أقلام حرة

سناء أبو شرار: من المُحزن أن تدرك بأنك كنت سعيداً!

يقول الله عز وجل: " ولئن شكرتم لأزيدنكم".

من المحزن أن تدرك بأنك كنت سعيداً! كم من الوقت أمضينا في التذمر؟ كم من الكلمات نقولها بوعي أو دون وعي تحمل بطياتها السخط على القدر والأحداث والأوضاع؟ من منا يقول للآخر في كل شيء في الحياة خير وحكمة لأن الله تعالى هو الخير وهو مصدر الحكمة المطلقة.

من المحزن أن نعتبر بأننا في أوضاع سيئة ثم تمر السنوات وندرك بأن تلك الأوضاع والأوقات كانت جميلة وأننا لم نتذوقها كما يجب، كمن أفلت قطرات الماء الممزوجة بالذهب ليُلقي فيها بحفرة طينية امتصت البريق والبهاء. من المحزن أن نكره وجود شخص ما وحين يموت أو يغادر ندرك وبمرارة بأنه كان الأفضل والأقرب للقلب ولكننا لم نقدر وجوده بقربنا أو حتى بجزء من حياتنا. من المحزن أن نتعارك لأشياء مادية لا تلبث أن تبهت وتختفي ألوانها وتهترئ ثم ننظر حولنا راغبين بأشياء مادية أخرى عسى أن نجد بريق ما لحياتنا.

لا يمكن لأي حكمة في الحياة أن تعلمنا حقيقة الحياة دون أن ننظر نحن بأنفسنا إلى هشاشة الحياة بعيون واسعة وأن ندرك بأن كل شيء مُعرض للتغيير والفناء ولم يكن دورنا إلا لحظات استمتعنا بها بشيء ما أو سعدنا بالقرب من شخص ما.

من المحزن أن تغادر وطنك لأنه لا يعجبك وترحل إلى بلاد غريبة ثم تستيقظ في منتصف الليل تبكي شوقك لوطنك الذي لم يكن يعجبك...من المحزن ألا نعرف قيمة الأشياء التي نمتلكها، نحلم بشراء سيارة ما وحين نمتلكها لا نعتني بنظافتها أو بصيانتها فتتحول خلال سنوات قليلة إلى سيارة شاحبة بل وحزينة، فحتى سيارتنا تُخبر أشياء كثيرة عنا...من المحزن أن تحلم بأن تتزوج بفتاة ما وحين تصبح في بيتك تفقد تلك القيمة التي كنت تحملها لها فتصبح العلاقة الرومانسية ذكرى ويصبح البيت مجرد بيت زوجية بلا روح ولا جاذبية...أشياء لا حصر لها تدعو للحزن لأننا لا نقدر قيمة ما نملك.

ولهذا أخبرنا الله تعالى بأنه إن شكرنا سيزيدنا من فضله والزيادة ليست بالضرورة في الأمور المادية، الرضى زيادة، القناعة زيادة، الحب زيادة البركة زيادة، الابتسامة زيادة، فكل ما في الحياة يحتمل الزيادة والنقصان.

ولله المثل الأعلى، يمكنك أن تتخيل أنك تعطي شخص ما بحياتك كل شيء ولكنه لا يشعر بالرضى يريد أكثر، لا يشعر بانه لابد أن يشكر، أنه لابد أن يكون سعيد لما لديه، فما هو شعورك حينذاك؟ الله تعالى لا يحتاج لنا فنحن من بحاجه إليه ولكنه بهذه الآية علمنا كيف نتأدب مع ذاته الجليلة، علمنا أن أرقي حالات الإنسان هي الشكر، فالشكر هو الرضى الكامل بقضاء الله وبعطائه قل او كثر.

لذلك قبل أن نطلب المزيد فلنشكر، فلننظر إلى كل تفاصيل حياتنا ونرى تلك النعم التي نغرق بها وننسى شكرها، يكفي زيارة للطبيب ليخبرك بخبر غير جيد عن الصحة لتنقلب الحياة ويتغير كل شيء. من الجميل أن تدرك بكل مرحلة في الحياة كم أنت سعيد وألا تنتظر الحزن الذي يرافق الحسرة حين نتذكر كم كنا سعداء ولم نُقدر تلك السعادة التي رحلت وربما لن تعود.

 

د . سناء أبو شرار

 

 

 

في المثقف اليوم