أقلام فكرية

فلسفة ما قبل سقراط.. المذهب الذري

كان المذهب الذري أحد نظريات الفلاسفة الطبيعيين في اليونان القديمة الذي صُمم لتوضيح الكون. الذرات لدى اليونانيين هي غير قابلة للتجزئة بسبب كونها "لا تُقطع". كانت للذرات خصائص فطرية مثل الحجم، الشكل، النظام، المكان. ويمكن ان تتصادم مع بعضها في الفراغ. ومن خلال ضرب والتصاق كل واحدة بالاخرى بقوة، تصبح الذرات شيء آخر. هذه الفلسفة أوضحت مادية الكون وسُميت الفلسفة المادية. الذريون ايضا طوروا فلسفة في الأخلاق ، ابستيمولوجي، وفي الفلسفة السياسية جميعها ترتكز على الذرية.

ليوسيبوس وديموقريطوس

كان لليوسيبوس (480-420 ق.م) الفضل الأكبر في ظهور الفلسفة الذرية، رغم ان هذا يُنسب ايضا الى ديموقريطوس، الفيلسوف الذري الآخر. وهناك مفكر ذري آخر وهو موسكوس Moschus اثناء فترة حرب طروادة. أعلن ليوسيبوس وديموقريطوس ان العالم الطبيعي مؤلف فقط من شيئين اثنين لا يقبلان التجزئة وهما الفراغ والذرات. الذرات تتزايد وتتناقص باستمرار في الفراغ وتتداخل مع بعضها ولكن بالنهاية تقفز بعيدا. هذه الحركة توضح كيف تتغير الأشياء.

المحفزات نحو الذرية

كتب ارسطو (384-322 ق.م) ان فكرة الأشياء التي لا تتجزأ جاءت استجابة لتعليمات مفكر آخر قبل سقراط وهو بارمنديس، الذي قال ان التغيير يعني ان شيئا ما ليس موجودا في الواقع ولا يأتي الى الوجود من لا شيء. الذريون اعتقدوا ايضا انهم يواجهون مفارقة زينون الذي جادل بانه لو ان الاشياء يمكن تجزئتها الى ما لا نهاية، فان الحركة تصبح مستحيلة لأنه بخلاف ذلك،يتعيّن على الجسم إشغال عدد لا متناهي من الأماكن  في مقدار محدود من الزمن(1).

الفهم

اعتقد الذريون اننا نرى الأشياء لأن سلسلة متصلة من الذرات تسقط على سطح الأشياء التي نراها. اللون ينتج بفعل موقع هذه الذرات. الذريون الأوائل اعتقدوا ان التصورات توجد بفعل "العرف" بينما الذرات والفراغ يوجدان بفعل الواقع. الذريون اللاحقون رفضوا هذا التمييز.

ابيقور

بعد ديموقريطس بمئات السنين، انتعشت الفلسفة الذرية في العصر الهيلنستي. ابيقور (341-270 ق.م) أسّس جماعة قامت بتطبيق الذرية على فلسفة العيش ضمن حياة سارة. ضمّت الجماعة النساء اللواتي قمن بتربية الأطفال. سعى ابيقور الى اللذة عبر التخلص من أشياء مثل الخوف. الخوف من الآلهة والموت لا ينسجم مع  الفلسفة الذرية واذا تخلصنا منهما سوف نتحرر من العذاب الذهني.

***

حاتم حميد محسن

.....................

الهوامش

(1) مفارقات زينون هي عدد من المشاكل الفلسفية طرحها الفيلسوف اليوناني زينون (490-430 ق.م) لدعم عقيدة بارمنديس الرافض لدليل الحواس في التعدد والتغيير، وان الحركة كما يرى ليست الا وهما. يقول زينون: افرض ان زيد يريد المشي الى نهاية طريق معين، قبل ان يتمكن من الوصول الى هناك، يجب عليه قطع منتصف الطريق، وقبل ان يصل الى منتصف الطريق لابد ان يقطع ربع المسافة، وقبل ان يقطع ربع المسافة عليه ان يمشي ثمنها، ثم 1/16 وهكذا. العملية تتطلب من المرء اكمال عدد لا متناهي من المهام والتي يراها زينون مستحيلة. هذه السلسلة تعرض ايضا مشكلة ثانية كونها لا تتضمن اول خطوة في المشي،لأن أي خطوة اولى يمكن قسمتها الى النصف، وعليه لن تكون الاولى ابدا، وبهذا فان الرحلة لا يمكن ان تبدأ. معنى ذلك حسب زينون ان أي مسافة معينة لا يمكن إكمالها ولا يمكن البدء بها، وبهذا فان الحركة ليست الاّ وهماً.

 

في المثقف اليوم