أقلام حرة

علي حسين: ناعماً منعماً

ليس في عنوان المقال أية سخرية أو إساءة إلى نشاطات فنية او فعاليات ثقافية يسعى أصحابها إلى إبراز الوجه الحضاري للعراق. ويتذكر القراء الاعزاء أنني كتبت في هذا المكان عن الحملات التي قامت بها مجاميع سعت الى شيطنة الفعاليات الغنائية رافعة شعار "الغناء رجس من عمل الشيطان".

وكيف ذهبت مجاميع ثائرة لتغلق مكاناً ترفيهياً لأنه أعلن عن إقامة حفلة غنائية لمطرب مغربي، فيما رفع البعض شعار "الإحراق أو الإلغاء"، وكنا نسمع ولا نزال عبارات من عينة "الدولة المدنية كفر وإلحاد" . فيما ظهر بعض الشيوخ يصرخون "واسمعتاه" وبالتالي أيها القارئ العزيز عليك أن تتأكد أن ما يجري أمر محير وباعث على التساؤل: هل نحن بلد يسعى لتنمية الثقافة والفنون، أم أننا نحتاج إلى ملهاة تقودها مطربة تريد من العراق أن يبقى "ناعماً منعماً"..

تتحدّث الدولة وبرلمانها العزيز دائماً عن عراق الحضارات الذي علم العالم الكتابة والقانون، واخبرنا ذات يوم وزير النقل الاسبق كاظم الحمامي بان المركبات الفضائية انطلقت من هذه البلاد قبل خمسة آلاف. إلا ان هذه الدولة ايها السادة تصر في كل مشاريعها إلى إفراغ العراق من عقوله وتسليمه "ناعماً منعماً" إلى منظمة الفشل التي تحاصر المواطن منذ سنوات، وتقديمه ايضا ناعما منعما الى حيتان الفساد.

هل نحن دولة تسعى لمنح الثقافة دورها الحقيقي في تنمية قدرات المواطن، إذا عرفنا أن مخصصات الثقافة في الموازنة العراقية لا تعادل واحد بالمئة من مخصصات أفواج تحمي كبار المسؤولين السابقين؟... ربما يسخر البعض من كاتب عمود يدعي "المفهومية" ويخصص عموده للسخرية من مهرجان فني؟ ولكن ماذا أفعل يا سادة ونحن البلاد الوحيدة التي تعتبر وزارة الثقافة زائدة عن الحاجة.

ماذا علينا ان نفعل ايها السادة ونحن نرى الامية تنتشر والجهل يسيطر ويراد له ان يعم في ربوع البلاد. نتحدث عن قيمة الفن وننسى أن نضع تمثالا لناظم الغزالي ونستنكف ان نتذكر مئوية محمد القبانجي، ونصر على الاحتفال بعيد وطني لم يتفق عليه متناسين أن البلدان تبنى بالثقافة والفنون، وأن قرون مرت على هذه البلاد وهي تنثر على العالم حضاراتها وعلمائها.

في كل حديث عن العيد الوطني لهذه البلاد يشتعل صراع تاريخي بين عشاق الملكية وأنصار الجمهورية.. وتختفي أزمة الكهرباء والخدمات.. ولم نلتفت إلى ما فعلته احزاب المحاصصة من خراب في القطاع الصحي. والتعليمي والخدمي.

الذين يقلبون صفحات التاريخ، لا يريدون أن يلتفتوا لقضية مهمة جداً، لكي تحتفل بعيدك الوطني يجب أن تكون متحرراً من العوز والفقر والخوف، لا يوجد عيد وطني من دون مستقبل مشرق للبلاد.

***

علي حسين

في المثقف اليوم