أقلام حرة

لازال للوطن العربي من يفكر بمستقبله

قاسم المحبشيوصلتني اليوم دعوة كريمة من معهد البحوث والدراسات العربية التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الكسو) بجامعة الدول العربية للمشاركة في ندوته العلمية التاسعة المكرسة لبحث؛ الوطن العربي وتحديات المستقبل المزعم انعقادها في المعهد الموقر الكائن في القاهرة جردستي صباح يوم الخميس الموافق ٢٤ديسمبر ٢٠٢٠م. تلك الدعوة الكريمة أثارت في نفسي حالة شعورية إيجابية فيما يشبه الحلم والأمل بان ثمة مؤسسات علمية عربية لازالت تفكر بالوطن العربي ومستقبله رغم كل ما يعيشه من حالة شتات وتمزق وتوهان في راهنه المباشر. وحينما تكون مؤسسات أم الدنيا هي من يحمل رأية التفكير بالمستقبل العربي فهذا أمر جدير بالقيمة والأهمية والاعتبار.

فمن أم الدنيا لا غيرها وبها يكون مستقبل العرب أو لا يكون إذ هي الدولة العربية الأوسطية الكبيرة التي تحلق بجناحين أفريقي وآسيوي إذ تقع في الركن الشمالي الشرقي من قارة أفريقيا، ولديها امتداد آسيوي، حيث تقع شبه جزيرة سيناء داخل قارة آسيا فهي دولة عابرة للقارات، تقع على مدار السرطان وتمر بين خطيّ عرض 22° و 36' 31° شمالًا، وبين خطي طول 24° و 37° شرقي خط جرينتش. ويحد جمهورية مصر العربية من الشمال البحر المتوسط بساحل يبلغ طوله 995 كم، ويحدها شرقا البحر الأحمر بساحل يبلغ طوله 1941 كم، ويحدها في الشمال الشرقي منطقة فلسطين (إسرائيل وقطاع غزة) بطول 265 كم، ويحدها من الغرب ليبيا على امتداد خط بطول 1115 كم، كما يحدها جنوبا السودان بطول 1280 كم. تبلغ مساحة جمهورية مصر العربية حوالي 1.002.000 كيلومتر مربع [2] والمساحة المأهولة تبلغ 78990كم2 بنسبة 7.8 % من المساحة الكلية. إنها عبقرية المكان وذاكرة الزمان. والجغرافيا تحضر بطرق شتى لكن التاريخ هو ذاكرة المكان والزمان. وفِي مصر فقط يمكن رؤية ذلك العناق الخالد بين افريقيا وآسيا والأطلسي بين المكان والزمان، بين الجغرافيا والتاريخ، بين الناس والوطن بين الخاص والعام. ومصر هي الدولة العربية الأكبر سكان قرابة ١٢٠ مليون نسمة تنمو وتزدهر وتسير بثبات صوب المستقبل رغم الحصار الشديد الذي يطوقها من كل حب وصوب. أنها أم الدنيا التي مابرحت تعانق السماء وتتطلع الى الفضاء منذ أقدم العصور.

حينما يكون الحاضر زاخرا بالحيوية والنشاط والفعل والإنتاج والإنجاز يختفي الماضي في عالم النسيان ويحضر المستقبل بقوة وفرح في عالم الإنسان. فما الذي يجعل الإنسان في أي زمان ومكان يعاود الحنين إلى الماضي الجميل؛ أنه ببساطة بؤس الحاضر وأنسداد أفق المستقبل. ومن السذاجة الطفولية الاعتقاد بأن رغبة الناس في استعادة ماضيهم هي حالة فطرية طبيعية وربما يعود سبب ذلك الاعتقاد الزائف في الثقافة العربية الإسلامية إلى العجز الطويل عن إنجاب حالة حضارية حديثة وجديدة تجعلهم ينسون ماضيهم وينهمكون في صناعة حاضرهم ويتطلعون ويخططون إلى بناء مستقبلهم الأفضل باستمرار فالمستقبل لا الماضي هو الجدير بالأهمية والقيمة والاعتبار. وهذا أمر مرهون بالتاريخ وممكناته وليس بالإنسان ورغباته.

وسوف تكون مداخلتي عن العلوم الاجتماعية والإنسانية العربية والتحديدات المستقبلية. إذ إن استشراف المستقبل والبحث فيه لم يعد اليوم من باب الرجم بالغيب أو التنجيم أو التنبؤ أو التخمين و الظن و الشطح الصوفي، بل غدا اليوم ضرورة حيوية وجودية وإستراتيجية للبقاء والعيش في عالم تعصف به الأحداث و المتغيرات بخطى سريعة الايقاع )فلا مستقبل لمن فقد موقده و ضيع بوصلة اتجاهه( ويرى توفلر أن الأمم التي تجعل ماضيها هو مستقبلها تشبه ذلك الذي راح يبحث عن روح أجداده في رفات الرماد، فأيهما يحكم الآخر عندنا الماضي أم المستقبل ؟!، وبدون تحرير المستقبل من الماضي لا يمكن لنا أن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام بينما نتراجع خطوات كثيرة إلى الخلف، لقد أصبحنا اليوم نهرب إلى الماضي ونقرأ فيه مستقبلنا، فأضعنا الحاضر والماضي والمستقبل ولفظنا التاريخ في زوايا الهامش المنسي.. هكذا سوف تكون مقاربتا لموضع بحثنا مزدوجة المعنى؛ إذ هي من جهة دراسة لوضع العلوم الاجتماعية والإنسانية العربية الراهنة وممكنتها ومن جهة أخرى بحث في الآفاق المستقبلية لها في عالم باتت المعرفة العلمية هي مفتاح تقدمه وفي ظل الحضور المتزايد  لخطاب العلوم الإنسانية والاجتماعية على الصعيد العالمي واتساع نطاق انتشارها وتمكينها وتوطينها أكاديميا وثقافيا وإعلاميا في مختلف المجتمعات والبلدان وتخصيبها بـ(الخطابات البديلة) التي أخذت تنتشر في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، عبر فتح المزيد من المؤسسات الأكاديمية ومراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة الرسمية والمدنية هذا  فضلاً عن قيام الهيئة العامة للأمم المتحدة (اليونسكو) بإصدار  العديد من القرارات والتوصيات والتقارير التي شددت على ضرورة نشر العلوم الإنسانية والاجتماعية وتنميتها في جميع الدول الأعضاء لأهميتها الحيوية  في التصدي للمشكلات النوعية المتزايدة.  "لا يزال للعلوم الاجتماعية الغربية أكبر تأثير على المستوى العالمي. لكن نطاق هذا المجال يتسع بسرعة في آسيا وأمريكا اللاتينية، لاسيما في الصين والبرازيل. وفي إطار أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ينتج العلماء الاجتماعيون في جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا 75% من المنشورات الأكاديمية. ويحتل مجال العلوم الاجتماعية ككل مرتبة متدنية في سلم الأولويات في جنوب آسيا، باستثناء عدد من مراكز الامتياز في الهند" (غودموند هيرنز وآخرون، الفجوات المعرفية: تقرير اليونسكو العالمي للعلوم الاجتماعية لعام 2010، النت، جوجل، موقع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)

مع خالص الشكر والتقدير لمعهد الدراسات العربية ومديره الاستاذ الدكتور محمد مصطفى كمال والشكر موصول للأستاذ الدكتور محمد محمود الطناحي مدير الدراسات والبحوث مع خالص تمنياتي للمعهد وادارته الرشيدة بالتوفيق والنجاح الدائم

 

ا. د. قاسم المحبشي

 

 

في المثقف اليوم