أقلام حرة

العقيدة الدينية الشيعية في زمن الفتن والفساد والكورونا

شاكر الساعديمرة أخرى وفي عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات اثبتت العقيدة الدينية اهميتها وقدرتها على خلق الدول والشعوب وخير مثال على ذلك - دولة إسرائيل - فقد اجمعت الدراسات المستفيضة التي اجراها الباحثون والمفكرون من شتى انحاء العالم حول اسرائيل على انه لولا العقيدة الدينية لما قامت هذه الدولة من العدم كدولة لها ثقلها في العالم ولولاها لما حقق اليهود أي نصر عسكري مهما توفرت لهم من فنون الحروب وآلاتها الحديثة ولما ظهرت لديها تلك النهضة السريعة في السياسة والاقتصاد والعلوم والفنون، اذن العقيدة تعطي الانسان هدفا يتقن العمل من اجله بل يتمنى الموت من اجله حتى ينال ما وراء الموت من ثواب عظيم .

والسؤال الذي يطرح نفسه ..هل أستطاعات أكبر منظومة دينية في العراق بل في العالم الاسلامي بعد مشيخة الازهر في مصر .. المتمثلة بالحوزة الدينية في النجف الاشرف من بناء عقيدة دينية قوية للمسلمين العراقيين خصوصا ولبقية المسلمين في عموم بلاد العرب والإسلام عموما الذين تقدر نفوسهم مليار ونصف المليار مسلم 90% منهم على المذهب السني تقريبا على الرغم من التضحيات الجسيمة التي قدمتها تلك الحوزة منذ عام 1968 لغاية سقوط الدكتاتورية البغيضة في نيسان 2003 حينما قدمت خيرت رجالاتها على أيدي النظام الدكتاتوري البعثي طيلة (35) عام من الظلم والاضطهاد أمثال (الشهيد الأول محمد باقر الصدر والشهيد الثاني محمد صادق الصدر والبروجردي والغروي والسيد مهدي الحكيم ويوسف الحكيم.. وغيرهم) الجواب كلا للأسف الشديد للأسباب التالية : -

1- كثرت الاجتهادات من قبل رجال الدين وانقسام الناس الى مجموعات مختلفة كل مجموعة تقلد رجل دين يختلف عن الاخر في طروحاته الفقهية ولكل منهم جوامعه وحسينياته العبادية دون ان تكون لتلك المؤسسة زعيم ديني واحد كما كان سابقا في عهد السيد محسن الحكيم (رحمه الله) .

2- تسييس الدين من قبل بعض رجالاته وتكوين احزاب وتيارات سياسية ذات طابع ديني متناحرة سرياً فيما بينها مؤتلفة ظاهرياً تحت مسميات دينية و وطنية تطلق فتاوى سياسية فيها سم قاتل، ومن الخطاء ان يتلاعب كهنة السياسة بشيوخ ورجالات الدين ويزجوهم بمشاكلهم، كما يفعل البعض مع السيد السيستاني .

3- ارتباط بعض الاحزاب الدينية بدول اقليمية تتلقى الدعم والإسناد المالي والفكري منها جعلها غير مقبولة من قبل الكثيرين لاعتمادها اسلوب التهميش والتكفير والقتل والاغتيال للمعارضين لأفكارها الكلاسيكية أحياناً، وقد صار بعضهم رموزاً وقادة لإذكاء نار الفتنة من خلال ابرازهم في وسائل الإعلام المهمة بعد أن كانوا مغمورين لا أحد يعرفهم .

4- عدم تغيير البعض الطرق التقليدية في التعبير عن معتقداتهم الفكرية حتى الكثير منها أصبح غير مألوف حضارياً في الوقت الحاضر امثال التطبير والزنجيل ولطم الصدور عند الرجال، كذلك اشاعت ثقافة الحزن والبكاء الدائمين في المجتمع بمناسبة او بدون مناسبة، ولا بد أن يكون العلاج علاجاً فعالاً لاقتلاع جذور تلك الثقافات والعادات البالية من اجل تصحيح مفاهيم الاخرين عن الدين وتعاليمه وإحكامه وتقويم اعوجاج ابنائنا .

5- تحويل الدين من دين مقدس له قواعده وأصوله الثابتة الى دين شعبي مسموح للجميع التكلم فيه عن الامور الفقهية والتحريض والإساءة للآخرين التي تنطلق من بعض اصحاب المنابر الحسينية او مجالس العزاء الدينية والشخصية من الذين يرتزقون على السب والشتم على الخلافة الراشدة ودولة الاسلام بالاستناد على الروايات التاريخية التي لا يستند اليها في التعرف على الحكم الشرعي.

6- حالات الفساد المالي لدى الكثير من رجالات الدولة المحسوبين على التيار الديني جعل اغلب الناس ينفرون من الدين والتيار الديني بشكل عام . فالمشروع الاسلامي الحضاري اكبر من الاشخاص و كراسي الحكم، كونه مشروع هداية ورشاد وإصلاح وليس مشروع فساد اداري ومالي وأخلاقي .

7- كثرت القنوات الفضائية الدينية التي تتبنى الفرقة بين المسلمين وبين ابناء المذهب الواحد كل واحدة منها مرتبطة برجل دين مجتهد له ارائه وأفكاره الخاصة فمنهم المتشدد ومنهم المعتدل، والبعض منها تبث من خارج العراق ولا نعرف من يمولها . ناهيك عن الصحف والمجلات والنشرات الدورية التي تصدرها بعض المؤسسات المحسوبة على التيار الديني التي تغذي الفكر الطائفي في العراق وتتبناه وتروج للاختلاف وتكريس شقة النزاع وتوسيع دائرة التضارب كجزء من خطة ممنهجة لتشويه الشريعة الاسلامية وتمزيق الامة .

8- محاولات البعض من رجال الدين تحويل المذهب الى دين له قواعده ومعتقداته وطقوسه المتعارضة مع اراء وأفكار بقية المسلمين من خلال اشاعة عادات وتقاليد اضيفت الى الدين باعتبارها مقدسة والخروج عنها هو خروج عن الدين نفسه .

9- الرجوع الى التاريخ في الكثير من أحاديثهم بدلاً من الرجوع للقرآن والسنة النبوية وخاصة الاحداث التي توالت بعد وفاة الرسول محمد (ص) والتثقيف عليها من خلال المنابر والمحاضرات الدينية بمناسبة او بدون مناسبة باعتبار تلك الأحداث شرخ في مبادئ الدين وثقافته ونقطة ضعف في التاريخ العربي - الإسلامي .

من هنا تأتي أهمية تقوية المؤسسات الدينية وفي مقدمتها الحوزة الدينية في النجف الأشرف والوقفين الشيعي والسني حتى تنقي وتطرح الفكر الإسلامي الصحيح والمستنير، وهي قادرة على أن تتصدى لهذه الجماعات المكفرة التي تسعى للعودة بنا إلى العصر الجاهلي الأول، آذ تتنافر القبائل وتتناحر، ويجب على علماء الدين والمؤسسات الدينية ان يقفوا بحزم ضد هؤلاء الذين لم يفهموا الاسلام الحنيف ولم يدركوا عظمته في حماية النفس الانسانية . 

فهل تعلم أخي القارئ حينما دخل الجيش الإسرائيلي ارض سيناء عامي 1956 و 1967 نزل الجنود من سياراتهم ودباباتهم وخلعوا أحذيتهم واخذوا يقبلون الأرض التي تاه فيها أجدادهم وصلوا عليها قبل بدء المعركة، وهم لا يبدءون الحرب مطلقا يوم السبت لان الحرب في هذا اليوم حرام حتى مع أعدائهم .

فكيف بنا اليوم نقتل بعضنا بعضاً - يوم الجمعة - بالسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة وهو يوم مقدس لدى جميع المسلمين، ونسب بعضنا البعض من على المنابر في صلاة الجمعة الموحدة، بعدها نبكي على رموزنا الدينية من الصحابة والأولياء وأئمتنا الأطهار (عليهم السلام) .

وعلى الرغم من المكاسب التي جنيناها من حرية الرأي والكلمة، فأن انشغال العلماء والدعاة بالجوانب السياسية والطائفية المقيتة اكثر من قضايا الدين، وتحول أكثر القنوات الدينية التي تقوم بالتربية والأخلاق الى الشق السياسي وحياة الناس العامة بعيداُ عن حفظ القرآن والشؤون الدينية الاخرى اوجد فجوة كبيرة في المجتمع قادت الكثيرين الى التطرف والتعصب الطائفي الاعمى .

 

شاكر عبد موسى / العراق/ ميسان

 

 

في المثقف اليوم