أقلام فكرية

حاتم حميد محسن: أوجه الإختلاف بين الحداثة ومابعد الحداثة؟

طبقا لبعض المنظّرين، يمكن تقسيم القرن العشرين الى فترتين متميزتين، واحدة تميزت بحركة الحداثة والاخرى بما بعد الحداثة. البعض يعتقد ان ما بعد الحداثة كانت كرد فعل للحداثة وبالتالي يعتبرون كلاهما مظهران لنفس الحركة. هناك بعض الاختلافات الرئيسية بين الحداثة وما بعد الحداثة. الاختلاف الاساسي كان في طرق التفكير وهو الذي قاد الى هاتين الحركتين. ان الاختلاف بين الحداثة وما بعد الحداثة يتجسد في اختلاف الاتجاه نحو الحياة. الحداثة تصف مجموعة من حركات ثقافية في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. انها تتألف من سلسلة من الحركات الاصلاحية في الفن والبناء المعماري والادب والموسيقى والفنون التطبيقية. الحداثة اتسمت بتغيير دراماتيكي في الفكر بواسطة العقل الانساني لأجل تحسين تلك البيئة. كانت هناك نزعة لتحسين كل مظهر من مظاهر الحياة عبر اشراك العلوم والتكنلوجيا. الحداثة ادّت الى اصلاحات في كل مجالات الحياة بما في ذلك الفلسفة والتجارة والفن والادب بفضل استخدام التكنلوجيا والطرق التجريبية . انها قادت الى تقدّم في كل الجوانب عبر تغيير اتجاه البشرية في النظر الى الاشياء.

ما بعد الحداثة كانت رد فعل للحداثة وتأثرت بالإستياء الناجم عن الحرب العالمية الثانية. مصطلح ما بعد الحداثة يشير الى دولة تفتقر الى تنظيم هرمي مركزي وهي معقدة وغامضة ومتنوعة. ان التطور في المجتمع، الاقتصاد وثقافة الستينات من القرن العشرين تأثر بما بعد الحداثة.

الحداثة مقابل ما بعد الحداثة

بدأت الحداثة في العقد لأخير من القرن التاسع عشر (1890) واستمرت حتى عام 1945. اما ما بعد الحداثة بدأت بعد الحرب العالمية الثانية خاصة بعد عام 1968. الحداثة ارتكزت على استعمال الوسائل العقلانية للحصول على المعرفة بينما ما بعد الحداثة أنكرت تطبيق التفكير المنطقي. بدلا من ذلك، ارتكز التفكير اثناء عصر ما بعد الحداثة على عمليات فكرية غير علمية وغير عقلانية. اتسمت الحداثة بطبيعة منظمة وهرمية محددة للمعرفة. لكن ما بعد الحداثة ارتكزت على حالة فوضوية، غير كلية وغير محددة للمعرفة. الاتجاه الحداثي كان موضوعيا، نظريا وتحليليا بينما الاتجاه الما بعد حداثي كان مرتكزا على الذاتية. انه افتقر للطبيعة التحليلية والتفكير وكان بلاغيا ومرتكز كليا على الايمان. الاختلاف الاساسي بين الحداثة وما بعد الحداثة هو ان التفكير الحداثي كان حول البحث عن الحقيقة المجردة للحياة بينما مفكرو ما بعد الحداثة يعتقدون ان لا وجود هناك لحقيقة عالمية مطلقة او ما شابه.

الحداثة تحاول بناء رؤية عالمية متماسكة بينما ما بعد الحداثة تحاول إزالة الاختلاف بين الأعلى والأدنى. التفكير الحداثي يزعم ان البشرية تتقدم عبر استعمال العلم والعقل بينما التفكير الما بعد حداثي يعتقد ان التقدم هو فقط طريقة لتبرير الهيمنة الاوربية على الثقافة. التفكير الحداثي يعتقد بالتعلّم من تجارب الماضي ويثق بالنصوص التي تحكي الماضي. اما، تفكير ما بعد الحداثة يتحدى أي حقيقة في النصوص المتعلقة بالماضي ويعتبرها بلا فائدة في الوقت الحاضر. مؤرخو الحداثة لديهم ايمان بالعمق. هم يؤمنون بالذهاب عميقا في الموضوع لتحليله بالكامل، وهذا ما يرفضه مفكرو ما بعد الحداثة. هؤلاء يعتقدون بالذهاب الى المظاهر السطحية واللعب على السطح ولم يهتموا بعمق المواضيع. الحداثة ترى الأعمال الأصلية أصيلة بينما مفكرو ما بعد الحداثة يركزون رؤاهم على الواقع المفرط   hyper-reality (عدم قدرة الوعي على التمييز بين الواقع ومحاكاة الواقع خاصة في المجتمعات المتقدمة تكنلوجيا)، هم يتأثرون جدا بأشياء انتشرت من خلال الميديا. اثناء العصر الحداثي، جرى الاعتقاد بان الفن والاعمال الادبية هي نتاجات فريدة للفنانين. الناس كانوا جادين حول الهدف من انتاج الفن والاعمال الادبية. هذه الاعمال اعتُبرت تحمل معنى عميقا، الكتب والروايات سيطرت على المجتمع. اثناء عصر ما بعد الحداثة ومع بداية الكومبيوتر اصبحت الميديا والتقدم التكنلوجي والتلفزيون والكومبيوتر هم المهيمنون على المجتمع. الفن والاعمال الادبية بدأت تُستنسخ وجرى حفظها بوسائل الميديا الرقمية. لم يعد الناس يعتقدون بان الفن والادب يحمل معنى متفردا واحد، هم اعتقدوا بامكانية اشتقاق معانيها الخاصة بها من أجزاء الفن والادب. الميديا التفاعلية والانترنيت قادا لتوزيع المعرفة. موسيقى مثل موزارت وبيتهوفن التي جرى تقديرها عاليا اثناء الحداثة اصبحت اقل شعبية في عصر ما بعد الحداثة. الموسيقى العالمية ، وعازفوا الموسيقى وموسيقى الريمكس عكست طابع ما بعد الحداثة. الأشكال المعمارية التي كانت رائجة اثناء الحداثة جرى استبدالها بمزيج من مختلف الاساليب المعمارية في ما بعد الحداثة. إيقاع الحياة البطيء نسبيا الذي كان يستلهم من مبادئ أساسية، اصبح سريعا والحياة فقدت هدوئها. 

***

حاتم حميد محسن

في المثقف اليوم