أقلام حرة

فاضل الجاروش:الحرية عنوان فضفاض بين المنع والتقنين

يُقال في اللغة: تحرىٰ الحقيقة يعني أزال عنها الحجاب الذي يغطيها فأصبحت ظاهرةوالحجاب هنا يعني مايُقيد العقل عن إدراكها ومايمنع البصر عن رؤيتها، ‏ ويُقال أيضاً مَلك فُلان حُريته بمعنى أنه رُفع عنها القيد فبان أثرها سَرَحاً بعد أن كانت ساكنة، والسَرَحُ في اللغة هي الحركة غير المقيدة لذلك دائما ما ترتبط هذه المفردة ارتكازا بمفردة مَرَحَ فتجد المفردتين متلازمتين _يسرحُ ويمرحُ_ والمرحُ هنا يمثل نتيجة لحالة السَرَحْ وهي بهجة النفس بامتلاك حريتها ويقال للسجين وهو الممنوع من حريته.

اطلق سراحه بمعنى أنه رُفعت عنه القيود، وللجندي المكلف بخدمة الزامية عند إتمام ماعليه من المدة بأنه قد تَسَرح منالخدمة العسكرية.

والخدمة هنا تعبر عن الخضوع للقوانين المانعة من الحرية، ومن هو أكثر خضوعا من الخادم؟ هذا كله في إطار أصل فكرة الحرية.

وبعد ذلك هل من الواقعية أو من العقلانية أن ترفع القيد عن الغزال في منطقة الاسود أو أن تُفلت يد الصغير عند عبورك الشارع أو أن تسمح لصبي. أن يرمي بنفسه في البحر وهو لم يتعلم السباحة !؟ أو أن تسمح لمن يمتلك سيارة لايجيد قيادتها بأن يعرض حياة الناس للخطر بذريعة أنه يمتلك هذه السيارة ويمتلك أيضا الحرية في قيادتها !!؟

الحرية عنوان فضفاض يحتاج إلى تقنين

بعد أن يتعلم ابنك السباحة ولايُخاف عليه من الغرق وقد يسبق ذلك اعتماده على طوف أو عوامة، عند ذلك فإنه لامانع من أن يرمي بنفسه في البحر ليمارس حقه في السباحة أو أن تطلق الغزال في محمية للغزلان.

أن الحرية غير المشروطة تعادل الانتحار للنفس والأضرار بالمجتمع فهي بدون ضمانات في إحداث الضرر العام والخاص لذلك ترىٰ في كثير من الأنظمة يطبق إطلاق السراح المشروط للسجناء. وهو يمثل اختبارا للتأكد بأن هذا الذي سيمتلك حريته سيستخدمها بشكل صحيح، من هنا فإن تعريفا مبسطا للحرية سيكون مهما وضروريا.

تعريف الحرية

اختلف الناس على مر العصور على وضع تعريف متفق عليه لمفهوم الحرية انا شخصيا لا أرى أنه بالإمكان الاتفاق واقعيا على تعريف الحرية الا بمقدار التقاء الدوافع لمن يضع تعريفا لهذا المفهوم وذلك بحكم اختلاف البيئة الاجتماعية سياسياوعقائديا ولكن بالإمكان وضع توصيف عام يتعلق بأصل واقعية امتلاك الفرد لحريته في فعل مايريد فليس هناك أحد ممنوع من فعل مايريد بصرف النظر عن مايترتب على ذلك الفعل بمقدار تقاطعه مع المحدد الديني والسياسي والعرفي والقانوني، فقد يعاقب بالقانون أو يوبخ بالعرف أو يُتَوعد بالدين أو يُسَقَط سياسيا ولكنه لن يكون ممنوعا في أصل إمكانية الفعل الحر لذلك فإنه هنا سيكون ممنوعا بالوعيد وليس ممنوعا بالقَسر ...

الإيمان والكفر مثالا

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم﴾ لاحظ الدقة في الوصف القرآني لمفهوم الحرية وتقنين استخدامها بما لايحيد عن الصواب بما يسبب ضررا للنفس، فبعد أن يُثبِت الله امتلاك الإنسان لحريته في الإيمان أو عدم الإيمان واقعيا بمعنى أنه قادر فعلا على أن يؤمن أو يكفر، وهذا ماهو حاصل في الواقع العملي الذي نعيشه يوميا في الصراع بين جهتي الإيمان والكفر فأنه تعالى يذهب إلى شرح عواقب الاستخدام الخاطئ لهذا الحق الواقعي بما يحقق مصلحة ويبعد ضررا عن المخاطَب عندما يُثَبت قاعدة أخرى هي أنه قد تبين الرشد من الغي في إشارة إلى كمال العقل في التفريق بين الرشد والغي مما يحمل هذا العقل مسؤولية الاختيار عندما يقول سبحانه ﴿فمن يكفر بالطاغوت فقد استمسك بالعروة الوثقىٰ لا انفصام لها﴾ وهذا يعني أنه من يكفر بعدأن تبين له الرشد من الغي، اذن نحن هنا أمام حقيقة تعريف مُفَصل للحرية وهو - أن الإنسان حر في خياراته وهو مسؤول عن خياراته - على أن هذاالتعريف يمكن إسقاطه على مختلف مراتب الحريةالفردية والجماعية وهو يصلح أن يكون قاعدة صالحة للتطبيق بصرف النظر عن شكل البيئة الاجتماعية.

***

فاضل الجاروش

 

في المثقف اليوم