أقلام حرة

عبد الخالق الفلاح: دور الإعلام في التسخين والتصعيد

يتزايد الحديث في العقود الأخيرة عن دور الإعلام في بناء السلام وتكريس قيم الحوار والتعايش السلمي، وتوظيف الإعلام في الحروب يتمثل في جزء منه في (الدعاية) التي تستطيع أن تحشد الرأي العام حول قضية بعينها من خلال المبالغة والتضليل والكذب في أسلوب عرض القضية وذلك لكسب التأييد والدعم، ومن يقدم الصورة السلبية للعدو يؤكد ذلك بعرض كل ما يبرز الصورة الإيجابية لنفسه من خلال محاولة حشد التأييد وتغذية الاعتقاد بأن ما ينوي عمله هو في فائدة كل البشر ومصلحتهم. والحال أن التاريخ الحديث يضع الإعلام في قفص الاتهام على خلفية مفعول التأجيج والتحريض الذي اضطلع به فاعلون في هذا القطاع الحيوي إبان العديد من النزاعات المسلحة. لقد كان الخبر المضلل والتحريض الخطابي دائما وقودا لحروب دامية، خصوصا في حقبة ما بعد الحرب الباردة. كما أن توظيف الإعلام في ترويج الأجندات السياسية لهذه القوة أو تلك أمرا غير جديد، فإن الحروب الكثيرة التي اشتعلت في التاريخ الحديث على الأقل دفعت بالفاعل الإعلامي إلى لعب أدوار بالغة الفظاعة في كثير من الاحيان، وعملت على زرع الرعب والتحريض على ارتكاب جرائم ضد الآخر من منطلقات مختلفة لهذا نشاهد اليوم أن الهدف الحقيقي من وراء التسخين والتصعيد في الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا في الإعلام على أشده وسط مناخ دولي مضطرب واجواء دولية مخيفة ومشحونة عن آخرها بكل عوامل التازم والتوتر والخطر وتحسب ان الاجواء عاصفة وتنذر بكارثة كبيرة وشيكة قد تتجاوز حدود اوكرانيا الي ما هو أبعد منها بكثير وخاصة عندما تشاهد الرئيس الكوري الشمالي كيم جووهو يزور معامل انتاج الاسلحة ليحثهم في زيادة الإنتاج ومضاعفة الجهود، تراها اجواء لا ينقصها سوى صب المزيد من الزيت علي النار، بقدر ما تفرض على كافة الاطراف، توخي أقصى درجات الحذر و التعقل وضبط النفس... والأخبار التي تنشر في وسائل الإعلام أكثرها تثير الشعور بالخوف والقلق، منها ان الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ اون اصدر اوامره الى قياداته العسكرية للبدء فورا في انتاج المزيد من الاسلحة دون اشارة الى نوعياتها حتي نعرف طبيعة استخداماتها، مع التوسع في تقديم خدمات التدريب للقوات المقاتلة استعدادا لخوض حرب محتملة، دون توضيح أي حرب تلك التي ستخوضها بيونج يانج، وهل ستكون حربا ضد امريكا ام ضد حلفائها الآسيويين الكبار في كوريا الجنوبية وتايوان واليابان؟ وهل ستخوضها وحدها أم بالتحالف مع روسيا والصين كشريكين محتملين في هذه الحرب؟ وهل هذا هو التوقيت الصحيح لتفجير حرب جديدة في آسيا، لتصبح روسيا متورطة في حربين خطيرتين إحداهما في أوروبا والأخرى في آسيا في نفس الوقت؟ أم أن الهدف الحقيقي هو التحرش والتهويش وارباك خطط أمريكا وحلفائها في الناتو لتخفيف ضغطهم على روسيا في أوكرانيا وهو احتمال وارد بعد زيارة وزير الدفاع الروسي شويجو إلى بيونج يانج منذ ايام علي راس وفد عسكري كبير؟ وبمعنى آخر، لماذا تؤشر هذه الإيماءات الكورية الشمالية الاخيرة في تكرارها وإبرازها لتلفت الانظار اليها ولتترك لنا استنتاج مغزاها؟.

ان أمريكا تقوم حاليا بتدريب قوات حلف الناتو على توجيه ضربة نووية لروسيا بمساعدة دول اخرى غير نووية لم تفصح عن طبيعتها ولم تحددها وهل هي دول اوروبية وآسيوية؟، وكذلك دون توضيح السبب الذي يدعو أمريكا إلى تدريب قوات تابعة للناتو على استخدام الاسلحة النووية ضد روسيا بالذات اذا كان بامكان القوات الامريكية نفسها ان تقوم بهذه المهمة دون اضاعة الوقت في عملية تدريبية بالغة الخطورة والحساسية والتعقيد بلا مبرر يدعوها لذلك؟ وهل يعقل اصلا ان تكون هناك خطط امريكية كهذه التي يتحدث عنها الإعلام الروسي لتفجير حرب نووية ضد روسيا دون أن تخشى أمريكا وحلفائها في الناتو. ردا روسيا استباقيا عليها إحباطها وإجهاضها؟ والا تملك مثل هذا السيناريو من سيناريوهات الحرب النووية؟ و هل من الحكمة ان ينقل مثل هذا الأمر الخطير مجرد خبر علي شاشات الفضائيات وبهذه الدرجة من البساطة، ام انه كان يتطلب التعامل معه في سرية تامة بعيدا عن الاعلام ليصبح داخل دوائر اتخاذ القرار العليا في الكرملين وحدها أيا ما كانت طبيعة رد روسيا عليه؟ كل هذه التساؤلات تجعلنا نميل إلى استبعاد هذا الخبر من اساسه، مجرد تكتيك روسي في حرب الدعايات الدائرة بين الطرفين....

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

في المثقف اليوم