أقلام حرة

صادق السامرائي: معاوية وطاعون عمواس!!

طاعون عمواس الذي أصاب بلاد الشام في زمن عمر بن الخطاب (13 - 23) هجرية، وكان يزيد بن أبي سفيان أميرا على الشام بعد معركة أجنادين التي كان أحد قوادها الأربعة، ومات في طاعون عمواس سنة (18) هجرية، مع عدد من الصحابة الأفذاذ، ونجا معاوية منه وكان برفقته، فأخلفه مكانه، وأقره عمر إحتراما ليزيد وبني سفيان.

فالطاعون هو الذي أتى بمعاوية إلى مراكز القيادة، فخبرها وأتقنها وأسس دولة بني أمية، وتيمنا بأخيه سمى إبنه يزيد.

ويزيد بن أبي سفيان عاش (34) سنة، أسلم بعد فتح مكة، وإستعمله النبي على صدقات بني فراس من قبيلة كنانة وكانوا أخواله، وهو أحد القادة الذين أرسلهم أبو بكر لفتح الشام، ويلقب بيزيد الخير، وكان من العقلاء الألباء والشجعان المذكورين، وشهد حنين وأعطاه النبي من غنائمها الكثير، وهو شقيق أم حبيبة إحدى زوجات النبي.

و"أسلم يوم فتح مكة وحسن إسلامه وكان جليل القدرة سيدا فاضلا"، "..وهو أحد الأمراء الأربعة الذين ندبهم أبو بكر لغزو الروم، ومشى معه تحت ركابه يسايره، ويودعه، ويوصيه، وما ذلك إلا لشرفه وكمال دينه"، و"كان أول الأمراء الذين خرجوا إلى الشام"، ولما فتحت دمشق (13) هجرية، أمّره عمر بن الخطاب على بلاد الشام.

ويبدو أن معاوية عنده قدرة مناعية قوية أنجته من موت أكيد، قضى على العديد من الصحابة في حينه (ومنهم: أبو عبيدة بن الجراح، معاذ بن جبلة، الحارث إبن هشام، سهيل بن عمرو، عتبة بن سهيل)، حتى أن عمر بن الخطاب، عدل عن الوصول إلى الشام وقال قولته المشهورة: "نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله".

فما جرى في تلك الفترة عصي على الإدراك والتفسير القويم، وتختلط فيه الآراء والتصورات، غير أن الحقيقة الدامغة، أن معاوية نجا من طاعون عمواس وأصبح واليا على بلاد الشام، وانطلق صانعا للتاريخ ومؤثرا في مسيرة الأجيال من بعده. فلولا طاعون عمواس ربما لسار التاريخ بإتجاهات أخرى، لكنهم يقولون إنها إرادة الله، وهو فعّالٌ لما يريد!!

الكثير من المؤرخين لم يتفاعلوا مع الأحداث بعلمية وموضوعية، فالسائد كتابات صوت العاطفة والإنفعال والتخاطب بلغات عيون الرضا والكراهية.

فما أحوج الأمة لوقفات عقلانية ودراسات علمية جريئة، بعيدا عن الأحكام المسبقة، والأغراض المخبّأة، والآليات القاضية بصناعة أجيال القطيع.

فهل من قراءة بعين العصر المنير؟!!

***

د. صادق السامرائي

في المثقف اليوم