أقلام حرة

أقلام حرة

"نحتاج إلى خيال كبير لنتصوّر تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء"، ذلك ما كتبه الناقد الفرنسي جيرارد جينيه، وهو ما كنت أردّده مع نفسي، وأستعيده طيلة الأيام التي قضيتها في الموصل، خصوصًا حين شاهدت مظاهر الخراب والدمار، التي خلّفها "داعش" بعد احتلاله للمدينة (2014 - 2017)، حيث اسْتمعت إلى قصص وحكايات أقرب إلى الخيال.

وأكثر ما استوقفني هو موضوع التعليم، الذي خصّصتْ له جامعة الموصل العريقة، التي تأسست في العام 1967، مؤتمرًا دوليًا ضخمًا بمناسبة اليوم العالمي لمنع التطرّف العنيف (12 شباط / فبراير) بالتعاون مع كرسي اليونيسكو والوكالة الجامعية الفرنكوفونية وجامعة النور الفتيّة الواعدة، التي زرتها هي الأخرى، واطّلعت على منجزها بعد إعادة إعمارها.

في تلك الأصبوحة الموصلية المشرقة الجميلة، طرحت السؤال المحوري، لماذا استهدف داعش التربية والتعليم بشكل خاص؟ وهو سؤال فاصل بين المدنية والتوحّش، وبين الظلامية والتنوير. فكيف لمن يريد "بناء دولة" أن يدمّر صروحًا أكاديميةً وثقافيةً وتاريخيةً؟ ألم يقل الرسول العظيم "أطلبوا العلم ولو في الصين"، أوَليس ما جاء في القرآن الكريم "وقل ربي زدني علمًا" ؟ فكيف إذًا يُجهز على 83% من مباني جامعة الموصل، ويفكّك أجهزتها المخبرية، ويستولي على 300 عجلة وواسطة نقل وسيارة، ويعدم 5 ملايين كتاب ومطبوع ومخطوطة، في محاولة لتغيير فكر الناس، فهل تمكّن هولاكو، الذي أحرق ربع مليون كتاب ومخطوطة، من تغيير فكر الناس وقناعاتهم؟ وهل استطاع "هولوكوست الكتب"، الذي قام به هتلر في ألمانيا والنمسا، تجريف العقول وتحريف الأفكار، أم أن ذلك ولّد العكس؟

لم يتمكّن "داعش" بالترغيب أو الترهيب، من الاستحواذ على العقول أو استمالة القلوب، بل إنه، بأفعاله الإرهابية، حوّل السخط إزاء التمييز ومحاولات الاستتباع، التي كان الموصليون يعانون منها، إلى ردّ فعل ضدّه، وهكذا تدريجيًا، لم يجد بيئةً حاضنة أو مستعدّة أو مولّدة لأفكاره. والموصليون، الذين جار الزمان عليهم، لم يرضخوا ولم يستسلموا، بل نظموا مقاومة ثقافية ضدّ داعش وأساليبه الإرهابية بالصبر والمطاولة والدفاع والامتناع، وبجميع الوسائل تصدوا لمحاولات احتوائهم أو إرغامهم، ودفعوا بسبب ذلك أثمانًا باهظة.

وما أن انتهت العاصفة الهوجاء، حتى شمّر الموصليون عن سواعدهم لإعادة بناء مدينتهم بمحبة وألفة وتعاون، وحاولوا تدويل قضيتهم للحفاظ على التراث والإرث الحضاري لمدينتهم، كما حدثني البروفيسور طارق القصار، رئيس قسم العلوم السياسية، وكان لليونيسكو دور في ذلك، وهو ما أشارت إليه البروفيسورة قبس حسن، مديرة كرسي اليونيسكو بجامعة الموصل، وشارك المجتمع المدني بحيوية في ذلك، لاسيّما مبادرات بعض الشباب، وهو ما لمسته من إعادة بناء قاعة "مؤسسة بيتنا للثقافة".

وحسب رئيس الجامعة، البروفيسور قصي كمال الدين، فقد استعادت الجامعة عافيتها، وهي تضمّ 24 كليّة و 142 قسمًا و7 مراكز أبحاث مختصّة، من بينها "مركز السلام والتعايش السلمي"، وثمة مساعدات وصلتها من عدد من البلدان، مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت، إضافة إلى المتحف البريطاني، وغيرها.

سأل الجنرال شارل ديغول، وهو يتقدّم بجيشه لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي: وماذا عن الجامعات؟ فقيل له أن جامعة السوربون تناقش أطروحات الدكتوراه والماجستير في الأقبية، ويتلقى الطلبة محاضراتهم ودروسهم في أجواء من السريّة والكتمان، وهنا علّق ديغول يومها: إذًا فرنسا بخير طالما الجامعات بخير، وهذا ما فعلته الموصل في مقاومتها "لداعش"، فلم تتوقّف الدراسة في الجامعة، بل كانت امتحانات الطلبة قد استُكملت في مناطق بديلة، خارج سيطرة داعش، ومع مطلع العام 2018، أُعيدت إليها الحياة، حيث كانت المدينة بأكملها في ورشة عمل جماعية متصلة، فأُعيد بناء وترميم المباني المهدّمة والمكتبات وتجهيز المختبرات، ومع بداية العام الدراسي (2023 - 2024)، بلغ عدد الطلبة في جامعة الموصل لوحدها نحو 60 ألف طالب.

وبقدر ما في الموصل الحدباء "أم الربيعين" من حزن وذاكرة وسؤال، لماذا حدث كلّ ذلك؟ وكيف حدث؟ ومن المسؤول؟ لكن المهم عندها أنه ثمة أمل وإرادة وإصرار على إعادة البناء والنجاح والتفوّق، وهو ما لمسته في النخبة الأكاديمية والفكرية والثقافية، التي تفيض إبداعًا وجمالًا وعلمًا.

كل ما في الموصل يدلّ على أنك أمام مدينة عظيمة، فهناك ينتصب تمثال أبو تمّام، وهنا تستذكر أبو فراس الحمداني وقوله الأثير:

أَقولُ وَقَد ناحَت بِقُربي حَمامَةٌ / أَيا جارَتا هَل تَشعُرينَ بِحالي؟

وعلى الضفة الأخرى تستعيد اسحاق الموصلي وتلميذه زرياب، الذي أضاف وتراً خامساً لآلة العود، وهو صاحب فن الإتيكيت وأول من أدخل لعبة الشطرنج إلى أوروبا. كما يحضر التاريخ الإنساني بكلّ ثقله من حضارات الأكديين إلى الأشوريين، وصولًا إلى أعلام الموصل ورواد الثقافة العراقية المعاصرة، وقسم منهم من الأصدقاء، مع استحضار الدور الاقتصادي والاجتماعي والعسكري والتربوي لمدينة الموصل، التي تعرف التنوّع والتعايش القومي والديني والاجتماعي والثقافي.

وإذا كان الانتصار على "داعش" عسكريًا قد حصل، فثمة جبهات بحاجة إلى تعزيز وتعضيد، مثل الجبهة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والقضائية والإعلامية والمدنية والأمنية والاستخباراتية والدينية، وذلك لاستكمال الجهة التعليمية والتربوية، لتوفير الأمن التعليمي بشكل خاص والأمن الإنساني بشكل عام، وتلك هي إحدى مخرجات مؤتمر الموصل وكرسي اليونيسكو.

***

د. عبد الحسين شعبان

منذ قيام دولة الاحتلال والطابع القائم للجيش هو المعروف "بجيش الشعب". حيث أن القانون يفرض التجنيد الإلزامي بهدف صهر الشعب اليهودي في بوتقة ما تسمى "إسرائيل " ضمن رؤيا تقول بأن "كل الشعب جيش". لكن هل ما زالت هذه المقولة قائمة اليوم؟

والجواب هو أن تلك المقولة لم يعد لها وجود سوى في وعي قادة دولة الاحتلال لأن غالبية مواطني هذه الدولة لا تخدم في الجيش. فاليوم هنالك تآكل فيه بسبب تراجع وانخفاض معدلات أبناء وبنات الشبيبة في صفوف هذا الجيش ورفضهم الخدمة فيه لعوامل مختلفة منها تعميق التمايز داخل الجيش وتقسيمه إلى ما يمكن تسميته"أربعة جيوش" ما أحدث صدوعا في صورة جيش الشعب وهالته. وهناك قيمة المساواة التي تتعرض للتآكل ليس فقط بين المتجندين وغير المتجندين إنما أيضا داخل تشكيلات المتجندين نفسها وتآكل قيمة مثل المساواة في الخدمة العسكرية للسبب الذي ذكرناه ويتسم بها هذا الجيش المقسم إلى أربعة جيوش.

كما أن الدور السيء الذي يؤديه الجيش كشرطي في الأراضي الفلسطينية أدى إلى اهتزاز مكانته في سلّم القيم.

وقد كانت الصدمة حينما قام هذا الجيش والذي يعتمد على جنود الاحتياط باستدعاء عشرات الآلاف فكان أن رفض عدد منهم التجنيد في غزة.

وكان قد أعلن عشرات الطلاب الذين من المفترض أن يكونوا في طريقهم للتجنيد ليس فقط بسبب الإصلاح القضائي الذي يقترحه بنيامين نتنياهو إنما لأسباب إضافية منها رفض العدوان على غزة لأسباب ضميرية.

وقد قال "تامير هايمن" القائد السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية على إثر الإصلاح القضائي الذي أوصى به نتنياهو "نحن في أيام مصيرية بالنسبة للمجتمع"الإسرائيلي" وايضا لمستقبل الجيش كجيش الشعب" وحذر قائلا "أن الجيش معرض لخطر جسيم وملموس من التفكيك".

وها هو "تال فيتنيك" البالغ من العمر ١٨ عاما من "تل أبيب" يرفض الخدمة لأنه لا يريد أن يشارك في استمرار دائرة سفك الدماء في غزة.

أما "صوفيا أور" والبالغة من العمر أيضا ١٨ عاما ترفض المشاركة في الحرب على غزة لأسباب أخلاقية، حيث قالت " فأنا أرفض المشاركة في سياسة القمع والفصل العنصري العنيفة التي تمارسها"إسرائيل" ضد الشعب الفلسطيني وعلى الأخص الآن في غزة".

وهناك من رفض التجنيد في الحرب على غزة بسبب الخوف والرعب من المواجهة والوقوف أمام المقاومة الفلسطينية الشرسة.

فهل هذه بداية انهيار الجيش الذي لا يهزم؟ وهل سيعلن بنيامين نتنياهو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها عن جائزة لمن يعثر على جيش شعبه؟

***

بديعة النعيمي

علمتنا حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني أنه ليس بالضرورة (أن عدو عدوك صديقك) فهو يعادي عدوك دفاعاً عن مصالحه وقد لا تلتقي مصالحه مع مصالحك، بل قد يكون عدو عدوك عدوك أيضاً إن تعارضت مصالحه مع مصالحك، وخصوصاً إن كانت صداقتكم مبنية على الشعارات والايديولوجيا وإن لم تُحسن توظيف عداوة صديقك المفترض مع عدوك الفعلي لصالحك .

كما أنه ليس دائماً أن من يزعم أنه عدو عدوك عدوه بالفعل فقد يكون عداؤه لعدوك ظاهرياً يخفي تحالفاً مبطناً.

لقد كشفت هذه الحرب من هم الأصدقاء الحقيقيين ومن هم الذين يتظاهرون بصداقة الشعب الفلسطيني لمجاراة مشاعر شعبية مؤيدة للفلسطينيين أو لإخفاء عجزهم وتآمرهم، وعند الشدة لم نجد لهم أثراً.

لقد كشفت الحرب الصداقة الزائفة لتركيا التي وظفت القضية الفلسطينية لصالحها والتمدد في العالم العربي على حساب مصلحة الفلسطينيين ووقفت موقف المتفرج على ذبح الفلسطينيين، وكشفت الحرب حقيقة إيران الفارسية و مزاعمها حول تحرير فلسطين وفزّاعة جيش القدس المليوني وكيف انحازت لمصالحها القومية وتجنبت الدخول في حرب مع العدو مكتفية بمناوشات شيعة العرب في اليمن والعراق ولبنان، لتزعم لاحقاً أن الشيعة وحدهم وقفوا لجانب الفلسطينيين فيما خذلهم العالم السني.

وأسقطت الحرب وكشفت أسطورة الأمة العربية وأن فلسطين قضية العرب الأولى حيث كانت مواقف كثير من الأنظمة العربية وخصوصا الخليجية منحازة لإسرائيل أكثر من انحيازها للحق الفلسطيني. وأهم ما كشفته الحرب أن الصديق الوحيد للشعب الفلسطيني الذي يمكن ويجب المراهنة عليه هو الشعب الفلسطيني نفسه ورأي عام عالمي بدأ يتحرر من سطوة الرواية اليهودية الصهيونية .

***

إبراهيم ابراش

 

عادة ما توصف الشخصية النمطية في السردية بأنها أحادية البعد وتفتقر إلى العمق. ومن هذه الشخصيات النمطية الشخصية الشريرة التي تجسد الشر والشيطنة. وفي سردية مجزرة الطحين التي وقعت على دوار النابلسي جنوبي غربي مدينة غزة حين حاول المدنيين الوصول إلى إمدادات إنسانية قبل أيام ادعى جيش الاحتلال أن ما حصل نتيجة التدافع والهجوم على المساعدات.

فراوي السردية هنا هو جيش الاحتلال الذي حاول رواية قصة حتم عليه خياله أن يسردها بقالب نمطي لم ولن يتغير تجاه الآخر"الفلسطيني". وهي قوالب جاهزة دائما في مخيلة وأجندات قادة هذه الدولة. فالأمر عندهم دائما يتعلق بالمجموعة الضعيفة من وجهة نظرهم.

وقد حاول الجيش من خلال سرديته المقولبة والنمطية تلك، أن يشوه الواقع الاجتماعي للمجموعة الاجتماعية "الفلسطيني" سواء على مستوى المدنيين أو مقاومتهم وعلى رأسهم القسام. حيث اتهم المدنيين بالهمجية والهجوم بتدافع على شاحنات المساعدات ما أدت إلى موتهم. وأن المقاومين من القسام أطلقوا النار على أولئك المدنيين بهدف سرقة المساعدات. وواصل سرده بأن أفراد جيشه الطيب أطلق النار في الهواء خوفا من إصابة المدنيين ثم اضطروا للتصويب على الأرجل فقط لحماية أنفسهم،  وهنا يصور الجيش نفسه "بالطيب" ويبعد عنه صورة المجرم والقاتل.

 وهذا الادعاء قد أظهر المدنيين ومقاومتهم بالشكل النمطي المقولب"الشرير". واستراتيجية "الشرير" استراتيجية استعمارية غربية بامتياز. ولينتبه هذا المحتل السارد الكاذب بأن الفلسطيني ليس ذلك الهندي الأحمر الذي صورته أفلام هوليوود بالمتخلف "الشرير" والهمجي الذي يسلخ فروة الأبيض "الطيب" المتحضر الذي جاء بالحضارة للقارة الأمريكية فاستولى على الأرض وأعطته مبررا لاحتلالها أمام ذلك الشرير.

ويبقى الأوروبي الذي سرق أرض الهندي هو ذاته الصهيوني الذي سلب فلسطين، فكلاهما مستعمر،  نتن وعنصري.

إلا أن الفلسطيني لم يسكت عن حقه منذ البداية بدءا من الاستعمار البريطاني الذي مهد الطريق لليهود للاستيلاء على فلسطين. ولن يسكت الآن، وهذا ما أثبته الفدائي الأول حين انطلق من غزة. واليوم يكمل مسيره المقاوم من الفصائل الفلسطينية على رأسهم القسام.

فماذا يتحتم على المتلقي لسردية مجزرة الطحين؟ هل يصدق المجرم الحقيقي ويضعه مكان الضحية؟ فيكون المؤلف قد قلب الأدوار مبررا للشرير الحقيقي جريمته؟ أم أن السحر سينقلب على الساحر وينقلب السيناريو لصالح الضحية؟

***

بديعة النعيمي

 

لابد من التساؤل الغريب الذي خلاصته: ما هو الدين؟

هل الدين العمل؟

وما هو دين أدعياء الدين؟

النفوس البشرية طينية الطباع، بمعنى أن ما في التراب فيها، فلا يوجد تراب طاهر نقي، وليتوهم المتوهمون، وليتصوروا كما يحلو لهم، فالذي خُلِق بأحسن تقويم، إنتصر عليه الشيطان الرجيم، وتمثله النفوس الأمّارة بالسوء الفاعلة فينا رغما عنا!!

"إنا خلقناهم من طين لازب" الصافات: 11

"هو الذي خلقكم من طين...." الأنعام:2

لازب: لاصق

وما في الطين في البشر، ويبدو أن هناك قواسم مشتركة بين مادة الخلق والمخلوق، ويمكن القول أن جميع المخلوقات أصلها الطين، فمنه تنبثق وإليه تعود!!

هذه الكينونة الطينية تدفع بالعديد من أدعياء الدين لإستثمارها والتقليل من قيمة الحياة ونكرانها، وتحبيب الموت والحث عليه، ودفع المغفلين إلى جحيمات سقر بإسم الأدينة المعتقة في قوارير الدجل والتضليل والبهتان المُعطّل للعقول.

ويمكن القول أن الأصول الطينية أو الترابية تحققَ إستخدامها، لإستعباد البشر والنيل من كرامتهم وحريتهم، وإيهامهم بأنهم أسرى ومقهورين، وكلما زاد الجور والحرمان عليهم، صار الموت من أهدافهم التي ستمنحهم السعادة المطلقة، وكأنهم لا يعرفون بأنهم فرائس التراب، ويقدَمون له هدايا طازجة بإسم الدين المُعلب في أوعية النفوس الأمّارة بالسوء، التي يمثلها المؤديَنون من أصحاب العمائم المدنسة بالأفك والرياء والنفاق، ودينهم دنانيرهم وجيوبهم المثقوبة.

و"إن الدين يُسر، ولن يُشادَّ الدين أحد إلا غلبه"!!

و"مَن أطاع هواه، باع دينه بدنياه"!!

فأين جوهر الدين، يا أمة النور المبين؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

كنت ولا أزال أقول وأكتب دائماً: إن الصمت عن الخراب الذي حل بالعراق، شراكة في المسؤولية تتحملها جميع القوى السياسية، لأن مصائر البلدان لا يمكن أن تُترك لنهّازي الفرص من السياسيين الذين اكتشفوا بعد ” خراب البصرة ” فجأة أن الدولة المدنية هي الحل .

إنّ أفظع ما يدور من جدل مخجل، هو أن الجميع يتساءل: من يقف وراء الخراب الذي حل بنا، ومن صنعه، ويضحك ذوو الإجابة "الجاهزة" ويقولون مع ابتسامة "ساحرة" وهم يقلبون بأوراق "الروزنامة" فيقع بصرهم على متظاهري تشرين، إذن الشباب الذين خرجوا يرفعون شعارات ضد الفساد ويطالبون بدولة العدالة الاجتماعية وتطبيق القانون هم الذين جاءوا بكل هذا الخراب، سيقول البعض وهو محق حتماً، بالأمس تكتب عن الفرهود، واليوم تريد لنا أن نصفق لتظاهرات تفتح باب الفوضى، أيها السادة لم تكن الفوضى يوماً غريبة عن مجتمعنا فصبيحة كل يوم نقرأ في الأخبار عن العشيرة التي قطعت الطريق الدولي، والقبيلة التي تريد لها حصة في مشاريع إعمار البصرة، والعشيرة التي تهدد القوات الأمنية، عشائر تمتلك السلاح الثقيل، لكنها في الوقت نفسه تتغنى بسيادة الدولة وتعزف أنغام نشيد "السلاح بيد الدولة".

هذه هي أنباؤنا أيها السادة، فنحن الشعب الوحيد الذي يضحك عندما يقرأ خبراً يقول إن الرئاسات اجتمعت وتدارست وقررت أن تعلن "حصر السلاح بيد الدولة".. أما كيف، والسلاح مزدهر بجميع أنواعه: قنابل يدوية، رشاشات، صواريخ، وأيضاً مدرعات إذا تطلب الأمر.

يا سادة "حصر السلاح بيد الدولة"، هذا أقصى ما تتمناه الرئاسات الثلاث، وأقصى ما نُفرح به هذا الشعب الذي ظل ساهراً ليعرف نتيجة المباراة بين عشائر الناصرية .. إنسوا أن برلماننا الموقر ينادي بتأسيس مجلس للعشائر يدير هذه البلاد، وإنسوا أن معظم مسؤولينا يحتمون بعشائرهم في مواجهة الشعب، لا أُريد أن أقلب على حضراتكم المواجع في هذه الزاوية الصغيرة بشجون بلاد الرافدين لكننا أيها السادة لانزال نشغل الفيسبوك بشعارات العشائرية والكوامة والفصل العشائري و" أنت من ياعمام؟ "، لا يمكن أن نتصور أبداً أن هذا شعب يريد التطلع إلى المستقبل، ومدعي المدنية فيه تجدهم أول من يستدعون عشائرهم في أبسط نزاع .

لا أدري ماذا سيقول العالم المتحضر وهو يسمع ويشاهد معركة عشائر الناصرية التي جرت هذه الأيام والتي تخبرنا الأخبار العاجلة أن العشائر تصارعت بمختلف أنواع الأسلحة، وان رؤساء العشائر ينامون مطمئنين، فهم يعرفون جيدا ان قاذفاتهم أقوى من القانون .

***

علي حسين

للاسف البعض من المسؤولين يفترض أن العراقيين مجموعة من المصابين بداء فقدان الذاكرة، يجعلهم يرون هلاوس وحكايات على أنها حقائق. ولهذا لابد من ضبط حركتهم ومراقبة احاديثهم ومحاسبتهم عندما يصرون على ازعاج المسؤول الكبير .

كنت في هذا المكان قد حدثتكم عن كتاب بعنوان " العراقيون على طاولة التشريح " لمؤلفه الأستاذ طارق عبد الحميد الكنين، والكتاب الذي أعود إليه بين الحين والآخر أشبه بموسوعة تغوص في أحوال العراقيين وما جرى لهم، ويذكرني المؤلف بموسوعية الراحل علي الوردي عندما خرج لنا بكتابه الفريد " لمحات اجتماعية في تاريخ العراق " فالكنين يحاول مثل الوردي أن يربط بين الحكاية الاجتماعية بالظواهر السياسية التي يعج بها المجتمع العراقي في السنوات الأخيرة وهو يعترف بفضل الوردي في تحديد منهجه لقراءة الحوادث التاريخية أو المعاصرة، فيأخذنا معه في سياحة طريفة يلتقط فيها الحوادث من هنا وهناك ليقدم من خلالها عرضاً ممتعاً لكنه يحمل الكثير من الأسى لسلوك العراقيين مستعينا بآراء ومقتطفات لمجموعة من الكتّاب الذين رصدوا تحولات المجتمع العراقي. ولأنني مشغول هذه الأيام بمتابعة الشأن العراقي العام وماطرأ عليه من تحولات خطيرة فقد استهوتني لعبة الأستاذ الكنين وهو يربط الماضي بالحاضر مقدماً لنا وثائق من التاريخ تسلط الضوء على صفحات مشرقة أحياناً ومؤلمة أحياناً أخرى من تاريخ الشعب العراقي. من بين الفصول التي تمنيت أن يقرأها كل مهتم بالشأن العراقي الفصل المعنون " الفساد في العراق الحديث " حيث ينشر لنا المؤلف عدداً من الوثائق والحكايات لعل أطرفها وأبلغها ما جاء في مذكرات المرحوم توفيق السويدي من أن الملك فيصل الأول طلب مبلغاً من المال بقصد المعالجة خارج العراق، لكن الوزارة التي كان على رأسها ساسون حسقيل رفضت ذلك قائلة " إن الملك يتقاضى مخصصات ملكية كافية لجميع أموره الشخصية مما يبرر صرف المبالغ اللازمة للمعالجة الطبية من جيبه الخاص ". ومن دفاتر عبد الرزاق الحسني يستشهد بهذا الخبر الذي يقول إن توفيق السويدي نائب رئيس الوزراء أراد تعيين شقيقه عارف السويدي رئيساً لمحكمة التمييز خلفاً للقاضي الإنكليزي " بريشارد " فلم يوافق مجلس الوزراء على طلبه بسبب الشكوك التي تحوم حول استقامة شقيقه حيث خشي المجلس من الغاية التي قد يجتمع الشقيقان من أجلها.

ربما يقول البعض يارجل: تكتب عن الديمقراطية وتتحدث عن الحريات وترفع شعار اليسار وأنت تروِّج للملكية، ماذا أفعل ياسادة وأنا أتابع ما جرى في قضية بيت السيد رئيس الجمهورية، فالرجل بعد أن قرر إغلاق قناة في اليوتيوب لأحد الإعلاميين حذرنا من الاقتراب من قلاعه، وبيوته التي حصل عليها بكده واجتهاده.

***

علي حسين

منذ عام ١٩٦٧ أقدمت دولة الاحتلال على تحويل الضفة الغربية وقطاع غزة إلى سجن كبير كما يسميه المؤرخ اليهودي "إيلان بابيه" عن طريق مشروعين رئيسيين خارجي وداخلي. الخارجي يقضي بتمزيق الضفة الغربية وقطاع غزة عبر دقّ أسافين استيطانية فيها.

أما الداخلية فعن طريق إصدار متواصل لمراسيم هدفها مصادرة الأراضي الفلسطينية بهدف تحويلها إلى مستوطنات. فما معنى أن يتمدد الاستيطان ليضم عشرات الكيلومترات لم تكن يوما جزءا من القدس ،فقط لتكون العاصمة الأبدية كما يدعون لدولتهم المشوهة.

وما معنى أن تهدم حي المغاربة والسريان وحي الشرف بمساجدها ومدارسها وأسواقها التجارية؟ ما معنى أن تُمحى بهدف التهويد وأن يُطرد سكانها الذين تمتد جذورهم آلاف السنين خارج الحدود؟ وكل مرة يتبجحوا بالأمن ،والهدف هو اقتلاع الفلسطيني من أرضه والاستيلاء عليها وسط تجاهل المجتمع الدولي ومباركة أمريكية للهدم وبناء المستوطنات. وما معنى جميع الانتهاكات التي يتعرض لها شعبنا الفلسطيني داخل الخط الأخضر وفي الضفة الغربية وقطاع غزة؟ ما معنى اقتحام المسجد الأقصى المبارك من قبل قطعان المستوطنين وإقامة طقوسهم التلمودية؟

لأجل ذلك كله كان ٧/أكتوبر، عملية استرداد لكرامة العربي قبل الفلسطيني.

وتعتبر حرب الأنفاق وغيرها من البنى التحتية طريقة أخرى للمقاومة الفلسطينية. وقد نجحت هذه الطريقة في إضعاف مزايا القوة الجوية المتمثلة بالاستخبارات وتوجيه الضربات ، لذلك تتطلب تكتيكات مواجهة الأنفاق قوات برية. وهذا ما لم يمكّن جيش العدو من تحقيق أي هدف استراتيجي في حربها على غزة ٢٠٢٣-٢٠٢٤ التي تذرعت بها لتدمير ما تسميه الإرهاب وأنفاقها.

فمنذ بداية هذه الحرب وهذا الجيش بوحداته الهندسية للمهام الخاصة وهو يحاول الكشف عن شبكة أنفاق المقاومة التي تشكل جزءا رئيسيا من أسلوبها في القتال كما ذكرنا. وبالرغم من التوغل البري للكشف عن هذه الأنفاق إلا أنها ما زالت تفشل وكل ما كان قادة الجيش يتفاخرون بالعثور عليه من أنفاق إنما هو خارج عن الخدمة. أو كمين نصبته المقاومة لهم فقتلت العشرات وأخذت العديد من الرهائن.

وقد تفاجأ جيش الاحتلال بحجمها وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم جاهزيتها لحرب كهذه بالرغم مما أوصي به بعد حرب ٢٠١٤ على غزة من تطوير قدراتها على حرب مستقبلية تخوضها عبر الأنفاق.

وبسبب هذا الفشل لجأت قوات الجيش الجوية والبرية والبحرية إلى قصف المدنيين والبنى التحتية. كما لجأت إلى ارتكاب كل ما فيه انتهاك للقوانين الدولية والإنسانية. وقد صرح ضابط بجيش الدفاع اليهودي بعد حربها على غزة ٢٠١٤ "لا تزال "إسرائيل" عديمة الخبرة في القتال القانوني وهو أمر لا يتوافق مع مبادئها ،فهي تعتقد بأنها إذا خاضت حربا فليس لأحد أن يتدخل فيها".

كيف لا يكون لها ذلك وهي "طفلة امريكا المدللة"؟

وتتسم حرب الأنفاق بأنها حرب معقدة إذ تمكن الطرف الذي أنشأ النفق اختيار المكان والزمان الذي ستبدأ به المعركة. وقد مكنت المقاومة الفلسطينية من تنفيذ عمليات خلف خطوط العدو وستمكنهم أيضا من جعل هذه الأنفاق مقابر جماعية لهذا العدو الفاشي المهزوم.

***

بديعة النعيمي

 

كيف تجتمع الأخلاقُ المتنافرةُ في قرارٍ أمريكيٍّ أجوفٍ يستهدفُ مواراةَ جرائمِ الإبادة التي يمارسها الاحتلالُ الإسرائيليُّ ضد الجياع القابضين على الجمر في غزة، من خلال الجسر الجويّ الأمريكي الموعود من قبل بايدن؛ كيْ ينثرَ فتاتَ المعونات الإنسانية على أهل غزة، أصحابِ البطونِ الخاويةِ والعقولِ العامرةِ بالكرامةِ والإيمان.

يحدث كل ذلك، بينما تتكدس آلافُ الشاحناتِ بحمولاتها التي أصابها العفن، خلف معبر رفح المصري، الخاضعِ لسيطرةِ العدوِّ والصديق! واخيبتاه!

ألا يخجل الأمريكيون -ومن يدور في فلكهم- من أنفسهِم على إزدواجية المعايير في التعامل مع غزة القابضة على الجمر؟

فمقابل وعودهم بدعم أهل غزة بالمعونات الإنسانية على إثر مذبحة الطحين، يساهمون بلا خجل في قصفِ غزة بأسلحتِهِم الفتاكة خلال الحرب الدائرة منذ أربعة أشهر خلت، ما جعل الطيار الأمريكي آرون بوشنيل يحرق نفسَه أمامَ السفارة الإسرائيلية في واشنطن، احتجاجاً على مشاركة بلاده أمريكا، في العدوان الجائر على غزة! ورفضاً منه لأوامر قادته العسكريين.

والأنكى من كلّ ذلك أنّ قادة الولايات المتحدة يخططون لإدخال قوات أمريكية راجلة إلى رفح لمواكبة تدفق المساعدات الأمريكية الموعودة! بذريعة تولي حماية أهل غزة المحاصرين، في استخفاف مفضوح لعقول الناس في عالم يسوده الرياء.

فكيف يطالبُ الذئبُ المتربصُ بالحملان، بحضانتها وحمايتها من الهلاك؟

ألا يثير هذا الأمرُ الريبة في أنْ يكونَ الجسرُ الجويُّ الأمريكيُّ الموعود مجرد حصان طروادة؛ بغية إدخال رماةِ السهام المسمومة في عمق غزة التي استحالت على جيش الاحتلال المدرع بالأوهام والغارق في الفشل!

طبعاً ستكون المقاومة للأمريكيين بالمرصاد لو داهمتهم أفكار حمقاء كهذه، وفق تصريحات قادتها في أكثر من مناسبة، فهذه خطوة مُباغتَة لغزة لو تحققت على أرض الواقع في ميدان ملتهب، حتى لو شَرْعَنَتْها الأممُ المتحدةُ التي داست "إسرائيل" على كلِّ قراراتِها بشأن القضية الفلسطينية منذ عام 1948، مستقويةً بالفيتو الأمريكي.

فالجسر الأمريكي ما هو إلا أكذوبةِ للنوايا الحسنة بحيث يقدم العم سام عبرَهُ الفتات من الإعانات المغموسة بالمذلّة لأهل غزة، في الوقت الذي تتوارى خلفه جسورٌ بريةٌ وجويةٌ وبحريةٌ عملاقة، تتدفق عبرها -منذ بداية الحرب- المعوناتُ العسكريةُ والماديةُ والغذائية دون حساب، من باب المشاركة الكاملة في إبادةِ أهلِ غزة وتركها أرضاً محروقة يباب، مع أن الفينيق الكنعانيّ الفلسطينيّ سيخرجُ من بين الرّمادِ أشدَّ قوةٍ كما تقول الأساطير.

(2)

شيطانُ وعمائم

صحيح أن هناك شيوخاً أفاضل شرفاء يتوشحون نياشين الكرامة، ويحضّون على الجهاد ضد الاحتلال وحملِ البنادق بقلوبٍ عامرةٍ بالإيمان، دفاعاً عن حقوق الفلسطينيين وكرامة الأمة.

ولكن بالمقابل فإن للشيطان منافذاً إلى قلوب وعقول كثيرٍ من المعمّمين، الداعمين للاحتلال بفتاويهم المزيفة، فيثيرون الفتنَ الطائفية، وقد أحسنوا التطبيلَ الأجوفَ لمن يدفع أكثر في سوق النخاسة.

يتجاوزون جوهرَ القرآن الكريم ويخضعونه للتأويلاتِ وفقَ مقتضيات الحاجة والمصالح، يوهمون بمبادئ الدين الحنيف، بينما هم يغطّون على منابعِ النفعيةِ التي يفيضُ بها كتابُ الأمير لميكافللي، واضعين السُّمِ الزعافِ في الدسم، من خلال الدعوة إلى تقديم المصالح على المبادئ وخلط العام بالخاص، مهما شذّت وسائل تحقيقها.

ألا يُعَدُّ الأمرُ على هذا النحو إستغلالاً للدين في أبشع صوره! أمْ أنَّه في تعدُّدِ المعايير يكون كلُّ شيء جائزا؟

يفعلون ذلك بلا حياء، عبر الفضاء الرقمي، تناغماً مع موجات الذباب الإلكتروني المتصهين وما يبث من أكاذيب لصالح سرديةِ الاحتلال، بدعوى حماية أهل غزة من أنفسهم، وحقناً لدمائهم؛ وكأن الكرامةَ لا ثمن لها، والدفاعَ عن الأعراضِ يتحقَّقُ مجاناً دون تضحيات.

وعليه فإنَّ من المنفِّرات المسيئةِ للأديان، أن لا يجدَ الناسُ قدوتَهم في شيوخٍ يدّعُوْنَ العلمَ والتقوى، بينما يعتبرون مقاومةَ الاحتلالِ والدفاعَ عن الأعراضِ في غزة تهورا! ويطالبون بالتطبيع معه من باب الرضوخ للأمر الواقع ومداراة لشره وطغيانه.

هؤلاء هم شياطينُ متصهينةٌ معممة، وحصادُهم بلا ريبَ هي الخيبة، كأنهم قطعانُ تملأ الفضاءَ الرقميَّ بالثغاء، وهي تقتفي خطى الرِيُوعِ المُرْتَضِعَةِ من أثداءِ الأُتُنِ النَهّاقة؛ إلا من رحم ربي.

***

بقلم بكر السباتين

4 مارس 2024

 

نعم، لن تبدو لك الرياضيات صعبة، إذا اتبعت القواعد السبع الآتية:

1. ذاكر قليلاً درس الرياضيات كل يوم، ولكن كل يوم، وذلك بانتباه وتركيز، ولتكن لديك حاسة التفكير المنطقي والمثابرة.

2. إبدأ بقراءة عامة لنص الدرس، ثم أعد القراءة وأنت على استعداد للكتابة، وبمجرد أن يُعرض لك أحد الأمثلة أنقله على الورق كأنه تمرين، ثم قم بحلّه. والشيء ذاته عندما تواجهك نظرية وبرهانها، إنقل نص النظرية فقط إلى الورق وقم ببرهنتها دون أن النظر إلى الكتاب المقرر.

3. إجعل نصف الوقت المخصص للرياضيات، وربما أقل لدراسة النظريات والمفاهيم والحقائق والتعريفات، والباقي للتطبيق، أي للتمرينات.

4. لا تنتقل إلى خطوة جديدة ما دامت قد بقيت أمامك نقطة غامضة.

5. إرجع للبداية كلما واجهتك صعوبة، ولا بأس أن تعتبر عملية التفكير، حواراً ذهنياً أو نقاشاً بينك وبين نفسك. لأن الذي يحل تمارينه بنفسه، يحدّث نفسه، ويتقدم على هذا المنوال.

6. لا تكتف بمحاولة واحدة للحل أو البرهان، ولكن قم بمحاولتين أو حتى ثلاثاً (إذ يمكن أن تصل إلى النتيجة ذاتها باستخدام عدة محاولات مختلفة).

7. لا تكن عجولاً، وتذكر دائماً أن العناصر الأساسية لحل المسألة في الرياضيات، هي حقائق تعتمد بما حصلت عليه من معارف سبق أن تعلمتها، أو تمارين سبق أن قمت بحلها أو نظريات سبق أن برهنت عليها. ولهذا فإن الفكرة الجيدة للحل أوالبرهان تُبنى على الخبرة السابقة والمعارف المكتسبة. أضف إلى ذلك استخدم دئماً القلم والورق، أي الكتابة، لأنها تزيد من الاستيعاب والفهم.

***

* أحمد محمد جواد الحكيم

باحث وأكاديمي عراقي (ماجستير في الرياضيات)

..........................

لمزيد من التوسّع في هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى:

(1) جورج بوليا، البحث عن الحل، ترجمة أحمد سليم سعيدان، ط2، دار مكتبة الحياة، بيروت، 1965.

(2) مجلة المعرفة، العدد 92، شركة ترادكسيم، جنيف.

 

في كل يوم يسطر الشعب الفلسطيني بطولات وإنجازات من خلال عمليات فدائية فردية وبطولات جماعية بصموده في غزة والقدس والضفة في ظل صمت عربي وإسلامي رسمي وحتى شعبي في بعض البلدان، وبالرغم من فداحة الخسائر في الأرواح وتدمير البنية التحتية في قطاع غزة وانتشار الجوع والأمراض باعتراف مراقبين ومؤسسات دولية، إلا أن هذا بحد ذاته يرد على كل المتآمرين على فلسطين الذين زعموا أن الفلسطينيين باعوا أرضهم قبل حرب ٤٨ ليبرروا هزيمة جيوشهم المبرمجة في تلك الحرب التي خططت لها بريطانيا لتمكين اليهود من اقامة دولتهم، وهذا الصمود والبطولة يرد أيضاً على أعراب اليوم الذين يخفون عجزهم وخيانتهم وتطبيعهم مع العدو بالزعم أن الفلسطينيين استسلموا لواقع الاحتلال والانقسام وتخلوا عن قضيتهم الوطنية.

 صحيح أن هناك غياب استراتيجية مقاومة وطنية تجمع بين العمل العسكري والعمل السياسي والدبلوماسي وهناك انقسام واهتراء للنظام السياسي الرسمي. ولكن بكل صراحة وبعيداً عن تضخيم الذات وتضخيم قدرات المقاومة، حتى لو توفرت هذه الاستراتيجية فلن يستطيع الفلسطينيون وحدهم هزيمة العدو وتحرير كل فلسطين في ظل الدعم الأمريكي والغربي للعدو وتواطؤ وعجز الحكومات العربية والإسلامية، لا يستطيعون الآن تحرير فلسطين التي أضاعتها حروب العرب الخيانية أو الفاشلة حيث ضاع 78% من فلسطين بسبب حرب 48 الخيانية وتم فقدان بقية فلسطين بسبب نكسة حرب 1967.

ويا ليت المؤيدين جداً للمقاومة المسلحة في غزة والذين يحثون على استمرارها وعلى صمود أهل غزة متجاهلين حجم المعاناة والخراب والدمار والذي يعترف المراقبون والمختصون الأجانب بأنها أكبر جريمة حرب وإبادة بشرية في التاريخ، يا ليتهم، إن كانوا يؤمنون بالفعل بجدوى العمل العسكري لتحرير فلسطين، أن يعملوا زي مقاومة غزة حتى وإن تعرضوا لبعض ما يتعرض له أهل فلسطين وأهل غزة خصوصاً من قتل وإصابات واعتقال، والقواعد والسفارات والمصالح الإسرائيلية والأمريكية على مرمى حجر من أماكن سكناهم وتجمهرهم.

معركة تحرير فلسطين في ظل التوازنات الدولية الراهنة وبعد حرب الإبادة في غزة لم تعد مقتصرة على الحرب المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بل تحتاج لاستراتيجية مقاومة شعبية شاملة ومعركة دبلوماسية توظف حالة التعاطف العالمي مع شعب فلسطين، لذلك نتمنى من كل المتعاطفين والمؤيدين للقضية التركيز على كيفية تغيير المعادلة والتوازنات الدولية الرسمية المنحازة حتى الآن لصالح العدو وتغيير سياسات الأنظمة العربية وخصوصاً المطبعة مع العدو بدلاً من الانشغال بالوضع الفلسطيني الداخلي وتصنيف الفلسطينيين ما بين وطني وخائن.

من لا يستطيع دفع حكومته لقطع علاقاتها مع دولة العدو الغاصب ولا يستطيع دفع بلده لإدخال ولو كيس طحين أو كرتونة دواء لأهالي غزة، ومن يعلم أن مظاهراته وعواطفه مع شعب فلسطين، وهو أمر نقدره، لا يؤثر على العدو وعلى مجريات الحرب، لا يحق لهؤلاء تقديم النصح للفلسطينيين أو المزاودة عليهم.

***

ا. د. ابراهيم أبراش

 

[إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ]: 82 يس

كُن ... فعل أمر فاعله - هو -: في انما أمره - هو الله - إذا أراد شيئا وهو تعبير عن إنشاء شكل جديد له شيئية جديدة .. فـ .. الفاء حرفُ عطفٍ ترتيبي في محل الاستئناف والاستئناف هنا يفيد التعاقب لأنه يتحدث عن كائن لم يكن موجود ، لذلك فأنه لابد من أن يكون هناك فارق زمني بين ماكان وما سيكون يكون .. فعل مضارع يفيد المستقبل بمعنى سوف يحدث عطفا على دلالة إلفاء الترتيبية الاستئنافية ، وعلى هذا الفهم اللغوي للآية المباركة

يكون قول الله تعالى: [وجعلنا من الماء كل شئ حي]: الأنبياء الآية 30 - هو أول تحول من اللاحياة إلى الحياة وهي عملية تحول من والى وليست عملية ايجاد من العدم حيث يقول الله تعالى « وجعلنا من الماء » فهو سبحانه يشير إلى الماء باعتباره اصلا للحياة والجعل هنا يعني إعادة تشكيل الابعاد الهندسية والأقيام الذرية لإنتاج الخلية الحية وكل ذلك مسبوق بالإرادة (فإذا أراد شيئا فإنه يقول له) بمعنى يوعز للشيئ القائم  « الماء » كُن شيئا اخر فيكون شيئا اخر مختلف في كينونته والكينونة هي الهيأة ، بمعنى أن كن فيكون تعني اختلاف الشيئية بين شيئية الماء وشيئية ماتشكل عن الماء وذلك يشير بوضوح إلى أن ماتشكل قد تَشَّكل بإضافة خصائص الماء، ولكن كيف يمكن أن يكون الماء لوحده كافيا لاتمام خلق الهيأة !؟ إذا علمنا أن هيأة الماء ناتجة عن اتحاد ذرة اوكسجين والتي تمثل المركز في جزيئة الماء مع ذرتين من الهيدروجين ، وهو تركيب ذري لا يتغير في حال تغيرت هيأة الماء من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة أو في حالة التحول إلى بخار .. من هنا نفهم أن جزيئة الماء لوحدها لايمكن أن تتحول الا إلى حالتين هما البخار أو الثلج مع بقاء التركيب الذري ثابتاً « H20 » بمعنى أن الماء في أيٍ من حالاته لن يكون خلقا آخر غير الماء فأنه أما أن يكون بخارا أو ماءً سائلا أو ثلجا اذن فأن قول الله تعالى وخلقنا من الماء كل شيئ حي .. لايعني أن الله قد خلق الأشياء المادية من الماء وانما لابد لكل ماخلقه سبحانه سيكون الماء بتركيبته الذرية داخلٌ فيه أو مؤثرٌ فيه ، وفي الوقت الذي يشير الله تعالى إلى دخول الماء في خلق كل شيئ حي فأنه عندما يتحدث عن التراب كمادة للخلق فأنه سبحانه يستخدم التخصيص حيث أنه أشار فقط إلى خلق الانسان من تراب

وبذلك فإن الإنسان مخلوقٌ من التراب وهو يشترك مع باقي المخلوقات في جعل الماء مشتركا لازما للحياة

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ الروم الآية 20

﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾. ال عمران آية 59

﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُل ﴾ الكهف الآية 37

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا ﴾ ثم يقول الله تعالى في نهاية السياق

﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ الحج الآية 5

لاحظ هذه الآية التي بعد أن ثَبَّت الله فيها حقيقة جعل الماء مصدرا للحياة وحقيقة أن التراب هو المادة الأولية لخلق الانسان ؛ فأنه سبحانه يشير إلى الأرض بأنها « هامدة » بمعنى لاحياة فيها من دون أن ترتبط بالماء في قوله (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت ) والهامد في اللغة يعني أنه لايتحرك كما نقول عن الميت بأنه جثةً هامدةً بمعنى أن علامة موتها أو دليل موتها أنها لاتتحرك ، لذلك جعل الله تعالى كلمة اهتزت بمعنى تحركت دليلا على الحياة بعد أن كانت ميتةً هامدة لاحراك فيها . ومن ثم وبعد أن ينزل الماء على التراب بأمر الله ويرتبط به ويصبح طيناً فإنه يقول .. بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾ 12 المعارج

لاحظ كيف أن الله تعالى قد جعل كيفية الخلق عبارة عن عملية متعاقبة منطقية فهو سبحانه في الوقت الذي يخبرنا بالخلاصة المتمثلة بخلق الإنسان من طين فأنه ايضا يشرح لنا الكيفية وهي أن الأصل في ذلك هو حتمية ارتباط الماء بالتراب ومن ثم طين لازب كما يصفه الله في قوله انا خلقناهم من طين لازب .. بمعنى متماسك ومن ثم يشير إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة تحويل الطين المتماسك إلى جسد بقوله خلق الانسان من صلصال كالفخار، حيث أنه سبحانه هنا يشبه صلابة هذا الصلصال الذي لم تمسسه النار بالفخار بمعنى أنه اكتسب صلابته من غير نار وهذا يعني أن ذلك استغرق وقتا طويلا ليصل إلى الصلابة الكافية لكي يتخذ شكلا ثابتا كالاجسام المعالجة بالنار ، فضلا عن ذلك فإن من لوازم وصول هذا الجسد إلى تمام الاستعداد لتلقي الروح فإنه لابد أن يكون مكتملا في جوهرية المراد من خلقه إنسانا ؛ لذلك كان وصف هذا الصلصال بالحمأ المسنون حيث أن هذا الوصف يعني أن ذلك الصلصال والذي هو نتاج تفسخ الصخور الطينية المحتوية على مادة السليكا اللاحمة. والذي غالبا يتواجد في المناطق المنخفضة الرطبة هو اصل ألمادة العضوية التي تشكل أساس الخلية الحية الاولى بعد بقاء هذا الصلصال مدة طويلة في هذه البيئة الرطبة حتى يتحول الى حمأ وهو الطين المنتن والنتن هو الرائحة الكريهة التي لابد أن تكون ناتجة عن تفاعل كيميائي احيائي ، وهذا يؤشر بوضوح أن جسد ادم الذي نفخ الله فيه من روحه كان جسدا حيا من هذه الناحية وفي مرتبة الحياة المجهرية حيث كان مهيئا لاستقبال الروح ، وقد وصف الله تعالى هذا الحمأ بالمسنون لأن المسنون في اللغة من سَنَّ. والسَنْ هو تحديد النهايات وجعلها حادة

ولأن خلق الانسان لابد أن يكون محدد المعالم في أدق التفاصيل المتعلقة بهيأته وجوهر وجوده فلابد من أن يتحول ذلك الحمأ الحي غير المُعَرَّف إلى حمأ مسنون محدد في شكله مُعَرَّف في في عنوانه وفق تلك المحددات التي من محدداتها معرفة أن للإنسان اذنين وعينين وأنفٌ بفُتحتين وفمٌ بشفتين ولسانٌ مشطورٌ إلى قسمين ويدين ورجلين وعشرةٌ من الاصابع في اليدين ومثلها في القدمين ، وبذلك فإن كل تفصيلة في هذا الجسد المخلوق محددة وليست سائبة أو محتملة ومن ذلك نصل إلى معنى آخر للمسنون وهو أن كل تفاصيل هذا الجسد مسنونةً مُقَّننةً.

فالسنن الكونية هي قوانين الخلق وهي لاتتبدل وذلك قول الله تعالى﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا :[ 43 فاطر]: - من هنا سنجد بوضوح أن خلق الانسان كان خلقا تطوريا متعاقبا وليس خلقا لحظياً مباشرا الا في مايخص [نفخ الروح] في ذلك الجسد بعد اكتمال هيأته وبعد أن أصبح قابلا مناسبا لاستقبال تلك الروح التي لانعرف عنها أكثر مما قاله الله تعالى لنبيه عليه افضل الصلاة والسلام في جواب من سأله عنها بقوله [ويسألونك عن الروح * قل الروح من أمر ربي * وما أوتيتم من العلم الا قليلا *] 85 الاسراء .. من هنا يضع الله تعالى حدا فاصلا بين مايمكن مقاربته بالمعرفة مما كنا نتحدث فيه تدبراً وبين مالا يمكن مقاربته بالمعرفة لتعذر ذلك موضوعيا في جواب النبي لمن كان يسأل عن الروح بأنها من أمر ربي ، بمعنى أنها متعذرة على المعرفة .. وهذا يعني بالضرورة أن مادون ذلك هو في حدود قدرة الإنسان بل إنه من مسؤولياته أن يبحث ويتدبر آياته وذلك قول الله تعالى: [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) سورة ص 29:  السؤال هنا هو كم كانت فترة التحول من تراب هامد لا حراك فيه إلى حمأ مسنون صلصال متماسك حي وبين استضافة هذا الجسد لتلك النفخة الإلهية المباركة ...؟

بتقديري أن من أكثر التصورات سذاجةً هو تصور مشهدية أن الله تعالى وكأنه نحات قد صنع تمثالا من طين ميت ومن ثم نفخ فيه الحياة وهو في الواقع تصور غريب يُنزل الخالق منزلة المخلوق في تعاطيه مع أدوات النحت بل أن هذا المخلوق المتفوق في خياله غالبا ما يتمكن من صناعة تماثيل واشكال تفوق في جماليتها الوجوه البشرية التي خلقها الله تعالى وفق مقدمات وعوامل ومعطيات مختلفة ، ذلك أن الأمر في حقيقة الخلق لايتعلق بالنحت أو الرسم وانما بالانشاء ..

***

فاضل الجاروش

بدايات القرن العشرين الماضي وصف بعصر الاستعمار أما القرن الحادي والعشرين وصف بعصر الفوضى والارهاب وهو الاكثر دموية . ذئاب بشرية خلقت الفوضى الدموية وعمت ابشع مجازر القتل والتهجير والترهيب والتشريد والتصفيات الجسدية التي بقيت وستبقى وصمة عار للفكر الانساني في ألفيته الثالثة بتخطيط وتنفيذ شياطين تتسابق لتتلذذ بسفك الدماء وازهاق الارواح ونشر الرعب والهمجية التي لم يشهد التاريخ لها مثيلا.. فاتضح ان الذئاب البشرية وخاصة التي تحمل الصبغة الدينية اشد فتكا وشراسة من الذئاب الحيوانية بغرائزها العدوانية الطائشة وامعانها بسفك الدماء وتماديها في التجرد من عقيدتها ودينها وتنصلها من الاخلاق الانسانية وقد فقد الامن والامان والامل والاستقرار واتسعت الفجوات المصطنعة بين ابناء المجتمع واصبحت الفوضى قاعدة عامة تتسع بحيث اعطت ذريعة لعودت المستعمر واطماعه فاصبح الاستقرار مسألة استثنائية ويوم بعد اخر اخذ المجتمع يفقد بوصلته كقطعان الاغنام تتوارث غبائها وخوفها اما الساسة تربية الاستعمار كالذئاب التي توارثت احقادها وشرها لِتَبقى مُستَحكِمَةً بِقطعان المجتمع وكأننا في حتمية لا مفر منها في مجتمع قطيع الأغنام أصبح واقع حال في مدركات العقل البشري وفي اجتماعية الانسان كنتيجة واقعة لغياب الراعي الحكيم النزيه والعادل فتشرذم المجتمع وتمزقت اوصاله بوجود ربيبين الغرب المتسلطين والمتحكمين بمقدرات المجتمع والمتاجرين بالدين في هذا الزمن الذي عم فيه فقدان السلوك السوي وانعدام الضمير وانتشرت مافيات الفساد وتجارة المخدرات وغسيل الاموال وغابت الاخلاق الدينية والعقائدية وتسلطت الذئاب فهل سمعتم للذئاب ضمير أو دين .. ذئاب تتسربل بثوب الدين فتقتل وتدمر قوة العدل والايمان التي يبحث عنهما الحق والدين الضمير.. هذا ليس لغز بل هو ذروة الواقع الذي نعيشه حيث استبدلت فيه نعمة الايمان والعدل بذئبية الانسان لاخية الانسان وساد الفساد عبر إدعاء الفضيلة المغشوشة وخدعة التدين . فالمعروف ان الدين تسام يردم الهوة بين الارض والسماء حيث يوقف أنسنة الإله وتأليه الإنسان .. والذئاب لا تستقوي الا بمهاوي العداوات والفساد وضعف الايمان وتجارة الممنوعات والمحرمات حيث الظلمات فتبتلع الالوهية وتعمي بصيرة البشرية . وهكذا يبقى المجتمع كالأغنام المرعوبة دائما وفي هلع لحين يعترف مجبرا ان تلك الذئاب هي وحدها خلاصه فيخضع لها مضطرا.. هكذا هو قدر مجتمعنا اليوم بهذه الرجاسة للأسف جدران من الخوف زرعتها فينا اوهام محميات الذئاب التي جاءت من الشتات مع المحتل وتكاثرت لتكون حاضرة بيننا والمتحكمة فينا .. اذا متى نعي هذه الحقيقة ونهدم جحود الذئاب في عقر أوكارها بعمق الايمان كي تترسخ جذور مجتمعنا في ارض الوطن وسمائه وبأخلاق الدين الصادقة .عندها لا أوكار للذئاب ولا أبواب لجحيم جماعة الشتات المتسلطين تقوى علينا وساعتها حقا نحن والأجيال القادمة من أبنائنا وأحفادنا سيكونون مجتمع متماسك مؤمن متسامح يسوده العدل والحق والانسانية ويعود الايمان بضمير الينا كما نحلم به ان يكون وطننا الذي يسوده العدل والحق وحرمة الدم.

***

د. قاسم محمد الياسري

تبدو السلوكيات السيئة، وكأن القائمين بها لا يرونها كذلك، بل الآخرين هم الذين يصفونها بالسوء.

فهل الظالم يعرف أنه يظلم؟

وهل الجائر يعلم بجوره؟

وهل الفاسد يرى أنه فاسد؟

لو علم الظالمون بأنهم يظلمون لما إرتكبوا الأفعال الموصوفة بالظلم، بل يحسبون أنفسهم من أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، والذين يتهمونهم بالظلم أعداؤهم، ولابد من نيلهم القصاص العادل.

فالذي يقوم بفعلٍ ما، يبرره لنفسه، فالنفس الأمّارة بالسوء لها آلياتها الدفاعية، القادرة على تسويغ أي سلوك وتحبيبه للقائم به، فلا يراه كما يراه الناس من حوله.

فالقاتل على سبيل المثال، يكون غاضبا على الضحية، ويرى أنها هي التي دعته لقتلها.

والذين يقترفون جرائم كبرى ويمعنون بالظلم والقهر للآخرين يحسبون ذلك قدرهم، وأنهم مسلطون عليهم بإرادة رب العالمين.

وهذا ما قام به هولاكو فبرر قتل عشرات الآلاف من البغداديين، بذريعة أنه غضب الله المسلط عليهم لعدم إلتزامهم بدينهم، فهو ينفذ إرادة الرب، وغير مسؤول عما يقع عليهم من إثم وعدوان مروّع.

وعلى هذا المنوال تجري تصرفات السلاطين والحكام، وذوي الكراسي المتنفذة وأصحاب الشأن.

وتلك معضلة محيرة، وبموجبها لا يمكن لسلوك السوء أن ينتهي، ولا للعدل أن يُقام، ومهما حاولت الرسالات السماوية والدنيوية أن تهذب النفس، وتساعدها على السيطرة على ذاتها، فأنها فشلت فشلا ذريعا.

ولهذا وُجدت الدساتير والقوانين، وإتجهت العديد من المجتمعات إلى العمل على منع تمركز القوة عند شخص واحد، وأوجدت عدة أركان شرعية ودستورية، لتمنع إشكاليات السلوك البشري المنفلت.

وهيهات أن يكون "العدل أساس الملك"، وسيبقى شعارا معلقا خلف مكاتب الظالمين إلى يوم الدين!!

و"سيعلم الظالمون أي منقلب سينقلبون"!!

***

د. صادق السامرائي

حول رد الرئاسة على اتهام الرئيس عبد اللطيف رشيد بالاستيلاء على عقار عائد للدولة وتأجيره للسفارة الكويتية، رئاسة الجمهورية ترد: الرئيس لم يستولِ على قصر حكومي بل اشتراه بماله الشخصي وأجره للسفارة الكويتية! ردت رئاسة الجمهورية يوم أمس ببيان مطول على اتهام وجهه أحد الصحافيين إلى الرئيس العراقي الحالي عبد اللطيف رشيد بالاستيلاء غير المشروع على عقار يعود إلى الدولة التي صادرته من أحد رجال العهد السابق هو عبد حمود التكريتي وتأجيره لمصلحته. وأفاد البيان أن الرئيس اشترى هذا العقار بمالة الخاص من الدولة في مزايدة علنية وببدل مقادره "خمسة مليارات وخمسمائة وأربعة وستون مليون دينار إلى السيد (عبد اللطيف محمد جمال رشيد) حسب كتاب دائرة عقارات الدولة المرقم (18334) المؤرخ 24/7/2011 وتم تسديد 25% من القيمة الكلية للعقار، وكذلك دفع أجور الخدمة والمبلغ المتبقي على شكل أقساط تدفع سنوياً وكذلك يتحمل مالك العقار تكاليف الصيانة الدورية للعقار". وأن العقار كان مسجلا باسم وزارة المالية وعند إعلان بيعه بالمزايدة العلنية بتاريخ 24/7/2011 تم دخول السيد (عبد اللطيف جمال رشيد) بالمزايدة وتم الشراء استناداً إلى القوانين والضوابط ولم يكن مسجلاً باسم زوجة المجرم (عبد حميد حمود التكريتي)". وهددت الرئاسة بانها ستتخذ "الإجراءات القانونية أمام المحاكم والجهات المختصة بحق الأشخاص الذين قاموا، وأي شخص يثبت تورطه في هذا الترويج المفتعل والكاذب كونها افعالاً يجرمها القانون وبعيدة كل البعد عن حرية الرأي، لأنها اتهامات لأعلى سلطة في الدولة".

يُفهم من الرد الرئاسي الأمور التالية:

1-لم ينف البيان الرئاسي أن إيجار العقار الشهري 50 ألف دولار، أي 600 ألف دولار سنويا، وحسب قيمة شرائه حسب التوضيح هي 5,564,000,000 دينار، أي ما يوازي حوالي 4,5 مليون دولار بسعر التراب...عفوا، بسعر الدولار، عند شرائه.

2-أن المشتري الذي صار رئيساً قد سددت قيمة العقار بالكامل في سبع سنوات وستة أشهر وقبل أن ينتهي من دفع أقساطه إلى أملاك الدولة، أي أنه سدد جزءا من ثمنه من أموال التأجير... ترى، إلا تثير هذه الأرقام ريبة أشد الناس غفلة؟ أو على الأقل، ألا تشير إلى جريمة استغلال المنصب فالمشتري كان وزيرا ثم مستشارا للرئيس آنذاك؟

3- البيان يقول إن الرئيس اشترى العقار قبل أن يصبح رئيسا وهذا صحيح ولكنه كان وزيرا للموارد المائية بعد الاحتلال الأميركي سنة 2003 ثم مستشارا أقدم لدى رئيس الجمهورية جلال طالباني منذ سنة 2010 فهل يحق للوزير والمستشار الرئاسي ما لا يحق للرئيس؟

4- سؤال أخير من باب الفضول: ترى هل تضمنت الذمة المالية التي يقدمها الرئيس في العادة إلى الدولة هذا القصر أو قيمته النقدية؟

***

علاء اللامي

.....................

الصورة: هذا القصر الباذخ أو القلعة الجميلة التي اشتراها الرئيس حين كان مستشارا للرئيس بأربعة ملايين ونصف المليون دولار وأجَّرها للسفارة الكويتية وسدد ما تبقى من ثمنها من الإيجار!

رابط الصورة:

https://non14.net/150391

* رابط بيان التوضيح الرئاسي: رئاسة الجمهورية ترد على خبر مفبرك بشأن الاستيلاء على أحد العقارات العائدة للدولة

https://imn.iq/%D8%B1%D8%A6%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D9%87%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%AE%D8%A8%D8%B1-%D9%85%D9%81%D8%A8%D8%B1%D9%83-%D8%A8%D8%B4%D8%A3%D9%86/?fbclid=IwAR3BoDyws2jPuNdalPmMaQ8IuFJuLiaYr97RuvA4ffZKlE8iE3Sy8R_Ig8I

واحدة من أهم نتائج ملحمة الصمود الغزاوي، التي حركت المياه الراكدة في العالم، وفي المنطقة العربية، هي إعادة القضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية، حتى بات الحديث عنها، حاضرا في كل لقاء أو مؤتمر أو تصريح، وبالتحديد إقامة دولة فلسطين على الأرض الفلسطينية، قبل الخامس من يونيو 1967. هذا الحديث لا يقتصر على الساسة الأمريكيين، بل شمل كل المسؤولين العرب وحتى في الجوار الإسلامي.

ولكن كيف تتمكن أمريكا والغرب الاستعماري؛ من إجبار إسرائيل على الموافقة أو الجنوح إلى الحق والعدل؛ بإقامة دولة فلسطينية، وهي مجتمعة لم تتمكن من إجبارها على وقف مذابحها هذه على غزة، على الرغم من مضي ما يقارب الخمسة أشهر من القتال هناك؛ وكيف تستطيع لي ذراع إسرائيل وجعلها تقبل أن تكون للفلسطينيين دولتهم المستقلة، وفي الوقت الذي تمارس فيه إسرائيل جرائمها البشعة بحق الشعب الفلسطيني في غزة، من دون أي ضغط حقيقي وفعال عليها، ما يثير الكثير من علامات الاستفهام والشكوك والريبة في الدعوات التي ما انفكت تدعو لها أمريكا والغرب الاستعماري، وحتى دول التطبيع المجاني العربية، إذا افترضنا أن حسن النية متوفرة لدى مسؤولي أمريكا ودول الغرب، مع أن هذا الافتراض هو افتراض غير واقعي، فهذه الدعوة تعيد إلى الذاكرة؛ الدعوة التي كان قد أطلقها بوش الأب عام 1990، الغرض منها؛ تحجيم وامتصاص ردود الأفعال، سواء ما كان منها في الوطن العربي أو في الجوار الإسلامي أو في العالم.. نتنياهو حين أكد أن إسرائيل لا تريد أن تقام دولة فلسطينية، ما كان من أصحاب دعوات الاعتراف بدولة فلسطينية وضمها إلى الأمم المتحدة؛ إلا الصمت أو السكوت على تصريحاته.. المسؤولون الغربيون لم يردوا على نتنياهو، بل على العكس يستمرون في دعم إسرائيل بكل وسائل الدعم من الذخيرة والحماية من المساءلة الدولية عن جرائمها هذه، وهي جرائم لا مثيل لها في التاريخ. المسؤولون في المقاومة الفلسطينية، يدركون تماما، أن هذه الطروحات ما هي إلا لعبة للتخدير أولا، وثانيا لتصفية القضية الفلسطينية؛ بإيجاد الحلول البديلة التي ليس من بينها دولة فلسطينية حقيقية ومستقلة وذات سيادة كاملة غير منقوصة، بل دولة مقعدة بشلل رباعي؛ تحتاج إلى عون الآخر الصهيوني في ممارسة الحياة والتحرك على الأرض؛ لتوفير حاجات العيش.. بالشكل الذي يريده العراب الصهيوني، وليس كما تريد الدولة، التي تم أو سيتم وضعها على الكرسي المتحرك بأذرع الغول الإسرائيلي؛ الذي سوف تشعره هذه الدولة، أو توفر له الأمن والأمان والتحكم بها متى أراد. إقامة دولة منزوعة السلاح أولا، وثانيا منزوعة القرار، سواء في الداخل أو في المحيط العربي أو الإقليمي أو الدولي، ليست دولة. بعبارة أكثر دقة ووصف؛ هي حكم ذاتي لا دولة. من بين الأهم الذي عليهم، أي على أمريكا والغرب وحتى الدول العربية؛ أن يقوموا أو يعملوا على استصدار قرارات من مجلس الأمن الدولي يمنع الكيان الصهيوني من إقامة المستوطنات على أرض الضفة الغربية بصورة كاملة، وأيضا وفي السياق ذاته؛ استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي؛ لا يدعو بل يجبر الكيان الصهيوني على إزالة المستوطنات من الضفة الغربية بصورة كاملة أيضا. إلا أن أيا من هذا لم يحدث أو لم يتحدث عنه أي مسؤول دولي أو مسؤول عربي أو اقليمي أو إسلامي، وكأن الأمر غير ذي أهمية، أو ليس له علاقة بإقامة دولة فلسطينية على كامل الأرض الفلسطينية، قبل الخامس من يونيو 1967. عليه فإن هذه الدعوات ما هي إلا ذر الرماد في العيون، وليس لها اي وجود حقيقي في أجندة الدول العظمى، وأولها وفي مقدمتها أمريكا والغرب الاستعماري.

إن إقامة دولة فلسطينية بالاعتماد على أمريكا والغرب الاستعماري وحتى روسيا والصين، وايضا الدول العربية وما اقصده بالدول العربية هي الأنظمة وليس شعوب العرب؛ هو وهم كبير فالحرية تؤخذ ولا تعطى، والشعوب بالجهاد والنضال والكفاح؛ تجبر المحتلين على المغادرة. دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى أقل تقدير واحتمال ما كان لها أن تستمر في احتلال فلسطين (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة)، وتواصل رفضها سواء المخفي سابقا أو الظاهر حاليا؛ لولا الدعم الأمريكي اللامحدود، والمفتوح بلا حدود وكوابح ومحددات. من المعروف؛ أنه لا بد للدول؛ أن يكون لها رأي وموقف يؤخذ بهما، ويكون لها اعتبار وأهمية في ما يخص علاقاتها أو تأثيراتها في المحيطين الإقليمي والدولي؛ وهو استثمار مواقعها الجيوستراتيجية، كما هو موقع الوطن العربي، إضافة إلى الثروات المعدنية وعلى وجه التخصيص؛ النفط والغاز. إن الأنظمة العربية لم تستثمر هذا في علاقتها مع القوى العظمى والكبرى؛ وفي فرض مواقفها ورؤيتها السياسية بما يحفظ لها حقوقها وبالذات حق الشعب العربي الفلسطيني؛ كون القضية الفلسطينية هي كما قالوا في السابق، وهي كذلك من الناحيتين الواقعية والموضوعية؛ قضية العرب المركزية. كما أن كل المصائب في الدول العربية، وجميع كوارثها، ومنها الاحتلال وتخليق الفوضى والاضطرابات والحروب الأهلية في هذه الدول والشعوب العربية؛ هي التأمين المستدام لأمن دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل إن القوى العظمى والكبرى هي من استثمرت هذه القدرات والإمكانيات العربية لصالح سياساتها، سواء في المنطقة العربية أو في المحيط الدولي، أو في دعم دولة الاحتلال الإسرائيلي. كمثال وليس الحصر؛ النظام السوري؛ لم يتحرك ولو خطوة في دعم غزة الصامدة. لماذا؟ لأن روسيا تمنع النظام من التحرك في هذا الاتجاه إلا حسب خططها ورؤيتها هي، وليس النظام السوري، الذي يتعرض منذ سنوات إلى هجومات إسرائيلية تكاد تكون يومية. روسيا تمنع النظام من أن يفعّل منظومة أس 300 وأس 400 ولو فعّلها؛ لما تعرض الجيش السوري لكل هذه الهجومات. الأمر ذاته ينطبق على بقية الدول العربية، ولو بدرجات وأوضاع مختلفة ومتباينة، لكنها كلها تقع على الخط ذاته. الاستثناءان الوحيدان هنا هما حركة أنصار الله في اليمن، وحزب الله في جنوب لبنان، ولو أن الأخير يوفر الدعم للمناضلين في غزة؛ بطريقة الاشتباك المسيطر عليه حتى اللحظة. وفي رأيي، ربما كبيرة جدا؛ أن يخرج هذه الاشتباك عن السيطرة؛ بإرادة صهيونية. حركة أنصار الله في اليمن؛ هي الوحيدة التي وفرت دعما غير محدود، بل مؤثرا جدا على دولة الاحتلال الإسرائيلي وعلى عرابيها الأمريكي والغربي. ماذا لو فُعِلَ العرب من أجل دعم المقاومة الفلسطينية؛ الموقع الاستراتيجي والثروات؟ هل تستمر أمريكا في مشاركة دولة الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب المذابح في غزة؟ الجواب: كلا وألف كلا، بل العكس تماما هو من يتسيد الواقع لصالح نضال الفلسطينيين.

***

مزهر جبر الساعدي

 

لايخفى على أغلبنا أن شرائح المجتمع العراقي جميعها، طالتها مآسٍ عديدة على مر العصور، ونالها ما نالها من الضيم والقهر الكثير، ليس من الدول التي تعاقبت على احتلال البلد فحسب، بل على يد بعض من تسلطوا عليه من أبنائه، وتسنموا مراكز قيادية في مراحله كافة وعلى أعلى المستويات، فكانوا بئس الولاة على أبناء جنسهم وذويهم، في الوقت ذاته كانوا نعم الأذناب وخير تبّع للغريب والمحتل والطامع، فجسدوا بفعلهم هذا قول معروف الرصافي:

كلاب للأجانب هم ولكن

على أبناء جلدتهم أسود

والتاريخ الحديث زاخر بمثل هذا الشخصيات، منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 حتى يومنا هذا، إذ نرى بين الحين والآخر بروز شخصيات تحمل الجنسية العراقية، وتنطق من اللهجات البغدادية او الموصلية او الأنبارية او البصراوية، او تتكلم اللغة الكردية، إلا أنها في حقيقة الأمر تعمل ضد العراق، وضد العراقيين من محافظاته وقومياته كافة. وفي كل أحوال المتسلط على حكم فئة او مجموعة او بلدة، ومهما كبرت او صغرت الرقعة التي يحكمها، فهو مسؤول عن كل ما يحدث لرعيته وما يتعرضون له، ومن ضمن واجباته الوطنية والأخلاقية، أن يدرأ عنهم الشرور والأضرار من أي مصدر تأتي منه، وهذا النهج يسير على خطاه الإنسان السوي حصرا، فمن المؤكد أنه يُدخل في حساباته مسؤوليات الراعي تجاه الرعية، كذلك مسؤوليات الرأس أمام المرؤوس، وسيكون العمل الصالح برنامجه وديدنه، وسيعتمد المهنية في إتقانه، وسيحرص على المثابرة في مراحل عمله، وستثمر بالتالي حساباته هذه عن معطيات ونتاجات تصب بالنتيجة في صالح الجميع. أما لو كان غير سوي، فإنه سيضرب كل هذه القيم والمبادئ عرض الحائط، وسينأى عن طريق الصواب بأشكاله كلها.

اليوم ونحن نعيش حقبة رئيس وزراء يختلف عمن سبقوه -بشهادة كثيرين- فقد أعلن بنفسه أن حكومته هي حكومة خدمات، وهو ماضٍ في طريق تحديث مؤسسات البلد وإنعاشها، بتكليف قيادات تنفيذية مهنية تقوم بواجباتها كما يُفترض، وبذا يكون من أولى مسؤولياته اختيار الشخص السليم ووضعه في المكان السليم، سواء أكان وزيرا أم وكيل وزير! ويدخل ضمن مسؤليته أيضا الانتباه لمن سيأتي بهم الوزير من مديرين عامين. وبذا على السوداني التحلي بصفة من صفات الذئب، تلك هي أن ينام بعين مغمضة وأخرى مفتوحة، وليأخذ من تجارب من سبقوه عظة وعبرة، وبغير هذا سيكون النكوص حليفه، والارتقاء الذي ينشده سيتبدل الى هبوط الى أسفل السافلين.

إن على السوداني وضع السلبيات التي لازمت نفرا من شخصيات الماضي أمام ناظريه، والتي مازال جلها يمارَس حتى اللحظة، إذ أن كثيرا من ساستنا ومسؤولينا، نأوا عن العمل الصالح أيما نأي، واستبدلوه بأعمال لاتمت الى الصلاح والفلاح والعرف الإنساني والوطني ولا الى الضمير بصلة، وآثروا عليها المصالح الشخصية والمآرب الخاصة، وخدمة أسياد لهم جندوهم لأطماع شتى، بين مادية وسياسية وإقليمية فضلا عن العرقية والطائفية، هاملين مصالح من اصطبغت أصابعهم تأييدا بنفسجيا لكتلهم وأحزابهم التي أتت بهم، متغافلين عن مراعاة حقوق الفرد من رعيتهم.

لقد ارتدوا لباس الراعي المسؤول عن الرعية وهم يبطنون غير ذلك، وتقوّلوا بالكلام السليم وحادوا عنه، وأطلقوا الوعود المعسولة وأخلفوها، وقطعوا العهود الموثوقة ونكثوها، وأقسموا بالله العظيم وحنثوا بيمينهم، وادعوا الإصلاح وأشاعوا الخراب، ومازال دأبهم هذا لغايات لاتخدم البلاد والعباد، فاستباحوا حقوق شعبهم، وتركوا المواطن يدور داخل حلقة مفرغة، ما كاد يمسك طرفها، إلا ضاع منه طرفها الثاني، وقد طال به المسير دون جدوى، وحذا حذو المرحوم (أبو سرحان) بقوله:

أمشي وأگول وصلت والگنطره بعيدة

***

علي علي

منظمة التحرير لم تعد القوة الاكبر جماهيريا، والقول بانها" الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني" فندته انتخابات 2006، وبالتالي فان احياء المقولة هو تكريس للنهج الاستسلامي الذي ابتدعته فتح، وتسفيها لتضحيات بقية الفصائل وانتقاصا من شانها. 

منظمة التحرير القت البندقية جانبا ورفعت غصن الزيتون .ودخلت مع الصهاينة في اتفاقيات مشبوهة منها اسلو، واقامة سلطة فلسطينية مهمتها الرئيسية هي حماية الكيان المغتصب والزج بالمقاتلين في السجون او التبليغ عنهم ليفعل بهم العدو ما يريد، في مقابل اموال تعود بالنفع على سلطة رام الله وكوادرها الفتحاويون.

منذ ثلاثين عاما (اسلو) والعدو الصهيوني يقضم عند كل مطلع شمس اراضي الضفة لبناء مستعمرات عليها يقطنها المتشددون الصهاينة حتى اصبحت المستعمرات كالفسيفساء بالضفة الغربية تقطع اوصالها ما يجعل استحالة اقامة الدولة الفلسطينية وفق قرار التقسيم، بمعنى الحديث عن دولتين ما هو الا ذرا للرماد في العيون، ومع مرور الوقت ستصبح الضفة بأكملها ملكا للصهاينة، وحينها قد تبقي سلطات الاحتلال على الفتحاويين بالضفة لانهم قدموا لها خدمات فاقت التصور، أو تجبرهم سلطات الاحتلال على الرحيل بعد انتهاء المهمة، بالتأكيد سوف يلحقون بأبنائهم بأمريكا والدول الغربية حيث انفقوا اموال المساعدات للسطلة في شراء الفلل والعمائر وانشاء الشركات المتعددة.   

اجتماع الفصائل في موسكو خطوة جيدة لتوحيد صفوفها، لكن البيان الصادر عنها ذو التسع نقاط (العاشرة –تحية جنوب افريقيا)، نحسبه تعبير انشائي مللنا قراءته، ولن يتحقق أيا منها، لان من سيقوم بالعمل على تنفيذها او جزء منها هي منظمة (فتح) باعت الوطن ومن عليه بابخس الاثمان والاكثر من ذلك انها تقوم بحراسة الصهاينة.

ان انضواء الفصائل الجهادية (المقاتلة) تحت مسمى منظمة التحرير، سوف يدجنها ويجعلها تعترف بالكيان الغاصب عاجلا ام اجلا، على غرار اعتراف منظمة التحرير وزعيمتها فتح بمعنى الاستمرار في النهج الاستسلامي الذي يفوده ابي مازن وزمرته. فالصهاينة اعلنوها صراحة انهم لا يعترفون بدولة فلسطينية الى جانبهم مهما كلفهم الامر، نجزم من خلال تصريحات السلطة الفلسطينية، انها تسير في نفس النهج الذي يريده الاعداء، من لم يذد عن (حوضه!) بسلاحه يعش ابد الدهر ذليلا تابعا .

قرابة الخمسة اشهر والقطاع يتعرض لإبادة جماعية، الصهاينة والغرب يمعنون في القتل، وأخرها حتى الساعة هي مجزرة الطحين، اتوا للحصول على الاكل فاذا بهم يتعرضون لقصف بربري، يسقطون وهم جوعى بينما يتفاخر الحكام العرب بانهم يقومون بعمليات لانزال المؤن جوا، بينما يغلقون حدودهم البرية، إنهم يتامرون مع الصهاينة وامريكا على واد القضية الفلسطينية، حكامنا يضعون ايديهم في يد امريكا وهي التي استخدمت الفيتو ضد أي قرار يدين الصهاينة، حرب غزة اظهرت السلطة والحكام العرب على حقيقتهم، لم يجرؤ أي من الحكام على تعليق علاقاته مع العدو، لأنهم يخافون على مصيرهم فبقائهم في السلطة وفق ارادة امريكا، قالها ترامب ذات يوم، فهو سيدهم وصاحب الفضل عليهم.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

في سلسلة من الإغتيالات لن تتوقف على ما يبدو بالعراق شهدت العاصمة بغداد قبل أيّام محاولة لأغتيال الشخصية الوطنية والثقافية، الكاتب ورئيس مؤسسة المدى للنشر ورئيس مجلس السلم والتضامن العراقي السيّد فخري كريم، الذي كان في طريقه لبيته مغادرا معرض بغداد الدولي حيث معرض العراق الدولي للكتاب. وهذه ليست المرّة الأولى التي يتعرض فيها كتاب ومثقفون وناشطون سياسيون وعلماء وأطباء وعسكريون لمحاولات أغتيال في العراق ولن تكون الأخيرة، طالما ظلّت الدولة عاجزة عن أستخدامها لوسائل العنف الخاصّة بها، ومنع أيّة جهة غيرها عن حقّ أمتلاك السلاح. ووسائل العنف عند الدولة (أيّة دولة) هو عنف مشروع من الناحيّة السياسيّة عند بعض المفكرّين، وعمليا لا توجد دولة أو سلطة على مرّ التاريخ لم تستخدم العنف. وفي هذا الجانب يقول ويرث ميلز: كل السياسات صراع حول السلطة، والعنف هو الشكل الأخير للسلطة. فيما ذهب ماكس فيبر في تعريفه للعنف المشروع الى تعريفه للدولة من أنّها: هيمنة الإنسان على الإنسان باستعمال العنف المشروع. والدولة التي تستخدم العنف "المشروع" كأداة للقمع ومصادرة الحريات وأخضاع المعارضين لها، هي دولة تسلطيّة عنفية لا ديموقراطية، كون العنف هنا هو السلطة، وفي هذه الحالة يكون عنف السلطة هذا وسيلة لحماية طبقة أو قومية أو طائفة أو حزب سياسي، وليس تنازل الشعب لبعض حقوقه للدولة (القانون) من أجل حماية المجتمع من عنف جماعات مسلحة تمتلك السلاح خارج السياقات القانونية، أو من عنف أهلي بين أبناء الشعب الواحد لأسباب مختلفة. ليست وسائل العنف هي الوحيدة التي على الدولة أمتلاكها، لتعلن عن نفسها من خلال عقد أجتماعي بينها وبين الجماهير، بل على الدولة في سعيها لبسط القانون، إمتلاك جهاز أمني هدفه حماية الناس وليس ملاحقتهم أو تغييبهم وقتلهم. فالأمن الداخلي مهم لأستقرار البلاد، كما وسائل العنف الأخرى كالجيش والشرطة.

من الواضح أنّ وسائل العنف بالعراق اليوم ليست حكرا على الدولة، فالأذرع المسلّحة للأحزاب المختلفة وعلى الأخص تلك التي تهيمن على المشهد السياسي في المركز أو الأقليم، تمتلك كما الدولة وسائلها للعنف التي أستخدمتها في الصراع الطائفي الذي عاشته البلاد، أو القومي كما المواجهات بين المركز وإقليم كوردستان، أو فيما بين أحزاب ذات آيديولوجية واحدة لكنها مختلفة على توزيع الغنائم. وعمليات الأغتيال التي جرت والتي ستجري مستقبلا، هي جزء من عنف غير شرعي تقوم به مجموعات مسلحة تعمل خارج نطاق الدولة وإن كانت منضوية تحتها قانونيا ودستوريا، وبالحقيقة فأنّ الدولة عندنا لا تمتلك هي الأخرى اليوم عنف شرعي، لماذا..؟

كما ذكرنا أعلاه، فأنّ الدولة يجب عليها أمتلاك الأجهزة الأمنية وأحتكارها، لأنّ عدم أحتكارها للأجهزة الأمنية يعني وجود أجهزة أمنية رديفة قد تعمل لصالح أجهزة أمنية تابعة لدول أخرى، أو تعمل على مراقبة معارضيها وتصفيتهم. فهل محاولة إغتيال رئيس مؤسسة المدى المعروفة بدورها بالدفاع عن أنتفاضة تشرين وفتح ملفّات فساد السلطة ورجالاتها، والأخطر بنظر قوى الظلام أهتمامها بالكتاب وتطوير الثقافة المجتمعية، هو جزء من نشاط أجهزة أمنية غير تابعة للدولة...؟

أية محاولة أغتيال سياسي بالعراق وفي أي مكان بالعالم يسبقها جهد أمني، يدرس تحركات الشخص وخط سيره ومواعيده وعدد مرافقيه ونوع الآلية التي يستقلّها ومميزاتها، لتنتخب المجموعة المكلّفة بالأغتيال بعدها الزمان والمكان المناسبين لتوقيت العملية. والدولة بالعراق اليوم عاجزة عن حصر السلاح بيدها رغم ضجيجها الأعلامي، لكن أن تكون هناك جهات أمنية نشطة وتعمل على مرأى ومسمع الدولة وتصدر بيانات عن أنشطتها ونجاحاتها، فهذا أمر غير مقبول وطنيا وإن كان نجاح ذلك الجهاز الأمني له مقبولية على الصعيد الشعبي. فإعتقال إرهابي متمرس بالقتل بعد مراقبة أمنية دقيقة، هو من مهام الأجهزة الأمنية والأستخباراتية التابعة للدولة وليس غيرها، وعلى تلك المنظمات والأحزاب التي نجحت في متابعة هذا الأرهابي أن تعطي معلوماتها لأجهزة الدولة كي تتخذ اللازم، لا أن تصدر بيانا علنيا يحرج السلطة التي أكتفت بالصمت، فبيان قيادة عمليات أستخبارات سرايا السلام عن أعتقالها لأرهابي مطلوب وفق المادة الرابعة إرهاب، يعني إمتلاك أحزاب السلطة وأذرعها المسلّحة في بغداد وكوردستان لأجهزة أمنية تعمل بشكل منفصل عن أجهزة الدولة الأمنية، وبعض من هذه الأجهزة هي من قامت بمحاولة إغتيال رئيس مؤسسة المدى وعمليات الإغتيالات السابقة...

على الدولة إن ارادت تعزيز فرص الأمن وبناء المجتمع ونبذ التمايز الطائفي القومي، والسير في عملية البناء الديموقراطي التي لا زلنا نقف عند خط بدايتها، أن تحتكر السلاح وأجهزة الأمن دون تلكؤ..

كلمّا سمعت كلمة مثّقف تحسست مسدسي ... (النازي جوزيف غوبلز)

***

زكي رضا - الدنمارك

قبل بضعة ايام طرق بابي جاري الجنب يرجوني مساعدته وعارضا عليّ القيام بتدريس ابنه شيئا ولو يسيرا من قواعد النحو وانه لجأ اليّ راجيا مني القيام بتدريسه  وابداء المساعدة في رفع مستواه باللغة العربية وقد اضطر للجوء اليّ بسبب وضعه المالي المتردي واستنزاف جزء غير قليل من دخله الشهري لمصروفات الدروس الخصوصية الباهظة .

احسست بالحرج اولا لكنني وافقت ان اقوم بتدريسه بعض المحاضرات العسيرة الفهم  تطوّعا لاني اعرف الرجل الحريص على اولاده لا يقوى على تحمّل اجور التدريس الخصوصي مع حرصه الشديد على تطوير مهارات اولاده الدراسية واهتمامه بتفوّقهم بسبب الضائقة المالية التي يعاني منها .

وتساءلت من نفسي؛ لماذا يحدث كل هذا الارهاق على ارباب الاسر وتزيد من همومهم هموما أخر؟  بعد ان تفاقمت هذه الظاهرة المقلقة بشكل ملفت للنظر اذ اصبحت الاسر الفقيرة والمتوسطة الدخل تعاني وضعا اقتصاديا صعبا وأخذت تستنزف الكثير من ميزانية الاسرة  جرّاء الدروس الخصوصية حتى ان قسما اكبر من العوائل  أخذت تقلل من المصاريف الضرورية ومن لقمة الخبز لأجل توفير مبالغ أتعاب تلك الدروس .

كلنا نعرف مدى الانحدار في مستوى التعليم الحاصل في بلاد الرافدين الآن حيث وصلت الى مستويات معيبة بعد ان كان العراق سبّاقا معظم الدول العربية وحتى دول آسيا والشرق الاوسط في رقيّه العلمي ومستويات التعليم الاساسي والمتوسط والثانوي والجامعي وما بعده .

رحم الله سنوات دراستنا الجادة يوم كنا نكتفي بالحصص الدراسية الوافية في الفصل مع القليل من الساعات في التحضير اليومي والمذاكرة في البيت، يوم كان المعلم يمرّ على الطلبة واحدا واحدا ليتأكد بنفسه من استيعاب الدرس الجديد ويستفهمون منا عن اية صعوبة قد تصادفنا لإعادة شرحها، ولست أنسى ابدا معلمينا الاوائل العظام حقا حين كانوا يجيئون عصرا لإعطائنا دروسا إضافية وإرغامنا على حضورها بلا ايّ مقابل مادي فيما لو أحسّوا ان طلابهم لم يستوعبوا الدروس تماما .

 الان يحدث العكس حيث يعمد البعض من الاساتذة في الصفّ الى جعل المادة الدراسية غائمة ولا يعطون المحاضرات حقها الوافي في الشرح ويتعمّدون التمويه لغاية في نفس يعقوب أملا في الحصول على مزيد من حلقات الدروس الخصوصية وملء الجيوب الممتلئة أصلا، ربما كنّا نبرر هذا المسلك يوم كان المدرس يشقى ايام الفاقة والحصار وضآلة الراتب الشهري غير أننا الان لا نغفر للمدرس تصرّفه الغريب الذي يهدف الى تحريف رسالة المعلم السامية وتلويثها بالمطامع المادية وبذاءة جمع المال على حساب تطوير المهارات التربوية.

هناك اساتذة ومدرسون جعلوا بيوتهم معاهد وفصول دراسية وخصصت غرف البيت صفوفا معبأة بالرَحلات والسبورات وحتى وسائل الايضاح وغيرها ترغيبا للطلبة الضعيفي المستوى حتى يشار اليه باعتباره مدرّسا متميزا عن اقرانه المدرسين غير الحاذقين الذين لا يحسنون اللعب على الحبال ويعجزون عن الحصول على طالب واحد او ممن يأنفون من ممارسة تلك الظاهرة حفاظا على مبادئهم ورسالتهم السامية، مما يولّد فروقات طبقية واضحة حتى بين اوساط المعلمين والمدرسين انفسهم فالمدرس الذي يلهث وراء الدروس الخصوصية لا يتوانى في الأغلب الأعم من إنجاح الطالب الفاشل والكسول مادام يغدق المال وفق قاعدة " الدرس الخصوصي مقابل الدرجات العالية  " فتنقلب الموازين العقلية ويسمو الجاهل على زميله المجدّ المجتهد ويعمّ الخراب في العمليات التعليمية والتربوية حتى تصبح الدروس الخصوصية جريمة اخلاقية ظاهرة للعيان يرأسها معلمون لا يقلّون ذنبا عن بقية عتاة الجرائم الاخرى المشينة وتصير آفة تنخر المجتمع كما تقول الشعارات المعلّقة في جدران المدارس من قبل وزارة التربية .

ومع ان وزارة التربية ظاهرا تحارب هذا المسلك لكنها لا تتخذ الإجراءات الجادة والسريعة لفرض العقوبات الصارمة على منتسبيها العاملين من المعلمين والمدرسين وتكتفي باغراق المدارس والمؤسسات التعليمية بالشعارات واللافتات التي تدين تلك الظاهرة دون اجراءات عملية تقطع دابرها، ولو استثنينا مبادرتها المتواضعة في فتح قناة تلفزيونية تعليمية من قبل التلفزيون التربوي التابع لها وعرض محاضرات للطلبة لكنها لم تستطع ان تنافس ذلك السيل الجارف من كارتل المدرسين الذين امتهنوا التدريس الخصوصي تجارة رابحة افرغت جيوب الآباء والامهات اذ عجزت تماما عن ايقافها عند حدها او على الاقل التقليل منها وتضييقها.

خففوا العبء الثقيل عن كاهل ارباب الاسر المتعبين ايها المعلمون الرسُل المبجّلون ولا تدعونا  نأسف يوما ما ونقول لكم: كاد المعلم ان يكون أكولا .

***

جواد غلوم

 

مجتمعات الكلام عظامية المنطلقات ومعبّأة بالأساطير والأوهام، بينما مجتمعات القوة والإقتدار كلامها يُخبر عن عمل مُنجَز وفعلٍ دائبٍ أبرز.

العظاميون يخوضون في الغابرات ويستحضرون ما ضمته الأجداث، ويتفاخرون بالماضيات، وهم عن حاضرهم ساهون، وبالكلمات يتلهون، وفي ضعفهم وتبعيتهم يتمرغون.

القوي فيهم مَن إعتمد على غاصبٍ أثيم، وتربّع على عرشٍ سقيم، يدّعي ما يدّعيه ويوهم ما حوله بما ليس فيه.

والأمم التي لا تجيد غير إنتاج الكلام، أضاعت قيمة الكلمة ودورها في الحياة، فالجميع يجيدون الكلام والتفاعل مع الأيام بما يسمونه إبداع.

وتراهم لا يتفاخرون بالعلم والفكر والإنجازات المادية المعاصرة، بل بالشعر والشعراء، ويحسبون أنهم أقوياء بالشعر وحسب، فما قيمة آلاف الشعراء أمام مخترع مبدع في الفيزياء والكيمياء والتكنولوجيا المعاصرة؟

إن بعض المجتمعات إنحرفت في سلوكها وأجادت الإنقطاع عن عصرها، وتوهمت القوة في الشعر، والتصديح الفارغ الصارخ فوق المنابر.

كما أن العمائم المنبرية هي الأخرى تتوهم بأن خطبها التعسفية التعبوية إنجازها الأعظم، وقدرتها على تحويل المستمعين إلى تابعين مستعبدين بإسم خرافات وأضاليل يسمونها دين.

فكيف يمكن لمجتمعات الكلام أن لا تُضام في عصرنا التكنولوجي الدفاق، الذي تتسابق فيه العقول للإتيان بجديد متميز مؤثر في مسيرة الحياة؟

عليها أن تستفيق من غفلتها، وترى النور ببصيرة الألباب ، وتفتح الأبواب، وترنو إلى حاضرها ومستقبلها بعيون العزم والإقدام، فقد "بلغ السيل الزبى"، وتناهبتها الوحوش المفترسة، وهي المسطولة بخمور البهتان المعتقة في أوعية الأدينة القاضية بالنيل من قيمة البشر، ومصادرة حريته وكرامته، وتحويله إلى محكوم بالسمع والطاعة، والتبعية والخنوع المطلق للمتسلطين على مصيره المجهول.

فهل من فعل يتكلم وإنجاز به الإنسان فخور؟!!

و"ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون" النحل: 32

***

د. صادق السامرائي

 

بالرغم من كم ونوعية السلاح الذي يتدفق إلى دولة الاحتلال من الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، مضافا إليه ما تقوم الدولة نفسها بتصنيعه وتفاخر به، إلا أن مشكلة عدم إحراز أي انتصار أو تحقيق هدف لا تكمن بهذا الكم وذاك النوع إنما الحقيقة تكمن بعقيدة من يستخدم هذا السلاح.

إن من الأسباب التي تدفع جنود الاحتلال لدخول حرب كالتي تدور رحاها اليوم ٢٠٢٣_٢٠٢٤ في غزة، تمسكه بالحياة. يتخبط وهو متحصن داخل طائرة يقصف ويدمر بها من الجو أو من داخل دبابة أو بناية. حيث إن ما يقوم به لا يسمى قتالا فالقتال يحتاج إلى جرأة ومواجهة وهو لا يمتلك هذه المميزات بالرغم من أنه مدجج بالأسلحة وواقيات الرصاص. ويبقى الميدان يشكل فوبيا بالنسبة له لأن من يقف له في هذا الميدان مقاوم مدجج بعقيدة، يقاتل من أجل دين وأرض وعرض.

كما أن الحروب المتكررة على غزة جعلت من ذلك الصغير الذي فقد عائلته مقاوما احتقن كرهه لهذا العدو القاتل ولم ينسى.

فأمام المقاوم وإرادته الفولاذية ينهار الشاذ المحتل،  أمام إقدام المقاوم على الموت دون خوف نجد هذا الجبان يرتعد.

كيف لا وغزة هي الجبهة الأولى التي انطلق منها الفدائي الفلسطيني لتحرير فلسطين مطلع الخمسينات من القرن العشرين؟

وليس غريبا أن نجد جنود الاحتلال خلال الحرب على غزة يعانون حالات نفسية،  يعانون من الاكتئاب، الكوابيس نوبات القلق والذعر المفاجئة، حالات من الهلع والانتحار بإضرام النار في أنفسهم. كما تعدى الأمر إلى قتل الجندي لزميله ورفض الذهاب إلى غزة للمشاركة في المواجهة.

وقد أكدت صحيفة يديعوت أحرونوت أن قسم التأهيل في جيش الاحتلال أطلق برنامجا لمساعدة الجنود الذين يعانون من الاضطرابات النفسية بسبب الحرب على غزة.

ومن الطبيعي أن يعاني أكثرهم من صدمات نفسية وكوابيس من هول ما ارتكبت أيديهم، من رؤية جثث زملائهم الذين قتلوا بنيران المقاومة. والأهم شراسة المقاومة التي تسببت لهم بالصدمات والاضطرابات التي رافقتهم حتى بعد خروجهم من غزة.

وحسب تقارير عبرية فالمستشفيات تحقن الجنود المصدومين بمواد مخدرة ليتمكنوا من النوم.

 وتبقى غزة هي المقلقة وهي الرعب لدولة الاحتلال.

***

بديعة النعيمي

المجتمعات المتقدمة في النصف الغربي من الأرض، تعترف بوجود الطائفية والعنصرية والمذهبية وغيرها من المسميات، التي تضع البشر في كينونات متفرقة ومتنافرة، فهي واقعية وذات إرادة لتأكيد السلوك الوطني الجماعي المتآلف بين الأعراق والفئات ، وترى أنها من ضرورات القوة المجتمعية والإقتدار الوطني المتميز!!

وفي واقعنا الذي فيه القليل مما في تلك المجتمعات، ترانا في تصارعات تبدد الطاقات وتضعف القدرات، وتلغى معاني المصلحة المشتركة والمجتمع المتآخي الواحد.

والسبب أن المجتمعات القوية قد نظمت العلاقة بقوانين صارمة ودستور جامع، فلكلٍ الحق فيما يعتقده ويراه، وعليه أن يحترم الآخرين ولا يفرض ما عنده عليهم، فهذه جريمة يحاسب عليها القانون، وهي تترجم منطوق " لا إكراه في الدين" أو المعتقد، ولكلٍ ما يرى ما دام في رأسه عقل فاعل.

إن فرض رؤيتك على غيرك بأي أسلوب، إنتهاك صارخ لحقوق الإنسان، وعدوان سافر على حياة الآخرين، المستهدَفين بدعوتك، أيا كانت.

إعتقد كما تشاء، ولا تدعوني لأن أرى مثلما ترى، فلكل منا عقله وزاوية نظره، وبموجب هذا العقل نحن مخيّرون لنكون بأعمالنا أمام أعدل العادلين، وأحكم الحاكمين، "يوم لا ينفع مال ولا بنون، إلا مَن أتى الله بقلبٍ سليم".

و"إنا خلقناكم شعوبا وقبائلا لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم"

و"يا أيها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة...."

هذه قيم أخلاقية دينية، أنكرناها وأصبحنا أعداء بعضنا، ننهى عن المعروف ونأمر بالمنكر، وكأننا عصبة أباليس الشرور والبغضاء، سكارى بعواطفنا السلبية التي يؤججها أعداؤنا فينا، ليسخروننا لخدمة مصالحهم ونحن في غفلتنا عامهون.

فمجتمعاتنا أمضت القرون بضوابط أخلاقية تردعها من الشطط والإنحراف المهين، حتى أطل القرن العشرون، وبدأت الصولات النفسية والفكرية على وجودنا، فتحوّلت أمة العرب إلى كينونات متناحرة متنافرة، تكيد لبعضها المكائد الشنعاء.

و"جاهد عدوك ما استطعت جهاده...أما أخاك فما استطعت فسالمِ"!!

فهل عندنا للألفة مَقام؟!!

***

د. صادق السامرائي

يكون قد مرَّ، بين (1982) و(2024)، اثنان وأربعون عاماً، ومحاولتا اغتيال تعرض لهما صاحب مؤسسة المدى للإعلام والثّقافة والفنون العِراقيَّة، الأولى ببيروت مِن قِبل نِظامٍ عارضه، والثّانيّة (22 /2 /2024) برصاص مَن عارضَ لأجلهِ. مرت أربعة عقود والزَّمن يجري معكوساً، في الأولى كان مطلوباً لشخصه، وفي الثَّانية لمشروعه، وأجدها أفجعَ وأفظعَ، إن صحت المفاضلة بين اغتيال واغتيال.

كان الأملُ، قبل أربعين عاماً، يحفز العمل لعراقٍ جديدٍ، وإذا فخري كريم حصد عمله، وحاله بالعراق الجديد، حال حمزةَ الصّياد، والقول لمحمَّد مهديّ الجواهريّ (ت: 1997): «مضى حَمزةُ الصَّياد يصطادُ بكرةً/ فآب وقد صادَ العشيَ غرابا» (بيتان لصديق صياد 1942)، محاولة اغتيال!

ما تعرض له صاحب «المدى»، نُفذ تزامناً مع معرض الكتاب ببغداد، الذي أسسه، وجرت محاولات لمصادرته بمعرضٍ آخر، فكان أصحاب المعرض المنافس كقوم دُريد بن الصِّمَّة (ت: 8هجرية): «وهل يُستبانُ الرُّشدُ إِلاّ ضُحى الغَدِ»، مرت عشرون عاماً ولم يفكروا بمعرضٍ ولا مشروع ثقافيّ، وكم غدت الثَّقافة مِن حصة ميليشيا في توزيع الحقائب.

كان معرضه سويةً مع معرض أربيل لربط الجبال بالسُّهول، للبقاء على لغة كلام مشتركة بينهما، خلال أيامهما يشعر العراقيون بوجود مَن يُنافح لمشروع ثقافي عراقيّ، خارج العقائد والذَّوبان في الولاية، والسَّابق حزب «ذوبوا في فلان».

كان حضور الإسلاميين في المعرضين علامةَ عافيةٍ وطنيةِ، ممَن رأوا في مشروعهم تعطيلاً للثقافة بمعناها الإنسانيّ، فمالوا إلى «المدى»، ولا أدري عن ردة فعلهم على الحادثة، فأحدهم احتج منتصراً ضد العنف، وآخرون سكتوا، فلا يريدون خسارة منافع الصّحبة القديمة.

أقول هذا لأنَّ محاولةَ الاغتيال، سبقتها تهديدات، على مدى سنوات طويلة، بسبب ما تنشره المدى ضد الإسلام السّياسيّ، المتحكم بالميليشيات والثّروات، وما نشرته مِن ملفات الفساد، ولو كان المطلوب غير صاحب المدى لانتهى قبل كامل شياع (2008)، المولع بالفلسفة، وصاحب المشروعٍ الثَّقافي الجدير بالاهتمام، والجدير بامتعاض الإسلاميين أيضاً، ففخري كريم لديه أدوات الحماية، لكنها تبقى محدودة مقابل كاسحاتهم.

لم تعد بغداد آمنة، فعندما يُهدد رئيس جمهورية، ورئيس وزراء بالاغتيال، والسّلطة تصبح وسيطاً بين عصابة الخطف وذوي المخطوف، فاعلم أنّ الأمر أكبر مِن السُّلطة نفسها. أقول نفد صبر الظّلاميين، أصحاب مشروع الخراب، على صاحب المدى، لأنه حاول حماية الثمانمئة متظاهر، وشيع لشعارهم «نريد وطناً» في جريدته وسط بغداد!

نفد صبر حيتان الفساد، لأنّ «المدى» تعاونت مع أحمد الجلبي (ت: 2015) بنشر ما جمعه مِن ملفاتهم، وكان مخلصاً في ما تقدم، بعد أن وجد نفسه مهملاً مِن قبل مَن وطأ لهم الغزو الذي أتى بهم.

تجاوزت «المدى» الخطوط الحُمر، وتصدت لمعارضة الإسلام السّياسيّ، لكنَّ غلطةً غلطها فخري كريم، كراهة لما شاع عن عودة البعث، فأخذ بيد أمين الدّعوة إلى ولاية ثانيّة (2010)، وكانت الأشر، وكلما تحدث عن كارثيتها، يعض أصبعه ندماً، ونَردُ لائمين: «كنت سلماً».

نجد المشروع مزدوجاً، الفساد والظّلام، والمدى اطمأنت للديمقراطيّة، تنشر حوادث الاغتيال والاختطاف، وأوكارهم العواصمَ وسط العاصمة، تعدت «المدى» حدودها، فصدرت الفتوى بتصفيتها! وعلى دعاة التّنوير، مهما عظمت الخصومة، ستطولهم فتوى التّصفية كافة، بيد تماسيحٍ جائعة للحومهم، لا يهادنون على مشروعهم التَّدميري.

أعود إلى الجواهريّ، فعنده ما يفيد، وإن اختلفت المناسبة، للتَّذكير بمجازر ستطول كل عقبة ضد الخراب، والمنفذون مؤمنون بفقهائهم، لا تُطلق رصاص إلا بفتوى: «هُناك تنتظِرُ الأحرارَ مَجزرةٌ/ شنعاءُ سوداءُ لا تُبقي ولا تَذَرُ/أكانَ للرِفِقِ ذِكرٌ في مَعاجِمهمْ/ أم كانَ عن حِكمةٍ أو صحبِهَ خَبَرُ/واللهِ لاقتِيدَ زيدٌ باسم زائدةٍ/ ولأصطلى عامرٌ والمبتغى عُمَرُ (تحرك اللِّحد 1936). ما يحدث اليوم، الاغتيال مِن شيم الكهوف.

***

د. رشيد الخيون - كاتب عراقي

 

سمعت في الأسابيع الأخيرة حكاياتٍ عن الفساد، ولفت نظري أنّ أصحابها دائماً ما ينهون حديثهم بجملة :" سنحارب الفساد " إلّا أنّ قصة طريفة عن الفساد استوقفتني حذرنا فيها أحد الشيوخ من " الفساد الترفيهي " الذي يرى فيه الشيخ خراباً للأمة.

فأن تفرح وتقيم حفلة تخرج للطلبة أو يتجمع الناس لسماع مطرب، فهذا قمة الفساد، أما سرقة عشرات المليارات من أموال الدولة، وانتشار المخدرات، وتفشي الجريمة المنظمة، والرشوة وبيع المناصب فهذه أمور بسيطة في نظر الشيخ، مادام المجتمع يرفض " الفساد الترفيهي ". لستُ في وارد مناقشة السيد رئيس هيئة النزاهة حول عمليات السطو والنهب التي تعرّض لها العراقيون خلال الأعوام الماضية وكان فيها الشيخ يرفع شعار " لا أرى.. لا أسمع.. لا أتكلم ".

مؤشر طيّب أن يصبح الفساد الترفيهي، محلّ قلق للبعض، لكن هناك بيننا من يشرّع الفساد ويسمّيه ” الشطارة ” ويحوّل مؤسسات الدولة إلى ملكية خاصة يتقاسّمها بين أهله وعشيرته.

يعرف السيد الخطيب، أنّ العراق بحسب منظمة الشفافية العالمية يقع في المراكز الأولى في مؤشر الفساد المالي والإداري، ومثل هذا الفساد معروف من يقف وراءه ولا يحتاج إلى عبارات مطاطية مثل " فساد ترفيهي " وتخويف العراقيين من إقامة حفلات أو حضور مهرجانات فنية.

كان المرحوم لي كوان مؤسس سنغافورة الحديثة يقول إنّ " تنظيف الفساد مثل تنظيف السلالم، يبدأ من الأعلى نزولاً للأسفل ". ولذلك تمكن أن يبني دولة متعددة الطوائف، لا تملك موارد طبيعية، لكنها تملك ضمائر مسؤولين أنقياء ومحبّين لوطنهم، لتتحوّل معه الجزيرة الفقيرة إلى واحدة من أغنى مدن العالم.

أخطر ما في الفساد أن ينتج لنا أشخاصاً أطلق عليهم عمنا علي الوردي ذات يوم اسماً طريفاً هو " النهّاب الوهّاب "، وهو نموذج للشخصية الفاسدة التي تستغل نفوذها الوظيفي او الحزبي لنهب الأخضر واليابس، ثم تقوم هذه الشخصية بتوزيع فتات من الهبات على الفقراء من المواطنين من أجل أن يعيدوها إلى كرسي البرلمان.

20 عاماً ونحن نعيش لحظة في مجتمع مغلق، و خطباء يخافون من حفلات تخرج الطلبة، وأحزاب تغذّي نفسها من أموال السحت الحرام، فيما المواطن وحيداً في الشارع ينتظر من يؤمِّن له حياته وحاجياته وينشر الأمل والتسامح.

20عاماً من العمر مضت يامولانا الشيخ، والعمر به كم 20 عاماً حتى تريد منّا أن نعيش في هم وغم، بعد أن عشنا متفرجين على مهرجان النهب الوطني.

***

علي حسين

يعتمد الإعلام العبري أسلوب الانتقائية في المصطلحات باعتبارها قاعدة صحافية بما تضمر خلفها من عمق سياسي وعقدي. ذلك لأن هذا الإعلام يلعب دورا مهما في تعميق الوعي السياسي والعقائدي لدى متابعيه. ومن هنا نستطيع القول أنها تشارك في التأثير عليهم بقوة.

وقد اتسمت الحرب على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ كما حروب دولة الاحتلال السابقة. فاستخدمت عددا من هذه المصطلحات التي تخدم شعبها كما شعوب العالم بهدف الإقناع.

ومنها عملية طوفان الأقصى التي أطلقت عليها "العملية الإرهابية". وقد وسمت دولة الاحتلال العملية بهذا المصطلح بهدف تعميق فكرة أن ما فعلته المقاومة الفلسطينية بتاريخ ٧/أكتوبر من اقتحام لمستوطنات الغلاف وما رافقها ما هو إلا تعد على أمنها. فجاء ردها الوحشي من قصف وقتل وتدمير واستهداف للابرياء. فبرز مصطلح "الدفاع عن النفس" لتبرر ما ارتكبته ولا زالت من مجازر وعمليات إبادة جماعية وتهجير وتجويع وحصار وبقية العقوبات الجماعية الأخرى.

وعندما وقفت شعوب العالم ضد الانتهاكات التي يتعرض لها قطاع غزة تبجحت ب"طهارة السلاح" وأن حربها "أخلاقية". وما سقط من ضحايا ما هو إلا "أضرار جانبية" لعملياتها التي ادعت زورا وبهاتا أن الهدف منها تدمير "أهداف إرهابية".

وغيره من المصطلحات التي كمنت خلف قناع انتقائيتهم. غير أنني سأكتفي بما أتيت على ذكره.

لقد جاءت عملية ٧/اكتوبر ردا على الانتهاكات التي ترتكبها دولة الاحتلال طيلة عقود من هدم للبيوت ومصادرة أراض وأملاك وعمليات اعتقال ظالمة وغيرها الكثير لا يسعنا الإتيان عليها هنا. غير أن السبب الأهم يكمن في نية هذه الدولة عن طريق الجماعات اليمينية المتطرفة هدم المسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث ،وكانت مقدمات ذلك من خلال إقامة طقوس تلمودية داخل المسجد الأقصى واقتحامات ،كان ذلك قبل عملية الطوفان بأيام قليلة. فبأي أي حق تأتي دولة الاحتلال لوسم العملية بأنها إرهابية وهي من صنع الإرهاب؟

ثم كعادتها ادعت بان سبب الحرب كان بدافع الحفظ على أمنها والدفاع عن نفسها أمام هجمات المقاومة الفلسطينية وصواريخها، وهي التي بدأت بالاستفزازات كما هي عادتها؟ ففي عام ٦٧ بررت حربها بأنها بهدف الدفاع عن نفسها بينما هي تخطط منذ ٦٣ الاستيلاء على الضفة الغربية وقطاع غزة وأن ما حصل في ٤٨ هو خطأ تاريخي أصلحته في ٦٧ فاستولت على كامل ارض فلسطين بعدما مارست استفزازها على من حولها.

واليوم ترتكب إبادة جماعية بحق أهل غزة وتبرر فعلتها من خلال غسل الكلمات وتزويقها أمام العالم.

وتذهب لتطلق على حربها الهمجية الدموية بحق المدنيين بانها "أخلاقية" وهي بعيدة كل البعد عنها. فهل تتمثل الأخلاق بالقتل، بقصف المستشفيات، بالإغارة على شبكات المياه ،بتدمير المساجد والمدارس والجامعات؟ فكيف يصبح المجرم أخلاقي في حرب كالتي تحدث في غزة؟ ثم يتبجحون بطهارة سلاحهم ،والطهارة براء منهم!

فالهدف بات واضحا من وراء استخدام مثل هذه المصطلحات المغسولة من قبل دولة الاحتلال في حرب لا أخلاقية كهذه ألا وهو إظهار براءتها وطهارتها أمام العالم وفي المقابل وضع المقاومة الفلسطينية في قفص الاتهام وأنها المعتدية.

***

بديعة النعيمي

 

لم يكن حدثاً عابراً ما صنعه الطيار الأمريكي الشاب آرون بوشنل، وقد أضرم النار بنفسه كشمعة؛ لتضيء الطريق للعم السام الذي أصابه الخرف والعمى، فمات قبل أن تزول الغمة عن أيقونة الشرف، غزة التي غيرت العالم وصارت محراباً للصلاة يلتقي أمامه شرفاء العالم مع ربهم الذي ألهم أهل غزة الصبر على حرب الإبادة في عالم يسوده الرياء ويتحكم به قانون النخاسة، والتضليل الإعلامي.

تخيلوا كيف تلتهب فكرة الحرية في رأس طيار فتيّ يدعى "آرون بوشنل" فيحلق في سمائها مشتعلاً كومضة برق، إيذاناً منه بسقوط أمطار الرحمة؛ لكنها تجف في يباب أرض تدعى الولايات المتحدة، كان قد احتلها ذات يوم رعاةُ البقر العنصريين من أصحابها الطيبين، الهنود الحمر، وأقيمت مداميكها الأولى على خراب بيوتهم، وقد ذرفت عيونُهم اليومَ الدموعَ حزناً على ضحايا غزة التي أحيت ذاكرتهم الغائرة في وجع الإبادة، غزة التي ضحى الشاب بوشنل -الغريب عنها مكانياً والقريب إنسانياً- بنفسه لأجل حريتهم المهدورة على يد جيش احتلال إسرائيلي عنصري نازي, بدعم أمريكي وبمؤازرة الخونة الأنذال.

ملخص الخبر أنه توفي طيار أمريكي في القوات الجوية الأمريكية بعد أقدامه على إضرام النار بنفسه يوم الأحد الماضي، أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، احتجاجا على جرائم الإبادة الجماعية بقطاع غزة.

وأفادت وسائل إعلام أمريكية أن "آرون بوشنل" ابن الخمسة وعشرين عاماً، أضرم النار بنفسه تعبيراً عن تنديده بالعدوان الإسرائيلي الجائر على قطاع غزة.

واشتعل الفضاء الرقمي بمشاهد بوشنل خلال إضرامه النار في نفسه، وهو يرتدي ملابس عسكرية، ويُعرّف نفسه بأنه جندي نشط حالياً في القوات الجوية الأمريكية، ويقول: "لن أشارك بعد الآن في الإبادة الجماعية".

ما يثبت بأنه رفض أوامر قيادته العسكرية بالمشاركة في قصف غزة.

من جهتها أكدت القناة الثانية عشرة العبرية -التي تمثل الاحتلال المتسبب بالحادث-، مقتلَ الطيار الشجاع، منوهة إلى قوله في أنه "لن يكون متواطئا في إبادة جماعية" في غزّة، وكان يصرخ "حرّروا فلسطين".

الخبر بحدّ ذاته حرك مشاعر أحرار العالم؛ لكنه أيضاً أحبط الإسرائيليين الذين أدركوا كيف أن غزة المحاصرة، هي التي تحاصر "إسرائيل" وتحبسها إنفرادياً، في عالم انتفضت جماهيره على الظلم؛ لأجل إنقاذ أهل قطاع غزة من براثن نظام فصل عنصريّ متوحش، يعربد في الدم الفلسطيني المستباح منذ نكبة ١٩٤٨ دون رادع.

وتبدأ القصة على نحو ما قاله مسؤول في خدمة الإطفاء والطوارئ الطبية في واشنطن؛ إنهم تلقوا بلاغاً بأن شخصاً بالغاً أضرم النار في نفسه أمام مبنى السفارة "الإسرائيلية".

وقالت السلطات إن أحد أفراد الجيش الأمريكي أشعل النار في نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن في عمل احتجاجي كما يبدو على الحرب في غزة.

وتم نقل الرجل إلى مستشفى بالمنطقة بعد أن تمكن أفراد من جهاز الخدمة السرية الأمريكية من إخماد النيران.

وقال متحدث باسم إدارة شرطة العاصمة إن الرجل في حالة حرجة، ليعلن عن وفاته بوقت لاحق.

وأكد متحدث باسم القوات الجوية أن الواقعة تتعلق بطيار في الخدمة الفعلية.

وقال بوشنل الذي كان يرتدي الزي العسكري في تسجيل مصور بثه على الهواء مباشرة عبر الإنترنت بحسب صحيفة نيويورك تايمز "لن أكون متواطئا بعد الآن في الإبادة الجماعية".

وذكرت الصحيفة أنه بعد ذلك سكب على نفسه سائلا شفافا وأضرم النار في جسده وهو يصرخ “فلسطين حرة”.

وهذه ليست المرة الأولى التي يحرق فيها شخص نفسه أمام بعثة دبلوماسية إسرائيلية في الولايات المتحدة.

ففي ديسمبر ٢٠٢٣، أضرم أحد المتظاهرين النار في نفسه، أمام القنصلية الإسرائيلية في مدينة أتلانتا عاصمة ولاية جورجيا الأمريكية.

أي أن بوشنل يمثل فئة حرة من العسكريين الرافضين لأوامر قادتهم اللا إنسانية في تمرد حقيقي على دعم جرائم الاحتلال الإسرائيلي، الذي يشن حرب إبادة على الفلسطينيين في غزة، وذلك أسوة بقرارات مماثلة كان قد اتخذها كثيرٌ من موظفي الدوائر والمؤسسات الأمريكية الحساسة إزاء الدعم الأمريكي الشامل ل"إسرائيل" .

وفي المحصلة فما قام به بوشنل إنما يعبر عن تحرره من أقمطة التبعية والظلام فينتقل إلى نور الحرية ورحابتها؛ كي يحذو حذوه كل من ترغمه دوائر القرار في أمريكا على دعم "إسرائيل" ولو بشق تمرة.

**

بقلم: بكر السباتين

٢٧ فبراير ٢٠٢٤

المستعرب باختصار هو مصطلح عربي في أساسه، يعني أن يتقمص أحدهم حياة العرب في جميع مناحيها الفكرية والمادية.

وتعود جذور الاستعراب إلى الحرب العالمية الثانية وكان موجها ضد البريطانيين، بالرغم أن الاستعراب هو اقتراح بريطاني. ففي العام ١٩٤١ اقترح البريطان على القيادات الصهيونية استغلال القدرات الموجودة لدى يهود السفارديم" الشرقيين" من خلال انتقاء مجموعة منهم وتدريبهم ليكونوا وكلاء استخبارات بهدف زرعهم في البيئات العربية داخل فلسطين وخارجها. لتأدية مهام أبرزها _تجميع المعلومات الاستخباراتية بما تنقله من معلومات لمعرفة كيفية التعامل مع العرب وقضاياهم _تنفيذ عمليات إرهابية أبرزها تصفية أهداف فلسطينية معينة _بناء صورة قبيحة عن الفلسطيني _نشر آراء محبطة في أوساط الشارع العربي للحط من عزائم الجماهير العربية خدمة لدولة اليهود. كما أن لهم مهمة تكمن في جذب العملاء مقابل مبالغ مالية وتسهيلات معيشية ووظيفية.

ويفضل أن يكون المستعرب من السفارديم حيث أنه ملم باللغة العربية والعادات ويتمتع أغلبهم بمظهر شرقي بهدف عدم كشفه من قبل الفلسطينيين، ويسترط أن تكون لديه القدرة على التأقلم مع ظروف حياة العرب الصعبة والأهم أن يكون مخلص للدولة اليهودية.

ويعتبر جهاز المستعربين جهاز عسكري مهم بالنسبة لدولة الاحتلال حتى أنه أصبح علما يدرس في الأكاديمية العسكرية. وهم موجودون في حالة السلم والحرب على السواء.

وها هي وحدة "دوفديفان" المستعربة وهي وحدة خاصة من قوات النخبة داخل جيش العدو وكان قد أنشأها "إيهود باراك" عام ١٩٨٧ ،أفرادها مستعربون ذوي ملامح شرقية تشارك في الحرب على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ من قواتها النظامية والاحتياطية. وقد أعلن الجيش على حد قوله أن مقاتلي هذه الوحدة داهمت بنى تحتية للمقاومة أسفرت عن تصفية عدد منهم في اشتباكات مباشرة. كما أضاف بيان الجيش أيضا كما يزعم أن إحدى المداهمات شهدت العثور على كمية كبيرة من الوسائل القتالية والمعدات العسكرية داخل مدرسة ثانوية.

كما شاركت فرقة من المستعربين اليهود في عملية اغتيال ثلاثة شبان داخل مستشفى "ابن سينا" في مدينة جنين في الضفة الغربية مع تصاعد الحرب على غزة.

وهذه الوحدة من وجهة نظر دولة الاحتلال تؤدي رسالة إنسانية أساسها توفير الحماية للمجتمع اليهودي ضد ضربات المقاومة من خلال المهام التي تطرقنا إليها وتقتل داخل المجتمع الفلسطيني بصمت.

***

بديعة النعيمي

نظم معهد الشرق الأوسط للدراسات السياسية، مساء السبت، ندوة دعا خلالها رئيس الوزراء الأردني السابق، ممدوح العبادي إلى تدريس اللغة "العبرية" في المدارس الأردنية، وإدراج مناهج إجبارية في المدارس تعنى بالثقافة اليهودية، من أجل التعرف على أفكار الكيان الإسرائيلي، و فهم مخططاته في المنطقة.

واستشهد العبادي بنجاح تجربة حماس الاستثنائية في السابع من أكتوبر التي باتت تمثل نقطة فاصلة في الصراع العربي مع الاحتلال الإسرائيلي، خاصة أن العمليات العسكرية وصلت لمناطق الداخل الفلسطيني، ساعد على ذلك توفر متانة الجبهة الداخلية لحركة"حماس" مقابل فشل الاحتلال استخباراتياً في معرفة أي معلومات عن هذه العملية.

الدعوة بحد ذاتها خطوة استراتيجية ذكية مع وجود بعض الثغرات. وهذا طبيعي في المشاريع التي لم تخرج بعد إلى حيّز التطبيق الميداني، ما يسترعي التنبيه إليها وتطويقها بالملاحظات وخاصة أنها ترتبط بمناهج التربية والتعليم التي أنيط بها تطوير عقول الأجيال الأردنية المتعاقبة.

ونبه العبادي إلى مشروع تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن من خلال السيطرة على كامل الضفة الغربية، مشدداً على أهمية وضرورة التجنيد الإجباري، بعد مرور ثلاثين عاما على معاهدة السلام الأردنية مع الاحتلال الإسرائيلي. ويقصد العبادي اتفاقية "وادي عربه" الخلافية.

وهي دعوة حكيمة إلى تعزيز الوعي الوجودي الأردني، بالعدو الحقيقي والواقعي ذي المحددات التي لا يختلف عليها اثنان، والمتربص بوجوده، وبناء المواطن الأردني المُعَدُّ جيداً لمواجهة الخطوب عند المنعطفات الطارئة.

وفي سياق حديث العبادي فإن هذه الدعوة تضع في الاعتبار عدواً تاريخياً وحيداً يتمثل ب"إسرائيل" التي تمارس سياسة التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية، ويطلق ساستُها تهديداتهم في أكثر من مناسبة التي تستهدف الأردن وجودياُ وحل القضية الفلسطينية على حسابه.

والأمثلة على ذلك كثيرة، على نحو ما قام به وزير المالية الإسرائيلي اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش في مارس 2023 أثناء حفل شارك به في باريس رفع خلاله خريطة لكيان الاحتلال الإسرائيلي تضم حدود المملكة الأردنية والأراضي الفلسطينية على اعتبار أنها تمثل "إسرائيل".

أثار هذا السلوك القائم على الأساطير التوراتية في ظل حكومة نتنياهو اليمينية، غَضَبَ عمّان التي استدعت حينها السفير الإسرائيلي لديها احتجاجا على سلوك المسؤول الحكومي.

حيث صدر بيان عن المملكة، في أنه تم "إبلاغ السفير الإسرائيلي بضرورة قيام حكومته باتخاذ موقف صريح وواضح إزاء هذه التصرفات المتطرفة، والتصريحات التحريضية الحاقدة المرفوضة من وزير عامل في الحكومة الإسرائيلية".

لقد مثل هذا السلوك نفياً وجودياً للكيانين الفلسطيني والأردني، و"تصرف تحريضي أرعن، واختراق للأعراف الدولية ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية" وفق ما جاء في بيان الناطق الرسمي باسم الوزارة، سنان المجالي.

صحيح أن دعوة العبادي تأتي من باب الوقاية لثقافتنا من الملابسات وتحصينها من المؤامرات التي لم تعد خافية على أحد لا بل وتحولت إلى مادة شهية عبر الفضاء الرقمي، وعملاً بمقولة "اعرف عدوك"، على اعتبار أن لغة العدو العبرية ساعدت المقاومة في غزة على فهم العقل الإسرائيلي والتفوق عليه؛ ولكنه في ظل السياسات التطبيعية في الوطن العربي فإنه يُخْشى من أن يتحول الأمر إلى ما يشبه "حصان طروادة ثقافي" يكون من شأنه تحويل التطبيع الثقافي إلى حالة رومانسية بين عدوّيين فيخرج الموضوع برمته عن السيطرة، في ظل استفحال ظاهرة منظمات المجتمع المدني وخاصة أن بعضها يرتبط بأجندات خارجية مشبوهة متصهينة.

وبالتالي توفير البيئة المناسبة لاختراق العقل العربي الذي يتعرض إلى انتهاكات تُمَاَرسُ عليه من خلال نشاطات بعض تلك المنظمات إلى جانب بعض المنصات العالمية الصهيونية مثل "نتفلكس".

والسؤال هو:

لماذا إطلاق مثل هذه الدعوة التي تتوفر فيها النية الحسنة لفرضها على أبنائنا الطلبة، ما دامت متوفرة إختيارياً على صعيد الجامعات؟

وهل سَيُسْمَحُ -في سياق تعزيز الروح المعنوية لأبنائنا- لمناهج التربية والتعليم العودة إلى اعتماد سِيَرِ أبطال الأردن مثل الشهيد فراس العجلوني بغية ترسيخ ثقافة "افتداء الوطن".

لماذا لا نتصرف في نطاق أوسع فيما يتعلق بمناهج التربية والتعليم، مثلما يفعل الخبراء الصهاينة في المناهج التربوية الإسرائيلية التي تترسخ فيها الأفكار العنصرية التلمودية من خلال برمجة العقل الصهيوني على مبدأ التفوق العرقي، وتسويق الشخصية الصهيونية على قاعدة" الضحية التي يحق لها إبادة الآخرين دفاعاً عن النفس" والتي تحصنها القوانين الغربية على نحو "معاداة السامية" والتقاء ذلك مع الدور الوظيفي لكيان الاحتلال لصالح الغرب الذي صنعه ويوفر له الدعم والحماية.

أما بالنسبة لدعوة العبادي إلى التجنيد الإجباري فهي أمر طارئ وملح ويستحق الأولوية، بعد إعادة تعريف "من هو العدو" حتى لا تنقلب الأمور على بعضها، في وطن تتربص به الأجندات التي ترتبط بالعدو الإسرائيلي الذي يتبنى مشروع "إسرائيل الكبرى" رغم أنه تقزم في العقل الإسرائيلي بفعل هزيمة جيش الاحتلال في طوفان الأقصى.

دعوة العبادي استراتيجية لا بد من طرحها لتتلاءم وحاجة الأردن إلى حماية نفسه من الخطر المحدق به غربي النهر، مع إجراء التعديلات اللازمة لضمان سلامة النتائج.. من المتربصين به سواء كانوا من الداخل أو الخارج على كافة الصعد.. فوفق الأردنيين فإن بلادهم خط أحمر .

***

بقلم: بكر السباتين

26 فبراير 2024

 

في رسالة أصدرها قصر "باكنجهام في لندن" اليوم السبت الموافق /24 /من فبراير، في ذكري الحرب الدائرة في شرق أوروبا قال: الملك"تشارلز الثالث" ملك المملكه المتحدة في تصريح ادلي بة الملك / عن عزم وقوة الأوكرانيين في ذكرى الحرب. وأشاد الملك "بتصميم وقوة" الشعب الأوكراني في رسالة بمناسبة الذكرى "الثانية للغزو الروسي. وفي رسالة أصدرها /قصر "باكنجهام"، قال"تشارلز "إنه لدية إرتياح  وتشجيع الكثير بجهود "المملكة المتحدة " لدعم أوكرانيا وأثنى على "شجاعتهم الحقيقية". يصادف اليوم السبت/24/من فبراير " مرور عامين على شن الكرملين هجومه على أوكرانيا، ووصف الملك الحرب بأنها أكبر توغل في دولة أوروبية منذ الحرب "العالمية الثانية".

وقال: "إن تصميم وقوة الشعب الأوكراني ما زالا مصدر إلهام، حيث يدخل الهجوم غير المبرر على أراضيه وحياته عشيه "عامه الثالث ووصفه بالحالة المأساوية".

على الرغم من المشقة الهائلة والألم الذي لحق بهم، يواصل الأوكرانيون إظهار البطولة التي يربطهم بها العالم بشكل وثيق. وأضاف: "إن شجاعتهم الحقيقية، في مواجهة عدوان لا يوصف. وقال: لقد شعرت بذلك شخصيًا في الاجتماعات العديدة التي عقدتها مع الأوكرانيين منذ بداية الحرب، من الرئيس {زيلينسكي والسيدة زيلينسكا}.. إلى المجندين الجدد في الجيش الذين يتدربون هنا في الولايات المتحدة". والمملكة المتحدة،،.

في سياق الحديث في ذكري الحرب قال: الأمير "ويليام" يدعو إلى إنهاء القتال في "غزة" في أسرع وقت ممكن".

للآسف غاب ضمير الملك {تشارلز الثالث}في تصريح بثه القصر الملكي: أن يذكر الوضع المأساوي في قطاع غزة إن غياب الضمير العالمي / في تصريحات قادة وساسة اوروبيين، غابت عن ضمائرهم صور القتلي من الأطفال والنساء في قطاع غزة، وكان التركيز علي الحرب الأوكرانية فقط..!! هذه "الرصانة" التي لا تتوفر إلا في مغاسل الموتى وفي طمأنينة الأبقار قرب جدران المسلخ أو تماثيل متاحف الشمع من قادة الغرب، كأنه احتفال وحشي بالحرب".

هل جلالة ملك بريطانيا العظمي العام القادم سوف يحتفل بذكري(ليلة الذبح ) لشعب غزة وكيف سيكون الاحتفال في القصر الملكي..؟ بالطبع برائحة دم الأطفال والنساء المحاصرين الان في رفح. لماذا العويل يا عرب والحرب فوق رؤوسكم  فقط ..؟،، أين قيم الحضارة الغربية والأمريكية التي تختلط فيها رائحة الدم والجثث امام شاشات العالم ..؟ ماذا يمكن ان نقول نحن الذين تنجر لهم هذه الأيام وليمة الموت وطقوس الجنازة على مرآى من العالم، نحن الذين نهتف للحرب وكيف سيكون الاحتفال في "ليلة الذبح " دعوة للتأمل " ليلة النصف من شعبان " وهذه "الغيبوبة" من قادة عرب.

مالك ايها الطفل الغزاوي الجالس علي انقاض كانت يَومًا دِيَارَا، لا تغضب   وتلعننا ونحن " صامدون" أمام الجثث وموت الأطفال وانقراض شعب وأنين الأرامل وموت الحياة..؟

نحن، يا أطفال ونساء غزة، لا يهمنا من يموت أو يقتل أو ينقرض، أكثر ما يهمنا قصائد غرام الاغواء عن حب لا يتوفر حتى في حاويات النفايات، لأنه أمام مذابح. وماذا تعني بكل ذلك..؟

اننا اذن امام مشهد سقوط أخلاقي مروع، وتدهور خطير في الروح الإنسانية أجمع لا مثيل له، ولا أحد يعتقد ان العالم، كل العالم، سيحترمنا ونحن نتحدث عن وطننا بهذه اللغة الدموية التي يخجل منها وحوش ما قبل التاريخ  دعوة للتأمل وانقراض شعب وأنين الأرامل عُذرًا ايها الطفل الذي تبحث عن "دفتر قلم " ستكتب يَومًا هنا فلسطين،بعد ان تبحث عن الهوية فلا تجد في معاجم الآقوامُ قومًا اسمُهُمْ عرَبٌ،،!!

***

محمد سعد عبد اللطيف - كاتب وباحث مصري

 

من النادر أن تجد محطة إعلامية (تلفازية، أو موقع إنترنيت وأي وسيلة تواصل إحتماعي)، ذات مناهج توعَوية (من الوعي أي الفهم)، فمعظمها تعبوية، وهدفها تأمين الإستثمار بالشرور والعدوانية والفرقة والكراهية.

لكل منها أجندته المناهضة لنهضة الأمة، وتدفق طاقاتها في مجاري الحياة المعاصرة.

مَن الذي يدير ويموّل هذه المنابر؟

الجواب واضح، هم أبناء الأمة المُسخَرون لخدمة أعدائها!!

وهذا يوفر الفرص الثمينة للمفترسين لغرز أنيابهم في بدن وجودنا، وتحفيز عناصر الهدف لتكون نشاطاتها مواليه للذي يريده، فمكوّنات الهدف تحوّلت إلى عدو للهدف، أي تؤهله ليكون فريسة سهلة للطامعين به.

وعلى هذا المنوال تمضي مسيرة التداعيات والويلات المؤجَجة بالتصريحات والخطابات التعبَوية، اللازمة لإنهاك الأمة وتبديد قابلياتها على الحياة الحرة الكريمة.

ويبدو أن الراغبين بأكل فريستهم على موائد سعيد مَن إكتفى بغيره، وجدوا بالدين غايتهم فتحوّلت العمائم المؤديَنة إلى عوامل مساعدة لتعبئة التابعين القابعين في ميادينهم القطيعية، وإعدادهم للإنقضاض على الهدف المطلوب، وهم كالمنوَمين المثمولين بالضلال والبهتان، والمؤهلين للموت إختيارا.

وبموجب أجندات الإستحواذ على البلاد والعباد، صارت خطابات العمائم المؤديَنة تعبوية طائفية تحث على الفرقة والتباغض، والعدوانية الشديدة بين أبناء الدين الواحد وابوطن الواحد، فتدمرت مفردات الفضيلة وتسيّدت الرذيلة بعناصرها الدخيلة النكراء.

ترى لماذا لا يهتم الإعلام بالتوعية بدلا من التعبئة السلبية لأبناء الأمة ضد بعضهم؟

الوعي قوة، والجهل وسيلة مهمة لإستعباد البشر، ولابد من نشر الجهل وتنمية المشاعر السلبية، ليبقى المعممون وأصحاب الكراسي قابضين على أعناق المواطنين!!

وتلك حقائق معفرة بالدموع والدماء والحسرات والأنين!!

و"عزيز على الأوطان أن شجاعة... تمزقها الشحناء من غير طائل"!!

"فلا تكونن من الجاهلين"!!

***

د. صادق السامرائي

 

وقف النعمان بن بشير الأنصاري الخزرجي على المنبر يوماً فقال للناس: أتدرون ما مثلي ومثلكم؟ قالوا: لا. قال: مثل الضبع والضب والثعلب، فإن الضبع والثعلب أتيا الضب في وُجاره (بيته)، فنادياه: يا أبا الحسل (كنية الضب). فقال: سميعاً دعوتما. قالا: أتيناك لتحكم بيننا. قال: في بيته يُؤتى الحكم: قالت الضبع: إني حللت غيبتي. قال: فعل الحرة فعلت. قالت: فلقطت تمرة. قال: طيباً لقطت. قالت: فأكلها الثعلب. قال: لنفسه نظر. قالت: فلطمته. قال: بجرمه. قالت: فلطمني. قال: حرّ انتصر. قالت: فاقضِ بيننا. قال: قد فعلت."

من السطور أعلاه نستطيع الوصول الى حقيقة، قد تكون غائبة عنا في خضم حياتنا المليئة بالمشاغل والمشاكل، لاسيما ساعات المحن والشدائد، إذ من الطبيعي أن يعتري المرء لحظتها تشتيت انتباه وقلة تركيز، تفضيان معا الى سوء تقدير وقلة حيلة في وضع النقاط على الحروف. والحقيقة التي قصدتها هي عدم الاكتفاء بتشخيص نقاط الخلل ومكامن الخطل ومفاصل الضعف، والإبقاء عليها قائمة، بل تتبّعها بإمعان وتمحيص، لمعرفة أسباب مشاكلنا وبالتالي معالجتها، إذ حري بنا الابتعاد عن دور المتفرج، والسعي الحثيث في حل ما استعصى منها، فضلا عن الوقوف طويلا عند الأسباب التي أدت الى نشوبها وحدوثها، لتلافي وقوعنا بها ثانية.

إن بلدنا يمر منذ عام السعد، عام التحرير من النظام السابق بمرحلة حرجة، حيث تعدد المطبات وتنوع المعرقلات وكثرة العقبات، إذ كما يقول القاضي أبو بكر ابن العربي:

ولو كان رمحا واحدا لاتقيته

ولكنه رمحٌ وثانٍ وثالثُ

وعلينا استذكار أيام كنا قد قرأنا عنها في كتب التأريخ، وأطلعتنا عليها الأسفار، منها البعيدة الموغلة في القدم، ومنها حديثة العهد، مازال أغلبنا يتذكرها وكأنها أحداث الأمس، تلك الأيام التي لم تكن تخلو من أصناف من الناس لبسوا لباس البشر، في وقت هم أشد ضراوة في شرهم من الذئاب، وقطعا لم يتميزوا بهذه الميزة فخرا وعلوا، بل اكتسبوا بها خسة وضعة زادتهم ذلا على ماهم عليه، ورحم الله الرصافي حين أنشد:

كلاب للأجانب هم ولكن

على أبناء جلدتهم أسود

وكما نقول في مثلنا: (ماكو زور يخله من الواوية) فـ (واوية) المراكز القيادية -رئاسة وتشريعا وتنفيذا- كثيرة في وقتنا هذا، ولديها من الألسن مايبدأ بتصريحات رنانة طنانة، لاتقف عند حد من المبالغة والكذب وقلب الحقائق، فأكثرهم ينفخ في قربة منخورة، بهدف واضح لدى الجميع، وواضح جدا في جل خطاباتهم تأثرهم بمقولة النازي: "اكذب اكذب اكذب حتى يصدقك الآخرون، ثم اكذب أكثر حتى تصدق نفسك".

اليوم يحارب العراقيون في جبهة خطيرة إلى حد كبير، هي في حقيقتها أخطر من الوقوف بوجه داعش، فلقد انطوت على حيثيات وانبرت على نتائج أخطر من ذاك النظام الإرهابي، تلك هي جبهة الفاسدين والمفسدين. ومايضاعف من خطورتها أن أغلب أبطال هذه الجبهة هم من متقلدي المناصب العليا، لاسيما أنهم مصابون بعقدة التمسك بالمنصب، ولا يتوانون عن فعل أي شيء من أجل البقاء متربعين على عروشهم، حتى أنهم لم يتخذوا من ثورة الشعب وتظاهراته رادعا، يوقفهم عن غيهم وطغيانهم وتمددهم بالفساد، كما أنهم أداروا ظهورهم عن موقف المرجعية، ذلك أن ماتراه يخالف مصالحهم ومنافعهم، فأغلبهم لم يتنازل عن صومعته التي بناها بأموال العراقيين، وأبى التوبة والاستقامة، بل هو يسعى جاهدا للحفاظ على مركزه الذي وصله، بالغش والمكر والسرقة والاحتيال مااستطاع لذلك سبيلا، فهم معروفون برفعهم شعار؛ "أنا وليكن الطوفان من بعدي".

***

علي علي

 

على إثر القضية التي تقدمت بها جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال بشأن عملية الإبادة الجماعية التي ترتكب في غزة من قبل دولة الاحتلال ٢٠٢٣_٢٠٢٤ أصدرت محكمة العدل العليا حكما مفاده الآتي "يلزم "إسرائيل" باتخاذ "تدابير مؤقتة" لحماية الفلسطينيين في غزة والامتثال لاتفاقية منع الإبادة الجماعية". وكان من المنتظر أن قرارها الذي سيصدر عبارة عن اتخاذ إجراءات طارئة فقط حيث أن قضية هل ارتكبت دولة الاحتلال إبادة أم لا يحتاج إلى سنوات للفصل فيه.

لكن هذه المحكمة ولأنها هي الهيئة القضائية الرئيسية لمنظمة الأمم المتحدة فهي للأسف لا تملك سلطة واسعة لتنفيذ أحكامها ولم ولن تشكل يوما أي ضغط على دولة الاحتلال والدليل أن الحكم الذي أطلقته حبر على ورق فالإبادة لم تتوقف بل أن حدة عمليات القصف ازدادت، وكأن تلك المحكمة قد أعطتها الضوء الأخضر لتستكمل بشكل أكثر وحشية من ذي قبل.

فهل يعرف من أعطى الضوء الأخضر معنى شعور أن تكون مسجى على أرضية مستشفى خرج أو يكاد عن الخدمة وعشرات الشظايا تنهب جسدك؟ هل عاش من أطلق الحكم شعور أن تبتر ساقك أو أي عضو آخر دون مخدر فتعيش حالة من الهذيان بسبب الألم فقط لأن دولة الاحتلال تمنع وصول أي مساعدات طبية وغيرها للقطاع؟ هل عاش شعور أن تسكن في خيمة وينام أطفالك جياع وسط البرد وعلى الوحل؟ أن تفترش رصيف لا يرحم وصرخات الأطفال تملأ فضاء القلوب وتقطع نياطها كل لحظة؟ أن تكون طبيبا فينفد ما بين يديك من مستلزمات ضرورية وصولا إلى الماء النظيف، تنتقل من جرح إلى آخر دون تعقيم لا لشيء إلا لأن تلك المستلزمات عزّت على أهل غزة؟

فأين هي هذه المحكمة وأين عدلها الذي تتبجح به وجملها تائهة، تعترف بالعدل ولا تحكم به؟

لكن لا غرابة في الموضوع فأمريكا التي صنعتها استخدمت الفيتو ثلاث مرات ضد غزة وأطفالها منذ ٧/أكتوبر آخره ضد قرار قدمته الجزائر إلى مجلس الأمن يدعو إلى وقف إطلاق النار لدواع إنسانية. فكيف ننتظر منها أن تحكم لصالح غزة؟

***

بديعة النعيمي

المجتمعات البشرية عجينة يمكنك أن تصنع منها ما تشاء، ولديها القدرة على التحرك وفقا لما فيها من طاقات النفوس المحقونة في أعماقها، فحالما تؤهلها لغاية ما فستندفع نحوها بتعجيل عجيب.

أي أن البشر مرهون بنفسه وما يعتلج فيها من العواطف والإنفعالات، القادرة على تعطيل العقل وإلغاء وجوده ودوره في صناعة القرار، إنها النفس وما أدراك ما هي "ونفس وما سواها، ألهمها فجورها وتقواها".

وكلما ساد التجهيل وسيطرت الإدّعاءات المؤدينة تموّتت العقول، وإندلقت أمّارات النفوس بما فيها من التوجهات العدوانية القاضية بالمحق، ورعاية الكراهية وتأمين مرابع الشرور.

فالحديث عن قوة المجتمعات وقدرتها على صناعة الحياة التي تريدها، أشبه بالهراء، لأن الإرادة المجتمعية مقبوض عليها من قبل المُسخَرين لخدمة مصالح أعداء البلاد والعباد.

والقول بأن الشعوب هي المسؤولة عن هذه الحالة أو تلك، تخريف وثريد حول صحون المآسي والويلات، فالشعوب عجينة يمكن للكراسي المتسلطة في البلاد أن تصنع منها ما تريده وترضاه، فالنسبة العظمى منها ستميل حيثما الريح تميل، ولا توجد شعوب تجتمع على رأي واحد، وأبواق الأدينة تعصف في رؤوسها على هواها، وتطلعاتها الإستعبادية التفريقية للناس.

فالمجتمع عبارة عن كينونات مُستعبَدة بأفراد وكل منهم يعزف ألحان ليلاه، ويرقص على إيقاعات ما يملأ جيوبه ويرضي أطماعه.

فلا تقل كم عدد الناس، بل كم عدد الذين بهم يرتهنون، فالمجتمعات تتحول بملاينها إلى بضعة أفراد، مسيَّرة بإرادة أسيادها التي تساند وجودها لحين إنتفاء الحاجة إليها.

فعن أي شعوب ومجتمعات يتحدث المتحدثون؟!!

و" الناس في زمن الإقبال كالشجرة...وحولها الناس ما دامت مثمرة"!!

"والناس صنفان: موتى في حياتهم ...وآخرون ببطن الأرض أحياء"!!

***

د. صادق السامرائي

 

لماذا تغتال المخابرات الغربية والصهيونية عملاءها أحيانا، وماذا عن إطلاق الرصاص على عجلات سيارة فخري كريم، مسرحية أم تصفية حسابات؟

تغتال المخابرات الأجنبية عملاءها الذين انتفت الحاجة إلى خدماتهم أو أصبحوا يشكلون خطرا على أسرارها التجسسية. وقد تحدثت تقارير عن عملية اغتيال قامت بها المخابرات البريطانية وراح ضحيتها المعارض الروسي نافالني الرابط 1، (المعروف بكرهه للمسلمين حتى أنه شبههم بالحشرات التي يجب أن تُباد/ فيديو) بعد أن احترقت أوراقه التجسسية؟

لم تعد تصفية العملاء برصاص أسيادهم جديدة أو نادرة في تاريخ المخابرات التي تشغلهم إذا ظهر لها أن هؤلاء يشكلون خطرا عليها بما يحملونه من أسرار أو لأن الحاجة إلى عملهم التجسسي والتخريبي قد انتهت ولم يعودوا مفيدين لها بسبب تقدمهم في السن أو انكشافهم تماما. وقد حدثت حوادث اغتيال كثيرة في الشرق الأوسط وفي العراق مؤخرا من هذا القبيل لأشخاص عرفوا بعلاقاتهم المشبوهة وتعاونهم مع الأوساط الصهيونية والموثقة بالصور في مؤتمرات سياسية وصحافية نشرت. وخصوصا في محاولة مسعود البارزاني الانفصال عن العراق في استفتائه المعروف في أيلول 2017 والذي باركته دولة وحيدة في العالم هي "إسرائيل" وحضر نشاطاته ساسة وباحثون صهاينة معروفون مثل برنار هنري ليفي، والجنرال الأميركي المتقاعد، بيتر غولبريث، وبرنار كوشنير وزير الصحة الفرنسي الأسبق، وسفير جورج بوش في العراق المحتل زلماي خليل زاده، والمستشرق الصهيوني المعروف ديفيد بولوك.

ومع ذلك فقد لا يمكننا احتساب محاول اغتيال فخري كريم، مستشار جلال الطالباني أول رئيس للعراق في عهد الاحتلال الأميركي، التي جرت يوم أمس ضمن محاولات الاغتيال الجدية لأن بيان وزارة الداخلية تحدث عن إطلاق الرصاص على عجلة سيارة كانت تقل هذا الشخص وليس عليه/ الرابط 2.

ذكرت وزارة الداخلية في بيان لها أن الرصاص قد أطلق على عجلات سيارته ويبدو أن هناك مسرحية بائخة خطط لها فخري كريم ليرفع من رصيده بعد أن شحبت صورته وكادت الناس تنساه. ورد في التقرير الإخباري: "وجّه وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، فجر الجمعة، بتشكل فريق عمل أمني مختص للبحث والتفتيش عن عناصر "إجرامية" استهدفت بإطلاقات نارية عجلة رئيس مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون فخري كريم، مساء أمس الخميس، في منطقة القادسية ببغداد ...". مع تسجيل إدانتي لجميع عمليات الاغتيال السياسي التي يذهب ضحيتها أناس أبرياء وعزل من السلاح.

*فقرات من مقالة عن اغتيال المعارض الروسي إلكسي نافالي: "بعد أن تولى جهاز المخابرات (MI6) البريطاني عملية تصفية عميله المحترقة ورقته "ألكسي نافالني" في سجنه السيبري بالضبط في الوقت المطلوب، تعالت صيحات `ذباب ماكنة الدعاية الغربية الجهنمية للتباكي على موت هذا "التحفة" الليبرالي أبو حقوق الأنسان والتحضر والتنوير والديمقراطية؛ والذي سبق له وأن اشتهر عالميا بتصريحه علناً في شريط له منشور على التويتر بكون المسلمين هم حشرات تستوجب الإبادة. المصدر:

https://twitter.com/jrc1921/status/1758493343502225665

في هذا المقال، سآعرض ترجمة لاجابة محلل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية "السي آي أي" السابق: "لاري جونسن" على سؤال القاضي الأمريكي السابق: "أندرو نابوليتانو" محرر موقع (Judging Freedom) الشهير عن علاقة نافالني بالمخابرات الغربية على الموقع :

https://www.youtube.com/watch?v=9vLOtwl3pZc

فقرة من المقابلة:

* القاضي أندرو نابوليتانو: أريد أن أوجه لك سؤالاً أو سؤالين عن ألكسي نافالني. هل تعتقد أنه كان عميلاً للمخابرات الغربية؟

- لاري جونسن: - أه، نعم. لقد كان، على الاقل - سواء كان يدري أم لا يدري – لقد كان جلياً أنه أداة يستخدمها الغرب. وفي الواقع، فأن حقيقة تزامن موته مع ظهور زوجته في ذلك الحدث الكبير المتمثل بانعقاد مؤتمر ميونخ للأمن، لم تكن تلك محض صدفة؛ لم يكن مثل هذا التزامن مجرد صدفة مثلما أعتقد؛ لم يكن توقيت وفاته ذلك مجرد ضربة حظ للغرب. ولا أستطيع، لا أستطيع استبعاد أن الغرب قد دفع لشخص ما كي ينفذ به عملية تصفية من نوع عملية التصفية التي جرت لجفري أبستين.

*من هو جيفري أبستين (20 كانون الثاني 1953- 10 أب 2019)؟ إنه ملياردير أمريكي وعميل للمخابرات باعترافه. اشتهر بتوفيره للبنات القاصرات للمتعة الجنسية لزبائنه من كبار رجال السياسة والمال. وقد كان من ضمن "زبائنه" الليبراليين المؤمنين والمطبقين لحقوق الانسان والديمقراطية والتنوير والتحضر من معارفه.

وبغية منع الكشف عن تفاصيل ومديات جرائمه وأسماء المتورطين معه، فقد تم خنقه في زنزانته بالضبط قبل موعد مثوله للمحكمة، ومن ثم تم الادعاء بأنه قد انتحر؛ وهو ما أدى الى غلق كل القضايا الجنائية المقامة ضده، والتستر على شركائه المهمين جداً لأن بعض الناس هم أعلى قيمة من غيرهم، وفق منطق الغرب الفاشي الشمولي البربري.

***

علاء اللامي

........................

1- رابط يحيل إلى النص الكامل للمقالة وهي بقلم حسين علوان حسين/ أديب وأستاذ جامعي

https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=821199&utm_source=dlvr.it&utm_medium=linkedin

2- رابط الخبر: وزير الداخلية يوجه بتشكيل فريق عمل أمني للتحري في حادثة محاولة اغتيال فخري كريم

https://shafaq.com/ar/%D8%A3%D9%85%D9%80%D9%86/%D9%88%D8%B2%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D8%A7%D8%AE%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D9%8A%D9%88%D8%AC%D9%87-%D8%A8%D8%AA%D8%B4%D9%83%D9%8A%D9%84-%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82-%D8%B9%D9%85%D9%84-%D9%85%D9%86%D9%8A-%D9%84%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D8%A7%D8%AF%D8%AB%D8%A9-%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D9%81%D8%AE%D8%B1%D9%8A-%D9%83%D8%B1%D9%8A%D9%85

* الصورة: مسعود البارزاني، جالساً وراء مكتب ليلة إجراء الاستفتاء الانفصالي وعلى يمينه يجلس الصهيوني برنارد هنري ليفي وعلى يساره زميله برنار كوشنير، ومن خلفه مجموعة من "المكلفين بالمهمات" من اللوبي الصهيوني الأميركي من بينهم ديفيد بولوك واقفا، وهناك أيضا فخري كريم وفؤاد حسين وآخرين.

الأفكار الميتة تحقق وجودا ميتا، تلك حقيقة حضارية وحكمة تأريخية، فلكي تكون المجتمعات حية عليها أن تستحضر أفكارا ذات حياة.

فالأفكار الميتة تمتلك طاقات سلبية هائلة ومتنامية، تسعى لتوفير الأسباب اللازمة لصناعة الموت وما ينجم عنه من تداعيات وتفاعلات ذات إتجاهات قتّالة.

والمجتمعات المتأخرة تزخر بالأفكار الميتة، مما يؤدي إلى إشاعة الكآبة واليأس والبؤس وفقدان الثقة بالذات والموضوع، ويمنع عنها قدرات العطاء والنماء ويعتقلها في حفر التلاحي والخسران.

الأفكار الميتة هي التي عفى عليها الزمن وأصبحت في عداد "ما فات مات"، فكل فكرة قادمة من نبش تراب الأزمان ورفاة الأموات لا قيمة لها في حاضر الحياة.

وما يحصل في بعض الحالات أن القوى الظلامية المدّعية بدين، تتمترس في بقع زمنية مندثرة، وتوهم نفسها وأتباعها بالعيش فيها، وتسعى لمناهضة الحياة والتنكر لمقتضيات العصر، والإيمان المطلق بأن الحياة المثلى بالإندساس في التراب.

والسائد يقود، وأي مجتمع تسود فيه أفكار ظلامية معسّلة بالدجل والبهتان، تتولد فيه طاقات إندحارية، وتطلعات إندثارية تدفع به إلى سوء المصير.

فالحياة المعاصرة ذات أفكار متجددة، وسيل الوجود المتدفق لا يمتلك القدرة للإلتفات إلى الوراء، بل أمواجه المتألقة تنظر نحو المستقبل البعيد وتسابق الزمن، وتختصر القرون في بضعة أيام أو ساعات.

وفي ذروة إحتدام السباق الإبتكاري الإبداعي تجدنا في محنة التوحل بمعطيات غابرة، وتفاعلات خائبة لا تجدي نفعا، وتستنزف طاقات الأمة وتحيلها إلى عصف مأكول.

وهكذا صار العربي يفترس العربي، والمسلم عدو المسلم، والوطن بلا قيمة ولا معنى، والمواطنة سراب، والتفاعل الغابي دستور منيف، والفساد شريعة مؤدينة مقدسة، والظلم من طقوس التعبد في محراب أباليس الفتك بوجود الأمة، وسحق الإنسان الذي خلقه ربه بأحسن تقويم.

فمَن الفائز والكل في قاع الجحيم، ويرفعون رايات دين رحيم، وواحدهم أبشع شيطان رجيم؟!!

و"على قدر أهل العزم تأتي العزائم...."

و" إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه...وصدّق ما يعتاده من توهم"!!

***

د. صادق السامرائي

من حقكم ان تحتفلوا بذكرى التغيير، من حقكم ان تحتفلوا بذكرى اعتلائكم السلطة. ربما كنتم سجناء راي، ربما اضطررتم للفرار بآرائكم خارج الوطن فقضيتم سنوات في الغربة، ربما انتزعت املاككم بفعل القوانين الاشتراكية فبقيتم بالداخل مكمودين، ربما استطعتم تجميع بعض ما تيسر من اموالكم وهربتم بها خارج الوطن وقمتم باستثمارها. ترى هل كانت آرائكم التي سجنتم بسببها او غادرتم الوطن من اجلها بناءة؟ .

ربما هادنتم النظام (المراجعة) وتحصلتم على تعويضات عن سنوات السجن، ربما تصالحتم مع النظام فجئتم من منفاكم وتم احتساب مدة بقائكم بالخارج وكأنكم كنتم تعملون بمؤسساته الخارجية فصرفت لكم الاموال الطائلة، ربما انضممتم الى فريق عمل النظام بالداخل لأجل النهوض بالوطن والمواطن، وتقاضيتم رواتب ومهايا ومزايا تفوق تلك التي يتقاضاها المسؤولون بالداخل بأعلى السّلم الوظيفي، فاعتقد مواطنوكم الذين يعيشون بالداخل، أنكم قد اكتسبتم خبرة بمختلف المجالات طوال سنوات بقائكم بالخارج، وانكم ستساهمون معه في بناء الدولة العصرية التي حلمتم بها وكانت سببا في عدائكم للنظام وترككم البلاد.

المواطن العادي لازمته عدة اسئلة، هل فعلا رجوعكم لأجل البناء ام لأجل تحقيق اهداف من لجأتم اليهم؟، لا باس من تحقيق بعض مكاسبكم الشخصية، انتظار الاجوبة لم يطل كثيرا، انقلبتم على النظام وخنتم العهود والمواثيق، واتضح ان الهدف الرئيس من رجوعكم هو تنفيذ الأجندات الخارجية المتمثلة في اسقاط النظام، ومن ثم الاستيلاء على السلطة بما يمثله من استحواذ على مقدرات البلد الثابتة والمنقولة، وادخال البلاد في الفوضى الامنية وعدم الاستقرار، وفي سبيل تحقيق ذلك استعنتم بالخارج واعتبرتم طائراتهم الحربية طيور ابابيل ارسلها الرب من السماء لتعزكم وتجلب لكم النصر المبين.

شاهدنا والعالم اجمع، الثوار ومن والاهم من المرتزقة، يكبرون عندما يقومون بالإجهاز على الضحية لتقربهم الى اربابهم زلفا، فاطلقتم على الثورة ثورة التكبير.

لم نتعود ان نسمع من مسؤولينا وعبر اعلامنا الرسمي عبارات عنصرية (شنفاك) بحق جزء من اخوتنا في الوطن، قمتم بتهجير سكان منطقة بأكملها "تاورغاء" مشردين بالداخل بمختلف المناطق، كتبتم عليهم التيه، يعيشون في اكواخ الصفيح والخيام، ربما لان جزء منهم ناصر النظام اثناء الثورة، حقا انتم الرب الاعلى!.

وبعد نعيد، من حقكم ان تحتفلوا بذكرى استيلائكم على السلطة، ترى ما الانجازات التي حففتموها خلال 13 سنة من توليكم السلطة واستفاد منها المواطن؟.

بسبب اقتتالكم المستمر على السلطة والاستحواذ على المال، عقدتم مع الدول التي ناصرتكم اتفاقيات لجلب مختلف انواع الاسلحة والذخائر، دمرتم كليا او جزئيا اضعاف اعداد المباني التي طالتها القوانين الاشتراكية التي سنها النظام السابق وكذا المنشآت التابعة للدولة ومنها اسطول النقل الجوي الذي شهد انتعاشا في سنوات ما قبل التغيير، ولم تقوموا بالتعويض عن تلك الخسائر، حتى اصبح العاملون بها على قارعة الطريق دونما رواتب لمدد وصلت الى العامين، بينما تشجعون القطاع الخاص حتى اصبح عدد شركات النقل الجوي الخاصة اكثر من عشرين وهو ما يفوق مثيلاتها في دول الجوار التي تفوقنا في تعداد السكان وذات معالم سياحية معروفة.

تناحركم على الكرسي، اوجدتم حكومتان كل منهما تبعثر الاموال، وبرلمانان وجيشان، وبنكان مركزيان يصكان النقود، دولتان في دولة، أ لا يعد هذا الامر مدعاة الى السخرية؟، ربما.

على مدى 13 عاما لم تكتبوا دستورا دائما للبلد، بل اكتفيتم بالتعديلات المؤقتة لأجل الاستمرار في الحكم. ولا زال البلد تحت الفصل السابع يعني محمية، وقواعد اجنبية تجثم على الارض ومرتزقة .

في السابق كان هناك عدد محدود من اصحاب رؤوس الاموال، اما اليوم فان بلادي تعج بـ(المليونيريين) وعلى راي المبعوث الاممي غسان سلامة، فانه عند كل مطلع شمس يولد مليونيرا جديدا، بالتأكيد بسبب الاموال التي استحوذتم عليها من الخزينة العامة دون وجه حق وانفقتموها في غير محلها.

 يا ابناء المدن الثائرة والذين تتصدرون المشهد السياسي، الى متى تظلون متمسكين بالسلطة وفرض آرائكم بقوة السلاح من خلال التشكيلات المسلحة التي كونتموها (جناحكم العسكري)؟، متى تحتكمون الى صندوق الانتخابات؟ متى تجعلون صندوق السلاح والذخائر للدفاع عن الوطن في ايدي اناس متخصصين لا جهويين؟، متى تخففون اعباء المعيشة على المواطن الذي لم يعد قادرا على تلبية ابسط الاحتياجات؟ أ ليس الاجدر بكم لو قمتم منذ اسقاط النظام بتحقيق اهداف الثورة المعلنة والسير بادبياتها؟ ام ان هناك موانع تحول دون ذلك؟، أ لم تكفكم 13 سنة من الاستفراد بالسلطة؟، لئن كان التغيير من اجل ازاحة طاغوت، فاليوم يوجد اكثر من طاغوت!.

وستظل العبارتان "خلوا فيها شرف" و" عادي انخش لداري" محفورة في اذهان هذا الجيل ووصمة عار في جبين الطبقة السياسية الحاكمة وستحفظهما كتب التاريخ.

هل تعتقدون انه بعد هذه المدة، التعليق على مشجب النظام السابق يجدي نفعا؟.

نقول، ربما البلد في حاجة ماسة الى ثورة تصحيح المسار، على غرار ما حدث في الجارتين مصر وتونس، حيث السكان بهما ينعمون باستقرار امني، ونوع من الاستقرار الاقتصادي لافتقارهما الى موارد طبيعية كالتي توجد ببلادنا.. ربما...

***

ميلاد عمر المزوغي

 

قدم العراق طلب لاستضافة القمة العربية لعام ٢٠٢٥ في العاصمة بغداد، وحسب متحدث الحكومة باسم العوادي بتاريخ ٢٠ فبراير ٢٠٢٤.

نتذكر أن القمة العربية التي تم انعقادها في ٢٩ آذار ٢٠١٢ وتم تمويلها من خزينة الشعب بأكثر من مليار و ٢٠٠ مليون دينار والتي لم يحضرها ملوك ورؤساء العرب بل حضر ممثلين عنهم من الدرجة الثالثة والرابعة في السلك الدبلوماسي، أدت الى فوضى مرورية في بغداد واكثر من 100 الف عنصر امني لحماية الوفود العربية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية في بغداد بسبب منع دخول الشاحنات، مما دفع بعض أهالي بغداد الى ترك مناطقهم لحين انتهاء القمة.

شعوب المنطقة تدرك جيدا أن الجامعة العربية ومؤتمرات قممها تمثل صبغة من ديكورات ومراسيم شكلية لا تتعلق بحاجات الناس ولا مصالحهم المباشرة، في حين الجامعة العربية لم تكن إلا وسيلة لتمرير السياسة الامريكة في المنطقة، لذا هذه القمم لا تمثل الشعوب وحاجاتهم المباشرة وإنما تمثل مصالح الطبقات الحاكمة.

إن هذه الطبقات الحاكمة في العالم العربي ليست مستقلة بإرادتها وقراراتها فهي تخضع اما لسياسة امريكا وحلفائها أو لروسيا والصين وحلفائهم، لذا لا معنى لمصطلح “العزلة” لان العلاقات الدولية تخضع لقوى اصطفاف المحاور العالمي، وبالتالي؛ انعقاد القمة لا ينهي حروب الوكالة في المنطقة ولا عدم التدخل بالصراعات الدولية ولا استقلالية السوق ولا حتى أبسط الحلول للقضية الفلسطينية، بل سيتم ذكر كل هذه الأمور بشكل إنشائي استعراضي.

وأخيرا، وعلى الصعيد الداخلي، فالشعب العراقي بحاجة الى تحسين معيشته بإجراءات اقتصادية شاملة أولها إنهاء الفساد الذي عجز عنه النظام السياسي الحاكم، بحاجة الى أمان غير مشروط، بحاجة الى سيادة صلبة لا تخضع لمتناقضات، بحاجة الى رفاهية، الى حريات إنسانية وإعلامية وسياسية، بحاجة الى خدمات رصينة إستراتيجية لا يظهر عليها آثار الفشل خلال أشهر، وليس بحاجة الى قمة تكون مخرجات نتائجها إنشائية استعراضية دون تطبيق كما سبقها.

***

حسام عبد الحسين

تعتبر النساء شريحة هشة من وجهة النظر الإنسانية، وذلك بسبب تركيبة جسدها البيولوجية الحساسة من بعض نواحي وفي بعض الأوقات في حياتها اليومية التي تكون فيها ضعيفة جسديا ونفسيا. فهي التي تحمل وتلد وتربي وتسهر على المرضى وغير ذلك. فكيف وإن اجتمعت تلك الظروف في الأزمات؟ وكيف إن كانت هذه الأزمات حرب همجية موجهة نحو غزة تحديدا؟

المرأة في غزة حُرمت من بيتها، دورة المياة بل والماء نفسه، مستلزماتها، حاجياتها الخاصة. تنزح من منطقة إلى أخرى في القطاع بحثا عن مكان آمن، تحت القصف والقنص سيرا على الأقدام وسط الركام والجثث، بمفردها بعد أن فقدت عائلتها أو مع أطفالها أو بعضهم ومن غير زوج تركته هناك تحت الردم شهيدا. ينتهي بها الأمر إلى مدرسة مكتظة للنزوح، لم تحمل معها سوى ما تلبس ويلبسون. أو إلى خيمة فيكون حظها كبيرا لأن هناك من تنام في العراء البارد. كيف تتصرف المرأة في هذه الحالة؟ ولا ماء ولا غذاء ولا حتى غطاء. كيف تتصرف تلك التي تعرضت للاعتقال من قبل جيش مُنحلّ، بل ماذا تفعل أمام التنكيل الذي يتعدى إلى التحرش أحيانا؟

والتي شاهدت أعمال العنف واختبرتها بمقتل زوج وأطفال، أم وأب وأخوة وأخوات، أمام عينها، ألن تشكل لها صدمة شديدة لها تداعياتها النفسية لفترة طويلة؟

ومعبر كرم أبو سالم ألم يكن له الأثر السلبي حين حال دون دخول المستلزمات الصحية النسائية؟ نعم كل شيء كارثي بالنسبة لشريحة النساء، والعالم يقف مكتوف اليدين يتفرج وربما يصفق لما يحصل.

أين هي اتفاقية جنيف الرابعة في المادة ٢٧ التي تلزم حتى الدول التي لم تصادق عليها. حيث تنص على أنه " يجب حماية النساء خصوصا من أي هجوم على شرفهن وخصوصا الاغتصاب والدعارة المفروضة، وأي نوع من أنواع الاعتداء غير اللائق"

غير أننا رأينا نساء في غزة قمن بكسر الصورة النمطية للمرأة. فوجدنا المراسلة التي تنقل الحدث، والممرضة التي تسهر لتساهم في إنقاذ الجرحى، والطبيبة التي تتحدى القنص وتجري لتنقذ مصاب في الطرف الآخر. والتي تقطع الحطب لتطهو لصغارها. فألف تحية لجميع نساء غزة اللواتي تفوقن على نساء العالم أجمع بصبرهن وثباتهن.

***

بديعة النعيمي

 

لطالما شغل هذا الامر سكان العاصمة لسنوات، حيث تتصارع القوى المسلحة على السلطة فاستوجب ان تكون مقراتها بوسط العاصمة او على اطرافها لتكون فاعلة ،ما ادى الى سقوط العديد من الضحايا نتيجة المناوشات بينها، وفي بعض الاحيان تدمير بعض المباني الخاصة بالمواطنين.

لاشك ان الضعوط المحلية المتمثلة في الاهالي وبعض مؤسسات المجتمع المدني والمطالبات الدولية بجعل العاصمة خالية من المظاهر المسلحة، كانت وراء هذا الامر،فهذه التشكيلات تقوم باستحداث نقاط تفتيش (استيقافات) داخل حدودها الادارية (مغتصباتها) متى يحلوا لها وتفعل ما تشاء دونما حسيب او رقيب.

الاعلان عن خروج المجاميع المسلحة خارج العاصمة امر جيد، ولكن الى اين؟ ولن نتكلم عن الثمن الذي قبضته او ستقبضه نظير موافقتها على الخروج من العاصمة، فذاك ستعلمه لاحقا فلا شيء يمكن إخفاؤه، خاصة وان رئيس الحكومة الحالب دأب ومنذ مجيئه الى السلطة قبل 3 اعوام على تهدئة الاوضاع بواسطة المال العام على هيئة (صريرات).

هذه المجاميع المسلحة توجد لديها سجون خاصة تعتقل به خصومها، ما مصير هؤلاء المساجين؟.

والسؤال الاهم،الى متى يتم الابقاء على هذه التشكيلات الخارجة عن القانون؟ مهمة الاستقرار الداخلي تقع على وزارة الداخلية، هل الوزارة غير قادرة على ذلك بشريا وتقنيا وماديا؟ أ لا تتواجد العديد من المعاهد العليا والكليات المختصة في مختلف المناطق لأجل تخريج كوادر مهنية لتأدية المهام على الوجه الاكمل؟.

للأسف الشديد افراد هذه المجاميع يتواجدون وبشكل مكثف في بعض مؤسسات الدولة (حرّاس) لا يقدمون شيئا(طاقات خاملة ان لم نقل سلبية)، بل يستنزفون الخزينة العامة حيث الرواتب المرتفعة حيث مرتباهم اضعاف نظرائهم في الخدمة المدنية، أحيانا يتدخلون في عمل الدوائر العامة المكلفين حراستها، ما يستفز العاملين بتلك الجهات ويتذمرون من العمل ويسعون الى الخروج من تلك المؤسسات، ما يسبب في انخفاض مستوى الاداء بها، تكون نتيجته سلبية على المتعاملين (المستفيدين) معها.

لأن تقوم الدولة يجب تفكيك هذه التشكيلات، والاستعانة ببعض افرادها ذوي الاختصاص، وإفساح المجال لأفرادها ممن تتوفر لديهم الرغبة في العمل الامني وبشكل فردي للانتساب الى الوزارة لإعادة تأهيلهم والاستفادة منهم ، والعمل على تأهيل البقية في المجالات الحياتية الاخرى ليكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع.

 يحذونا الأمل في اختفاء المظاهر المسلحة في الشوارع والميادين، كما نتمنى ان تخلو المؤسسات العامة من افراد هذه الجماعات والاكتفاء برجال الامن.

ندرك ان عملية اعادة البناء البشري ليست سهلة، ولكنها في المقابل ليست مستحيلة اذا توفرت الظروف والامكانيات، فهؤلاء الشباب الذين اضطرتهم الظروف للانتساب اليها،لان الحكومات المتتالية لم توفر لهؤلاء الشباب سبل العيش الكريم، يمكن الاستفادة منهم في عديد المجالات الاخرى واشعارهم بانهم ابناء لهذا الوطن الذي ربما خذلهم في اوقات حرجة من تاريخنا المعاصر باستغلالهم من قبل المتصارعين على السلطة في معارك افضت الى مقتل الاف الشباب وانقطاع العديد منهم عن مقاعد الدراسة بسبب الدمار الذي لحق بالمؤسسات التعليمية  وادى الى توقف الدراسة بها. نتمنى ان تكلل جهود الخيّرين بالنجاح، وطي صفحة الماضي القريب المليء بالماسي. 

***

ميلاد عمر المزوغي

 

في المثقف اليوم