بأقلامهم (حول منجزه)

حسين علاوي: ماجد الغرباوي ومتاهات الحقيقة

بعد ان تحول التراث الفقهي، والفكر الديني المتحجر الى مقدس.. تقاس به الحقائق الأخرى وتفرض على مجتمعات متعددة الأديان والثقافات.. ويكفر من يعترض عليه وتسلب حريته وانسانيته.. وما اعطاه الخالق تميزاً له عن سائر المخلوقات مثل: العقل والحرية والارادة.. الا ان الانسان في الكثير من مجتمعاتنا الإسلامية والعربية اضحى مجرد آلة تنقل الكلام دون نظر أو تساؤل، أو بحث.. وبعد ان قيدت الثقافة الدينية وارتهنت في الكتب والبحوث الفقهية التراثية.. عالج الفقيه والمفكر ماجد الغرباوي من خلال مشروعه التنويري الكثير من القضايا المقيدة بين الدين و العقل.. ومواجهة التحديات التي تواجه المجتمع العربي والاسلامي..

واهتم الغرباوي بالأنساق المعرفية.. والقضايا الإيمانية.. وركز كفقيه ومفكر على الدين بوصفه تجربة روحية اجتماعية.. وشريعة واسلوب عمل متواصل.. لا يوجد فيه توقف و جمود وقداسة لأفراد... ولا فتوى تباع للحكام.. ولا يستطيع فرد ان يدعي تمثل الله في الارض.. وان الافكار فيه لا تتجمد على زمان ومكان محدد..

فاستطاع الاجابة على الأسئلة الكثيرة.. وتأصيل الخطاب الفكري والفقهي بعيداً فى متاهات الفكر والعقيدة.. وفي أكثر كتبه ودراساته قدم الغرباوي الكثير من الاشارات الجادة والمنطقية التي تفرض نفسها في جميع مراحل التفكير الانساني.. بل ان اغلب افراد الانسان وبجميع مستوياتهام الفكرية قد واجهوا هذه الاسئلة.. وليس هناك قوة في الكون تستطيع منع الانسان من التفكير والتجديد في حقه المعرفي و الوجودي.. وطرح القضايا التي تتعلق بمصيره.. فالانسان اساس الوجود وهو المحرك للوجود في البناء الاعمار.. وخليفة الله في الارض.. الا ان البعض من الفقهاء اعتبروا ان للفقه مجاله الخاص.. ونسي هؤلاء ان كل شيء شرع بالعقل.. وان من شروط اجتهاد الفقيه هو العقل.. فاعتبر الغرباوي ان التفكير العقلاني هو الطريق الوحيد لتحقيق منطق اقوى، و حجة علمية.. فكانت افكاره لها حضور كبير بين الأوساط المثقفة.. لما لها من بعد معرفي معاصر ومواكب لحركة الواقع والاحداث والافكار بعد ان عالج الكثير من الافكار من خلال بحثه الدائم (المتاهه) وادانه العقلية الدينية المتعصبة والمتحجرة والرافضة لكل تجديد يتناول جوهر الدين ويواكب حركة العصر والافكار.. فعالج الكثير من متاهات الحقيقة في المقدس..

وفي التراجيديا.. وفي المضمرات.. وفي الفقيه والعقل التراتي.. وفي الهوية والفعل الحضاري والنص وسؤال الحقيقة.. ونقد مرجعات التفكير الديني.. ودراسات نقدية للحركات الاسلامية المعاصرة.. واعتبر الغرباوي ان العقلية الدينية القائمة على الايمان الاعمى والاستسلام الكلي للاوآمر الدينية، تقوم على اساس غير منطقي لا يمتلك مرونة وقدرة على التطور.. ويؤكد على ضرورة الانفتاح على المعرفة والتعليم المثمر.. والانفتاح على الأديان والثقافات الأخرى معتبراً انه الطريق الامثل للتعايش و التعاون مع التأكيد على ان الدين يجب ان يكون وسيلة للسلام والمحبة..

وبما ان التسامح ضرورة حياتية تبقى الحاجة اليها قائمة ما دام هناك من يمارس العنف والاقصاء والتكفير، ويرفض التعايش السلمي مع الآخر المختلف.. بل الحاجة الى التسامح تستند مع اتساع التنوع الاثني: والديني لامتصاص تداعيات الاحتقان بين القوميات والثقافات والأديان، والخروج بها من دائرة المواجهة الى مستوى التعايش والانسجام... فقدم كتابه المهم في التسامح واللا تسامح.. والذي طبعه وترجمه الى اكثر من لغة.

فهو يعتقد ان كل ما يجري في عالمنا بسبب غياب مفهوم التسامح وانه لاخبار امام ثقافة الموت والاحتراب والعداء والاقصاء المتفشية في كل مكان سوى قيم التسامح.فالغرباوي ومن خلال مشروعه الحداثي يسعى الى تحرير العقل من بنيته الاسطورية واعادة فهم الدين على اساس مركزية الانسان فى الحياة.. وترشيد الوعي عبر تحریر الخطاب الديني من سطوة التراث وتداعيات العقل التقليدي.. من خلال قراءة ومراجعة للنص، من اجل فهم متجدد للدين، كشرط اساس لأي نهوض حضاري، يساهم في ترشيد قيم الحرية والتسامح والعدالة.. في اطار مجتمع مدني خالٍ من العنف و التنابذ والاحتراب یواكب حركة العصر والافكار.. ويرفض الجمود والمراوحة على افكار عفى عليها الزمن.. أو اضحت خارج العصر الذي نعيشه.. بعد ان جعلت الزمان الذي نعيشه كله ماضياً.. والمستقبل مجرد مجال لتحقيق الماضي.. وما على الحاضر الى ان يقتدي به.. أو ينسج على منواله.. فرفض الغرباوي هذه البنية الفكرية التي لا يكون فيها الحاضر أو المستقبل إلا انعكاساً للماضي.

***

حسين علاوي – أديب وكاتب عراقي

..................

* مشاركة (20) في ملف تكريم ماجد الغرباوي، الذي بادر مجموعة من كتاب المثقف الأعزاء إلى إعداده وتحريره، لمناسبة بلوغه السبعين عاما، وسيصدر كتاب التكريم لاحقا بجميع المشاركات: (شهادات، مقالات، قراءات نقدية ودراسات في منجزه الفكري).

رابط ملف تكريم ماجد الغرباوي

https://www.almothaqaf.com/foundation/aqlam-10