجبت ولداً. ولكن في فبراير 1815، أنجبت ماري ابنةً صغيرة قبل الأوان بشهرين، وتوفيت في بداية مارس، مما أدخلها في حالة اكتئاب شديد. كانت ماري تشعر بوجود شبح طفلتها المتوفاة يطاردها. وعندما ورث بيرسي ميراثًا كبيرًا في ذلك الصيف، أخذ حاشيتهما بأكملها إلى بيشوبس جيت للاسترخاء. ومن غير المعروف كيف قضت ذلك الوقت (فقدت مذكراتها من هذه الفترة)، وفي يناير 1816، أنجبت ماري ولداً سمته ويليام. وفي ذلك الصيف، سافرت المجموعة بأكملها إلى جنيف، حيث اجتمعوا مع صديق بيرسي اللورد بايرون (الذي كان قد جعل جين حاملاً بحلول ذلك الوقت)، وجون ويليام بوليدوري وآخرين. كان هذا هو الصيف الممطر وغير السار حيث بدأت المجموعة، التي علقت في الداخل لفترة طويلة جدًا، في سرد قصص الأشباح، حيث بدأت ماري كتابة القصة التي ستصبح فرانكشتاين. كانت تشعر بالإحباط بسبب نقص الأفكار حتى خطر لها فكرة قصة عن جسد يمكن أن يعود إلى الحياة، وهو ما كان منطقيًا بالنظر لتجربتها مع جثة والدتها. وفقًا لكاتبة السيرة الذاتية إميلي صنشتاين، كانت هذه هي اللحظة التي شعرت فيها شيلي البالغة من العمر ثمانية عشر عامًا بأنها "أول خطوة خارج الطفولة إلى الحياة".

عادت ماري الملهمة ورفيقها إلى إنجلترا في سبتمبر، لكنهما لم يتخيلا حجم الحزن الذي سيلاقيهما هناك. في أكتوبر 1816، تلقت ماري رسائل مخيفة من أختها غير الشقيقة فاني، تعبر فيها عن نيتها في الانتحار، مما دفع بيرسي للبحث عنها في محاولة لإنقاذها. لكن محاولاته باءت بالفشل، وعُثر على فاني ميتة في غرفة فندق في سوانسي، بجوار رسالة انتحار وزجاجة من اللودانوم. وبعد شهرين، عُثر على زوجة بيرسي، هارييت، ميتة منتحرة أيضًا، غرقًا في بحيرة سيربنتين في هايد بارك بلندن.لكن عائلتها منعت بيرسي وماري من الحصول على وصاية طفليه، لذا اقترح بيرسي – بناء على نصيحة محاميه - الزواج من ماري، التي كانت حاملًا فى ذلك الوقت .

لقد تزوجا أخيرًا في 30 ديسمبر 1816، بعد عامين ونصف من إعلانهما لأول مرة عن حبهما لبعضهما البعض في ظل قبر ماري وولستونكرافت.

***

.......................

الكاتبة: أوليفيا روتيجيلانو / Olivia Rutigliano:   محررة في Lit Hub وCrimeReads. وهي أيضًا محررة مساهمة في Bright Wall/Dark Room. تظهر أعمالها الأخرى في Vanity Fair وVulture وLapham's Quarterly وLos Angeles Review of Books وPublic Books وThe Baffler وPolitics/Letters وThe Toast وTruly Adventurous وPBS Television وغيرها. حصلت على درجة الدكتوراه من أقسام الأدب الإنجليزي/المقارن والمسرح في جامعة كولومبيا، حيث كانت زميلة ماريون إي بونسفورد.

*بيرسي بيش شيلي (1792-1822) شاعر إنجليزي يُعتبر واحدًا من أبرز الشخصيات في الحركة الرومانسية. وُلد في لندن لعائلة من الطبقة الأرستقراطية، وقد أثرى أدبه بمواضيع مثل الطبيعة، والثورة، والحرية، والخيال.نشأ شيلي في بيئة تعليمية جيدة، حيث درس في جامعة إكسفورد، لكنه طُرد منها بسبب كتاباته المثيرة للجدل حول الدين والسياسة.تزوج من ماري  وولستونكرافت جودوين وأبوها هو الفيلسوف وناقد الأدب وليام جودوين .توفي شيلي في عام 1822 في حادثة غرق بالقرب من سواحل إيطاليا. ورغم حياته القصيرة، ترك إرثًا أدبيًا كبيرًا أثرى الأدب الإنجليزي.

**ماري شيلي (1797-1851)  كاتبة إنجليزية شهيرة، تُعرف بشكل أساسي بأنها مؤلفة رواية    (فرانكشتاين) التي نُشرت لأول مرة في عام 1818. تُعتبر هذه الرواية من أبرز الأعمال في أدب الرعب والخيال العلمي،وُلدت ماري شيلي في لندن لعائلة مثقفة. كانت ابنة الفيلسوف وناقد الأدب وليام جودوين والكاتبة ماري وولستونكرافت، التي عُرفت بأفكارها النسوية.

رابط المقال:

https://lithub.com/did-mary-shelley-actually-lose-her-virginity-to-percy-on-top-of-her-mothers-grave/

الفن.. تلك الفكرة القائلة بالجمال تقصدا للكامن في الذات من هواجس وأمزجة في كثير من ضروب التعاطي حيث الذهاب عميقا باتجاه اليانع والخصب والأنيق والبشع والممكن جماليا لأجل الافصاح عن الأحوال والعناصر والتفاصيل وهي تغدو الى ما تفكر به وفيه شواسع الكائن الناظر والمتأمل تأويلا وبحثا...و حلما..ونعني الفنان...

وهكذا هي الفسحة في العوالم حيث الرغبة الجامحة في تحويل الأمكنة الى علبة تلوين مثل أطفال يمرحون تحت سماء وقبالة بحر في زرقة تكللها موسيقى البراءة..و الفن هو تلك اللعبة البريئة تجاه الآخرين في قصدية باذخة للقول بالأشياء في شفافيتها العالية وجودة ايقاعاتها الخافتة والصاخبة ..كل ذلك دفعة واحدة ..فكأن الريح مجال سفر والقلق عنوان متعة لا تضاهى..368 majed zolayla

انها فكرة الترحال في المكان الواحد..و في الأمكنة وديدن الفنان هنا وغنمه الهائل الانصات لعناصر الكون الفارة من كينونته ليطاردها في غنائه المسترسل مثل فراشات من ذهب الأزمنة..أزمنة متداخلة وأمكنة ضاجة بما يسر وما هو محزن غير أن الجامع بين معانيها شجن معتق نابع وقادم ومقبل من مهجة هذا ...الفنان.

و الفن فنون وهذا يمسح في الأهمية والعناية والدراسة كل ضروب الفن ومنها وما يعنينا هنا هو التشكيل..الفن البصري..الابداع الفني التشكيلي وهو مجال مخصوص تتداخل فيه الأحاسيس لتمتزج بالفكرة المراد قولها في مناخات من دأب والوعي والحرص والبحث الدؤوب...كل ذلك تجاه ذات فنانة وآخرين ينظرون كما ينظرون للمنجز الفني ..و للعالم..هذا المتحول والمربك في متغيراته ليأخذ الفن والفنانين الى مختلف مناطق تحولاته بأسئلتها وحيرتها الدفينة...

في هذا السياق من فكرة الفن العارمة والطافحة بالعناء والمراكمة بحثا وتجريبا وخروجا عن المألوف للقول بالمبتكر أسلوبا وجمالا وتخييلا نمضي مع تجربة فنية تشكيلية عبرت منذ بداياتها عن مسار محفوف بالمغامرة لتقود المتقبل الى الآفاق حيث  نقطة الذهاب الأولى المدينة الكامنة في القلب والشواسع بجمال مياهها والنخيل..هي الجزيرة قرقنة..369 majed zolayla

الفنان التشكيلي هو من ربوعها ونعني ماجد زليلة الذي انطلقت تجربته بروح طفل وهو ينظر للأشياء والحياة والعوالم نظرات فنان حالم حيث تطورت التجربة عبر ذهاب السنوات ولازمها الحلم لتكون الرحلة الفنية بين أروقة تونسية ومعارض الى فضاءات فنية متعددة في العالم وهو بذلك يعلي من شأن رغبة وشغف شديدين تجاه فنه ..و في ذاته شيء من الحلم ...

تميزت أعمال الفنان ماجد زليلة بمسحة من تخييل ومرح في نظرة ساخرة وقائلة بجمال التعاطي مبتكر لونا مخصوصا لشخصياته المرئية التي يستعيرها من الواقع ليعيدها للمنجز الفني في هيئات مختلفة وبجمالية يرى من خلالها المتلقي للأثر الفني شيئا من ذاته وحالاته وأنفاسه ضمن المجتمع بأطياف ثقافته ووعيه وشجنه ..انها لعبة الفن في كون من الدعابة المبهجة والمؤلمة في آن  بوعي الفنان ورؤيته للفن من رسم خطي وتلوين وابراز بليغ عبر المجسم والتوظيف من خلال استثمار الديكور وما أهمل أو تم نسيانه وصولا الى المحامل المتعددة كا الصالونات والدراجات والسيارات حيث يخرج علينا ماجد بسرديته الجمالية التي تعيد للأشياء وظائفها الجديدة فضلا على الافادة من الأمثال والمتخيل العام والتراث من ذلك الدراجة النارية " الموبيلات " التي كان لها حضور مكثف كوسيلة نقل في السبعينيات وخاصة في صفاقس وقرقنة ليضفي عليها عملا فنيا يبرزها كحاضنة جمالية وشعبية من خلال المثل الشعبي المتداول في قرقنة وصفاقس حيث رجل وامرأته في سفر ومستلزماته التقليدية آنذاك..370 majed zolayla

هذه الفكرة الفنية كررها بروح ابداعية مغايرة ماجد زليلة وخاصة مع آلات الموسيقى والأواني والصواني والدمى الروسية والخزفيات وآلة الخياطة والكراسي وخزانة الجدة والأكواب حيث كان ذلك في معرضه الممتاز بفضاءات قصر دار التركي  الأنيقة  بسيدي بوسعيد حيث الفن بعناصر جماله في اطلالاته الباذخة على البحر.

زليلة..فنان بروح طفل وبخيال سفر وبموهبة متمكن و...بقلق فنان لا يقر له قرار ولا يقنع بغير النشيد...انه نشيد الفن وهو يأسر الذات بشواسعها وعنفوان توهجها تغمره حالة قصوى من  الدعابة وهو يفكر في عمله الفني وكذلك عند انجازه وأيضا وهو يتجول بين الأمكنة والعواصم والمدن التي زارها ويزورها باثا فيها شيئا من أحاسيس وكلمات ومعاني فنه الذي يمتزج فيه سحر الخطوط والتلوين نحو فضاء تشكيلي معبر وتحتشد فيه المعاني وعباراتها المتعددة..كل ذلك وفق شخصيات محورية فردية ومتعددة التي هي أساس العنوان والترجمان في اللوحة والعمل الفني لديه.

ماجد زليلة من مواليد 3 جانفي 1981 بتونسو هو  رسام وفنان خريج المعهد العالي للفنون والحرف بصفاقس قدم العديد من المعارض الفنية الخاصة الى جانب مشاركاته في المعارض الجماعية وذلك في تونس وخارجها وهو يعرض بانتظام في قاعات العرض المتعددة حيث  شارك في معارض جماعية بدار الفنون بالبلفدير، قصر العبدلية وبمتحف قصر خير الدين كما أنه عرض فرديا في مناسبات عديدة لنذكر مثلا معارضه الشخصية ب بفضاء دار الجلد وبرواق حدائق السلامبو الى جانب معارضه التي كانت باستمرار في Galerie Kalysté وخاصة  خلال شهر جانفي سنة  2015 وله خلال سنة 2016 إقامة فنية في باريس.و نذكر أيضا تجربته المميزة في الرسم على السيارة وهي الجميلة هونداي .

هكذا هي لعبة الفن الأنيقة عند ماجد زليلة التي اقتحم بها ومن خلالها مجالات مفتوحة كالفضاءات العامة والشوارع ليبرز من خلال رسوماته شخصياته المتسلحة بالسخرية والبهجة وبالقوة والدعابة  ..

فنان خبر نهجه الفني فغدا فيه لا يعنيه ضجيج الساحات والفنانين همه الذهاب عميقا في تجربته وفنه منذ خطاه الأولى تلك الشغوفة بالبدايات الملونة حيث كان طالبا للفنون مأخوذا بسير الفنانين الرواد والكبار لينشد معجبا بالرسام الإيطالي أميديو موديلياني الذي يرى فيه كونا فنيا مخصوصا من التعبير والاحساس ..و في هذا كله يواصل زليلة البحث والتجدد في مسار تجربته بتخير الفضاءات وصالات العرض وفق رغباته ومفهومه الحديث لها ولدورها في الفن والمجتمع ..تجربة متواصلة ضمن مسيرة مفتوحة تحلت بعديد الأعمال والمبتكرات والمشاركات في المعارض والترحال والسفر والانكباب بحزم على العمل والعزلة الجميلة والمولدة ليغرد خارج السرب..فنان مؤمن بما يتخيره من مواضيع وبه رغبة فادحة في التجدد في عالم فني لا يقبل الجمود والسكون ..تم اقتناء عديد الأعمال له فهو بفنه كون لنفسه أحباء ومقتنين من مؤسسات وخواص كما أنه نال عديد الجوائز والتتويجات.

الفنان ماجد زليلة ..تخير جمالي به قراءات متعددة ونظر من زوايا مختلفة حيث الفن في عمق بيئته ومجتمعه... وأحواله الجمة.

***

شمس الدين العوني

الأغنياء والفقراء، القضاة والمتهمون، الحراس واللصوص والمخمورون كلهم يقولون لي: ماذا تفعل في هذا الوطن بعد ان ابيض شعرك تحت سماءه وانحنى ظهرك فوق ارصفته؟ ماذا تنتظر منه بعد ان تحدد فيه مستقبلك ومستقبل غيرك في السياسة كما تحدد مستقبل محمد امين في الفن؟

 سافر الى بلاد الله الواسعة فقد لا تجد وقتا في المستقبل لشراء حقيبة وقد لا تجد يدا او اصبعا في يدك لحمل تلك الحقيبة... وكلما عدت الى بيتي في اخر اليل اجد على عتبته جواز السفر وتأشيرة الخروج  ودفتر الصحة وبطاقة الطائرة وحبوب الدوخة

 واحزم امري وحقائبي واسافر. في الذهاب أتمنى ان يكون مقعدي في غرفة القيادة على ركبة الطيارة او المضيفة لابتعد بأقصى  سرعة عن هذا الوطن وفي الإياب أتمنى ان يكون مقعدي في مقدمة الطائرة على غطاء المحرك لاعود بأقصى سرعة الى هذا الوطن

أخر مرة كانت الى تونس أربعة الاف كيلو متر فوق البحار والقارات وانا احدق من نافذة الطائرة كما يحدق اليتيم في واجهات الحوانيت في الأعياد، كانت الغيوم هاربة من العرب، التلوث هارباً من العرب، العروبة هاربة من العرب وبعد أسبوع كنت اهرول عائدا اليهم وحزام الأمان مازال حول خصري

و سألتني زوجتي بدهشة: ما الذي عاد بك بهذه السرعة؟ ألم تعجبك تونس؟

قلت: انها الجنة بعينيها، شمس وبحر وغابات

قالت: وماذا تريد اكثر من ذلك؟

قلت: بصراحة، بلد لا يوجد فيه مشاكل!

قالت مستغربة: مشاكل؟

قلت: نعم بلد بدون ازمة سكن،  ازمة مواصلات، أزمة غاز وبدون شائعات...لا فلان طار ولا فلان راح لا استطيع ان اُقيم فيه أكثر من اسبوع . كما انني بدون دخان مهرب ودعوسة رجلين في الباصات ومسؤولين يخالفون شارات المرور وشاحنات صاعدة هابطة وقت القيلولة تصب جهود الجماهير في أساس بناية او شاليه لهؤلاء المسؤولين وكل نشرة والثانية يا جماهير شعبنا وفي هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ امتنا، لا اشعر بانني في بلدي بين اهلي واحبابي كما يقولون في كلماتهم الترحيبية كل شيء عندهم في تونس هادئ كمراكز الامتحانات  وكل شيء واضح ومحدد حسب النظام والقانون لذلك فقدت اعصابي وصرت كالخليجي الذي اعتاد النوم طول حياته على صوت المكيف فما ان يتوقف عن العمل حتى يستيقظ ولا يعرف كيف ينام حتى يعود للعمل والهدير من جديد .

ثم انني احب هذا الوطن من محيطه الى خليجه فأينما كنت ما ان اقرا اسمه في جريدة او اسمعه في إذاعة حتى اتجمد كنهر سيبييري

كعريف في حضرة الجنرال، أنني احبه، قدروا ظروفي وعواطفي.

فيه قرأت او قصة لياسين رفاعية وسمعت اول اغنية لفهد بلان وقرأت اول افتتاحية ترد على كل المخططات الأجنبية في المنطقة، تبدأ ببيت للفرزدق وتنتهي ببيتين للأصمعي، فيه سمعت لأول مرة اسم قضية فلسطين، عائدون، حرب التحرير الشعبية، حرب الاستنزاف، الكيلو 101، مرسيدس 220،امبريالية، استعمار، انسبستر، ديبون، فيزون، بيار كاردان، جنرال الكتريك، جنرال سيلاسفيو.

صرخت زوجتي بحدة: مشكلتك انك تسخر من كل شيء في هذه المنطقة.

فلت لها: بالعكس، مشكلتي انني احترم كل شيء فيها حتى قمامتها بدليل، وانا عائد في اخر الليل سقط عليَّ كيس قمامة فلم احتج ولم انفضها حتى عن رأسي وثيابي لأنني من طريقة سقوطها عليَّ عرفت انها زبالة مدعومة.

قالت حالتك خطيرة جداً، عليك بمراجعة طبيب.

قلتُ: أن الدكتور كيسينجر لن يحل مشكلتي، وتصوري انني صرت ابكي في أفلام حسن الامام وافرقع بأصابعي في حفلات سميرة توفيق.

قالت: كم يؤلمني ان أرى شاعر مثلك لا يجد ما يتحدث به في أواخر عمره غير حسن الامام وسميرة توفيق وأكياس القمامة..

هل نسيت الشعر؟

قلتُ: الشعرا كأنك تُذَّكرينني بطفل فقدته ولا اعرف قبراً له.

قالت: هل تثق بيَّ؟

قلتُ: كثقتي بكرايسكي

قالت: أياً كان رأيك فأنت في حالة يرثى لها أُيها العجوز الصغير وعلاجك الوحيد هو الشعر، السفر الروحي على اجنحة الحلم والخيال.

فقلتُ: ولكن كيف؟ والى اين؟

ولما كانت زوجتي بطبيعتها حالمة وخيالية فسرعان ما فتحت النافذة وحدقت في الأفق البعيد وقالت، الان وليس غداً، انزع من رأسك كل السفاسف السياسية والمنغصات اليومية وتعال معي لنطير على اجنحة الحلم والخيال الى العوالم الذي سبقنا اليها رامبو وفيرلين وهايني وشلر ولوركا، لنطير بعيداً بعيداً في عالم السحر والجمال حيث السماء الزرقاء ولأمواج الحالمة والغابات العذراء.

فقلت لها حبيبتي اذا ما استمرت الأمور في المنطقة على هذا المنوال، تبادل شتائم ومؤتمرات وخطابات فلن نطير انا وانت وغيرنا في نهاية الامر الا الى كامب دافيد.

***

 الى التالية/ 6ساعة المستقبل

عبد الرضا حمد جاسم

تتميز الكتب التي تحوي تجارب القراءة والكتابة بطعم خاص، فما بالك إذا كان الكتاب يتحدث عن تجربة رجل كانت مهنته الوحيدة في الحياة هي القراءة وتحرير الكتب، مثل روبرت غوتليب الذي توفي العام الماضي عن عمر “ 92” عاما -ولد في 29 نيسان عام 1931 -، خلال ما يقارب 60 عاما كان فيها يقرأ ويكتب ويقدم النصيحة لكبار الكتاب الذين عاصروه، وعمل محررا أدبيا لعدد من الكتاب البارزين أمثال دوريس ليسينج، وتوني موريسون، وسلمان رشدي، وأنتوني بيرجيس، ونايبول، بالإضافة إلى راي برادبري، وبوب ديلان.

وضع غوتليب عنوان مثير لكتابه " القارئ النهم " . ترجمه إلى العربية أنس محمد .

يخبرنا أكيف ان جده قرر اختار أن يعلمه القراءة عندما كان في الرابعة من عمره، بعدها أمضى معظم مراحل حياته، من المدرسة إلى الجامعة، وهو في حالة.. قراءة دائمة، لدرجة أنه كانت تفوته مواعيد حصص الدراسة أو المحاضرة، إذ يكون غارقاً وقتها بين دفتي كتاب ما.

أتجول بين صفحات " القارئ النهم " واتذكر كيف ان القراءة مثلت إحدى أجمل ذكرياتي في الصغر، وكل شيء بدأ عندي اشيه برحلة، ذات يوم وانا ابن العاشرة من عمري وفي احدى مناطق بغداد، اخذتني قدماي الى مكتبة يملكها أحد أقاربي يبيع فيها الكتب والمجلات والصحف، في ذلك النهار وأنا أتجول بين العناوين وصور الأغلفة الملونة، اكتشفت إن هذا المكان يمكن أن يصبح كل عالمي .. عندما استرجع كيف قضيت سنوات طويلة من عمري في رفقة الكتب، أتساءل أحيانا إن كانت هذه الكتب غيرت حياتي، أم انها سجنتني في عوالم مثالية وخيالية . كنت وأنا أدخل المكتبة، التفت باتجاه الرفوف التي تحوي مئات العناوين، وأشعر ان هذه الكتب تنظر ألي وإنها تعرف عني أكثر مما أعرف عنها، وأحيانا أتخيل ان كل كتاب يخفي داخله عالماً سحرياً لانهاية له.

يكتب روبرت غوتليب: لقد اندلعت شرارة علاقتي الغرامية مع القراء وتأكدت من خلال الرسالة التي وجهها ريتشارد سيمون إلى جميع موظفي شركة سيمون وسوسته عن طريق اثقال ورقية برونزية حفرت عليها هذه الكلمات (رفقا بالقارئ) " .

على مدى الايام التي تجولت فيها بأجنحة معرض الرياض الدولي للكتاب،كنت اشعر بنشوة غريبة لحظة النظر الى الكتب، وغالباً ما كانت الأغلفة تقذف بي الى عالم مجهول، بينما كنت أرغب بكل كياني أن أغور في أعماق هذه الكتب، وحين أتمكن من الحصول على كتب جديدة، يبدأ قلق آخر، البحث عن عناوين جديدة آخرى، كنت أًبحث في رفوف المكتبات مرهوباً بالأسماء، هذا تولستوي وذاك ايمانويل كانط، هنا يقف ماركيز، الى جانب البير كامو، من زاوية في احد الأجنحة ينتظر سارتر على احد الرفوف، فيما شوبنهاور لا يريد ان يوضع على رف واحد مع غوته . في زاوية ما يقبع الجاحظ فيما يندب ابو حيان التوحيدي حظه، كنت مثل طفل ضائع وسط غابة كبيرة، يتطفل النظر في وجوه الآخرين، شعور بالسعادة يغمرني، وأنا أمارس لعبة بعث الكُتاب الموتى من قبورهم . تطلق الكتب العنان لمخيلة القراء وتمنحهمً، عالما جميلاً، ومنسجما .

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

نحات، ولد في سامراء (1933)، حاصل على دبلوم من معهد الفنون الجميلة، وبكلوريوس من أكادمية الفنون الجميلة، وهو عضو نقابة الفنانين وعضو جمعية الفنانين التشكيليين . عيّن مشرفا على قسم النحت والمعادن في مركز التدريب الحرفي....

من أعماله: تمثال ساطع الحصري، عباس بن فرناس.

(موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين لحميد المطبعي).

سامراء فيها العديد من الفنانين الذين قدموا أعمالا ذات قيمة فنية ومعرفية، فما أروع رساميها ونحاتيها وقادة الإبداع السيراميكي، ومنهم ماهر السامرائي ونايف السامرائي ، وآخرون لهم أساليبهم ومدارسهم الفنية، وأكثرهم تخرجوا من أكاديميات عالمية.

ومن المعاصرين المتميزن عدد من الرسامبن المبدعين، فيهم  الذي يقدم لوحات رائعة، وسيكون له مستقبل فائق المقام في دنيا الرسم.

ترى، هل هناك موروثات حضارية من النحاتين والفنانين والمعماريين الذين شيدوا "سر من رأى"؟!!

 فالمدينة قد عاش فيها نخبة من المبدعين  أصحاب العطاءات الخالدة، ولا يمكن الجزم بذلك، لكنها غنية بالرموز المعرفية الاصيلة.

فيها ألمع نحاة اللغة العربية والأطباء  والشعراء  والفنانين المتميزين، ولا تزال تضخ الوطن بالمواهب النادرة.

والنحات بدري فاضل السامرائي أحد رموزها الفنية، التي ترسخت في الموروث العراقي المعاصر، ويذكّرنا بموهبته، تمثال "عباس بن فرناس" (1973) في بداية شارع المطار.

وذكر أحد الفنانين أنه كان أستاذه لبضعة سنوات، ولديه أعمال عديدة في النحت، ولا توجد معلومات كافية عنه.

ومنحوتاته متنوعة ومنتشرة في أماكن متفرقة، ولا متحف يضمها، وحري بمدينته أن تؤسس متحفا لأعماله ولمبدعيها الآخرين.

***

د. صادق السامرائي

 

ألقاه بين فترة وأخرى هادئا مطمئنا في أحدِ الشّوارع وقد اِنتهى لِتَوِّهِ من إصدار كتاب أو مُستعدًّا لطبع كتاب آخر جديد.

نحيفُ الجسم رقيقُ الكلمات لطيفُ الحركات غير شاكٍ ولا باكٍ فصديقي من أولئك الذين يعلمون أنّ دروب الأدب طويلةٌ أوّلًا وصعبة ثانيا وأنّ بلوغ تخقيق الأماني لن يتسنّى إلا بالمكابدة والدّأب وأنّ الذي يرومُ حرقَ المراحل مصيره الاِحتراق قبل الأوان.

هو الشّاعر حسين القهواجي الذي في رصيده إلى الآن سبعة كتب إبداعية على الأقلّ… إنّه ما يزال على نفس الإصرار في عشق الحروف وإبلاغها إلى النّاس ولو على حساب الضّروريات من الحياة،

من هذه الدّواوين:

ليل المقابر

غراب النبوءات

أنْدَرُ من بُروق الصّيف

أرقُّ من غيمة الخريف

يوميات في مارستان

الأرواح البيضاء

كتاب الأيام

تندرج نصوص حسين القهواجي الشّعرية ضمن السّياق التجديدي العام من حيث المبنى وتتمحور حول الهواجس الذّاتية من حيث المعنى الذي كثيرا ما يحُومُ حول المعاني الصّوفية بما فيها من وجْدٍ وتغَنِّ بالكون والمَلَكُوتِ اِنطلاقًا من التراث الصّوفي العام.

يقول الشّاعر في ديوانه (غراب النبوءات) وفي قصيدة (نمل) التي تُوحي برباعيات الخيام لكنّها جاءت على شكل الدُّوبيتْ القديم:

1- بخدّي أُخدود ماءٍ غصّت به الجُفُونُ

أيُّنا أحصى شهور الحمل وهو جنين

2- جيئُوني بحفَّار وناعِ

قبل أن تنبش أشلائي الأفاعي

3- ولأنّ الدّهر كالعنكبوت نسّاجُ أكفانْ

هيَّأتُ فوق البُرج لحمي وليمةً للعُقبانْ

4- رياحٌ من عهد إرَمَا

ملأتُ بيتي مَأَتَمَا

5- هلالُ الخريف اِبتلعته غمامهْ

أسفًا دروبُ الفجر مُطفأةُ العلامهْ

فهذه المجموعة الشّعريّة ترشح بالمعاني الصّوفية فبالإضافة إلى الخيَام نقرأ فيها إحالات على الحلاّج وعلى غيره من النُسّاك والقدّيسين والفلاسفة في أثينا وفي غيرها وبقدر ما نلاحظ اِستيعابًا للأدب الصّوفي لدى الشاعر حسين القهواجي فإنّه من ناحية أخرى اِستطاع أن يرسم الملامح الخاصّة به في هذا الغرض القديم الذي حاول أن يضيف إليه لونه فيصبغه به:

أنكرتُ الوجوه والكتب التي أعرف

عساي أتصيّد الرّبيع

في قصب السكّر يغفو

لو عُدتُ للمهد صبيًّا

كنت صوّرت الأرض هالهْ

طوّافةً بين قرنيْ غزالهْ

ولاِنهمر الغيمُ ورقًا نديًّا

هكذا أعيشْ:

فانوسُ يرشح مَوْتًا

***

سُوف عبيد

 

(لعل الملاذ الوحيد هو أن تجعل صوتًا قادمًا من البعيد مسموعًا، من مكان آخر، منقطع الصلة بكلِّ ما عداه.. بيدَ أن تكون منقطع الصلة بكل ما عداك فتلك أمنية يوتوبي).. فرنسوا فال. 

في مفهوم الكتابة، تنزاح التخيلات الابداعية إلى ما يشبه ارتطام الصخور، وتحولها إلى أشلاء، قد تأخذ أشكالا نصية تداولية متعددة، ودرجات من التماهي في واقع التلقي، يجلبها إلى كثلة جديدة في مرمى فهم حقيقة "الرقمي التفاعلي"، وما يحبل به في إعادة قراءة اللغة وتمثلاتها وسد فراغاتها وتعدد تأويلاتها.

 نفسها القطيعة التي تنشطر إلى لسانية وآلية، تنسج نصوصا جديدة بآفاق مفتوحة على كل الواجهات، في تعدد وسائطها وتناغم مفاصلها، وانتقالاتها، من رمادها الخام، مستعذبة وسوما مغايرة، وأوضاعا تؤطرها بنية دلالية قرائية ووعي استقبال، بنكهة اعتبارية متحررة من تقاليد المفهوم التفاعلي السابق.

إن البحث عن ملاذ نوسطالجي آمن ومنتظم لتحميل الأفكار ونشرها، والامتداد بها، هو نفسه الشعور بالانتماء لنص بارت، الذي يطوف بلذاذته بآثار وملمات شاغرة، للانزياح عن فهمنا الخاص للكتابة.

وبما أن عوالم التغيير المستحدثة، أظهرت بالملموس مدى شساعة ولامحدودية الفضاءات الزرقاء في الافتراضي والتكنولوجي الرقمي، فإن تمة ما يدعونا إلى إعادة صياغة سؤال النشر وممكناته، على مستويات القابلية (القراءة)، والاندماج الفكري والنفسي وما يلي ذلك من الابدالات التي تؤثر في "الإمتاع" و"اللذة" و"توثيق النص"؟.

ووفق التحولات المندوحة لفعل التلقي والكتابة، يصير المنظور المتغير لثنائية (الكتابة والكاتب)، بعد الطفرة الجنونية التي شهدتها شبكات التواصل الاجتماعي وسرعة الانترنيت، وما يستتبعهما من التدفق الجرار للمعلومات والبيانات والتراجم الاصطناعية الذكية، موطنا نقدانيا يحيل بالضرورة إلى بداية التفكير في حلحلة أو حتى اسقاط نظرية بارت، بالنظر إلى التأثيرات الفكرية والاستخدامات الجديدة للانترنت وتجاذبات ذلك كله، على ما يسمى ب "قيمة المؤلف عند قراءة النص"و "حرية القارئ" و"إشكالية الكاتب الورقي"، والقارئ الإلكتروني"، و "الملكية الفكرية" وغير ذلك.

نتساءل هنا، هل تمة ما يحيل إلى تكريس موت المؤلف، أو تأخير دفنه في ضوء انحسار الورقي، واستمرار تعثره؟. فالقضية هنا، ليست مرتبطة فقط بما تستثمره الثقافات المرقمنة، من الصمود اليوطوبي ضد التيار الجارف لتكنولوجيا المعلوميات وزحفها تجاه الروح والقيمة، ولا بسياق إحفاز النص على القفز والتداعي، بل بمنظومة قيم بدأت تتوسع بشكل خطير في بنيات الثقافات وتحولاتها الحضارية .

هذا لا يعني بالتأكيد، أننا متواطئون مع هذا الانجراف الداهم، ومسايرون لتداعياته الرجيمة، بل مندهشون من فتنه وقحالة زمنيته، حيث يبدو لنا للوهلة الاولى، أن خلاصنا من "النص" ومن سلطتنا الذاتية بإزائه، تعيق فهمنا لممكنات جعل القارئ المفترض قابلا لامتلاك سلطة أخرى موازية، وهو الشيء الذي يدفعنا إلى التخلص السريع من ثقل النص وإملاءاته الشكلية والفنية المضطربة، كما متاهاته المنذورة للهشاشة والتفكك والاختفاء؟!.

على أننا في هذا السير الصاعق المتوتر، نحاول ابتلاع تفاعلية الأيقونة بين تلقي النص في صيغته الإلكترونية التي لا تمايز فقط بين محتويات النص فقط، بل تعيده إلى مكمنه النفسي ومنشئه الأبجدي، دون إغفال مستوى الخطاب، عبر اللغة التي تبني هيكلها العام، دون انحراف بنائي أو تشظي دلالي.

***

د. مصطفى غَلْمَان

يوافق اليوم الثاني من شهر تشرين أول الذكرى الثالثة عشر لرحيل الشاعر العراقي (علي الشباني 1946 ــ 2011 ) الذي يعتبر واحدا من أبرز الشعراء المجددين في القصيدة الشعبية يضاف الى تاريخه النضالي الطويل المكلل بالبطولات والتضحيات الجسام، وكانت لي مع الشاعر رفقة امتدت لسنوات طويلة وعلى تواصل مع منجزه ونشاطه الشعري، وعند اشتداد مرضه كانت لي مع الاصدقاء مبادرات عديدة للتخفيف من وطأة المرض ومحاولة تجاوزه من بينها اننا في فجر يوم أيلولي من عام 2011 انطلقنا من الديوانية صوب بغداد أنا والصديقان الروائي "سلام ابراهيم "والفنان "علي الطرفي " وبرفقتنا الشاعر علي الشباني بعد ان أكملنا ترتيباتنا مع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وبجهود مميزة من الشاعرين الصديقين " كاظم غيلان " و" ريسان الخزعلي " لإحياء أصبوحة شعرية للشباني في محاولة لإخراجه من وحدته ودفقة معنوية لعبور المحنة المرضية التي كان يمرّ بها. وقد فوجئنا ونحن ندخل قاعة الجلسة بالجمهور الذي احتشدت به القاعة وكذلك عدد الفضائيات التي جاءت لتغطية  الجلسة، ولم يكن بالمفاجأة التقديم الرائع للشاعر كاظم غيلان ولا بشهادتي وشهادة الصديق الروائي سلام ابراهيم وليس كذلك في أداء الفنان على الطرفي الذي وقف في القاعة منشدا قصائد الشباني بحركات مسرحية ومحفزا الشاعر على النهوض من جديد والعودة الى ميدانه الأحب ميدان الشعر انما كانت المفاجأة الأبرز في العنفوان الذي ظهر به الشباني وهو يرتقي المنصة وينشد الشعر فكان اشبه بطائر تحرر من القفص الى فضاء الحرية وبدا بذات الألق والحماسة اللتين كان عليهما في سنوات الصحة والشباب والتي شهدتها أروقة المهرجانات الشعرية الكبيرة الأمر الذي غمرنا فرحا وتفاؤلا بنجاح مهمتنا حيث شعرنا حينها ان محاولتنا كانت فاعلة واعطت ثمارها سريعا وعدنا الى الديوانية في مساء ذات اليوم تملؤنا الفرحة والتفاؤل بنجاح خطوتنا وكان الشباني اكثر منا سعادة ونشوة لما شاهده من اهتمام وما لاقاه من حفاوة ولقاءات جانبية مع شخصيات ادبية وسياسية ودينية كبيرة وكذلك من الجمهور الذي احاطه بمودة صادقة، لكن للأسف بعد مضي اسابيع قليلة على ذلك الحدث الثقافي الرائع تبين ان فرحتنا لم تكن الاّ محض سراب، فقد رحل الشباني فجر الثاني من تشرين أول 2011 بعد ان شهد يوما جميلا أعاده الى واحدة من محطات حياته المليئة بالعنفوان والابداع .

***

ثامر الحاج امين

 

بعد ان اتى الجراد السياسي في الوطن العربي على الحاضر والمستقبل يبدو انه الان قد التفت الى الماضي وذلك حتى لا يجد الانسان العربي ما يسند ظهره اليه في مواجهة الاخطار المحيطة به سوى مسند الكرسي الذي يجلس عليه بدليل هذا الحنو المفاجئ على لغتنا العربية وهذه المناحة اليومية في معظم صحف واذاعات المنطقة على ما أصاب قواعدها من تخريب وما يتعرض له صرفها ونحوها من عبث واستهتار حتى لم يعد احدنا يعرف كيف يقرا رسالة او يدون رقم هاتف.

و مع احترامنا لكل حرف في لغتنا ومع تقديرنا لجميع ظروف الزمان والمكان في كل جملة ومرحلة في الوطن العربي لا بد ان نسأل:  ما الفائدة من الاسم اذا كان " صحيحاً" والوطن نفسه معتلاً؟

او اذا كانت هذه الجملة او تلك مبنية على الضم او الفتح والمستوطنات الإسرائيلية مبنية امام اعيننا على جثث التلاميذ والمدرسين الفلسطينيين؟ ثم لم وجدت اللغة أصلا في تاريخ أي امة؟ اليس من اجل الحوار والتفاهم بين افرادها وجماعاتها؟

فأين مثل هذا الحوار فيما بيننا؟

هل هناك حوار مثلاً بين التاجر والزبون؟

بين العامل ورب العمل؟

بين المالك والمستأجر؟

بين الراكب والسائق؟

بين المحقق والمتهم؟

بين الابن والأب؟

أو بين الزوج والزوجة؟

ايضاً لم تعد هناك حاجة لأن تسأل عن أي شيء او تجيب على أي شيء فالأسعار مثلاً في السينما مكتوبة في كل بطاقة وفي المستشفى فوق كل سرير وفي المطعم في كل فاتورة وكل ما حول المواطن العربي اصبح سعره واضحا ومعروفا ومكتوبا على جميع جوانبه من الألبسة والأحذية والفاكهة والخضروات والبيوت والبارات والمزارع والعقارات الى الرياضيين والمطربين والكتاب والصحفيين ولم يبقى الا ان يُكتب على الشعوب سعرها ومنشؤها ومدى صلاحيتها للاستعمال.

 والاهم من كل هذا وذاك: هل هناك حوار بين السلطة والشعب في أي زمان ومكان في هذا الشرق؟

فأي مسؤول إنكليزي مثلا عندما يختلف في الراي مع أي كان في محاضرة او مناقشة في بلده يأتي بحجه من شكسبير لإقناع مستمعيه والإيطالي يأتي بحجة من دانتي

و الفرنسي يأتي بحجة من فولتير

و الألماني يأتي بحجة من نيتشه

اما أي مسؤول عربي فلو اختلف معه حول عنوان قصيدة لاتاك بدبابة وتفضل وناقشها

ولذا صار فم العربي مجرد قن لإيواء اللسان والاسنان لا اكثر

و في مثل هذه الأحوال:

ماذا يفعل حرف الجر المسكين امام حاملة الطائرات مثلاً؟

او الفتحة والضمة امام مدفع مرتد يتسع لمجمع لغوي؟

و ما دام الحوار الوحيد المسموح به في معظم ارجاء الوطن العربي هو حوار العين والمخرز فلن ترفع الا الأسعار

و لن تنصب الا المشانق

و لن تُضم إلا الأراضي المحتلة

و لن تجر إلا الشعوب

لذلك كلما قرات او سمعت هذا او ذاك من الشعراء والصحفيين والمذيعين العرب "يجعجع" عن الديمقراطية والعدالة والحرية وينتصر على الصهيونية ويقضي على التخلف ويتوعد هذا ويهدد ذاك وهو جالس في مقهاه او وراء مذياعه لا أتمنى سوى تأميم اللغة العربية من المحيط الى الخليج وتكويمها في بيدر او ساحة عامة في قلب الوطن العربي وتكليف موظف مختص وراء اذنه قلم وامامه سجل يجمع الكتاب والشعراء والادباء  العرب وينادي عليهم بأسمائهم ويسالهم فردا فردا:

انت أيها الشاعر التقليدي، كم كلمة مثل: رماح، رمال، جراح، بطاح، تريد؟ تفضل مع السلامة.

وانت أيها الشاعر الحديث كم كلمة من أمثال: تجاوز، تخطي، أبداع، تأنس، تريد؟ تفضل مع السلامة

و انت أيها المذيع العصبي كم كلمة من أمثال: "في هذه الظروف العصيبة" و"في هذه اللحظات الحاسمة" تريد؟ تفضل مع السلامة

و انت أيها المثقف المتزن كم كلمة من مثال: "في الواقع"، "في الحقيقة"، "جدلية" و"شمولية"، و"نظرة موضوعية" و"قفزة نوعية" تريد؟ تفضل مع الف سلامة.

 وانت أيها المناضل والمتطرف والمتفرغ لكل محاضرة وندوة ومناسبة كم كلمة من أمثال: دم، دماء، استعمار ،امبريالية، شعوب، "وحدة شعوب"

، "وحدة المصير"، كوبا ،نيكاراغوا، وكم مناقصة فوقها تريد؟ تفضل ومع الف الف سلامة

فقبل احترام اللغة يجب احترام الانسان الذي ينطق بها.

 الى التالية 5/ الأجندة

 ***

 عبد الرضا حمد جاسم

من الصعب تحويل آهات الذات والآخر إلى كلمات دالة وصادقة، وبلا ثرثرة من سفسطة فلسفية. إنها بحق إنشاء بداية محاولات لينة لتشكيل لوحة تأطيرية يتداخل فيها الماضي والحاضر والمستقبل، والذي لا نعلم ما يخفيه عنَّا جميعا !! من صعب الفهم الكتابة عبر أنساق هندسة (علوية) مركبة لصورة (بورتري) تحتل منَّا جزء من سحر الزمن والمكان وتتجاوز مفهوم العمر المتسرب، وقد تنام الأفكار معنا (أمنا وسلاما)، وتصحو باكرا مع صياح الديك، لإعادة إنتاج مناولات الكتابة بصيغة التمرد.

من السهو استعادة الذكريات، وحضور أمكنة في المخيلة المشتركة لا الفردانية. من الصعب أن نستنسخ تلك الذكريات بتمامها (خيرها وشرها/ فرحها وحزنها)، وألا تغادر نزغ المخيلة العميقة دون إجراءات عمليات التشذيب  والتطهير من أوراق خريف الفسحة الضيقة للكتابة. فلا بد من حمية صحية لرزانة الكتابة، ولما لا التخلص من كل العادات غير السوية التي كانت تركب بروزا نزق الحياة الماضية.

أعلم جيدا أن الكتابة كشف للحقيقة وتعرية للذات  ولو بالهوان الهين. أقر بأن التفكير جزء أساس من (قبر المثقف)، وعالم  مثالي من (نهاية التاريخ) الشفهي. أعلم أن الكتابة مخاض صعب ماكر، لا يولد إلا بألم يوجد بين ثناياه صيرورة متجددة للتفكير، وقد لا يتكرر مثل الموت والولادة.

 أفقه بعلم العلة والسبب نحافة عقلي التنبيهي، وعوز وجداني تجاه منتوجات مصفوفة القيم الأساس، والتي لا تزيد في عصر (الحداثة البعدية) إلا ضمورا متفاقما في سوق العرض والطلب، وتنطيط التفاهة من (المثقف الثرثار) إلى (مواقع التواصل الاجتماعي).  قال محاوري بأسلوب من الاستفهام الاستنكاري المبهم: (لمن أشكو  بثي وحزني؟)، قلت له بأسلوب الإخبار: (ما نشكو بثنا وحزننا إلا لله العلي القدير)، قال: ونعم بالله، العلي القدير.

حين يعاودني الحنين للكتابة مرات عديدة. أكتب، لكل المغاربة أينما يوجدون وحيثما وجدوا. أكتب، عن الوطن الإنسان والأرض، والمستقبل المجهول. أكتب عن برزخ الترف والبذخ،  وأهل الحل والعقد في التخطيط العمودي. أكتب، عن سياسة البؤس بكثرته، وكفاف جيوب التغيير، وعن الرفاه الاجتماعي للجميع. أكتب عن كينونة الإنسان، عن الخير ومحاربة الشر والفساد. أكتب، عن القيم المعيارية والتي فشلنا جميعا في تنميتها بالتجديد والتطبيق المعاملاتي، وتثمينها وفق أنماط التحولات الاجتماعية المتسارعة. أكتب، عن مفهوم الثقة في الوطن والمستقبل، وعن غياب الثقة في السياسي والمثقف والمحلل الإعلامي الرسمي، وعن السذاجة والغباء (الجديد) في صناعة الثقة في المواقع الاجتماعية (الاليكترونية) عبر دعوات شريرة مجهولة المصدر في (الهروب الجماعي) من الوطن !!

هو الوطن الذي نتقاسم هواؤه بدون أداء، ولا رسوم ضريبية. هو الوطن الذي لا نلوي القبض فيه على عدل الاستفادة من ثرواته بالمساواة والكرامة، ولكنا نحمل هويته واسمه بالفخر، و نَفح السجال الهادئ، والترافع المؤسساتي. هو الوطن الذي نتشارك فيه سواسية البكاء بالجمع والإفراد على ضحايا زلزال الحوز، وفيضانات طاطا المدينة، ونشترك فيه فرحة عند نتائج كرة (منفوخة) بالريح !!

 أكتب، عن كل أصنام عابدي كراسي السيطرة، والتحكم في رقاب وأرزاق العباد. أكتب عن فزاعات التخويف من الحرية والحكامة. أكتب، عن الالتزام بالواجب الوطني في صلاح اختيار الصالح من الطالح، لأن الكاذب (الثرثار) لا يهمه غير تحصين (البقاء) والتغاضي عن المهازل الآتية، ونفث سموم الشياطين المفحمة بالشر.

أكتب، إشارة عن ملامح الحكامة وقوفا، ضد كل أصناف الأصنام السياسة والريع (الحلال). أكتب باليسر البسيط لتنمية الوعي بالجدية والنجاعة والصرامة. أكتب، عن تسريب القيم (الأخلاقية والوطنية) نزولا ورمليا (بالتَّمَرمِيدْ). اليوم، نريد ثقافة المراجعات السلوكية، وثقافة البساطة لا ذاك البرج العالي العاجي للنصائح!!!

***

محسن الأكرمين

هل يمكن يا حبيبتي ان يقتلني هؤلاء العرب اذا عرفوا في يوم من الأيام انني لا احب الا الشعر والموسيقى ولا اتأمل الا القمر والغيوم الهاربة في كل اتجاه.

أو أنني كلما الى السمفونية التاسعة لبتهوفن اخرج حافيا الى الطرقات واعانق المارة ودموع الفرح تفيض من عيني

او انني كلما قرأت " المركب السكران" لرامبو اندفع لألقي بكل ما على مائدتي من طعام وما في خزانتي من ثياب وما في جيوبي من نقود وأوراق ثبوتيه من النافذة.

نعم فكل شيء ممكن ومحتمل ومتوقع من المحيط الى الخليج بل منذ رايتهم يغدقون الرصاص بلا حساب بين عيني غزال متوسل ادركت انهم لا يتورعون عن أي شيء.

و لكن من اين لهم ان يعرفوا عني مثل هذه الاهواء وانا منذ الخمسينات لا احب الشعر او الموسيقى او السحب او القمر او الوطن او الحرية الا متلصصا اخر الليل وبعد ان اغلق الباب والنوافذ وأتأكد من ان كل المسؤولين العرب من المحيط الى الخليج قد أووا الى اسرتهم وأخلدوا للنوم ولكن اذا صدفة عرفوا ذلك بطريقة او بأُخرى  فاكدي لهم يا حبيبتي بان كل ما سمعوه عني بهذا الخصوص هو محض افتراء واشاعات مغرضة واني لا اسمع الا نشرات الاخبار ولا اقرا الا البلاغات الرسمية ولا اركض في الشوارع الا للحاق بموكب التطور وانني اقتنع دائما بما لا يقنع واصدق ما لا يصدق   لا اعتبر نفسي اكثر من قدمين على رصيف او رصيف تحت قدمين.

و اذا ما سألوك اين اذهب أحيانا عند المساء فقولي لهم انني اعطي دروسا خصوصية  في الوطن العربي في توعية البائسين والمضللين واذا ما بدوت بائسا في بعض الأحيان فاكدي لهم انه ياس إيجابي واذا ما أقدمت على الانتحار قريبا فلكي ترتفع روحي المعنوية الى السماء،

و انني لا اعتبر ان هناك خطر على الانسان العربي والوطن العربي سوى إسرائيل وتلك الحفنة من المثقفين والمنظرين العرب الذين ما فتئوا منذ  سنين يحاولون اقناعنا في المقاهي والبارات والندوات والمؤتمرات بان معركتنا مع العدو هي معركة حضارية وكأنهم ينتظرون من قادته وجنرالاته ان يجلسوا صفا واحدا على كراسيهم الهزازة على الحدود مقابل صف من الكتاب والشعراء والفنانين العرب ليبارزوهم  قصيدة بقصيدة ومسرحية بمسرحية ولوحة بلوحة وسمفونية بسمفونية واغنية بأغنية ومسلسلاً بمسلسل.

لا يا حبيبتي اركبي اول طائرة واجتمعي بكل من يعنيهم هذا الامر في الوطن العربي وحذريهم من الوقوع في هذا الشرك أو مثل هذه الدوامة فصراعنا مع العدو واضح كل الوضوح في مقولة عبد الناصر الشهيرة:" ما اُخذ بالقوة لا يُسترد الا بالقوة"...و الصراع المحتدم الان بين اكبر دولتين في لعالم واكثرهما غنى بالشعراء والكتاب والفنانين الا وهما روسيا وأمريكا حول سباق التسلح الا الدليل القاطع على صحة هذه المقولة. ولذلك فانا ككل عربي مستضعف مستهدف من جميع الجهات اتابع هذا السباب باهتمام بالغ واتابع بالاهتمام نفسه كل ما يطرأ على عالم الأسلحة من تطور في الشكل والمضمون والفعالية وان كان لا يزال للدبابة بالنسبة لي ولجيل الخمسينات برمته مكانة خاصة في نفوسا ولا نستطيع بمجرد ان ظهرت أسلحة جديدة اكثر رشاقة وفعالية منها ان ننساها بكل هذه البساطة فبيننا وبينها عشرة عمر.

 واذا كانت الدول الأقل غنى منا قد وفرت لكل مواطن دبابة واحدة على الأقل فحريُ بنا نحن العرب وقد وهبنا الله تلك الثروات والموارد التي لا تنضب ان يصبح لكل مواطن عربي في المستقبل لا دبابة واحدة بل خمس دبابات على الأقل:

واحدة الى يمينه

وواحدة الى يساره

وواحدة امامه

وواحدة وراءه

وواحدة فوقه وبذلك يرتاح ويريح

 ***

يتبع لطفاً/4 المبتدأ والخبر

عبد الرضا حمد جاسم

 

أجد ذاتي التي تشبهني وتقودني الى الأسلوب والأشكال والألوان.. أستخدم الأكريليك والحبر الهندي وقلم الرصاص الزيتي، لكنني أحاول الابتكار من خلال الكولاج والنقوش..

الفن مجال حلم وسفر حيث الكائن في بحث عن ذاته الموزعة بين تلوينات شتى في دروب اليومي وما يرافقها من شغف وحنين وتأمل.. شغف مقيم بالدواخل مفعم بالرغبة الجامحة لفهم ما يتشكل بالكينونة في صلتها بالعناصر والأشياء والتفاصيل وحنين جارف تجاه الالماعات الحافة بالذات في سيرتها منذ طفولة ما تزال تغذي الذات والروح بالبريء من الأشياء والأفعال وفق حالة من شاعرية النظر والتقبل.. والتأمل بما يعنيه من وعي حارق ثاقب أمام ما يعتري الكائن من أحداث وأفعال تستوجب جميعها الخلاصة فهما وقراءة وترجمانا..320 faqeh sherazi

الفن في حيز منه هو هذا الترجمان المعبر عن اعتمالات الدواخل القائلة بتلك الكيمياء لعناصر البهجة والانكسار والأمل والرغبات.. انها عوالم الذات الفنانة وهي ترنو الى الذهاب بعيدا في كنه الواقع وجوهر تفاصيله وتبدلاته.. ثمة تفاعلات بين هذه الذات التواقة للابداع والتعبير والافصاح عن الكنه وعنفوان حالاته وكل ما هو موضوعي مهم وغير مهم وفاعل وهامشي ومهمل.. انها لعبة الفكرة والرؤية الفنية تمضي بالذات الفنانة والحالمة الى مناطق مختلفة في هذا العالم قولا بالقيمة والسؤال..

من هذا الكون الفني نمضي الى مجال فني تشكيلي تشتغل ضمنه ذات مضت في رحلة الفن بكثير من الحرقة والبهجة والأمل ولا يعنيها بالنهاية في كل ذلك غير القول بالكينونة وأحوالها ورغباتها في لعب مفتوح مع الأشكال والألوان مثل أطفال في مرح مفتوح لا يضاهى في براءته وتلقائية أدواته وأمكنته وتلويناته..321 faqeh sherazi

الفنانة التشكيلية شيراز بلفقيه تتعاطى ومن سنوات مع هذه اللعبة الفنية وفق رؤيتها القائلة بنبل الفن وشدة تعبيريته وبما يعبر عنه من آمال وهواجس وباعتباره حالة جمالية ووجدانية وانسانية للتعافي والعلاج من أدران وسلبيات الواقع وخسارات وانكسارات كائناته.. وفي هذا السياق تقول الفنانة شيراز ".. الفن هو أيضًا حياة، لأن الحياة بذاتها عمل فني، سواء كانت حياة الطبيعة أو غيرها.. هي بلا شك أجمل الأعمال الفنية.و في الجانب الفني أجد ذاتي التي تشبهني وتقودني الى الأسلوب والأشكال والألوان والعنوان العام للعمل الفني ، أستخدم الأكريليك والحبر الهندي وقلم الرصاص الزيتي، لكنني أحاول الابتكار من خلال الكولاج والنقوش والهياكل. لقد فسح ظلام العصر المجال للون، وهو مجال للتغيير الشخصي.. أصف رسوماتي بأنها فن تجريدي ساذج معاصر، الأشخاص والوجوه في لوحاتي يروون قصة ويطرحون أسئلة حول العالم من حولهم، حول البيئة، وهذا الفضول سيجعل الذات الرسامة والمتقبل للعمل الفني في نماء وارتقاء وهذه الخلاصة والمقصود في فني.. إنها رؤيتي للسعادة..".

و عن البدايات فان الفنانة شيراز بلفقيه ولدت في بيئة مثقفة من الجد الى الأب والأم وبقية الأفراد بين الشعر وحب السينما وتقول في هذا الجانب ".. والدي كان يأخذنا الى قاعات السينما وكان عمري خمس سنوات والى متحف اللوفر حين سافرنا.318 faqeh sherazi

فالثقافة موجودة في تقاليدنا وأخي الأصغر كان يرسم وحتى أطفالنا كان لهم ميل للرسم والتلوين ووالدتي تونسية أصيلة ولها بعض لوحات وأعمال الفنان الراحل عبد العزيز القرجي.. هذه أجواؤنا التي كبرنا ضمنها وبها.. أنا درست بباريس وقد تعددت معارفي وتعلمت أشياء كثيرة ثم عملت ب " قناة + " وانسحبت بعد ذلك وخلال 32 سنة " أغلقت الباب على نفسي " وفي هذه العزلة والانكفاء فهمت وتعلمت الكثير وصولا الى فترة الكوفيد19 فاضت ذاتي بهذا الزاد الكبير واستلهمت من أعماق التجربة والانسان وسعدت بكون الرسم والفن من الأهمية في خصوص التشافي وتعافي الذات التي مرت بظروف صعبة وقاسية وعصيبة وكانت سعادتي عارمة وفائقة حين لمست تقبل الناس لأعمالي الفنية ولوحاتي وهذا مهم في حياتي الفنية والعادية الانسانية.. أشعر بالطمأنينة والأريحية حين أرسم بل انني وجدت في الرسم ما بحثت عنه من زمااان.. استيقظت الطفلة بداخلي وصارت ترسم وكأنها توزع الحلوى على العابرين وصار حلمها تحويل العالم الى علبة تلوين.. عشت تصدعات كثيرة في حياتي ولكن الفن رمم كل ذلك وأخذني الى الفرح والسعادة.. أنا لا أخطط لأعمالي.. أقف قدام اللوحة لأنطلق في حالة من الارتجال والانتشاء والرغبات تجاه الرسم والتلوين وفي داخلي فرح وذاكرة حية تشتغل لتدعو العمل الفني في هيئته الأخيرة وأتأمل القماشة والعمل الفني لتغمرني تلك السعادة التي لا تضاهى وخاصة مع حب الناظرين تجاه أعمالي المنجزة وخاصة في المعارض.. خلال الانجاز أترك العنان للخيال يفعل فعله العميق في العمل الفني.. انها لعبتي المفضلة وأنا أرسم في حالة من الأسر لخيالي وحساسيتي المفرطة.. انني أرسم لتجسيد السعادة والفرح.. وهذا يعني لي الكثير.. تجريدية وحلم وطفولة وتلقائية بداخلي وحالة من الاستمتاع بالفن تقودني الى ضفاف شتى من السلام والهدوء والتماهي مع ذاتي في أعماقها.. لقد عوض لي ربي ما ضاع مني وافتقدته خلال كل تلك السنوات الصعبة.. قادني الفن الى عنواني الصحيح في زحمة العناوين.. معارضي متعددة بتونس وخارجها بالرواق بسوسة ومع سالمة بن عائشة في السمبوزيوم الدولي وفي معرض " بريفاس " وفي تظاهرة كبرى بسيدي بوسعيد.. بعض أعمالي بيعت بباريس وبالولايات المتحدة الأمريكية.. تعجبني تجربتي الفنانين العالميين كاندنسكي ودافنتشي.. أنا سعيدة بمواصلة تجربتي وأحلم بالاقامة بمكان في القفار بشكل تلقائي وطبيعي وأرسم .. حلمي هذا هو الاقامة المتفرغة للفن بمدينة ميامي.. لا أرجو شيئا في هذا الروتين الانساني غير العمل الفني وتلقي الناس لأعمالي.. تلك سعادة فارقة.. ".

هكذا هي الفنانة التشكيلية في هذا السفر الفني وفق تنوع جمالي تخيرته فمن لوحة الى أخرى تلمس شيئا من ذات الفنانة وحلمها وسعادتها المستمدة من طفولة قديمة ما تزال تقيم فيها تبرز في الألوان والأشكال والأسلوب الفني المعتمد.. فنانة ورحلة بها الكثير من الرغبات والحب والحلم..

***

شمس الدين العوني

ما هذا؟

امة بكاملها تحل الكلمات المتقاطعة وتتابع المباريات الرياضية أو تمثيلية السهرة والبنادق الإسرائيلية مصوبة الى جبينها وارضها وكرامتها وبترولها...كيف اوقِضُها من سباتها وأقنعها بأن أحلام اسرائيل أطول من حدودها بكثير وان ظهورها امام الرأي العام العالمي بهذا المظهر الفاتيكاني المسالم لا يعني ان جنوب لبنان هو نهاية المطاف؟

فهي لو أعطيت اليوم جنوب لبنان طوعاً واختياراً لطالبت غدا بشمال لبنان لحماية امنها في جنوب لبنان، ولو أعطيت كل لبنان لطالبت بتركيا ولو اعطيت تركيا لطالبت ببلغاريا لحماية امنها في تركيا ولو أعطيت اوروبا الشرقية لطالبت باوروبا الغربية لحماية امنها في أوروبا الشرقية ولو أعطيت القطب الشمالي لطالبت بالقطب الجنوبي لحماية امنها في القطب الشمالي.

وملأت حقائبي بالخرائط والمستندات والرسوم التوضيحية ويممت شطر الوطن العربي اجوب ارجاءه مدينة مدينه وبيتاً بيتاً وحدثتهم كمؤرخ عن نوايا اسرائيل العدوانية وعن اطماعها التاريخية في ارضنا وانهارنا ومياه شربنا وعرضت عليهم كطوبوغرافي الوثائق والمستندات السرية والعلنية وباللغات العربية والإنكليزية والتركية....و لكن لا احد يبالي.

ثم تحدثت اليهم كفنان وعرضت امامهم اشهر اللوحات التشكيلية والرسوم الكاريكاتورية التي تصور اسرائيل كمخلب قط للاستعمار، كرأس جسر للإمبريالية، كأفعى تلتف، كعقرب يلسع كحوت كتنين كدراكولا، كريا وسكينه تقتل وتفتك وتتأمر ولا احد يبالي.

ثم تحدثت اليهم كخبير طاقة وحذرتهم من ان منابع النفط هي الهدف التالي لإسرائيل واننا كعرب قد نعود الى عصر الحطب في المضراب ونفخ النار بالشفتين وطرف الجلباب...ولا احد يبالي.

ثم تحدثت اليهم كطبيب عن تسمم الطلاب والطالبات في الضفة الغربية والجثث المفخخة في مجازر صبرا وشاتيلا وعن التنكيل المستمر بأهلنا في الأراضي المحتلة ومصادرة البيوت وطرد السكان وتحديد الإقامة ومنع السفر ومنع العودة واغلاق المدارس وتغيير المجالس البلدية  وقمع المظاهرات واطلاق غاز الاعصاب والقنابل المسيلة للدموع المسيلة للتخلف...و لا احد يبالي.

ثم تحدثت اليهم كأب ونبهتهم الى ان كل مدرسة في الوطن العربي قد تصبح مدرسة بحر البقر وكل كاتب او شاعر قد يصبح كمال ناصر او غسان كنفاني وكل رئيس بلدية او دائرة حكومية قد يعود الى بيته على عكازين كبسام الشكَعه او كريم خلف...و لا احد يبالي.

ثم تحدثت الى الفلاحيين كفلاح والى العمال كعامل والى التجار كتاجر والى اليمينيين كيميني والى اليساريين كيساري والى المزايدين كمزايد والى المعتدلين كمعتدل والى العجائز كعجوز والى الأطفال كطفل...وقلت لهم ان اتفاق شولتز مثله مثل اتفاقيات كامب ديفيد واتفاق سيناء التي تمت من وراء ظهوركم فهو مصوغ بدقة متناهية كابتسامة الجوكندا بحيث لا احد يعرف اذا كان يبتسم لنا ام يسخر منا ولذلك فان دول عربية متخاصمة لم يتصور احد انها يمكن ان تتصالح قد تصالحت بسببه وان دول أخرى صديقة لم يتصور احد انها قد تختلف قد اختلفت بسببه ولكن للتحركات السياسية حدود وللجهود الدولية معايير لا يمكن الاخلال بها وان مؤتمر الشعب العربي الدائم وقضيته المركزية فلسطين لا يستطيع ان يستمر في عقد جلساته الطارئة الى ما لا نهاية ما لم يلقى استجابة من هنا او دعما من هناك.

و ان لمقاومة الوطنية في لبنان مهما كانت باسلة لا تستطيع وحدها القضاء عليه مالم تعمم هذه التجربة في كل بلدعربي..."وقصصت عليهم احسن القصص" عن البطولة والفداء والروعة في ان يكون الانسان ثائرا من اجل وطنه ينصب الكمائن ويطارد الأعداء في شعاب الجبال وفي فترات الاستراحة يضم بندقيته الى صدره ويقرأ على ضوء القمر الرسائل الواردة اليه من الوطن اذ في كل صفحة خصلة  شعر من خطيبة او ورقة ورد يابسة من حبيب. وقرات عليهم بنبرة مؤثرة وغاضبة اجمل قصائد المقاومة والنضال لناظم حكمت ولوركا وهوشي منه ومحمود درويش وسميح القاسم ولا احد يبالي...

الكل ينظر اليَّ تلك النظرة الحزينة المنكسرة كغصن وينصرف متنهدا الى عمله... ماذا افعل اكثر من ذلك لاُثير نخوتهم وغضبهم ومخاوفهم؟ هل اضع على وجهي قناع يمثل سُنَيَّ بيغن الاماميتان المشرومتين ام اضع عصابة سوداء  على عيني مثل موشي دايان وأقفز على اسِرةُ الأطفال في ظلام الليل...هل اعرض في الساحات العامة صوراً شعاعية لما يعتمر في صدر شارون وبيريز وارينز وايتان وغيرهم من ضغينة وحقد على هذه الامة وما يبيتون لها ولشعوبها من قهر وذل وجوع ودمار؟

هل فقدت الشعوب العربية احساسها بالأرض والحرية والكرامة والانتماء الى هذه الدرجة؟

ام ان الإرهاب العربي قد قهرها وجّوعها وروّعها وشّردها سلفاً اكثر بكثير مما فعلته وما قد تفعله إسرائيل في المستقبل؟

 الى التالية/ طوق الحمامة

 ***

عبد الرضا حمد جاسم

 

- معارض فنية متعددة بين فرنسا وايطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وتونس والمغرب.

- شغف مقيم لديها على غرار السفر وحب الطبيعة والبيئة والعمل على المحافظة عليهما.

الفن هذا المجال الشاسع للقول بالحال في تجليات شواسعها بين الفكرة والحلم والممكن تجاه عوالم مفعمة بالقلق والأسئلة المربكة في عنفوان تعاطي الكائن معها وعيا ونظرا وتأويلا..ثمة درب حسث الذهاب مغامرة وتشوف وترجمان وفق رغبات شتى تقول بالابتكار والابداع عنوانين ملازمين في الصلة المخصوصة والمتخيرة بين الفن والفنان..

في هذه السياقات ومنها يبتكر الفنان ألوان خطاه ويتخير الأسلوب والمسار في كثير من شغف يرى ضمنه تلك البدايات التي انشد فيها وبها الى هذا الفن حيث الطفولة الكامنة فيه تطبع شيئا من كينونته تجاه هذا الجمال الذي هو من مظاهر علاقاته المتعددة باللعبة الفنية ..انها جمالية متخيلة يمضي بها الفنان الطفل الى مناطق أخرى من الوعي الفني والوجداني ومع مرور الزمن تتعمق هذه الخيارات والنظرات والأحلام لتبقى الفكرة الفنية ممسكة بطيف طفولة قادت بالنهاية فنانها الى أطوار أخرى من هذا العالم الفني ..302 mary carmadi

في هذا السياق كذلك نمضي مع تجربة فنية وتحديدا ضمن درب الفنون التشكيلية حيث الفنانة التي مضت عميقا في تجربتها مع الرسم والتلوين لتسافر الى أمكنة شتى حيث قدمت معارضها وأعمالها الفنية وهي المقيمة بفرنسا منذ سنوات تغذي علاقتها المتجددة بالفن وتسعى لابتكار اللون والشكل في أسلوب طبع شغلها الجمالي لنلمس تلك التجريدية الحالمة في لوحاتها التي أثثت معارضها ومشاركاتها الفنية التشكيلية المتنوعة..

ماريا كرمادي تشكيلية مقيمة بفرنسا فنانة بصرية وأمينة معرض أصيلة بالمغرب الأقصى سافرت مع الفنون التشكيلية في شغف مقيم لديها على غرار السفر وميلها للتماهي مع الطبيعة وجمالها الأخاذ في هيام كبير بالبيئة والعمل على المحافظة عليها وحمايتها ..دفعها كل هذا الحب للرسم والفن عموما الى الالتحاق بمدرسة الفنون الجميلة في بيزانسون ليكبر الحلم والفكرة الفنية ليبرز كل ذلك في سلسلة المعارض المتعددة الأعمال والأروقة بين المغرب وفرنسا ومنها المعرض الشخصي بجبال الألب .. والمشاركة كفنانة في Cop 22 بمراكش.. الفنانة ماريا حاصلة على  ماجستير في تاريخ الفن مع عمل في ورشة عمل (جان ماري بيجيه)

وعملت مدرسة رسم ومديرة تنفيذية لفنون المغرب وعضو لجنة التحكيم بأزمور مع اقامات فنية كإقامة القيم الفني باريس وإقامة القيّم الفني بمراكش بالمغرب والمفوض لمعرض الفنون المغرب باريس..303 mary carmadi

من مشاركاتها المتعددة بالفعاليات والمعارض الجماعية والفردية نذكر  معرض المشاركات القديمة وإقامة الكعبة للفنانة بورزازات المغرب وب مهرجان آسفي للفنون المغرب والملتقى الدولي لرسامات كاليفورنيا المنستير تونس ومعرض بقاعة الحسن 2 الدار البيضاء المغرب ومعرض في كاروسيل دي اللوفر باريس بفرنسا ومعرض الخريف الفني في ساريا إسبانيا ومعرض روما للفنون ومعرض COP 22 مراكش المغرب ومعرض بقاعة الفن 86 مونبلييه فرنسا ومعرض باريس للطيران فرنسا ومعرض الخريف الفني في باريس فرنسا مرة أخرى ومعرض جايبور للفنون في الهند ومعرض بقاعة هند البحرين وبمهرجان الفنون بسيدي بوسعيد تونس ومعرض بقاعة المزارين مراكش المغرب وضمن مهرجان للفنون تونس ومعرض أفريقيا كما يراها المصريون (مهرجان الفنون) مصر ومعرض مشروع زوريخ آرت بوكس، سويسرا وضمن مهرجان قرطاج للفن المعاصر تونس وفي  مشروع Art Box ca بميامي بالولايات المتحدة... وفي عرض الخريف في شارع الشانزليزيه باريس فرنسا وفي معرض Art Matter في قاعة تاون هول فيسول فرنسا..و من معارضها الشخصية نذكر MbGallery Vesoul فرنسا ومعرض مكتب البريد القديم بيزانسون فرنسا ومعرض كاروسيل اللوفر باريس ومعرض في جاليري مونود باريس ومعرض في غاليري ثويليت باريس ومعرض بسفارة المغرب بباريس ومعرض موناكو للفنون بموناكو وفي بينالي فلورنسا إيطاليا ومعرض بمؤسسة حسن 2 ريفاج فضاء الرباط المغرب...

هذا وتواصل الفنانة في هذه التجربة التي مضت فيها لعقود حيث تعد لمعارض جديدة تبرز من خلالها حيزا من اشتغالاتها الفنية الجمالية والتي منها مشاركاتها في فعاليات فنية تشكيلية ثقافية بتونس التي زارتها مرارا ضمن مشاركات فنية بسيدي بوسعيد والمنستير..فنانة وتجربة خيث انسجام الفني الجمالي بالانساني والوجداني في تعدد للألوان والأمكنة والأحوال...الفن أيضا هو ذلك العنوان من عناوين الحالة الانسانية المتعددة في شؤونها وشجونها...

***

شمس الدين العوني

السؤال السيروري الذي لا ينفك عن مباغتتنا كلما ران حر اندلاقه واستوى خفقانه، هو: هل الصحافة أدب؟

وبالموازاة، هل يسترفد أحدهما الآخر، ويطلب معونته وعطاءه، ويحتوي منظومته وطرائق انكشافه وتكشفه؟ أم هي حدود لا تتجاوزها جغرافيا وأحواز كل واحد منهما، بكل الخصائص والارتباطات التي تتحدر من انشغالاتهما وأدوارهما ووظائفهما وعلاقاتهما المتشعبة، التي تربطهما بالعوالم الأخرى.

في "الصحافة المكتوبة" مثلا، ما يحيل إلى نشيش من الأدب، فنقول "الصحافة الأدبية"، كتصنيف عام، أو مجال منذور للاستيهام والتأثير. وللتدقيق أكثر، فتقنيات الكتابة الصحفية هنا تنحو إلى استقدام واشتباك الأدب، من أجل نقل المعلومات والمعارف، أو حتى الحقائق والوقائع المرصودة.

وقد تتشاكل هذه العملية/ التقنية، لتأخذ أشكالا في الكتابة الأدبية، تبصم بها روح العلاقة بين الكاتب والمكتوب، كما هو الشأن بالنسبة للسيرة الذاتية أو المذكرات.. وغيرهما، كل ذلك للاقتراب من فعلية نشر المعلومات أو الأخبار بطرائق تجعلها تبدو وكأنها خيال أو شيء من هذا القبيل.

لقد استخدم مفهوم الصحافة الجديدة، سبعينيات القرن الماضي، كتقنيات أدبية للاقتراب من خاصية الأدب، دون المساس بدقة الحقائق المروية. وفي هذا التداخل الإيتيقي، يمكن الحديث أيضا عن وجود أربع خصائص مستعارة مباشرة من الخيال:

 تفضيل العرض المسرحي (الركحي) على السرد التاريخي.

 إعادة كتابة الحوارات أو المحادثة بدل الاقتباسات.

 اعتماد منظور معين باعتباره وجهة نظر خاصة.

 ثم استخدام التفاصيل اليومية لتحسين الوصف.

هناك اتجاه آخر، يذهب إلى أن الصحافة ساهمت في قتل الأدب، كما قتلت التقريرية روح الصحافة. بل إن سمة السرعة في كتابة الأخبار، مما ينتج الكلام اليومي الصوري، جاءت لتلبي متطلبات حضارة جديدة، تضاعفت سرعتها عشرة أضعاف أو أكثر، بفضل الكم الهائل من المعلومات والصور وخدمات مواقع التواصل الاجتماعي وشبكات المعلوميات الضخمة.

ومن الطبيعي أن تكون اللغة والفكر وجودة المنتوج ضحايا هذه السرعة، والأمر ينسحب بالمثل على وسائل الإعلام الأخرى، من إذاعة وتلفزيون وصحف إلكترونية ومدونات، وإن كان بدرجات متفاوتة، في الاستقبال والاستدراك والنشر.

إن محبتنا للأدب وللكتابة به، نعتبره رأسمالا ثقافيا إضافيا لممارسة وظيفة الإعلام ورسالته النبيلة، لكن دون أن نتماهى بالمطلق، مع بيير بورديو الذي يعتبر أن الرأسمال الثقافي أداة للحفاظ على الهيمنة أو السلطة. لأن ذلك يؤدي لا محالة إلى إعادة إنتاج الفوارق الاجتماعية الطبقية. فالرأسمال الثقافي، هو أكثر من مجرد معرفة. إنه مفتاح لفهم قيمة الوجود، القوة الخالصة للأخلاق.

***

مصطَفَى غَلْمَان

.........................

  الورقة التي شاركت بها في المنتدى الحواري الفكري الذي نظمته دار الشعر بمراكش، في موضوع " الشعر ومراكش في الإعلام.. الصورة ومجازات الأثر" يوم الجمعة 20 شتنبر 2024

 

أنين في محبرة

 الذين لا يتحدثون الا عن الادب الجاد والمسرح الجاد والخبز الجاد والويسكي الجاد والأفلام الجادة والمواعيد الجادة هم في الحقيقة اكبر مهرجين في الساحة الأدبية ولا ينقصهم الا دَّلال عقاري جاد يقنع زياد مولوي بالتخلي نهائيا عن مسرح الخيام..  فالمسرحية الجادة من وجهة نظرهم هي التي ما ان تبدأ حتى يبحث المشاهد عن اقرب مخرج للنجاة ولو من المدخنة..  والفيلم الجاد هو ان تحجز في السينما مقعداً وفي دير الصليب سريرا.. والرسم الجاد هو الذي تحتاج كل لوحة منه الى شرطي سير ليشرح للمتفرجين بعصاه وصفارته اين تبدأ الخطوط وأين تنتهي..  والراقصة الجادة  هي التي لا تهز خصرها امام الجمهور الا وهي متأبطة مؤلفات روجيه غارودي من جهة ورواية "الياطر" من جهة أخرى.. والغرام الجاد هو ان ينتحي العاشقان ركناً بعيدا عن ضوضاء الناس ومتاعب الحياة ويتهامسان تحت ضوء القمر عن الرقابة التموينية والثغرات في قانون الاصلاح الزراعي..  والسباحة الجادة هي ان يلبس المثقف مايوهاً رصينا ويستلقي على ظهره في حوض السباحة  ويطالع مجلة الموقف الادبي او جريدة اللوموند.. والمطرب الجاد والملتزم بقوت شعبه وثقافة مواطنيه هو الذي لا يغني كعبد الوهاب "سهرت منه الليالي" و" ياما بنيت قصر الاماني" بل يغني تثقفت منه الليالي" و"ياما بنيت فرن الاماني".. هؤلاء الجادون المتجهمون الذين يعتقدون بأن افضل طريق لدعم العمل الفدائي وتحرير الأرض المحتلة وبناء الصناعات الثقيلة وتطوير مناهج التربية المدرسية هي ان يظلوا مقطبين من المهد الى اللحد وان لا يدعوا احد يرى اسنانهم الجادة الا في المناسبات الكبرى.

هؤلاء لا اكتب لهم ولا أقرأ.

اكتب للأخرين للأنقياء اكثر من المطر قبل ان يلامس الأرصفة لمن لا يعرفون ان كانت "الوموند" تصدر في باريس او في أبو ظبي.. للذين يولدون ويموتون من دون ان يغادر احدهم قريته او يتخلى عن اصدقاءه او يغير نوع تبغه او يبدل طريقة استلقائه على عشب البيادر او بلاط السجون.. للعامل الذي ينهي فطوره على ظهر دراجته والخادمة الغبية التي تغطي وسادتها بدموعها كلما اسرت اميرة في مسلسل إذاعي ولا تهنا بنوم حتى يفرج عنهم في الحلقة المقبلة لتعود الى قصرها ووصيفاتها وهي الى سطلها وممسحتها.. اكتب للفلاح الذي يتبارك بالمطر وينتشي بالبرق ويطرب للرعد ولا شيء يضيء وجهه في ظلمات الشيخوخة سوى عقب لفافته للذين يموتون ويولدون وهو يقتعدون ارصفة قصر العدل وردهات الدوائر العقارية والكراجات العمومية من دون ان يقابلوا احد غير ظلالهم على الأرصفة

اكتب للمطر.. للمحب.. للحرية.. للربيع.. للخريف.. أكتب لأعيش

الى التالية :/ العراف

 ***

عبد الرضا حمد جاسم

 

(الكاتب: النصُّ يُعبر عن  رأي  شخصي ومعتقد ذاتي، فمَن شاء فليعتقد، ومن شاء فلينتقد).

قَالَتْ وأقبَلَتْ، وإذ العَشرُ بتَشبيك؛

"للهِ درُّ حَادٍ يَحدو بمساواةٍ مع الرَّجلِ الشَّريك، وللهِ درُّ شَادٍ يَشدو بها بتَحريك وتَكنيك، بينَ أبي وأخي وأبنِكَ وأخيك".

فقلتُ وأجمَلتُ، وإذِ الحَرفُ يتسربلُ بلا تَكتيك؛

ما كانتِ المُساواةُ بُنَيَّتي تَحريراً قطُّ، بل"تكتيكٌ" لتَفكيك، وأينَما نُصِبَت مَوائِدَ المُساواة مَمدُودَةً مَورُودة، فإنَّها مصائِدُ لتَفكيك ومَكائِدُ لعُصبَةٍ من صَعاليك، يتَقوَّلونَ حولَها بمجِّ قيلٍ سَمِجٍ دَيُّوثٍ رَكيك؛ "هيَ للرَّجلِ ضِدٍّ، وما خُلِقتِ لهُ بقرةً ذلولاً، بل هيَ شَريكٌ نِدٌّ لشَريك".

فكانَ أن نَهضَتِ الفتاةُ فرَكضَت فقَضَمَت جرعَةً من تَهي موائدَ بتَبريك. ألا ليتَها رفَضَت ونَفَضَت عن ثَوبِها فتاتَ موائِد التَّشكيك، واستَحَفظَت طَراوتِها سَكَناً لوليفٍ شَريك، تتَسامرُ وإيَّاهُ بزلالِ مودةٍ ورَحمةٍ على حنينٍ من أريك. تغمزُ لهُ تحت هِلالِ هَمسٍ إذِ الأنامل بتشبيك، وتُعانقُ عُنقَهُ بِعفَّةِ في ظلالِ رَبٍّ حكيمٍ رحيمٍ مَليك ﷻ. وما أدراكِ بهِذِي مساواةٍ بُنَيَّتي، ومايُدريك..

فكم من غادَةٍ ذاتِ يدٍ قصيرةٍ خَدَعُوها بذا "تَكتيك"،  وما يُدريك..

كم من امرأةٍ ذاتِ نَقصٍ في بَصيرة صَدَّعُوها بذا "تَشكيك"، وما يُدريك..

إذ آسَدوها بطلةَ شَقلَبةٍ عاريةً في مَسابحِ"أولمبيك". وأكسَدوها بغَبرةٍ مِن دكاكينَ من"بُوتيك"، وبكوكائينَ وذاكَ طُعْمِ طعامِ الصَّعاليك. وأفسَدوها ؛ أنتِ نايس بَيبِي لَفْلي كيرل، أنتِ مودَرن أنتِ"شِيك". وسَدَّدوها؛ ذاكَ الفَتى "كيُوت" يدفعُ نقداً بلا "شَيك". وإذ جَسَّدُوها بألحانٍ يَسبلُ لها حتَّى جفنيَ وجفنُ العَجوزِ من وراءِ الشَّبابيك. فَما كانَ لها إلّا أن تأفَّفَت فتأوَّهت بتبريك؛ آوَّاه، يالحظِّ"روزَ"على حَضنِ"جاك"في"التِّيتانيك". وثَمَّ وَسَّدوها حَذوَ سَاريةً على رمالِ الباسيفيك، عاريةً بينَ تلالِ الأدرياتيك الّا من قبَّعةٍ منَ المكسيك.  وثَمَّ مَسَّدوها عناقاً فتَقبيلاً، ثُمَّ تَدلِيك، وما أدراكِ ما (التدليك)!

التدليكُ بُنَيَّتي هُوَ وثيقةُ تخرُّجٍ من "كليةِ المساواةِ"، وحذارِ أن أن تَحيزيها أو أن تَنطقِيها بفِيك.

ثُمَّ إنَّهمُ استَعملُوها كسِلعةٍ بعدَما قَضُوا منها وطراً من التَّدليك. ثمَّ حينَ استَكفأَت جُيوبُهم وانطَفأت طَلَّتُها وأضحَى وجهُها وَجهَ عاملِ تَسليك، وكفُّها باتَ كَكَفِّ "صَبَّارَ أقجم" في ورشةِ "ميكانيك"، وانكَفأت حُلَّتُها وأمست تُشبهُ كسيرَ "سيراميكَ"، رَموها ولم تزلْ في زهرةِ العُمُرِ في دِرابِ الليلِ على دكَّةِ خشبٍ لا على أريك. تلعقُ جراحَها وتَتَجازِعُ مع ذاتِها المتَأوِّهَةَ، وتَتَنازعُ مع عَشْرِها بتَشبيك، وتَتَصارِعُ في حضنِ الليلِ مع حاجَتِها لشريكٍ عَفيفٍ أو حتَّى شبيهٍ زائفٍ لشَريك، كي يَسترَ جسَدَها المُخَرَّمَ بأصابع مساواةٍ من أولئكَ الصَّعاليك، ويدفَعَ عنها عَفَنَ سَكرانٍ مُتَرَنِّحٍ قادمٍ وشِيك، ولسانُ حالِها يَتفَوَّهُ من أوجاعِ ذاتٍ ذابلةٍ بلا تَحريك؛ {أمَنسيَّةٌ مثليَ أنتِ يا بومَةَ الليلِ من أبيكِ ومن أخيك. يا حَسرتِي على ما فرَّطتُ في طَراوةِ أنوثةٍ بدِهانات"بوتيك"ورِهاناتِ مُتَعرِّيَةٍ في مسبحِ"الأولمبيك"، وترهاتٍ زائفةٍ تٌحاكي هدايا نجمةِ "التَّايتانيك". ويا لخزي رَزايا "الباسيفيك" وقُبحِ بلايا "الأدرياتيك". وهاقد تَبَخَّرَ ماءُ الأنوثةُ بينَ هَذرٍ من تشكيكٍ، ومَذَرٍ من"تكتيك"، وتَنَخَّرَ ثوبُ طَهارَةٍ بعَهْارَةٍ وما ادَّخَرَ عِفَّةً فطَرَها عليِها الحَكيمُ المَليك ﷻ"، فأنَّى ليَ اليومَ يا صُعلوكُ أن أقاضيك. وأينَ أجدُكَ كي أقاضيكَ. بينَما أنت وراء سطرِ جرائِدِكَ وأطرِ سَمعِيِّكَ ومرئيك. ثمَّ لمَن أشكيك، وكلُّكمُ في ركبِ"المُساواة"صعاليك}.

إنَّهم لن يَذَرُوا أنوثةً على الأرضِ بلا تشكيكٍ إبتغاءَ تشبيكٍ ثمَّ تَدليك. إنَّهم إن يَذرُوها يَفقِدوا دَراهمَ دعايةٍ أُسُّها دعارةٌ بتدليك. إنَّهم حتَّى على علبةِ السَّردين رَسَموا خَدَّها وثَديَها وفخِذَاً بقطرٍ متينٍ سَميك. مُحالٌ أن يَتركوا طراوةً غادةٍ مادامَ "اِبليسُ"على ظَهرِها لآدمَ هوَ الشَّريك.

ولكن كلّا..

فلا تَشبيكَ عندَنا إلّا بعدَ زَفَّةٍ حَلالٍ، ثمَّ مَسٍ بمودَّةٍ ولمَسِّ برحمةٍ تحتَ ظلالِ الرَّبِّ المَليك. كلّا، ولا تَدليكَ لدينا إلّا بعدَ عفَّةٍ زلالٍ، ثمَّ بِسَهمٍ من همسٍ تحتَ هِلالٍ رَمسٍ على الأريك. وما مِن مِنهاجٍ جَمَعَ تَشبيكاً بعدَ زفَّةٍ وتَدليكاً بعدَ عِفَّةً إلّا شِرعَةَ ومِنهاجَ مُحَمَّدٍ ﷺ القَسيمِ الوَسيمِ والحبيبِ عندَ المليك.

ولن تَجدي نهجاً سواهُ -يا ذاتِ مساواةٍ- يقيكِ أن تكوني سَخلةً بينَ التيوسِ، ويُرشِدُكِ للعُلُوِّ، وللسُّمُو يَهديك.

لن تَجدي.

***

علي الجنابي

 

في المعرض الفني التشكيلي الجماعي الذي شهدته فضاءات " الرواق " بجوهرة سوسة مؤخرا والذي تواصل الى غاية يوم الجمعة 13 سبتمبر الجاري  كانت مشاركة الفنانة التشكيلية فريال الجمالي وفق عمل فني يعكس جانبا من تجربتها التي تشتغل ضمنها من سنوات ...هي فنانة تخيرت التلوين والرسم وفق ما يختلج في ذاتها وما يحرك شغفها الفني حيث كانت لها بدايات وبخطى متأنية لتغوص في عالم المشاهد والطبيعة والأمكنة بما توفر لديها من تقنيات اكتسبت التعامل بها ومعها تجاه القماشة لتبرز لوحاتها وهي تبين عن جمال وسكينة ومن ذلك هيامها بالطبيعة في ما هو حالم ورومانسي معبر عنها وقد كان لها ذلك بعد تعلمها في ورشات ونوادي الرسم فضلا عن مشاركتها لاحقا في عدد من المعارض الجماعية على غرار معرض كنيسة سانت كروا المنظم من قبل جمعية الفنانين العصاميين ومعرض رواق يحيى بالبالماريوم المنظم من قبل بلدية تونس لمناسبة شهر التراث الى جانب مشاركة مميزة بالمعرض السنوي ضمن الشهر الوطني للفنون بمتحف قصر خير الدين والمنظم من قبل اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين لربيع 2024 ..276 Ferial Al Jamali

هي الفنانة التشكيلية فريال الجمالي التي تعد لمعرضها الشخصي برواق بالعاصمة  وللموسم الثقافي الجديد 2023/2024 وكامت لها مشاركة في الدورة (28) لمهرجان  " عيد الورد أريانة الدورة  " من خلال فعاليات سمبوزيوم الورد بأريانة مع عدد من الفنانين التشكيليين التونسيين.في أعمال الفنانة فريال تلوينات محيلة الى الطبيعة والمشاهد والورود والمزهريات وغيرها بتقنية الرسم الزيتي وكأننا بالفنانة وهي تنجز عملها الفني تعيش اللحظة كطفلة يعنيها جمال مبثوث في الأرجاء فتسعى لنقله على القماشة بكثير من حب الفن والألوان غنمها من كل ذلك قول الموضوع بما هو ممكن في اللون والتقنية وما سيرتسم على اللوحة لتصير حاضنة موضوع متخير بعين الفنانة ووعيها الجمالي.الفنانة التشكيلية فريال تلقت تكوينا من خلال المشاركة في  دورات وتدريبات؛ بالإضافة إلى المجهود الشخصي في مجال الرسم والفن التشكيلي وواصلت تعلمها في ما يخص الرسم الزيتي للفترة بين سنتي  2009و2014 وقدمت أعمالها ومشاركاتها  بالمركزالثقافي بالمنزه 6 سنة 2014 وسنة 2018 ليكون المعرض الشخصي سنة 2020  مع مشاركتها في المعرض السنوي لاتحاد الفنانين التشكيليين سنة 2024 وفي معرض جمعية الفنانين العصاميين لنفس السنة ...و بخصوص نشاطها الفني التشكيلي وأعمالها الفنية تقول الفنانة فريال الجمالي "..إن العمل الفني قد يعبر عن الدهشة وعن الإعجاب وعن الأمل أو عن اليأس كما يمكن أن يكون غامضا غير جلي أو عبثي لكنه في نهاية المطاف خلق لا يفسره إلا الفنان صاحب الفكرة.ولعل الخلق والإبداع لا يتقاطعان مع ما نعيشه في الحياة اليومية ويبقى للفنان ركنه وأبعاده الخاصة التي تطفو على الشؤون اليومية الواقعية..ويبقى الرسم وسيلة للترويح عن النفس أولا وللتصريح بما يجول بداخلنا من آراء وأحاسيس. فهو ما يؤسس لرؤية أخرى للعالم, وقد يكون وليد أعمال وإبداعات فنانين آخرين أو من شيء مبتكر وجديد.

وإذا كان الرسم هو قوة خيال قبل أن يكون مهارة يد فإن كل فضاء مليء بالفن لا يمكن أن يصبح فارغا أبدا.  فالرسم هو مجموعة أفكار تواري الكبرى الأصغر منها لكنها تحاكي ناظرها في مجملها ولا يمكن أن تجزئها لتعيشها مفردة. فإن تناغمت وتراكمت أفكارك تجلى خلقك وإبداعك. الرسم قياس تأثير. يمكن للفن أن يعكس مجرد فكرة تجول في مخيلة الشخص كما يمكن أن تكون انعكاسا لما يأبى أن يتماشى مع الواقع من تفاصيل. كل أثر فني يمثل امتدادا للروح وعلى قدر انغماس الفنان في العمل الفني يكون الإبداع والجمال بنفس القياس. وإذا كان الرسم الإبداعي والتجرد يتلاحقان مع لحظات الانفعال لدى الفنان فإن اتقانه يكون عند ولادة العمل كما أراده الفنان.إن المشاركة بالأنشطة الفنية دعامة للحياة الاجتماعية . إذ أن الإنسان مدني بطبعه وكل مشاركة يمكن أن تؤثر إيجابيا على الروابط الاجتماعية وتزيد من تماسك المجتمعات وتبعث روحا إيجابية في نفوس الأفراد..إن الفنان أو الشخص بالنظر إلى الأعمال الفنية يمكنه أن يتحرر من كل القيود ويمكنه التعبير عن المعتقدات بحرية...".. وهكذا تمضي الفنانة التشكيلية فريال الجمالي في عملها الفني الذي تسعى به ومن خلاله الى التعبير عن أفكارها وهواجسها قولا منها بقيمة العمل الفني عموما في تعبيريته وصدق الفنان الذي ينجزه وصولا الى ابراز ما هو مهم من رسالة الفن والفنان في هذا العالم المتغير.

***

شمس الدين العوني

في الوقت الذي تواجه فيه شركة تيك توك تحديًا قانونيًا حاسمًا في واشنطن ، تجد منصة التواصل الاجتماعي الشهيرة نفسها عند مفترق طرق محوري. فقد أصدرت الحكومة الأمريكية أمرًا إلى شركة بايت دانس، الشركة الأم الصينية لتيك توك، إما بسحب عملياتها في الولايات المتحدة أو مواجهة حظر على مستوى البلاد ككل بحلول يناير 2025. وينطلق هذا الإنذار النهائي من مخاوف الأمن القومي المتزايدة فيما يتعلق بخصوصية البيانات والتأثير الأجنبي المحتمل، وخاصة في ضوء علاقات تيك توك بالتنين الصيني.

بدأت المعركة عندما وقع الرئيس بايدن قانونًا يجبر بايت دانس على بيع أصول تيك توك في الولايات المتحدة أو مواجهة حظر كامل. وقد شكل هذا التشريع جزءًا من حزمة مساعدات خارجية أوسع نطاقًا ويعكس مخاوف الحزبين بشأن تداعيات الملكية الصينية لتطبيق يستخدمه ما يقرب من 170 مليون أمريكي. وتدور المخاوف في المقام الأول حول إمكانية تمكن الحكومة الصينية من الوصول إلى بيانات المستخدم الحساسة والتلاعب بالمحتوى من خلال خوارزمية التطبيق، مما يثير مخاوف من التجسس والدعاية..

في إجراءات المحكمة الأخيرة، زعم الفريق القانوني لشركة تيك توك أن الشركة تتعرض لتمييز غير عادل وأن حظر التطبيق من شأنه أن ينتهك حقوق التعديل الأول لمستخدميه. وتزعم الصين أن الحكومة يجب أن تثبت "تدقيقًا صارمًا" - وهو معيار قانوني مرتفع يتطلب تبريرًا مقنعًا لمثل هذه الإجراءات - مما يثبت استنفاد جميع التدابير البديلة قبل اللجوء إلى الحظر. وسلط محامو تيك توك الضوء على الأحكام القضائية السابقة التي كانت لصالح موقفهم، بما في ذلك قضية في مونتانا حيث منع القاضي الحظر على أساس حرية التعبير.

إذا فشلت تيك توك في الامتثال للقانون من خلال سحب عملياتها في الولايات المتحدة، فإنها تخاطر بإزالتها من متاجر التطبيقات ومضيفي الويب في جميع أنحاء البلاد، مما يعني إغلاق خدماتها فعليًا في واحدة من أكبر أسواقها ومن بين المشترين المحتملين لأصول تيك توك في الولايات المتحدة شخصيات وشركات بارزة مثل وزير الخزانة السابق ستيف منوشين وشركات التكنولوجيا العملاقة مثل مايكروسوفت وأوراكل، على الرغم من أن المحللين يعتقدون أن أي عملية بيع من المرجح أن تستبعد خوارزمية تيك توك الملكية بسبب القيود التي تفرضها الحكومة الصينية على صادرات التكنولوجيا ..

إن المخاطر كبيرة ليس فقط بالنسبة لتيك توك ولكن أيضًا لمستخدميه وموظفيه الذين يعتمدون على المنصة للحصول على الدخل والتواصل. قد يؤدي الحظر الكامل إلى تعطيل سبل عيش عدد لا يحصى من منشئي المحتوى والشركات التي نشأت حول نظام تيك توك البيئي.

إن مبرر الحكومة الأمريكية لهذه الخطوة التشريعية متجذر في مخاوف تتعلق بالأمن القومي حيث يزعم المسؤولون أن البيانات التي يجمعها تطبيق تيك توك يمكن للحكومة الصينية استغلالها لأغراض خبيثة، بما في ذلك التجسس أو التأثير على الرأي العام في أمريكا.. وقد أكدت وزارة العدل على الكميات الهائلة من البيانات التي يجمعها تطبيق تيك توك من مستخدميه، والتي قد تكون ذات قيمة للخصوم الأجانب.

وخلال جلسات المحكمة، أقر القضاة بهذه التهديدات للأمن القومي، لكنهم أعربوا أيضًا عن قلقهم بشأن العواقب المترتبة على تقييد حرية التعبير. وقد سلط الخطاب القانوني الضوء على التوتر بين حماية مصالح الأمن القومي ودعم الحقوق الدستورية..

لا يواجه تطبيق تيك توك التدقيق من جانب الحكومات الغربية فحسب؛ فقد اتُخذت إجراءات مماثلة ضد المنصة في بلدان أخرى بسبب مخاوف مماثلة بشأن خصوصية البيانات والتأثير الأجنبي. على سبيل المثال، تم حظر تطبيق تيك توك بالفعل على الأجهزة التي تصدرها الحكومات في العديد من الدول، بما في ذلك كندا ونيوزيلندا. وقد يشير هذا الاتجاه إلى تحرك أوسع بين الدول الغربية لإعادة تقييم علاقاتها مع المنصات التكنولوجية المملوكة للأجانب.

ومع اقتراب يناير 2025، أصبح مستقبل تيك توك معلقًا في الميزان حيث تستعد الشركة للطعن في القانون أمام المحكمة، مؤكدة أنه ينتهك الحقوق الدستورية بينما تسعى للحصول على أمر قضائي ضد أي حظر محتمل. ويتوقع خبراء القانون أنه في حالة صدور حكم من المحاكم الأدنى ضد تيك توك، فقد تتصاعد القضية إلى المحكمة العليا، حيث سيتم مناقشة الآثار الأوسع نطاقا على الحقوق الرقمية والأمن القومي.

ولن تحدد نتيجة هذه المعركة القانونية مصير تيك توك فحسب، بل ستشكل أيضًا سوابق فيما يتعلق بكيفية تنظيم الحكومات لشركات التكنولوجيا المملوكة للأجانب العاملة داخل حدودها. وبينما يستعد الجانبان لما قد يكون حكمًا تاريخيًا، فإن العواقب المترتبة على المستخدمين والمبدعين وصناع السياسات على حد سواء ستكون عميقة.

وبينما تخوض شركة تيك توك هذا التحدي القانوني الحاسم في واشنطن، فإنها تواجه خيارين قاسين: إما التخلي عن عملياتها أو المخاطرة بالحظر الكامل من إحدى أهم أسواقها. ولا شك أن الأحداث المتكشفة لن تشكل مستقبل تيك توك فحسب، بل ستؤثر أيضا على كيفية تنظيم المنصات الرقمية عالميا وسط مخاوف متزايدة بشأن الأمن القومي.

***

عبده حقي

في الثاني عشر من شهر أيلول  الجاري مرّت الذكرى الثالثة على رحيل الشاعر (علي العضب 1945 ــ 2022) صائغ كلمات الاغنية الوجدانية (يابو بلم عشاري) والأغنية السياسية (مكبعه ورحت امشي يمه)، وقد التقيت بهذا الشاعر في العام 2009 عندما كنت مدعوا انا والصديق الروائي " سلام ابراهيم " الى مهرجان المربد الشعري في البصرة وعلى هامش المهرجان حظينا بلقاءات خاصة مهمة كان من بينها اللقاء بالقاص الكبير " محمد خضير " الذي أجرى الترتيب لهذا اللقاء وشاركنا حواراته على ضفاف شط العرب القاص الدكتور " لؤي حمزة عباس " وقد امتد اللقاء لساعات متأخرة من الليل ودارت فيه حوارات ورؤى ثقافية مختلفة، وقبل هذا اللقاء وفي مساء نفس اليوم كانت لنا زيارة للشاعر على العضب صاحب الارث الشعري والوطني حيث كان الراحل قد وعد "سلام "ودعاه لاستلام هدية تجعله يعيش ليلة هانئة، وقد تبين من مجريات تلك الزيارة للشاعر التي رافقنا فيها الدكتور " لؤي حمزة عباس " ان بين الاثنين سلام والعضب علاقة حميمة تعود الى فترة نضالية جمعتهما معا، استقبلنا العضب في منظمة الحزب الشيوعي في البصرة التي اتخذت وقتها من بناية نقابة العمال مقرا لها، وقبل هذا اللقاء لم اكن اعرف عن الشاعر العضب سوى انه مؤلف الأغنية الثورية الخالدة (مكبعه ورحت امشي يمه .. بالدرابين الفقيرة) التي انتشرت في منتصف السبعينيات وصارت ترنيمة يتغنى بها شباب اليسار العراقي، عشنا في ذلك اللقاء جوا من المحبة والمرح حيث الذكريات المصحوبة بالضحك والتعليقات الرائعة وكنت طيلة الجلسة أمعن النظر بوجه العضب واستحضر اغنيته الخالدة وكيف تمكنت بكلماتها البسيطة من السيطرة آنذاك على مشاعر الشباب واندفاعهم الثوري فأكيد كان للصدق الذي فيها وما جسدته من نضال الامهات العراقيات النجيبات في مسيرة الحركة الوطنية العراقية دورا في انتشارها وخلودها، وبعد وقت جميل عشناه معا  تركنا الاثنين سلام والعضب في المكتب يكملان سلسلة ذكرياتهما وصعدنا انا والقاص لؤي حمزة الى سطح البناية  لنشهد تمرينات اوبريت " المعيبر " ــ على ما اتذكر ــ  ومن ذلك اللقاء القصير تولد لدي انطباع حسن عن شخصية الراحل المبدع على العضب فقد وجدته متحدثا لبقا بشوشا دمث الاخلاق قام بأصول الضيافة على اكمل وجه حيث اباح لنا فيه عن مكنونات اخلاقه واعماق روحه المرحة .. خلودا ايها الشاعر علي  العذب فأنت جذر لم يميته صقيع الأيام العصيبة.

***

ثامر الحاج امين

بقلم: عائشة باباتيا بوكاك

ترجمة: د. محمد عبد الحليم غنيم

***

الجزء الأول

كنت في الصف السابع، عندما سألني مدرس اللغة الإنجليزية، في منتصف الحصة، "ما جنسيتك / عرقك؟"

هل كان بإمكان المعلم أن يقول، "ما هو عرقنا؟" هل كان ذلك سيكون أفضل؟

أرى نفسي هناك من منظر علوي لذاكرتي: أتوقف، لفترة طويلة، ثم أقول: "قوقازي".

يمدح معلمي مفرداتي ونكمل الدرس، أو على الأقل تكمل الذاكرة.

ولكن

يخطر ببالي إلا مؤخرًا أنها سألتني لأنها كانت تعتقد أنني الطالبة الوحيدة في الصف التي ليست بيضاء.

والدتي نفسها، عندما رأتني أضع "بيضاء" في استمارات التقديم للجامعة، قالت: "هل أنت متأكدة؟"

أما أخي، عند ملء استمارات التقديم للجامعة، فقد اختار "أخرى". أنا وأخي، اللذان نشترك في نفس الوالدين، نعتقد أننا ننتمي إلى أعراق مختلفة.

والدنا تركي. ووالدتنا تنتمي إلى الطبقة العليا البروتستانتية البيضاء (WASP)، ونشأت في منطقة "ماين لاين" بين ملاعب التنس، وحلبات التزلج، وركوب الخيل، وأوركسترا فيلادلفيا، على طعام أعدته طاهية سوداء تعيش معهم تُدعى ميني تود، وتحت رعاية مربية ألمانية تعيش معهم تدعى الآنسة روف، وتحت قواعد تشمل ارتداء الملابس المناسبة للعشاء، والوقوف للكبار، وإعداد المشروبات بشكل صحيح، والتحكم في المشاعر غير الملائمة.

عندما سألت والدتي (بعد أكثر من أربعين عامًا من الزواج) والدي إذا كان الأتراك بيضًا، قال بإدانة ضمناً عنصرية، "بالطبع".

لكن

قبل مئة عام، نشرت صحيفة نيويورك تايمز مقالًا بعنوان: "هل التركي رجل أبيض؟". قليل كان ما أعلمه في الصف السابع أنني أعطيت الإجابة الوحيدة التي لا تقبل الجدل. "قوقازي" يشمل الشرق الأوسط؛ أما "أبيض" فيوحي - على الأقل لبعض الأشخاص - بالأصول الأوروبية، والتي لدي جزء منها. لكن

عندما توليت وظيفتي الأولى كأستاذ زائر، اعترف رئيس لجنة التوظيف بأن مكتب العمل الإيجابي اتصل بي وسألني عن سبب عدم تعيين القسم للمرشح الوحيد من الأقليات. فقال: "لقد قمنا بذلك".

" كان علينا التخمين بناءً على اسمك"، اعترف بذلك.

غالبًا ما أشعر أنني عندما يتعلق الأمر بأن أكون مختلفة، فقد حصلت على العديد من الامتيازات دون تحمل العقوبات. تعيين ضمن التنوع بسلاسة لدرجة أنني لا أقدم أي تنوع حقيقي.

إلا أنني ربما أفعل؟

وصفني أحدهم ذات مرة بأنني كاتبة تركية-أمريكية، وهو أمر لا أعتقد أنني كذلك، رغم أنني كذلك.

وفي مرة أخرى، أُدرج اسمي في قائمة الكُتاب الأمريكيين الآسيويين. ضحكت.

هل أنا سيئة مثل والدي؟

عندما أسأل والديّ عما إذا كنت آسيوية، تقول والدتي: أنت آسيوية صغرى من آسيا الصغرى. بينما والدي يقول: لا. بإصرار.

لم أكن أكتب كثيرًا عن تركيا.

لكن

مؤخرًا بدأت أُضفي على نفسي طابعًا استشراقيًا، أو ربما يمكن القول إني أقوم بـ "توجيه" نفسي: أكتب خيالًا مدروسًا بعناية عن تركيا الموجودة في خيالي. وباسم كهذا، لا أحد يشكك في استحواذي الثقافي. حاليًا، أكتب قصة تدور أحداثها في إسطنبول في ستينيات القرن الماضي وتتمحور حول صداقة بين امرأة أمريكية بيضاء تشبه والدتي وجيمس بالدوين. يخبرني صديق أنني استبدلت والدي التركي بجيمس بالدوين. أصر على أن والدي موجود في القصة؛ هو فقط بعيد في الخدمة العسكرية.

هل أعتقد أن تجربة جيمس بالدوين أقرب إلى تجربتي من تجربة والدي؟

لا. لكن

أكتب أيضًا قصة عن الإبادة الجماعية للأرمن، وغواصي الإسفنج اليونانيين، وكي ويست.

لقد تعلمت أن أحتضن كوني أكثر من شيء واحد.

لكن

كجسد في العالم، أنا من النوع الأبيض الذي يُشار إليه بالبياض المميت، بياض الأشباح، الأبيض الذي هو أكثر من الأبيض. أنا أشد الأشخاص بياضًا ممن قد تراهم في فلوريدا. ولا يمكن إنكار أن ذلك يشعرني بالأمان أكثر من أي بديل آخر.

لكن كاسم على الورق، لا يمكنني التظاهر. أم أنه، كاسم على الورق، أنا أتظاهر؟ من سيظن أن آيشة باباتيا بوجاك لا تتحدث التركية، لا تتذكر تركيا، وتعرف فقط تركيًا واحدًا. من سيعترض عندما تكتب عن تركيا، البلد الذي وُلدت فيه.

لكن

بنوع من التناقض، أؤمن أن لي الحق في الكتابة عن أي شيء أريد، وفي نفس الوقت أؤمن أنني لا أملك الحق في الكتابة عن تركيا. لأن الكتابة عن تركيا، تحت عباءة اسمي الحقيقي المزيفة، تجعلني وكأنني أدعي الهوية التركية الحقيقية بدلًا من الهوية التركية المتخيلة.

ومع ذلك، أفعلها على أية حال.

لأن...

الجزء الثاني

في مقدمة كتابهما "الخيال العنصري"، كتبت كلوديا رانكين وبيث لوفريدا أنهما "ترغبان في زعزعة الافتراض القائل بأنه من السهل أو البسيط أن نكتب ما "نحن عليه"..

هذا مفهوم يمكنني، وربما معظم الأشخاص ذوي الخلفيات الثقافية المختلطة، أن أتفهمه. كانت هويتي بمثابة مشروعي البحثي الخاص لسنوات. لقد سألت والدي عن ماضيهما مرات كثيرة لدرجة أن والدتي قالت مؤخرًا: "أنتِ تمتصينني حتى الجفاف." الآن أعرف عن الأدب التركي أكثر مما يعرفه والدي. (ولكي أكون منصفة، هو، بعد أن اجتاز اختبار الجنسية الأمريكية، يعرف عن الحكومة الأمريكية أكثر مما أعرف).

لقد أدركت مؤخرًا أنني لست وحشًا برأسين، بل مزيج من الاثنين، وأنه لا ينبغي لي أن أكتب عن تركيا، إلا بالطريقة التي أعيشها بها، والتي تتقاطع مع أمريكا.

لكن

في كتاب "الخيال العنصري"، يقترح رانكين ولوفريدا أيضًا أن يتوقف الكتاب عن التساؤل عما إذا كان لديهم إذن بالكتابة عن تجارب خارج تجاربهم الخاصة، وبدلاً من ذلك يسألون أنفسهم عن سبب رغبتهم في ذلك.

لا شك رغبتي في الكتابة عن تركيا تنبع أولاً من رغبتي في فهم مادة ترتبط بي شخصيًا. عندما كتب والدي تاريخ العائلة بناءً على طلبي، قام بتقسيمه بلطف إلى عمودين، الحقائق والهذيان. من يستطيع أن يقاوم صنع الخيال من ذلك؟ لكن ما يقلقني هو الإيحاء بأن هذا السؤال عن "لماذا لديك الرغبة" يأتي مع إجابة واحدة صحيحة فقط – ليس "هذه القصة شخصية بالنسبة لي" بل "هذه القصة شخصية بالنسبة لي لأنني أحمل الهوية التي تبرر كونها شخصية بالنسبة لي". أليس هذا مجرد طريقة أخرى للاقتراح بأن بعض الأشخاص لديهم الحق بينما والبعض الآخر لا؟

وهذا ما يقلقني ليس لأنني كاتبة، بل لأنني معلمة للكتابة. وطلابي غالبًا، وبشكل مفهوم، يريدون الكتابة خارج نطاق خبراتهم الشخصية التي قد تكون ضيقة أحيانًا.

بعد أن تورطت الكاتبة ليونيل شرايفر في واحدة من أحدث الجدالات حول الاستيلاء الثقافي،  كتبت فيت نجوين، مؤلفة رواية "المتعاطف" الحائزة على جائزة بوليتزر، في لوس أنجلوس تايمز: "من الممكن الكتابة عن الآخرين المختلفين عن الذات، إذا فهم المرء أن هذا ليس مجرد فعل ثقافي وحرية تعبير، بل هو فعل مرتبط بتاريخ معقد ومؤلم من الملكية والانقسام الذي يحتاج إلى معالجته بمسؤولية."

إذًا، ما الذي يمكنني قوله لطلابي الذين يرغبون في معالجة "التاريخ المعقد للملكية والانقسام" "بمسؤولية"؟

إليكم، حتى الآن على الأقل، جوابي المطروح فقط على شكل أسئلة، لكم ولي:

* هل تستطيع أن تكتب هذه القصة دون أن تضفي طابعاً رومانسياً على معاناة الآخرين ودون أن تستعمر تجارب الآخرين وتستفيد منها؟

* هل قمت بالبحث؟

* هل تعيش حياة متنوعة؟

* هل تقرأ بشكل متنوع؟

* هل تشارك بشكل مباشر في المجتمعات التي تكتب عنها حتى لو لم تولد فيها؟

* هل تستطيع أن تحترم ردود الفعل التي تتلقاها من الأشخاص الذين لديهم تجارب أكثر مباشرة منك ــ حتى لو لم تطلبها وحتى لو كانت انتقادية؟

* هل تستطيع أن تتجنب مطالبة الآخرين، وخاصة من المجتمعات المحرومة، بالقيام بعملك نيابة عنك؟

* هل تدعم الكتاب الذين لديهم خبرة أكثر مباشرة منك في سرد قصصهم الخاصة أم أنك تحاول فقط أن تكون المتحدث باسمهم؟

* هل لديك ــ أياً كنت ــ شيء جديد لتقدمه؟

وطبعًا:

* لماذا لديك هذا الدافع؟

لأنه  كما كتبت فيت نجوين في صحيفة لوس أنجلوس تايمز: "لم يخبرنا أحد أن هذه المهمة ستكون سهلة ".

(تمت)

***

.....................

الكاتبة: عائشة باباتيا بوكاك/ Ayşe Papatya Bucak  تدرّس عائشة باباتيا بوكاك في برنامج الماجستير في الفنون الجميلة بجامعة فلوريدا أتلانتيك. نُشرت أعمالها النثرية في مجموعة متنوعة من المجلات، بما في ذلك Kenyon Review وPrairie Schooner وCreative Nonfiction وBrevity وThe Rumpus. تم اختيار قصصها القصيرة لجوائز O. Henry وPushcart. وهي محررة مساهمة في المجلة الأدبية Copper Nickel.

 

بدأت بمطالعة الروايات عندما كنت صبيا حين عثرت على سلسلة بعنوان " كتابي " كان يصدرها حلمي مراد، وغالبا ما يكون هو المترجم للكتب التي يقدم خلاصات وافية عنها.. وسلسلة كتابي كانت تصدر اول كل شهر مهمتها تلخيص الكتب العالمية بمختلف انواعها، اما الروايات فقد خصص لها حلمي مراد سلسلة بعنوان " مطبوعات كتابي " تصدر في منتصف كل شهر ومن خلال هذه السلسة تعرفت على اسماء " تشارلز ديكنز، موباسان، مورافيا، آندريه جيد، فلوبير، ستيفان زفايج، طاغور، تشارلوت برونتي وشقيقتها اميلي، غوركي، شتاينبك، بلزاك، تولستوي، سومرست موم، تورجنيف، دوستويفسكي، باسترناك، وغيرهم. وكانت مطبوعات كتابي ذات حجم صغير بحجم كف اليد.. بعد ذلك ساكتشف سلسلة الروايات العالمية التي كانت تصدرها دار العلم للملايين وبترجمة منير بعلبكي، ثم كانت المفاجأة الكبرى مع مطبوعات اليقظة العربية السورية والتي تخصصت بالادب الروسي، فقرات لاول مرة الحرب والسلم باجزائها الاربعة واعمال تشيخوف وايليا اهرتبورغ واميلي برونتي وثلاثية مكسيم غوركي عن حياته، بعدها اتحفنا المترجم القدير سامي الدروبي بالاعمال الكاملة لدستويفسكي، واجزاء من اعمال تولستوي التي اكملها صباح الجهيم، وتوالت قراءة الروايات، وكنت دائما اواجه بهذا السؤال: أي نوع من أنواع المعرفة التي نكتسبها من قراءة الروايات؟ فاجدني اتذكر مقولة شارلوت برونتي، من ان الروايات تساعدنا على معرفة القلب الإنساني أو ما أسماه جان جاك روسو في روايته (أميل) العقل الإنساني، فالروائي لديه الوسائل التي يصل بها إلى الأفكار السرية لشخصياته. ولهذا كان إميل زولا يؤمن أن " الروائي بوصفه خالق عالم المحاكاة، مدبّر أمر هذا العالم: فهو الذي يضع قوانينه الناظمة، ويسير بخطوط الحوادث إلى غايتها، ويُسيّر كل شيء حسب ما تُمليه حكمته الحصيفة. من الممكن إذن أن نرى إلى أي حدّ تتوافق قوانين سلطته الخلقية مع القوانين التي تتحكّم بالسياق الواقعي للأشياء".

أسوق هذه المقدمة بعد ان وجدت بعض القراء يجد في قراءة رواية من 700 صفحة او اكثر نوع من انواع البطر في زمن مواقع التواصل الاجتماعي، حتى ان احد الاعزاء علق على مقال لي عن رباعية نابولي للايطالية فيرانتي ان الزمن لم يعد يسمح بقراءة هذه المطولات. قبل اسابيع كنت قد قرأت مقالا للروائي الشهير ماريو فارغاس يوسا لذي يقترب من عامة التسعين يخبرنا نحن القراء " المتنعجلين " بانه قرأ قبل اشهر رواية ستيغ لارسن " ألفية " بأجزائها الثلاثة – ترجمت الرواية الى العربية – وهي تقع في أكثر من ألفي صفحة، ويضيف يوسا: " لقد غمرتني بسعادة لا توصف، واستعدت معها ذلك الشوق الذي كنا نشعر به مراهقين ندما كنا نطالع سلسلة «الفرسان الثلاثة» التي وضعها ألكسندر دوما، أو روايات ديكنز وفيكتور هوغو، متسائلين في نهاية كل صفحة: والآن، ماذا سيحدث؟، ومتوجسين الاقتراب من خاتمة الحكاية ونهاية المتعة ".

عندما نتطلع الى غلاف رواية لكاتب غير معروف بالنسبة لنا. نطرح ببساطة السؤال: هل تستحق هذه الرواية ان نخصص لها وقتا ممكن ان نقضيه مع كتاب مفيد او مع رواية لكاتب مشهور؟ هذا السؤال كان يطرح عليّ اثناء فترة عملي في احدى المكتبات الاهلية، وكنت آنذاك وبدافع " الغرور " انصح القراء بالسعي لقراءة روايات الكتاب المشهورين، لماذا؟ حتى هذه اللحظة لا اعرف، ربما لانني كنت اريد ان استعرض " عضلاتي " امام الزبائن واتحدث عن روايات اعرفها.

قبل مدة وفي زاوية صباح الكتب نشرت مقتطفا من رواية " ابن الانسان " للروائي أوغستو روا باستوس، فكتب لي احد اصدقاء الصفحة يسأل: هل تستحق هذه الرواية ان اشتريها، وماذا تقترح هل هي افضل ام رواية الايزابيل الليندي؟ طبعا الجواب في مثل هذه الامور يبدو صعبا، فانت لا تستطيع أن تفرض ذائقتك في القراءة على قارئ يطلب منك النصيحة. ثم ان ايزابيل الليندي مغرية، تملك قدرة على اخضاع القارئ لها. لكني تعلمت منذ ان بدأت افهم مغزى القراءة ان كل عمل ادبي سواء كان رواية او شعر او مسرحية يفتح لنا ابواب عالم جديد لا يمكننا الوصول اليه إلا بقراءة ذلك العمل، فالقراءة عملية ينبغي علينا ان نكرس عقلنا وقلبنا ومشاعرنا وخيالنا بدون أي تحفظات لإعادة خلق العالم داخل نفوسنا، معتمدين على الكلمات. فالعمل الادبي كما يقول الناقد هيليس ميلر: " يصير حيا وكانه مسرح داخلي يبدو مستقلا عن الكلمات الموجودة على الصفحات الموجودة " –عن الادب ترجمة سمر طلبة... تعلمت خلال تجربتي مع الكتب ان القراءة كالحب، فهي ليست فعلا سلبيا، وتتطلب من القارئ قدرا من الطاقة العقلية والوجدانية. إنها تتطلب منا ان نستخدم كل قدراتنا وملكاتنا لإعادة خلق عالم العمل الادبي الخيالي. يكتب اميل زولا في كتابه الممتع " فن الرواية " – ترجمة حسين عجة -: " كي تقرأ رواية بالطريقة الصحيحة عليك ان ترتد طفلا صغيرا ".

ولإعد الآن للروائي أوغستو روا باستوس الذي توفي عام 2005، فاعلت الاوروغواي الحداد العام لمدة ثلاثة ايام، بعد ان عثرت على روايته الكبيرة " انا الاعلى " بترجمة الاستاذ بسام البزاز وكنت قد لاحقت هذه الرواية على مدى اكثر من عام، منذ ان اخبرني الاستاذ البسام انها ستصدر قريبا

حكاية الحروب والدكتاتورية يصورها لنا روا باستوس في" ابن الاعلى " وهي جزء من ثلاثية " إبن الانسان " و " الرقيب " وانا الأعلى " التي يقدم فيه صورة دقيقة لعنف السلطة المطلقة، ومسيرة الدكتاتور خوسيه غاسبار رودريغز دي فرانسيا، لكنه في المقابل يؤكد ان هذه السلطة لا يمكنها ان تعيش الى الابد.. فنجد الدكتاتور في نهاية رواية " انا الأعلى " يجري حوارا مع كلبه، وكانه يحدث نفسه. حيث يرى ان اجله قد اقترب، فهو غير حزين لفقد السلطة بقدر حزنه لفقدانه فعل الاملاء، لا يفكر في مسالة الاطاحة به بقدر ما يفكر في فقدان القدرة على النطق.

عندما سأل أوغستو روا باستوس عن حياته وكيف عاشها قال " إن حياته حكاية يستحيل وصفها أبدا " ويعترف في واحدة من حواراته بانه صانع حكايات تقليدي، يصف السنوات الطويلة التي عاش فيها مشردا عن وطنه بانها مدرسة لتعلم الالم،: " " إن البعد عن الوطن لقنني فن الكتابة، حيث كنت اتابع ملامح وجوه أبناء وطني ولمست ثقل آلامهم ".

ولد أوغستو روا باستوس في الثالث عشر من تموز عام 1917، في العاصمة أسونسيون، لكنه قضى فترة صباه في " ايتوري " وهي قرية معروفة بانتاج السكر تقع وسط البارغواي حيث كان الده كان مديرا لاحد معامل السكر. عاش طفولة عادية، اكمل دراسته الابتدائية، لكنه توقف لفترة عن اكمال دراسته الثانوية بسبب حرب التشاكو متطوعا وكان في الخامسة عشر من عمره. كتب وهو شاب صغير عملا مسرحيا بالاشتراك مع والدته التي كانت تهوى المسرح، عرض في العديد من القرى ومدن الأرياف.كرس حياته للعمل الصحفي واصدر اول دواوينه الشعرية عام 1942 بعنوان " عندليب الفجر " نال عنه الجائزة الوطنية للشعر. في الاربعينيات سافر الى الى انكلترا ثم الى فرنسا في رحلات صحفية بعد ان تولى رئاسة تحرير صحيفة "الباييس" اليومية، بعد عودته الى بلاده تمكن من عرض ثلاثة اعمال مسرحية له قبل ان يقوده تأيده للحركة الثورية عام 1947 ضد حكومة مورينيغو الى المنفى، خلال سنوات الهجرة كان يقوم بزيارات سرية وقصيرة لبلدته، حتى عام 1982 حيث تم سحب جوازه وطرده نهائيا لمعارضته لحكومة الديكتاتور سترويستر

وعلى مدى سنوات الغربة كرس روا باستوس حياته للصحافة والنقد وكتابة السيناريوهات السينمائية في الارجنتين ثم في فرنسا التي عمل فيها استاذا بجامعة تولوز قام بتدريس الادب الاسباني.نشرت مجموعته القصصية الاولى "الأرض البور" 1966،

بعد الإطاحة بالديكتاتور ستروسنر، عام 1989 عاد في زيارة قصيرة لبلدته ثم قرر الاستقرار بفرنسا لبضعة سنوات، اصدر خلال هذه الفترة نسخة ثانية من روايته " إبن الانسان " صدرت الطبعة عام 1982، وقد صرح لبعض النقاد ان الرواية اصبحت عملا جديدا تماما دون ان تفقد شيئا من مضمونها، مرددا مقولة الشاعر الايرلندي ييتس: " عندنا انقح اعمالي فانا إنما انقح نفسي ". نشرت مجموعة من الروايات ابرزها " حرس الأميرال و" وضدّ حياتي " و " مدام سو " اضافة الى ثلاثيته الشهيرة.

عاد في العام 1996 إلى بلده للإقامة فيه حيث تم الاحتفاء به رسميا وشعبيا زار كوبا عام 2003 للقاء صديقه فيديل كاسترو الذي قلّده وسام خوسيه مارتي. توفي في السادس والعشرين من نيسان عام 2005 بعد تعرضه لازمة قلبية.

تعد رواية " انا الاعلى " من بين الاعمال المئة الابرز غي الادب العالمي، وبين اهم الاعمال في ادب امريكا اللاتينية ن يصفها الخو كاريننييه " بانها " تحفة ادبية ".. نشرت الرواية عام 1974 جين كان باستوس يعيش في منفاه في الارجنتين وقد اعتبرت واحدة من اهم الروايات التي كتبت عن النظم الدكتاتورية

ازعم انني وقعت في غرام أوغستو روا باستوس، وان هناك اكثر من دافع وراء دعوتي لقراءة هذا الروائي الكبير برغم حجم روايته " انا الاعلى "، فهي رحلة يبحر فيها باستوس نحو المجهول، نحو المنطقة العميقة، وما علينا كقراء إلا ان نحاريه، وهو يقدم له خطرفة الدكتاتور وهذيانه.

***

علي حسين – رئيس تحرير صحيفة المدى البغدادية

حزمت الكرة الأرضية نفسها من الوسط ببساط رمال الصحراء، التي تلفها شرقا وغربا، الحزام هو نقطة الوصل بين الأعلى والأسفل، مع العلم أن الكرة الأرضية لا يصدق عليها هذا الوصف إلا مجازا.. الواحات اختارت أن تكون مصاحبة للصحراء وقد اتخذت لنفسها موضعا في مختلف جنباتها شمالا وجنوبا، مستفيدة من مختلف الأنهار والمنابع المائية والسيول.. الواحة إذن بنت الصحراء، فأي حديث عن الواحة سيأخذنا إلى الحديث عن الصحراء والعكس صحيح، فالواحة منذ القدم وفرت للقوافل الصحراء، وللإنسان الذي تعوَّد أن يرتحل بجوفها من مكان إلى آخر، وهو يتتبع الكلأ لقطعانه من الأغنام والإبل والماعز.. -وفرت- فرصة من الاستقرار تتحول لحياة الحَضر التي تعتمد على الزراعة والصناعة.. بدل حياة البدوِ التي اتخذت من الترحال شرطا للحياة، فالحضر والبدو كلاهما يستفيد من الآخر.

قال أبو العلاء المعري (-449هـ/1057م):

 الناسُ للناسِ مِن بدوٍ وحاضِرَةٍ 

بَعضٌ لبعضٍ وإنْ لَم يشعروا خَدَمُ

الواحة إذن شرايين وَصْل وعبور ما بين جنوب الكرة الأرضية وشمالها، وهي حالة تحولت معها عبر سرمدية الزمن البعيد إلى خزان لمختلف الثقافات والحضارات التي عبرتها في اتجاه شمال الصحراء أو جنوبها، وهي بمثابة قاع العالم الذي يخبئ مختلف الأسرار المعنوية والمادية، وقد خبأت الأرض النفط في جوفها، من تحت رمال الصحراء بالقرب من الواحات، لأمد بعيد من الزمن لا أحد يعلم بدايته..

الواحة شريط أخضر يخترق الصحراء؛ يلتوي يمينا ويسارا إلى جانب مجرى نهر معين أو منبع ماء؛ شريط تلفه الجبال والهضاب والرمال من كل جانب؛ شريط أخضر من النخل والزيتون وعناقيد العنب وحبات الرمان.. وليس بجنباته إلا القفار والحر الشديد الذي يأتي على كل شيء.. استعارت الواحة من الصحراء معنى الأضداد؛ ندرة الماء ووفرته؛ عذوبته وملوحته؛ الارتواء والعطش؛ الحر والبرد؛ الفراغ والامتلاء..

كل ضد عندما يقترب من ذروته، تظن أنه استولى على ضده الذي يعاكسه وقد احتواه بالكامل؛ فعندما يتحالف الحرُّ والجفاف تظن بأنها النهاية التي لا بداية بعدها؛ فيشرع في اجتثاث كل جذور الحياة؛ ففي حضرته تحاول مختلف الكائنات والنباتات أن تكتفي بالقليل من أجل البقاء.. ينكمش النخيل وهو يمْتَص جذوعه ويتخلى عن تفريع جريده، يجري الماعز ويتزحلق وفمه مشدود إلى سطح الأرض لعله يعثر على بقايا من الأعشاب الجافة وبعض من أشواك الصحراء، يميل الناس إلى إخراج ما خزَّنوه من حبات التمر ومن فول وعدس وجزَر مُجفف..

فجأة تأتي السيول بدون سابق إنذار؛ لتفتح صفحة جديدة في الصحراء والواحة وفي حياة الناس، فعندما تمتزج قطرات الماء مع حبَّات الرمال تنبعث منها رائحة عطر التراب التي تعمُّ المكان، السيوف العالية من كثبان الرمال التي تتوسطها مساحات واسعة، سرعان ما تحوِّلها السيول إلى مستنقع للمياه، مشكِّلة بذلك حاجزا أمام مختلف السيول القادمة من كل الجهات المرتفعة، وقد تستغرب من تشكل بحيرة صغيرة من الماء ما بين يوم وليلة..وقد تجلب إليها في قادم الأيام مختلف الكائنات من غزلان وطيور من أجل الماء، الذي يتحول موقعه إلى فخٍ تراقبه الذئاب والثعالب لتفوز ببعض فرائسها..

 بفضل السيول التي تحضر وتغيب، وبفضل مختلف الواحات الكبيرة والصغيرة تمكنت شرايين سفن القوافل المحملة من جنوب الأرض نحو شمالها أو العكس من الاستمرار لعهد طويل من الزمن، تداولت على بساطه العديد من الحضارات والعديد من الدول. في ذلك الزمن كانت القوافل سببا رئيسيا في نشأة وازدهار مدن كبرى (تمبكتو. سجلماسة..) وكانت الواحات مهدا لمختلف حركات التغيير والإصلاح وقد تبدأ في الاول بدعوة دينية واجتماعية، وبعدها تتحول إلى حركة سياسية واقتصادية. تبسط سيطرتها على طرق تجارة القوافل وتتمدد فيما بعد إلى دولة ثم امبراطورية تشيخ بعد فترة من الزمن تطول أو تقصر، ولم تعد تقوى على بسط سبل الحكم والنظام، حينها يعيد التاريخ نفس التجربة بلون آخر وبطعم اخر ويبزغ فجر دولة أخرى. فمهد الكثير من الدول في الازمنة القديمة تعود إلى مجال الواحة، فهي بداية لعهد جديد ونهاية عهد آخر قد استنفد دوره، وهذا ما جعل منها حوض للتفاعل والتواصل عبر التاريخ بين مختلف التجارب والثقافات فيما مضى من الزمن.

في لحظة فارقة من الحضارة والتاريخ، لم تعد الحاجة لشرايين القوافل العابرة للصحراء، وقد تم استبدالها بقوافل السفن وهي تعبر بحر المحيط الأطلسي من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه نحو غربه، وقد شكل ذلك إعلانا عن ولادة حضارة أخرى، خرجت من عباءة مختلف الحضارات التي سبقتها، حضارة أخذت على عاتها أن الغنى يكون بالاستحواذ على الأشياء، وإذا بها تبحث عن الذهب في كل مكان، إلى درجة أنها اتخذته إله يعبد من دون الله، وبنت من أجله صنما من جماجم ودماء وعظام ما لا يعدُّ ولا يحصى من الأبرياء من أهل قبائل جنوب الصحراء ذوي البشرة السمراء، وقد اكتظَّت قوافل السفن بأجسادهم، وهي تمخر أمواج بحر الظلمات، لتلقي بهم في أرض ما وراء المحيط، وهي أرض سلبت من أهلها ذوي البشرة الحمراء، الذين تمت إبادتهم..

 إنه أمر بئيس أن يسجل التاريخ أن هذه الحضارة لوثت يدها منذ البدء بدم بني البشر، من ذوي البشرة الحمراء والبشرة السمراء.. حضارة كتب التاريخ عنها أنها ضيَّقتِ الخِناق عن المختلفين معها في المِلَّة، فهي لا تقبل ملة غير مِلَّتها، ولا بشرة غير بشرة عرقها..فمصير المختلفين هو الطرد والإبعاد، ففي الجزيرة الإيبيرية سجل التاريخ أسوأ صفحاته التي أساءت المعاملة مع المختلفين في المِلَّة ودفعت بهم وهم مكرهين في البحر اتجاه الضفة الجنوبية..منهم من وصل ومنهم من أكلته حيتان البحر..

 بعض من الحكايات التي يرددها الفتيات داخل قصبات وقصور الواحة، تلخص محنة من هجِّروا بعد أن أجبروا على ترك ملَّتهم، فلطول العهد تحولت الحكاية إلى تعبير عن الفرح بدل الحزن وعن أمل مفقود غطَّاه الزمن لقرون طويلة.. بين مختلف الأزقة تشتبك أيادي الفتيات في دائرة تدور حول نفسها من خلال قفز اللواتي اشتبكن بأيديهن وهن ينشدن بصوت مرتفع قبل غروب الشمس: (تِكْشبِيلةَ تِوليولةَ.. ما قَتْلونِي ماحْيَاونِي.. غِيرْ ذَاكْ الكَاسْ اللِّي عْطَاوْنِي.. الحَرامِي مَا يْمُوتْ شِي.. جَاتْ خْبَارُو في الكُوتْشِي.. )2

- تِكْشبِيلةَ تِوليولةَ: تلك إشبيلية سنعود لها تلك إشبيلية سنولي إليها

- ما قَتْلونِي ما حْيَاونِي: لا أنا بالحي ولا أنا بالميت نتيجة العذاب من لدن محاكم التفتيش.

- غِيرْ ذَاكْ الكَاسْ اللِّي عْطَاوْنِي: كانوا يرغمونهم على شرب الخمر حتى يتأكدوا من تغيير ملتهم

- الحَرامِي مَا يْمُوتْ شِي: عودة غدر القشتاليين المسيحيين المتطرفين المجرمين

- جَاتْ خْبَارُو في الكُوتْشِي: جاءت أخبار عودة القشتاليين مع العسكري الذي يركب عربة تجرها الخيول

تصور معي أن تحتفظ الواحة ببقايا وأثر محنة إنسانية مرة عليها قرون عديدة من الزمن، ألم أقل لكم بأن الواحات هي القاع الذي يخبئ بين طياته ما لا يحصى ولا يعد من المعارف ومن مفاتيح ألغاز التاريخ الممتد من الثقافات التي تلاقح بعضها ببعض على بساط حزام الصحراء الذي حزمت به الأرض نفسها منذ الأزل..مع الأسف تعطُّل شرايين قوافل الصحراء منذ قرون، كان سببا من وراء اختفاء مدن ومراكز حضارية كبيرة، أما التي لم تختفي فقد تبدَّل وتغير حالها عقدا بعد عقد وقرنا بعد آخر..وبقيت تصارع الزمن حتى امتدت إليها يد ذوي الحضارة التي ترى الغنى في الاستلاء على مِلك الغير..

العناية بمعرفة خفايا حزام الصحراء وتاريخ الواحات في جزء كبير منه يمثل نقطة التلاشي، إنها نقطة التقاء بعيد الأمد لمختلف مسارات التاريخ والزمن المحملة بمختلف الوقائع الأحداث..المتصلة بعالم الغيب وعالم الشهادة الحاضر والماضي والمستقبل.. ففي البدئ كانت الواحة..

***

بقلم: د. أحمد صابر

 * كاتب وباحث مغربي مختص في قضايا الفكر والدراسات القرآنية.

...................................

 سقطت غرناطة آخر قلاع الأندلس 2 يناير 1492م. وقد اتخذ قرار طرد الموريسكيين المسلمين من الأندلس1609م. أغنية (تك شبيلية تيوليولا) متوارثة من تراث الموركسيين الأندلسيين العرب والمسلمين الذين طردوا من الاندلس وهاجروا إلى إفريقيا، ومن الصعب معرفة أي وقت بالذات ظهرت الكلمات ومن الصعب معرفة أول من أنشدها، إنها تعبر عن شعور جماعي لمجموعة من الناس في لحظة تاريخية محددة. أنظر: موقع المنصة العربية / معنى أغنية تك شبيلية تيوليولا.

 

كأنها أقنعة مدرَبة، تكرار لمهزلة التاريخ، وعقد الأنا التائهة بين الظاهر والباطن تنهار الحياة … هذا الهروب إلى العزلة الذي يحاصر كل من تعمق في الأشياء، هو مرض مبكر يلازمه منذ رفضه الأول للسير مع الحشود، واكتشافه للمعنى في التفاصيل …

نحن الآن نعيش هزيمة الإنسان، بعدما اكتشفنا أن سوبرمان نيتشه ما هو إلا محض هذيان آن لنا التخلص منه، لقد ربح الإنسان كل المعارك التي خاضها، وخسر أخيرا حربا بداخله، فرنسا بلد الحريات والمساواة صارت مجتمع الخوف تعيش على العقاقير المهدئة، أمريكا آلة كبيرة خالية من المشاعر، ولا هم لها سوى الإله الأخضر، أوروبا التي تقدس الديمقراطية على أرضها ولو بنسب دواعي الحالة، تحاربها في البلدان الأخرى، سكيزوفرينيا متجذرة في العقل السلطوي الأوروبي، ويبدو أن من وصفها بالصالون المسيحي قد كان على حق، مع أن المسيحية بريئة منها، ورغم أن علمانيتها التي تدعو إلى الحريات، إنما هي حرية نسبية مشروطة، وليست مطلقة تحت منظومة استبدادية، نحن أحرار في ما نفعل، أما أنت فليس لك ذلك، وعليك أن تقبل بهذا الشرط والإيمان به حسب المقاس الذي وضعوه للحرية، إنها ادعاء ليس إلا صديقي سيوران، مجتمع الرواية كما وصفتهم به يتدين بالعلمانية حد الراديكالية، ويعتقد في أساطير خرافية يبني عليها فلسفته السياسية، والتي خرجت لتوها من بويضة الكواليس، كم هو كريه أن يتباهى الواحد بالحداثة وهو رجعي متخلف …

الآن ونحن مخلفات العصر الحديث، لا وظيفة لنا إلا اقتفاء أثر الشهوة والمتعة أينما كانت، هي بالنسبة لنا الضروريات والكماليات في الوقت ذاته، وبكل أشكالها ” السلبي” والإيجابي، ” لملء نقص ناتج عن عقد ربما ” أو لسد حاجة ثقافية، ولا يهم إن كانت المتعة فوق مائدة أو على سرير امرأة نحبها أو سفر أو إعادة قراءة كتاب نحبه، أو مشاهدة فيلم، أو الاستماع للموسيقى أو، أو، فكل هذا إنما يعكس مدى إنسانيتنا، لكن شهوة القتل وبطرق متوحشة شتى مباشرة ولا مباشرة، حيث باتت الحروب اليومية، الدسائس والتصفيات، الملاذ الوحيد للوصول إلى الغايات المؤقتة، أو للحفاظ على المكتسبات الفانية “من أنظمة الحكم إلى كائنات الشارع”، وكأننا نعود إلى البداية الأولى التي أخبرتنا عنها الكتب المقدسة، كأن الحياة جريمة من أجل قبول قربان أو اشتهاء أفروديتي …

هل كراهية الآخر وحب تدميره غريزة فينا ؟

لا أعتقد هذا، لكن الأغلبية قد تخلصت من الفطري فيها، وتقمصت دور الأفعى لبث السم في ما حولها، وممارسة لذة الانتقام، الانتقام لسلطة الفراغ داخلها، لا لشيء آخر …

علينا إذا أن نتأمل الوقت والموت؟

كي ندرك مدى الانفصام الذي يكسونا، كيف نقضي الوقت في الصراعات من أجل المؤقت ؟ وهناك نهاية حتمية تنتظر الجميع، لكنها آفة النسيان، نسيان ما لا ينبغي لنا أن ننسى، ويبقى في اعتقادي أن تأمل الفرد لموته ” سواء كان مؤمنا أم ملحدا ” هو حل للخروج من أزمة الصراع الخفي، وكذبة ادعائنا حب الحياة، لأن الغاية منه هو طرحه لسؤال إجباري من أنا؟ ولماذا أنا هنا؟ وهل المؤقت يستحق كل هذا الكم من الأحمر، الأسود، والجدران؟ …

حب الحياة هناك في مكان آخر، إنه حلم البحث عن أرضية مشتركة للحوار، التعايش، التكافل، والاستعداد للعطاء لا للأخذ فقط، ولا فرض للمكبوت ولا التقوقع في برج الذات المريض، والنظر إلى الأشياء من القمة كالذي يظن أنه يمتلك الحقيقة، حتى المثقف في العالم وبعد عصر صناعة المستهلك، لم يعد له دور سوى أن يمشي وفقا لما تطلبه الظرفية، الحزبية، والأيديولوجيا التي أنجبته، لا رأي له ولا بصمة لهويته الخصوصية، إنه جزء من الأشباه، لكنه ينعق من غابة أخرى، من مصلحته الذاتية، والمتوقفة على إرضاء أسياد المشهد الطافي على السطح، والغثاء معا، وبحثه عن مكياج يجمل به وجهه القبيح المستعار كإعلان على أنه لا زال هنا …

***

فؤاد ناجيمي

صابر مولاي أحمد كاتب وباحث مغربي حاصل على درجة الدكتوراه؛ في تخصص الحوار الديني والثقافي في الحضارة الاسلامية؛ بالجامعة المغربية؛ مختص في قضايا الفكر والدراسات القرآنية؛ صدر له:

كتاب: "منهج التصديق والهيمنة في القرآن الكريم؛ سورة البقرة نموذجا"

وكتاب: " الوحي دراسة تحليلية للمفردة القرآنية"

وكتاب: "التداول اللغوي للمفردة بين الشعر والقرآن"

وكتاب: "القرآن ومطلب القراءة الداخلية؛ سورة التوبة نموذجا"

وكتاب: "الحوار قلق الحاضر وسؤال المستقبل؛ أسئلة حول الذات والآخر".

درس مادة " الفكر الاسلامي وفقه الأسرة " لفائدة طلبة الإجازة المهنية في شعبة علم الاجتماع كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد الخامس" الرباط موسم الدراسي، 2015م/2016م.

ألقى مجموعة من المحاضرات العلمية في الجامعة المغربية من بينها: دار الحديث الحسنية مدينة الرباط، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بني ملال، كلية الآداب والعلوم الإنسانية مدينة تطوان.

شارك في العديد من الندوات والمؤتمرات الدولية، ونشرت له مجموعة من المقالات والدراسات التي تعنى بقضايا الفكر والمعرفة في مجلات ودوريات "محكمة".

عمل خبير ثقافي وأستاذ باحث في مؤسسات علمية دولية داخل المغرب وخارجه من بينها:

- منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو).

-  مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات الأبحاث

- مؤسسة الدراسات الفكرية المعاصرة بأبو ظبي

- مؤسسة سراج بأبو ظبي.

 وقد أسندت له مجموعة من المهام المتعلقة بقضايا الثقافة والحوار والتواصل الحضاري بشكل عام، بالإشراف على تنظيم حزمة من المؤتمرات والندوات، وتمثيل الجهات المعنية بذلك، وتقديم مشاريع واقتراحات في تعزيز ثقافة الحوار والعناية بالثقافة في بعدها المحلي والكوني.

له تجربة إعلامية مميزة: تقديم برنامج: "حوارات في الفكر والرأي". إدارة عدة مؤتمرات وندوات وحوارات علمية.

للتواصل: [email protected]

في المثقف اليوم