بأقلامهم (حول منجزه)

صلاح حزام: ماجد الغرباوي المفكر التنويري المثابر

عندما هممت بالكتابة عن الأستاذ ماجد الغرباوي ومساهماته الكبيرة التي تصب في عنوان واحد واسع هو: التنوير، والتي تتشكل من عدة اعمدة يقوم فوقها مشروعه التنويري، تساءلت بداية عما يربطني بهذا الرجل/ القامة !!!

أنا اقتصادي واعمل منذ ثلاثين سنة في ميدان التنمية البشرية المستدامة، وهذا المنهج التنموي الحديث يقوم على فكرة مركزية الانسان في التنمية (تنمية الانسان بواسطة الانسان ومن اجل الانسان).

مركزية الانسان في الفكر الديني هي واحدة من منطلقات ماجد الغرباوي الاساسية في نشاطه الفكري التنويري. وهذا الرابط الفكري زاد من اهتمامي ومتابعاتي للانتاج الفكري لماجد الغرباوي وساعدني في توسيع المنظور الذي امتلكه حول الدور المركزي للانسان في التنمية بكل ابعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي يلعب فيها الفكر الديني دوراً مهماً في عالمنا الاسلامي .

 فبعض الاتجاهات الفقهية قد تدعو الى حرمان المرأة من التعليم وحرمانها من العمل والمشاركة الاقتصادية ومن ممارسة النشاط السياسي والاجتماعي، وبذلك يعطل تنمية وتطّور نصف المجتمع.

الفقه المتشدد والمتطرف قد يدعو لمقاطعة الاجانب بحجة انهم كفّار ويحرم البلد من الخبرات والمهارات والاسواق والتكنولوجيا والاستثمارات الخ.

وهكذا فإن الفقه المتفتح والذي يحترم العقل والعقلانية ويحترم الحياة الانسانية ويدعو الى التنمية والتطور وعمارة الارض، ذلك النوع من الفقه وذلك النوع من التفكير والتأويل العقلاني المنطقي للنصوص، ذلك هو ما اتمنى سيادته لدعم جهدي وجهد غيري من العاملين في ميدان التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

بعد هذه المقدمة التي اردت من خلالها تسليط الضوء على الرابط الفكري بيني وبين الأستاذ ماجد وهو يصب في صميم اهتماماتي المهنية، اذهب الآن الى الاعمدة او المرتكزات الاساسية لمشروعه التنويري النهضوي كما اراها أنا ولا ادعي المقدرة على الاحاطة بكل جوانب ذلك المشروع الواسع.

- الدعوة الى العقلانية واستخدام العقل:

من اكبر اشكاليات الفكر الديني هي قضية تحييد العقل واستبعاده من تحليل ودراسة وتأمل القضايا الكبرى في الدين.

لقد شاعت ظاهرة الركون الى تفاسير وتأويلات القدماء بغض النظر عن عقلانيتها او منطقيتها او اتساقها مع مجمل الاتجاهات الدينية والثوابت الألهية. بل ان البعض يحذر بقوة من اللجوء الى العقل ووجوب الاعتماد على تأويلات وآراء الشيوخ القدماء. وهنا تأتي دعوات وجهود الأستاذ ماجد الدؤوبة لمناهضة هذا الاتجاه الخطير .

ومن يراجع مؤلفات الأستاذ ماجد سوف يتأكد من حجم المساحة التي تحتلها قضية العقل والعقلانية في تلك الاعمال.

 - مركزية الاخلاق في الجهد الفقهي:

تحتل قضية الاخلاق وتعريفها وموقف الفقه بكل تياراته منها، مركزاً مهماً في اعمال الأستاذ ماجد.. حيث يرى ان الدين هو الاستقامة او هكذا ينبغي ان يكون .. الميزان الاخلاقي للتفسير والتأويل واصدار الاحكام يجب ان يكون حاضراً ...

يقول رسول الله ( ص): انما بُعثتُ لاتمم مكارم الأخلاق...

انه يختزل الغاية من البعثة النبوية بهدف واحد عظيم يجمع كل ما هو خير، انه الاخلاق..واذا تحقق ذلك الهدف الكبير يتحقق ماسواه..

الاخلاق من الناحية الفلسفية لاتعني دماثة الخلق والطيبة في التعامل مع الناس فقط بل هي تعني الالتزام بالاحكام والقواعد والقوانين المتفق عليها اجتماعياً (هذا اذا كانت وضعية) اضافة الى الالتزام بالاحكام الألهية كما يراها رسول الله..

- نزع القداسة عن النصوص والتراث (بمعنى السماح بنقدها وتحليلها):

وهذه في نظري تمثل المدخل الرئيسي للاصلاح والتحليل الموضوعي.. اذ بدون نزع القداسة عن التراث وعن النصوص والتأويلات القديمة التي قد تكون لاتعكس جوهر الاسلام الحقيقي، بدون ذلك لايمكن الخروج من قيود الماضي السحيق

ولايمكن الاستجابة للتطورات العلمية والبحثية الحديثة..

يجب السماح بمراجعة التراث ونصوصه المختلفة وان لايكون ذلك بمثابة خطوطاً حمراء ..

نزع القداسة لايعني اهانة النصوص او تقليل احترامها بل عدم التعامل معها باعتبارها من المحرمات ولايجوز الاقتراب منها ولا الاعتراض عليها وووجوب التسليم بكل ماجاء فيها.. ذلك هو القتل الحقيقي للعقل..

- ماجد الغرباوي وعلي شريعتي:

لطالما كنت معجباً بكتابات الأستاذ الراحل علي شريعتي، والذي دفع حياته ثمناً لمواقفه التنويرية التحررية.. لقد كان شريعتي من أشد المطالبين بتحرير العقل والخلاص من قيود الفقهاء التي حرّمت العقل والاستقلال الفكري والذين نصبوا انفسهم رسلاً بين الانسان وخالقه.. ومقابل شريعتي، فأن لدينا ماجد الغرباوي داعياً الى العقل والاخلاق والى صيانة كرامة الانسان.. اشعر بالسعادة عندما ارى استمرار خروج المفكرين الابطال.

- الأستاذ ماجد يكتب وينقد (ولا أقول ينتقد) ويحلل في شؤون الدين والعقيدة وهو يعيش في عصر خطير يختلط فيه الدين بالسياسة والمال والعمل الاستخباري (ذلك يحتاج بطولة اسطورية لمواجهة ذلك التحالف والاستعداد لتحمل النتائج).

***

د. صلاح حزام

...........................

* مشاركة (13) في ملف تكريم ماجد الغرباوي، الذي بادر مجموعة من كتاب المثقف الأعزاء إلى إعداده وتحريره، لمناسبة بلوغه السبعين عاما، وسيصدر كتاب التكريم لاحقا بجميع المشاركات: (شهادات، مقالات، قراءات نقدية ودراسات في منجزه الفكري).

رابط ملف تكريم ماجد الغرباوي

https://www.almothaqaf.com/foundation/aqlam-10