أقلام ثقافية

أقلام ثقافية

الأدباء بصورة عامة هم أساس الثقافة وعمود النهضة في كل عصر وعلى مدار الازمان لدورهم الفاعل في تناول قضايا المجتمع وتحليل الواقع بشكلٍ مختلف، فتقع على عاتقهم مسؤولية التنبيه والارشاد حول كل ما يحصل على الساحة الوطنية والاجتماعية وحتى العلمية، فمن خلال الشعر تشحذ الطاقات وتحشد وتعلو الهمم عن طريق المدح أو الذم لواقع معاش، ومن خلال القصص والروايات ممكن معالجة قضايا مهمة بطريقة قصصية أو سردية تجعل من يقرأها يغير رؤاه نحو الافضل لتتسع الآفاق وتتطور البلدان، فقد نستطيع من خلال الأدب تناول مواضيع شتى كتغيير عادات وسلوكيات منها (قضايا اخلاقية،الثورة ضد الظلم، الاضطهاد، الكذب، النصب والاحتيال، الانتحار.. وغيرها)، لكن تتعرض هذه النخبة إلى بعض المشاكل في هذا الوسط الأدبي الكبير ولعل أهمها هو تعرض الاديبات والكاتبات للتهميش والاضطهاد وأحيانا تجد صعوبة في سطر افكارها على ورقة بحرية تامة خاصة أن المرأة بصورة عامة معرضة للظلم والاقصاء فكيف الحال بالأديبات اللواتي ينقلن لنا واقع اجتماعي قد لا يعرفه غيرهن، فالمرأة والادبية على وجه الخصوص تكتب بإحساس صادق وتنقل قضايا المرأة بشكل افضل من غيرها لأنها هي صاحبة القضية فما بالك أن تكون حريتها وفكرها محكوم ببيئة عنصرية لا تعترف بإبداعها وتعتبره أمر مخجل أو معاب !. لهذا نحن النساء والاديبات والكاتبات بصورة خاصة نتمنى بأن تكون كلمتنا مسموعة وغير مهمشة ومتساوية في ذلك مع زملائها من الأدباء والكتاب. ولعل أهم ما يمكن تقديمه هو تقبل عملها من قبل المجتمع وعدم التقليل من شأنها وقدرتها وكذلك توفير مساحات أدبية مهمة لتكتُب فيها المرأة عن كل ما يجول في خاطرها وفي كل القضايا التي تحدث في المجتمع..

***

سراب سعدي

شاعرة نصراوية عاشت غريبة ورحلت غريبة، لم يسمع بها الكثيرون، كتبت خلال سنوات مديدة ونشرت في صحف ومجلّات كانت تصدر إبان حياتها. ابتدأت النشر في فترة مبكّرة من عمرها القصير، في الثمانينيات، ورحلت عام 2013، صدرت لها مجموعة شعرية نثرية واحدة فقط حملت عنوان " لن اقول وداعا".

رحلت الشاعرة سناء السعيد عن عالمنا قبل عشرة اعوام، عن عمر قارب الخمسين عامًا. رحلت بصمت بعد سنوات من معاناتها المرض العضال مدّة نافت على العقد من الزمان، تاركة وراءها مجموعتها الشعرية الوحيدة وحفنة من الذكريات في اماكن كانت فيها، ولدى قلة من ابناء بلدتها.

عرفت سناء في أواخر السبعينيات من القرن الماضي، خلال فترة عملي محررًا أدبيًا في هذه الصحيفة أو تلك، وكنت أفاجأ بها تأتي بين الحين والآخر لتقترح عليّ قراءة واحدة مما كتبته من قصائد واشعار، تقترح للقراءة لا أقول للنشر، فما كان مني إلا أن ابادر لنشر ما تتقدّم به إلي، على اعتبار أنه وليد موهبة واضحة وتستحق أن يقرأها الناس.

علاقتي بالشاعرة سناء السعيد تواصلت إلى أوائل الثمانينيات، وتواصل النشر لها في العديد من الصحف التي عملت فيها، وأذكر أنني نشرت لها في صحيفتي" الراية" و" الميدان"، اللتين أصدرتهما حركة أبناء البلد، إبان تلك الفترة وعملت فيهما محررًا أدبيًا، بعدها نشرت لها في صحيفة "الجماهير" ومجلة "الآداب" اللتين أصدرهما الصديق الكاتب الصحفي عفيف سالم، رحمه الله، وأشير هنا بالمزيد من المحبّة إلى ماض ما زال ساريًا أمام ناظري ويشدّني خيط دقيق إليه من الذكريات، أن عفيفًا آمن منذ قراءته الأولى لبعض مما نشرناه لسناء بموهبتها اللافتة فبادر إلى تشجيعها، وقام في تلك الفترة بنشر عدد وفير مما كتبته، بل تجاوز هذا للمبادرة إلى اصدار ديوانها الشعري الأول والوحيد " لن أقول وداعا"، وقد كان لي شرف المساهمة في اختيار هذا العنوان، أما سبب اقتراح عنوان مثل هذا، فقد قام على رؤية متعمّقة لما كتبته سناء، فقد كان بإمكان من تتاح له قراءة ما كتبته شاعرتنا، لمس ذاك الاسى الشفاف الكامن وراء كلّ كلمة كتبتها، وكان الوداع أحد مركّبات كتابتها الشعرية الملموسة، الجلية والواضحة.

بعد إغلاق الصديق المرحوم عفيف سالم لمكتبه الصحفي، وتوقّفه عن الإصدار لأسباب لا مجال لعرضها الآن، انتقلت للعمل محررًا أدبيًا في صحيفة "الصنارة"، وقد كنت افاجأ بالصديقة سناء تطرق باب مكتبي لتدخل بخفر ميّزها، وأذكر أنني نشرت لها في تلك الفترة بعضًا من كتاباتها. بعدها اختفت سناء لتظهر في هذا الشارع أو ذاك من شوارع مدينتي، فتحيي وتمضي، إلى أن انقطعت أخبارها في العقدين الأخيرين، وقد عرفت مما توفّر لديّ من معلومات قمت بجمعها لغرض كتابة هذه المادة، خاصة من شقيقتها الشاعرة إيمان مصاروة، أنها عملت في عدد من المؤسسات، أما المرض العُضال فقد علمت أنه داهمها قبل حوالي العقد من الزمان، واستوطن في دمها، إلى أن قضى عليها في يوم صيفي حارّ من عام 2013.

لا أخفي أن نبأ الرحيل المبكّر لهذه الشاعرة الإنسانة هزّ كياني وأدخلني في حالة حزن وأسى غامرة، فقد كانت سناء كما عرفتها، إنسانة خفرة حيية، بعيدة كلّ البُعد عن الادعاء والاستعراض وما شابه من صفات باتت اليوم في عصر الانفجار المعلوماتي والامكانيات غير المحدودة للنشر، لا سيما في الفيس بوك، واحدة من الملامح التعيسة التي تميّز الكثيرين، وكنت وما زلت أرى فيها مثالًا لتواضع المبدع الخلاق البعيد عن التنفّج والادعاء .

لقد عاشت هذه الشاعرة المولودة لعائلة محافظة صفورية الأصل، بصمت، ورحلت بصمت، وأعرف عن قرب أنه كان بإمكانها لو أرادت أن تملأ الدنيا شعرًا وضجيجًا.. لكن ماذا بإمكان شاعرة حيية خجولة أن تفعل سوى كتابة ما يمور بوجدانها ويدور في خلدها؟

أنني الآن وأنا اكتبُ هذه الكلمات التذكارية عن شاعرة كانت بيننا ورحلت عنّا بكلّ ذلك الصمت المهيب، أشعر بنسمة شجيّة تهب من الماضي لتغرقه أسى وتوجعًا، وتساؤلًا.. فلماذا يرحل المبدعون بصمت؟ ولماذا تُغيّبهم يدُ المنون فيغيب معهم ماكتبوه وانتجوه خلال سنوات وسنوات من أعمارهم؟ رحم الله سناء السعيد فقد كانت صوتًا شجيًا هامسًا في حياتنا.. وشعلة شعرية متوهّجة انطفأت ومضت بصمت.

***

ناجي ظاهر

أبو أماني أحمد الباقري إنموذجا*

كانت تجمعنا حروف الكلمات المكتوبة على صفحات الورق الأسمر، والدفاتر المدرسية، نستمع إلى قراءاتهم، أما الترجمات، فهي أشبه بإيقاعات يضاف إليها نكهة الالقاء الخاصة بالمجتمعين مغموسة بمزاح لا يمل.

لم يكن صاحب الحقيبة، تلك الملامح المعفرة بخصوبة الأرض، ومرارة التجربة مجرد مثقف وأديب، بل هو معلم كبير ينتظره التلاميذ لتقييم جهودهم المتعلقة بواجباتهم المدرسية.

يجلس زيدان حمود، ومسلم عباس على الجهة اليمين من الطاولة، يسبقهم محسن الخفاجي، وغسان، وآخرون أحرزوا شهرة وتقدما كبيرا في كتابة القصة والرواية، بعد أن غابوا، بما فيهم القاص الأستاذ نعيم عبد مهلهل، حيث أبعدتنا واستنزفتنا جميعا محطات الغربة والوجع.

كانت جلساتنا تتغنى برائحة الهيل المخلوط مع بخار الشاي الساخن، حيث تزاول المقهى نكهة محبتها، وكأنها تعبر عن فرحتها بتلك اللقاءات.

يتلو مسلم على مسامعنا آخر ما كتب، ثم يقرأ زيدان نصا مسرحيا، يلقي الباقري نظراته بعد أن يلف سيجارته التي اعتاد أن يبالغ في ابتلاع دخانها بأصابعه المرتجفة لنطلق ضحكاتنا المعهوده إثر ذلك هو (صدر لو صفارة حارس)

يقرأ معلمنا نصا مترجما له من الأدب الأوربي، ثم تتلى إبداعات الأصدقاء، وتعليقاتهم تباعا.

كان يوم الجمعة يوما مقدسا للجميع حيث يجتمع فيه من لم يتسن رؤيته باقي الأيام.

تبتدئ المناقشات بخصوص ما كتبه محسن ،وترجمه أبو اماني، أما عقيل فكان ينتظر عموده الأسبوعي على صفحة الملتقى في اليوم المذكور في صحيفة القادسية بعد وصولها إلى مكتبة جبر غفوري، حيث تصل أكياس الصحف التي تحمل معها حرارة المطبعة، وهي تشبه أطباق الصفيح الساخن.

كان للصحف المقروءة معان كثيرة، وكبيرة، فهي ليست فقط للقراءة، وإنما يحتفى بجهود كاتبها الذي يتقاضى ثمن ما يكتب.

أعتاد محسن صاحب مجموعة ثياب حداد بلون الورد السفر إلى بغداد للقاءات أدبية مهمة، حيث يتاح له استلام أجور النصوص المنشورة في بعض الأحيان نيابة عن الأصدقاء الذين يكلفونه بذلك، حيث مقر جريدة القادسية والتي يعمل فيها ابن المدينة المرحوم الشاعر كمال سبتي مع عمود ثابت يصدر له تحت عنوان حروف المصحح.

ذات يوم استحسن الجميع ما يكتبه صاحبهم في ملتقى القادسية، ولذلك قال محسن له وبدعابة مشاكسة لقد أصبحت كاتبا معروفا يا (…)، كانت الأعمدة الاسبوعية التي يكتبها الشاب خاصة بأدب أمريكا اللاتينية، أو الأدب الأوربي المعاصر. وكان العمود يعد ثمرة جهد اسبوعي خاصة وهو يتضمن قراءات شاملة لروايات مهمة مثل الصخب والعنف -فوكنر، وحديث في الكاتدرائية ماريا فارغاس يوسا، مع كل ما تتاح قراءته عن الأدب العالمي.

ولذلك وبغية الابتعاد عن أبواق الضجيج الإعلامي لسلطة الحرب، والاعلام الماكر آنذاك، كان الشاب أسوة بمن يقلد، حريصا على أداء ما تقتضيه شروط الكتابة الخاصة بالنخبة، وهو التركيز على ذلك النمط من الموضوعات.

***

عقيل العبود

........................

* لمناسبة سنوية المرحوم الأديب والمترجم والكاتب أبو أماني أحمد الباقري- رحم الله زيدان، ومحسن، والباقري، وجميع من فارقنا من الغائبين والحاضرين، حيث لا يتسع النص لذكر باقي الأسماء.

ما لي أجدك في حسرة يا أمي الغيرة؟ ماذا يقطن في جنونك بداخل الآهات؟ كيف نسيتي وجودك الحر الذي لا يهدئه إقليم واحد بل يتنفس بين كل الأجناس؟ أنا لم أعرف ملامحك اليوم، كينونتك اعتادت على توارث انزيمها لأجيال لم تصل سوى حابسة الأنفاس بين رجل وامرأة.. أو.. امرأة وامرأة.. أو أصوات عابرة بين هؤلاء الذي يدعون الانتماء الى أرض سيعودون لها يوما ما لتبتلع أوجاعهم وشقاءهم.. لحظتها انخفض شموخ الغيرة وأومأت بنظراتها المترددة مرددة على ابنتها: هل حالتي تفضح أحوالها الصامتة يا قطعة الروح؟؟ هل تلمحين ذلك لأنك مني وفي وأنتي وريثتي اللاشرعية؟ أمك الغيرة مصابة بثمن الوهم الذي زارها قبل أن تزوره.. ويراودها طيلة خمس سنوات، واليوم أتت اللحظة التي لم تخلق ولم تتحرر الا باصطدامها بإبنة مثلكي، لا تسع الا لتضيق ليس مقاسا بل سهاما بأقواس اللاثبات.. آه يا أمي الغيرة متى انتصرت سهام مقوسة في اللاثبات الذي هبت خاتمته بغصة النظرات التي صارت تحاكم العبور والقدر، لماذا أنا مصابة بغيرة يا أماه؟ لماذا لم تشاورني اللاحدود حينما تكومت أنها لن تمنحني وسم الإبنة الأولى بل حفرت لي عتوه الغيرة؟ وأي غيرة تتسرب في عيد اللاتزامن وتتفق مع أغسطس على مقاضاة أوهامي؟ يا أماه لماذا لم تخبريني أن ارثك ووصاياك ستنهمر بداخل سماء لا قبلها ولا بعدها بالنسبة لوريثة تعقدت بفعل البصر؟ ولكن سمائي تمزق لونها الأوحد الى قبلة اللأبدية؟ لماذا جعلتني وريثة الجرائد والأحرف وجنون الصور التي تتألق لتكشف أوهامي كلما أخاطبها أن تكف عن تعذيبي أجدها تخفي لي أكثر مما تظهره لإبنة اللاتزامن؟؟ تعتلي حضارة اشبيليا لتتمرد على رقصة غجرية، يظنها الجمهور رقصة السنونو الأبدية ولكنها تصادف أصابع قدر ابنة وهمية.. استسلم غرورها الى حوريات الجنة ولكنها أثبتت باستحقاق الأعين السوداء أنها جنية اللاوجود في قضايا ابنة الغيرة العربية؟ أماه هناك صوت يسمعني ولكني خائفة ان يكشف أني ابنتك الوحيدة ووريثة المتوحدة في قصة الغيرة فيه.. آه يا وريثتي لا تخشي جنون الصوت فهو لن يؤذي غرورك الذي صدق نفسه يوما.. لماذا يا أماه تزيدين عتوهي انسكابا؟ أجابت دامعة لا مصدقة: أنتي غير موجودة في مرئيته بل بعنفوانه الشرقي.. هو لا يراود غيرة ابنة مثلك.. لا تهجوا الا غروره الدامي.. جعلك تنتحرين بثبات القبلة الجبينية وتسألينها كيف تحررتي في جبين طفلة غيري؟ وتمكن تاريخك القريب نحوه ان يكتب إيمان البراءة التي أجرمت بي ولي؟ ما لي أسائل مدني على ماذا تكومتي لتحرري مدن الوهم الذي امتلكني بآهاته اللايقينية؟؟؟ ونسيتي أن تمتلكي طفلة الوعد بالقبلة الأولى؟ لماذا جرمك يشتد بأوهامي الإبنة اللامرئية؟ متى تكفين عن جعل إصداراتي العربية متورطة في غيرتي كإبنة اللابراءة؟ نعم اللابراءة أنت من منحتي مدني شكوك بلا غفران اليقين؟ وأسميتيها في جريدة قومية بتاريخ: 14/08/2023 الإعلان عن انتحار طفلة الغيرة العربية.. بتحرير قبلة الخلد الصورية..

هنيئا لنا يا أماه.. لم تعد بطولات الوهم تغزوا جنون ابنة الغيرة.. أوهامي بالأبوة انتحرت بغرور التوق الاشبيلي..

قبلات الغيرة الساخرة..

***

سعاد أدري

عندما زرت معهد بوشكين للغة الروسية بموسكو قبل عدة سنوات، فوجئت بمقطع من كتابات غوغول حول بوشكين منقوشة بحروف بارزة على الجدار اليمين في مدخل المعهد، وقد وقفت طبعا وقرأت ذلك النص الغوغولي المتميّز والعميق عن بوشكين، ثم استفسرت عن تلك الظاهرة الجديدة بالنسبة لي (اذ اني من روّاد هذا المعهد منذ تأسيسه !)، فقال لي رئيس المعهد مبتسما، انه لم يجد أفضل من تلك الكلمات لغوغول عن بوشكين واهميته للغة الروسية وآدابها، وقد اتفقت معه في الرأي، واليوم، ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، لازال غوغول فارس الساحة الثقافية الروسية بلا منازع، فهو (الاوكراني!) العتيد والكاتب (الروسي!) الكبير في آن واحد، ومن يمكن له في اجواء الحرب الروسية – الاوكرانية (التي بدأت في شباط (فبراير) عام 2022، ولازالت مستعرة لحد الان، ونحن في آب (اغسطس) من عام 2023)،من يمكن ان ينافس غوغول في موقعه المتميّز والخاص جدا بالساحة الثقافية الروسية المعاصرة ؟ اذ ان غوغول يجسّد اوكرانيا وروسيا معا وسويّة، ويرمز الى وحدتهما الطبيعية جغرافيا وتاريخيا وثقافيا و انسانيا ايضا  منذ انطلاق بداياتهما في القرن العاشر عند تأسيس دولتهما المشتركة - (كيفسكايا رووس! والتي يمكن ترجمتها بلغة عصرية – روسيا الاوكرانية)، ودون امكانية الانفصام بينهما لاحقا و ابدا، فلا يمكن (تقسيم!) غوغول الواحد (الكاتب والمفكّر والفيلسوف) على كاتبين ومفكرين وفيلسوفين، واحد روسي والثاني اوكراني !!! .

مؤلفات غوغول المختارة والكاملة طبعوها عشرات المرات في الامبراطورية الروسية (منذ ان كان غوغول على قيد الحياة) والاتحاد السوفيتي وروسيا الاتحادية (طبعت مؤلفاته الكاملة ب 23 مجلدا، وانجزت عام 2013)، اضافة الى طبع نتاجاته الادبية من قصص ومسرحيات وروايات بكتب منفصلة بحد ذاتها كانت تلاقي الرواج آنذاك دائما، ولازالت كل هذه الكتب والمؤلفات مطلوبة من القراء لحد الان . غوغول كاتب قصص قصيرة وطويلة وكاتب مسرحي وروائي، ولكنه ابتدأ بالنشر شاعرا، واصدر كتابه الاول عام 1829 (وكان عمره 20 سنة)، والكتاب هو مجموعة شعرية باسم مستعار، ولكن غوغول شعر رأسا بالفشل الذريع لذلك الكتاب، فقرر رأسا شراء كل النسخ التي جرى طبعها وتوزيعها آنذاك من هذا الديوان، وحرقها باجمعها، وهذا يعني، ان عملية (حرق!) مؤلفاته ليست ظاهرة جديدة في مسيرته الادبية ابدا، اذ انه كررها مرّة اخرى في نهاية حياته – كما هو معروف -  وأحرق كليّا الجزء الثاني من روايته (الارواح الميتة)، والتي كتبها لفترة طويلة جدا، ولكن، والتزاما بعنوان مقالتنا هذه، لنبتدأ بالحديث عن  الكتاب الاول الذي أصدره غوغول، وهو الكتاب الذي يرتبط لحد الان بظهور نجم ساطع في دنيا الادب الروسي، والادب العالمي ايضا .

الكتاب الحقيقي الاول لغوغول صدر في بطرسبورغ، وعنوانه حسب الترجمة الحرفية هو – (امسيات في بيت ريفي منعزل قرب ديكانكا) . اصدر غوغول الجزء الاول من كتابه هذا عام 1831، وكان عمره آنذاك (22) سنة فقط، وصدر الجزء الثاني عام 1832 . نجح الكتاب بشكل ساطع و باهر جدا، اذ انه عكس خصائص غوغول الادبية التي سيتميّز بها لاحقا – العنوان الطريف (والذي خلّد به قرية ديكانكا المجهولة، وهكذا اصبحت هذه القرية معروفة وليس فقط في اطار روسيا، وانما عالميا ايضا بفضل كتاب غوغول هذا، وقد تذكّرت رأسا قصيدة عبود الكرخي – قيّم الركاع من ديرة عفج، التي خلّد فيها الشاعر (ديرة عفج) بالنسبة لنا، نحن العراقيين !) وانعكست في الكتاب ايضا الروح الشعبية الاوكرانية والواقعية الممزوجة بالخيال الغرائبي والمرح والضحك و السخرية، وكل ذلك باسلوب جميل أخّآذ و بلغة روسية ذات مستوى رفيع جدا، وتكاد ان تكون لغته الخاصة به، فهي لغة روسية شاعرية مطعّمة بالاسماء والاماكن الاوكرانية،  وقبل كل شئ بالفلكلور الاوكراني  طبعا بخرافاته واساطيره وحكاياته المثيرة . لايزال كتاب غوغول هذا مطروحا وبشكل واسع بين القراء الروس صغارا وكبارا، لدرجة، ذكر فيها رئيس اتحاد الادباء الروس في مدينة بطرسبورغ (ما معناه) انه عاد لقراءة ذلك الكتاب في بداية الحرب الروسية – الاوكرانية، لأنه لم يجد افضل من غوغول رمزا لانهاء هذه الحرب . ومن الطريف ان نشير هنا، الى ان ناشر الكتاب في بطرسبورغ آنذاك (اشتكى !!!) قائلا، ان عمّال المطبعة كانوا يقرأون كتاب غوغول هذا ويقهقهون، وان تلك القهقة قد عرقلت عملهم اثناء طبع الكتاب، ويا لها من شهادة رائعة وحقيقية وعفوية عن عبقرية الكاتب غوغول، شهادة أعمق كثيرا من (مقالات !!!) يكتبها بعض نقّاد الادب .

تم ترجمة هذا الكتاب الى الكثير من لغات العالم، ومن بينها طبعا لغتنا العربية،  وبعناوين متعددة، منها – امسيات قرب قرية ديكانكا، الامسيات في قرية قرب ديكانكا، امسيات في قرية قرب ديكانكا ....

مؤلفات غوغول العديدة والواسعة المعالم تنتظر الباحثين العرب، فما اكثر العناصر الانسانية  المشتركة بيننا.  

***

أ. د. ضياء نافع

كل النفوس تنتهي إلى نفس واحدة، هي المرجع والأصل تحمل ذات الفطرة السليمة المدفونة في أعماقها الإيمان بالله عزوجل ووجوه الخير.

وبشكل تلقائي فإن النفوس الوافدة على الحياة في أعماقها السحيقة هذه الأصالة الإيمانية، ثم يترك لها حرية الاختيار والسعي، وسعي البعض يكون لأجل المطالبة بأشياء عدة منها الأمن والأمان الروحي الذي يتحقق بالوصول للإيمان بالله بعد عمليه تفتيش وبحث.

كما أن شطر من النفوس البشرية تترعرع في بيئات تمتلك معتقدات مغايرة للحقيقة الإيمانية وتتلوث عبر السنين بأفكار شديدة البعد عن معرفة الخالق وتنغمس في أوحال الحياة لتصبح بعيدة عن الأصل الذي خُلقت من أجله.

أما النفوس التي وصلت إليها الحقيقة الإيمانية سهلة لكنها لم تتشرب أسس الإيمان ولم تتدرب عليه ولم تمارسه يومياً من قبل مربين ومرشدين حتى يكون عميقا تظهر آثاره في السلوك العملي، فهي بذلك تغدو بأشرعة ضعيفة ومن ثم تعيش مخاض عسير عبر مسار طويل يقع بين ابتلاءات وشهوات ونزعات ورغبات.

عندئذا يُطلب منها الاجتهاد والمجاهدة حتى يتحقق الوصول للنبع الصافي وفوق ذلك كله فإن أمر الله عزوجل غالب وتوفيقه يمنحه لمن اصطفى.

وفي نهاية هذا الجزء البسيط فإن الأدلة الربانية تؤكد على القدر العظيم للنفس وترابطها مع بقية النفوس حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم عن حرمة النفوس: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا. سورة المائدة آية 32.

***

كتبها: هيثم البوسعيدي

نشرت بتاريخ الاثنين 14 أغسطس 2023

الشعر ربما ما عاد إبداعا متميزا ولا مؤثرا، ومهما توهم أصحابه وأدعياؤه وغيرهم، لأن ما يمكن كتابته بالعربية على أنه شعر لا يصل إلى مقام ما كتبه شعراء الأمة عبر العصور، فمهما توهمنا بأننا نكتب شعرا، فلن نجيد ما أجادوه، والسبب أن الأغراض بقيت على حالها، وواقعنا لا يتفاعل مع العصر الذي نحن فيه.

وفي المسيرة العربية هناك تجديد، وتحديث لأساليب وتقنيات الكتابة الشعرية، وما جاء به الحداثيون ربما دون ما قدمه السابقون من روائع نصية باذخة الجمال والأشكال، وغنية بمفرداتها وبلاغتها وقيمتها الفكرية والتعبيرية.

في الأزمان السابقات كانت المعارف محدودة، والقدرة على البروز والتألق متاحة، وعندهم الوقت وأغراض الكتابة معروفة، والشعر معظمه للتكسب، فساد المديح والرثاء، وما كانت عندهم ثورات صناعية وتقنية، والإهتمام باللغة في ذروته، وبمحاسنها اللفظية، والمصادر نادرة.

ولكل زمان مبدعوه، فلو كان المتنبي بزماننا لما كان مثلما نعرفه، فنحن نعيش زمن التسطح واللا أنا.

ترى ما قيمة الشعر ومجتمعاتنا خاوية من قدرات التعبير عن المعاصرة التقنية والمواكبة العلمية؟

علينا أن نواجه أنفسنا، فالموضوع ليس ضد الشعر، بل يخص الجميع بلا إستثناء، ومَن لا يرى مأزقنا الحضاري، ليبتعد عن سكة التفاعل التبريري،  فوعاء إبداعنا العلمي فارغ، وأوعية الآخرين طافحة وتفيض، ولهذا يكتبون شعرا، ويأتون إبداعا، ونحن نتوهم الإبداع، كالذي بطنه خاوية، ويدّعي الشبع والتخمة.

تلك حقيقة مريرة، لن نتشافى منها، إن لم ينطلق المجتمع في مسيرة تفعيل العقول، لا تعطيلها بخطابات ألف مجنون ومجننون، متمحن بالضلال والبهتان الأسود!!

فالتجديد والحداثة تحتاج بيئة معاصرة متواكبة مع زمانها، وملهمة للطاقات الإبداعية القادرة على تمثلها بنصوص متوافقة معها، فشعراء الأمة الذين نعرفهم من نتاج بيئة ذات طاقات متفوقة على زمانها وسبّاقة لعصرها.

فالحداثة والتجديد حركة تشمل المجتمع بأسره، ولا تقتصر على شعر أو كتابة وغيرها، إنها تتحقق في كافة الميادين المتصلة بالحياة، وتترجم بأنواع الإبداع.

فأين العلم يا أمة يعلمون؟!!

ولماذا الجهل يا أمة إقرأ؟!!

***

د. صادق السامرائي

الشعر فن جميل، وتعبير رائع عن المشاعر والأحاسيس، ويتحول إلى أفيون عندما يعيش وحيداً في بيداءٍ بلا إبداع بميادين الحياة المتنوعة.

وحالما يكون هو الإبداع المنفرد في أي مجتمع، فسيخدّره ويصيبه بالنوام والسبات المبيد.

الشعر بحاجة لرفقة إبداعية، ومواكبة علمية تقنية، وقدرات إختراعية وإبتكارية، لكي يتألق ويستشعر قيمته ودوره في صناعة الحياة الحرة الكريمة.

الشعر المجرد من الواقع الإبداعي المادي يفقد قيمته، ويتحول إلى مجرد كلام، مهما تميز صاحبه بسبك الكلمات والأفكار في عبارات شعرية تامة متفوقة الجمال.

فهل نصنع؟

وهل نزرع؟

وهل نرفع شأن العلم والتعليم؟

الشعر الصيني أو الياباني ربما أكثر قيمة ودورا من الشعر العربي، لأنه ينطلق من بيئة معاصرة قادرة على تصنيع الأفكار وبناء الحياة المتصورة.

أما الشعر عندنا فرثائيات وغزليات وتفاخر بالماضيات، وأكاذيب وتهويلات، ومتاجرة بالكلمات، ولا يساهم في التنوير وشحذ الهمم وإطلاق الطاقات، لأنه يرتكز على رمضاء، ولا يستطيع إستحضار الماء، فيتعلق بالسراب.

الشعر العربي لا يستطيع التعبير عن حاضر سعيد ومستقبل زاهر رغيد، ويغطس في مستنقعات الدموع والدماء، ويمعن بجلد الذات والتقليل من قيمة الإنسان، وإستلطاف الهوان، فتسويغ الملمات من الأغراض المتوارثة فيه، وكذلك تنزيه الكراسي من الآثام.

الرئيس ماو أيقظ الصينيين بأشعاره، وأعاد ترتيب آليات تفكيرهم، وبأشعارنا نحطم الأشياء وننوح عليها، فقصائدنا لطميات في مسارح الويلات والتداعيات!!

فهل غاب الشعر وانتحرت الكلمات؟!!

***

د. صادق السامرائي

.....................

*هذه واحدة من سلسلة مقالات نشرتُ بعضها وسأتواصل باللاحقات، وهي ليست ضد الشعر وإنما عنه وفيه من وجهة نظر قارئ!!

ضمن الأنشطة الدورية لبيت الشعر القيرواني وفي سياق الفعاليات الصيفية حيث الأدب يذهي شيئا من حر الأحوال التونسية ووفق التمشي الثقافي والشعري والاشتغال على الشعر وأسئلته المتصلة بحثا وحوارا ونقاشا نظم بيت الشعر بالقيروان مساء اليوم السبت  5أوت 2023 أمسية أدبية تضمنت  مداخلة أدبية للدكتور محسن التميمي بعنوان " الشعر التعليمي عند العرب" وبتقديم من قبل الأستاذ السيد العلاني ليتخللها حيز من القراءات الشعرية للشاعر مصطفى ضية وذلك بحضور جمهور الشعر ورواد البيت وعدد من النقاد والشعراء والاعلاميين وغطت الفعالية قناة الشارقة التي تنقل كل الأنشطة الشعرية والثقافية والأدبية للبيت .

الشاعرة ديرة البية جميلة الماجري افتتحت اللقتء بالترحيب بالحضور وبرواد البيت مبرزة أهمية الشعر التعليمي كحيز ونوع من الشعر المخصوص ومن الأهمية التطرق اليه من خلال التعرض الى أعلامه وخصائصه وحضوره في الشعر وذكرت بجملة الأنشطة للبيت التي تتصل بالشعر وفنونه والحصص الموجهة لأحباء تعلم الشعر والعروض فضلا عن التذكير بدور جائزة الشارقة لنقد الشعر كرافد مضاف لدعم والنهوض بمسارات الشعر العربي وحضوره.و قدم الفقرات لهده الأمسية الأستاذ والكاتب عبد المجيد فرحات مبرزا قيمة الندوة ومشيرا الى تجارب الضيوف ومسيراتهم الابداعية والثقافية .

 وفي مداخلته تحدث الدكتور محسن التميمي عن الشعر التعليمي من خلال خصائصه وشعرائه وعهوده وأبرز تجلياته باعتباره شعر يشير بنصوصه الى أحداث وأمكنة وقواعد ونظم  ويشرح الأحكام  وييسر الوقائع والأحداث التاريخية والقصد من كل هذا هو التعليم والحفظ مشيرا الى كونها متون ومنها كتاب 'مجموع المتون الكبرى ' وهي تجري على بحر الرجز مشيرا الى الشاطبي والفقيه ابن بكر العاصمي والفاسي وموسوعة ' تحفة الجكام ' وعلم القراءات وشاعر القيروان الحصري وقصيدته في علم التجويد التي سماها ' المنح الفريدة ' حيث اهتم العلماء قديما بهذه القصيدة ومنها تثمين مقدرة الشاعر في علم القراءات وذكر أن أبرز من نظم في علم القراءات أبو محمد خلف المتوفي بمصر مشيرا الى أبيات تشرح الأحكام  وتذكر الوقائع والأحداث التاريخية بيسر

مبرزا الخيارات الجمالية الشعرية لهذا النوع من الشعر التي تجنح الى الشعر والأنساق التي تخدم العلمي والجمالي وخلص المحاضر التميمي الى القول "..يبقى الشعر العربي مستودع آمال العرب وحين سئل ابن خلدون عن هذه المسائل في الشعر كان جوابه بأنها

تخدش وجه القريحة وتعطل الابداع  الشعري  فقيل له لله درك لا يقول الكلام هذا الا أنت...".

الأستاذ الصحبي العلاني تحدث في اشارات مترابطة وعميقة الدلالة عن الخصائص لهذا النوع من الشعر التعليمي ذاكرا أن هذا النوع من النظم يخلو من الخيال والعاطفة ويقتصر على الأفكار العلمية المجردة وقال "...حين نتعامل مع هذا الشعر لا بد من كثير من المعرفة ...قصيدة سعيد عقل "مرخى على الشعر شال " هي ضمن الغزل الحديث لخصوصيتها فالشعر الحديث صعب الكتابة والفهم والقراءة والأمثلة عديدة ...".

اثر ذلك كان هناك نقاش وفق ما طرح في اللقاء عن هذا الشعر التعليمي وفسح المجال للشعر حيث قرأ الشاعر  مصطفى ضية عددا من القصائد التي تفاعل معها الحضور لما بدا في مضامينها من وجع وشجن وحياة ومنها قصيدته " عليك بشيء يدل عليك " .

أمسية رائقة حملت الحضور الى أزمنة شعرية حيث الشعر مجال تعليمي كان فيها النقاش ثريا وتنوعت الأراء وكذلك النظر والتقييم وهذا من عناوين فن الشعر الشاسع بتلويناته وضروبه .

***

شمس الدين العوني

تصنف الرواية بكونها سلسلة سردية طويلة تحتوي على أحداث كثيرة قد تكون واقعية أو من وحي الخيال وفيها شخوص كُثر يبرز فيها الابطال الذين ينقلون قضايا معينة من خلال تسليط الضوء على مشكلة ما وايجاد الحلول لها بشكل اكثر اسهابا من القصة، كما وقد تحتوي على شخصيات تظهر مرة واحدة في الرواية للتنبيه على أمر ما!، ظهرت الرواية في القرن الثامن عشر في أوروبا وكانت لها تأثير كبير في تغيير الأحداث على الواقع  ومعالجة المشاكل والازمات، وتعتبر الرواية أطول الأجناس الادبية.. تحتوي الرواية على مقدمة وفصول متسلسلة في الأحداث الى أن تصل الى ايجاد حلول أو التنويه لحلها أو حتى ترك حلها للقارئ.

تتعرض الرواية في الآونة الأخيرة إلى هجمات عديدة تمثلت في أن لا أهمية لوجودها! أو أنها روتينية وأحداثها مملة وماهي إلا تقليد لروايات عالمية والافكار فيها مستهلكة!. لعل هذه الآراء تصدر من اشخاص غير مطلعين على الادب العربي بصورة عامة وليس الرواية على وجه التحديد، ليس كل رواية مشهورة جيدة وليست الرواية المغمورة والتي لم يسلط الضوء عليها هي رواية سيئة. ان سبب ظهور فن الرواية هو حل قضايا معينة أو انتقاد واقع سيء أو لمتعة القارئ، وكما نعلم هناك انواع من القراء منهم القارئ الشغوف المتفائل والقارئ الذي يقرأ لينتقد فقط وليس ليستمتع ويستفاد وانما هو حاقد على الكتابة بصورة عامة لا يعجبه اي شيء ولا يستسيغ ما يقرأ، وهنا يجب أن لا نلق بالاً لمثل هذا النوع من القراء ونهتم بالإيجابية. النقد يختلف عن الانتقاد، النقد مفيد للكاتب فهو يُقوم النصوص ويشذبها ويبرز معالم القوة فيها ويبين رؤى مختلفة في قرأته للرواية فيتعلم الكاتب الكثير من الناقد ويحسن اسلوبه في الكتابة، واما الانتقاد فهو مجرد إظهار العيوب أو حتى اختلاقها دون الرجوع الى أسس النقد الصحيحة ويأثر سلبا على الكُتاب ويحبط مسيرتهم الادبية، لهذا يحب الانتباه لهذا الامر واخذه بنظر الاعتبار من قبل الكُتاب والادباء والقراء بصورة عامة.

***

سراب سعدي

يقولون أن الشعر من المشاعر، ولابد أن يكون كذلك ليسمى شعرا، فما كل موزون ومقفى بشعر، ولا المنثور بشعر.

وإن إمتطت الفكرة ظهر الشعر إنكسر، وإنفرط عقد الكلمات الجمالي والنغمي، فالشعر إيقاع ولحن روحي أخاذ بأوتار النفس البوّاحة.

الشعر كل شيئ ولا يتحول إلى شيئ، أو أداة للتعبير عن فكرة أو رؤية أو تصور، وما كل مَن كتب الشعر بشاعر.

دواوين كبار الشعراء، يكثر فيها النظم ويقل الشعر، ونسميهم شعراء كبار لأنهم عاشوا قريبين من الكراسي المتسلطة على البشر.

ما عدا شعراء المعلقات، والذين كتبوا قبل الإسلام، والبعض الآخر، فأن معظم الذين صاروا شعراء كبار في ثقافتنا الجمعية، هم من أولياء نعمة الكراسي، ويطغى على شعرهم المديح كوسيلة للتكسب وجمع المال، فالشعر تجارة مربحة عندما تكون على مقربة من مركز القوة.

والبعض يرى أن في الكثير من الأقوال المتداولة كأبيات شعر، لا يوجد فيها شعر، بل أفكار منظومة.

إذن أين الشعر، وهل يوجد شاعر حقيقي أصيل يضع إنعكاساته الذاتية والموضوعية في كلمات ذات تأثير؟

يبدو أن الإنسان الشاعر يمتلك مهارة التكثيف والإقتصاد، أي يعبر عن جبل عظيم بذرة متناهية في الصغر، فكلماته يجب أن تختصر كتبا وموسوعات، وهذه القدرة نادرة بندرة الشعراء الأصلاء، فالذي يكبس رؤيته في بضعة أحرف، يمتلك وعيا كونيا وتماهيا مطلقا مع مفردات الوجود الأكبر المتوثب الإتساع.

فالشاعر مَن إستوعب الكينونة الوجودية بإدراكية عالية ومديات لا تعرف الحدود.

وعندما يصل إلى هذه المرتبة الإشراقية يمكنه أن يقطر شعرا، ويعصر خمر الكلمات ليبث سلاف جمال وروعة وبهاء، وحينها نكتشف أننا نقرأ شعرا، ونغوص في عباب قصيد.

فهل إن الشعر روح؟!!

وقل تسطحت القمم وانقطع رأس الهرم!!

***

د. صادق السامرائي

7\4\2023

اقامة تماثيل لابطال النتاجات الادبية - ظاهرة طريفة في تاريخ الادب العالمي بشكل عام، وهي ترتبط – مثلا – في ادبنا العربي بنتاجات شعبية واسعة الانتشار، مثل الف ليلة وليلة، وليس بادباء محددين، ومن لا يعرف – بين العراقيين - كهرمانة والاربعين حرامي في قلب بغداد، او شهرزاد وهي تروي حكاياتها المثيرة لشهريار، ولكن هذه الظاهرة (اي المرتبطة بنتاجات ادباء محددين بالذات) لا توجد – حسب علمنا المتواضع - في ادبنا العربي، وهي نادرة جدا في تاريخ الادب العالمي بشكل عام، وتاريخ الادب الروسي خصوصا، اذ اننا نجدها هنا وهناك بعض الاحيان ليس الا، فيوجد مثلا تمثال شهير لبوشكين في روسيا وهو يجلس على مصطبة وينظر بتأمّل وهدوء واعجاب الى بطل روايته الشعرية المعروفة يفغيني اونيغين، الذي يقف – وبغرور - ليس بعيدا عنه، وهناك ايضا تمثالان (وليس تمثالا واحدا !) في مدينة بطرسبورغ لقصة غوغول الطويلة - (الانف)، وتوجد كذلك تماثيل مصغّرة (وفي غاية الجمال والاتقان) لابطال النتاجات الادبية على قواعد تماثيل بعض الادباء الروس الكبار، مثل تمثال غريبويديف الضخم في موسكو(لابطال مسرحيته الشعرية المعروفة – ذو العقل يشقى، او المصيبة من العقل حسب الترجمة الحرفية)، او تمثال غوغول (تم افتتاحه عام 1909 في الامبراطورية الروسية بمناسبة مرور قرن على ميلاد الكاتب)، والذي نقلوه من مكانه الاصلي،وهو يقف الان امام متحفه بموسكو (لابطال مسرحيته الشهيرة – المفتش) ...الخ..الخ، ولكن تماثيل ابطال قصص تشيخوف في روسيا اصبحت عديدة ومستقلة بحد ذاتها ولا ترتبط بتماثيل تشيخوف الشخصية بتاتا، وهي منتشرة في عدة مدن روسية، وتعني هذه الظاهرة - بلا شك - شعبية هذه القصص الواسعة، وتقبّل القراء الروس لابطال تلك القصص لدرجة، ان هذه التماثيل اصبحت تجسّد ظاهرة واضحة ومتكاملة وملموسة ومقبولة جدا في الحياة الثقافية الروسية المعاصرة، ويتعاطف معها جمهور كبير من المشاهدين والمعجبين، بل واصبحت تمتلك حتى بعض (التقاليد!) المحددة والطريفة، مثلا، ان لمسها باليد يعني ان ذلك اللمس يمنح للشخص التفاؤل بالنجاح والتوفيق في اداء مهمته، التي يتوّجه لتنفيذها (وخصوصا يقومون بلمس تلك التماثيل الطلبة الروس قبل اداء الامتحانات بالاساس !!!) ....الخ...الخ .

نحاول في مقالتنا هذه التحدّث للقارئ العربي عن هذه الظاهرة الغريبة، والفريدة فعلا، ونحاول ان نتوقف قليلا عند تلك التماثيل الجميلة، التي ترتبط بابطال قصص تشيخوف، اذ ان تلك التماثيل تعدّ حقا علامة حقيقية مادية محددة لشهرة تشيخوف وابداعه بين الاوساط الشعبية الروسية، والتي تؤكّد الحقيقة الكبيرة عن تشيخوف، وكيف انه اصبح يقف الان - وبكل جدارة - جنبا لجنب مع تولستوي ودستويفسكي، اذ ان هؤلاء الثلاثة يجسّدون الادب الروسي بكل عظمته محليّا (اي في روسيا نفسها)، ويعتبرون رمزا رائعا لهذا الادب العملاق في كل بلدان العالم ايضا .

  توجد لقصة تشيخوف الشهيرة (السيدة ذات الكلب الصغير)، مثلا، عدة تماثيل في مدن روسيّة مختلفة، واول هذه التماثيل - النصب الطريف والفريد من نوعه في مدينة يالطا، والذي اصبح الان (مرادفا!) لبطلي تلك القصة وهما يقفان (دون منصّة) على ارض شارع في مركز تلك المدينة، حيث يتكأ البطل على حافة سياج، وتقف السيدة مع كلبها الصغير غير بعيدة عنه، ومن الواضح تماما، ان النحّات درس نص القصة بعمق، وحاول التعبير عن جوهرها بعمله النحتي هذا، اذ انه جسّد بطل القصة (وهو محاكاة لتشيخوف نفسه) ويقف حائرا ومتأمّلا، ولكن قريب من البطلة، أما هي، فقد جسّدها واقفة مع كل ماضيها (ملابسها الجميلة وتسريحتها وكلبها الصغير)، ولكنها لا تستطيع ان تنطلق مع حبها الحقيقي، اذ انها لا تستطيع الانفصال عن ماضيها، ويقف هذا النصب غير الاعتيادي في شارع عام وبين الناس الذين يعبرونه (كل حسب جهته)، وحتى مكان النصب تم اختياره بدقة ورمزية واضحة، اذ انه يذكّر الناس كافة، ان الحب الحقيقي والمتأخر يقف في طريق عبورهم الابدي بين جوانب الحياة، وهم لايستطيعون (التوقف عنده !) ولايستطيعون – في نفس الوقت - عدم رؤيته والاحساس به . وقد اقيم هذا التمثال الجميل في المدينة، التي جرت فيها بداية احداث تلك القصة، وهي القصة التي اعتبرها نابوكوف (وهو على حق من وجهة نظرنا) واحدة من أهم القصص في الادب العالمي عموما، وليس في الادب الروسي وحسب . التماثيل الاخرى، المرتبطة بهذه القصة تقع في مدن روسية اخرى، وتجسّد بطلة تلك القصة وحدها مع كلبها الصغير، فهي تقف مثلا في الشارع المحاذي للبحر في مدينة غيلينجيك على البحر الاسود في ساحة صغيرة قائمة بين الاشجار والزهور، وهو تمثال في غاية الرشاقة والجمال، وفي مدينة ليبتسك تقف تلك السيدة وكلبها الصغير في مدخل مسرح الدراما، وهناك تمثال جميل آخر لهذه القصة في مدينة آستراخان، حيث تقف السيدة حزينة وجنبها كلبها الصغير . القصة الاخرى لتشيخوف، والتي اقيم لها تمثالين، هي قصة (البدين والنحيف، والتي كتبها تشيخوف عندما كان طالبا يدرس الطب !)، اذ يوجد تمثال في مدينة تاغنروك (المدينة التي ولد فيها تشيخوف) يجسّد النحيف منحنيا وزوجته وطفله خلفه من جهة ويقف امامهم صديق طفولته البدين، اما التمثال الثاني لهذه القصة، ففي مدينة يوجنوسخالينسك، حيث يقف البدين وامامه النحيف مرتعدا، ويمكن القول ايضا عن هذين التمثاليين، ان النحّاتين حاولا – وبعمق – التعبير عن الجوهر الحياتي العميق في تلك القصة القصيرة، اذ رسم فيها تشيخوف رعب الانسان البائس من الوقوف امام انسان آخر يعلوه في المناصب، بغض النظر عن علاقاتهما القديمة عندما كانا يدرسان في المدرسة معا، وصداقتهما الحقيقية آنذاك، وكم قابلنا في مسيرة حياتنا مثل تلك النماذج الجبانة، التي كانت ترتعد خوفا وهلعا امام هؤلاء الذين يشغلون مناصب عليا !

هناك تماثيل اخرى لقصص تشيخوف لا يسمح المجال للتوقف عندها، مثل قصته الشهيرة بعنوان (كاشتانكا)، وهي القصة التي لازال القراء الصغار والكبار ايضا (يلتهمونها !) لحد الان، القصة التي كتب ايرنبورغ عنها مرة، انه لا ينسى، ان والدته قالت له في طفولته بجزع وحزن حول وفاة تشيخوف – لقد مات مؤلف قصة كاشتانكا، وهناك تمثال لقصة (انسان في علبة)، و..و..و...

تماثيل ابطال قصص تشيخوف تشغل الان المكان الاول بين الادباء الروس، وهي ظاهرة فريدة تؤكّد ان تشيخوف لازال يتعايش – وبشكل حيويّ - مع الحياة الروسية لحد الآن، رغم انه رحل عام 1904 في الامبراطورية الروسية، ورغم التغيّرات الاجتماعية والسياسية الجذرية الهائلة، التي مرّت بها روسيا بعد رحيله ...

***

أ.د. ضياء نافع

تطرق المفكر الاستراتيجي والطبيب الكويتي المعروف جاسم سلطان صاحب مشروع النهضة في إحدى مقالاته إلى التصورات الخاطئة لمفهوم العبادة وذكر قصة صديق له مقبل على التقاعد فسأله عن خطته ما بعد التقاعد ؟ فقال له: سأتفرغ للعبادة فقال له جاسم سلطان ولكنك حججت واعتمرت مرات وأنت على التزام فقال له صديقه: مزيدا من العبادات..

وهنا أشار  لهذه التصورات الخاطئة لدى كثير من المسلمين فيما يخص هذه الثلاثية: الجانب الإيماني والجانب العبادي والجانب العمراني..

وقد عشت نفس قصة صديق جاسم سلطان عندما نشرت على صفحتي في الفيسبوك منشورا يتحدث عن الاهتمامات المستقبلية لحظتئذ رد علي شخص متقاعد وقال لي: تفرغ للعبادة واتركك من هذه الانشغالات الكتابية فكان هذا التصور الخاطئ للعبادة هو من الأسباب الكبرى في التخلف الحضاري وعدم انطلاق أمتنا نحو التقدم والرقي والريادة فالمسلم الحق الواعي لدينه وقيمه يعرف بأن هذه الثلاثية متكاملة لا يمكن أن نفصل جانبا منها فالتسلح بالإيمان وعبادة الله بمفهومها الشامل وعمارة الأرض ونفع الخلق من تمام الفهم الصحيح للدين  وقد عرف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله العبادة تعريفا شاملا واعيا حيث قال:" العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة: فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد للكفار والمنافقين والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضاء بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف لعذابه وأمثال ذلك هي من العبادات لله"

لهذا أخي المسلم لتضع نصب عينيك أن ثمار الإيمان ونتائج قيامك بالشعائر التعبدية هو أن تعمر الأرض وتترك أثرا طيبا يفيدك ويفيد اسرتك وأمتك بل الإنسانية جمعاء ولا نهوض لنا من تخلفنا إلا بالفهم الصحيح الواعي المتبصر بتكامل الجوانب الثلاثة من إيمان وعبادة وعمران وإلا سنبقى نعيش هذه الانفصامية والسلبية والخروج من دائرة التأثير ومنافسة الكبار  سياسيا واقتصاديا وثقافيا.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية:

شدري معمر علي

مثل أيّ طفل لحوح.. كثير الأسئلة.. كنت أسأل جدتي على مائدة الإفطار: لماذا لا نأكل الطعام البائت؟!..

تقول: لأن جدّك كان أسداً ضرغاماً وهزبراً ضيغماً وقسوراً لا يأكل غير ما يصطاده من البرّ ..

قلت: وأين تودون بطعام البارحة؟!..

تقول: نرمي به إلى الماشية والقطط والكلاب..

- لماذا لم تعطوه إلى الفقراء؟!..

- كان جدك لا يلبس خادماً سملاً، ولا يكسي فقيرا بالي الثياب.. كان يشتري لهم الجديد في كل عيد..

- وأين يودي جدي بثيابه العتيقة المتهالكة الغسيل؟!..

- كان جدك يعتز بثيابه العتيقة ؛ لأن فيها رائحة أبيه وأجداده.. كانت ملابسه لا يتغيّر لونها.. كان يرتدي الثياب البيضاء، والثياب البيضاء لن يتبدل لونها ؛ لا كحال الثياب الملونة التي يستهلك ألوانها تكرار الغسيل..

- عندما مات جدي أين اوديتم بثيابه تلك؟..

- مازالت في خزانته القديمة تلك التي في غرفة أشيائنا القديمة..

- لماذا في الخزانة ولم يستعملها والدي؟..

- لقد ذاب أبوك مع الشباب الأربعيني من القرن الماضي في مشروع (مصطفى كمال أتترك) ولم ترق له تلك الثياب .. فقد استبدلها بالسدارة التركية والبدلة الغربية وربطة العنق، ولم يفتح خزانة ثياب جدك..

- لماذا لا تهدون خزانة ثياب جدي إلى متحف الفلكلور الشعبي في مدينتنا؟..

- لم نستطع أن نفعل هذا .. رغم حسن مقترحك هذا..

لأن جدك ترك لنا وصيّةً جاء فيها:

احفظوا ثيابي لحفيدي ..

***

رعد الدخيلي

قراءة في أحمديات الشاعر فواز مصطفى الحمفيش

يبدو أنني لم التقيه بشكل مباشر، حتى الآن، رغم قربي من شعراء وأدباء الديرة. ولكنني مع ذلك، اعرف عن تجربته الشعرية الشيء الكثير، من خلال متابعتي لما ينشره من قصائد، ومن خلال ما يتداوله عنه شعراء وأدباء الديرة من حكايات ..وها هو قد بادر مشكورا، بإهدائي نسخة من مجموعته الشعرية (الاحمديات)، بطبعتها الأولى للعام ٢٠٢٣، الصادرة عن مطبعة نركال بالموصل، والتي تتكون من (١٣٤) صفحة،  وتضم (إحدى وخمسين) قصيدة.. جاءت بتصدير رائع، من قبل الكاتب القدير، الأستاذ علي البوزدون .

وما أن تصفحتها بلهف، حتى وقع نظري على هذا البيت الجميل، الذي يقول فيه:

شعري جراحي وسكين بخاصرتي

وحشرجات تبارت كيف تحتضر

حتى كتبت له عبارة امتنان قصيرة بهذا المضمون، (موجع نظمك شاعر الوجع فواز الحمفيش ..فانثيالتك الشعرية الشجية، ماهي إلا خلاصة معاناة مأساوية مع الذات، ومع الموضوع، استولدت تلك الاحمديات الإبداعية المتوهجة..شكرا بحجم الكون لهذه الهدية الكريمة..ودام حسك مرهفا نابضا بالابداع والتوهج)..

وما أن أبحرت في قراءة قصائده العصماء، حتى وجدتني منشدا لها بحماس، وإعجاب لا يوصف، لبلاغة مضامينها، وشاعرية نظمها الجياشة الحس الصادق للشاعر في نظمها، حيث يلاحظ ميل الشاعر الى التركيز على استخدام المفردة التوجدية في نظمه، بكل تجلياتها المفعمة بكل معاني الحب، والشوق، التي يكنها الشاعر للذات النبوية للرسول الكريم، في ثنايا القصيدة بشكل بائن، فتراه يفيض شوقا خالصا في جوانحه، مما يجعل سمة المجموعة منصبة على مدح النبي صلى الله عليه وسلم، فتجده على سبيل المثال، يقول في قصيدته العصماء (وبدت بغيرك ضمرا وعواقرا):

ما ضل من يرجوك ياخير الورى

لظلام هذا الدرب نورا نيرا

اشكو إليك وانت أهل نجية

يا سيدي المختار أدرك حائرا

ولعل من نافلة القول الاشارة الى ان حب النبي محمدا صلى الله عليه وسلم قد تأصل في قلوب المؤمنين من أمته، وترسخ في ذواتهم، حتى تجلى بوضوح في نظمهم مدحا، وتغنيا بمناقبه الجليلة، التي خصه الله تعالى بها بقوله(وانك لعلى خلق عظيم) في سياق وجدهم اليه، وبما يشبه المعجزة المستمرة لهذا النبي الكريم الى ان يرث الله الأرض ومن عليها.

 وبهذا الأسلوبية الرصينة من النظم، والبلاغة المقتدرة في توظيف مفردات المدح، وصياغة ألفاظ الاطراء ابداعيا في قصيده، قد نجح في محاكاة مدّاحي الرسول الكريم، اصحاب قصيدة البردة ونهجها من الرعيل الأول، ومن تلاهم بجدارة، واقتفى اثرهم، ليصطف بجوارهم لجدارة، في واحة الإبداع، وليوظب نظمه لقصائده بجنب برداتهم في ذات الخانة، رغم صعوبة محاكاة نتاجاتهم الإبداعية في مدح الرسول ببرداتهم، حيث كانت يعيشون وهج إشعاع النبوة، وحقبة بلاغة العربية الفصحى، يوم ذاك .

كما يلاحظ أن سمة الوجع تطغى على قصائده، باعتبارها انعكاسا صادقا لمعاناته الذاتية، ولتجليات ظروف النشأة، والحنان إلى الديار والأهل، وألربع، طيلة المدة التي قضاها في الأسر، حيث يقول في قصيدته (هذا نصيبك):

هي النوازل ما شاءت وما رغبت

نحن الضحايا وكف الدهر جزار

تغفو الجراح على صدري فيوقظها

جرح جديد إلى الآلام عبار

 لتعكس عمق جذورها الضاربة عنده، في الأصالة وعمق الإنتماء، لتظل هاجس وجد جياش، في مخيال الشاعر المبدع، وسيد الحرف الرشيق، الأديب الاريب، والشاعر الكبير فواز مصطفى الحمفيش، الذي طالما ألفناه يترنم دوماً، بأصالة الذات، أهلاً، وربعا، وديرة، ومكانا، وانتماء..

وختاما اقول، يظل لشعر فواز، نكهة خاصة، بما يحمله في روحه، من نقاء أهل الريف، وصدق طويتهم، وبساطتهم، وفطنتهم، ورقة مشاعرهم.

***

نايف عبوش

رغم التباين بين الشخصيتين فكل واحد منهما أخذ مساره الفكري والإيديولوجي ألا أن ثمة احترام وتقدير بينهما فكان نجيب محفوظ وفيا لسيد قطب فكان يتذكر أنه أهم من كتب عنه ولفت النظر إليه وتحمس لكتابته عندما كتب سيد أول مقال نقدي عن رواية " كفاح طيبة " الصادرة سنة 1944 فلم ينس نحيب محفوظ هذه الالتفاتة رحمهما الله و غفر لهما ...

ويوضح لنا الكاتب " محمد سيد بركة" هذه العلاقة التي جمعتهما فيقول: "كما كان سيد قطب من أوائل الذين قدموا نجيب محفوظ للقراء منذ أكثر من ستين سنة، فسيد قطب هو الذى أعطى نجيب محفوظ شهادة ميلاده كروائى، وروائى عالمى، وهذا ما كان يتذكره نجيب محفوظ دائما بوفاء وامتنان حيث قال ذات مرة : لم يكن أحد يعبرنا، وكان أول من كتب عني سيّد قطب، وبعد ذلك أنور المعدّاوي .. لأنهما أدباء شبان لديهم شيء جديد، وأنا أيضا كنت شابا ولدي الجديد .

ويقول محفوظ في مذكراته الصادرة عن دار الشروق: سيد قطب هو أول ناقد أدبي التفت إلي أعمالي وكتب عنها، وكان ذلك في الأربعينيات، وتعرفت عليه في ذلك الوقت حيث كان يجيء بانتظام للجلوس معنا في كازينو أوبرا.. كانت العلاقة التي تربطنا أدبية أكثر منها إنسانية."

لكن رحلة سيد قطب رحمه الله إلى أمريكا عام 1948في بعثة من وزارة المعارف للتخصص في التربية و أصول المناهج  فتحت عينيه على حقائق جديدة غيرت بوصلة اهتماماته من الكتابة النقدية والأدبية إلى الاهتمام بقضايا الفكر والتغيير الاجتماعي لم يكمل الدراسة في أمريكا  وبعد التحاقه بالإخوان المسلمين دخل في صراع مع السلطة فعرف السجون و المعتقلات وانتهت حياته بالإعدام ...

بينما نجيب محفوظ تفرغ للادب والرواية خاصة و أعطاهما جل وقته واهتماماته ولم ينشغل بالسياسة والانضمام للأحزاب حتى لا تشغله عما يستطيع أن يترك فيه بصمته فالاشتغال بالسياسة والانخراط في الأحزاب مضرة للمبدعين فما أحلى و اجمل أن يغرد الكاتب خارج سرب الإيدبولوجيا و الحزبية حتى يترك للإنسانية ما ينفع ويفيد !..

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

شدري معمر علي 

......................

المرجع:

1- محمد سيد بركة، نجيب محفوظ عندما رد تحية سيد قطب بالتي هي أسوا، رابطة أدباء الشام.

الغوغولي – نسبة الى اسم الكاتب الروسي نيقولاي غوغول، و نعني به في مقالتنا هذه الشخص الذي ساهم باي شكل من الاشكال بنشر مؤلفات غوغول بالعربية او الكتابة عنه، وواقعيا، فان كل المتخصصين العرب في الادب الروسي هم كذلك تقريبا، ولكننا نود ان نتوقف في مقالتنا هذه عند بعض الاسماء، التي تميّزت في هذا المجال، وأصدرت (تأليفا او ترجمة) كتبا لغوغول او حوله بالعربية، ونؤكد، ان اختيار الاسماء هنا هو اجتهاد شخصي بحت من قبلنا، وكأي اجتهاد شخصي، يمكن ان يكون صائبا او غير صائب جزئيا او حتى كليّا، والامر متروك للقراء وآرائهم واجتهاداتهم ايضا، اذ لا يمكن لاي اجتهاد ذاتي ان يكون متكاملا، ومن المؤكد ان هناك اسماء اخرى في هذا المجال لا نعرفها او لم نتذكرها، وسنكون ممتنين لهؤلاء الذين سيذكّروننا بتلك الاسماء. هذا و قد تم ترتيب الاسماء طبعا حسب الحروف الابجدية، والاسماء هي كما يأتي، وسنتوقف عند كل اسم من تلك الاسماء بشكل وجيز، ونتحدّث عن العمل الذي انجزه حول غوغول بالعربية، تأليفا او ترجمة.

الاسماء

- د. تحسين رزاق عزيز – مترجم عراقي قدير عن اللغة الروسية، وقد قدّم للمكتبة العربية أكثر من اربعين كتابا مترجما، ويمكن القول، انه الان واحد من أبرز المترجمين العراقيين عن الروسية. يرتبط د. تحسين رزاق عزيز بغوغول بترجمته لكتاب غوغول – مختارات من مراسلات مع الاصدقاء، الذي أصدرته دار المدى في بغداد هذا العام (2023)، وقد وضع هذا الكتاب النقاط على الحروف (كما يشير التعبير العربي العتيد) بشأن غوغول ومواقفه الفكرية الكبرى حول تقدميته او رجعيته، والتي (تراكمت !!!) في الذهن العربي (وليس فقط العربي) بعد الانتقاد الحاد والمتطرّف ضد الكتاب المذكور، دون الاطلاع عليه ودراسته.

- أ.د. جليل كمال الدين (1930 - 2014) - اسم معروف في مسيرة الثقافة العراقية منذ اواسط القرن العشرين، وقد كتبت عنه عند رحيله مقالة بعنوان – وداعا ايها العبقري الذي لم يعرف قدر نفسه، وذكرت في تلك المقالة مجموعة من المواضيع، التي يقتضي الكتابة عنها، ومنها موضوع بعنوان – جليل كمال الدين وغوغول، اذ نشرت له دور النشر السوفيتية عندما كان طالب دراسات عليا في جامعة موسكو عدة كتب مترجمة عن الروسية، ومن ضمنها كتاب يتضمن قصصا طويلة لغوغول، وهي قصص مشهورة له، ومن بينها قصة (المعطف)، التي كانت ولازالت لحد الان مادة يتناولها النقد الادبي الروسي والعالمي، وتعدّ هذه الترجمة واحدة من أفضل الترجمات العربية العديدة جدا لتلك القصة الشهيرة. هذا، وقد أعاد د.جليل كمال الدين نشر الكتاب المذكور في بغداد بعد أكثر من عشر سنوات على اصداره في موسكو.

- غائب طعمه فرمان (1927 – 1990) – شيخ المترجمين العراقيين للادب الروسي في القرن العشرين بلا منازع، ويرتبط اسمه طبعا بغوغول، اذ انه ترجم او راجع ترجمة مؤلفات غوغول الرئيسية من قصص ومسرحيات وروايته الكبيرة (الارواح الميتة) والتي جاءت عند غائب بعنوانها الذي استقر اخيرا باللغة العربية، وهو (الانفس الميتة)، وقد صدرت كل تلك الكتب بموسكو من قبل دور النشر السوفيتية آنذاك، ولا زالت تصدر بطبعات جديدة في بغداد. غوغول بترجمة غائب طعمه فرمان – موضوع واضح المعالم لاطاريح الماجستير والدكتوراه في اقسام اللغة الروسية وآدابها في الجامعات العربية كافة، وهو ما سيحدث في المستقبل حسب وجهة نظرنا، فغائب طعمه فرمان شخصية ثقافية مهمة في مسيرة الثقافة العربية، وفي تاريخ الترجمة الادبية بالذات.

- أ.د. محمد يونس (1937 - 2009) – اسم كبير في تاريخ قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد، وساهم بنشاط ملحوظ في حركة الترجمة والتاليف من موقعه الاكاديمي، وهو يعدّ الان واحدا من الاسماء البارزة في مجال العلاقات الثقافية العربية – الروسية. يرتبط اسم د. محمد يونس بغوغول ارتباطا وثيقا، اذ انه العراقي المتخصص الوحيد بيننا، الذي اصدر كتابا كاملا عن حياة غوغول وابداعه ضمن سلسلة (اعلام الفكر العالمي) في بيروت، واعيد طبع هذا الكتاب لاحقا. يتميّز كتاب د.محمد يونس في كونه يعرض وجهة النظر السوفيتية حول غوغول، والتي كان مقتنعا بها قناعة تامة، وفي هذا الجانب بالذات تكمن الاهمية التاريخية لهذا الكتاب.

- د. منذر ملا كاظم - أحد التدريسيين النشطين حاليا في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد، والذي اسميناه في احدى مقالاتنا – مؤرشف الادب الروسي في العراق، وهو يستحقها فعلا. يرتبط اسم د. منذر بغوغول في كونه المتخصص العراقي الوحيد، الذي أصدر بالروسية كتابا عن غوغول، وقد صدر هذا الكتاب ضمن منشورات جامعة فارونش الحكومية الروسية، وهي الجامعة التي حصل فيها د. منذر على درجة الدكتوراه في الادب الروسي حول غوغول، علما انه كان (غوغوليا !) ايضا عندما حصل على درجة الماجستير في جامعة بغداد. مساهمات د. منذر ملا كاظم الواسعة في مجال نشر الادب الروسي عموما تستحق التقدير والاشادة والثناء .....

***

أ.د. ضياء نافع

عودنا الروائي القدير الأستاذ صادق الجمل على رواياته العميقة بالفكر والمعنى والتي تأخذنا إلى استذكار الواقع في مجموعة مشاهد واقعية مُزجت ببعض الخيال من عالمنا الكبير.

 وانا اقرأ روايته (الدفتر الأصفر) ذكرتني إحداثها بالصحافة الصفراء التي انتشرت سنة (1896) حيث كانت لا تقدم أخبارها بمهنية وشفافية وتداهن الحقائق وتعطيها طابع التشويه والبعثرة، وهي تعمل على استفزاز المشاهير وغيرهم من ذوي المال، وتلك الأساليب التي استخدمت وقتها في منافسة كبيرة بين صحيفتين من الصحف الأمريكية في نيويورك، وهما نيويورك وورلد و جورنال.

والدفتر الأصفر اليوم يعود لبطل الرواية (صكبان) شخص لا يقرا ولا يكتب لكن بالدهاء والمكر والحيلة امتلك ثروة لا تعد ولا تحصى، وانه ليس من الصعب أو الخطأ ان يمتلك الأنسان المال لا يمتلك شهادة، وإنما الخطأ يكمن في الطريقة التي يدمر بها الأنسان نفسه ومجتمعه حتى يحصل على المال وبعدها تكون زمام الأمور بيده.

لقد استطاع (صكبان) ان يكون مجموعة من أصحاب المصلحة الذين لا يهتمون سوى بالتمرد على المجتمع وبمساعدة صديقة (الأعور) الذي كان يحدثه عن تجارب الزعماء.. وامه التي تساعده على ذلك، دون في دفتره كل شيء وكان يضع الخطوط العريضة لمن يريد التخلص منهم أو السيطرة عليهم، وازدادت ثقته بنفسه يوما بعد يوم كما ذكر في (الدفتر الأصفر) حتى تمكن من الحصول على ثقة رئيس الشركة الكبيرة وزوجته (نجلاء) وحل محلهما.

فالرواية اعزائي القراء لا تكون عظيمة حقا إلا حين تضرب بدورها إلى مدى واسع عميق في الأشياء التي تتعلق بنا كالصراعات الإنسانية. وهذا مع سعى إليه الكاتب الجمل في صفحات روايته. حيث اتصف عمله الأخير هذا (الدفتر الأصفر) كما اتصفت أعماله السابقة كرواية( الآنسة, وسفينة نوح الفضائية) بالجدية والعمق وبالطرافة والجمال باستخدامه الملكة الكتابية المتقنة والإبحار في خبايا النفس البشرية؛ لمعرفة تفاصيلها ودوافعها وكشف الخبايا التي لا ترى، وبعض التناقضات التي لا تحس بشكل مباشر،  وتمر الأحداث في الرواية كأنها خيال ثم تجدها واقع مرير يصف به حال البعض.

ان (الدفتر الأصفر) من الروايات التي تعتمد على الحديث الداخلي والنقاشات الفكرية الطويلة، ويمكن ان تكون عمل درامي يغطي جزء كبير من الواقع الحالي، لما فيها من تفسير لما يحدث داخل النفوس البشرية من مشاعر وهواجس وما يترتب عليها من أفعال.

في الخاتمة كان هناك فسحة من الأمل حين قال" اجتاحت جوانحهم سكينة عجيبة وسعادة غامرة، رغم النيران والدخان والخراب، خطب بهم الفتى: اطفوا النار بالتراب فمنه البدء واليه المآب، هذه شركتنا أنها ملك الجميع هيا هبوا نرمم ما افسده الطغاة.

***

كتبت: رنا خالد

الاشتغال بالكتابة ليس أمرا هينا بل هو مسؤولية كبرى ملقاة على عاتق الكاتب الذي يفقه كنه رسالته الوجودية فالكلمة التي يكتبها سلاح ذو حدين إما ينفع وإما يضر ويقتل لهذا الكتاب العظماء عبر التاريخ الذين خلدتهم الإنسانية ونقشت أسماءهم في سجل الخالدين هم الذين تجاوزوا فكرة القبيلة والإيديولوجية وعانقوا أشواق الإنسان وتوقه إلى التحرر من العبودية فعبروا عن معاناته وسجلوا عذاباته وانكساراته وخيباته فكانت كتابتهم كونية عالمية وحتى وإن انبثقت من بيئة خاصة محلية والأعمال الأدبية العظيمة الدالة على ذلك كثيرة منها رواية  كوخ العم توم أو حياة التواضع (بالإنجليزية: Uncle Tom's Cabin; or, Life Among the Lowly) روايةٌ للكاتبة الأمريكية هيريت بيتشر ستو، تدور حول مكافحة العبودية، وطرح معاناة الأمريكيين الأفارقة. نُشرت الرواية في عام 1852ويُقال إنها ساعدت في وضع الأساس لـ«‌الحرب الأهليّة الأمريكيّة» ورواية الحرب والسلام – ليو تولستوي 1867 وهي رواية ضخمة

" تدور أحداث الرواية التي دمج تولستوي فيها شخصيات عديدة، رئيسية وثانوية، تاريخية وأخرى خيالية، ابتدعها تولستوي نفسه. وتعطي صورة واسعة وموضحة لحياة الترف التي عاشتها طبقة النبلاء في روسيا في عهد الحكم القيصري. هناك من يعتقد بان الشخصيات الرئيسية كبيير بزوكوب والأمير أندري تمثل أوجه مختلفة في شخصية تولستوي نفسه" (1) ولا نسنطع أن نسرد كل الأعمال الأدبية الخالدة التي مازالت تحقق أرقاما قياسية في الإقبال عليها ..

بينما اصحاب الأدب الدوني والكتابة الدونية صناع التفاهة محاربو القيم والأخلاق المعقدون نفسيا المنغلقون على أنفسهم يدعون بأن الكتابة الحقة هي الكتابة التي تتناول مسائل الجنس والإباحية والتحرر  فالفن غايته الفن والجمال بعيدا عن هداية الدين والأعراف والمبادئ السامية هؤلاء اصحاب الكتابة الدونية لن تجد لهم قراء يحتضنون كتاباتهم ولن ينالوا جوائز عالمية فمن يقرأهم من الغرب وهم يصدرون الأشياء  التي غرق فيها الغرب وسئم منها؟..

كان بإمكان هؤلاء الكتاب الذين ضلوا وأضلوا أن يتخذوا من عادات وتقاليد وطنهم من تويزة وأعمال اجتماعية متنوعة تصور الوجه المشرق للإنسانية المتضامنة المتسامحة المتلاحمة فالكونية والعالمية تنطلق من البيئة المحلية وهكذا نستطيع أن نعرف الآخر بما عندنا من موروث حضاري عظيم ...

وانا على يقين أن الذي ينفع ويخلده التاريخ هو كتابة القيم والمبادئ الإنسانية التي تتجاوز الإيديولوجيات أي الكتابة الكونية  بينما كتابة الجنس ومحاربة قيم الأمة هي كتابة دونية مصيرها النسيان واصحابها يلعقون الصبر (بكسر الباء (2) ويذوقون مرارة الخيبة والفشل والتجاهل.

***

الكاتب الكاتب والباحث في التنمية البشرية:

شدري معمر علي

.......................

المرجع:

1- وكيبيديا.

2- التي تعني عصارة شجر مرٍّ .

مايا هنود امريكا الوسطى  سكنو ا ارضا في جنوب المكسيك وغواتيمالا وشمال بيليز في اوائل القرن الحادي والعشرين الميلادي كان يتحدث حوالي خمسة ملايين شخص ثلاثين لغة من لغات المايا. امتلك المايا واحدة من ا عظم الحضارات في نصف الكرة الغربي:

فلقد مارسوا الزراعة وقاموا ببناء المباني الحجرية العظيمة والمعابد الهرمية وعملوا في الذهب والنحاس واستخدموا نوعا من انواع الكتابة الهيروغليقبة والتي فكت رموزها الى حد كبير وعلى عكس السكان الاصليين المتناثرين في امريكا الوسطى تمركز المايا في كتلة جغرافية واحدة تغطي كل شبه جزيرة يوكاتان وغواتيمالا والجزء الغربي من هندوراس والسلفادور واظهرت هذه الجغرافية ان شعوب المايا ظلت امة امنة نسبيا من غزو شعوب امريكا الوسطى. وصلت حضارة المايا الى ذروتها خلال الالفية الاولى قبل الميلاد ولازال من الممكن رؤية اطلال مايا عبر امريكا الوسطى فلم تكن حضارة المايا موحدة بدلا من ذلك كانت  تتالف من من العديد من الولاايات الصغيرة كل منها تتمحور حول مدينة يحمها ملك وكانت شعوب المايا تعيش على الصيد وجمع الثمار وبدات حياة القرية الدائمة عندما بداؤا بزراعة الذرة وما يسميه غلماء الاثار فترة ما قبل العصر الكلاسيكي 1800 - 2500 -قبل الميلاد.

2- ديانة المايا وطقوسها:

منذ ان عبد المايا الكثير من الالهة كانت طقوسهم وتقاليدهم الدينية متكررة غالبا ما كان الدم جزءا من طقوس المايا هذه واحينا يتم ممارستها عن طريق اراقة الدماء والتضحية بالحيوان او الانسان وجنازات المايا كانت تتضمن حرق الجثث ودفنها وتتضمن ايضا الرقص والازياء الجميلة والمتقنة على امل جذب انتباه اله معين وهذه ثلاثة طقوس والتي كانت شعوب المايا تمارسها:

1- التضحية البشرية لم تكن  التضحية البشرية من الطقوس الشائعة لشعوب المايا ولكن كان يتم ممارستها في اوقات الحرب او في ذكرى  حدث يغير في حياتهم وكثير من الاحيان كان يستخدم اسرى الحرب كذبيحة ويقتلون الضحية بثلاثة طرق اما  بازالة قلب الاسير او رميه في البئر او بقطع راسه اعتقادا منهم ان هذه الضحية سترضي اله الحرب ويضمنون انتصارهم العسكري.

3 - اهرامات المايا:

تشكل اهرامات امريكا الوسطى جزءا بارزا من العمارة القديمة لامريكا الوسط على الرغم من تشابهها في بعض النواحي مع الاهرامات المصرية الاانها كان لها قمما مسطحة للعديد من المعابد واكبرهم في العالم هو هرم - شولولا - في ولاية بوربيلا  في  شرق  وسط المكسيك وقام بناة بعض اهرامات امريكا الوسطى الكلاسيكية بتزينها بقصص عن التواتم والثعبان المصنوع من الريش وايضا كانو يزينونها ببعض نصوص اساطير الخلق في امريكا الوسطى والتضحية الطقسية والى ما ذلك من طقوس مايا الاخرى.

***

سالم الياس مدالو

من الظواهر المميزة للغة العربية، أنك تجد فيها كلمات تذكر وتؤنث فى آن واحد، وكلاهما فصيح وصائب، لأن كلتا الحالتين موروث عن العرب. والسبب فى ذلك هو اختلاف اللهجات فى التعامل مع الكلمة، فترى لهجة قبيلة تذكر كلمة، بينما نفس الكلمة فى لهجة قبيلة أخرى تعاملها من منظورها اللغوى وما اتفقت عليه الجماعة اللغوية، معاملة المؤنث.

من هنا فإننا نجد بعض الكلمات تذكر وتؤنث فى آن واحد. وأبعد ما يكون فى سبب تلك الظاهرة أن نخطىء ونذهب إلى أن من أسبابها وقوع اللحن اللسانى، خاصة ممن دخلوا الإسلام وهم ليسوا من العرب. لأن العربية لا تقر لحنا ولا تعتمد انحرافا، كما أن هذه الظاهرة هى ناشئة فى العربية قبل الإسلام.

ومن هذه الكلمات التى تعامل معاملة المذكر والمؤنث فى آن واحد، نجد:

طريق: فنقول هذا الطريق، وهذه الطريق

الحال: فنقول هذا الحال، وهذه الحال

إصبع: فتقول هذا الإصبع، وهذه الإصبع

العنق: فنقول هذا العنق، وهذه العنق

الضرس: فنقول هذا الضرس، وهذه الضرس

السن: فنقول هذا السن، وهذه السن

حانوت: فنقول هذا الحانوت، وهذه الحانوت

العضد: فنقول هذا العضد، وهذه العضد

الفأس: فنقول هذا الفأس، وهذه الفأس

دُكـَّان: فنقول هذا الدكان، وهذه الدكان

ومن الكلمات السابقة، نلاحظ:

1 – الكلمات التى تقبل التذكير والتأنيث، تخلو تماما من التاء المعقودة التى تدل على تأنيث الشىء، فلو أن بها تاء معقودة تدل على التأنيث، لانقطع القول بجريان التذكير عليها واقتصرت على التأنيث فقط.

2 – العرب أجرت هذه الظاهرة ليس على الكلمات عربية الأصل فقط، بل أجرت هذه الظاهرة على الكلمات المستعربة أيضا، بعد أن أخضعتها لقواعد التصريف وقواعد اللسان العربى.

3 – كل الكلمات التى تقبل هذه الظاهرة، لا يوجد فيها مؤنث حقيقى يلد أو يبيض، ولا يوجد بها مذكر حقيقى أيضا يكون سببا فى إنجاب أو نسل. ذلك لأن المؤنث الحقيقى لا يقبل إلا التأنيث، وكذلك المذكر الحقيقى لا يقبل إلا التذكير. لذلك فإن كل الكلمات حملت فى داخلها معنى التذكير أو التأنيث على المعنى المعنوى.

4 – الكلمات التى تذكر وتؤنث فى العربية، ممكنة الحصر لقلتها، فهى كلمات قليلة.

5 – لا يجوز التوسع اللسانى فى هذه الظاهرة عما جاءنا عن السابقين، إلا بمسوغ معجمى أو قرار مجمعى. وذلك لعدم الانزلاق فى مغبة الخطأ أو الخلط، المسألة ليست عشوائية أو اعتباطية.

6 – هذه الظاهرة أخذت اهتمام العلماء واللغويين، وأول من انتبه إليها بطبيعة الحال، هم القدماء. لكن من الواضح أن اهتمام المعجميين كان الأبرز، ومنهم الفيروز آبادى والجوهرى.

7 – هذه الظاهرة جرت فى الكلمات الجامدة مثل " فأس ". وجرت فى الكلمات القابلة لتصريف البنية والاشتقاق. إلا أن جريانها فى الكلمات الجامدة أقل بكثير من جريانها فى النوع الآخر.

8 – هذه الظاهرة جرت فى الكلمات ذات الأصول الثلاثية، ولم نجد فيها كلمة ذات أصل رباعى.

***

د. أيمن عيسى - مصر

من فكرة التلوين المفعمة بالأعماق وما دل اليها وعليها تكمن الرغبة في الذهاب عميقا حيث الرسم مجال قول بالشواسع وما يعتمل بها من أحاسيس دالة منها تنشأ العملية الجمالية حيث القماشة وهنا مساحة مفعمة بما تشير اليه الكينونة من خيال وحلم وهواجس هي عين السؤال المقلق والمولد قبالة القماشة وما تقترحه من تفاعل بين الذات والأثر..بين الرسام والمنجز..و هكذا...

من هنا نمضي الى تجربة عملت صاحبتها على المواءمة بين هو فضاء محلوم به للرسم وذات تبدي حيزا من حميميتها في حالة ضاجة بالاحساس وفق شغف تشكيلي يعي العلاقة الوظيفية ضمن فضاء القماشة بين الخطوط والألوان والأشكال من جهة وبين العواطف والمشاعر والأحاسيس كفعل مضاف من ناحية أخرى وصولا الى العمل الفني في نسق به الكثير من التدفق والعمق والصدق..انها لعبة التمازج بين عناصر شتى للمحصلة التي هي العمل الفني بروح من جمالية التعاطي...و التناول.3538 الفنانة سنية

انه الفن في جانب من صلته بالوعي ضمن تجربة جمعت بين الموهبة وما هو علمي أكاديمي ونعني تجربة الفنانة التشكيلية الدكتورة سنية خليفة بن الحاج مبارك التي تنوعت مشاركاتها الثقافية والعلمية فضلا عن التشكيلية من معارض متعددة آخرها المعرض الثنائي " لقاء " برباط سوسة الأثري بولاية سوسة صحبة الفنانة التشكيلية والدكتورة أسيا الكعلي والذي لقي حضورا ومتابعة مميزة من قبل الفنانين وطلبة الفنون الجميلة بسوسة ومن أحباء الفنون التشكيلية بصفة عامة.

و سنية خليفة بن الحاج مبارك، أستاذة مساعدة للتعليم العالي بالمعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة، وفنانة تشكيلية محترفة متحصّلة على شهادة الأستاذية في الفنون التشكيلية اختصاص رسم وشهادة الماجستير في جماليات وممارسات الفنون المرئية " من المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة، وشهادة الدكتوراه في العلوم الثقافية اختصاص " مسرح وفنون العرض" من المعهد العالي للفن المسرحي بتونس.و تتراوح مسيرتها العلمية والفنية بين البحث الأكاديمي حيث أنّ لها عدة مشاركات في ندوات علمية وطنية ودولية، وبين ممارسة فن الرسم حيث أنها عضوة في اتحاد الفنانين التشكيليين التونسيين وعرضت مع نقابة الفنون التشكيلية والرابطة التونسية للفنون التشكيلية، كما كانت لها جملة من المعارض الشخصيّة ومشاركات في عدة معارض جماعية وثنائية منذ سنة 2004.

تعتمد في جلّ رسوماتها تقنية الرسم الزيتي ولها عدّة أعمال تستعمل فيها التقنيات المجمّعة لدمجها وتحقيق ملامس مختلفة في محاولة للذهاب بعيدا باللون والمادة والولوج إلى دواخلهما...و عن مجال اشتغالها الجمالي تقول "...عمليّة الرسم هي خاضعة بالضرورة لجدليّة التداخل والتخارج، تجربة الرّسم هي المرآة العاكســة والمجمّعة لجملة من الانفعالات، والأحاسيس يضاف إليها جدوى اختيار التقنية المستعملة،فتعاملي مع المادة اللونية والملمسيّة يكــون باعتماد التقنيات الأكثر مواءمة لبث الهـــمّ التشكيلـــي وتوصيل جلّ الهواجس والأفكار، هي عمليّة تخريج لما يسكنني ويرجّني.مغامرة الرّسم هي دائما ما تكون رحلة مضنية في البحث والنبش في الداخل، فاللوحة التشكيليّة أو عالم اللوحة التشكيليّة، هو مزيج بين عالم الفنـــان وعالم القماشـــة المرسومة، ويعني هذا أنّ تعاملي مع فضاء اللوحة هو تعامل لا يخلو من حميميّة وحدسيّة، إنّه المكان الحاضن والمازج بين الخطوط والألوان والأشكال وأيضا بين المشاعر والأحاسيس الأكثر تدفقا وعمقا...".

هكذا هي في رؤيتها الفنية التي تواصل القول بشانها "...إنّ المحمول الجمالي هو بالضرورة ذاتيّ، فهو نابع من عمق أعماق الروح.إنّ رسوماتي ما هي إلا مراحل ومسافات أقطعها في مراوحة بين الذاتي والموضوعي، فبالإضافة إلى الهواجس الذاتية، يستفزني واقع الأشياء، إذ يمثل بالنسبة لي حقلا خصيبا أستقي منه موضوعاتي وتيماتي، ولكن بمنظور يستجيب للواقع الجمالي والدّلالي الذي أرنو إليه.التجربة التشكيليّة الذاتيّة هي جدليّة تخضع بالضرورة للقيود الموضوعيّة، فتجسيم لون أو شكل أو خط، أو إحداث كتلة، هو يعود لعوامل ذاتيّة وأخرى موضوعيّة.إنّي أميل في اختيار الألوان الأكثر شفافيّة والخطوط الأكثر مرونة وحركيّة وانسيابيّة، بحثا عن الحرية والإطلاقيّة، وقد يلعب عامل الصدفة في تجربتي دورا هامّا، فقد يحصل في عمليّة سكب الألوان وما يرافقها من عنف وحركيّة الحصول على مؤثرات لونيّة وملمسيّة ما كنت أقصد تجسيمها منذ البدء، فتحصل هنا عملية المزج بين القصديّة والعفويّة،حيث أنّ تحصّلي على مؤثر لوني أو كتلة ملمسيّة معيّنة يجعلني أبني عليه رؤية ما ويكون قادحا لتجسيد أشكال أخــرى تحفزني وتجعل أعمالي أكثر تطوّرا وأكثر ثراء وعمقا.فالعمليّة البحثية والمسار الإنشائي الذي تسير فيه رسوماتي، ليست في قطيعة مع ما يدور في عجلة الفنّ.فهي مواكبة ومتأثرة بالضرورة بالبيئة المعاصرة، فأعمالي ترتبط بالفنّ الآنـــي Art Actuel لكنها فـــــي ارتباط وانسجام مـــع ذاتيتــــي وكينونتي. مساري الإنشائي هو إذن مسار تجريب وبحث متواصل على مستــــوى اللون والشكل وكذا التكوينة. هو طريق أشقه وهو واقع أوجده بالعجينة اللونيّة وجلّ التقنيات التي تمكنني من الحصول على ملامس معيّنة.في عمليّة التجسيم أستحضر تيمة ما، لكن المؤثرات اللونيّة والملمسيّة المتحققة بالصدفة أو بعامل الآنيّة، تجعل أعمالي تتخذ منعرجات أخرى ما كنت فكرت فيها مسبقا، فجلّ لوحاتي تخضع لعامل الانفتاح والتجديد وتنحو نحو التجريد، إذ برغم العناصر التشخيصيّة التي تؤثث فضاء القماشة، فكلّ لوحة من لوحاتي هي في الحقيقة تجلية للغائر في ذاتي، وهي عرض جماليّ وإجماليّ لمقتطعات من الواقع المعيش.السّطح المدهون هو ذاك المزج المذهل بين العميق والمظلم والمشرق الناصع.أعمالي إذن، هي مساحات قاتمة وهي بقع لونيّة مشبعة بالضوء. الخطوط المجسّمة هي آثار دالة على عمليّة الحفر والتنقيب في الذات العميقة وتلمّس الباطن ومظهرته.فعمليّة تنضيد الألوان ما هي إلا محاولة لترجمة الأفكار المتراكمة وبث الشحنة الانفعالية والحسّ الفنّي.مساحة القماشة تجعل كل ذلك يتمرأى في سياق بصريّ جمالي، قابل للقراءة والتأويل إنه التجلي المذهل للمــــرئي واللامرئي...".

تجربة الفنانة التشكيلية الدكتورة سنية خليفة بن الحاج مبارك من الثراء بحيث على المتأمل في اللوحات أن يتقرى باطنها وحركة أحوالها في الشكل والتلوين والتخييل وهكذا فان العملية الفنية لديها تختزن كل هذا الثراء المعرفي والذاتي من حيث الرغبة والحلم والوعي خاصة بالفعل الفني في صلته بأعماق النفس البشرية وهي ترنو الى ما به تسعد الذات وهي ترى العالم علبة تلوين.

***

شمس الدين العوني

تذكرة عودة: في الماضي حتى القريب منه، كان يعيش سكان حي الزيتون بمكناس على تكتلات ذات أبعاد عصبية وإثنية، وذات نزغ عائلي ممتد، والقليل منها ذات بُعد قبلي. تلك العصبية (الخلدونية) انعكست تجلياتها في إنشاء نماذج من حروب صغرى بين مجموعات من الأطفال، وبتنوع الأحياء والدروب، والأزقة. وكانت تُدار بأسلحة جد (بدائية) وميثاق أخلاق حروب الأطفال.

كان جل الأطفال تحتضنهم مدرسة (الجبابرة) الكبرى سابقا، والتي أصبحت بِقُدْرة السميع العليم (الثانوية التأهيلية ابن الرومي) !!! مدرسة ضمت التنوع المتجانس، والاختلاف المتناقض، وخطتْ منذ البداية خطوات كبيرة في تحقيق مقاربة الإنصاف والمدرسة للجميع.

 كان أكثر من (54) تلميذ وتلميذة  في الفصل الدراسي. مدرسة القبيلة أينعتْ حتى الخلافات العائلية المجانبة والبعيدة عن ساحتها الداخلية. كما كانت تضم كل المناوءات الاحتكاكية، ويتم تصريفها في خارج ساحتها عبر حروب تنشب بالكثرة خاصة عند توزيع نتائج نهاية السنة الدراسية. حروب يمكن أن نقول عنها: دائرية وبحدود تماس  الأحياء، ولا تتوقف عند تغيير الأحلاف والغزوات، ويكون فيها الفوز عند من يلحقون الأذى الجسماني بالحي الآخر في عمق ديارهم. ورغم، فقد كانت بحق الجبابرة مدرسة الفخر والتنافس في نيل مراتب الشرف، ومنها تخرجت كفاءات متنوعة.

الشغب:

كان حي الزيتون يتألف عموما من ساكنة تتوزع بين باب كبيش، ثم ازعير، ثم الشاوية و(النَّقْبة/ اقْبِيبَتْ السروج)، ثم كراوة وما زاورها من تجزئة بادو(المحدثة)، ثم الروى وما جاورها من حي تواركة، ثم الشراشر وما زاورها من (السويقة) قديما، ثم درب بوقطيب (ومجموعة سكنى القبري). ثم حي الجبابرة وما أدراك ما (المعاركة)، ومن خلال هذا التناسق المتباعد، يتضح التلاؤم بين اسم (المعاركة/ الجبابرة) كحامل، وذاك المحمول المتمثل في الشغب الطفولي الزائد.

كان صهريج الشراشر يقع وسطا بين الجبابرة (الكبرى)؛ وحي ازعير و ووصيفه باب كبيش، كان هذا الصهريج المائي منبع الخلافات الدائم في فصل الصيف، ومن يستفدْ من السباحة به بالسبق وطيلة اليوم. كان أطفال حي الجبارة يستحوذون بوضع اليد والحجارة، ويستغلونه عنوة ما بعد فترة الزوال. هنا تشتعل الحرب باتحاد (قومية) حي ازعير وباب كبيش ضد عدو مشترك (المعاركة). تشتعل حرب الحجارة حتى يتم تحرير مسقط الماء العلوي، وينسحب حي جنود المعاركة تراجعا. وكانت الحرب بين الأحياء كرّ وفرّ، فحين تصطف صفوف حي الجبابرة بالدعم يعود الكرّ؛ وينسحب الفريق الذي استفاد من لحظات غطس في فيض ماء بوفكران النقي آنذاك.

الشراشر:

أسماء متعدد من أبناء الأحياء بقي التاريخ يحكي من خلال رؤوسها التي انشقت بحجارة من المنافس المناوئ. كان القصب يستعمل في النزاعات، كان القصب الأخضر الصغير (يصطلح عليه باسم العدة) في الحرب الباردة التي لا تريد إحداث الضرر. كان الماء بحق رمز نزاعات متتالية من بداية توزيعه داخل السلوقية ونهاية الاستفادة منه (بباب البطيوي)، حيث كان (المرحوم ) أبا محمد (مول الماء) و(بوشلاغم) (رحمهما الله) حين لا يقدرون على دخول منطقة (الشراشر) و(باب اكبيش) يقومون بإنزال بشري من حي كبارأعيان حي الروى؛ لأجل تحرير سواقي الماء من الحواجز والسدود الاستغلالية اللاقانونية.

ومِمَّا يذكر الخبر الشفهي، حين استفحل النزاع عن مرجعية توزيع الماء بالقسط، وعن مناطق الحدود بين الأحياء. قرر شيوخ الزيتون والجوار عقد لقاء للمهادنة والصلح الكبير. لكن لا أحد منهم أراد أن تكون منطقة حيه منطقة إنزال. فاجتمع الرأي على العرف (الامتدادي) ضريح مقبرة سيدي عياد. حيث كان اللقاء في وسطها بعد عصر يوم كان جمعة.

 كانت كل فئة تأتي من بوابة ومنطقة الدفن الرسمية بذاك الحي، حيث دخل ممثلو ساكنة الجبابرة وباب كبيش وازعير... من الباب الشرقي القريب من متجر (الفاسي حاليا)، فيما الروى والشاوية من الباب الغربي في المقبرة قرب (ضريج سيدي عياد)، فيما الباب العلوي فدخل منه ممثلو باب البطيوي وحي تواركة. أما الباب الذي قبالة (زليج مكناس) فكان لمن سكن بالقرب من حي ابني امحمد، ومن جاور عارصة المرانيين (قرب قنطرة الفرسان).

معاهدة الصلح:

لقاء توج بمعاهدة صلح دفنت حتى هي بعد توقيعها بجدار الضريح تكريما لسيدي عياد السوسي (ما ورد من أخبار شفهية). نص الصلح على تخفيض التوتر بين الآباء و زرعه في جيل الأطفال. بتحريم المناوشات في شهر الصيام والأشهر الحرم. فبات التحرك ليل شهر الصيام حرا وبدون خوف من الآخر المتربص. صلح انتهى بتقسيم الماء عبر الأيام وتجديد الثقة في أبا محمد (العساس). انتهى الصلح باستغلال شلال الشراشر سواسية وبدون مناوشات، ولكل فريق يوم العَوْمِ.

حين وصلت إلى هذا الصلح العرفي من حكي التواتر ابتسمت من صلاح قبيلة ناس الزيتون. حقيقة كانت القلوب سمحة وبقيت كذلك تلازمنا باحترام مع من سكن الحي قديما، ومع من قدم إليه عبر لحظات التوسع العمراني. لحظة، تجهمت حين بتنا نَلتقِي غالبا في الجنازات  فقط ويتم العناق بيننا في عودة تذكرة من الماضي.

***

محسن الأكرمين

لا أدري بالضبط- مئة بالمئة، ما الذي يدفعني بقوة منذ أيام، للكتابة عن الكاتب المفكر الانجليزي ذائع الصيت برناد شو، أهو الاوضاع المتوتّرة التي عاشتها وتعيشها حياتنا العربية عامة والمحلية خاصة، أم هي رغبتي الكامنة في ظهور صوت جهوري، جرئ، شجاع وساخر.. صوت يُمكنه أن يؤثّر على آخرين بثقابة عقله، شجاعته في المواجهة وجرأته في قول كلمة الحق.. ربّما كمن الدافع في هذا السبب أو ذاك.. وربّما احتاج للإجابة عليه أو على غيره من الاسئلة الدائرة في فلكه، لتقليب صفحاتِ بعضٍ من أفكار، آراء وتوجّهات هذا الكاتب المتميّز.. في كلّ ما كتبه تقريبًا، من مقالات، مسرحيات وآثار أدبية حظيت باهتمام الدارسين والباحثين في معظم لغات العالم وأصقاعه المختلفة. من أجل الاجابة. سأتوقف فيما يلي عند ثلاث محطّات ميّزت برنارد شو كاتبًا جريئًا ومفكرًا شجاعًا وساخرًا حدّ العبث.

المحطة الاولى، الشجاعة: لم يتردّد برناد شو كما يظهر من كتاباته و"قفشاته"، التي يعرفها أو يعرف بعضها العالم أجمع تقريبًا، في توجيه النقد إلى ما رآه خاطئًا وفي غير مصلحة مجتمعه وأبناء جلدته، وهو ما يُذكّر بنقد شاعر العربية أبي الطيب المتنبي عندما انتقد أهله وأبناء جلدته في شطره الشعري المشهور " يا أمةً ضحكت من جهلها الأمم". فقد وجّه نقده اللاذع إلى كلّ ما رآه غير مقبول، غير محبّذ وغير مناسب. ومما أُحب أن أذكره في هذا السياق توجيهه/ شو، النقد إلى حكومة بلاده عندما أعلنت أنها ستشدّد القبضة على الخارجين عن القانون، وسوف تخفّف اليد على حبل المشنقة ليضيق على أعناقهم. فيقول إنكم إذا ما اتخذتم هذه الخطوة، أو الاجراء، سيكون من الصعب عليكم القاء القبض على الكثيرين من المقصودين وسوف يصيبكم ما أصاب ذلك الذي تحفّز أكثر من المطلوب وقفز.. فوجد نفسه في الناحية المقابلة.

المحطة الثانية، الجرأة: تطلعنا كتابات برناد شو وآراؤه التي تضمّنتها كتاباتُه ومؤلفاته الغزيرة، إضافة إلى كتابي المفكرين العربيين المصريين عنه سلامة موسى وعلي الراعي، تطلعنا على جرأة نادرة في القول والفعل، فها هو يقول إن الشعب الانجليزي- شعبه- شعب جاهل، لا يفهمك إلا عندما تجعل منه طالبًا كسولًا يضع معلّمه الآراء والافكار في فمه، بل ها هو يجيب سائلًا عابرًا عن الفرق بين الشيوعية، علمًا أنه كان من الشيوعيين الفابيين في بلاده، والرأسمالية التي كان دائم النقد لها، يجيب مشيرًا إلى لحيته وصلعته الكثيفة قائلًا:" غزارة في الانتاج وسوء في التوزيع". هل يذكّرنا هذا بأدباء عرب قدماء أمثال الجاحظ والحطيئة.. عندما سخروا من أنفسهم؟ ربّما. أما ذروة جرأته العملية فقد تمثّلت في رفضه جائزة نوبل الادبية التي يتمنّاها جلّ مبدعي العالم.. عندما منحت له عام 1925 فرفضها، مرفقًا رفضَه لها بقوله: "إنها اشبه ما تكون بطوق نجاة يُلقى بها إلى رجلٍ وصلَ فعلًا إلى برّ الأمان، ولم يعد عليه هناك من خطر، إنني أكتب لمن يقرأ لا لأنال جائزة". صحيح أنه رجع وقبل الجائزة، غير انه وزّع مقابلها المالي على أصحاب النصيب.

المحطة الثالثة، السخرية: عرف عن برنارد شو أنه كان ساخرًا لوذعيًا، وهناك العشرات من الاقوال التي يردّدها الناس في مختلف انحاء العالم وفي شتى أصقاعه، بما فيها بلادنا، مثل قوله عن الزواج:" إنه قفص مَن يقف خارجه يتمنّى أن يدخل إليه ومَن يسترخي داخله يودّ لو يخرج منه و.. يغادره إلى لا رجعة". وممّا يصوّر سخريته وعمق رأيه ورؤيته أنه قال عن الشعب الامريكي، إنه شعب سطحيّ يشاهد مسرحياتي ويقلب على ظهره من الضحك ويخرج من قاعة العرض وهو يتساءل هل هذه مسرحية؟

نحن لا نريد أن تنوجد بين ظهرانينا نسخة اخرى من برنارد شو، بقدر ما نريد كاتبًا مفكرًا، شجاعًا وجريئًا يرفع لواء الحق ويقول كلمته دون تردّد.. فهل سيكون لنا ما أردنا، لنكتب عنه بمناسبة وبدون مناسبة.. مثلما نفعل الآن بكتابتِنا هذه.

***

ناجي ظاهر

فاز بجائزة نوبل للأداب كاتب عربي واحد، نجيب محفوظ من مصر،منذ أن بدأ منحها لأول مرة سنة 1901، وقد تحصل عليها محفوظ سنة 1988، أي بعد أكثر من ثمانين سنة من تأسيسها، ومن المعتقد لدي قطاع واسع من الناس بل ومن بعض المثقفين والنقاد أنه نالها بسبب مواقفه السياسية من قضايا الشرق الأوسط، وهذا حكم فيه ظلم كبير لإبداع محفوظ القصصي والروائي!

وبقي محفوظ الكاتب الوحيد الذي حاز على الجائزة حتى يومنا هذا؛ أي بعد أكثر من مائة سنة من تأسيسها، وهذا فيه ظلم كبير في حق الأدب العربي المعاصر، وخصوصا أن إبداع الكثير من المتوجين بها أقل جودّة وإبداعا وانتشارا من إبداع كتابنا الكبار!

وقد رُشح الكثيرون قبل محفوظ ، وأيضا بعده، وكلهم كتاب كبار ذو إبداع روائي أو شعري مميز، وبعضهم كانت أسماؤهم تتداول وتتكرر أكثر من مرّة في فترة تداول الأسماء الأدبية العالمية المرشحة من الشرق والغرب ..

ومنهم من كان يُطرح اسمه بانتظام باعتباره مرشحاً قوياً للفوز بالجائزة مثل أدونيس أو أسيا جبار ...

قبل محفوظ؛ رُشح الأديب العبقري المثير للجدل طه حسين، الشاعر الكبير أحمد شوقي الملقب بأمير الشعراء، توفيق الحكيم أكبر كاتب مسرحي في الشرق ومن أهم كتاب المسرح العالميين و القاص والروائي يوسف إدريس صاحب الروايات والدواوين القصصية العديدة وأشهرها " الحرام "، " أرخص الليالي "، " لغة الأي الأي "...

وبعده؛ رُشح حنا مينة صاحب " المصابيح الزرق "، " بقايا صور " وغيرها من الأعمال الرائعة، محمد ديب، أشهر أعماله الثلاثية؛ الحريق، الدار الكبيرة والنول، الكاتبة المتألقة أسيا جبار مؤلفة " الجزائر البيضاء " و"نساء الجزائر "، الشاعر الكبير أدونيس أحد أكبر رواد الشعر الحر، وكذلك الشاعر سعدي يوسف و الكاتبة المثيرة للجدل نوال السعدواي صاحبة الكتب الممتعة والآراء الصادمة!

***

بقلم عبد القادر رالة

من العادات الدخيلة منذ الزمن القديم بمملكة الأرض السفلية، أن يشتغل الجن بمعية شياطين الإنس (أخوية الشر) الأوفياء ليلة عاشوراء عبر صيغة المداومة غير المنقطعة. حيث، تشتعل نار الأبخرة، وتُوحد رؤى الخرافة عليا بالطلب والعرض، ويبيت الجن والجنيات في تلقي المعلومات عبر شبكة (الويفي) الخفية، ومكالمات (الوات ساب) لفقهاء السحر الأسود، ومن شوافات المزارات وحفر حكم الجنيات (لالة عيشة).

وحتى أساليب الاشتغال اليوم، قد تغيرت عموديا، والعمل بات يماثل التطور الاستدراكي في التواصل التفاعلي/ الحضاري، فلم تعد لازمة (هَا قَلبِي ها تَخْمَامِي بِمَا يأتيني الله) ضرورية كما كانت في تصفيف تراتبية (الكارطة) بين (الصوطا) و(الكبال) و(الري)، بل باتت مصطلحات بجديتها تدخل عالم الشعوذة والسحر الأسود، وعلم تنجيم الشوافات الجدد.

 اليوم قد تسألك (الشوافة) الحديثة الممتلكة لكفايات علم (الكوتشينغ)، عن أوجه وسبل المعاملات والأداءات، وبفرص الاختيارات التنويعية، والكل بثمن محدد بالسبق ، مع إعلان الأثمنة (خوفا من لجان مراقبة الأسعار من قبل شمهروش السلطة الإدارية بالأرض السفلية) !!

 ليلة عاشوراء، لن تحصل على أية تخفيض مهما كان، بل الكلفة تزيد بالتضاعف، والليلة تكون فيها خدمات التوصيل سريعة ومتوفرة. قد يسألكِ الفقيه بعلم السحر الأسود و صناعة (التناوي) ولعب السماوي (بَرقْ ما تَقْشَعْ)،هل تريدين أن (اتْفُورْمَاتِيهْ (ا)) الرجل/ المرأة  أو الحبيب (ة)، وتحتفظ (بالفِيشْيِي) القديم أم لا؟  ولا باغية ديري ليه (ا) (روديماري/ إعادة التشغيل) من جديد (وتَطفيه (ا) في ماء الحداد) !!

من المضحكات المبكيات، حين توصي المرأة الشوافة أو فقيه السحر الأسود (يَحَيَدْ/ يزيل (للمرأة) أو (الحبيب (ة)) (الكارت مِيرْ/ La Carte Mère) !! و(يَوَلِيوْ) يخدموا  فقط مع (ِويفِي/ WIFI) الدار (مهما كانت سرعة الصبيب وووو...) !! ويبقى دائما خارج التغطية خارج البيت والفراش !!

الشعوذة شر كبير، وسوق سلعتها نافدة في مغرب (الخرافة والخزعبلات)، وحتى الشوافات وفقهاء السوء زادوا في كلفة الأتعاب و المصاريف نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية، والتي أثرت على استيراد المواد الأولية!!

شعب ينجح بالجودة والجدوى في تطوير آليات التحكم في (ويفي) الجن والجنيات، والأرض السفلية ويحقق بها الرفاه في شعب (شمهروش). شعب يتحكم في الغيبيات والكليات والجزئيات ويطور سحر (لَبْلُوتُوتْ). طينة من شعب تعيش في غياهب الجهل والفقر والهشاشة، و تحيي الليالي الملاح بالذبائح التي تقام للجن والجنيات... شعب يبحث عن الجن الشرير وإلحاق الأذى بالغير بالتضبيع والتهييج عند الإنس الطيع... شعب يحتوي الجن والجنيات في الأسر والتملك والتحكم (فانوس علي بابا)، و قد لا يثق في الإنس الذي يشاركه الهواء والتراب والنار والقيم... نقول جميعا: (باركا) يكفي المغاربة من هذا الانغماس في الخرافة والشعوذة !!

***

محسن الأكرمين

استدعاني نبأ رحيل الكاتب التشيكي الموطن الفرنسي الجنسية والهوى ميلان كونديرا (1929 – 2023)، للعودة إلى أيام خلت التقيت خلال أحدها بالكاتب الصديق الراحل سلمان ناطور (1949-2016) ابن دالية الكرمل طابت ذكراه. جرى ذلك اللقاء في أيام سلمان الأخيرة في الحياة، وذلك خلال لقاء عابر لنا في بلدتي الحبيبة الغالية الناصرة. وكان أننا تحدّثنا في أمور حياتنا الثقافية والسياسية، وكالعادة انتقلنا ليتمحور حديثُنا في مسالة القراءة وأهميتها في تطوير الرؤية وبناء المنظور الثاقب للواقع المر. وأذكر أن مُحدّثي توقّف مطولًا عند قراءاته مشيرًا إلى أنه صبّ جُلّ اهتمامه في الفترة الأخيرة- حينها-، في قراءة كلّ ما وقعت يده عليه من الاعمال الأدبية، خاصة الروائية لكونديرا. بل إنني أتذكر أنه يومها كان يبحث عن المزيد من تلك الاعمال.. وأنه كان في طريقه إلى مكتبة كبيرة في بلدتي علّه يجد ما قرأ او سمع عنه من تلك الاعمال ولم تصل إليه يده. لم تطل وقفتنا تلك لهذا لم تُتح لي الفرصة أن أساله عمّا دفعه كلّ ذلك الدفع وأثاره كلّ تلك الاثارة كي يقرأ كونديرا، أو يتفرّغ لقراءته كلّ ذلك التفرغ. وما زلت أذكر أنه لوّح لي بيده خلال توجهه إلى المكتبة قائلًا إنه يبحث عن رواية كوندير حول خفة الكائن التي لا تحتمل، أو عن رواية الهوية.

اليوم وقد رحل كونديرا عن عالمنا بعد عمر مديد ( 94 عامًا)، في معاناة هذه الحياة وآلامها التي لا تطاق، أتذكر ذلك اللقاء الدافئ، وأحاول أن أحفر باحثًا عن السبب الذي جعل سلمان يتعلّق كل ذاك التعلق بكاتب، ثائر ومتمرد، رفض التضييقات السياسية عليه في بلاده، فتركها مغادرًا إياها إلى فرنسا ليقيم فيها وليكتب هناك عمّا شاهده وعاناه من تلك التضييقات الفظيعة في بلاده. فما الذي دفع سلمان إلى تلك القراءة المحمومة لكونديرا؟.. هل هو التشابه بينهما.. هل كان سلمان يشعر بمثل ما شعر به كونديرا؟ بل هل كان هو الكاتب الذي عانى من حكم الآخر على بلاده بالقوة، أم هل كان السبب هو نزعة إنسانية فنية ساخرة قربت بين الاثنين لا سيّما وأن كتابتاهما مع المحافظة على الاختلاف الطبيعي بينهما، قرّبت وجمعت بينهما؟.. سواء كان هذا السبب أو ذاك هو ما جمع بين هذين الكاتبين، كاتبًا وكاتبًا أولًا وكاتبًا وقارئًا ثانيًا، أو العكس، فإنني اعتقد أن الامر يحتاج إلى شيء من التفكير، المعاينة والنظر. بإمكان الناظر المتمعّن في هكذا وضع أن يسجّل العديد مما يجمع بين هذين الكاتبين، خاصة وأنه اطلع على العديد مما انتجاه، وأنه بإمكانه أن يسجّل عددًا من الملاحظات التي تؤكد القرابة الروحية بين كاتبين مختلفي المشرب والموقع وتغلب عليهما الرؤية الذاتية للواقع إضافة الى الرؤية الفنية الواعية. فيما يلي أحاول أن أمركز ما أراه بهذا الخصوص في عدد مُركّز ومكثف من النقاط.

* السياسة: لقد اتفق سلمان في رأيه ورؤيته وربّما في توجهه العام مع كونديرا، وقد اتفق معه على ما يبدو في نقطة أخرى أكثر أهمية واشدّ الحاحًا، هي أن الحرية مطلب انساني قبل ان يكون سياسيا، بهذا المعنى أرى أن الكاتب المثقّف لدى سلمان تغلّب هنا على الشخص الإنساني المفرد تاركا مساحة واسعة لذاته الجمعية.

* الفن والفلسفة: كان سلمان طوال عمر صداقتنا التي تواصلت منذ السبعينيات حتى أواخر أيامه، كاتبًا طامحًا للارتقاء الفني الإبداعي، وأذكر في هذا السياق، أنه كان ميّالًا إلى التفكير الفلسفي العميق، بل انه كتب عددًا من المقالات والخواطر، خاصة في بداياته الاولى، بل أذكر أنه كان اقترح علىّ أن نتبادل الرسائل العلنية- المنشورة-، في ذلك المجال، قائلًا لي إنه يشعر بقرابة روحية عميقة في الميول الفلسفية فيما بيننا. هذا الميل الفني الفلسفي تجلّى على أفضل ما يكون في كتاباته القصصية خاصة، وأشير منها إلى كتابه "وما نسينا"، ففي هذا الكتاب حاول أن يسجّل قصصًا واقعية استمع إليها من أفواه اخوان مهجرين له، غير أنه صاغها بأسلوب فنيّ راق حافظ عبره على ما تتطلّبه الاعمال الابداعية الجادة من براعة في الأداء وبساطة في التوجّه. فيما يتعلّق بكونديرا من هذه الناحية، صحيح ان شهرته قامت كما رأى الكثيرون ممن كتبوا عنه على مواقفه السياسية، غير اننا لا يمكن إلا أن نرى إلى محاولاته الإبداعية الفنية الدائبة لتقديمه ذاته المبدعة عبر رؤى خاصة ذات رائحة نكهة ولون، وهو ما جعله متفرّدًا في كتاباته سواء كانت مباشرة، من مقالات وما إليها من هواجس وخواطر، أو روائية إبداعية حظيت باهتمام القراء عبر أكثر من أربعين لغة ترجمت اليها، في انحاء مختلفة من عالمنا.

* السخرية: جمع بين كاتبينا، كاتبًا وقارئًا أيضًا، سخرية شديدة الوقع، ميّزت كلًا منهما بطريقتها الخاصة، فقد عُرف عن سلمان أنه كاتب ساخر من طراز خاص، وبإمكان مَن يقرأ كتابه "خمّارة البلد"، ان يتأكد من هذه الصفة، بل يمكنني القول إن السخرية كانت واحدة من المميّزات البارزة للكتابة الأدبية والسياسية أيضًا لدى سلمان، أما فيما يتعلّق بكونديرا، صاحب الضحك والنسيان، فإن الامر/ السخرية، يظهر طاغيًا على العمق البعيد في كتاباته المختلفة، وبإمكان مَن يقرأ عمليه اللافتين "الحياة هي في مكان آخر" و "غراميات مرحة"، أن يتأكد من هذه الخلة الجامعة بعرى وثقى بين كاتبينا، زاد في اعجاب سلمان بميلان أن الاثنين كانا يغترفان من سيرتيهما الذاتية في جُلّ ما انتجاه وابدعاه، اذا لم يكن فيه كلّه، وانهما جعلا من السخرية، كلّ بطريقة، أسلوبًا لمواجهة واقع مر قاس لا يترك فضاءً كافيًا لشيء من الامل. أما ما جمع بين هذين الكاتبين وجعل سلمان يُقبل كلّ ذلك الاقبال على قراءة ميلان، فاعتقد أنه يعود إلى ميل سحيق في الرؤية السياسية خاصة للواقع، وإلى فهم عميق للإبداع الادبي في مجتمعات محاصرة.

***

ناجي ظاهر

المخزن: المخزن مفهوم متغير وثابت، وفي البحث عن محدداته نسقط في عدة إشكالات معرفية، وفي سياقات متنافرة. فبنية المخزن التاريخية، قد أحدثت ثنائية الجغرافية (بلاد المخزن) و(بلاد السيبة). وتمثل دولة المخزن البيعة القانونية والدينية على (السمع والطاعة، والقيام بالأمور الدنيوية، والغزوات، وإصدار وتطبيق سائر الأحكام الدينية والدنيوية...).

 قوة المولى إسماعيل كانت في تثبيت ركائز حكم الدولة العلوية باعتباره المؤسس الثاني بعد النشأة. ومن بين الهفوات (بالقلة) التي سقط فيها المولى إسماعيل، حين وزع إمارات الدولة ومسؤولياتها على أولاده على اعتبارهم السلالة (الثابتة)، وأبعد المسؤوليات الكبرى (حكم الولايات) عن نخب المخزن والحاشية باعتبارهم من الفئة (المتحولة). وفي هذا لم يستفد السلطان المولى إسماعيل من نفس الأخطاء ذاتها التي سقط فيها سلفه الأسبق أحمد المنصور حين تمرد عليه الأمراء أبناء جلدته.

نخب المخزن وحاشيته:3519 نصر بن المولى إسماعيل

قد يكون خدام المخزن من فئة (المتحول)، ورغم فقد كانت لنخب المخزن اليد الطُّولى في بسط نفوذ الدولة (التحكمية)، وتسويق فضائل المخزن على الرعية الطيعة، وتدبير شؤون البلاد والعباد. من ذكاء المولى إسماعيل السلطاني، فقد علمته التجارب الاشتغال على المتناقضات المتجانسة. كان (رحمه الله) له الخبرة في سياسة ضمان ولاء أهل الحل والعقد. كان بارعا في ضبط تمفصلات الدولة الكلية، والتحكم في رؤوس فتنة القبائل المناوئة مرات بالكر والغزوات، وأخرى بالمهادنة والمكايسة. الأهم أن السلطان حصن الدولة من الاختراقات (مكامن الهشاشة) والفتنة، ومن الفجوات بتحديث خطط المخزن (الثابت).

المولى إسماعيل:

قد لا نحمل الثقة الكاملة في توافر الحديث عن أعداد أبناء المولى إسماعيل. قد نقول بأن تلك الأرقام المتداولة، هي حكايات غير موثقة بالصدق، وهي من بين المستملحات الآتية من قوة المولى إسماعيل حتى في امتلاك كم هائل من أعداد النسوة، وما ملكت يده من الإماء والسبايا. هو المولى إسماعيل الذي صنع هالة ظليلة للمخزن الحاكم بأمر الله (إمارة المؤمنين) في الأرض والعباد. هو المولى إسماعيل الذي جعل من مكناس (قصر المنصور) مدينة قيادته الحربية والسياسية والدبلوماسية.

الأمير نصر بن المولى إسماعيل:

قضايا عامة وثابتة، فالمخزن غير رحيم مع كل من يحاول سحب البساط الأحمر من تحت قدميه. المخزن، قد يصبح مثل القطة التي تتغذى من رحمها حين يُستهدف بالتمرد الداخلي. هذا ما حدث للأمير نصر بن المولى إسماعيل. يَحْكِي التاريخ بأن الأمير نصر كان من بين المقربين من الأبناء في مجلس السلطان أبيه. كانت بنيته الحربية والجسدية قوية تماثل (جالوت) العملاق، كان متمرسا على القتال والمناورة والتخطيط الحربي، وغير رحيم بالأعداء. تقلد عدة مناصب داخل دار المخزن تحت أعين السلطان ونخب المخزن الأشداء، وفيها برع وسطع اسمه عليا، حينها عينه السلطان المولى إسماعيل واليا على منطقة سوس وأحوازها.

الأمير المتمرد:

حين اشتد عُودُ الأمير نصر شوكة، حمل ظهير تعيينه السلطاني واليا على منطقة سوس وأحوازها. تقول الأخبار (بالتواتر الشفهي)، أن الأمير بعدما مارس الحكم خارج جلباب أبيه، وترجل عن صهوة جواده ملتصقا بهموم الشعب، باتت مظاهر هشاشة الرعية تلوح بأعينه. تغيرت أحواله نحو الزهد عن الجبروت والشدة، وتطويع ولاء الشعب بالقوة. بات الأمير نصر يُفكر في التمرد السلمي على عرش أبيه (بقصر المحنشة) بمكناس، وتأسيس دولة العدل (الصغيرة) التي تماثل الإمارة البورغواطية قديما !!

لم يكتمل تخطيط الأمير نصر الذهني والتنظيمي بناء، حتى كان الخبر الأكيد بأذن السلطان المولى إسماعيل آتيا من عيون المخزن التي لا تنام، (أن الأمير نصر يفكر في التمرد عن السلطان الأب، والاستقلال بمنطقة سوس وأحوازها).

المخزن غير رحيم بالمناوئين:

مسكين الأمير نصر (رحمه الله) فقد داسته أيدي مكائد رجال المخزن ونخبه، نالوا على رقبته المنكسرة عن الرأس، ترقية من السلطان. أُحضر الأمير نصر إلى مكناس ذليلا مُكبلا في قفص من حديد طوافا، ليكون عبرة للجميع. أُحضر إلى قاعة المحكمة (ضريح المولى إسماعيل) العلنية، والتي أشرف عليها السلطان حضوريا، حيث كان صك الاتهام (العصيان/ الخروج عن طاعة ولي الأمر/ التفكير في الثورة/ إيقاظ الفتنة/ التمرد). كانت كل التهم تُفضي بالتمام إلى حكم الإعدام، وفصل الرأس عن الجسد، وتم ذلك بساحة حبس قارا العليا، علانية وأمام أعين السلطان والحاشية، ونخب دار المخزن، وجمهور من الرعية.

إعدام نصر رحمه الله:

لم يبق الحكم على الأمير نصر حبيس الإعدام فقط، بل امتد نحو موضع دفنه، حيث تم تجريده من صفة الأمير، ليدفن جسد نصر خارج أسوار (مدافن الأمراء) وبالمحاذاة من بوابة سيدي عمرو الحصيني. أُعدم نصر نتيجة تفكير التمرد، وحكم سوس وأحوازها. قُتل نصر بالسيف، وبات عبرة عند إخوته بالخوف والامتثال لأوامر السلطان العليا. أُعدم نصر، وبقي قبره حاضرا في مخيلة وذاكرة العاصمة السلطانية بمكناس خارج الأسوار الإسماعيلية. بات قبره يوازي قبر الجندي (نصر) المجهول.

***

محسن الأكرمين

..................

* الصورة مأخوذة من صفحة: (مكناس اليوم   MEKNES AL YAWM).

صدر عن مطبعة جامعة جورج تاون الأمريكية كتاب “أصوات معاصرة” لطلاب المستوى المتقدم ويضم 55 قصة قصيرة باللغة العربية من عشرين دولة من الشرق الأوسط .. تم تنظيم القصص في فصول بناء على بلدهم الأصلي، كما تسبق كل قصة سيرة المؤلف وتليها تمارين لمساعدة الطلاب على استخدام المفردات والفهم واستكشاف التقاليد الأدبية وإتقان التحليل الأدبي. اختار قصص الكتاب جوناس البوستي مدير الدراسات الجامعية بجامعة ييل، نيوهيفين ـ امريكا، وكتب مقدمته روجر ألين وهو أستاذ فخري بجامعة بنسلفانيا .

تم اختيار قصة " دموع على خفقات القلب" للكاتبة الجزائرية صبحة بغورة في قائمة من ثلاث شخصيات أدبية تمثل الجزائر.

ـ كتب البروفيسور الدكتور جوناس البوستي : " تعمل هذه المجموعة الجذابة من القصص القصيرة  المعاصرة من مختلف البلدان العربية على تطوير إتقان الطلاب للتحليل الأدبي والوعى الثقافي حيث تُعرّف «أصوات معاصرة» طلاب المستوى المتقدم بالقصص القصيرة المعاصرة من جميع أنحاء الشرق الأوسط ، خمسة وخمسون قصة باللغة العربية من عشرين دولة تعمل على إشراك الطلاب في الموضوعات الحالية والأساليب الأدبية التي تفتح الباب لاكتشاف كل من المؤلفين الراسخين والناشئين والتقاليد الأدبية. يتضمن الكتاب أصواتا من البلدان والشعوب الناطقة بالعربية التي غالبًا ما يتم تجاهلها مما يمنح القراء الفرصة لتوسيع فهمهم للثقافات العربية."

ـ أكدت جوانا سليمان وهى أستاذ مساعد، قسم لغات وثقافات الشرق الأدنى، جامعة ولاية أوهايو: " أصوات معاصرة هو مصدر ترحيب للطلاب المتقدمين فى اللغة العربية وآدابها. وقد اختار البستي بعناية القصص القصيرة التي تعرض مجموعة واسعة من الجماليات والموضوعات والحقائق الإقليمية. وتغذى التمارين مهارات القراءة عن قرب والتعلم التفاعلي والتواصلي الضروري للقاء هادف مع الأدب"

ـ وصفت هدى فخر الدين وهى أستاذة مشاركة في الأدب العربي بجامعة بنسلفانيا مجموعة الاختيارات :  بالمجموعة القصصية المنسقة ببراعة حول المواضيع الجذابة وفى تعددية من الأساليب والأصوات لذلك يضع كتاب «أصوات معاصرة» الأدب والكفاءة الثقافية في مركز تعلم اللغة التواصلية وتجهز طالب اللغة العربية للقفز نحو إتقان اللغة.

***

انعام كجه جي أديبة استثنائية، فهي عند مجايليها من الروائيين قامة أدبية باسقة، وروائية فذة من طينة الكُتّاب الكبار، تسير على هدى وبصيرة، ذو انتاج أدبي رصين ومائز، اكتشف في جميع رواياتها اللآلئ، ومن ثم أبحر لأكتشاف كنوز أخرى، نذرت معظم وقتها للكلمة وإعلائها، منها رواية (طشاري، والنبيذة والحفيدة الأمريكية....الخ)، ترسو روايتها (سواقي القلوب) للحرية والحب والجمال والبهاء والصفاء والكمال والسلام، وتوضيح واقع حال النظام السابق ومعارضيه في المنفى (باريس)، تكشف لنا في هذه الرواية على علاقات العشق سواء في العراق أو في المهجر، ومن ثم تكشف لنا حالات المثلية الجنسية من خلال شخصية (ساري) أو (سارة)، تسعى لأفشاء سلوكها والتقارب بينها وبين بطل الرواية وهو عشيق والدتها (نجوى)، وتبين لنا الروائية من خلال روايتها دور السفارة العراقية في باريس كيف يقوم حمايتها من عناصر المخابرات باختطاف المعارضين العراقيين للنظام وارسالهم بصناديق اللحوم الطازجة إلى النظام العراقي.

رواية (سواقي القلوب) تصور لنا اقسى اشكال الضياع في غربة المعارضين للنظام، ممن خرج من وطنه يبحث عن وطن آمن من عسس مخابرات النظام.

وموضوع الحب هو الآخر، لا يغيب عن هذه الرواية. فالهاربان من الوطن، لاجئين إلى باريس، ثمة سوزان فرنسية لكل منهما، مثل الكثير من الهاربين أو القادمين للدراسة. لكن الحب لكل سوزان هو حبٌّ لا ينتهي بزواج، و(زمزم)، حَنقَباز السماوة لا يعنيه شيء مما يحدث، فهو منغمس في الشراب ليل نهار. و(كاشانيّة) توفّر الجو العائلي من طعام ونبيذ، بما تملك من مال، لم يجرؤ أحد على سؤالها من أين لكِ هذا، حتى تبيّن أخيراً أنها كونتيسة، زوجة كونت من تولوز في فرنسا. والعاشق الأول لـ(نجوى) الذي يساعد ابنها ساري إلى المستشفى الذي نجح في زرع الأنوثة في الفتى ساري، الذي انقلب إلى الفتاة سارة، وبدعم مالي من رئيس الجمهورية العراقية صدام حسين. ساري الجندي المكلف بالحرب العراقية الايرانية يتصل بالرئيس لمقابلته ويعرض عليه بأسلوب مدهش في بساطته أن الأطباء أوصوا أن تجرى له جراحة دقيقة، وأين؟ في باريس.

من أي طينة عجيبة خلقنا الله نحن العراقيين؟

كل قصة فينا وحدها وبحد ذاتها هي من عجائب الحياة، من اخبار الحرب العراقية الايرانية التي حرقت نخيل البصرة وشباب العراق وتركت النساء ثكالى، إلى احداث انتفاضة الشباب على رأس النظام وجلاوزته عام 1991م، والتي ذهب الأخضر واليابس باعدام خيرة الشباب، والآخرين هاجروا خارج العراق بسبب قسوة النظام.

انعام كجه جي تقدم لنا المزيد من الحب والفرح والعطاء والجمال الأدبي في رواياتها جميعاً، كأنها شجرة وارفة الظلال، جذورها في مشارق الأرض لتفيء.

***

نبيل عبد الأمير الربيعي

الجمالية: هو قط يرحب بي عند قدومي، ثم عند خروجي من المنزل صباحا. هو قط ليس بالمتشرد، بل بالمدلل في باحة زنقة الدرب القصيرة. قط يعيش بيننا على الأنفة والدلال من حسن العناية،  فلا تحسبنه إلا أسدا أصفرا مرابط الحضور والتموقع بمقدمة الدرب.

قط ألف أن يجعل من سطح سيارتي مسكنا آمنا، ومتسعا يستمد منه حرارة المحرك الباقية. رؤيتي في قط الدرب المغنج، كانت لا تتغير عن وصفه الخارجي، وشعره الوفير بتموج الصفرة والبياض. كنت أغبطه في عنايته بنفسه وجماليته، ومدى الحمية التي يلتزم بها في إطعام نهمه الطبيعي.

كنت أبتسم حين أراه يتعفف عن الأكل غير المقدم له بالترحيب و المداعبة، ومعاينته وهو يتلذذ بما طاب وأنعم عليه من عطايا ساكنة الدرب. من عجيب السلوكيات الدالة أنه كان يلقي التحية على جميع القاطنين، يعرف من يعتني به بالوفرة والحنان المفرط. في حين نحن البشر كساكنة الدرب القصير، لا نعير التواصل بيننا اهتماما، حتى تبادل التحية بيننا قد أضحت باهتة أو في خبر كان، وبتنا نعيش (التباعد الإجتماعي) والانكماش النووي.

الرعب.

قط الدرب الوديع مارس ساديته الحيوانية أمام مشهد من عيوني، حين صادف فأرا صغيرا أوحدا، تغيرت ملامح القط المغنج  إلى القط الشرير المدمر، ومارس شدة العنف الجسدي على الفأر الأعزل، مارس عليه القهر و(الحكرة)، مارس عليه القتل المشوه غير الرحيم. هي جوهر مواقف قط الحي الحقيقية غير الملونة بالرياء ومسحة الجمال الظاهري، هي عودته من لحظة التحضر نحو غريزة خطيئة القتل الأولى وغراب قابيل. حينها وقفت عاجز التفكير في تلون المواقف، بين مظاهر الجمال والعنف، وغريزة القتل الأولى و(مَرْمَدَةِ ) الفأر عنوة كأنه لعبة حظ  في موسم (لاَفْوَارْ). إنها حقيقة التحول من الجمال نحو ممارسة الرعب (الشر) الذي أحدثه قط الحي في مذكرة ذاكرتي.

الخوف.

حط قط الحي رحله بجانبي مزهوا بذاته وما أحدثه من تنكيل ووحشية على الفأر اليتيم. هنا بدأ رأيي للجمال يتزحزح موضعه، فحين اعتقدت من مشهد القط الخارجي جمالا، كان عند الفأر قد عاشه رعبا حقيقيا أفضى به إلى تعداد القتلى والموتى في ساحة النزال. من شدة نهاية فيلم رعب القط، تعلمت أن الحياة مواقف، يمكن أن تتغير بالنفعية، ويمكن أن تركب على غرور مفرط بالوصولية وتسجيل ضحايا الهوامش. تفكير جعل من محرك سيارتي يدور للفرار بنفسي آمنا من قط الدرب.

الخوف المزدوج.

 حينها وقفت على مشهد آخر  رعب آت من رأس الدرب. وقفت على تغير المواقف حسب قوة الذات وضعفها أمام الخصم المفترض، وقفت حين وجدت قط الحي المدلل يحتمي بين أرجلي، وقفت على خوفه الواضح والبين وشعره الذي أضحى منفوشا من شدة ضغط  هرمون (الأدرينالين/ Adrenaline) على جسده لأجل البقاء. قلت لعله خبر مسارات  تفكيري وأراد أن يتودد لي بجلسة مصالحة واعتذار عن مشهد القتل غير الرحيم تجاه الفأر الأعزل !!! لكن حين رمقت كلبا آتيا تبدو عليه قسوة زمن الضياع و(البهدلة) يمر متسكعا، وتحرك الكلب بقوة غريزة العداوة الأولى بين فصيلة الكلاب والقطط، علمت حينها لما (تمسكن) القط المغنج من المساءلة والمحاسبة.

كان القط أكثر ذكاء حين قفز إلى سطح السيارة احتماء، كان يحمل رعبا ولم يقدر على مواجهة الكلب المتشرد   في ساحة القتال غير العادلة، كان فطنا لكي لا يصبح وليمة (للحكامة) مثل ما حدث للفأر الضحية.

حكمة حيوانات.

ما تراه حاسة عيونك جمالا، يمكن أن يراه الفأر رعبا، ويمكن أن يراه الكلب وليمة صائغة  من شدة تاريخ الانتقام !!! نعم، هي ذي واقعة الجمال والرعب، والخير والشر التي عايشتها صبحا قبل التوجه إلى موطن عملي.  تساءلت بعد أن نبهت الكلب المتشرد بأن القط  في حمايتي وفي تواجد خريطة  تحالفاتي الجغرافية. حينها أحس القط أن رئيس مجلس أمن الدرب، قد حماه من حرب خاسرة حتما. ولكن لم ينته الأمر بهروب الكلب المتسكع، بل تساءلت هل المظاهر الخادعة  تغنينا عن الحقيقة المفزعة؟ هل يجب أن نقف عند الظواهر دون معرفة مكامن البواطن؟ هنا انطلقت إلى عملي وشياطين الجمال والرعب والخوف والشر والخير في مناوشات حامية الوطيس بين تغليب مظاهر اللب والجوهر كي لا ننخدع بالقشور المتحولة بالتدوير. 

***

محسن الأكرمين

وفنانها التشكيلي المميز محمد الهادي ساسي

الأمكنة ببهائها الدفين حيث كلمات ملونة تصغي للنشيد في تعدد أصواته..ثمة ما يغري بالحلم والذهاب عاليا وبعيدا تقصدا لما به تسعد الذات في حلها وترحالها مثل أطفال ينظرون باتجاه الشمس..أليست الشمس مهد الكلمات..

هكا التقيناه ضمن نخبة نيرة وحالمة من أبناء مدينة جميلة في أناقتها التاريخية الحضارية والثقافية وفي حميمية موقعها حيث البحر يحضن سرها ويكشف عن جمالها الموغل في الجماااال.

هو الطفل الحالم الحامل لمسيرة حياة بين العمل السياسي ضمن اليسار والفعل الفني الجمالي حيث موهبته المفتوحة على الولع باللون والكلمات..كان في كل حديثه مشيرا الى دور الفن في تجميل الذائقة والمحيط والأنفس ..يحدثك عن المدينة الجميلة التي قصدتها هنا وهي لمطة الساحلية فيوغل في السرد منذ التاريخ الى الأن وهنا..هي المدينة التي ترعرع فيها وقضى عقودا ضمنها في نضاله السياسي وهي المدينة التي ألهمته اللعب مع الألوان وبها حيث لحظات البهجة والتركيز والحب العارم تلك التي يعيشها في مواجهة اللوحة..القماشة..

هو الفنان محمد الهادي ساسي ابن لمطة من المنستير الذي التقيت هات مهرجان وجلسنا خلال الأيام بمنتزه المكان ضمن نخبة من المثقفين منهم صاحب المنتزه ومديرة دار الثقافة والمكلف بالمتحف الاركيولوجي بلمطة وغيرهم.. كان الكلام جميا والأفكار كثيرة لاجل استثمار عمق المكان حضاريا في فعالية ثقافية دولية جامعة للفنون على سبيل الابداع ولاجل " أيام لمطة الدولية للفنون والآداب "..

الفنان التشكيلي محمد الهادي ساسي يعد لمرسمه ورواقه بمنزله حيث يرى انه المكان لمزيد الاشتغال على أعماله وتجربته الفنية حيث أنه يبيع عددا منها وفق طلب مسبق من الأصدقاء في تونس وخارجها ..في لوحاته تبرز شخصيته الفنية والتشكيلية لنجد غرامه للمشاهد والوجوه والأمكنة ومنها روعة وجمال لمطة ومعمارها ومشاهدها فضلا عن بورتريهات ومنها بورتريه للوالد رحمه الله ..

محمد الهادي ساسي فنان حالم بمثابة طفل لم يعد يعنيه شبء غير الوطن الجميل وعمله الفني ..تتحدث اليه فتلمس حميمية الأشياء والعناصر وبراءتها ..مثقف ويحب الشعر وكل ما هو رمزي وسبق له وأن كتب مقدمة عن حيز من العمل السياسي بخصوص تجربة رفيق دربه وصديقه عبد الله االشرقي ضمن كتاب عنوانه "اخترت أن أكون ".

هكذا هو فناننا محمد الهادي ساسي ابن لمطة هي بلدة تونسية تقع في ولاية المنستير يبلغ عدد سكانها حوالي 5400 نسمة، وبها بلدية تمسح 193 هكتارا.كانت قديما في العهد الروماني تلقب لبتيس مينور Leptis Minor وهو اسم ذو أصل فينيقي أو لبدة الصغرى لتفريقها عن لبدة الكبرى التي تقع في ليبيا. سكن البلدة اللوبيون ثم الفينيقيون قبل أن تصبح خاضعة لقرطاج. وقعت قرب البلدة سنة 237 ق.م إحدى أبرز معارك حرب المرتزقة التي دارت رحاها بين القرطاجيين والمرتزقة المتمردين. بعد الفتح الإسلامي، بنى الأغالبة بها سنة 859 قصرا أطلقوا عليه اسم قصر الرباط.

ينتظم بلمطة منذ عام 2000 مهرجان سنوي للبسيسة، تشرف عليه جمعية صيانة مدينة لمطة، وتتم فيه مسابقة لأحسن بسيسة. كما ينشط في المدينة ناد رياضي يسمى شبيبة لمطة.و ضمن النشاط الثقافي للمدينة فقد شهدت دار الثقافة بلمطة عددا من الأنشطة والفعاليات الثقافة ومنها وضمن إطار فعاليات شهر التراث في دورته الثانية والثلاثين وتحت شعار: "تراثنا موروث حضاري .. مورد إقتصادي" حبث انتظمت برامج المؤتمر الدولي: " les mots à la bouche " المدام والكلام organisé par le laboratoire de recherches: études Maghrébines), Francophones, Comparées et Médiation culturelle) وذلك "بالتعاون بين جامعة منوبة وكلية الآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة، والمندوبية الجهوية للثقافة بالمنستير ودار الثقافة بلمطة وجمعية صيانة مدينة لمطة وتعددت فقرات هذا النشاط ومنها مداخلة الأستاذ الجامعي Pierre Garrigues من كلية بتونس بعنوان mâcher. Mandiquer. Manger les mots. Prière du cœur et anocherese وتواصل هذا اللمؤتمر الدولي المدام والكلام لعدة أيام بدار الثقافة..و من بين الفعاليات التي شهدتها الدار وتحت اشراف المندوبية الجهوية للثقافة بالمنستير البرمجة الخاصة بالطفل ضمن فعاليات تظاهرة منها العرض الحكواتي للأطفال مع الفنانة رائدة القرمازي.

ومن ناحية أخرى تابع جمهور الدار عروضا متنوعة منها العرض الفني الصوفي بعنوان الشطحة لحضرة شباب المنستير بقيادة الفنان عبد الودود بوزقرو وانتظم ايضا معرض بعنوان "تجليات" للفنان محمود الخليفي و

عرض لشريط سينمائي للأطفال ضمن فعاليات تظاهرة أنامل مبدعة التى تنظمها دار الثقافة بلمطة تحت إشراف المندوبية الجهوية للثقافة بالمنستير بحضور أطفال محضنة الأمير بيننا رفقة المشرفين والأولياء وعلى رأسهم مديرة المحضنة السيدة اسماء العابد واطفال محضنة لبتيس رفقة المشرفين وعلى رأسهم السيدة المديرة مروى كريفة.هذا وفي سياق متصل تشهد مدينة لمطة وفي اطار الاحتفال بالدورة 31 لشهر التراث تحت شعار " اللباس التقليدي هوية وطنية وخصوصية جهوية " وبتنظيم من قبل الهيئة المديرة لجمعية صيانة مدينة لمطة فعاليات الدورة 22 لمهرجان التراث الغذائي بلمطة " أفضل أكلة بسيسة في الجمهورية " وضم البرنامج عددا من الفقرات الثقافية والفنية والتراثية..

في هذه الأجواء الثقافية كانت لوحات الفنان محمد الهادي ساسي في مرسمه تشدو بالحنين الذي بثه فيها حيث يقول "..لست أدري لماذا ينتابني احساس دفين بالشوق إلى تلك الأيام وانا انظر إلى هذه الصورة القديمة. وهي صورة لابني دريد في الثالثة من عمره.

تلك الأيام التي عشت فيها يا بني سعيدا مطمئنا في أحضان والديك قبل ان يحصل الفراق بسبب الاعتقال والسرية والمحاكمات. لا شك أن ابتعادي عنكم قد ترك في نفسك آثار عميقة على مدى السنين اللاحقة من عمرك ومن تجاربك.. ما كان لطفل مثلك في ذاك الوقت ان يدرك حقيقة الدوافع لذالك الابتعاد. تماما مثلما لم تكن لك القدرة على فهم ذلك الغياب. عذرا ابني إن كنت قد قصرت في شيئ معكم. لتدرك ابني ان الحب الكبير لا يمكن أن يكون خارج دائرة حب الوطن.." وعن لوحة (عازفة الكمان) يقول ".. عزف منفرد. أو عازفة الكمان. زيتي على القماش صغيرة الحجم 30/40. لوحة قيد البحث أو لنقل إعلانا لبداية عمل فني قادم. انها ارهاصات المخاض التي تتعدد فيها التجارب والابحاث الأولية..فالبدايات تنطلق من ملامح الأفكار التي يوحي بها الواقع لتستمر عبر البحث والتجربة الملموسة إلى حدود اكتمال شروط العمل الفني شكلا ومضمونا..".

هكذا هو صاحبنا الفنان الأنيق في فنه وعزلته الجميلة في عالم ضاج بالفراغ والكذب السياسي والنفاق الاجتماعي وانحدار الوعي والثقافة الجادة..ديدنه عمل فني رائق وحلم مفتوح على الدهشة في ارجاء ..لمطة الساحرة.

***

شمس الدين العوني

"هناك من لا يستطيع تخيل العالم بلا طيور، وهناك من لا يتخيل العالم بلا ماء، أما بالنسبة إليّ، فأنا غير قادر على تخيل العالم بلا كتب"... بورخيس

غبت أياما عن الفيسبوك وانهمكت في قراءة مجموعة من الكتب بين فن الرواية والقصة والفكر و من امتع الكتب التي يروي صاحبها رحلته مع عالم الكتب والقراءة وكيف صنعت منه إتسانا عاشقا منذ صغره للكتب و يشعر براحة بمصاحبتها هو كتاب "غوايات القراءة " لعلي حسين ، الذي اشتغل عاملا  في مكتبة  تكتشف في هذا الكتاب مقولات كثيرة عن القراءة والكتب من طرف أشهر الكتاب العالميين و يستحضر الكاتب حياة الكتاب وبداياتهم  وعملية الإبداع وتاريخ الكتابة وذكر مجموعة من الكتب والروايات الملهمة..

وفي هذا الكتاب نجد وصفة سحرية حتى لا تصاب عقولنا بالصدأ وتتكون من أربع نقاط:

أولا:  كتاب واحد جيد أسبوعيا على الأقل .

ثانيا: جريدة أو مجلة بين يوم و آخر.

ثالثا: رواية ممتعة في أوقات الفراغ.

رابعا: كتاب لمراجعة الكتب المهمة..

إذا واظبت صديقي على هذه الوصفة فتأكد أن خلايا مخك لن يعلوها الصدأ كما ينصح عشاق القراءة ولن تصاب بفقدان الذاكرة بل ستظل ذاكرتك متقدة.

***

الكاتب والباحث في التنمية البشرية

شدري معمر علي

أتيح لي مؤخرًا، بفضل دار المدى العربية العراقية- السورية، أن اقرأ رواية طالما أحببت أن اقرأها، هي رواية "لاعب الشطرنج"، للكاتب النمساوي الجنسية العالمي الهوى استفان تسفايج. هذه الرواية صدرت قبل سنوات بعيدة جدًا بترجمة الكاتب العربي المصري يحيى حقي، صاحب الرواية القصيرة المشهورة "قنديل أم هاشم"، وقد أعادت دار المدى طباعتها عام 2010 وأعادت طباعتها مرة ثانية عام 2017 وهذه هي الطبعة التي قرأتها.3494 لاعب الشطرنج

منذ قراءتي روايتي: "رسالة إلى امرأة مجهولة"، و" 24 ساعة في حياة امرأة"، وبعدهما " فوضى الاحاسيس"، وانا لا أتردّد في قراءة كل ما تقع عليه يدي من كتابات صاحبهما استيفان تسفايج، واذكر مما قرأته له روايته" الحب المجنون". وكتبه الرائعة "كازانوفا". "ماري انطوانيت" و"بُناة العالم". آخر كتاب قرأته له هو كتاب مذكراته الرائع "عالم الامس"، وها انذا اقرأ روايته لاعب الشطرنج. هذه الرواية عبارة عن نوفيلا/ رواية قصيرة، تروى، عبر ضمير المتكلم، ويتمّ افتتاحها بإخبارنا أن هناك رحلة بحرية من نيويورك إلى بوينس ايرس، يشارك فيها البطل العالمي في لعبة الشطرنج، المدعو زينتوفيك. الراوي يحاول أن يفتعل طريقة لاستدراج هذا البطل للعب على متن السفينة، إلا أنه يتردّد تَحسّبًا لرفض مُحتمل، ويحدث أن يتمّ رهانٌ أو تحدٍ بينه وبين أحد المسافرين، يتكلّل بموافقة بطل الشطرنج على اللعب، شريطة أن يتلقّى أجرته. البطل زينتوفيك وهو صاحب شخصية تفضّل الصمت على الكلام، يأخذ في اللعب مع البارعين مِن رُكّاب السفينة مُحقّقًا الانتصار تلو الانتصار، إلى أن يظهر شخص، يدخل اللعبة مُتسلّلًا إليها عبر التفرّج، فينقلب الميزان. هذا الشخص كما نتعرف عليه لاحقًا محام مُعاد للنّازية يُلقى القبض عليه، ويُوضع في غُرفة فارهة في أحد الفنادق للتحقيق معه، ويتمكن خلال انتظاره المُمضّ للتحقيق معه، من سرقة كتاب.. سرعان ما يكتشف أنه يتحدّث عن لعبة الشطرنج. في البداية يجد صعوبةً في التعاطي مع رموز هذه اللعبة كما وردت في ذلك الكتاب، غير أنه سرعان ما يتغلّب على هذه الصعوبة ويُضحى مع مضي الوقت مهووسًا بلعبة الشطرنج، وبما أن هذه اللعبة تقتضي لاعبين.. وبما انه، ويدعى "ب" في الرواية، وحيد في غرفته، فانه يشرع في تمثيل الحالات المحتملة لهذه اللعبة، متقاسمًا مع نفسه اللونين الاسود والابيض، والاربعة والستين خانة، نصفها بالأسود والآخر بالأبيض. البطل زينتوفيك يُهزم أكثر من مرّة أمام غريمه "ب "غير أن الرواية تنتهي بتفوّق بطل العالم زنتوفيك.

يصف تسفايج لعبة الشطرنج في روايته قائلًا.. إنها لعبة لا دخل للحظ فيها. كلّ سحرها كامن في مسألة واحدة، هي النزال بين ذهنين.. كلّ منهما له خطته المُضمرة وأسلوبه. إن هذه المعارك العقلية تنجم من أن صاحب اللون الاسود لا يعرف خطة صاحب اللون الابيض، فيحاول كلّ منهما أن يحرز مرمى غريمه ليفسده عليه.

فيما يتعلّق بالأسلوب الروائي. يتّبع تسفايج كما في كلّ رواياته، الاسلوب التولّيدي المُحكم، فلا حدث زائد وأكاد أقول لا كلمة زائدة، مما يجعل الرواية لديه قصيرةً مكثّفةً تمضي وفق اسلوب تصاعدّي مركّز باتجاه نهايتها المحتّمة.

هذه الراوية كُتبت قبل أكثر من نصف قرن من الزمان، وما زالت جديرة بالقراءة. فاقرأوها.

***

بقلم: ناجي ظاهر

هناك العديد من الاسئلة التي أقلقت وتُقلق المعنيين بالكتابة الروائية، سابقًا ولاحقًا، وما أكثرهم في هذه الفترة المنفتحة عبر وسائل الاتصال الاجتماعي المزدهرة باضطراد، والحافلة بالتباهي بسبب وبدون سبب. من هذه الاسئلة المتعلّقة بإغراء الكتابة الروائية.. ماذا أكتب وكيف أكتب.. وربّما لمن أكتب وما إليها من أسئلة مُشابهة.

كتاب "حياة الكتابة- مقالات مُترجمة عن الكتابة"، إعداد وترجمة عبد الله الزماي، الصادر عن " مسليكيان للنشر والتوزيع"، في تونس قبل سنوات، يجتهد في تقديم الاجابات عن الاسئلة المطروحة آنفًا، عبر مجموعة من المقالات التي كتبها روائيون مشهود لهم في العالم أجمع. منهم اليف شافاق، مؤلفة" قواعد العشق الاربعون"، هاروكي موراكامي مؤلف " كافكا على الشاطئ"، وايزابيل اللندي مؤلفة "بيت الارواح". مُعد الكتاب يقول في تقديمه له، إنه قام بترجمة ما ضمه كتابُه خلال فترات متفرقة.3487 حياة الكتابة

ما ضمّه الكتاب من آراء ومعلومات يُقدّم الاجوبة عن الاسئلة المذكورة بطريقة غير مباشرة، تصف ولا تُقدّم الارشادات المباشرة. ما يُجمع عليه أصحاب المقالات المُترجمة في الكتاب بشكل عام، هو أنهم كتبوا ما كتبوه وأنتجوا ما أنتجوه من كتابات روائية شهد لها القراء في مختلف أنحاء العالم، بدافع القلق الوجودي. ولعلّ تجربة يان مارتل صاحب الرواية الفريدة "حياة باي"، تقدّم صورة واضحة لهذا القلق، فقد عانى مارتل حدّ البكاء عندما بلغ الثلاثين من عمره، وغاص في بحور المُعاناة والبحث إلى أن شرع في التخييل.. فترة إثر فترة. إلى أن ابتدأت أطياف روايته بالتجسّد المُضبّب .. وابتدأ الكتابة.

أما ايزابيل اللندي، فقد كتبت تقول إنها بعد أن بلغها عام 1982 أن جدها يحتضر، وأنها لن تتمكّن من توديعه، كتبت الجُملة الاولى في روايتها. الاولى. "اتانا بارباس عبر البحر". تقول اللندي مُعلّقةً على هذه الجُملة: مَن كان بارباس هذا؟ ولماذا أتانا عبر البحر؟ لم أكن مُحيطةً بهذه الفكرة الضبابية، لكنني واصلت وأكملت الكتابة كمجنونة حتى الفجر، وعندما بلغ مني التعب ملغًا، زحفت نحو السرير، تمتم زوجي:" ماذا كنت تفعلين"، أجبته:" السحر "، وقد كان بالفعل، ففي الليلة التالية بعد أن تناولت عشائي، أقفلت على نفسي مرة أخرى في المطبخ كي أكتب. كررت الامر في كلّ ليلة متناسيةً أن جدي قد مات. بعد سنة كنت قد فرغت من كتابة خمسمائة صفحة .. هي صفحات روايتي الاولى "بيت الارواح".

يضم كتاب حياة الكتابة تجربةً اخرى هامة في مجال الكتابة الروائية، يُقدّمها الروائي كازو ايشيغورو، إجابة عن سؤال: كيف كتب روايته الثانية "بقايا اليوم"، في أربعة اسابيع. تتلّخص هذه الاجابة بأنه كتب خلال فترة كتابته روايته، يوميًا من الساعة التاسعة صباحًا حتى العاشرة والنصف مساء، لا يتوقف عن الكتابة إلا خلال فترات تناول الطعام ليعود إلى الكتابة، منبتًّا عن العالم ومستغرقًا في عالم كتابته وتخيّلاته.

هذا الكتاب، كما أوحيت آنفًا، يقدّم تجارب في الكتابة الروائية، تتيح الامكانية لمن يبحث عن أجوبة لأسئلة تتعلّق بالكتابة الروائية، العثور عليها أو على بعضها .. ولعلّ أهم ما تضمّه هذه الاجابات المتخصّصة، هو أن الكتابة الروائية تحتاج إلى العيش في عُزلة.. والابتعاد عن الواقع اليومي المعيش.. بهدف الالتحام به مجدّدًا.. عبر عوالم مًتخيّلة.. بإمكان كلّ ما فيها أن ينطق ويروي.. بما فيه الاشجار والانهار، كما تقول اليف شافاق في تقديمها تجربتها الروائية المثيرة واللافتة في الان.

***

ناجي ظاهر

في أكثر من لقاء طلاب وأدبي أيضًا طرح عدد من المشاركين السؤال: كيف يضع الكاتب الفنان قصته. من أين يبدأ وكيف يشرع في الكتابة ويواصلها إلى النهاية المُقنعة المنشودة، بحيث تأتي قصته مقبولة من جمهرة القراء وصالحة لاطلاعهم عليها وربّما تأثرهم بها.

سبق وطُرح هذا السؤال وأمثاله على العديد من الُكّتاب العرب والاجانب، وقد تعدّدت الاجوبة عليه، وتنوّعت فمن قائل إن القصة قد تولد من جملة عابرة أو مشهد لافت/ يوسف إدريس وجابرييل ماركيز مثلًا، إلى قائل إن القصة قد تولد دون كبير إعداد وتحضير وإنها قد تبدأ، تنمو وتتطوّر وفق نسقها وسياقها الخاص بها/ نجيب محفوظ، إلى قائل إن القصة تحتاج إلى ترتيب وتنسيق مسبقين، وفق إيحاء من حادثة متخيّلة عابرة قد لا تلفت أحدًا آخر غير كاتب القصة/ حسين القباني، إلى قائل إن القصة ما هي إلا عملية حفر في معنى ما أو احساس ما وتهدف في كلّ ما ترمي إليه إلى تجسيد ما يريد أن يوصله كاتب القصة إلى قرائه/ ادجار الان بو.

على هذا ومن منطلقة اتفق الكتاب وأقرّوا بالمُجمل على أن كاتب القصة المبدع لا ينقل عن الواقع وإنما هو يعيد تشكيله في قصة ذات معنى وتُمثّل وجهة نظر، وقد اتفق الدارسون وكتّاب القصة في هذا السياق على أن القصة يُفترض أن تعتمد المخيال الادبي وتتوسّل به لتوصيل ما تود أن توصله إلى قارئها، كما اتفقوا وهذه نقطة هامة جدًا، على أن هناك فرقًا كبيرًا بين القصة الصحفية التي تعتمد الواقع الصرف عمودًا فقريًا لها وبين القصة الفنّية التي تُبحر في عالم التخييل مقتنصةً من الواقع بعضًا من تفاصيله ومُعيدةً بنائه في الآن ذاته.

القصة بهذا المعنى لا تختلف كثيرًا عن اللوحة الفنّية والقطعة الموسيقية، وإنما هي تتشابه معها وتتقاطع، لا سيّما فيما يتعلّق بأهمية التخييل الابداعي في تكوين صاحبها لها وفي تشكيله لما يراه من وقائع سيقوم بتوظيفها في قصته، هذا التشكيل قد يتمّ مُنطلقًا من واقعة حقيقية إلا أنه لا يعيد سردها بما زخرت به من وقائع، وإنما يسعى لإعادة تشكيل ما ضمّته من وقائع بحيث تتحوّل إلى قصة فنّية .. قصة أخرى تُشبه تلك التي حدثت إلا أنها لا تنسخها، وإلا باتت قصة صحفية لا تحتاج إلا إلى نوع من المهارة ليقوم بكتابتها كاتب صحفي ما ويقدّمها وجبةً مفيدة ومسلية لقرائه. إن عملية التخييل في كتابتنا للقصة تمحنها حياة أخرى وبُعدًا آخر حتى لو قامت هذه القصة على واقعة حقيقية أو أعادت بناء هذه الواقعة. يزيد في هذا أنه يُفترض أن يكون لكلّ قصة راويها، إضافة لكاتبها. لتوضيح هذا أقول إن الكاتب هو مَن يكتُب القصة أما الراوي فهو شخصيّتُها المركزية، الشخصية التي يُقدّمها كاتبها من وجهة نظر راويها وعلى لسانه. إن دور الراوي في القصة يُعتبر دورًا أساسيًا، ذلك أن ما تُقدّمه القصة وتحفل به مِن وجهة نظر، إنما يأتي ضمن عملية تخييل صرفة.. تفترض الرؤية العيانية/ وجهة النظر الخاصة بالراوي وتعبّر بلغته.. وفق الحالة.. حزنًا، سخرية أو فرحًا.

هنا يبرُز السؤال، ما هو دور كاتب القصة في تشكيلها؟ اجتهادًا في الاجابة على هذا السؤال أقول إن دوره كبير فهو مَن يتخيل ومن يخلق شخصية راوي قصته، غير انه يفترض أن يقوم بهذا كلّه بعيدًا عن الظهور وأبعد ما يكون عن المباشرة، إنه يُقدّم راويَه مُعتمدًا على خبراتهِ وتجاربهِ التي اكتسبها طوال سنوات عمره الماضية، لهذا يفترض أن تأتي قصته متضمّنةً تجربةً نمطية شاملة تتجاوز ما هو شخصي في محاولة للوصول إلى ما هو إنساني ويخاطب المشاعر البشرية في عُمقِها الموحِّد لكلّ ابناء البشرية. إن كاتب القصة الفنّية الجديرة بهذه الصفة إنّما يغترف ما يكتبه ويقدّمه للناس من قصص.. مِن خزّان تجاربه وليس بالضرورة من تفاصيل حياته الشخصية أو تفاصيل ما حدث أو قد يحدث لمحيطين به.

هكذا يكتب كاتب القصة الفنية قصّته وهكذا يجعلها قادرة على تجاوز ما هو شخصي، مع أهمية التجربة الشخصية، إلى ما هو عامّ وإنساني.. جدير بالقراءة أولًا وبالبقاء ثانيًا.

***

هواجس: ناجي ظاهر

حدث تغير كبير بين أجيال ما قبل ظهور الهاتف المحمول والزمن الحالي ، كانت الناس يبحثون عن مجالس وأصدقاء كل يوم يجلسون معهم في مواعيد ثابتة، ففي المجتمع الريفي يوجد داخل المنزل حجرة الجلوس، وكانت معظم حجر الجلوس لها باب خارج المنزل حتى لا يجرح حريم البيت من السكان مستقلا، لكل مجلس له هوايته الخاصة من ممارسة وتسلية وقته مع الأصدقاء، ولهم ثقافة متقاربة، وكانت تجمعهم القرابة والنسب والجيرة، فبدأ رويدا رويدا اختفاء جلسات البيوت وأصبحت عبر الهواتف الذكية، من صوت وصورة.

اللقاء في العلاقة اليوم، لا يتم إلا كي ينشغل كل طرف بهاتفه، المسمى ذكيا، عمن يجالسه. ذلك أن الارتباط بالآلة حل محل الارتباط بالإنسان، الذي غدا في هذا النوع من الارتباط مجرد أداة، إنه مكر الآلة، التي عوض أن تبقى مجرد أداة حولت مستعمليها إلى أدوات،

لم يعد اللقاء، في زمن الآلة، سوى تعله لفراق ذهني وروحي. هكذا تم تعويض صمت المحبين في لقاءاتهم التي كانت حميمة دافئة الأنفاس، بصمت بارد مشحون باللامبالاة وبحجاب الآلة \"فالعلاقات بين البشر الآن تحكمها الآلة وتحدد الموعد وتتعامل مع شخوص مختلفين في العقيدة والشكل واللون والجنس في وقت واحد وفي أوقات مختلفه من فروق التوقيت، فأحيانا تتحدث مع شخص يكون فيه فرق التوقيت بينكم 9ساعات، هل اصبحت ثورة الاتصالات\" نعمة ام نقمة \"، في البعد الاجتماعي، وهل سببت أزمة أخلاقية داخل المجتمعات المحافظة...؟!

الاسرة من الواقع الى المواقع ...!

تكاد اليوم العلاقات الاجتماعية تتنمط بصورة جديدة نتيجة التحولات التي طرأت على نسق التفاعلات والعلاقات وفي مقدمتها العلاقات الاسرية. التي انتقلت من الواقع الى مواقع التواصل الاجتماعي وهذا ما عبر عنه\" اوفييل \"بالسعادة المجروحة التي نزعت إليها الاسرة نتيجة الهيمنة والتقييد الإعلامي. الذي فرض عليها نمط اسلوب العيش الواحد، متجاوزا تلك الخصوصيات السوسيوثقافية في المجتمعات وقيمها فادخلت موضة الكلام، وموضة اللباس، وموضة العلاقات التي أصبحت فيه المنازل والعلاقات الأسرية أشبه بالعلاقات الفندقية بين الخادم والزبون،  فمن كانت العلاقات مبنية على التفاهم والحوار اصبحت مبنية على التفاهم حول تقاسم الأعباء والمصارف والتداخل في الادوار بين المهني والاجتماعي لنعطي صورة عن أسرة ما بعد الحداثة، فتطفو الى السطح ظواهر كالخيانة الزوجية الإلكترونية من كلتا الطرفين ، حيث تغيب معها معنى القيمة الاجتماعية والرمزية والدينية لمفهوم الزواج. وتنتقل معنى العاطفة من معناها الحسي نحو المادي اكثر. كندخل في علاقة صراع اسري من نوع آخر هو صراع الاباء مع الأبناء اي جيل التقليد وجيل الحداثة، اضافة الى مفهوم الاغتراب الأسري الذي يتمحور حول عدم فهمنا واحتوائنا لمفهوم العلاقات الاسرية بشكل صحيح.  فشهدنا نوع من العزلة رغم الوجود الشكلي والظاهري التركيبة الأسرية

عندما يغيب الجوهر ويحضر المظهر فكيف تتصور شكل العلاقات بعد استخدام

الذكاء الاصطناعي...؟!!

***

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري وباحث في الجغرافيا السياسية

ينقسم الكُتّاب في العادة إلى قسمين، أحدهما ينتهي بانتهاء حياته في عالمنا، كونه ركز على العارض والعابر، والآخر تستمر حياته بعد رحيله من عالمنا، كونه تغلغل إلى أعماق النفس الإنسانية والفها في جوهرها البعيد. الكاتب الروائي القرغيزي جنكيز ايتماتوف (12 كانون الأول 1928 - 10حزيران 2008)، يعتبر من ذلك الصنف الاخر الذي يبقى بعد رحيله، ويستحق أن يقرأه أبناء الأجيال التالية.

علمًا انه واحد من الكتاب البارزين في الاتحاد السوفيتي سابقًا، وهو صاحب المؤلفات الروائية المقروءة في 165 لغة من لغات العالم.

ابتدأ ايتماتوف حياته الأدبية وهو في الثلاثين من عمره، وقد أصدر في هذه الحقبة الخصبة من حياته روايته "جميلة" التي ستتحول فيما بعد لتصبح فيلمًا سينمائيًا إنسانيًا يهزّ مشاعر الناس في معظم أنحاء العالم، ويدفع واحدًا من أهم شعراء القرن العشرين لويس اراغون لأن يقول بملء فمه إن " جميلة" أجمل قصة حب في العالم.

لمزيد من التعريف بايتماتوف والتحفيز على قراءته المتجدّدة، نقول انه أصدر خلال حياته التي قاربت الثمانين حولًا، إضافة إلى روايتيه الآسرتين جميلة وعندما تتداعى الجبال- او العروس الخالدة، عددًا من الروايات الهامة نذكر منها: المعلم الأول، ويطول اليوم أكثر من قرن، طريق الحصاد، النطع، السفينة البيضاء، ووداعا ياغولساري، الغرانيق المبكرة، شجيرتي في منديل أحمر، طفولة في قرغيزيا، نمر الثلج، الكلب الأبلق الراكض عند حافة البحر.

اتصفت روايات ايتماتوف بالعديد من الصفات التي كرّسته كاتبًا يتعدى النطاق المحلي إلى العالمي، اعتقد أن أبرزها تمثل بحسّ إنساني رفيع وفي استلهام للروح الشعبية عميقة الأغوار وتمكنه من التعبير عنها بسحر نادر، إضافة إلى أنه لم يتردّد في نقد الظواهر السلبية في بلاده، وبإمكان مَن يقرأ روايته الفاتنة " وداعًا غولساري"، أن يلمس جرأته في النقد المجتمعي السياسي.. لمس اليد.

طبع من روايات ايتماتوف هذه بلغات مختلفة أكثر من ستين مليون نسخة، قرأها الناس في انحاء مختلفة من عالمنا وبهروا بها، ومما يذكر لهذا الكاتب أنه كان كاتبًا حقيقيًا.. عمل في مراحل حياته الأولى في مهن عديدة منها في تربية الدواجن وقيادة جرار، فقد اضطر بعد إعدام والده في عاما 1937 في موسكو، للعمل باكرًا ابتداء من عمر 14 عامًا ويشار أنه أوصى بأن يدفن بعد رحيله الأبدي إلى جانب والده الذي اعدم ظلمًا.

اهتم ايتماتوف في رواياته بالجانب الروحي والنفسي للإنسان، كما يبرز في مجمل رواياته اهتمامه الشديد بالبيئة والطبيعة، وحظيت رواياته بالكثير من الإطراء والتقدير. وقد ترجمت رواياته هذه إلى اللغة العربية وبإمكان الإخوة القراء العربي ممن لم يحالفهم الحظ لقراءته أن يفعلوا،.. وعلى مستوى شخصي عمل ايتماتوف سفيرًا للجمهورية القيرغيزية في بلجيكا، الإتحاد الأوروبي، حلف الناتو واليونيسكو. وكان ايتماتوف عضوًا في مجلس السوفييت الأعلى ورئيس تحرير مجلة "الآداب الأجنبية" في موسكو وشغل خلال السنوات الأخيرة من حياته منصب سفير قيرغيزيا لدى دول البيلونكس.

لقد لعب ايتماتوف دوراً كبيرا في الثقافة العالمية واعتبر الرئيس القيرغيزي كرمان بك باكييف في كلمة تأبينية له، أن رحيل ايتماتوف خسارة كبيرة لقيرغيزيا والعالم بأسره. وقد بلغ ايتماتوف ذرى المجد الأدبي السامقة، وتمكن من أن يحقق أحلامه الأدبية من طفل يتيم إلى واحد من أهم كتاب القرن العشرين.. لذا استحق القراءة في كل زمان ومكان.

***

بقلم: ناجي ظاهر

(1596-1650). Rene Descartes

اختارها وترجمها عن الانكليزية بتصرف:

مصدق الحبيب

***

* نحن لا نصف العالم الذي نرى، انما نرى العالم الذي نستطيع ان نصف.

* المتفائل هو الذي يلمح بصيصا للنور في العتمة، والمتشائم هو الذي يسرع لاطفائه

* ليس لدينا السيطرة الكاملة على اي شئ في هذا العالم سوى على انفسنا وافكارنا.

* أن نعيش بدون الفلسفة يعني ان نصبح كمن يغمض عينيه ولايريد ان يرى أي شئ.

* اعظم العقول القادرة على تجسيد اعظم الفضائل هي القادرة ايضا على ارتكاب اعظم الخطايا.

* أنا أشك، فأنا أفكر، ولذا فأنا موجود، ذلك ان الشك هو أصل الحكمة. (الشك بمعنى التساؤل عن الاشياء).

* العقل لا يتطور بالتعلم، بقدر ما ينمو ويتطور بالتأمل.

* أن تعرف الانسان جيدا، لا تصغي الى ما يقول، بل تأمل ما يفعل.

* حينما أتلقى أي إساءة، احاول ان ارفع نفسي للحد الذي لا تستطيع الاساءة ان تطالني.

* على الاقل، انا مستعد ان اكرس نفسي، مخلصا ودون تحفظ، لتهديم كل ما تبنيت من آراء.

* أقوى سبب لآثام الانسان هو الاجحاف والتحامل الذي يلتقطه في الطفولة.

* من الحكمة ان لاتمنح الثقة الكاملة لمن خدعك ولو مرة واحدة.

* حين لا نستطيع تقصي الحقيقة، فان اضعف الايمان ان نحسب اقوى احتمالاتها.

* تفكيرنا ينطوي على جزئين: الفهم والادراك أولا، ثم الرغبة والاستعداد.

* كل شئ عندي يتحول الى الرياضيات، ذلك انني اعتبرها اعظم أداة تحليلية ورثناها من افضال العقل الانساني الذي اكتشف ان كل ما في هذا الكون له صيغة رياضية، بالرغم من ان لا وجود للتمام والكمال في الارقام، كما لا وجود لهما في الانسان.

 

بداية لابد من الاعتراف باني لست ممن ينتمي لجماعات الوسط الفني لا من قريب ولا من بعيد، كما وينبغي الإقرار باني لست متخصصا"في مجال النقد الفني وتحليل الأعمال الدرامية المتواترة الظهورعلى الشاشات الكبيرة (السينما) والصغيرة (التلفزيون)، حتى أسمح لنفسي بالتعرض لما أسميه (حيرة) الدراما العراقية و(تخبطها) في اختيار النصوص التمثيلية وتعيين الأشخاص القادرين على تجسيد أدوارها. ولكني كمشاهد ابتلي بأن يعيش ضمن أجواء الخراب والدمار التي استشرت مظاهرها، ليس فقط في مجالات السياسة والاقتصاد والاجتماع العلوم فحسب، وإنما في ميادين الفكر والثقافة والفن والتعليم كذلك. وهو الأمر الذي يجيز لي التعبير عن آرائي الخاصة والإفصاح عن انطباعاتي الشخصية حيال ما تقدمه الدراما العراقية حاليا"من أعمال فنية (مسلسلات) على مدار الأسبوع.

ولعل من جملة المآخذ التي يمكننا تسجيلها ضد القائمين على إنتاج وإخراج مثل هذه المسلسلات، هو اعتقادهم المضلل بأن المضامين التي تحملها والقيم التي تشيعها والرسائل التي تبعثها تلك الأعمال، تواكب وتحايث ما طرأ على الواقع العراقي من حراك اجتماعي وانزياح قيمي وتحول حضاري، فضلا"عن تصورهم السطحي أن تلك الأعمال الغثة التي تستهلك كل ما جناه الفن العراقي من رصيد تاريخي، تحاكي في مستواها الفني ومعالجاتها الاجتماعية ما تصدره الدراما العربية والأجنبية من أفلام ومسلسلات، دون أن يصار الى أخذهم بالاعتبار حجم وطبيعة الاختلافات والتباينات الموجودة على صعيد السياقات الاجتماعية والثقافية والنفسية والحضارية. الأمر الذي وسم تلك المسلسلات بطابع الرتابة في الأداء والاصطناع في الحوار والتلفيق في الحبكة.

وهنا لا أتحدث عن فيض المسلسلات العربية والأجنبية – بغثها وسمينها - التي أضحت رفيق دائم للمشاهد العراق رغما"عن أنفه، بقدر ما أتحدث عن المسلسلات العراقية التي تعرض حاليا"على شاشة التلفزيون، وتحديدا"مسلسل (حيرة) الذي حيرنا معه وضيعنا في متاهاته، بعد أن فقد بوصلة الاتجاه الذي يقصده وأضاع مضمون الرسالة التي يحملها. بحيث لم يظهر تميزا"فنيا"يليق بالدراما العراقية أيام مجدها الغابر على مستوى الإخراج والتمثيل فحسب، وإنما فشل فشلا"ذريعا"في ضمان معقولية نسبية لتسلسل أحداثه المفبركة، أو في إيجاد رابطة منطقية لتتابع مواضيعه المفككة. وهو الأمر الذي بدا وكأن المخرج لم يجد أمامه للتخلص من الاحراجات التي أوقع نفسه فيها، سوى الهرب الى الأمام باللجوء الى مطّ الحلقات وزيادة أعدادها من جهة، وافتعال الحوارات العقيمة والمناكفات السمجة بين (ممثلين) بدت على أغلبهم الرتابة في الأداء والاصطناع في التعبير من جهة أخرى. هذا بدلا"من أن يسعى جاهدا"لتلافي الكثير من العيوب الفنية والأخطاء الأدائية، ومن ثم إيجاد نهاية مشرفة لمسلسل وسم بأعراض فقدان اللون والطعم والرائحة !.

ولعل هناك من يحاول إيجاد الأعذار والمبررات لمثل هذا الإخفاق بالإشارة الى كون المسلسل المعني (حيرة) مأخوذ عن مسلسل (تركي) سابق، بحيث ان العيوب والسقطات التي يعانيها المسلسل هي من نتاج (الأصل التركي) وليست وليدة (الانتحال العراقي). وهنا الطامة الكبرى كما يقال : فعلى فرض ان مصادر الأخطاء والهنات المؤشرة في المسلسل المذكور، هي من تبعات الدراما التركية التي نادرا"ما تهتم بالقضايا ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والأخلاقي، بقدر ما تحفل بأمور الرومانسيات والمغامرات والمافيات التي يبدو أنها تتوافق مع تقاليدهم الاجتماعية وعاداتهم الثقافية. إذن فما الداعي لاقتباس مثل تلك الأعمال السطحية في معالجاتها والاختزالية في منظوراتها، ومن ثم محاولة إلباسها لبوس (عراقي) فضفاض لإقحامها قسرا"ضمن أنشطة وفعاليات الدراما العراقية، بغية حملها على طرح مسائل ليست من صميم واقعنا، أو على أقل تقدير لا تحتل الأولويات في سلم اهتماماتنا في الوقت الحاضر. فهل يا ترى جف نسخ الدراما العراقية من الإبداع بحيث أضحى (الاقتباس) و(الاستيراد) من مصادر خارجية (عربية وتركية)، هما السبيل الأنجع لإشاعة الانطباع بأن ينابيع الفن العراقي لا زالت بخير ؟!

وفي المحصلة الأخيرة نتساءل ؛ ما الغاية المتوخاة أو الهدف المنشود الذي دفع بالمسؤولين (منتج ومخرج) لاختيار مثل هذا المسلسل - وغيره من المسلسلات المماثلة – الخالية من المضامين والعديمة المناقبيات، وعرضه على ذائقة الجمهور العراقي الهاضمة لكل منتج بلا تدقيق ولا تمييز، باعتباره عملا"(إبداعيا") من أعمال الدراما العراقية المنوط بها معالجة مشاكلنا السياسية والاجتماعية المستعصية بلا رتوش، وإيجاد الحلول لمكابداتنا الاقتصادية والنفسية المزمنة بلا تزويق !!.

 ***

ثامر عباس

 

في المثقف اليوم