أقلام حرة

ثامر الحاج امين: دروس من سيرة الرؤساء

يشهد عصرنا الحديث ظاهرة الاستبداد او ما يسمى الاستفراد بالسلطة والتحكم برقاب الناس والاستئثار بخيرات الشعب، وتتجلى نزعة الاستبداد التي تعتبر من ظواهر الاجتماع السياسي عند الرؤساء الذين تأتي بهم الصدفة الى هرم السلطة او يصلون اليها عن طريق الانقلابات العسكرية او التآمر مع قوى خارجية وهؤلاء الذين عادة ما يكونون بلا تاريخ سياسي أو خبرة في الادارة بأشكالها كافة عندما يصلون الى السلطة وينعمون بخيراتها وتطيب لهم امتيازاتها يشدون العزم على فعل كل شيء من أجل البقاء فيها، فتراهم يسخرون موارد الدولة ويزيدون من عسكرتها ويخرقون القوانين وكل ما يفعلونه هو من أجل توطيد وحماية أركان سلطتهم، كما انهم يتصرفون مع شعوبهم على انهم آلهة طاعتهم واجبة وتقديسهم فرض، ومثل هؤلاء للأسف باتوا يمثلون القاعدة ولكن التاريخ يحدثنا عن القليل الذين يمثلون الاستثناء أولئك الرؤساء الذين تمتعوا بكاريزما خاصة جعلتهم قريبين من شعبهم ويحظون بحبه واحترامه وهذا الصنف من الرؤساء يدركون انهم موظفون في الدولة لهم حقوق وعليهم واجبات ولا يختلفون عن غيرهم من الموظفين الا في الموقع الوظيفي ونوع الواجبات وبالتالي وجودهم في موقع المسؤولية هو لخدمة شعوبهم وليس لاضطهادها، وقد وجدنا في سيرة عدد من الحكام دروسا في التواضع والأمانة والزهد، فمن تجارب الحكم العربية لا يمكن ان نغفل تجربة الرئيس عبد الكريم قاسم التي تركت أثرا طيبا عند جمهور واسع من الشعب العراقي فهو زعيم وطني مخلص وزاهد اقترب كثيرا من هموم الطبقات الكادحة والفقيرة واتصف بالبساطة والتواضع في السلوك اليومي ولعله الحاكم الوحيد الذي اعطى للدولة ولم يأخذ منها وذلك عندما تبرع بدار والده لإنشاء مدرسة ثانوية ما تزال قائمة في مدينة الصويرة، وكذلك الحال مع الزاهد في السلطة الرئيس السوداني عبد الرحمن سوار الذهب الذي انسحب من رئاسة السودان بعد تسليم السلطة الى الحكومة المنتخبة دون اراقة قطرة دم واحدة، ودرس آخر في الزهد ونظافة اليد نستمده من تجربة رئيس أوروغواي السابق خوسيه موخيكا الموصوف عالمياً أفقر رئيس في العالم الذي فضّل العيش فترة توليه رئيس للأوروغواي بين عامي 2010 و2015 في بيته الريفي على البيت الرئاسي وبلا حراسة أمنية مشددة كبقية رؤساء العالم، كما انه لم يحتفظ سوى بـ10% من راتبه الذي يبلغ شهريا 12 ألفا وخمسمئة دولار أميركي ويتبرع بالباقي لفائدة الجمعيات الخيرية،  وليس لديه أية حسابات مصرفية ولا ديون، وأغلى شيء لديه وفق تصريحه هو سيارته القديمة من طراز "فولكس واكن"، ونظرا لارتباطه بالفقراء فقد خصص بعض أجنحة القصر الرئاسي لإيواء المشردين بعد اطلاعه على عدم كفاية طاقة استيعاب المراكز المتوفرة بالبلاد مثلما رفض استلام على أي راتب تقاعدي عن فترة خدمته. وهذه السيرة تشبه الى حد كبير مع ما حدث مع المستشارة الالمانية " ميركل " التي عادت للعيش في شقتها البسيطة بعد 16 عام قضتها في السلطة، وهناك من الرؤساء من ضرب مثلا رائعا في التواضع والحرص على المال العام فرئيس وزراء هولندا يذهب الى دوامه الرسمي على دراجة هوائية بدون موكب وحمايات كذلك الحال مع رئيس وزراء بريطانيا الذي يذهب بنفسه للتسوق على دراجته الهوائية ويقف في الطابور حاله حال المواطنين الاخرين.

ان ما نشهده اليوم من فساد وكوارث انسانية وشعوب مقهورة تعيش حالة مؤسفة من التخلف الاجتماعي والتدهور الإنساني في أوضاعها الأمنية والاقتصادية وغياب الدولة يضاف اليها حملات التجهيل الثقافي والمعرفي تعود اسبابها الى ان رجل السياسة السيء الذي عاش سنوات من الحرمان عندما يصل الى السلطة يتنكر لماضيه فلا يفكر الا في مصلحته الخاصة ولو كان تحقيقها يحتم اتباع وسائل غير اخلاقية وغير مشروعة وذلك باستغلال السلطة للسرقة والانتقام، في حين هناك من يفاخر انه جاء من اسرة فقيرة ووصل الى ما وصل اليه وهو ما حدث مع الرئيس البرازيلي " لولا داسيلفا " لدى اعتلائه المنصة لألقاء خطابه الاول بعد فوزه في الانتخابات فقد صعد المنصة وبيده حذاء وقال وصلني اليوم هذا الحذاء هدية من عمدة مدينة فرانكو واعرف انه يريد ان يذكرني انني ربما مسحت له يوما حذاءه عندما كنت أعمل ماسح أحذية وأنا طفل صغير وهذا شرف عظيم لبلدنا ان يصبح ماسح الأحذية رئيسا للدولة وذلك خيرا من ان يصبح رئيس الدولة لصا ينهب أموال شعبه.

والمعروف عن الرؤساء انهم يبالغون في ابراز مظاهر الهيبة والوقار من خلال سلوكهم السياسي والاجتماعي فلا يظهرون الا بوجه متجهم وجدية صارمة ويعتقدون الظهور بهذا الشكل من سمات الشخصية المهمة وتزيد من سطوتهم على الشعب في حين هناك من الرؤساء من يتصرف كانسان عادي يمازح ويشاكس ويتعامل باللين ويلجأ الى الطرفة حين يستوجب حضورها، يروى عن رئيس وزراء بريطانيا الأشهر ونستون تشرشل الذي عرف بذكائه الحاد في الحياة السياسية والاجتماعية اضافة الى سرعة البديهة لديه، ان مواطنا اقتحم موكبه وهتف في وجهه قائلا: أنت غبي. فاعتقلت الشرطة المواطن وقادته الى السجن، واستدعى البرلمان تشرشل وسأله احد الاعضاء غاضبا: هل يجوز ان تعتقل الشرطة مواطنا وتضعه في السجن لمجرد انه قام بسبك؟.

فأجاب تشرشل: الشرطة لم تعتقله لأنه سبني، بل لأنه أفشى سرا من اسرار الدولة !! فضجت قاعة البرلمان بالضحك والتصفيق.

للأسف لم يقدم تاريخنا السياسي العربي رئيسا تحلى بالحكمة والأمانة والعدل واكتسب الهيبة وحب الناس له من خلال تواضعه ونزاهته وقربه من هموم شعبه الا ما ندر.

***

ثامر الحاج امين

في المثقف اليوم