بأقلامهم (حول منجزه)

"التسامح واللاتسامح" لماجد الغرباوي .. لئلاّ يكون الجهد سوى في المحلّ العالي

جوهر الردّ على إسلام يأكل كبد إسلام حاضر يمكن العثور عليه بيُسر في القرآن الكريم، إلاّ أنّ الذين يكرهون الآخر ولا يقرّون وجوداً له لا طائفيّاً ولا مذهبيّاً يرون لمسافة محدودة أنّ آية القتال،  ولا يجوز تسميتها بآية الجهاد باعتبار أنّ "الجهاد" أوسع وأشمل وأبعد وأعمق من "القتال"، يرون أنّ آية القتال موافقة لكلّ زمان ومكان. أو الصورة هي أنّ القرآن الكريم أصله في الرحمة والعفو والغفران والتسامح والمحبّة والإعتراف بالآخر، وأكثر ما يتجلّى هذا الأصل في السور المكيّة التي استغرق نزولها ثلاث عشرة سنة، فيما العابر هو ما استجدّ حيث أغلظ الشرك للإيمان الناشىء واعتزم أن يستأصل شأفته. وما الواقع الممزّق الذي تُزهق فيه الأرواح في معظم العرب والمسلمين ومنهم العراقيين إلاّ لأنّ الفهم المعاكس هو السائد.

ولكي تعود المياه إلى جداولها ويعمّ الخير لا بدّ من تفكيك خطاب الفهم المعاكس وإثبات أنّه متهافت، وهذا بالضبط ما يطمح إليه ماجد الغرباوي في كتابه "التسامح واللاتسامح ـ فرص التعايش بين الأديان والثقافات" الذي صدر في بغداد عن مركز دراسات فلسفة الدين ضمن سلسلة "ثقافة التسامح".

ويتعمّق الكاتب في مفهوم التسامح مقِرّاً أنّ التسامح يفترض يداً أعلى من يد لكنّه في آن مقيّد بالفهم المعاصر لناحية قبول الآخر كما هو وعلى ما هو ومن يكون وأينما يكون وعدم الإنقطاع في الحوار من مدخل التكامل وليس من مدخل الهداية التي تفترض أن الواقف على الضفّة الثانية هو كافر، وليس إذا اهتدى فله وإذا لم يخلع عنه الضلال فليس هو على ما لم يخلع وحسابه هو في العالم الآخر كما جوهر الكتاب، بل يجب أن يستعدّ لحرب ضروس تسيل فيها النفوس.

ويطلّ الكاتب على مفهوم المواطنة الذي يليق بالوطن الحقّ حيث الناس كأسنان المشط في الحقوق والواجبات بغضّ النظر عن أي هويّة أخرى بالوراثة أو بالإختيار، أي على عكس القبيلة مثالاً لا حصراً التي لا تقيم وزناً للكفاءة وتُقدِّم اعتبارات لا سلطان فيها لكي يتصدّر المتصدِّرون ومنها اللون والعرق أو الدم أو النسب.

ويقف الكاتب من حديث الفرقة الناجية موقفاً، فهو لا يراه إلاّ موضوعاً ولا سويّة فيه ويؤسّس لاحتراب ظالم لا نهائي وهو الحديث الذي لم يرد لا في خزنة صحيح الإمام البخاري ولا في خزنة صحيح الإمام مسلم ويتطيّر منه العلاّمة السيّد محمّد حسين فضل الله الذي يقول في معرض التطرّق إليه: "لم يثبت عندنا صحّة هذا الحديث من جهة السند فلا مجال للإعتماد عليه كما أنّ دلالته قد تخلق بعض المشاكل المعقّدة باعتبار كلّ فرقة ذاتها بأنّها الإسلام وغيرها الكفر أو أنّها الهدى فيما الآخرون هم الضلال".

وزبدة كتاب "التسامح واللاتسامح .." هي نبذ العنف بكلّ أشكاله وأخصّه الدموي. والحقّ أنّ الكاتب راسخ في ثقافته الإسلاميّة التسامحيّة حتى أبعد آفاقها ولا يخشى معها ومع الإسلام الحضاري ومع الله تعالى لومة لائم ويقارب موضوعه بجلاء من أكثر من ناحية ولا تعوزه كفاءة الإستشهادات من الكتاب الكريم والسنّة النبويّة الشريفة والصحابة رضي الله عنهم والتاريخ والوقائع ومنطق العقل المعاصر. إنّما تبقى ركائز: هل النزاع حول النصّ المقدّس أم في ما يمكن أن توضع اليد عليه؟ هل هو في التفسير والتأويل أم في تضادّ المصالح؟ ماذا عن واقع أنّ مصلحة الحكّام في اختلاف المحكومين؟ ما هو دور الإحتلال في تأجيج الفتن وانقلاب الحال إلى أسوأ منقلَب؟ وأسئلة أخرى يكون الجهد معها أيضاً في المحلّ العالي.

    ***

شوقي مسلماني - استراليا

...................

كتاب التسامح ومنابع اللاتسامح ... فرص التعايش بين الاديان والثقافات، صدر بطبعتين، الاولى عن مركز دراسات فلسفة الدين / بغداد .. والطبعة الثانية عن مركز الحضارة في بغداد ودار العارف في بيروت.