أقلام حرة

زواج القاصرات

تركت العابها والدمى، كتبها، اقلامها، كراريسها وعلبة الالوان، حقيبتها، شرائطها وصندوق صغير جمعت فيه مقتنياتها واكسسوارتها التي تعتبرها اغلى ماتملك مع خزين كبير من الذكريات، اخواتها الصغيرات اللائي ينتظرن الدور، ونظراتهن المغرورقة بالحنين اليها، روحها وضحكاتها التي تركتها على جدران البيت الذي احتضن طفولتها، ذاهبة الى حياة اخرى اسموها ظلما "زواج".

يعرف القاصر بانه كل انسان تحت سن الثمانية عشر ولازال يعيش في سن الطفولة او المراهقة ويرتبط ارتباطا مباشرا باسرته، وتحت وصاية ولي امره، لانه غير قادر على تحمل مسؤولية نفسه قانونيا ومجتمعيا.

ان ظاهرة زواج القاصرات المنتشرة على مستوى العالم عموما ومجتمعاتنا العربية على وجه الخصوص، باتت ظاهرة تغزو المجتمع وتهز اركانه بشكل لافت بل وتشرعنها القوانين تحت اي ذريعة وتلك هي الطامة الكبرى.

ان زواج القاصرات لهي جريمة انسانية بحق الفتاة "الطفلة" التي اوهمت بانها اصبحت امراة وزينت لها الحياة على انها "فستان ابيض" وعرس وهدايا ومهنئين ووووو..الخ

وما ان تنتقل هذه العروس "الطفلة" الى بيت الزوجية -والذي غالبا مايكون غرفة مع اهل الزوج-وهي في هذا السن الصغير الذي لم يكتمل فيه حتى نموها الجسماني، ناهيك عن تفكيرها"الفتي" الذي تشبث باعمدة الطفولة بكل مايملك من قوة، تاركة ملاعب طفولتها لتلعب دور الزوجة وترتدي ثوبا اكبر من مقاسها بكثير مع زوج هو الاخر اكبر من مقاسها بكثير عمرا وتفكيرا، تدخل هذه الطفلة معترك الحياة الزوجية مرغمة، لاتملك ادنى فكرة عما ستواجهه من مصاعب، غير قادرةعلى ان تكون بحجم المسؤولية المناطة اليها، غيرة مستعدة لترك الحضن الذي كانت تنعم معه بالطمانينة، تجد نفسها بين ليلة وضحاها زوجة مع سبق الاصرار يطلب منها الكثير، وكنة يطلب منها الاكثر، وهذا مايجعلها تقف عاجزة، حائرة، باحثة عن هويتها وانتمائها، خصوصا اذا كانت تعيش مع اهل زوجها الذين مسخت من قلوبهم الرحمة والانسانية، والكل قد كشر عن ايابه متوعدا هذه-الامة- التي حلت عليهم ليمارس كل منهم عقده ويثبت ذاته وقوته في ظل تشجيع الزوج الذي اما ان يكون تابعا معدوم الشخصية لاحول ولاقوة له، او يكون اشد قسوة من الاهل فهذه الورقة من تلك الشجرة.

ان هذه الجريمة الانسانية التي يشترك فيها عدة اطراف لهي جريمة مع سبق الاصرار يدفع ثمنها الطفلة المسكينة التي تتحمل اعباءها دون رحمة، ومايترتب على هذا الزواج من تبعات واثار جسدية كون الفتاة لازالت صغيرة، علما ان الكثير من الفتيات يفقدن حياتهن بسبب ضعف اجسادهن وغضاضتها وعدم القدرة على تحمل المخاض العسير للولادة والانجاب، واثارنفسية لاحصر لها كونها دخلت الى حياة اخرى فجاة بانتقالها من الطفولة الى الزواج مباشرة دون المرور بالمراحل العمرية الطبيعية.

ان هذا الزواج-الصدمة- ينتج عنه تشوهات نفسية واجتماعية لاحصر لها يتقاسم ثمنها كل من الزوجة والاطفال، وقد يكون الطلاق في هذه الحالة "احسن الحلال" لان الذي يحصل الان في المجتمع كارثة بكل معنى الكلمة حالات هروب من بيت الزوجية وحالات انتحار نتيجة الضغوط الكثيرة التي لاتقوى على تحملها الفتاة في هذا العمر الصغير الذي غالبا ماتكون هي فيه بامس الحاجة للرعاية والاهتمام، وبتنا نسمع ونرى حالات يندى لها الجبين حيث تقدم الفتاة على اضرام النار في نفسها او يتولى الزوج او اهله هذه المهمة دون ان يرف لهم جفن.

ان اللجوء الى هذا النوع من الزيجات يعود الى اسباب منها:

- اسباب اقتصادية:حيث يساهم الفقر بالجزء الاعظم منه كوسيلة للتخلص من مسؤولية الفتاة التي وجدت نفسها بالحياة دونما ذنب.

- اجتماعية: وهذه تكثر في المجتمعات ذات الطابع العشائري والتي تدخل ضمن سياق العادات والتقاليد والتي تسعى من خلالها الى توطيد الاواصر-كما يعتقد- غير مكترثين باي شئ.

- دينية: وهذه ترجح زواج الفتاة لان الزواج يوفر لها الحماية"الستر" في مجتمع باتت فيه الانثى فريسة ومطمع للصغير والكبير، مع موجة الانفلات الذي يوفره النت .

واذا نظرنا الى الامر لوجدنا ان المستفيد الوحيد من هذه الزيجة هم الاهل الذين يريدون التخلص والتملص من مسؤولية الفتاة تاركين امرها الى الزوج متذرعين بذرائع واهية.

نحن امام ظاهرة تهز المنظومة الاجتماعية وتزعزع استقرارها لان المنظومة الاسرية يجب ان تكون قواعدها سليمة لكي تستطيع الاستمرار باسلوب صحي، لا ان تتصدع وتنكسر وتنهار امام اي عارض.

ان مسؤولية منع هذه الظاهرة يجب ان تتحملها الدولة عن طريق سن القوانين التي تمنع زواج القاصرات وفرض العقوبات على ولي الامر الذي يقوم بتزويج ابنته القاصر وحرمانها من طفولتها وانسانيتها وحقها بالتعليم الذي هو اساس الحياة، فالمطلوب وقفة جادة من قبل المحاكم المختصة ومنظمات المجتمع المدني التي تاخذ على عاتقها التوعية والارشاد والسعي لحماية ورعاية القاصرات في حال ارغمن على الزواج، كما ان علينا الانغفل مسؤولية الاعلام بالتوجيه والتثقيف لتوعية الاهل من اجل ضمان حقوق الفتيات من اجل بيئة صحية سليمة خالية من التعقيد.

يقول وليم شكسبير "الحياة في نظر الطفلة الصغيرة صياح وبكاء وفي نظر الفتاة اعتناء بالمظهر وفي نظر المراة زواج وفي نظر الزوجة تجربة قاسية".

 

مريم لطفي

 

 

في المثقف اليوم