بأقلامهم (حول منجزه)

فهم التسامح (2-2): معالم المشروع الاصلاحي لماجد الغرباوي

القسم الثاني من مشاركة طالبة الدكتوراه عفاف المحضي في الندوة العلمية الدوليّة حول التسامح الدينيّ و ثقافة الاختلاف - مركز البحوث والدراسات في حوار الحضارات والأديان المقارنة، مدينة سوسة – تونس، يوم 5 – 10 – 2016م. بعنوان: فهم التسامح.. قراءة في كتاب التسامح ومنابع اللاتسامح فرص التعايش بين الأديان والثقافات لماجد الغرباوي. وقد نالت على بحثها شهادة تقدير من إدارة الندوة العالمية. 

 معالم المشروع الاصلاحي لماجد الغرباوي

إنّ أفكار الكتاب كما هو واضح من موضوعه تحمل مضامين إصلاحية، وتعكس وجهة نظر نقديّة ورؤية إستشرافية مستقبلية للعالم العربي في حاضره ومستقبله وما ينطوي بينهما من أحداث سياسيّة ودينيّة وثقافيّة. إنّ مشروع الغرباوي الإصلاحي هو معالجة عملية فكرية للمشاكل التي تحيط بالمجتمع العراقي كأنموذج والمجتمع العربي بشكل عام. مشروع يؤسس لثقافة:

- العيش داخل مجتمع تعدّدي

- الموائمة بين القيّم الدينيّة والقيّم الإنسانيّة

- نقد التراث الإجتهادي وخلق بديل مع المحافظة على الجوانب العقلية القوية منه والتي لا تتعارض وروح العصر ومتطلبات الإنسان اليوم الخميني الشيعي والإخواني السني.

- نقد العقل الإسلامي الإجتهادي الذي يكرر ذاته لسنوات والذي أفرغ النصّ القرآني من أبعاده الدينيّة وتوجيهه الوجهة الفقهيّة التقنينيّة منذ عصر الشافعي إلى اليوم العقل الإجتهادي يكرر نفسه.

- إخراج الإنسان المسلم من فهم ماضوي ضيّق للإسلام، فهم قد غدا عالة عليهم لم يعد قادرا على الإستجابة لروح العصر والحداثة وهذا ما خلق الصراع بيننا وبين العالم

- التفرقة الواعيّة بين الدين وبين الفهم الذي نشكله عنه

- الخروج من المنظور المذهبي الضيق الذي يدعي كل منها اكتساب الحقيقة وما تنجر عنه من تبعات تكفيرية واقصائية كردّ فعل مضاد حماية لتلك القشور التي شوهت مقاصد الدين العالميّة من تسامح وكونيّة وتعايش ومحبة ورحمة وعفو عند المقدرة والصفح والغفران ...عبر التاريخ. فالقرآن يحتوي آيات غاية في التسامح والمحبّة والانفتاح على الأخر ولكن التفسيرات التاريخيّة المسيّسة والخاضعة للظروف هي التي جعلت منه متقلبا بين الانفتاح والانغلاق حسب ما تقتضيه الحاجة التاريخية والمصالح السياسيّة.

- كسر قيد الوضع القاهر الذي يتحكم فينا وفي مجتمعاتنا العربيّة" إن لم تكن معي وتنضوي تحت منظومتي الفكرية فأنت ضدي واجب وحق شرعي تصفيتك الجسديّة."

لكن يبقى السؤال المتكررة في ذهنيّة كل مفكر أو مصلح أو فرد واع بالواقع اليوم هو ما مدى مشروعية البحث عن أرضيّة للتسامح في التأويل النّصي؟ ما مدى وعينا بهذا المفهوم؟ أليس من الضروري اعادة ابتكار لمفهوم التسامح وقولبته وفق متطلبات العصر المتجددة؟

"هناك فارق كبير بين قبول الآخر والاعتراف به فالحالة الأولى يفرضها الواقع والمصالح المشتركة بينما الحالة الثانية تعبّر عن وعي لا تخالطه نوازع التعالي الناشئ عن عقيدة التفوّق العنصري أو الاجتماعي أو الديني أو المذهبي أو الثقافي. ولا تلامسه مشاعر الفوقية والتفوّق. ولا تنطلي عليه أوهام صحة ونهائية وجزمية الأفكار والمعتقدات في مقابل خطأ الأخر مطلقا. كما لا تخالجه التفرّد بالدين."[10] والتأصيل لإطار وطني يستوعب التعدد القومي العربي والأصولي الديني وشيوعيّة واشتراكية عربيّة وطوائفية وشعبوية داخل شرعيته. والتأسيس للتسامح أخلاقيا ولغويا، دينيا ومدنيا.

لأن "التسامح نسق قيمي تتوقف فاعليته على وجود أرضية صالحة وأجواء سليمة تساعد على تفاعل قيّمه لذا يشترط أولا ايقاف نزيف الكراهية والحقد وقطع مصادر العنف والاحتراب وتجفيف منابع اللاتسامح والارهاب والحيلولة دون تدفقها لا على مستوى الممارسة فقط وإنما اجتثاثها كثقافة وعقل ومنهج."[11]" فلأحقاب طويلة من الزمن وقع تجاهل الكلمة، وقع تجاوزها أو على الأصح اكتفى بمجرد النظر إليها على أنها من نافل القول ... كما أن الكلمة لم تكن تعبر في الحقيقة عن شيء محسوس. بقي التسامح طوال قرون متتالية مجرد فكرة مجرد فرضية ضمنية تتحدث عن طبيعة الحياة عامة والعلاقات البشرية وقد كان مصير التسامح في الفكر الديني (الذي يجب تمييزه عن الدين) مصيرا متناقضا.

فالتصوّر الإنساني المتعلق بالدين قد أنتج مدارس ومذاهب كانت سببا في اثراء هذا الفكر ولكنها كانت سببا في فتن مزّقت أوصال المجتمعات التي تدين بالديانات السماوية على وجه الخصوص." [12] لذلك لابد من التأكيد ضرورة قصوى على أهميّة الثقافة النقديّة في "النفوذ إلى أعماق اللاوعي لتفكيك البنى المعرفيّة القديمة وتأهيلها لاستقبال نمط فكري وثقافي جديد يعمل في إطار قيّم التسامح. ويجب ان يطال الخطاب النقدي جميع المستويات وينفذ إلى كل الحقول. ولا يتوقف عند مساحة دون أخرى. فيبدأ بالفرد والأسرة لينتهي بأعلى سلطة فكرية واجتماعية مرورا بقيّم النظّم القبليّة والحزبيّة والدينية والنقابيّة والسياسية."[13]

بتفكيك سلسلة قيّما ومفاهيمها القديمة والتحرر من ربقة نمطها الاستبدادي من خلال نقد الخطاب الديني (هنا يجب أن نفهم الفرق بين النّص والخطاب الديني[14]) عند سيد قطب في قوله إن هذا الخطاب الديني لا يؤسس ولا يساعد على وجود مجتمع متسامح، بل العكس سينتج حركات إسلاميّة متطرّفة تستبيح قتل المسلمين قبل غيرهم ."[15] وهذ ا ما يشهده عالمنا العربي اليوم من قبل الجماعات المتطرّفة. لذلك لابد من تفكيك الخطاب الذي تتبناه هذه الجمعات وتحديد المرجعيات التي تمت وفقها هذه القراءات وبيان تهافتها ونقاط ضعفها لتفادي تنامي هذه القراءات ويتفاقم هذا الفهم ويتجذر داخل الفكر الديني إلى درجة يصبح فيها الفكر الأخر المضاد فكرا منحرفا وكافرا من وجهة نظره ومن زوايا فهمه وقراءاته وتفاسيره. فكيف يمكن حينها أن نتعايش مع الأفكار والأديان والعقائد المختلفة من حولنا؟

إنّ قضية الفكر ليست قضية الذّات بل هي قضية نتاجها المعنوي تماما كما هو النتاج المادي فنحن نرفض النتاج في عناصره ونحترم المنتج في انسانيته بمعنى لو أسقطنا الفكر لا نسقط صاحبه بل نحترمه كذات إنسانية نشترك معها في هذه الخاصيّة الإنسانيّة. إذ " ليس هناك صحيح مطلق وخطأ مطلق وإنما الفكر أيا كان انتماؤه انتاج بشري واجتهاد شخصي قد يصيب وقد يخطأ يتأثر بالظروف الزمانية والمكانية وتؤثر فيه القبليات المعرفية والأنماط الثقافية والاحداث السياسية والصراعات الطائفية والمستوى العلمي وأفاق الوعي السياسي والاجتماعي والديني." [16]

كما أكدّ على أهمية الدور الذي تلعبه الأسس المنهجيّة في ثقافة الحوار مع الأخر في مسائل منها الفرق بين الهداية الإنسانية والهداية الالهيّة التي "عمل الأنبياء على تجذيره وتعميقه في النفوس المؤمنة" كما أكدّ أيضا على دور القانون الذي يكمن دوره في فاعليته الكبرى في حسم النزاعات وإعادة الأمور إلى نصابها الأول وقمع الفقاعات الطائفية والمذهبية أو العنصرية أو الدينية في مهدها وحماية الصيغ التوافقية بين المواطني الشعب الواحد.

تحطيم الثوابت الغائرة والمتخفية في اللاّشعور خاصة في مفهوم الهداية رغم الحوار الذي لم يتجاوز في نظره داخل الذهنيّة العربية الإسلامية منطق التكفير والإكراه خاصة اذا ارتبطت بالأخر الخارج عن المنظومة العقائدية للأنا المؤمنة لذلك لابد للغرباوي هنا من تقديم البديل عن هذه الرؤيةباعطاء مفهوم جديد لهذا المصطلح في قوله:" الهداية هبّة ربّانيّة لا يمنحها إلاّ لمن يستحقها. وموضوعها العقيدة الإلهيّة وليست الشريعة وأحكامها، والعقيدة قناعة ذاتيّة لا تخضع لوسائل العنف والإكراه. وتحديد الهداية وضدها النوعي الذي هو الضلال مرتبط بالله تعالى ولا تتحدد بالسلوك الخارجي. فربما شخص يمارس الشعائر تحت ضغط الواقع... فالحوار معه على أساس هدايته باعتباره ضالا أمرا غير مبرر ولا مستساغ. وإنما يجب الحوار معه على أساس المثاقفة والتكامل باعتباره يمتلك رؤية وفكرا وثقافة وأدلة على أساسها اكتملت قناعته."[17]

هي " إرادة لا تعترف سوى بتبعية الذّات وامتثالها القسري والإكراهي لنموذج النسق الثقافي الذي يرهن أفق الإنسان ضمن منظور اختزالي لا يرده إلى ماهيته الجوهرية التى تؤسسها الحرية، وإنما إلى أصول ميتافيزيقية وأسس ثقافية شكلها الإنسان ذاته عبر تاريخه."[18]

كما أكدّ على ضرورة الفهم لصحيح لموضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي هو موضوع قيمي أخلاقي بالأساس وليس عقدي ديني. لإنّ مأزقنا اليوم المعاصر حسب رؤية الغرباوي النقدية للواقع المعاصر تتلخص في أن العقل العربي الإسلامي لا زال يكرّر ذاتَه باستمرار عود على بد من الألف إلى الياء وهذا ما قاله أيضا طه عبد الرحمان وأكد عليه في أنّ العالم العربي الإسلامي، لا وجود لإمكانيات البناء والتجديد عنده بل يستنسخ ما قاله السلف.

 قواعدهم وعباراتهم ومصطلحاتهم وآراءهم هي ذاتها لا تبديل ولا تحويل، وإن وجدت بعض المحاولات الخجولة التي لا تخرج عن منظومة النسَجَ على ذات المنوال إلاّ في حدود بيان بعض القواعد وشروحات لبعض العبارات، إن لم تكن شرح على شرح، وبعض الحواشي أو تعليقات عليها، ومحاولات توضيح المراد منها واستخلاص المضمون. وكأن الأول لم يترك للآخر شيئا وأضحى تفكيرنا مقيدا لا يخرج على المستوى الذي فكروا فيه.

 لا يسمح لنا بصياغة قواعد بديلة لتفكيرنا الديني نابعة من خضم مشكلات واشكاليات عصرنا ورهاناته، وتقدم العلوم والمعارف المستجدة في عصرنا. ينبغي علينا اليوم أن لاّ نفتقر للحسّ النقد التاريخي والتدقيق في دراسة موروثنا من الخطاب الديني كنصّ قابل للنقد وتجديد بنيانه الذي أصبح اليوم عاجزا عن الوفاء بمتطلبات روح العصر وحاجات العقل الإسلامي اليوم. فضلا عن ضرورة أن نتعرف على آفاق الحاضر، ونستبصر أو نستشرف متطلبات مستقبلنا.

 لقد شدد الغرباوي على ضرورة الخروج عن المناهج التقليدية في الاجتهاد والتفكير وأهمية بعث أسس وأدوات نظر معاصرة عقليّة نقديّة للموروث الخطابي الدينيّ، وتخطي تلك النظرة التقليديّة التي حرمت لقرون طويلة المساس بحرمة وقدسيّة الخطاب الديني على وصفه "نساقاً مقدسا وعميقاً" وحداً نهائياً، قادر على انتاج الأسئلة والأجوبة لكل زمان ومكان. خطابات في نظره قد ساهمت في تعطيل العقل العربي الإسلامي، عود على بدء بدايتها نهاية ونهايتها نقطة. كتاب أراد صاحبه من خلاله أن يتخطى ما هو مكرر في الكتابات الإسلاميّة المماثلة (حسن البنا، يوسف القرضاوي، محمد عبده...) وغيرهم إن من حيث عنوانه، أو مضامينه، أو عناوين مباحثه (الاستبداد العربي، الجهاد والاجتهاد في الإسلام، مشروع تحرير المرأة) وجرأة محتواه وأهدافه في الكشف عن حدود حقل فاعليات الدين وآثاره الايجابيّة البناءة. مقدما بذلك مشروعه الاصلاحي الجديد من صلب التجربة العراقية المتنوعة والمتمثل في جملة من التنبيهات والمحاولات الاصلاحية أهمها:

- صيانة قيم العدالة والمساواة في مجتمعاتنا العربيّة وتجريم الممارسات التي تفرق بين أفراد المجتمع الواحد جغرافيا أو تاريخيا أو دينيا أو ثقافيا.

- محاصرة كل أنواع الخطابات وأشكال الممارسات المتطرفة.

- ضرورة الوعي الحضاري للتاريخ وأحداثه وتطوراته الذي يؤهلنا لاستيعاب النقاط الإيجابية من تاريخنا.

- حاجة المسلم اليوم إلى رؤية دينيّة تؤهله للعيش وفق قواعد إلتزاماته الدينية المتوافقة مع مستجدات زمانه وتطوراته المتلاحقة.

- ضبط سلوك الإنسان والعمل على تهذيبه والإعلاء من شأن الاعتبارات الدينيّة والأخلاقيّة التي تسيّره.

- محاولة استئصال القيّم الجامدة واستبدالها بقيم جديدة والترويج لقيم المحبّة والسلام والتسامح بين الأنا والآخر.

- تقديم رؤية للظواهر ضمن إطارها التاريخي وأنساقها المعرفية والثقافية التي تأسست في خضمها.

- تقديم اجراءات من الواقع بعيدا عن التنظير والمثل.

- تفكيك مصادر الخطاب والإشارة إلى الوجدان المتورم وإلى العاطفة الوجدانيّة الجارفة التي حولت العقل الديني إلى عقل أزمة أو عقل مونولوج وتيار شعور ساهم في تحوّله إلى خطاب حركي خطير.

- تقديم فهمً جديدًا للحياة، للفرد وللشعب والوطن بعيدا عن العصبيّة القبلية.

- الدعوة إلى ضرورة سدّ الثغرة الراهنة في المجتمع عن طريق الإصلاح والتغيير الخطاب الديني القديم في بعض جوانبه وتكييّفه بما ينسجم مع تحديات العصر بفهم جديد ليس هو التغريب وليس هو التأويل المخل الذي يصطدم مع النصوص الشرعيّة الصريحة والذي يجعل منها ذات دورا ثانويا أمام متطلبات العصر ووقائعه وحاجاته وإنما هو التجديد الذي يعود بنا إلى النصّ الأصليّ و إلى الأصول الإسلاميّة الأولى الصحيحة. فالمجتمع المسلم مأمور بتجديد إيمانه من كل ما علق به من أسباب الضعف والبلى والخضوع والانحراف.

- صدّ كل أشكال العنف السائدة في المجتمع بالتسامح لأن أرضية التسامح هي معارك حرية التفكير والتعبير والعقيدة الدينية.

الإعتراف بالآخر الذي هو أصل التسامح وجوهره.

- لا بد من تحديد التمايز الحاصل بين الدين بصفته مصدرا والخطاب الديني بصفته تمظهرا.

- تحديد مفهوم التجديد وآلياته، كالاجتهاد ودوره في التجديد.

- تحديث الخطاب الديني وتجديده بما يتناسب ومعطيات الحضارة المعاصرة

- تخطي الحلول الجاهزة التي ارتضاها المسلمون نتيجة ظروف ومعطيات تاريخية وحضارية وسياسيّة قد تجاوزها الزمن والركب الحضاري المعاصر

- التنبيه إلى ضرورة عودة المسلم إلى القرآن ليستمد منه القواعد الصحيحة للسلوك السوي في جميع مجالات الحياة.

- ضرورة التنبه والوعي التام بالحقائق الأساسية ذات الأولوية في حياتنا كمسلمين من حقوق المواطنة وسيادة القانون وتعدد المرجعيات ومراجعة الأنساق التي تحكمنا وتسيطر على تركيباتنا الذهنية في التفكير

- الوعي بأن الحلول في هذا الميدان لا تكون إلا في نطاق الواقعية والممارسة الحرّة بعيدا عن التنظير والمثالية لأن هذا الوعي الثقافي لا يمكن أن يلامس الواقع إلا في إطار تلاقح الأفكار وخلق فضاءات أرحب للحوار بعيدا عن منطق الهدي والارشاد الذي تمتهنه بعض الجماعات والجمعيات.

 

خاتمة

وفق منظور ماجد الغرباوي تتأسس ايتيقا الأنا من خلال اللقاء المتكامل بالآخر وبهذا المعنى فهو تعبير عن تجل لوجود خاص من أجل وجود عام، لا يكتسب تحديداته الجوهرية الخاص، التي يصبح عبرها نوعا، لا امتدادا إلا في علاقته بالآخر، الذي يكون وجوده سابقا وكائنا على وجود أية ذاتية، فالأنا الذاتي لا يتحدد إلا إذا كان هناك آخر ذاتي يسبقها في الزمن داخل زمانية التفاعل الإنساني، هذا الذي يضمن شرط انفتاح الذاتيّة على الغيرية ويجعل أفق الكونية ممكن موافقة وتوافقا عبر سمّة التسامح مع الآخر.[19] فأخلاق التسامح والتفاعلية هي مبدأ اعلاء من قيمة الحياة والإبداع التي تقوم على الإلتحام بالوجود والآخر" واحترام خياراته وأسلوبه في اغناء تجربة الحياة المشتركة، وكل حياة مشتركة خلاقة."[20] رغم يقيننا بأن التسامح لابد وأن يحمل قسطا من الشّر معنى ذلك أنّ التسامح لا يمكن أن يكون قيمة مطلقة، أي أنّه مكره بفعل مشيئة كل فرد على الفعل وفق القواعد الكونيّة والإنسانيّة والأخلاقيّة والقانونيّة والأعراف الإجتماعيّة والقبليّة المترسخة في ذهنيّة الفرد من الناحيتين النظريّة والعمليّة. لكن مطلب الحياة يبقى غاية الإنسان الحقّ والمؤمن بأن الله وحده هو الذي يستحق أن يحيا اللإنسان ويموت في سبيله وهذا لا يتحقق إلا في صلب مجتمع مثالي يتعايش فيه وبسماحة كل إنسان مسلم مؤمن وأناس غير مسلمين، وهذا المجتمع لا يكون غير المجتمع الإسلامي الحق الذي يقبل ان يكون بين أفراده يهودا ومسيحيين وفئات لا تؤمن بنبيّ ولا كتاب. أليس هذا هو الوجه المثالي للتسامح الحق؟

لقد رفض الغرباوي في كتابه التسامح على أساس المنة والتفضل ودعا الى قيام التسامح على أساس مشاركة الآخر لنا بالحقيقة، ولو بجزئها، وحينئذ لا توجد منه ولا يوجد تفضل، بل هو شريك حقيقي لنا.

 

عفاف المحضي: فهم التسامح.. قراءة في كتاب التسامح ومنابع اللاتسامح فرص التعايش بين الأديان والثقافات لماجد الغرباوي (1-2)

 

 عفاف المحضي – طالبة كتوراه / تونس

...............................

قائمة المصادر والمراجع

I.قائمة المصادر:

- القرآن الكريم

- ماجد الغرباوي التسامح ومنابع اللاتسامح (فرص التعايش بين الأديان والثقافات) مؤسسة العارف للمطبوعات الطبعة الأولى بيروت- لبنان 2008

II.قائمة المراجع:

- جون لوك: رسالة في التسامح: ترجمة منّة ابو سنّة، تقديم ومراجعة مراد وهبّه المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة- 1997

- عبد العزيز بو مسهولي: مبادئ فلسفة التعايش، أفريقيا الشرق- المغرب 2013

- عبد الرزاق عيد : سدنة هياكل الوهم/ نقد العقل الفقهي، يوسف القرضاوي بين التسامح والارهاب دار الطليعة بيروت، رابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى، سبتمبر 2005

- محمد أحمد حسونة بك ومحمد خليفة التونسي التسامح في الإسلام: الأسس النفسيّة والاجتماعيّة في الإسلام مطابع دار الكتاب العربي بمصر محمد حلمي المنياوي

- ناجي البكوش : دراسات في التسامح، التسامح عماد حقوق الإنسان المعهد العربي لحقوق الإنسان والمجمع التونسي بيت الحكمة – نشريات الشمال - تونس 1995

- يوسف القرضاوي: كلمات في الوسطيّة الإسلاميّة ومعالمها، دار الشروق- القاهرة الطبعة الثالثة سنة 2008

- -----------------: الإسلام والعنف نظرات تأصيليّة دار الشروق– القاهرة 2010

 

III.قائمة المقالات الإلكترونية:

- محمد محفوظ : التحليل الثقافي لظاهرة العنف الديني مركز أفاق للدراسات والبحوث حرر في 5/12/2015

- لبنى الرامي - مولاي مروان العلوي

- فؤاد عاقل : تجديد الخطاب الديني: الاجتهاد نموذجا"- مركز أفاق للدراسات والبحوث حرر في: 31/08/2015

- موقع منظمة اليونسكو www.unesco.org

 

الهوامش

[1]- المعجم الوسيط: ج1 ابراهيم المصطفى، أحمد حسن الزيات، حامد عبد القادر محمد علي النجار: المكتبة الإسلاميّة للطباعة والنشر والتوزيع اسطنبول- تركيا (د.ت) باب السين مادة (سمح) ص 447

[2]- انظر كتاب رسالة في التسامح: جون لوك، المجلس الأعلى للثقافة 1997

[3]- موقع منظمة اليونسكو: www.unesco.org

[4]- التسامح في الإسلام: محمد أحمد حسونة بك ومحمد خليفة التونسي: الأسس النفسية والاجتماعية في الإسلام مطابع دار الكتاب العربي بمصر محمد حلمي المنياوي ص 29

[5]- ن.م: ص 50

[6]- ماجد الغرباوي: التسامح ومنابع اللاتسامح: ص 16

[7]- عبد الرزاق عيد: سدنة هياكل الوهم/ نقد العقل الفقهي، يوسف القرضاوي بين التسامح والارهاب دار الطليعة بيروت الطبعة الأولى، سبتمبر 2005 ص 210

8- محمد محفوظ: التحليل الثقافي لظاهرة العنف الديني مركز أفاق للدراسات والبحوث حرر في 5/12/2015

[9]- ن.م: التحليل الثقافي لظاهرة العنف الديني

[10]- ماجدالغرباوي: التسامح ومنابع اللاتسامح: ص 70

[11]- ماجد الغرباوي: التسامح ومنابع اللاّتسامح، ص 69

[12]- دراسات في التسامح: ناجي البكوش، التسامح عماد حقوق الإنسان المعهد العربي لحقوق الانسان والمجمع التونسي بيت الحكمة – نشريات الشمال - تونس 1995 ص 9-10

[13]- ن،م: ص 70

[14]- النصّ الديني والخطاب الديني: النصّ هو كل ما ثبت وروده عن الله سبحانه وتعالى وعن رسوله صلّ الله عليه وسلم، وهو فوق المحاسبة أو الإتهام، ويعتبر أصلا لا يمكن المساس به، فهو نص مقدس معجز صالح لكل زمان ومكان، مرتبط بالوحي، يأتي في مقدمة الأدلة الشرعية والحجج الدينية التي لا يمكن دحضها والمنزهة عن كل تحريف وشبهة. لهذا يشكل النص الديني الشكل الثابت الذي يمثل أساس الدين وكنهه سواء كان متعلقا بالعقائد أو بالعبادات أو بالمعاملات أو بالأخلاق. أما الخطاب الديني هو الخطاب الذي ينطلق من الرؤية الدينية مرجعا، فهو ما يستبطنه ويفهمه ويفسره الفقهاء والعلماء من النص الديني أو مصادر الاجتهاد. وهو الواسطة بين الناس وبين القرآن والسنة والتي توضح الإسلام وما فيه من أحكام، فهو طريقة ومنهاج في التفكير والتصور وفي التعبير عن الأفكار والتصورات. وما يميز الخطاب الديني هو معيار الثابت والمتغير ويحكم هذا التمايز كيفية فهمه واعتباره سواء من قبل منتج الخطاب أم من لدن متلقيه، ذلك أنه لا يكتسب من موضوعه -الدين- قداسته وإطلاقه. لا بد من التمييز والفصل بين الدين والفكر الديني، فالدين هو مجموعة النصوص المقدسة الثابتة تاريخيا، في حين أن الفكر الديني هو الاجتهادات البشرية لفهم تلك النصوص وتأويلها واستخراج دلالتها. ومن الطبيعي أن تختلف الاجتهادات من عصر إلى عصر، بل ومن الطبيعي أيضا أن تختلف من بيئة-واقع اجتماعي تاريخي جغرافي عرقي محدد-إلى بيئة في إطار بعينه، وأن تتعدد الاجتهادات بنفس القدر من مفكر إلى مفكر داخل البيئة المعينة. آنظر مقال بعنوان "تجديد الخطاب الديني: الاجتهاد نموذجا"لبنى الرامي - مولاي مروان العلوي - فؤاد عاقل - مركز أفاق للدراسات والبحوث حرر في: 31/08/2015

[15]- ماجد الغرباوي: التسامح ومنابع اللاّتسامح ص 74

[16]- ماجد الغرباوي التسامح ومنابع اللاّتسامح: ص 100

[17]- ن.م: ص 109-110

[18]- عبد العزيز بو مسهولي: مبادئ فلسفة التعايش، أفريقيا الشرق- المغرب 2013 ص 66

[19]- انظر كتاب مبادئ فلسفة التعايش، لعبد العزيز بو مسهولي ص 188

[20]- ن.م: ص 190