أقلام حرة

مالكة حبرشيد: كلنا متواطئون

هل نرغب فعلا في ديمقراطية وعدالة اجتماعية؟ هل ننشد بلدا تعمه الحرية، وحياة كلها عزة وكرامة؟ ألم نتكيف مع القهر حتى صار مألوفا؟ ألم نتأقلم مع الظلم حتى صار من بديهيات حياتنا؟ ألم تتحول الساحات والميادين إلى اماكن للتجمع من أجل الهتاف والتصفيق، التنديد والتنضيد، وامتصاص الغضب الذي قد يفتح كوة في قفر الزمان، ليتحرر الوقت المتجمد في المقاهي وعلى الارصفة؟

الا نعود إلى بيوتنا بعد كل تظاهرة احتجاجية في اقصى درجات النشوة بعد صرخات رفعناها في وجه الريح، لتتناثر على حدود الكون، كانما نقدمها عربون تواطؤ مع الفساد المستشري، مع الظلم المستتب، ومع الليل الطويل الذي لا ينجلي، ونحن لا ندرك اننا ننتشي بانتصار الهزائم فينا، كلنا متواطئون، لا استثنيني منكم  أحدا ولا استثنيني …كلما تجلت الحقيقة عارية رجمنا النهر.. ولعنا الظلال الطافحة بالقهر.. الرياح المعاكسة لأمان سخيفة لا تتعدى مقعدا في مقهى.. وسيجارة رديئة تشعرنا أنا مازلنا على قيد الموت.. ننتشي بالمآسي..  ونرقص على نواح الفقد. على وجه الماء..  ترتسم الحقائق الفاضحة.. ونحن عرايا الا من الخبث.. من نوايا سيئة تستلذ انهيار الاخر..  ولعنات الدهر التي تشعرنا بأنا اخوة في الوهن، اشقاء في الذل.. في رحلات كر وفر.. بين امس ممعن في الصمت وغد ماهر في الهروب.. كلما هاجمنا التاريخ بحكاياته المحبوكة باساطيره المنسوجة على مقاس الصبر.. تداعت الجغرافيا معلنة رفضها تناسُلنا المضطرد.. تكاثُرنا العشوائي.. وتأففنا من البرق والرعد من العواصف التي تعري سوأة أولي الامر.. العقارب التي تقوم بدورها على اكمل وجه.. حتى ازعجت الجماجم المتخمة بالرقص.. السهرات الباذخة باللامبالاة.. والليالي الحمراء التي تتلألأ في سمائها نجوم استخفاف، واقمار استغباء.. كما تتلألأ في سمائنا ارواح قتلانا، اشلاؤهم المتناثرة.. ابتساماتهم المغتالة، على حين غرة..  ومخاض القبائل ينجب الموت توائم، مثنى وثلاث.. هكذا صرنا معلقين معتقلين.. بين دمع الحق وانياب الباطل.. نتآلف نتخالف ونتحالف.. على الاجساد طحالب تتراكم.. هزائم تتزاحم تتراحم.. ودموع تحفر طريقا على خد الوطن.. استسهالا لمرور السفاحين الجدد.. المستشرفين لانهياراتناالقادمة.. المخططين لميتات متنوعة.. وهجرات مختلفة تشتت الملتئم تحت قبة الوطن .. منذ الف عام وعام واصوات الرماح تشق الجباه كلعبة يتنافس فيها الذئاب والثعالب عند الانتهاء، يتسلم الاسد الغنيمة ونصفق نحن للهزائم المتراكمة. كلما ضاق صدر الصمت.. رسم على الجدران احلاما معاقة تقودنا توا نحو رابية الجهل.. هناك نرتوي حتى يصبح الانسان كومة هم .. شعب يزن البشر بميزان الجزار.. يقيسه بمقياس الخياط ليعرف كم مترا ستحتاج تكاليف الدفن..  لن تطلع عليه شمس وان تجلت في الافق.. هي بعض رؤى مغرضة تثبت أنا مجرد هياكل اثقلها الصدأ وامثالنا الشعبية التي تغلغلت في بوصلة الراس=سير الحيط الحيط حتى يبان الخيط.

والمخيط فقأ عين الحلم .. كلنا متواطئون ظالمون ومظلومون. كلنا جاهلون علماء، فلاسفة.. وشعراء الزمن المغبون. كلنا مازوشيون بالفعل، بالحديث وبالخيال المربوط إلى كعب فتاو طازجة وخطابات معدة كما الاكلات الجاهزة تسمن الاجساد، وتغلف الوعي بحكايا أمنا الغولة .. حتى ينام الغضب مطمئنا على سرير التسويف والتصفيق. كلنا ساديون.. نرقص على الجراح ونستلذ مشاهدة الدماء .. نتبادل فعل التعذيب شهوة، هواية، غواية وفي الزوايا نرسم لوحات سريالية طمسا لحقائق لا يفك لغزها الا الراسخون في الحقد، في الكراهية في ادوار تمنح الشر مشيمة تقودنا جميعا نحو الهاوية.. كلنا، كلنا متواطئون.. لا استثني منكم أحدا ولا استثنيني..  الاحلام تعفنت الاشجار اصابها العقم ولن تورق بعد.. الطيور تشردت على اطراف الكون بلا اعشاش صارت حتى اصبح اصطيادها سهلا في متناول كل ذي رصاصة طائشة.. مقلاع متين.. أو عقرب متعطش للدماء البريئة .. ونحن في نفس الباحة نرقص رقص الدراويش.. دورات حول النفس لا أحد يخرج عن الايقاع وإن كنا ندرك جميعا أن الدف مثقوب.. والعود مقطوعة أوتاره

***

مالكة حبرشيد - المغرب

في المثقف اليوم