بأقلامهم (حول منجزه)

هيام الفرشيشي: التسامح ومنابع اللاتسامح لماجد الغرباوي

لعل اختياري لهذا الكتاب مبرره ما نعيشه من تحولات اجتماعية وسياسية، بعد الثورة وظهور عنف جديد، يتمثل في بروز الفكر الجهادي، وبعض نواتات الإرهاب. وهو في الحقيقة نتاج دكتاتورية استبدادية. لذلك ارتأى الباحث أن الخطوة الأولى تقتصر على ضخ سيل من الثقافة النقدية القادرة على النفاذ إلى أعماق اللاوعي لتفكيك البنى المعرفية القديمة وتأهيلها لاستقبال نمط فكري وثقافي جديد يعمل في إطار قيم التسامح. وأن يطال الخطاب النقدي جميع البنى الاجتماعية وعلى كافة المستويات.

فالنقد يتوجه نحو تفكيك مفاهيم اللاتسامح والاستبداد المتجذر في اللاوعي، بدءا من تفكيك مفهوم الأب لكي لا يبقى أب الأسرة / رجل الدين/ المفكر / السياسي / المثقف يفترض لنفسه سلطات اجتماعية وأخلاقية غالبا ما تكون قمعية استبدادية. فالخطاب النقدي مدعو للتوغل داخل هذه المفاهيم لتفكيكها بعد تحديد الأسس التي قامت عليها ومعرفة المرجعيات التي استندت اليها. هل مصدرها بشري أم الاهي ؟ اجتماعية أم سياسية؟ أعراف وتقاليد أم مصاديق دينية أو غير ذلك. وذك لكي لا يقبع النظام الأبوي في كل زاوية وكل مكان. كما أن تلك السلطات تفاقمت حتى أصبح المجتمع وفق بعض الرؤى الأبوية أفرادا قاصرين بحاجة إلى الرعاية والأبوة، ويجب إدارتهم وتدبيرهم، ويفرض عليهم الأمر والطاعة والامتثال، وإلا فالعقاب في الدنيا واللعنة في الآخرة لكل من يتمرد على سلطة الأب.. وبالتالي يجب العمل على استتباب قيم تقوم أساسا على رفض القمع والاستبداد والاعتراف بالآخر وإن كان مختلفا..

كيف نتصور قيام مجتمع متسامح في ظل خطاب تكفيري يعتبر المجتمع الإسلامي الراهن مجتمعا جاهليا تجري عليه أحكام الجاهلية؟ هذا النمط من الخطاب ينتج حركات إسلامية متطرفة تبيح قتل المسلمين. لنفهم أن كل خطوات قيام مجتمع متسامح تبدأ من العقل، تبدأ من نقد الأنساق المعرفية، تبدأ من نقد العقيدة، والفكر، والثقافة ليصار إلى فهم بديل للدين والحياة والمجتمع يساعد على استتباب قيم التسامح. إذ السلوك والأفعال الخارجية والمواقف لا تصدر إلا عن فكر مؤسس داخل العقل، ولا تنطلق إلا في ضوء المفاهيم ومقولات متجذرة في اللاوعي.

ويرى الباحث بأن إرساء أسس التسامح يؤهل المجتمع لاحتضان قيم التسامح وتبدأ من حقوق المواطنة، قإذا كان المجتمع غير مهيء نفسيا وفكريا وثقافيا للاعتراف بالآخرين لأي سبب كان، فإن قبول الآخر وقبول التعايش معه تفرضه وحدة الوطن، من أجل استتباب الأوضاع واستقرار الأمن والسلام. من هنا تكون حقوق المواطنة إحدى الأسس الكفيلة بإرساء ثقافة التسامح داخل المجتمع ولو بشكل مرحلي. ولكن كيف يقع استخلاص بين الولاءات بحيث يبقى الولاء للوطن متقدما للحفاظ على وحدته وانسجامه وتجانسه في إطار المواطنة. 

ولاء الوطن، بمعنى الولاء إلى قوانين البلد إذا كانت قوانين تعبر عن إرادة الشعب وتضمن حقوق الجميع بشكل متساو. كما تستطيع النخب السياسية والدينية التوافر على قواعد شعبية تصل من خلالها إلى فرض إرادتها بشكل قانوني، لكن لا يحق لأي أحد التمرد على القانون واستخدام العنف للوصول إلى أهدافه، لأنه كما هو مفترض قادر على تحقيق ذلك بالطرق السلمية دون اللجوء للقوة والعنف. ولتكريس قيم التسامح لا بد إذن من سيادة القانون فهو الأساس الثاني لقيم التسامح بعد المواطنة.

وإذا اقتضت مصلحة الوطن تشريع قدر من الحرية الشخصية يتنافى مع قيم الدين الحنيف فما هو العمل؟ وهل يبقى وفيا لقرارات الدولة أم يتخلى عنها لصالح الدين وأحكامه الشرعية؟ ..إذا كان الحكم منتخبا فإن القانون هو الذي يوجه حركة المجتمع والسلطة وينظم الحريات ويوفر الأمن ويحمي المواطنين على تنوعهم واختلافهم. وحينما يسمح القانون بهذا الحجم من الحرية، يسمح بها وفقا صلاحيات ممضاة من قبل الشعب نفسه، فيكون هو المسؤول عن ذلك وعليه أن يتحمل تداعيات اختياره.

*** 

هيام الفرشيشي - تونس

 قاصة وكاتبة