أقلام حرة

أقلام حرة

الأمم بأفرادها، والفرد يصنع أمة ويتمثل في الأجيال، فلا توجد خطوة للأمام لم ينجزها فرد لوحده وتبعته الناس، والأمثلة كثيرة، ومنها السيارة صنعها فرد، وكذلك الطائرة، وشبكة الإنترنيت، ووسائل التواصل الإجتماعي، وأي حالة فاعلة في الدنيا ستجد أن فردا لوحده قد إنطلق بها، وأسس لوجودها، فتنامت وشملت الناس أجمعين.

وفي مجتمعاتنا نتأوف ونتشكى من عدم القدرة على العمل الجماعي في هذا الميدان أو ذاك، وبأن العرب إتفقوا على أن لا يتفقوا، وكأنهم لوحدهم كذلك، بينما المطلوب جهد فردي صادق ومؤثر يرسم سكة تسير عليها الجماهير.

زميلي أسس مشروعا متميزا في ميادين العلوم النفسية، ويرى أن بعضهم ينظر إليه بعين أخرى، وهذا ما يواجهه أي مشروع ناجح في مجتمعاتنا، فالناجحون يعانون أكثر من الفاشلين في ديارنا، غير أن الإيمان بالفكرة والإصرار على المواصلة، من أهم الركائز التي تصنع المجد الإنجازي الساطع، رغم العقبات والمصدات التي يتفنن بإبداعها الفاشلون.

الشبكة العربية للعلوم النفسية، أيقونة معرفية ومنصة تفاعلية لصهر أفكار العقول العلمية النابهة في بودقة الأمة المتطلعة لحضور إبداعي معاصر أصيل.

الشبكة العربية للعلوم النفسية، منجز علمي  يتوافق وحاجات الأمة الضرورية لحاضر زاهر ومستقبل سعيد تشرق فيه النواهي المبدعة.

الشبكة العربية للعلوم النفسية تأسست منذ أكثر من عقدين في بلاد تونس الخضراء وفي مدينة صفاقس، بجهد فرد عصامي غيور متوثب هو الدكتور (جمال التركي)، الذي وضع أسسها ومنطلقاتها، وعمل بجد ومثابرة للإرتقاء بها، لتكون موسوعة معرفية متوهجة الأثر . فتفاعلت معها الإختصاصات النفسية العربية في كل مكان، وأسهمت بإثراء أرشيفها الغني بالنشاطات العلمية والفكرية والأدبية العلياء.

وأصبحت المنبر الحر للعلوم النفسية وباللغة العربية، وبجهود فرد واحد مؤمن برسالته، تحوّلت إلى مؤسسة تضاهي قدرات منابر إعلامية تديرها دول.

ومن الغريب أن البعض يتجاهلها، ويبخس دورها وقيمتها وأهميتها التنويرية، ورسالتها الإشراقية، التي تهدف لمحو الأمية النفسية في مجتمعاتنا، المرهونة بالويلات والتداعيات السلوكية، والإحباطات النفسية القاسية. ويبدو أن من واجب النخب أن تتفاعل معها وتستقي منها، لضرورة الوعي النفسي وأهميته في إثراء الإبداعات بأنواعها.

و"اعملوا، فكلٌ مُيسر لما خُلق له"!!

و"كم واثقٍ بالنفسِ نهّاضٍ بها...ساد البريّة فيه وهو عصام"!!

***

د. صادق السامرائي

 

خضعت الأمم المتحدة لسيطرة الولايات المتحدة الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وجدار برلين فأصبحت أداة في يدها.

وعندما قامت دولة الإحتلال بفضل اعتراف أميركا وغيرها من الدول العظمى، ما كان من الأمم المتحدة إلا أن قامت بتوفير الغطاء الكامل لجرائمها.

فعند صدور قرار تقسيم فلسطين عام ٤٧، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة توصية لجنة التقسيم ودعمت المشروع لطرف واحد"اليهود" وضد إرادة الطرف الأصيل"الفلسطينيين" وبهذا فهي لم تمكن الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره.

واستنادا إلى قرار التقسيم في ذلك الوقت بدأت عمليات التطهير العرقي التي كانت القيادات الصهيونية قد بدأت بالاعداد لها مبكرا وتحديدا عام ١٩٤٤. والجدير بالذكر أن دول متنفذة في الأمم المتحدة اطلعت على خطط عمليات التطهير.

غير أن ما حصل أن الأمم المتحدة تعامت وقتها، حيث أنها لم تحضر إلى فلسطين للإشراف على تنفيذ خطة السلام التي أعدتها"التقسيم" وذلك بهدف إتاحة الفرصة للقيادة الصهيونية من أجل القفز من فوق سياج ما تعهدت به الأمم المتحدة من "منع أي محاولة من الطرفين الفلسطيني/اليهودي لمصادرة أراض تعود ملكيتها إلى مواطني الدولة الأخرى" أي الفلسطينية واليهودية وفق قرار التقسيم.

ولم يكن ذلكما حصل فحسب، بل لقد تعامت أيضا وصمّت أذانها عما حصل من تطهير عرقي وترحيل قسري وعشرات المجازر. فتركت الشعب الفلسطيني عاري الصدر من غير سلاح ليكون فريسة سهلة للعصابات اليهودية اللأخلاقية.

والحقيقة التي لا بد من ذكرها ان المقاومة الفلسطينية دافعت بشراسة عن مدنها وقراها إلا أن قوة السلاح والخيانات انتصرت وقتها.

وبذلك نستطيع القول أن الأمم المتحدة مثلت الغطاء الأنجح لجميع الاختراقات اللا قانونية التي ارتكبتها عصابات دولة الاحتلال بحق أصحاب الأرض الشرعيين.

وبدلا من إنزال العقاب بهذه الدولة جراء ما ارتكبت من جرائم، كوفئت كطفل مدلل بجائزة باهضة الثمن وهي اعتراف الجمعية العامة بها كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة عام ١٩٤٩.

وظلت الأمم المتحدة تتغاضى عن جرائم هذه الدولة حتى يومنا هذا. وكيف لا والولايات المتحدة الأمريكية التي تقف خلفها هي الممول الرئيسي للأمم المتحدة.

فمن العبث اليوم في حربها على غزة وارتكاب ما ارتكبت واختراق القوانين الدولية والإنسانية أن ننتظر منها الوقوف إلى جانب قطاع غزة أو حتى تفعيل أي من صور العقاب بحق الدولة المجرمة.

بل إن حرب الإبادة على القطاع دخلت في شهرها السادس ودولة الاحتلال تزداد تماديا دون أي رادع أو إدانة من تلك الأمم الزائفة.

فهي الدولة التي تتمتع بحماية أميركية تقيها الخضوع لأي من قواعد القانون الدولي بل وأكثر من ذلك، فهي أي الولايات المتحدة تحررها من أي التزام بمبادئ الشرعية الدولية.

واليوم في غزة كما هي دائما تقف الولايات المتحدة إلى جانب دولة الاحتلال وتوفر لها الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي بالإضافة إلى الفيتو الأمريكي الذي يقف بالمرصاد لحمايتها من الاتهامات الدولية التي توجه إليها. وليس أدل على ذلك ما حصل عندما تقدمت الجزائر بمشروع يتضمن وقف إطلاق النار في غزة . فأحبط المشروع بفيتو أمريكي.

وهي بذلك الفعل تدفع بدولة الاحتلال للتمادي والاستمرار بارتكاب المزيد من الجرائم وتشجعها على رفض تطبيق قرارات الأمم المتحدة.

وبعد كل هذا يتضح أن هذه المدعوة بالأمم المتحدة ما أنشئت لولا حاجة دولة الاحتلال لها لتكون الغطاء الدافئ الذي يحجب جرائمها. لذلك يتحتم عليها أن تحزم حقائبها وتغلق أبوابها التي لم تُفتح يوما إلا لصالح كل ما هو يهودي.

***

بديعة النعيمي

عقد في القاهرة مؤخرا، وعلى مدى ثلاثة أيام منتدى من أجل السلام العالمي، توافد العلماء والمختصون من مختلف القارات الخمس، وقدم بعضهم أوراقاً عن السلام وعلاقته بالتنمية، والسلام وعلاقته بالتعليم والتراث، وارتباطه بالرخاء والاقتصاد، أكد الحضورأن أوجه الخير كثيرة، وقد كانت محصورة في الماضي ببناء المساجد والعناية بها كتأمين الماء وأهم متطلباتها، أما اليوم وقد تكفل المحسنون بهذا الجانب، فالمطلوب من الأغنياء أن يقتدوا بمن خلدهم التاريخ بوجود مؤسسات ثقافية وعلمية، فمن الأغنياء من بنى المستشفيات والجامعات غير الربحية خصوصاً في الغرب وفي الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة. ولو تذكر كل غني حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، لما تردد في توظيف ماله وعلمه وأولاده من بعده لمواصلة المسيرة، ورددوا عبارة شهيرة«إن وضعت المال تحت قدمي زادني علواً وارتفاعاً، وإن وضعته فوق رأسي زادني قصراً وانحناء»كما اكدواا ان السلام هو أنبل ما يسعى له، وأعظم ما يمكن أن ينشر الرخاء والأمن على مستوى العالم، والسلم هو ما تأمر به الكتب السماوية، وما ينادي به كل المصلحين على مرّ التاريخ. لكن الحاصل في العالم اليوم ومنذ وجد الإنسان على هذه البسيطة هو عكس ذلك. وقد قدم أحد المتحدثين في ورقته عن الحروب وتكاليفها الباهظة، فذكر أنها تكلف العالم سنوياً في حدود أربعة تريليونات دولار سنوياً، ولو صرف 6 % من هذا المبلغ سنوياً على مكافحة الفقر لاختفى على مستوى العالم، إضافة إلى ما تخلفه الحروب من قتلى وإعاقات، وتدمير للبيئة والحياة

انّ إرساء ثقافة السلام في المجتمع يحتاج من الجميع توحيد الصفوف في مواجهة انواع التطرّف الفکري المتعدّدة؛ مثل: إقصاء الآخر، منع النزاعات، مؤامرات حزبية وسياسية، وبناء السلام، يتمّ أولاً بتربية النشء الجديد على القيم الفاضلة، مثل التسامح واحترام حقوق الإنسان، فبناء ثقافة السلام مهمة تعددية تطلب تضافر جهود کل افراد المجتمع في کافة القطاعات وهي امتداد للعملية الديمقراطية في المجتمع، وهنا بالإمکان النظر للسلام کمنهجية على اعتباره کنمط حياة او کعملية سياسية او کضرورة بقاء

نحن اليوم أكثر ما نكون حاجة للسلام، وبالأخص في عراقنا الحبيب وعموم المنطقة العربية، والتي لم تتمتع بالسلام منذ عشرات السنين، والحاجة ملحة لجعل السلام عقيدة راسخة على مستوى الأفراد والدول، ومن ذلك تضمين المناهج الدراسية ثقافة السلام بكل مقوماتها.

***

نهاد الحديثي

 

تسعى حكومة السيد السوداني ومن اول أيامها، ان تجعل خط الازمة التراكمي يقترب من درجة المعقول. اذ يريد الرجل ان تنجح حكومته وتحيز على ثقة الشعب، بعد التراجعات الكثيرة الذي شهده الواقع العراقي، وانعدام عقد الثقة بين فئات الشعب والحكومات.

مهام رئيس الوزراء جسيمة واهمها ان يصنع صورة لحكومته في اذهان الشعب انها حكومة جديرة بالثقة والأحترام، وبعيدة في سياستها عن الركون الى محور اقليمي دون اخر كبديل عن الصورة النمطية المأخوذة سابقًا.

هذا الصورة من الصعب تشكيلها في ذهنية المواطن العراقي، الا بعد فترة طويلة من المصداقية والعمل الجاد والتطبيقات على ارض الواقع، كي يلمس المواطن جدارة حكومته وقدرتها علّى انصافه.

في خضم مجمل صراعات (اقليمية وداخلية) استطاعت حكومة السوداني ان تنأى بنفسها عن تلك الصراعات وان تكون ضمن مرتكزات ذات اهمية عالية لدى الشعب وهي الخدمات وتوفير بُنى اقتصادية فعالة.

بعد اكثر من سنة على حكومة السيد "شياع السوداني" ولأول مرة ترى نظرة تفاؤل لدى طبقات الشعب وقدرة على تحمل بعض اشكاليات الحياة مثل الازدحامات وبعض الروتين والبيروقراطية الحكومية، لأن هناك بصيصُ امل بانتظار المواطن هو تحسن الواقع وانهاء بعض من المعاناة التي شكلت وتُشكل صعوباتٍ يومية يصحى وينام عليها الشعب.

القدرة على استمرار تصحيح الوضع السياسي والخدمي والأمني والبيروقراطي… الخ ليس بالامر السهل ان يتم بين ليلة وضحاها وخاصةً الفساد ومحاربته، بل يحتاج الى معالجات آنية واخرى طويلة الأمد كي يلمس المواطن نتائج تلك التصحيحات، ونرى أن " السيد السوداني " يسير بالاتجاه الصحيح نحو الامل والتقدم، هذا جميعه يحتاج الى تكاتف سياسي ونكران ذات عالِ المستوى من قبل الشركاء السياسين وتصفير المشاكل العالقة الإقليمية والمحليّة فبدونها لا يمكن ان يستمر الرجل بوتيرته المحمودة!.

السوداني ضمن خط ازمة طويل الأمد ومتجذر في اعماق الذاكرة والواقع السياسي، وخط الازمة هذا قابل للتعقيد في اي لحظة كما هو قابل للحل ضمن الوقت الراهن، وهذا الخط يُمثل الجانب الاقتصادي غير المستقر والعامل السياسي شُبه المستقر ، والفاعل الإقليمي المتوازن.

تلك الثلاثيّة يعيها السيد رئيس الوزراء وهو يُسابق الزمن لفعلِ شيءٍ ملموس على ارض الواقع لترك بصمته كرئيس وزراء ناجح ويكسب ثقة الجماهير والمواطن. بالنهاية الرجل يمتلك حزبًا فتيًا ومن حقه السياسي ان يضع منجزًا يتصدر من خلاله المشهد السياسي ويدخل المنافسة الانتخابية بالمستقبل.

تفتقر حكومة السوداني الى غاية الان جانب مهم من جوانب الديموقراطية الصحية والفاعلة، وهي صفة المعارضة الحقيقية بشكلها وعنوانها، اذ من السليم جداً ان تكون هناك معارضة تشكل واقعًا صحيًا للعملية السياسية وتقوم بتقويم بعض الإشكالات والقرارات السياسية وتكون على اطلاع بكل مايجري ضمن الفواعل السياسية (التنفيذية والبرلمانية).

لا اقصد بالمعارضة التخوين والتسقيط والهدم والاستهزاء، اعني بها : معارضة فاعلة ناقدة لبعض الأداءات المتعارضة مع المصالح العامة او الحريات او ما يمثل خطًا مهنيًا يحتج على بعض الآليات الحكومية والمشاريع وتحديد جدوى وأولويات فرصة على اخرى ضمن المشاريع والأداءات وغيرها…. كما هي معارضة ممكن ان تكون ساندة لما يكونُ مخفيًا عن انظار الحكومة التنفيذية وافضل ما يُمثل اتجاه تلك المعارضة هو نمط من انماط الصحافة وهي " الصحافة الاستقصائية " اذ بوجودها تحصل الاحزاب والكتل السياسية والحكومة برمتها على عينٍ ثالثة لم تكن تمتلكها، نعم ربما تكون مزعجة لها ومشاكسة عليها، لكنها في النهاية تُمثل حالة صحية فاعلة في النُظم الديمقراطية المُتقدمة وهي نتاج اجتماعي مهني يُقّوم آداء الشخصيات والحكومة التنفيذيّة.

الطريقُ نحو تحقيق الثقة لا زالَ مبكرًا الحديث عنه بالمطلق، اذ لازالَ هناك خوفٌ وتوجس وتردد لدى الكثيرين من نُخب المجتمع والمواطن، على الرغم من البدايات الصحيحة التي قطعتها حكومة السيد محمد شياع، لكن لازالت الامور في بدايتها، ويعقد المواطن الامل على المزيد منّ الأجراءات التي تُعزز تلك الثقة.

المسار الحقيقي نحو الافضل ضمن كابينة السيد شياع السوداني هو الاستمرار بالجهد الخدمي والتصحيح الاقتصادي ، ومزيدًا من الهدوءِ والامان، فضلاً عن تعميد تلك المحاور بتقنيةٍ غايةً بالاهمية هي: ان يكسب ثقة النُخب والمواطن وجعلهم قريبين ولا يشعرون بالتهميش! ويستمع الى الإنتقادات البناءة ويبني جسور العلاقات الودية بين الشعب والحكومة ويكسب الف صديق ولا يترك عدوًا واحدً!.

المسار الدبلوماسي ضمن هذه الكيفية التي تخوضها حكومة السيد السوداني يجب ان تستمر بالتطور والتحديث في فن التعامل مع الخصوم السياسيين وبين فئات الشعب وبين الخارج الإقليمي، بعيدًا عن اي نوعٍ من الصدام مع اي طرف، يستطيع ان يكتسب السيد السوداني المزيد من المحبين والاتباع من خلال الانجازات وتقليص البيروقراطية الحكومية والمسار الدبلوماسي الذي يمكن ان يعتمده في كسب الاخرين.

***

انور الموسوي

 

كان الاتحاد السوفياتي من أول من سارع بقيادة "ستالين" المؤيد لقرار التقسيم بالاعتراف بدولة الاحتلال عند الإعلان عن قيامها. وقد أعلنت هذه الدولة وقتها انتهاج سياسة "عدم الانحياز" إلى أي من الكتلتين المتخاصمتين اللتين نشأتا في نهاية الحرب العالمية الثانية.

إلا أنها نكثت بوعدها وانحازت إلى الكتلة الغربية. وهذا طبيعي، فلو بحثنا عن رأس المال اليهودي فسنجده حتما في نيويورك وفي العالم الغربي، لا في موسكو أو عواصم الكتلة الشيوعية.

وقد شكل هذا الانحياز من طرف دولة الاحتلال صفعة في ذلك الوقت للاتحاد السوفياتي الذي لم يساهم بقوة في قيام هذه الدولة وحسب إنما عارض مشروع الوصاية الدولية الذي كان لمصلحة الشعب الفلسطيني وهو مشروع أميركي بتاريخ ٢٠/ابريل/١٩٤٨ يدعو إلى وضع فلسطين تحت وصاية الأمم المتحدة بهدف ملء الفراغ الذي تركه الانتداب.

ولأن الدولة الوليدة كانت وقتها بحاجة إلى المساعدات الاقتصادية والعسكرية التي لن تأتي بطبيعة الحال إلا من العالم الغربي، فجدفت بكل قوتها لتكون الحصن الغربي في الشرق.

وكون هذا الحصن محاط بدول الشرق العربي والإسلامي ،كانت بحاجة إلى الحفاظ على البقاء عسكريا وأمنيا وهذا لن يتحقق إلا عن طريق الانضمام إلى أحلاف عسكرية. ومن غير الولايات المتحدة الأمريكية ستضمن لها التفوق العسكري القوة التي تحفظ لها المسالة الأمنية.

ومن هنا اكتسبت دولة الاحتلال عداء الاتحاد السوفياتي الذي كان قد دخل حربا باردة مع الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية.

وظل هذا العداء قائما حتى بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بين روسيا الجديدة وأمريكا. فكانت دولة الاحتلال هي المستفيد الأول. ذلك لأنها الدولة التي تربط بقاءها ودوامها على استمرار النزاع بين الشرق والغرب.

المهم أن هذه الدولة وقت قيامها كان دورها الاستراتيجي قد التقى الاستراتيجية الأمريكية من حيث إنشاء تكتلات دفاعية في منطقة الشرق الأوسط ضد محاولات التوسع السوفياتي.

والمحافظة على أمن دولة الاحتلال عن طريق السيطرة على رقعة الشطرنج التي كانت هذه الدولة هي قلبها. فاغرقت أحجار الرقعة البرجوازيين بالترف وأغرتهم بالكراسي ودفعتهم للاعتراف بدولة الاحتلال. بل وسلطتهم على شريحة المستضعفين بل وكممت أفواههم عبر الأنظمة الديكتاتورية. وهددت تلك الحجارة المرفهة بأنها ستفرض عليها الأنظمة الديمقراطية لتسمح لأولئك المسضعفين بإزاحتها. فسكتت وأدركت بان بقاءها من بقاء دولة الاحتلال وبهذا حافظت على أمنها من الخارج.

كما قامت الولايات المتحدة بتوفير الدعم العسكري والاقتصادي والمادي بهدف التفوق على العرب.

وفي المقابل استخدمت الولايات المتحدة دولة الاحتلال لتكون قاعدة لأسلحتها لضمان التدخل السريع من قبلها بمنطقة الشرق الأوسط ،والأمثلة على ذلك كثيرة لا يسعنا ذكرها الآن. والأهم من ذلك سيطرة الولايات المتحدة على نفط الشرق الأوسط.

واليوم في حربها على غزة عندما اعتمدت دولة الاحتلال الرواية التوراتية والملكية اليهودية المترتبة عليها بديلا للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ،وقف الكونغرس الأمريكي مصفقا لادعاءات بنيامين نتنياهو الأسطورية التي تدعي ملكية أرض فلسطين وحق اليهود التاريخي بها. كيف لا، وهي الحليف الأقوى والمسيطر؟

لكن ما الذي من الممكن أن يحصل لو انفرجت الأمور بين روسيا والولايات المتحدة وحل بينهما السلام؟ ولو انهارت الأحلاف بين دولة الاحتلال والولايات المتحدة وخاصة أن هناك من الأمريكان من يعتبر هذه الدولة عبئا أكثر من كونها حصنا، ومصاص دماء يعتاش على أموال شعبها، ما الذي سيحصل لهذه الدولة التي أصبحت بعد حربها على غزة منبوذة من الجميع؟.

***

بديعة النعيمي

وفقا لآلية وأطيعوا ألوا الأمر منكم، صار من المحرمات الإقتراب من الكراسي ومساءلتها منذ فجر تأريخ أمة الإسلام، وإبتداءً بالدولة الأموية وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى.

ولا تزال العديد من دول الأمة تسير على ذات السكة المحفوفة بإرادة "السمع والطاعة"، وأنّ الجالس على الكرسي يمثل رب العالمين، ومَن يعصي أمره يخالف إرادة الرب فالحاكم يمثله وينوب عنه.

وينطلق بسلوكه وفقا لهذا المفهوم الجائر، فلا يرى ضيرا في إتخاذ أي قرار، لأنه المخوّل من رب العالمين فلا مسؤولية تقع عليه، فهو ينفذ إرادة إلهية وما يصيب الضحية قدرها، فهو القدر المسلط على الآخرين.

إنه ذات المفهوم الذي عمل به هولاكو فذبح عشرات الآلاف وأكثر في بغداد، وحسبهم من الفاسقين الخارجين عن الدين، وسلطه عليهم الرب الذي أنكروه، فهو القدر النازل على الفاسدين.

ولا تزال كراسي دول الأمة التي يتفرد بها أشخاص، يوهمون أنفسهم بأنهم أصبحوا بمناصبهم السلطوية بإرادة إلهية، وعليهم تنفيذ الأوامر الربانية، ويعود سبب الوهم والتصور إلى أنهم جاؤوا للحكم بموجب لعبة الإنقلابات، التي نقلتهم من قاع الحضيض إلى ذروة المقامات السلطوية، فيفقدون التوازن ويرتعبون، ويريدون فهم واقعهم الجديد فيحشرون الرب في الموضوع، ويتيقنون بأنهم من المصطفين الذين عليهم الوفاء لإختيارهم بتنفيذ المآثم والخطايا بحق أبناء ملتهم، فيصبح القتل عندهم من طقوس الإيمان بما ينتمون إليه من العقائد والرؤى والتصورات.

ولكل كرسي رب يحميه من ذوي الإقتدار التكنولوجي والمخالب الناشبة والأنياب المكشرة!!

و"إنّ الله لا يظلم مثقال ذرة"!!

و"لا تظلمن إذا كنت مقتدرا...فالظلم مرتعه يفضي إلى الندم"!!

***

د. صادق السامرائي

بحكم عملنا في التغطية للوقوف على رأي الشارع الروسي، حول من سينتخب هذه المرة، في الانتخابات الرئاسية الثامنة في تاريخه من تفكك الاتحاد السوفيتي، وأقول وبدون مبالغة، ان جميع من التقينا بهم (9 لقاءات) وفي أماكن مختلفة من العاصمة الروسية موسكو، اجمعوا، بأنهم سيصوتون بالتأكيد للرئيس الحالي فلاديمير، الذي اعتبروه رجل المرحلة القادمة، والوحيد القادر على قيادة دفة البلاد نحو الأمان، كما قادها خلال الفترة الماضية .

وما ان سمعنا الكلمات من هؤلاء الذي التقيناهم، وجدنا فيها نوع من التحدي للغرب، الذي يحاول بكل السبل، ان يتدخل في نتائج هذه الانتخابات، ومحاولة زرع التظليل الإعلامي في عقول شباب الفيس بوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، و رأينا في أوساط الشباب أيضا، رفض كبير منهم محولات التدخل الغربي في نتائج الانتخابات، واكدوا ضرورة ان يترك للشعب الروسي حق الاختيار، في اختيار وجهته المستقبلية، مع الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، ويشددوا على ضرورة ان يكون لصناديق الاقتراع كلمة الفصل للشعب الروسي وحده، دون تدخل او ضغوطات خارجية .

وجلب انتباهنا خلال جولتنا الصحفية شخصية روسية، يشع من وجهه الشعور الوطني الكبير، فعندما سألناه الى من سيعطي صوته في الانتخابات، انفجر في وجهنا وقال " ان هذه الانتخابات لن تكون انتخابات 2024، بل هي انتخابات ما بين الحياة والموت "، الحياة برأيه هي دعوته لجميع الروس للوقوف صفا واحدا تجاه العدوان الانغلوسكسوني والغربي الخارجي، والتصويت الى جانب الرئيس بوتين، ومثل هذه الوقفة ستكون الرد الحاسم، وصفعة قوية بوجه الولايات المتحدة الامريكية وحلفاءها، وبعكسه فإن الموت سينتظر الجميع، لأن الغرب يحاول زعزعة الاستقرار والأمان الروسي، وتفتيت البلاد، التي ترتبط شعوبها بعلاقات حميمية اجتماعية واخلاقية، وتاريخ ودم واحد، وبالتالي يتم تدمير روسيا (لا سامح الله) كما هو الحال في ليبيا وسوريا والعراق واليمن، والقائمة تطول .

وطيلة فترة اللقاء مع هذه الشخصية، جلب انتباهنا نظرات سيدة في نهاية الاربعينيات من العمر، كانت واقفة ليس ببعيد عنا، وتسترق النظرات والسمع، وما ان انتهينا من اللقاء، دنونا منها، وحاولنا استفزازها قليلا للتعرف على شعورها، وقلنا لها " بالتأكيد لم يعجبكم كلام الشخص الذي التقيناه، وانتي ستصوتين لغير الرئيس بوتين "، ندمت كثير الندم في ذلك، لأنها سارعت بالقول، بانه لا يمكن تخيل روسيا بدون بوتين، فهو الرئيس الحقيقي والمخلص لبلده (والكلام لازال للسيدة)، وأكدت بان الرئيس بوتين، سيحصل على جميع الأصوات، " لأننا نحبه ولا نريد رئيسا غيره".

وبحكم كوننا نعيش وعائلتي واحفادي في روسيا منذ 27 عاما، ونعمل في المجال الصحفي منذ ثمانينيات القرن الماضي، اكثر من نصفها قضيناها ولازلنا نعمل مراسلا للعديد من وسائل الاعلام، فإننا لم نستغرب من كلام ممن التقيناهم، وحبهم الكبير للرئيس بوتين، فقد عشنا الفترة في زمن الرئيس الأسبق (يلتسن)، وكنا شهود عيان عما كان يعاني منه الشعب الروسي، من الجوع والفقر، والتخلف والامراض المنتشرة، الصحية منها والاجتماعية (كالفساد)، فالرئيس السابق كان مريضا، ولا يدري ما يجري في البلاد، وأوقع البلاد أسيرة القروض الغربية وخصخصة كل المعامل والمؤسسات، بداعي الإصلاح، وصار بلدا مثقل بالديون للغرب، والتدخلات في الشؤون الداخلية في روسيا .

وهنا لابد لنا من الوقوف للحظة، ونحاول بهذه الكلمات القليلة تلخيص مكونات نجاح الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، وبادئ ذي بدء، فإن فلاديمير بوتين هو الزعيم الوحيد في بلد ذو نطاق روسي بالكامل وحتى عالمي، والذي يعترف الجميع بسلطته، وفي الآونة الأخيرة، أصبح يُطلق عليه بشكل متزايد لقب الزعيم الوطني، وهذا ليس من قبيل المبالغة، لأنه لا توجد شخصية بديلة له تقريبًا، ويمكن اعتبار القائد الوطني ليس فقط الشخص الذي يحصل على دعم الأغلبية المطلقة لسكان البلاد، بل هو الذي يوحد الشعب ويقوده بثقة إلى الأمام خلال جميع الأزمات، ويعزز قوة الدولة، ويطور الاقتصاد ويحسن رفاهية الناس.

وبالتأكيد ان فاز فلاديمير بوتين على منافسيه بفارق كبير، وهذا نتيجة تحشيد  مسار المواطنين الروس حوله، والتي ترتبط بالعديد من الإنجازات والانتصارات وآفاق التنمية الناجحة لبلدهم باسم بوتين، ولا شك أنه يتمتع بأكبر مخزون من المعرفة في السياسة والعلاقات الدولية، والمجالات الاجتماعية والاقتصادية، ويتمتع بخبرة واسعة في الحكومة، وعلى عكس بعض الحكام والسياسيين الآخرين، لم يبيع أو يدمر البلاد، أو يخون مصالح الشعب، وعلى العكس من ذلك، فقد وصل إلى الرئاسة في وقت صعب للغاية، حيث كانت البلاد، بعد أزمة أخرى، وعلى وشك الإفلاس، وكانت هناك حرب أهلية، وكانت الدولة في حالة خراب وكانت تنهار أمام أعيننا.

فقد حكم المستشارون الأمريكيون والأوليغارشيون الحكومة، ولكن بوتين وفي وقت قصير أصلح كل شيء، وأوقف الحرب في شمال القوقاز، دون أن يستسلم، وأوقف انهيار روسيا، وعزز قوة الدولة والقدرة الدفاعية، ونفذ عدداً من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، ولم تكتمل هذه الإصلاحات بعد، لكن نتائجها واضحة للجميع، وبطبيعة الحال، وهذا لا يعني ان البلاد خالية من المشاكل التي لم يتم حلها بعد، ولكن الرئيس بوتين في رسالته الأخيرة للجمعية الفيدرالية العامة، كانت بمثابة برنامج عمل مستقبلي تسمح بتنفيذ العديد من المقترحات في جميع المجالات، وببساطة، لقد جلب بوتين إلى البلاد، الثقة الأكبر والأفضل في المستقبل .

ومن خلال التصويت لصالح بوتين، يعني سيصوت الشعب لصالح الاستقرار، الذي اعتدنا عليه مؤخرًا، وبعد تحقيق الاستقرار، أصبح من الممكن وضع الأساس للتنمية، وهذا مستمر منذ عدة سنوات، و دون خسائر كبيرة، والتي يُنسب الفضل فيها إلى الحكومة الفيدرالية برئاسة بوتين، وتمكنت الدولة من الحفاظ على جميع التزاماتها الاجتماعية والوفاء بها، ووجدت الفرص لدعم الاقتصاد، رغم كل المعوقات التي يفرضها الغرب بعقوباته (الظالمة) على روسيا بعد بدأ العملية العسكرية الخاصة، ولكن كل هذه المحاولات قد فشلت في تعطيل روسيا، بل على العكس عمل بوتين على جعل هذه الفترة هي فترة الانتقال النوعي في جميع المجالات الرئيسية – وقيادة عملية تحديث الرعاية الصحية والتعليم والصناعة والزراعة، وإدخال أحدث التقنيات وتطوير صناعات التكنولوجيا الفائقة، بالإضافة الى تحديث الجيش وقوته، وزيادة القدرات الدفاعية .

إن فلاديمير بوتين هو حقًا السياسي الأكثر شعبية والأكثر خبرة والأكثر نجاحًا في روسيا الحديثة، فقد أظهر هذه الصفات خلال الحملة الانتخابية الرئاسية، تبين أن برنامجه الانتخابي هو الأكثر شمولاً وتفصيلاً ويغطي جميع مجالات حياة المجتمع والدولة، وكل ذلك لأنه كان يعتمد على الخبرة والمعرفة الشخصية، وواصل خلال القيام بواجباته وتحمل مسؤولية الوطن في إجراء انتخابات أكثر انفتاحا ونزاهة قدر الإمكان، وفقا لنص القانون، وشرعية إلى أقصى حد ممكن.

ان ما شاهدناه خلال جولتنا الصحفية، أكد لنا ان الغرب حتى الان فشل في تحشيد كل موارده ضد بوتين وحده، وإنهم لم يحققوا النتيجة المرجوة، ولم يقع غالبية الناخبين في حب "الشيرنوخا" وفضلوا استقرار بوتين وإمكانية التنبؤ بالتطور السياسي في البلاد، وإجراء مزيد من الإصلاحات في الاقتصاد والمجال الاجتماعي من أجل زيادة رفاهية الشعب على الثورات والانقلابات ذات العواقب غير المتوقعة.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

أهم تحدي سيواجه حكومة محمد مصطفى قدرتها على مد نفوذها إلى القطاع مع استمرار حالة الحرب، وحتى بعدها في ظل التواجد العسكري لحماس وفصائل المقاومة و إصرار حماس على استمرار سلطتها، إلا في حالة قبول حماس لتفاهمات اتفاق باريس ٢ الذي يقضي تخلي حماس عن السلطة في غزة، وخصوصاً أن تكليف محمد مصطفي جاء متزامناً مع أخبار عن ضغوط قطرية على قيادة حماس في الدوحة لقبول اتفاق باريس وأن حماس قبلت الاتفاق.

بالرغم من تحفظات وانتقادات البعض لتكليف محمد مصطفى إلا أنه في الوقت الراهن وفي سياق إنقاذ ما يمكن إنقاذ وبعد فشل حوارات المصالحة في موسكو فإن حكومة تكنوقراط منبثقة عن السلطة الفلسطينية ومرجعيتها منظمة التحرير أفضل بكثير لأهالي قطاع غزة من حكومة عشائر ومخاتير معينة من طرف اسرائيل، وأفضل من حكومة تديرها حماس بعد ما تعرض له القطاع من حرب إبادة، غزة تحتاج الآن الى حكومة مقبولة دوليا واسرائيليا تساعد على وقف الحرب وإعادة إعمار غزة وإنهاء المجاعة.

***

ا. د. ابراهيم أبراش

 

ما كتبناه ونكتبه يأخذنا بعيدا عن جوهر المأساة ولب المعاناة والمقاساة اليومية للإنسان، ويحوّل كتاباتنا إلى أبواق دعائية للكراسي، ويعتّم على ما يجري من التفاعلات السلبية المناهضة للوجود الصحيح للإنسان والوطن والحياة.

وما نكتبه لا يكتبه الكاتب في الدول المتقدمة، ولا يقترب منه مثلما نقترب، فما نكتبه يُظهر آليات تفكيرنا المنحرف، ونفوسنا المضطربة ورؤيتنا المشوشة، وبما نكتبه نساهم بتعزيز السلوك القائم وتوفير دواعي إستمراره والحفاظ على إنجازاته الضارة والمدمرة.

فهل غيّرت كتاباتنا واقع الحال والمآل؟!

إننا بما نكتبه ربما نساهم في برامج التضليل وغسل الأدمغة، وإشاعة ثقافة البهتان وزعزعة الحقيقة وتمرير الأكاذيب، ومؤازرة الذين يسرقون وينهبون ويعبثون بالبلاد والعباد.

وأصبحت نسبة كبيرة من الكتابات تخطها أقلام وعاظ السلاطين، بأساليب جديدة وتوجهات تخدم تكريس الحالة القائمة، ومنهاضة التغيير والتفاعل المعاصر مع الحياة.

ومعظم الكتابات، إحتفاليات أحزان وآلام وإندفاع نحو إستلطاف الأوجاع والقهر والذل والهوان والحرمان، وربط ذلك بالديمقراطية والقيم والمعايير الإنسانية النبيلة السامية، وفي ذلك إجهاز على الحقيقة وإطفاء للنور المعرفي ومنع للوعي الصادق الأصيل.

وقد كتبَ الكتاب  عشرات الآلاف من الصفحات عن الذي مضى وما إنقضى، وتراهم مصفدين في لحظة زمنية، وحالة يرفضون أمامها أبسط بديهيات الوجود وقوانين الزمن ومعاني ومعايير الحياة، حتى تحولت الكتابات إلى موضوعات غثيثة مملة ومقرفة، لا تأتي بجديد ونافع ومتواكب مع الحاضر والمستقبل.

نصوص ومقالات وغيرها وغيرها، لكنها تدور في ذات النقطة وتغرف من ذات البئر، وكأن الأجيال تدور في ناعور المراوحة وإعادة تصنيع المآسي والأحزان والويلات، التي تحولت إلى طقوس عقائدية وسماوية لا يمكن النظر إلى الحياة إلا بمنظارها الأسود.

ما نكتبه لا يرقى إلى مستوى الكتابات لكتاب الدول المتقدمة، ولن يبني حالة ذات قيمة حضارية وثقافية مؤثرة في صناعة الأجيال والمستقبل، إلا فيما قل وندر.

حتى فقدت الكلمة قيمتها ودورها وتأثيرها في الواقع الإجتماعي والسياسي، وما عادت تهم أو تعني أحدا، وأصبحت المواقع والصحف، منافذ للترويح النفسي، وإنسكاب الإنفعالات والعواطف والتصورات.

والسائد هو الكتابة عن الأشخاص لتنمية شهرتهم وتحقيق وجودهم في وعي الناس، ولن تؤثر الكتابات فيهم، فلكل كرسي طابور أقلام منتفعة، تسعى لتسفيه ومواجهة ما يُكتب عنه، وبهذا يتحقق الدعم الإعلامي في الوعي العام.

إن الأقلام  مطالبة بثورة حقيقة على مستوى العقل والنفس، ولابد لها من مراجعة رؤاها وتصوراتها وآليات أقلامها، وأن تفكر بالمصلحة الوطنية أولا وأخيرا، بعيدا عن النرجسية، وتضخيم الذات، والإمعان في وهم المعرفة وإمتلاك الحقيقة المطلقة.

فالكاتب  لم يقدم مثلا ديمقراطيا يُحتذى به، وإنما عبّر عن المأساة السلوكية  وعززها فيما يكتب، ولهذا فسلوك الكراسي بأجمعها قد تأسن، وما تبدل أو إمتلك رؤية ذات قيمة وطنية وحضارية.

ولذلك فالثورة الحقيقية المطلوبة ثقافية، إنها ثورة القلم والعقل والنفس والروح.

 وبدون هذه الثورة التي على الكتّاب أن يقوموا بها، لن تتحقق مصالح الإنسان، وسيضيع الوطن، وسيكون الكاتب  أو المثقف، هو الذي أسهم بفاعلية واضحة في هذا التفتت والإنحدار والضياع الحضاري والأخلاقي والتأريخي المروّع!!

و"...اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم..."!!

***

د. صادق السامرائي

الكبير الذي يتربع على عرش بيت مال الليبيين (البنك المركزي) منذ قيام الثورة أي 13 سنة بدعم بريطاني امريكي،  يطالب مجلس النواب في فرض ضريبة على بيع النقد الاجنبي لأجل توفير العملة الصعبة الآخذة في الاضمحلال وكان قد عدد مصروفات الحكومة وانها انفقت اموالا طائلة دونما الاستفادة منها في مشاريع التنمية،  ما جعل طاقم الدبيبة يرد عليه بانه لم ينفق الارقام التي ذكرها الكبير واعتبر ان جزء منها انفق في مجالات التنمية ضمن مشروع عودة الحياة،  الدبية والكبير كان على وفاق تام لكن يبدو ان هناك امور جعلت الكبير ينآى  بنفسه عن الفساد المستشري في الحكومات الليبية المتعاقبة لكنه ظهر الى العلن،  ولم تعد التغطية عليه ممكنه،  فأثر ان يوجه التهم الى رفيق الامس،  محاولة يائسة يبدو انها لن تقيده كثيرا الا اذا اراد ان يمشي في خط وقف الهدر العام والدعوة الى انتخابات رئاسية وبرلمانية طال امدها.

مجلس النواب والذي كان قد اقال الكبير لكنه لم يفلح،  فادرك قوة الداعمين للكبير فما كان منه الى الاستجابة لطلبة فتم اصدار قرار بذلك (فرض الضريبة بنسبة 27% ) يحمل الرقم 15 لهذا العام2024 على ان يكون ساريا حتى نهاية العام ما لم يجدد له!.

اجتماع القاهرة الثلاثي المنعقد مؤخرا دعا الى تشكيل حكومة جامعة تسعى الى الانتخابات،  اثنان من الحاضرين (المنفي وتكاله) كانا محسوبان على الدبيبة، المؤكد ان هناك ضغوط دولية بالخصوص،  كانت هناك فكرة تعويم حكومة الدبيبة بان يبقى في السلطة مع بعض التعديلات على وزرائه،  يبدو انه لم يعد هناك بد من ازاحته وهو المتشبث بالسلطة الى ابعد الحدود من خلال تثبيت اركان حكمه بالهبات المالية السخية على الميليشيات المتمكنة في غرب البلاد.

انها المصالح التي جمعت بين افرقاء الامس وفي نفس الوقت فرقت بين اصحاب الامس، السياسة هي فن اجادة الممكن فلا صديق دائم ولاعدو ازلي.

المؤكد ان الضريبة المضافة على بيع النقد الاجنبي سيتحملها المواطن الذي يكابد من اجل لقمة العيش التي اصبحت جد صعبة. ما لم يتحرك فان القادم اسوأ

أي معنى لدولة يقوم السفير الامريكي بالاجتماع باي مسؤول فيها واملاء شروطه، أي معنى لأي مسؤول يتلقى اوامره من الخارج ويقوم بتقديم الولاء والطاعة له واخباره بكافة الوسائل الممكنة بأوضاع البلاد السياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية ليقوم الخارج باتخاذ ما يلزم؟.

أي معنى لمجالس مناطقية محلية الاجتماع الى سفراء ومسؤولين اجانب ومناقشة الاوضاع المحلية معهم؟ واستجدائهم بطلب العون والمساعدة؟.

أي معنى لقبول هبات خارجية (رغم ضآلتها) لبعض المؤسسات الحكومية؟، هل ميزانية الدولة لا تكفي؟ ربما بسبب الفساد الذي اثقل كاهل الخزينة العامة،  أم انها اصبحت عادة ولا تنفق وفق المعلن عنه؟ بل هي نوع من الرشاوي لرؤساء تلك المؤسسات والبلديات؟ 

مسيرة جد مؤلمة، فهل يتم التعافي منها بإجراء الانتخابات ومحاكمة المقصرين؟ ام انها زوبعة في فنجان؟، الايام القادمة كفيلة بتبيان الحقيقة وتعرية اصحاب الفخامة والسيادة الذين تاجروا بسيادة الوطن في سبيل تحقيق مصالحهم،  المختارون والمنصبون لا فرق بينهم،  فهم سواء في  الازمة .

***

ميلاد عمر المزوغي

 

لا يزال المواطن العراقي يسخر من الأخبار كلما سمع أن الدولار هبط في بورصة الكفاح، فهو يعرف جيداً أن الكثير من شطار الديمقراطية العراقية تحولوا بين ليلة وضحاها إلى أصحاب مليارات، ودخلوا قائمة كبار الأغنياء.. هل سمعت ما قاله محمد الحلبوسي عن قصره المنيف وكيف أن ثمنه لا يتجاوز ثمن بيت في الحارثية.

أتمنى عليك أن تصدقه، مثلما أتمنى عليكم أن تصدقوا السيد رئيس الجمهورية وهو يقسم لنا بالدستور أن البيت الذي ثارت حوله الشائعات، كان قد اشتراه بالمزاد وبالتقسيط المريح . ولا تسأل عن القاعات التي تقام بها المهرجانات الخطابية ولا يهمك أن تعرف كيف تحولت بيوت الجادرية والمنطقة الخضراء إلى أملاك لكبار السياسيين. من أصول الديمقراطية العراقية أن لا تطرح سؤال: من أين لكم هذا؟

بالتأكيد أيها القارئ العزيز سترتكب خطأ كبيراً وأنت تحصي على السياسيين والمسؤولين أموالهم التي حصلوا عليها بالكفاح، فالحقيقة أنهم جميعاً بلا استثناء قدموا صورة ناصعة للعالم، فبينما يلقي بعض المسؤولين الخطب الرنانة أعطانا ساسة العراق، ازدهاراً لم نعرفه من قبل، لم يكذبوا، ولم يركبوا على أكتاف الناس

كنت قبل أن أطالع أشغل نفسي بحكاية بيت السيد رئيس الجمهورية، أقرأ في مذكرات الرئيس الهندي الراحل زين العابدين عبد الكلام، التي ترجمتها القديرة لطفية الدليمي بعنوان " رحلتي "، وفيها نتعرف على الصبي الهندي المسلم الذي يبيع الصحف وكيف تحول إلى عالم نووي كبير، ثم رئيس للهند، ونقرأ له هذه العبارة المؤثرة: " لن ادعي القول إن حياتي يمكن أن تصبح نموذجاً لأي شخص، ولكن طفلاً فقيراً يعيش في مكان مجهول في ظروف اجتماعية بائسة، ربما يجد العزاء في الطريقة التي تشكل بها قدري. وربما تساعد مثل هؤلاء الأطفال على تخليص أنفسهم من قيود التخلف الوهمي" .

من الطرائف التي تروى عن عبد الكلام أنه رفض السكن في القصر الجمهوري عندما كان رئيساً للهند وقال لمرافقيه: "لن أقيم هنا، سأقيم فى بيتي، وأحضر يومياً لأداء عملي فى غرفة مكتب واحدة".! والأغرب طلبه أن يبنوا له كوخاً من القش تحت شجرة تين كبيرة فى ركن من حدائق القصر، ولم يكن أمامهم إلا أن ينصاعوا لأمره، فكان الكوخ يبعده عن عالم المظاهر والتصنع والخِداع وغرور السلطة، وسمى المكان ” كوخ التفكير” ! وفيه استقبل ذات يوم صديقه مانديلا وهو يقول له: "الصراحة هي أقصر وأفضل طرق النجاة، والنجاح" . وأتمنى على عباس البياتي أن يواصل صراحته المعهودة، فستكون حتماً أقصر الطرق إلى الخراب.

***

علي حسين

هناك مقولة تداولتها الأجيال في القرن العشرين تقول: "الإسلام على الرف والمسلمون في القبور"، وتنسب لمحمد عبده (1849 - 1905) أو أحيانا، لمحمد إقبال (1877 - 1938).

فهل أثبت المسلمون صحتها؟

المطلّع على أحوال المسلمين في أصقاع الدنيا، وخصوصا في بلاد العُرب أوطاني، يرى بوضوح غياب الإسلام في الحياة العملية والتفاعلية اليومية، فهو مجرد تأدية طقوس وحسب، أم الدين المعاملة، فلا دليل واقعي عليه، وأكثر السلوكيات مبنية على تصورات متطرفة تسمى شرعية، وهي تتقاطع مع مكانها وزمانها.

وعندما تسأل المسلم عن الإسلام، يتسمر بوجهك متحيرا، وأكثرهم يجيب بأنه يتبع هذا وذاك، ويرمي بالمسؤولية عليه، فهو الذي يعلمه الدين، ويجب إتباعه وتقليده، وهم الذين يشيرون إليهم بإتباع أقوالهم، وعدم تقليد أفعالهم، فهم الخواص المصطفون من رب العباد المتحيز لهم، ويمثلون إرادته في الأرض.

أين الإسلام؟

مسلم يقتل مسلم ويخطفه ويعذبه وينتهك حرماته، ويتلذذ بالفتك به، ويحسبه قربانا يتقرب به إلى ربه الذي يعبده وبه يستعين.

والدول التي تدّعي أنظمة حكمها بأنها مسلمة، تعيش شعوبها بأرزأ الأحوال، فالقهر والظلم دستور والفساد قانون، وكل كرسي فيها جبار عتيد، وطاغية مستبد، وإياك أن لا تكون بوقا لخطاياه ومآثمه النكراء.

لقد صدقت العبارة، وقائلوها كانوا أكثر وعيا من المسلمين المخدرين بالدجل والبهتان والأضاليل بإسم الدبن.

فما عاد الإسلام كما عهده المسلمون بجوهره الرحمان الرحيم، وإنسانيته السامية، وخلقة القويم، بل أنه دين الفقهاء وذوي العاهات النفسية، الذين إندلقت في دنياهم نوازع النفس الأمّارة بالسوء وسوّغت لهم الفواحش والمظالم، فتحول الواحد منهم إلى إبليس معمم، يسبّح بإسم ألف شيطان رجيم!!

و"إني قد تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا، كتاب الله وسنتي"!!

و"الدين النصيحة"!!

أم أن نأتي بالقبيحة؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

قد تكون البعض من الحكومات الغربية وقوى سياسية اجتمعت في الشارع كي تتحرك غاضبةً في عديد من العواصم الغربية والأوروبية رافضة للجرائم الكبيرة التي تقع في غزة ، مثلما فعلت حكومات إسبانيا والنرويج والبرازيل وبلجيكا، والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غويتريس، وعديد من المنظمّات الدولية المحايدة، لكن ذلك لم يكن ليؤثّر أو يحول دون استمرار بينامين نتنياهو وفريقه النازي بقتل الأطفال وتجويعهم حتى الموت، وقصف المستشفيات والمساجد وتدمير كل معاني الحياة في غزّة، وتهجير الناس جميعاً، وإعدام المدنيين بدمٍ بارد! لم يقف "العالم الحرّ" وقفةً حاسمة مع قيمة الحرية التي جعلها عنواناً للحضارة الغربية، بل سارعت الدول الكبرى، أميركا وبريطانيا وفرنسا (التي شهدت ارتباكاً في مواقفها) لدعم إسرائيل، منذ البداية، بكل أنواع الأسلحة والمعدّات لقتل أطفالٍ صغار، فظهر وراء قناع الديمقراطية والحضارة وجه آخر مختلف وفوقي في تعامله مع الحضارات والشعوب الأخرى.

وهناك من  قال إنّ الحداثة والرأسمالية الغربية بُنيتا بصورة بريئة وموضوعية على قيم وأخلاق الحرية والتحرّر والحضارة والمدنية تجاه العالم، هي فقط تجاه الشعوب الغربية، لكنها (تلك الروح) لم تتخلّ في أيّ وقتٍ عن النظرة العدائية للآخرين، ولم يكن صموئيل هانتنغتون، أحد أبرز الأكاديميين الغربيين اللامعين في الغرب، ليخترع مصطلحاً جديداً عندما تنبّأ بـ"صدام الحضارات" في مرحلة مبكّرة، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي. ولم يكن المفكّر الفلسطيني إدوارد سعيد بعيداً عن التوصيف والتفيكك الحقيقي لهذه الأفكار في كتابه المرجعي "الاستشراق". وليس سرّاً أن كثيرين من زعماء الغرب وسياسية أخذوا أفكارهم وتصوّراتهم عن المنطقة العربية والإسلامية من المستشرق المعروف، برنارد لويس، بنظرته السلبية تجاه التاريخ والتراث والواقع العربي والإسلامي بالحقيقة

***

عبد الخالق الفلاح- باحث واعلامي

لطالما كانت دولة الاحتلال النموذج الأمثل في قائمة الشذوذ كدولة غير مكتملة الأركان. فبالرغم من مرور ٧٦ عاما على قيامها إلا أنها ما زالت طور التكوين. فهي الدولة الوحيدة التي لم توضع لها حدود نهائية إلى اليوم. فكم من الحروب خاضت كانت تعبيرا صادقا لأطماعها في توسيع حدودها. ولا زالت تخوض لنفس الهدف.

وليس أدل على ذلك من نظرية موشيه ديان القائلة "شرم الشيخ بدون سلام أفضل من سلام بدون شرم الشيخ".

ومقولة ديفيد بن غوريون "وصمة عار" عدم احتلال جبل الخليل في حرب ٤٨. حيث أرسلا وقتها من خلال هاتين المقولتين برسالة إلى الأجيال القادمة من أجل الاستمرارية في الحرب بهدف التوسع وكسب المزيد من الأرض.

وقد توسعت بالفعل. غير أن الأرض التي استولت عليها يسكنها شعب أصيل. فما الذي فعلته للتخلص من هذه المعضلة؟

لقد طردت الآلاف ثم حبست من ظل منهم داخل سجن تحت حكمها العسكري البغيض. فضمت وقمعت ونسفت البيوت واعتقلت وقتلت، فأية دولة هذه؟

إنها الدولة المشوهة الشاذة التي لم تكتمل ولن تكتمل أبدا.

وكيف لها أن تكتمل وقادتها منذ قيامها لم يكتملوا ولم يكونوا يوما ناضجين ، فجنون العظمة والقوة أعمتهم وحجبت تفكيرهم.

فمن بن غوريون الذي تم تهميشه لولا ورثته الذين حولوه إلى رمز، إلى مناحيم بيغن الذي خرج من حرب لبنان ٨٢ منزويا بنفسه بعد فشله هناك، إلى ليفي أشكول وحربه في ٦٧ بجيشه الهجومي والاستيطاني وما افرزه من حركات استيطان أشهرها ما تسمى "أرض إسرائيل الكاملة" من حزب العمل العلماني وحركة "غوش إيمونيوم" المتطرفة دينيا.

ثم غولدا مائير التي اتُهمت بالتقصير في حرب ٧٣ وصولا إلى بنيامين نتنياهو من اليمين المتطرف ونظريته "الأرض كلها" والسعي خلف تطهير الأرض. وأي عملية تطهير لا تتم إلا بالترحيل الإجباري والإبادة وهذا يعني الحرب ولا غيرها.

غير أن جميع الحروب التي خاضتها دولة الاحتلال لم تنتهي بترحيل شامل ولا تطهير عرقي ، لذلك فهي بعد كل حرب لا تنتصر ، والسبب صمود الفلسطيني. لكن هل اعترفت هذه الدولة بأنها هُزمت؟ طبعا لا، والجواب بسيط لأنها دولة تفتقر إلى النضج والتفكير السليم والتقييم الصحيح.

فالفلسطينيون يتكاثرون ويحتفظون بذاكرتهم التي تحفظ أماكن قراهم ومدنهم برغم تدميرها ومحوها وعبرنتها.

واليوم جاءت الحرب على غزة بعد عملية طوفان الأقصى حرب غير مخطط لها. فبنيامين نتنياهو ظن أنها لن تستمر أكثر من أسابيع ، يكون خلالها قد أنهى المقاومة الفلسطينية ونجح في قتل وطرد أكثر من مليوني شخص من سكان قطاع غزة، لكن ظنونه خابت وجيشه منهار ودولته تلفظ أنفاسها الأخيرة. بالرغم من مئات المجازر التي ارتُكبت ويعتبرها نتنياهو انتصارا إلا أن الحقيقة أن ما أنجزته دولة الاحتلال في غزة لا يعتبر انتصار ، والسبب أنهم لم يستطيعوا النيل من عزيمة أهل غزة ومقاومتها. فها هي الحرب تدخل شهرها السادس ويدخل خلالها شهر رمضان المبارك على القطاع وسط القتل والدمار وسياسية التجويع ، غير أنه ما زال صامدا أمام هذا العدوان. فاحتفل بالشهر الفضيل واستقبله بتزيين الخيم وصامت الأجساد الصائمة بالأصل إلا من الماء والإيمان سحورا وفطورا. فهل يُهزم شعب كهذا؟ وهل كانت دولة الاحتلال ستبقى لولا دعم الولايات المتحدة الأمريكية لها والوقوف خلفها؟ وهل سيطول هذا الوقوف قبل أن تتعب الأقدام وترتمي مخلفة نتنياهو ودولته التي لم تكتمل ولن تكتمل يوما ، تصارع البقاء الذي بات واهنا وبعيدا. فأنى لدولة قادتها لم ينضجوا أن تنضج يوما أو يكتمل تكوينها.

***

بديعة النعيمي

إن من الآلام اللاذعة التي نجد مضها في القلوب، وشكاتها في الحنايا، قضايا تتحدث عنها حكومتنا المشبل فتوجز وتطيل، دون أن تقص من أجنحتها، أو تقلم من أظافرها شيئاً، فالمهج التي علقتها أوهاق المنية، وخلجتها المنون، تجعلنا نطلب إليها ما ينبغي أن يطلب، ونقول لها ما يجب أن يقال، فتلك الأرصفة اللعينة، والطرق المهشمة السقيمة، التي لا تنفق عليها الحكومات، ولا تأبه لها الوزارات، شرعت قانوناً لا يمكن السيطرة عليه، قانون لم يحفل به سادتنا، لأن القاعدة السياسية التي يرتكزون عليها هي إخضاع الشعب بأسره لنفسها، لذا فهي لا تكترث لعبث تلك الطرق التي تحصد في كل يوم ضحايا يزيد عددهم أو ينقص، فأطيب الناس قلباً، وأكثرهم صبراً، وأوسعهم حلماً، عجز كل العجز، عن تحمل تجاهل حكومته التي يوليها النصرة والعطف، لتلك الدماء التي خصبت طرق الموت في كل صقع وواد في بلادي.

لا نستطيع أن نبدي صفحاً، لهذه الحكومات المتعاقبة في فلك المؤتمر الوطني، لأنها أذعنت ورضيت بأن يلفظ ثلة من هذا الشعب روحه، ويجود بنفسه نتاجاً لإهمالها الشنيع، نعم نحن نعلم أن لا أحد يستطيع أن يقدم في رقعة الموت أو يؤخر، ولكن سادتنا الذين نراهم الآن يتخلون عن مناصبهم في غير تردد أو امتناع، لم يسعوا أن يضفوا على هذه الطرق المتهالكة التي يغدون عليها كل صباح إلى دواوينهم، ويعودون عبرها إلى دورهم كل مساء، سياج يقلل من زحف الموت الزؤام، لم تعمل هذه الحكومات التي امتلأت أيدي مشايعيها بالخير، وأصفرت أيدي مناهضيها من كل شيء، على المصلحة العامة التي تكفل لقاطني الولايات الخصب، وترفد أهل الخرطوم الثراء، فهذه الحكومات التي أظهرت الإشفاق على خزانة الدولة لم تلتفت لجموع هذا الشعب الذي شكك في حنوهم كل الشك، وارتاب في عطفهم كل الارتياب، لأن هؤلاء البهاليل السادة، والكماة القادة، الذين نهضوا بأعباء الحكم منذ أمد بعيد لا يحبون إلا إرغامنا على الاعتراف بكمية الطرق التي أنشئت في عهدهم، والكباري التي شيدت في حقبتهم التي لم يكتب لها الزوال بعد، أما الحديث عن متانة هذه الطرق، وصلابة هذه الكباري، فسوف يجعل سادة الساعة، وحكام اليوم، يرموننا بالإجحاف والحسد السياسي، وحسب هذا الشعب الصابر على عرك الشدائد أن يرى هذه الطرق المهترئة التي يكابد في السير عليها صروف الجهد، وضروب العناء.

لم تنذر أرتال الموتى في طرق الفناء جموع النافذين بالاستقالة، ولم يتخلَّ بعض سادتنا عن سطوة الحكم لأن الشعب قد احتمل عنهم أهوالاً ثقالا، ولكن ضرورة التغيير هي التي دفعتهم لذلك، فالحزب الصمد الذي استبدل قوماً مكان قوم، ونحارير مكان خناذيذ، كان حرياً به أن يبلغ جهده أقصاه، وينتهي به إعياؤه إلى غايته، فيؤمن لهذه الجموع التي يظنها راضية وهي ساخطة، ويحسبها مذعنة وهي شديدة النفور، المسالك التي لا تجعلهم يضطربون بين اليأس والأمل، والخوف والرجاء، في عبورها، عليه آلا يبطئ في اتخاذ قرار حاسم مريح يقضي في ظل هذه الهيجاء بتوسعة رقعة الأسفلت في بلادي، وأن تأتي هذه الرقاع في أبهى صورة، وأجمل شكل، حتى تمحق كفراً  بخطرها، وإلحاداً باتساعها.

***

د. الطيب النقر

 

الموتى ما أخذوا أفكارهم معهم، فهي لا تموت بموتهم، بل ستورق في الأجيال المتناسلة من صلبهم. فأية فكرة ما أن تحل برأس ستجد طريقها إلى الحياة في يوم من الأيام، ومقابرنا تعج بالأفكار والرؤى والطاقات المعرفية، وتتفاعل فوق التراب، وستجد مَن يرعاها ويتواصل معها، ويؤسس بها ما يعبِّر عنها ويطلق ما فيها.

فالذين يحسبون الأفكار لا تقاوم ولا تتحدى ولا تدوم، يعيشون في غفلة ووهم وخيم، والعلاقة بين التراب  وما يحتويه من الخلق الرميم، لها معالمها المتوافقة مع ما فيهم.

فأفكارهم تحيا، وأبدانهم تبلى، وطاقاتهم تتجدد، وإن أصابهم الخمود، وتسربت كينونتهم المادية وتلاشت.

وعليه فأن أرضنا ثرية بالأفكار الحضارية، وثروتها الفكرية والمعرفية، أغنى من ثرواتها النفطية وغيرها، وهذا ما يدركه الطامعون بالأمة، ويجهله أبناؤها، فيندفعون بخطوات إنكسارية إنتكاسية للسقوط في حبائل المفترسين.

إن تراب أرضنا يتميز بالثراء الحضاري، وأعداء الأمة يؤهلون من أبنائها مَن يقومون بأعمال عدوانية على هويتها، لتعطيل دورها وتبديد ما فيها من الكنوز المعرفية النادرة.

وقد آن الأوان لتنتفض الأجيال، وتتصدى للغاشمين الساعين لتحويلها إلى عالة على الآخرين، ولتقييدها بأصفاد الذل والهوان.

فالأمة حية، وتحارب بثقافاتها الكامنة في ترابها، والمتوقدة فوقه، إنها تندفع نحو علياء ذاتها، بإندفاقية ذات بناء حضاري هدّار، يكتسح السدود والمصدات ويزيح المعوقات، ويجرف كل خوان ذليل كسول.

إنها أمة أقرأ، وصوت الحق ونبراس التجدد والإبداع  المتميز والإنبثاقات الأصيلة الساطعة.

إنها أمة الإبتداء وصوت الإرتقاء، ووجود لا يعرف الإنتهاء.

فلكل فكرة جولة!!

"...ويتفكرون في خلق السماوات والأرض...."!!

***

د. صادق السامرائي

شكلت عملية طوفان الأقصى بتاريخ ٧/أكتوبر/٢٠٢٣ مفاجأة صاعقة لدولة الاحتلال، حيث فتحت ثغرة في جدار الشعور الأمني لها الذي كانت تظنه محكما وصعب الاختراق. فالخسائر التي منيت بها على جميع المستويات كانت فادحة، وفوق التوقعات. لكن الأهم فقدان الروح المعنوية لجيشها وبالتالي فقدان ثقة اليهودي بدولته وجيشه. ولهذا تلجأ هذه الدولة إلى الحصول على فترة هدوء لإعادة بناء الروح المعنوية والقومية لهذا الجيش عن طريق عقد الهدن.

غير أنه ومن المعروف أن دولة الاحتلال لها تاريخ غير مشرف وطويل في الدخول في هدن عسكرية ثم خرقها. وأشهر هذه الهدن هدنة عام ١٩٤٨ التي وقعتها هذه الدولة مع الجيوش العربية. وكانت في صالحها حيث تسلحت وأعادت هيكلة عصاباتها كما قامت بخرق الهدنة حينما أقدمت على مهاجمة قرى فلسطينية ودمرتها تماما.

واليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣_٢٠٢٤ رأينا ما حصل بعد الهدنة بين دولة الاحتلال وحركة حماس والتي بدأت بتاريخ ٢٤/نوفمبر/٢٠٢٣ وكانت تتضمن وقف لإطلاق النار لمدة أربعة أيام قابلة للتمديد. وقد تم تمديدها بالفعل لسبعة أيام تخللها إطلاق سراح الرهائن من الجانبين. إلا أنها وكعادتها خرقت هذه الهدنة بإطلاقها النار على الفلسطينيين ما أدى إلى استشهاد عدد منهم. كما رفضت إدخال المساعدات إلى شمال القطاع المنكوب. بالإضافة إلى خرقها الاتفاق الذي يخص ملف الأسرى حيث تضمن الإفراج عن الأسرى على أساس الأقدمية.

وفجر اليوم الذي انتهت به الهدنة قام الجيش بنشر خريطة لما أسماها بمناطق الإخلاء في قطاع غزة، وبدأ بشن موجات متتالية عنيفة على شمال القطاع وجنوبه ووسطه. فارتكب مئات المجازر بحق المدنيين وهذا إن دلّ على شيء فيدل على ان اليهود لا عهود لهم.

أما بالنسبة لما تبع هذه الهدنة من مفاوضات على هدنة جديدة، تمت عبر قطر ومصر حيث لعبتا دور الوسيط بين دولة الاحتلال وحركة حماس فإنها لم تنجح. وقد اتهمت دولة الاحتلال الحركة بأنها السبب في عرقلة الهدنة المزعومة.

والحقيقة التي لا لغط بها أن الحركة اشترطت وقفا شاملا للعدوان على غزة والبدء بعمليات الإغاثة والإيواء وإعادة الإعمار بضمانات دولية.

فما كان من دولة الاحتلال إلا المراوغة، فلم تعط أية ضمانات والتزامات واضحة فيما يتعلق بموضوع وقف إطلاق النار ووقف العدوان. ومن هذا المنطلق يتولد السؤال التالي, لماذا ترفض هذه الدولة مثل هذا الشرط وتتقمص دور الطيب الذي يسعى بيديه ورجليه نحو الهدنة، وتلصق عملية العرقلة لحماس؟

ولماذا يجب على حماس من وجهة نظر المحتل أن تقبل بهدنة دون ضمانات، مع أنها تقول بأنها ما زالت منفتحة على مواصلة المفاوضات؟

فهل الهدف هو شيطنة حماس أمام العالم الذي بات مدركا تماما لحقيقة هذه الدولة بعد سقوط القناع عن وجهها البشع؟

***

بديعة النعيمي

على هامش المقابلة مع القيادي البعثي خضير المرشدي ...هل طلب حزبا الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى لآل الحكيم والمرجع السيستاني اللقاء بقيادة البعث بعد الاحتلال ولماذا رفضها صدام ووافق عليها الدوري؟

وردت معلومة قد تكون مهمة في ميدان تأرخة الأحداث العراقية قبل وبعد الاحتلال الأميركي في المقابلة التي أجرتها قناة العربية مع القيادي البعثي خضير المرشدي قبل أيام مفادها كما قال المرشدي إن حزبي الدعوة والمجلس الأعلى والسيستاني أرسلوا مَن يتصل بقيادة البعث بعد الاحتلال، وقبل اعتقال صدام بفترة، يريدون عقد اجتماع معها. وأن عزة الدوري كان متجاوباً وموافقاً على الدعوة بعكس صدام حسين الذي رفضها. وقد قال له الدوري، كما يروي المرشدي "أنا لم اختلف معك طوال 40 سنة ولكني الان أختلف معك وأوافق على اللقاء معهم - مع حزبي الدعوة والمجلس الأعلى لآل الحكيم وممثل عن السيستاني..." وبعد فترة من التفكير رفض صدام اللقاء بحجة إنهم حاقدون وغدارون ... إلخ. طبعاً لا يمكن الجزم بمدى صحة هذه المعلومة، ولكن معلومة أخرى تتقاطع "بمعنى تتوافق" معها وهي أن الإسلاميين الشيعة كانوا قد عرضوا قبل حرب الاحتلال بسنة تقريباً على وزير الخارجية الإيرانية آنذاك "خرازي"، أن يتوسط لهم لكي يلتقوا بالنظام السابق بهدف الوصول الى حل تصالحي ولكن النظام رفض اللقاء رفضا قاطعا ...أنا متأكد تماماً من المعلومة الأخيرة ومصدرها ثقة ومن أعلى مستوى في قيادة المقاومة اللبنانية وهي ربما ترجح المعلومة الأولى التي قالها المرشدي فهما في السياق ذاته. ويمكن أن ترجح هذه المعلومة عن موافقة الدوري على لقاء مع الساسة الشيعة أيضاً ما قيل عن علاقة حماية وفرتها إيران لعزة الدوري في إقليم كردستان بعد الاحتلال وسقوط النظام وكنت شخصيا ممن يشكون ويكذبون هذه المعلومة ولكني أرى الآن إنها بحاجة إلى تمحيص وإعادة نظر لأغراض تأريخية.

شخصياً، أصبحت أرجح المعلومتين، وأرى في عدم اعتراف الحزبين الشيعيين بهما شيئاً من النفاق الإعلامي وعدم المبدئية، رغم أن المعلومتين يمكن أن يُحسبا من الناحية الإنسانية والسياسية التكتيكية لمصلحتهما ويدينان نظام صدام لأنه رفض أي حل سلمي توافقي يجنب العراق التدمير والاحتلال. لقد رفض حزبا الدعوة والمجلس الأعلى الاعتراف بهاتين المحاولتين للاتصال بالنظام لكي لا يكونا في موضع النقد والتناقض بعد أن اتهما كل طرف حاول تجريب حلول سلمية مع النظام لتجنب العراق وشعبه الحرب والاحتلال بالعمالة لهذا النظام ففضل حزبا الدعوة والمجلس الأعلى أن يتحصنا بالكذب والنفاق على الجرأة وتحمل المسؤولية وحيازة شرف محاولة تجنيب العراق التدمير والاحتلال الأجنبي في وقت تباهي بعضهم بالعمالة للغزاة وطالب أحد شيوخهم بنصب تمثال من ذهب للجندي الأميركي الذي قتل واغتصب وسرق ودمر. أما من الناحية التأريخية والمعيارية فسيبقى نظام صدام حسين يتحمل المسؤولية الكبرى في كل ما حدث لاحقا بدكتاتوريته الدموية وهذا ما اعترف به القيادي البعثي المرشدي نفسه حين قال في هذه المقابلة على الدقيقة 14 و30 ثانية: "أهم خطأ ارتكبناه كحكم بعثي هو عدم السماح ببناء معارضة وطنية عراقية ولو وجدت معارضة وطنية عراقية وحدث الاحتلال الأميركي ما كان العراق تهدم بهذه الطريقة"!

***

علاء اللامي

.......................

* رابط يحيل إلى المقابلة التلفزيونية مع خضير المرشدي:

https://www.youtube.com/watch?v=4K24evU_52A&t=76s&ab_channel=AlArabiya%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9

أغلق الشيخ الذي أرزم على السبعين، باب سيارته الفارهة في وجه فقير مُعدم دون أن تختلج في وجهه جارحة، ثم عاد إلى مقعده متهافتاً متخاذلاً، لا يكاد يطيق نفسه التي وجدها سائرة في طريقٍ شائك تحفُ به مواضع الزلل، ومهاوي النكبات، طريقاً لو كان يدرك وعورته لهالته عقباته، وردته مزالقه، فكيف لرجل تشرئب لمقدمه الأعناق، وتشخص لطلعته الأبصار، أن يمتطي مطايا الهالكين، ويرتدي حلل المارقين، كيف لعالم يعد من أعلام الهدى، ومصابيح الدجى، أن يشايع زمرة هامت في أودية الضلال، وتسكعت في بيداء الغواية، وهو الشيخ الأجلّ الذي تفجرت الحكمة من جوانبه، والعلم من نواحيه، كيف للشيخ الذي لم يدع آبدة من أوابد الفقه إلا حواها، ولا شاردة من شوارد اللغة إلا حذقها، أن يتجافى عن الحق البين الذي قُدم له بصادع البرهان، فسفور ذلك الأمر ووضوحه لا يجعله يجشم نفسه عناء التعليل، نعم لا يحتاج أن يمحّص الروايات، أو يحقق الأسانيد في مسألة رسخت حرمتها في كل ذهن، وتبدت عدم مشروعيتها في كل خاطر، فالمسلمون على اختلاف مذاهبهم، وتباين أجناسهم، وتنائي ديارهم، لم يقفوا قط على حواف الخلاف في تلك القضية التي تشابكت أوشاج حرمتها منذ القرون الغابرة، والعهود المندثرة، ولكن أنى لعالم يشايع نظاماً يجمع بين اعتبارات شتى، ويؤلف بين نظريات مختلفة، أن يناهض ما يرومه القروم الخناذيذ، ويبتغيه السُراة الغطاريف، الأحرى أن يتحلى بأذيال الصمت بعد أن خلعوا على حياته رونق السعادة، وعلى أسرته سرر النعيم، يجب أن يكبح وثبات فؤاده، ويخمد وخز ضميره الذي استشعر اليأس من زواله، ضميره الذي يستحثه دوماً على الجدال والصيال حتى يطهر نفسه من أوضار الانحراف، ضميره الذي يحفزه أن يجدد ما رثّ من حبل الدين، في زمن استشرت فيه الجهالة، وخنست فيه الهداية، وران على المحجة الريب، وتكالبت على خيوطها الناصعة الظنون.

كان العالِم الثبت يقود سيارته المطهمة وهو منطوٍ على نفسه، متحاملاً على ذهنه، يرقب بطرفٍ فاتر الجموع التي ذوى عودها وطأة الجوع والغرث، وعرّى مناكبها غلو السادة، وفداحة التكاليف، تلك الجموع التي نشأت في مهد الحزب الخشن، ودرجت في فنائه الضيق، وعاشت في مرعاه الجديب، قد تبدل طبعها المرح، وثغرها الضحوك، ولسانها المداعب، سارت سيارة الشيخ تطوي عباب الطريق، حتى وقفت أمام وزارة سيادية محاطة بالرجال، مغمورة بالجمال، وزارة ينشد إسمها كل لسان، ويستظل بفيئها كل عالم تكدست حوله العدسات، وتقاطرت لطلته القنوات، وما أن ترجل الشيخ من سيارته، ودلف إلى الداخل حتى أوصدت الأبواب أمام الطلاب، وأسدلت الستور في وجوه السائلين، وبدأ الشيخ المستحوذ على أعنة الكلام، والمتصرف في فنون القول، يخاطب البهاليل السادة، والكماة القادة، مستفرغاً الوسع في تنزيل الفقه، مفصلاً بيانه الذي أنزله عن علم، وفصّله عن إدراك، بيانه الذي استله من قلب الإبداع، وانتزعه من جوف الروعة، والذي أفضى في نهايته إلى أن الوزير الهمام الذي يحرص على غوارس الكلام حرص العابد الأواب على صلاته، هو من يحدد معايير الضرورة، بعدأن اختلت موازين القوى وأضحت الغلبة لمناهضي النظام الذين وجب إخماد صوتهم، واستئصال شأفتهم، حتى يسود صوت الحزب الصمد.

كان الله في عوننا في السودان، وعون اخوتنا الأماجد في السعودية وفي سوريا الفتية، واليمن السعيد.

***

د. الطيب النقر

 

في دنيا الغاب الدولي المستعر بالصراعات يمكن تدجين الأسود الشرسة وترويضها وتحويلها إلى حمير، تنقل الأحمال وتؤدي الأعمال المطلوبة منها بإتقان.

فما أكثر الأسود التي تم الإستحواذ على إرادتها، وتقرير مصيرها فتجدها تصول نحو أهداف مروضيها بلا قدرة على التبصر وإدراك مآلات ما تقوم به، المهم أنها تفعل ما تؤمَر به، وليكن ما يكن.

ترى كيف تتحول الأسود إلى أدوات لتمرير الإرادات الأخرى؟

أول ما تقوم به القوة الساعية للقبض على الأسود ، أنها تتسلل إلى عرينها وتتفاعل معها بما يرضيها ويوفر لها الفرائس السمان.

والأخذ من أساليب الثعالب والقرود  ما تستطيع تمثيله، والتعبير عنه، حتى تطمئن الأسود وتحسبها يدها اليمنى.

وحينها تصبح سفينة العرين يقودها ربان من الثعالب والقرود، والأسود عليها أن تنفذ، لأن مصيرها محكوم بقمرة القيادة.

وبموجب هذا الإستحواذ تكون الأسود منقادة  للذي يقود سفينة الحياة، المعدة بإتقان لخدمة مصالح الذين قبضوا على مصيرها.

هكذا تفقد الأسود هيبتها، وتهزأ منها الحمير، وتنظرها بعين الإزدراء كلاب الغاب المتحيرة بأمر الأسود المغلوبة على أمرها.

فالأسود تحولت إلى أدوات تأتمر بالثعالب والقرود، وما تقوم به هو العدل والإحسان، وكل من عليها جان.

تلك مأساة الغاب الأرضي الذي تتحول فيه الموجودات الآدمية إلى أشياء لا قيمة لها ولا معنى، وكأرقام يتحقق محوها أنى تشاء القوى الفاعلة المهيمنة على الوجود.

فهل توجد قوة حرة، أم أن القوى الكبرى مصفدة بالأخرين الساعين للويل المبين؟!!

و"مَن يهن يسهل الهوان عليه

ما لجرح بميتٍ إيلام"

***

د. صادق السامرائي

 

خمسة اشهر وبضعة ايام وسكان القطاع يتعرضون لأبشع انواع القتل والتهجير والتنكيل،  لقد اسقطت غزة القناع عمن يدعون التحضر وحقوق الانسان وتقرير المصير، شعب محاصر على مدى عقدين من الزمن،  ما يقرب من الثمانية عقود ولم تسعى الدول العظمى الى تطبيق قرار التقسيم، بل نراها تساعد المحتل في اقتطاع اجزاء من الارض ستؤدي يوما ما الى ابتلاع الارض بأكملها لصالح المحتل الصهيوني.

أي معنى لإلقاء السلات الغذائية جوا من قبل امريكا وبعض الدول الغربية والتي لا تسمن ولا تغني من جوع وهذه الدول تمد الكيان الصهيوني بمختلف انواع الاسلحة والذخائر؟ أي معنى لإنشاء مرفأ لتلقي المساعدات الدولية والصهاينة مستمرون وعلى مدار الساعة في قصف القطاع بمختلف انواع الاسلحة؟.

المطبعون العرب،  ترى على أي اساس قمتم بالتطبيع مع الكيان؟ أ ليس لأجل قيام الدولتين؟ والعدو اعلنها صراحة مدوية ابان هذه الحرب بانه لا يؤمن بوجود دولة فلسطينية الى جواره،  والسؤال الاهم هو هل وصلت بكم الوقاحة التي لم نشهد لها مثيل على مر التاريخ الى امداد العدو بالمؤن عبر خط بري من دبي الى مدن العدو مارا بالأراضي المقدسة؟.

ما يسمى بدول الطوق لفلسطين،  تتباهون بانكم تقومون بإنزال المساعدات الغذائية جوا على سكان القطاع ومعظمها يسقط  في البحر بموافقة مسبقة من العدو،  ولم تقوموا بإدخالها عبر حدوكم المشتركة مع الضفة والقطاع بينما تنظرون بالعين المجرة الى طائرات العدو وهي تلقي قنابلها على الغزاويين ودبابته تدك مساكنهم،  تم تدمير جميع المباني وتسويتها بالأرض بما فيها المشافي وانتم تتفرجون ان لم نقل تتشفون، أي نوع من البشر انتم؟ أي معنى للعروبة؟ أي معنى لإسلامكم ان لم تنصروا اخوانكم وهم على مرمى حجر منكم؟ في غزة كل يوم يسقط ضحايا نتيجة عدم توفر ابسط انواع الاغذية التي تسد الرمق.

 أي معنى لوجود ما يسمى بجامعة الدول العربية؟ اما آن لمجلس رئاستها ان يقدم استقالته الجماعية؟ كنتم تضعون الشركات المتعاونة مع العدو على قائمة الحظر،  اما اليوم فان غالبية الدول العربية تقيم علاقات طبيعية بل ممتازة مع كيان العدو حيث التعاون في مختلف المجالات بما فيها شراء الاسلحة والمنتجات الصهيونية.

ندرك جيدا ان هناك العديد من المتشفين لما يحدث لسكان القطاع،  ويلقون باللائمة على حركات المقاومة،  لأنها بدأت الحرب قبل ان تصل الى احداث تعادل في ميزان القوى مع كيان العدو،  نقول: منذ متى كان صاحب الارض ينتظر توازن القوة مع العدو كي يبدأ عملياته لاسترداد ارضه؟ لو كان الامر كذلك لما استطاعت حركات تحرر بسيطة وهي لا تملك الا اسلحة بدائية ولكنها تملك الارادة من اجبار العدو على الرحيل،  بل اجبر بعض المستعمرين على الاعتراف بجرائمهم بحق الشعوب التي احتلوها واعتبار ذلك اعمالا غير انسانية تتنافى وحق الشعوب في تقرير مصيرها والعيش بأمن وسلام.

 كيف للعرب حكاما ومحكومين يصوموا رمضان ويجهزون له ما لذ وطاب من الاطعمة، بينما سكان القطاع يصومون منذ خمسة اشهر؟ .ستنتصر غزة يوما.

***

ميلاد عمر المزوغي

 

الشعب اليهودي في دولة الاحتلال منقسم على نفسه في مجتمع غير مستقر، خائف على الدوام. يعاني من الداخل أزمات كثيرة،  أزمة في التعليم،  أزمة في الصحة،  أزمة عنصرية،  الاستعمار، تسيّد الأحزاب الدينية المتطرفة وسيطرتها على مفاصله.

شعب لا يجتمع إلا على حرب أو عدوان أو توسع،  أو عليها مجتمعة.

دولة تعتمد على القوة،  توظف كل ما لديها من موارد وطاقات لاحتياجاتها الأمنية بما في ذلك استقطابها يهود الشتات وشراء الأسلحة إلى بناء الجدران العازلة والقبة الحديدية وغيرها. لكن هذه الموارد تنفد والطاقات تستنزف،  ودولة من غير موارد وطاقات لا بد بأنها ستزول.

وهذه الدولة تمثل الحصن الغربي والإسفين الذي دُقّ في قلب الشرق العربي.

عملية طوفان الأقصى يوم ٧/أكتوبر نجحت في خلخلة هذا الإسفين، فأطل برأسه البشع ودخل حالة حرب دموية ضد المدنيين ليعلمهم درس عدم رفع الرؤوس في حضرته،  إلا أن أهل غزة رؤوسهم لا تنحني إلا لله،  وإيديولوجية عمليات الانتقام التي أسسها آرئيل شارون لن تغدو سوى الأفعى التي ستنفجر يوما من سمّها.

وحالة الحرب التي تدور رحاها في غزة ليست في صالح العدو رغم تبجحه بالانتصارات الكاذبة،  غير أن هذه الحرب ليست إلا العجلة التي تسير بدولة الاحتلال نحو الهاوية،  نحو النهاية والزوال. ودولة العصا تكسرت وتهشمت أمام إرادة المقاومة،  وصورة ضعف جيشها انعكست في مرآة خسرانهم. فها هم يتكبدون الخسائر بالمليارات والأخطر الخسائر النفسية، فبعد كل هذا هل نستطيع القول بأن جيش الاحتلال انتصر في هذه الحرب؟

هل حققت الأمن الذي تسعى إليه؟ هل حققت أهدافها في غزة؟ هل أعادت مستوطني الغلاف الذين أصبحوا لاجئين في "تل أبيب"؟ هل نجحت في تهجير سكان غزة إلى خارجها؟

حقيقةً،  ما الذي أحرزته دولة الاحتلال سوى المجازر والإبادة الجماعية التي ستلعنهم حتى في قبورهم؟ ما الذي أحرزته سوى كشف بشاعتها ودمامتها أمام العالم؟ وهل اكتفى أولئك الذين يمتلكون غريزة سفك الدماء من سفكها؟

هل فرّغ الحاقدون الجبناء شحنات حقدهم في شعب أعزل؟

إلام يسعى بنيامين نتنياهو؟ إلى الحصول على لقب أكبر جزار في تاريخ دولة الاحتلال في كتب التاريخ؟

إننا نقول له اليوم كفى،  لقد حققت ما تسعى إليه،  وتفوقت على بيغن وشارون وغيرهم من جزاري الدولة الفاشية. بل لقد سبقتهم بأميال كثيرة في الأعمال الإجرامية وحصلت على لقب مجرم حرب بامتياز بل ومصاص دماء. غير أنك فاشل، فلقب جزار ومجرم لم تمنحك قتل المقاومة ولا حدودا إضافية من الكعكة.

بل إن جُلّ إنجازاتك والحمد لله أنك تقود دولتك المزعومة إلى الزوال والخراب.

***

بديعة النعيمي

سويعات قليلة تفصل بيننا وبين أجمل أيام، أنها أيام شهر رمضان، الذي يقبل علينا ويحمل معه كل ما هو جميل على كافة الأصعدة المختلفة

ومع قدوم هذا الشهر نجد العديد من المفارقات، ولا اكون مبالغا عندما أقول  أنها متناقضات. لذا أردت في هذه السطور القليلة والكلمات البسيطة أن أسلط الضوء على رمضان كما ينبغي أن يكون.

فعندما فرض الحق سبحانه وتعالى علينا هذه الفريضة لم يكن الهدف من وراء ذلك الجوع  والعطش وانما تهذيب النفس وإصلاحها، بتعليمها وتعويدها على ترك مغريات الدنيا المادية طواعية، لأته لا رقيب عليك في  صيامك الا ربك وذاتك. فما أسهل أن تأكل وتشرب وتدعي أمام الآخرين أنك صائم، وما أسهل أن تفعل ما تشاء في الخفاء  وتبدي عكس ذلك.

لذلك فالغاية الأولى من الصوم هي إصلاح النفس، التي تعد مصدر كل الشرور والآثام. لذا كان من البديهي أن تكون النفس محور اهتمام العديد من  الفلاسفة منذ البدايات الأولى للسؤال الفلسفي وحتى اللحظات الراهنة. ولنا أن نتساءل ماذا لو اصلح كل منا نفسه؟.

اعتقد أن معظم الآثام والشرور التي نراها ستختفي لا محالة. فلن نجد الحاقد، الحاسد، النمام، التاجر الجشع، الحاكم الفاسد، الأخ الظالم، الأخت القاطعة للرحم، والإبن العاق...الخ. أن النتيجة المنطقية لذلك تتمثل في زوال كل الأمراض النفسية والاجتماعية التي نعاني منها في مجتمعاتنا، تلك التي يمكن ردها الي تلك المغالطات الفكرية التي نعيشها ونعاني منها.

الغاية الثانية من وراء الصوم هي تنمية الاحساس بالآخر، وخاصة ذلك الآخر الذي يعاني من ضغوط الحياة على كافة المستويات المختلفة. فلو تحقق الصوم كما ينبغي أن يكون لتجسدت أمام أعيننا العديد والعديد من الشعارات التي ملأت الارض، وعجت بها كتابات المفكرين، وتغنى بها الشعراء مثل العدالة الاجتماعية، المساواة، التكافل الاجتماعي، وحقوق الإنسان...الخ. فبالامس البعيد كان هذا الشهر الفضيل بمثابة مائدة كبرى يلتقي عليها سكان المجتمع الواحد، حيث تذوب الفوارق الطبقية والعرقية، بل ولا أكون مبالغا عندما أقول والفوارق الدينية أيضاً. لذا فرمضان هنا هو شهر اعادة بناء القيم على كافة المستويات المختلفة.

أما الغاية الثالثة للصوم فتتمثل في بلوغ السمو الروحي. حيث يتجرد الإنسان من ذاته المادية ويبحث عن ذات روحية تحلق في السماء وهي مازالت تسكن الأرض. ذات تبحث عن تنمية وتقوية أواصر علاقتها ببارئها من ناحية، وتتعامل الذوات مع بعضها البعض كما تتعامل الملائكة لا كما تتآمر الشياطين من الناحية الأخرى.

وفي الواقع إذا ما أردت أن أعدد الغايات من وراء الصوم فلن استطيع بلوغ الا النذر القليل منها. ولكن ما أنشده هنا هو الوقوف على ماهية الطريقة التي يجب أن نتعامل بها مع هذه الفريضة. ومن ثم يمكنني القول بأننا بحاجة إلي أن نتعامل مع فريضة الصوم بعقلية فلسفية، بحيث نبدأ هذه الرحلة الروحية بلحظة صمت تترتب عليه أيديولوجية دينية وروحية سامية تجعلنا نمتلك القدرة على أن نحلق في آفاق اليوتوبيا. لذا فالصوم يبدأ من الصمت وينتهي في اليوتوبيا.فهل لدينا القدرة على أن نصوم لا بالمفهوم الكائن بالفعل  عن الصوم وانما بما ينبغي أن يكون عليه الصوم؟.

***

ا. د. شعبان عبد الله محمد

أستاذ الفلسفة بآداب سوهاج

 

بسم الله الرحمن الرحيم: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ): 82 يس

كُن.. فعلُ أمرٍ فاعلهُ - هو -: في انما أمره - هو الله - إذا أراد شيئا وهو تعبير عن إنشاء شكل جديد له شيئية جديدة..

فــ.. الفاءُ حرفُ عطفٍ ترتيبي في محل الاستئناف والاستئناف هنا يفيد التعاقب لأنه يتحدث عن كائن لم يكن موجود، لذلك فأنه لابد من أن يكون هناك فارق زمني بين ماكان وماسيكون يكون.. فعلٌ مضارعٌ يفيد المستقبل بمعنى سوف يحدث، عطفا على دلالة إلفاء الترتيبية الاستئنافية، وعلى هذا الفهم اللغوي للآية المباركة يكون قول الله تعالى

:[وجعلنا من الماء كل شئ حي ]: الأنبياء الآية 30 - هو أول تحول من اللاحياة إلى الحياة وهي عملية تحول من والى وليست عملية ايجاد من العدم حيث يقول الله تعالى « وجعلنا من الماء » فهو سبحانه يشير إلى الماء باعتباره اصلا للحياة والجعل هنا يعني إعادة تشكيل الابعاد الهندسية والأقيام الذرية لإنتاج الخلية الحية وكل ذلك مسبوق بالإرادة (فإذا أراد شيئا فإنه يقول له) بمعنى يوعز للشيء القائم « الماء » كُن شيئا اخر فيكون شيئا اخر مختلف في كينونته والكينونة هي الهيأة، بمعنى أن كن فيكون تعني اختلاف الشيئية بين شيئية الماء وشيئية ماتشكل عن الماء وذلك يشير بوضوح إلى أن ماتشكل قد تَشَّكل بإضافة خصائص الماء، بمعنى أنه لايمكن أن يكون الماء لوحده كافيا لاتمام خلق الهيأة !؟ إذا علمنا أن هيأة الماء ناتجة عن اتحاد ذرة اوكسجين والتي تمثل المركز في جزيئة الماء مع ذرتين من الهيدروجين، وهو تركيب ذري لا يتغير في حال تغيرت هيأة الماء من الحالة السائلة إلى الحالة الصلبة أو في حالة التحول إلى بخار.. من هنا نفهم أن جزيئة الماء أو عدد من جزيئات الماء لوحدها لايمكن أن تتحول الا إلى حالتين هما البخار أو الثلج مع بقاء التركيب الذري ثابتاً « H20 » بمعنى أن الماء في أيٍ من حالاته لن يكون خلقا آخر غير الماء فأنه أما أن يكون بخارا أو ماءً سائلا أو بلورات من الثلج اذن فأن قول الله تعالى وخلقنا من الماء كل شيئ حي.. لايعني أن الله قد خلق الأشياء المادية من الماء وانما لابد لكل ماخلقه سبحانه سيكون الماء بتركيبته الذرية داخلٌ فيه أو مؤثرٌ فيه، وفي الوقت الذي يشير الله تعالى إلى دخول الماء في خلق كل شيئ حي فأنه عندما يتحدث عن التراب كمادة للخلق فأنه سبحانه يستخدم التخصيص حيث أنه أشار فقط إلى خلق الانسان من تراب

وبذلك فإن الإنسان مخلوقٌ من التراب وهو يشترك مع باقي المخلوقات في جعل الماء مشتركا لازما للحياة

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾ الروم الآية 20

﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾.. ال عمران آية 59

﴿قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُل ﴾ الكهف الآية 37

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ ثم يقول الله تعالى في نهاية السياق ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ الحج الآية 5

لاحظ هذه الآية التي بعد أن ثَبَّت الله فيها حقيقة جعل الماء مصدرا لازما للحياة وحقيقة أن التراب هو المادة الأولية لخلق الانسان؛ فأنه سبحانه يشير إلى الأرض بأنها « هامدة » بمعنى لاحياة فيها من دون أن ترتبط بالماء في قوله (فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت) والهامد في اللغة يعني أنه لايتحرك كما نقول عن الميت بأنه جثةً هامدةً بمعنى أن علامة موتها أو دليل موتها أنها لاتتحرك، لذلك جعل الله تعالى كلمة اهتزت بمعنى تحركت دليلا على الحياة بعد أن كانت ميتةً هامدة لاحراك فيها. ومن ثم وبعد أن ينزل الماء على التراب بأمر الله ويرتبط به ويصبح طيناً فإنه يقول.. بسم الله الرحمن الرحيم

﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾ 12 المعارج

لاحظ كيف أن الله تعالى قد جعل كيفية الخلق عبارة عن عملية متعاقبة منطقية فهو سبحانه في الوقت الذي يخبرنا بالخلاصة المتمثلة بخلق الإنسان من طين فأنه ايضا يشرح لنا الكيفية وهي أن الأصل في ذلك هو حتمية ارتباط الماء بالتراب ومن ثم طين لازب كما يصفه الله في قولهانا خلقناهم من طين لازب.. بمعنى متماسك ومن ثم يشير إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة تحويل الطين المتماسك إلى جسد بقوله خلق الانسان من صلصال كالفخار، حيث أنه سبحانه هنا يشبه صلابة هذا الصلصال الذي لم تمسسه النار بالفخار بمعنى أنه اكتسب صلابته من غير نار وهذا يعني أن ذلك استغرق وقتا طويلا ليصل إلى الصلابة الكافية لكي يتخذ شكلا ثابتا كالاجسام المعالجة بالنار، فضلا عن ذلك فإن من لوازم وصول هذا الجسد إلى تمام الاستعداد لتلقي الروح فإنه لابد أن يكون مكتملا في جوهرية المراد من خلقه إنسانا ؛ لذلك كان وصف هذا الصلصال بالحمأ المسنون حيث أن هذا الوصف يعني أن ذلك الصلصال والذي هو نتاج تفسخ الصخور الطينية المحتوية على مادة السليكا اللاحمة والذي غالبا ما يتواجد في المناطق المنخفضة الرطبة هو اصل ألمادة العضوية التي تشكل أساس الخلية الحية الاولى بعد بقاء هذا الصلصال مدة طويلة في هذه البيئة الرطبة حتى يتحول الى حمأ وهو الطين المنتن والنتن هو الرائحة الكريهة التي لابد أن تكون ناتجة عن تفاعل كيميائي احيائي، وهذا يؤشر بوضوح أن جسد ادم الذي نفخ الله فيه من روحه كان جسدا حيا من هذه الناحية وفي مرتبة الحياة المجهرية حيث كان مهيئا لاستقبال الروح ، وقد وصف الله تعالى هذا الحمأ بالمسنون لأن المسنون في اللغة من سَنَّ. والسَنْ هو تحديد النهايات وجعلها حادة. ولأن خلق الانسان لابد أن يكون محدد المعالم في أدق التفاصيل المتعلقة بهيأته وجوهر وجوده فلابد من أن يتحول ذلك الحمأ الحي غير المُعَرَّف إلى حمأ مسنون محدد في شكله مُعَرَّف في في عنوانه وفق تلك المحددات التي من محدداتها معرفة أن للإنسان اذنين وعينين وأنفٌ بفُتحتين وفمٌ بشفتين ولسانٌ مشطورٌ إلى قسمين ويدين ورجلين وعشرةٌ من الاصابع في اليدين ومثلها في القدمين، وبذلك فإن كل تفصيلة في هذا الجسد المخلوق محددة وليست سائبة أو محتملة ومن ذلك نصل إلى معنى آخر للمسنون وهو أن كل تفاصيل هذا الجسد مسنونةً مُقَّننةً فالسنن الكونية هي قوانين الخلق وهي لاتتبدل وذلك قول الله تعالى ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا: [43 فاطر]: - من هنا سنجد بوضوح أن خلق الانسان كان خلقا تطوريا متعاقبا وليس خلقا لحظياً مباشرا الا في مايخص [نفخ الروح] في ذلك الجسد بعد اكتمال هيأته وبعد أن أصبح قابلا مناسبا لاستقبال تلك الروح التي لانعرف عنها أكثر مما قاله الله تعالى لنبيه عليه افضل الصلاة والسلام في جواب من سأله عنها بقوله [ويسألونك عن الروح * قل الروح من أمر ربي * وما أوتيتم من العلم الا قليلا*] 85 الاسراء.. من هنا يضع الله تعالى حدا فاصلا بين مايمكن مقاربته بالمعرفة مما كنا نتحدث فيه تدبراً وبين مالا يمكن مقاربته بالمعرفة لتعذر ذلك موضوعيا في جواب النبي لمن كان يسأل عن الروح بأنها من أمر ربي، بمعنى أنها متعذرة على المعرفة.. وهذا يعني بالضرورة أن مادون ذلك هو في حدود قدرة الإنسان بل إنه من مسؤولياته أن

يبحث ويتدبر آياته وذلك قول الله تعالى: [كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) سورة ص 29: - السؤال هنا هو كم كانت فترة التحول من تراب هامد لا حراك فيه إلى حمأ مسنون صلصال متماسك حي وبين استضافة هذا الجسد لتلك النفخة الإلهية المباركة..؟

بتقديري أن من أكثر التصورات سذاجةً هو تصور مشهدية أن الله تعالى وكأنه نحات قد صنع تمثالا من طين ميت ومن ثم نفخ فيه الحياة وهو في الواقع تصور غريب يُنزل الخالق منزلة المخلوق في تعاطيه مع أدوات النحت بل أن هذا المخلوق المتفوق في خياله غالبا ما يتمكن من صناعة تماثيل واشكال تفوق في جماليتها الوجوه البشرية التي خلقها الله تعالى وفق مقدمات وعوامل ومعطيات مختلفة، ذلك أن الأمر في حقيقة الخلق لايتعلق بالنحت أو الرسم وانما بالانشاء وهو في حقيقته تدبير الله لما يريد وهو خلق صورة نهائية مكتملة من حيث مقدماتها ونتائجها ومدياتها الزمنية التي لاتتعلق بحساباتنا المحدودة للزمن، حيث أن الخالق هو الله وهو لم يتحدث ابدا عن المديات الزمنية في الواقع الذي نعرفه وانما عن الزمن الذي لانعرف عنه شيئ لذلك أشار إلى الفارق في أكثر من مكان في كتابه العزيز حيث قال سبحانه في ذلك

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ﴾ - 4 السجدة -

لاحظ كيف أن الله تعالى يشير إلى المدة التي استغرقتها عملية خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ! ومن ثم في الآية التي تلتها يبين لنا كم هو مقدار تلك الأيام الستة وهي ماتعادل ستة الالف سنة، حيث أن يوما عند الله يعادل ألف سنة مما تعدون. ﴿ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ﴾ - 5 السجدة -

وفي وصف اخر للأيام عند الله بأنه يعادل خمسين ألف سنة مما تعدون عندما يتعلق الأمر بأيام القيامة ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾  - 4 المعارج - اذن فأنه على الاحتمالين بين أن يكون اليوم هو الف أو خمسين ألف مما تعدون فأن الخلق برمته قد استغرق مابين 6 الف إلى 300 ألف سنة مما نعرفه من السنين وهذه مقادير أكثر منطقية من الناحية الواقعية لحصول التحولات وفق قواعد تتناسب مع ماخلق الله من قوانين فيزيائية وكيميائية لإنتاج أشكال ومراتب حياتية متدرجة وصولا إلى أشكال بايولوجية متناسبة مرحليا مع تلك القوانين.. لماذا لايكون خلقا مباشرا !؟

قد يكون هذا السؤال من أكثر الاسئلة

الحاحا عندما يتعلق الأمر بالصراع بين من يقول بالتطور وبين من يقول بالخلق المباشر وهو صراع فكري عقائدي ركيزته الأساسية هي محاولة تحقيق الغلبة على الطرف الآخر أو بشكل أدق محاولة هدم عقيدة الآخر، ففي الوقت الذي يركز فيه المؤمنون بسيناريوا الخلق المباشر على تسخيف فكرة التطور وجعلها فكرة خيالية وربط أصحابها بالسلف الاعلى وهو القرد وذلك لإهانة أصحاب فكرة التطور التي أسس لها دارون، والتي ترتكز على مفهوم النشوء والارتقاء للخلية الحية وصولا إلى شكل أولي للحياة فيه نوع من الكينونة الظاهرية، بمعنى أنها ظهرت خارجيا بعد أن كانت لم ترتقي إلى مستوى الظهور الخارجي عندما كانت وحيدة الخلية أو لنقل أنها بالمستوى المجهري، على أن جهة المؤمنين بالخلق المباشر انما يرتكزون في عقيدتهم ارتكازا ذهنيا غير قابل للنقاش، فهو عقيدة ودين ولكنهم لايملكون مفاتيح هذه العقيدة بشكل واضح ومحدد الا في مايتعلق بتعظيم الإله من خلال تجلي قدرته بقوله تعالى (كن فيكون) والتعامل معها على أنها أمر لحظي يدل على القدرة الخارقة المذهلة، وهم هنا غير مستعدين لمناقشة هذا الامتياز الذي جعلوه لله وكأن قدرة الله وعظمته مرتبطة بفعل محدد أو شكل محدد نحن نرى عظمة الله من خلاله.. !!

والواقع أن مجمل ما قاله الله تعالى عن النشوء والخلق في الإطار الأولي من ماء وتراب وروح انما كان يبين فيه مراحل هذه العمليات وكيفيتها ؛ وحتى بعد ذلك عندما كان يتحدث عن أطوار التخليق بعد تسويته ونفخ الروح فيه ومن ثم زوجين واطوار الجنين وصولا إلى نسخة جديدة عن هذا الكائن الذي خلقة من طين، والاطوار هي وصف لتعدد المراحل الزمنية للنشوء، لذلك فأن فرضية الخلق المباشر كما يريد أن يفهمها المؤمنون بها لا أساس لها في كتاب الله وهي ايضا لايؤيدها الواقع الاحيائي المرتكز على منطقية وجود مقدمات متناسبة مع نتائج متناسبة على أن ذلك التسلسل هو الذي يدل على عظمة الخالق الذي جعل لكل شيئ سببا في الجهة الأخرى من الصراع ستجد من يعتقدون بالتطور يحاولون من خلال نظرية داروين نفي قصة الخلق من أساسها ومن ثم نفي وجود خالق ! وذلك اعتمادا على معطيات علمية بحثية تثبت بمستوى من المستويات أن هذا الإنسان قد تطور عن أشكال حياتية بدائية بفعل عملية طويلة من الانتخاب الطبيعي وصولا إلى سلف مشترك مع القرود والذي بدوره كان قد تطور عن كائنات أقل تعقيدا في سلسلة من التحولات وصولا إلى أول أشكال الحياة وهي الكائنات المجهرية الأولى التي كانت من نتاج تفاعلات كيميائية حصلت في قاع البحار.. ! طبعا هؤلاء يهمهم جدا أن لايكون هناك خالق وان كل ذلك حدث من تلقاء نفسه لا لان ذلك عليه دليل وانما استجابة لاهواء نفسية تتعلق بإثبات الذات ففي الوقت الذي يبين الله تعالى كيفية حدوث ذلك بقوله ﴿فاذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت﴾ فإنك تجد الملحد يستخدم عبارة عائمة لامعنى لها بقوله إن هذه الحياة قد نشأت من تفاعلات بين الماء والتراب دون أن يبين الكيفية أو المقدمات التي جعلت ذلك ممكنا..

***

فاضل الجاروش

 

الشائع في سلوك المجتمع أن الواحد وحيد زمانه ومكانه، ولا يجوز له التفاعل مع غيره بروحية تكافلية ذات قيمة إضافية للحياة.

فالكاتب أوحد زمانه، والشاعر وكل مبدع، بل أن النخب بأسرها رغم أن معظمها كأعجاز نخيل خاوية، لكنها تتباهى بما ليس فيها، فتتوهم أنها تحمل أعذاقا متميزة ولذيذة.

وبسبب هذه المحنة التفاعلية الجائرة لم يحصل تواصل وتوالد أصيل بين الأجيال، بل كل جيل ينقض على الجيل الذي جاء بعده ويحاول تعويقه.

وتشذ بعض مجتمعات الأمة الأخرى، ومنها مصر التي تكافلت عقولها في النصف الأول من القرن العشرين، فأوجدت رموزا ذات قيمة حضارية ومعرفية مشرقة.

وفي بلادنا لا نعرف مبدعا مولودا من رحم آخر، فلا يوجد تشجيع وإسناد وتوجيه لصالح بناء شخصية متفوقة بقدراتها عن الجيل الذي سبقها.

وهذه الظاهرة ليست غريبة عن واقع الأمة المعرفي، فمهما يُقال عن أسباب عدم تواصل عقول الأمة وتبريراتها، فأن العامل الأساسي يكمن بالأنانية والشعور بالكينونة الذاتية المتضخمة التي لا يدانيها أحد.

ولهذا ما وجدنا لإبن رشد أتباع، ولا لمن سبقه وتلاه من المفكرين والعلماء، لأنهم يحتكرون المعرفة ويتقربون بها إلى ذوي السلطة والنفوذ، ولا يفكرون بإنشاء جيل يحمل لواء أفكارهم ونظرياتهم، فالعلاقة بين الشخص العارف والسلطة تحتم هذا السلوك الأناني الإنقراضي الخسراني المبيد!!

فلا عجب أن تقطعت أوصال الأجيال وإنطمرت رموزها في خنادق الإندثار الحضاري.

و"أرى كلنا يبغي الحياة لنفسه

حريصا عليها مستهاما بها صبا"

***

د. صادق السامرائي

عندما استولت دولة الاحتلال عام ٦٧ على قطاع غزة، بدأت بقضمه عن طريق إغراقه بالمستوطنات وهو القطاع الضيق الذي يختنق بسكانه. وتوسعت كما حلم آباءه المؤسسون. كما استغلت هذه الدولة حاجة القطاع المنهار اقتصاديا وفقره فاستفادوا من العمال الفلسطينيين الأُجراء داخل مدنهم ومستوطناتهم، وكلفوهم بالأعمال التي يشمئز من القيام بها يهود الشتات بأجر مهين. ناهيك عما ارتكبه الجيش فيما سمي بعمليات "تطهير" أي القبض على الفدائيين الذين بدأوا بتنفيذ عمليات مسلحة ردا على طغيانهم واستبداهم لسكان القطاع. فكان جيش الاحتلال يقتحم المنازل بحثا عنهم، يهين النساء ويعتقل الرجال ويروع الأطفال.

فكيف لا يتحول هؤلاء الأطفال إلى أعداء ومقاتلي المستقبل؟

أطفال واقع صنعته غطرسة الدولة المحتلة. أطفال الواقع المأزوم والحكم العسكري الظالم والحصار المقيت ، أطفال الترويع والإهانة الذين شاهدوا عدوهم يستخدم ضدهم وضد أهلهم جميع أنواع القوة الجبانة. أبناء واقع الجوع وقلة الموارد.

هؤلاء من أراد هذا العدو تدجينهم، وظنوا أنهم سيركعوا أمام بطش رشاشاتهم وصواريخ طائراتهم ونابالهم. إلا أن ظنونهم كذبتهم.

وهم اليوم مصدومين من قوة الذي ظنوه ضعيفا!

هذه الدولة ما علمت أن قوة الضعيف قد تحولت إلى قوة خرجت عن سيطرتهم بسبب بطشهم. قوة أحبطت مخططات عظمى خبيثة.

عدو لم يتوقع أن يبتكر الذي ظنه ضعيفا ذات يوم ،أساليب قتال وإرادة دمرت غطرستهم وشوفينيتهم.

صدمة العدو كانت كبيرة وقوية أمام مقاومة بأسلحتها المتواضعة حين انهارت منظومات أسلحتهم المتطورة وانهارت معها غطرسة أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وبقية دول الشيطان.

انهارت قوة العدو التي كان يظنها العالم رادعة، فغدا الرشاش بيده أداة انتقام. انتقام من ماذا؟ لخساراتهم؟ لجبنهم؟

المقاومة التي خبرت نقاط ضعفهم لعقود هاجمتهم من خلالها فأصابتهم في مقتل.

وها هو الحاخام السفاردي الأكبر "يتسحاق يوسف اليوم في حربها على غزة ٢٠٢٣- ٢٠٢٤" يقول إذا أجبرونا على الانضمام إلى الجيش فسنغادر جميعا خارج "إسرائيل".

فهذا الحاخام لا يهدد باسم طائفته إلا بسبب جبنهم وخوفهم من المواجهة في غزة ،لأنه يعلم ما اقترفت أيديهم التي لا زالت تتلطخ بدم الابرياء وهو يعلم أيضا أن هذا المقاوم الذي سيقف أمامه، هو طفل الأمس الذي غدا اليوم مقاتلا جبلا تهابه دول. يرونه قنبلة ولا يراهم أكثر من حصاة غارقة في وحل خساراتهم.

***

بديعة النعيمي

 

الكلمة لها دورها في تأمين الحياة النفسية الطيبة، ولها قيمتها في العافية النفسية والسلوك البشري المستقيم، ولهذا فالكلمة الطيبة صدقة، ولهذا أيضا، "ن..والقلم وما يسطرون"، مما يعني أن الذي يكتب عليه أن يتوخى الحذر في إختيار الكلمات، لما لها من تأثيرات نفسية وفكرية على القارئ.

والمجتمعات الرشيدة الحية، تميل لتسويق الكلمات الإيجابية، وتبتعد عن السلبية مهما كانت ظروفها صعبة وقاسية، وهذا يتطلب جرأة وشجاعة وإقدام وإيمان بأن المستقبل أفضل.

وبالكلمات الإيجابية الواعدة بالخير تميز القادة في أحلك الظروف، التي تمر بها شعوبهم وبذلك إكتسبوا صفة القادة الأفذاذ.

ومن الأمثلة في تأريخنا أن النبي الكريم في ذروة معركة الخندق، كان يبشر الصحابة بأنهم سيملكون عرش كسرى، مما أشاع فيهم عزيمة الإصرار والإنتصار والأمل بوعدٍ عظيم وقدرة على بناء الحياة وفقا لإرادتهم، فكانت تطلعاتهم لا تعرف المستحيل.

وما يسود اليوم في واقع الأمة الكتابات السلبية المشحونة بالكلمات المدمرة للإرادة والقدرة والحياة، وبموجبها تسير الأمور وتنطلق التفاعلات الخسرانية والتداعيات المريرة ويتمكن الضلال والبهتان.

أي أن الأقلام السلبية تساهم في ديمومة الوضع القائم، وتدمر الكيان الوطني الإنساني، وتحيل الواقع إلى ميادين غاب وتوحش وإضطرام.

وعليه فأن الذي يكتب يتوجب عليه،  أن يكون حذرا ومنتبها في إختيار المفردات التي يستعملها للتعبير عن أفكاره، وخير الكلام ما كان مختصرا ووافيا.

إن شيوع الكتابات السلبية من أخطر ما يواجه المجتمعات، ويمنعها من التحرر من قيد السكون وعدم المشاركة في صناعة الحياة المعاصرة.

فالأمة فيها طاقات إيجابية أكثر من السلبية، ولا بد من تفعيل الإيجابي وإهمال السلبي، لا تجسيمه وإيهام الأجيال بأن الأمة خالية من الأنوار وتعيش في الجحيم.

ومع كل ما يجري ويُقال فأن الأمة بخير وأجيالها سترتقي وتكون، وستزيح العثرات والمعوقات وتردم مستنقعات الكراسي الغابية الشرسة الأنانية الطباع والتطلعات.

نعم إن الأمة بخير وستكون أرقى وأقوى، وستشعشع أنوار جوهرها الحضاري الأصيل!!

و"لابد أن يشرق الضوء في آخر النفق"!!

***

د. صادق السامرائي

 

1 - الوجع المزمن لهذا السؤال، رافقنا منذ (1400) عام، من دون ان نجد له اجابة، هل تورطت العروبة بأسلامها، ام أن الأسلام تورط بعروبته، ام أن كلاهما غلاف لمضمون واحد؟؟، أو  أن ألله وشعوب المنطقة قد تورطت بالأثنين؟؟، وأن "القرآن حمالاً"، كما اشار اليه الأمام علي (ع)، لتلك الفوضى وسوء الفهم، آيات للفتن والتحريض والتكفير والقتل العشوائي المشرعن، يتسائل العقل البشري، هل ان ما يحدث دين أم مجزرة، يرتكبها مذهبي الشيعة والسنة، حيث أفرزا من صلبهما، اسلاميي ألقاعدة والنصرة وداعش، وحزب الله اللبناني وانصار الله في اليمن، والمليشيات الدموية للحشد الشعبي في العراق، هذا هو الأسلام السياسي، الذي إنفجر في الجزيرة العربية، بكامل ارهاصات مضامينه، في شهوات التوسع في جغرافية الآخر، ونتيجة للأنتصارات العلمية والمعرفية، وعولمة التواصل وأختفاء الرقيب، ضاقت الحيل بأجوبة رجل الدين، واتسعت مساحة وثقل السؤال، هنا لا يوجد حلاً جاهزاً، سوى تعبيد المسافة بين ألله والأنسان، من عوائق الوسطاء، وتلك وظيفة الأجيال وليس النخب.

2 - المجتمعات غير العربية، التي اُجبرت على دخول الأسلام، ولجهلها بلغة ألقرآن، لم تتسع فيها جوائح ألتخلف، مقارنة بالمجتمعات العربية، ولو اخذنا مثال تركيا المسلمة، وما هي عليه، من تطور صناعي واقتصادي وأجتماعي، وحالة التخلف والأنهيار، داخل مجتمعات هجين العروبة والأسلام، لاعلنت الحقيقة عن موعد اندثار تلك المجتمعات، هنا على طرفي هجين العروبة والأسلام، ان يسرعا في  الأنفكاك عن بعضهما، او تقوم الشعوب المعنية، بثورة تغيير وأصلاح تاريخية جذرية، وإلا فان التردي الراهن، سيفضي الى الأنهيار الكامل، في اسوأ الحالات، فالأمر موقوتا بنفاذ النفط والغاز، وحضور البديل، العالم اصبح مسرع الخطوات على هذا الطريق، أن التفكك بين هجين العروبة والأسلام، أصبح واضحاً، وخطوات اجيال المستقبل، تسبق الواقع الراكد، نحو حتمية التغيير والأصلاح الجذريي.

3 - تصالحت الأديان (السماوية!!! الأخرى) مع نفسها ومجتمعاتها، وخاصة المسيحية، وتراجعت عن اللامعقول، وأجرت اصلاحات هامة في خطابها الديني، وتركت السياسة للمجتمع والدولة، اما هجين النظام العربي الأسلامي المتخلف، المختنق بتعقيدات الماضي، وهزيمة السلف امام الأنجازات العلمية والمعرفية، وضيق افقه بالمتغيرات والتحولات الحياتية، اصبح يتخلف اكثر ويموت أكثر، كونه غير قادر على فهم ذاته والتصالح معها، اما اصلاح خطابه الديني، فأمر غير قابل للتحقيق، ومصالحها لا تسمح لها بالتخلي عن وظيفة الدين، المشبعة بالفساد الديني، وعبر العنف وهمجية التكفير والألغاء التام للأخر، أصطدم الهجين مع ذاته والمجتمع، ضاقت به الحياة وضاق به الله، فأصبح اسلام في زمن غير أسلامي، ولم يتبق من عافيته ونفوذه هنا وهناك، سوى السلاح المدمر والمليشيات الدموية.

4 - لم تتورط العروبة بأسلامها، ولا الأسلام بعروبته، أن المتورط الحقيقي في كلاهما، هو ألله والأنسان والأوطان، كان يمكن للأسلام، ان يكون ثورة اصلاح، في منطقة متخلفة كالجزيرة العربية انذاك، فهناك كتابان (سماويان!!) كما يقال عنهما، بعد اضافة كتاب ثالث، وضع البشرية في مأزق، ثلاثة كتب لألة واحد، هنا اصبح العقل الجمعي متردداً ازاء تلك الأشكالية، لكن الدين الأخير، الذي ختم الأديان والأنبياء، ومسح امكانية الأصلاح والتغيير والتطور، انطلقت وحشيتة للتوسع، فتوحات وغزوات وسبي وقتل وعقوبات، سياسية واقتصادية واجتماعية، وكان السلاح والبارود (وليس الأقناع)، علفاً لأسلمة الأخر بالأكراه، وقد اختفت حضارات تاريخية عريقة، في مهب العنف القادم من الجزيزة والبداوة، وكان الكتاب (السماوي الجديد (القرأن!!)، مشبعاً بكل مبررات العنف والأبادة، فأصبح (دولار)النفط والغاز، الألة الحقيقي لأنظمة وشعوب المنطقة، في هذه المرحلة، سقط القناع عن القناع، والدين عن الدين، وتسارعت مراحل عودة الله الى ذات الأنسان، وعودة الأنسان الى ربه، مقتدراً على إصلاح شأنه واوطانه، ليجعل من الوسيط مهما كان حجمه ومبررات طغيانه، ليس الا رقعة لا تليق بالحياة على الأرض.

***

حسن حاتم المذكور

08 / 03 / 2024

ومن جهلت نفسه قدره

رأى غيره منه ما لا يرى

الأمة قوية وفيها طاقات حضارية لا تنضب، والعلة في أجيالها المصروعة بالخذلان، والمقتولة بالضلال والبهتان.

فالخذل النفسي من أخطر العاهات التي تعيق وجود الأمم والشعوب وتمنعها من التقدم إلى أمام، وتدفع بها إلى ميادين الضياع والخسران.

أمة العرب علمية الطباع ومعرفية إبتكارية تنويرية إشراقية، أبحرت في فضاءات الإدراك العلوية، ووضعت الأسس الراسخة للإنطلاقات الحضارية في ربوع الإنسانية.

ليس هذا إدعاء وتقولا، إنها الطاقة الحضارية الكامنة فيها، والتي أخرجت إلى النور البشرية القابعة في ظلماتها الدامسة بين القرن الثامن والثالث عشر، عندما إستلهمت الإرادة العربية وتشربت بأنوارها، تحررت  من قيود الإستلاب العقائدي والتعطيل العقلي، فتفاعلت عقول أجيالها مع  التحديات فأوجدت مرتكزات إبتكارية، وتطلعات إبداعية مطلقة، فكان الحاضر المعاصر كما نراه، وسيكون المستقبل أبعد مما نرى ونتخيل، لأن العقول صارت تتفاعل في الذرى.

الخذل النفسي الفاعل في مسيرة الأمة منذ القرن التاسع عشر بتراكماته السلبية الإنكسارية النكبوية، أسهم في تدحرجهاإلى وديان الضياع والهلاك الشديد.

فتجدنا أمام أمة فيها معظم طاقة الأرض وقدراتها الإقتصادية وممراتها المائية، وقد تدثرت بالتبعية والخنوع والإعتماد على الغير في مأكلها ومشربها، وما تحتاجه مما يساهم في الحياة الطيبة.

بل أنها من شدة خذلانها النفسي تحولت إلى عدوة شرسة لذاتها وموضوعها فراحت تقاتل بعضها، وتستنزف ما عندها من عوامل القوة، للنيل من الآخر الفاعل في وجودها والمهيمن على مسيرتها، والمستحوذ على ثرواتها والمتحكم بقراراتها ومصيرها.

ولكي تتحرر الأمة من الخذل النفسي، على نخبها أن تتمسك بما هو إيجابي، والذين يكتبون إنشاءً نفسيا أن يتقوا ربهم  ويسلطوا الأضواء على الكتابات الإيجابية، ويجاهروا بعلم النفس الإيجابي ويبتعدوا عما هو سلبي، ومشارك بتعزيز الخذل النفسي.

والنفس كالطفل إن تهمله شب على.. حب الرضاع وإن تفطمه ينفطم"!!

"والنفس راغبة إذا رغبتها...وإذا ترد إلى قليل تقنع"!!

***

د. صادق السامرائي

 

تشهد القضية الفلسطينية حالة من التعقيدات الداخلية والخارجية أخطرها كثرة اللاعبين السياسيين الخارجيين وتأثيرهم على مجريات الأحداث على حساب تراجع فاعلية وتأثير المكونات الوطنية والقرار الوطني الرسمي المستقل، حتى حرب الإبادة والتطهير العرقي التي يشنها العدو على الشعب والقضية لم تُحدث حراكاً رسمياً وحزبياً وحدوياً يرتقي لخطورة المرحلة التي تتطلب وحدة وطنية وتجاوز كل الخلافات السابقة، وكل ما جرى استقالة الحكومة واحتمال تشكيل حكومة جديدة.

 استقالة الحكومة لم يثر اهتماماً لا فلسطينياً ولا خارجياً لأن الحكومة ليست مربط الفرس كما أن المشكلة لا تكمن في الحكومة بل في مرجعيتها وصلاحيتها وهي أمور تتحكم فيها الاعتبارات والاشتراطات الخارجية أكثر مما هي تعبير عن الإرادة الشعبية المُغيبة منذ انتخابات 2006، ومع ذلك تبقى الحكومة عنواناً للسلطة بعد تهميش كل المؤسسات الأخرى.

معضلة الحكومة وصلاحياتها والتدخلات الخارجية في تشكيلها وتحديد صلاحياتها ليس بالأمر الجديد فهي موجودة منذ عهد الرئيس أبو عمار حيث تعرض لضغوط هائلة خارجية وداخلية لإدخال تعديلات في النظام السياسي وفي صلاحيات الحكومة وتم استحداث منصب رئيس الوزراء، وتواصلت مع الرئيس أبو مازن الذي تزامن توليه السلطة عام 2005 مع فصل غزة عن الضفة وما تعرض له من ضغوط أمريكية لإجراء انتخابات تشريعية في يناير 2006 فازت فيها حركة حماس وبمقتضاها تم تكليف إسماعيل هنية رئيس الحركة بتشكيل حكومة طرحت برنامجاً سياسياً يتعارض مع المرجعية المفترضة للحكومة والسلطة وهي الرئاسة ومنظمة التحرير، الأمر الذي أدى لحصار السلطة وتعطيل عمل الحكومة وانقسامات سياسية كبيرة ثم انقلاب حماس على السلطة في غزة و قيام حكومتين وسلطتين متعاديتين.

 فشلت كل جهود المصالحة لتشكيل حكومة وحدة وطنية تنهي الانقسام وكان كل طرف يلقي بالمسؤولية على الطرف الآخر متجاهلين عن عمد التطرق للضغوط والاشتراطات الخارجية المفروضة على كل منهم.

في خضم الحرب الحالية وبعد 145 يوماً من حرب الإبادة قدم محمد اشتيه في العشرين من فبراير استقالته للرئيس وقبلها الرئيس في السادس والعشرين من نفس الشهر مع تكليفه بالاستمرار كحكومة تسيير أعمال الى حين تشكيل حكومة جديدة، وخلال هذه الفترة الزمنية التي قد تطول لأشهر سيكون الرئيس الذي بيده كل مقاليد الأمور واقعاً ما بين الانحياز للضرورات والمصلحة الوطنية التي تتطلب حكومة تعبر عن الإرادة الشعبية تواجه التحديات في غزة من وقف الحرب وارجاع المهجرين إلى بيوتهم والإعمار الخ أيضاً التحديات في الضفة وخصوصاً مواجهة الاستيطان ومحاولات إلغاء الدور الوطني للسلطة والحكومة والأزمة الاقتصادية والمالية هذا من جانب، ومن جانب آخر الاشتراطات الأمريكية التي تريد تغيير وظيفة السلطة لتكون مجرد إدارة مدنية بدون هوية وطنية وتغيير العقيدة الأمنية وحتى مناهج التعليم، هذا بالإضافة الى الرفض الإسرائيلي حتى الآن لعودة السلطة للقطاع لأن عودتها يعني نهاية الانقسام وصيرورة السلطة في موقف القوة مما يعزز فرص قيام  الدولة الفلسطينية في غزة والضفة وعاصمتها القدس.

قدرة الحكومة القادمة على مواجهة التحديات والاشتراطات الخارجية مرهون بأن تكون محل توافق وطني وهذا مفقود حتى الآن، حيث تطالب حركة حماس في لقاءات موسكو أن تكون ليس فقط جزءاً من أية حكومة قادمة ولو من خلال مشاركة غير مباشرة بتعيين وزراء تكنوقراط موالين لها أو ترضى عنهمـ بل أيضاً تريد أن يكون تغيير الحكومة جزءاً من عملية تغيير شاملة لكل النظام السياسي وخصوصاً في منظمة التحرير، بمعنى أن يكون التوافق على الحكومة جزءاً من مصالحة شاملة تُعيد بناء النظام السياسي برمته لتصبح مرجعية الحكومة منظمة التحرير بعد إصلاحها و انضواء جميع الأحزاب فيها.

من حيث المبدأ فإن مطلب حماس هذا يشاركها فيه غالبية الفصائل والشعب وخصوصاً التوافق على إستراتيجية عمل وطني وبرنامج سياسي تشتغل عليه الحكومة، إلا أن المصالحة الشاملة تحتاج لوقت ولا نتوفر حالياً على ترف الوقت للتوصل لتفاهمات شاملة فشلت مئات جولات حوارات المصالحة في تذليلها، وحتى مع كل ما يجري من حرب إبادة وخراب ودمار فما زالت حماس تصر أنها تحقق انتصارات في المواجهات في غزة وتنسب لنفسها الفضل في تحريك الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، كما تتهم السلطة والقيادة بالتخاذل والإحجام عن المشاركة في الحرب.

منذ بدء الحوارات في موسكو نهاية فبراير للتوافق على إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني وخصوصاً تشكيل حكومة تكنوقراط غير حزبية قادرة على القيام بمهامها في الضفة والقدس وغزة لا توجد حتى الآن مؤشرات إلى التوصل لنتائج مرضية وكل ما صدر بيان في العموميات.

ما يثير القلق ويدعو للتشاؤم في التوصل لتفاهمات داخلية ترتقي لمستوى خطورة المرحلة، وجود مسارين للمفاوضات. واحد في موسكو تشارك فيه منظمة التحرير وكل الأحزاب ومسار آخر في القاهرة تغيب عنه منظمة التحرير والقيادة وتحضر القيادة السياسية لحركة حماس في الخارج فقط مع وسطاء عرب-قطر ومصر- يقفون موقف الحياد بين المجرم والضحية! مع أنه لا يمكن الفصل بين القضايا التي يتم بحثها في المسارين ما دامت القضية المركزية في المسارين والهدف ذو الأولوية وقف الحرب والعدوان وانسحاب جيش الاحتلال ومستقبل غزة وضمان ألا تخرج عن الإطار الجغرافي والسياسي الوطني الجامع، وليس صحيح أن مفاوضات القاهرة تدور حول وقف إطلاق النار وصفقة تبادل أسرى فقط بل تبحث في مستقبل غزة بعد الحرب.

 فلماذا يتم استبعاد منظمة التحرير عن مفاوضات القاهرة وتُترَك قيادة حماس في الخارج المنقطعة الصلة تقريباً بالقيادة العسكرية في غزة وحدها تواجه المفاوض الإسرائيلي الذي يمثل الدولةـ سلطة ومعارضة والمستوى السياسي والمستوى العسكري والمدعوم بموقف أمريكي وغربي، بقيادة المفاوضات ما دامت المفاوضات تبحث قضايا تتعلق بوقف الحرب ومستقبل القطاع ما بعد الحرب؟ كما يلاحظ أن حماس في حوارات موسكو تتحدث عن حكومة تكنوقراط تمثل غزة والضفة ومرجعيتها منظمة التحرير بينما يتركز جهدها في مفاوضات القاهرة على تثبيت سلطتها في قطاع غزة وهذا ما لا تخفيه تصريحات العديد من قادتها.

إن لم تستغل الأحزاب الراهنة حالة التأييد الشعبي العالمي لفلسطين وتزايد معاداة إسرائيل والصهيونية حتى في المجتمعات الغربية، فسترتكب جريمة بحق الشعب والقضية ولن يغفر لها الشعب، واحتمال كبير أن تشكل واشنطن وإسرائيل وبعض الدول العربية قيادة جديدة تتجاوز كل الأحزاب القائمة، أو تستمر حكومة تسيير الأعمال برئاسة اشتية كسلطة في الضفة فقط وتشكيل سلطة وحكومة في غزة منفصلة عن بقية الوطن.

ما نخشاه أن انتظار الرئيس لإنجاز مصالحة شاملة في موسكو لن يطول في ظل تزايد الضغوط الداخلية والخارجية عليه، وقد يُقدم الرئيس على تعيين مرشحه المفضل محمد مصطفى لرئاسة الحكومة دون توافق الكل الوطني وهذا سيؤدي لإعادة إنتاج نفس الحكومة واستمرار الأزمة ما دام مرجعيتها الرئيس والسلطة، وما دامت حركة حماس مصرة على مواصلة الحرب لأشهر قادمة كما يقول إسماعيل هنية وبقية قادتها وما دامت تصر على استمرار وجودها المسلح في غزة.

قطاع غزة يحتاج في هذه المرحلة وبشكل مؤقت أن يكون منزوع السلاح تديره حكومة توافق وطني غير حزبية مرجعيتها منظمة التحرير الفلسطينية، إدارة قادرة على التعامل مع كل الأطراف المحلية والعربية والدولية وحتى الإسرائيلية لإنقاذ ما تبقى من الشعب والأرض، وفي هذا السياق نُعيد ما سبق طرحه قبل سنوات وهو التفكير بفلسطين دولة اتحادية (فيدرالية)، بمعنى حكومة محلية في غزة وحكومة محلية في الضفة مرجعيتهم حكومة مركزية عنوانها منظمة التحرير الفلسطينية التي تضم الكل الفلسطيني من أحزاب وفصائل وممثلين عن المجتمع المدني وشخصيات مستقلة.

***

د. ابراهيم أبراش

 

قبل أيام قليلة من شهر رمضان المبارك، ترتفع أسعار البضائع الجافة في الأسواق بسبب زيادة الطلب عليها، وخلال الشهر المبارك، يتم استيراد معظم الفواكه والخضروات من الخارج، فترتفع أسعارها أيضًا.

 نشتري كميات لا حصر لها من البقالة، أذ  تقضي الأمهات والزوجات ساعات طويلة في إعداد أنواع مختلفة من الطعام.. هذا الشهر فيه تبذير وترف في الأكل والشرب، فنكثر من تناول اللحوم والنشويات والسكر باسم الصيام.

 إن امتلاء سلة المهملات ببقايا الطعام هو مضيعة للمال والوقت، وبعد تناول الكثير من الطعام قد تشعر بالكسل وإهمال عباداتك، وهذا مخالف لحكمة الصوم الذي يقمع شهوة النفس ورغبتها في العبادة.

خلال شهر رمضان، هناك عادات وسلوكيات غير مقبولة اعتاد عليها معظم الناس، مثل السهر في الكازينو، أو الجلوس في الطريق العام، أو الخروج لتناول القهوة، وهذا ما يجعل من الصعب كسرها. يذهب بعض الشباب إلى المتجر أو يلعبون في الحديقة ليلاً، وينامون كثيراً أثناء النهار لتعويض قلة النوم، ويأكلون كثيراً ليلاً لتعويض الطاقة المفقودة.

 وأثناء السحور، في أحد المطاعم قبل الفجر، أستمع إلى أغاني وصراخ المراهقين، دون الانتباه إلى المسجد أو أذان الصبح أو القرآن.. في الأشهر السابقة لشهر رمضان، يستيقظ بعض الناس مبكرًا خاصة للعمل ولا يسهرون لوقت متأخر، وخلال الشهر الفضيل انخفضت فيه إنتاجية العمل باسم الصيام، وتقلصت ساعات العمل ساعة واحدة، خاصة لموظفي الدولة.

سواء كان شهر رمضان أو أي شهر آخر، فإن رمضان شهر مبارك  تتضاعف فيه الأجر ونعلم أن وقت المسلم ثمين ونحن مسؤولون عنه، وتحديداً خلال شهر رمضان، يميل الناس إلى البقاء مستيقظين لساعات طويلة بسبب تأثير البرامج التلفزيونية المغرية الموجهة للشباب، كما يشعر البعض بالتعب عند النهوض للذهاب إلى العمل.

وبسبب قلة النوم، قد تنخفض إنتاجية العمل نتيجة وجود مواقع التواصل الاجتماعي التي يستخدمها الكثير من الأشخاص في العمل، وقد يتصرف الآخرون بعصبية في المنزل أو في العمل، وقد يرغبون في النوم عندما يعودون إلى المنزل، وقد يكونون مشغولين، وما إلى ذلك. بسبب الإنترنت ومنشوراته المشبوهة.

 قد تجد نفسك تضيع وقت الإفطار، أو تفشل في أداء واجباتك الإلزامية، أو تتأخر عن المدة المحددة بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، وإلى أن نفعل ذلك، سنفعل ذلك.. فلا تفوت عليك متعة الصيام وفوائده الصحية والاجتماعية.. ويجب ألا نتردد في توضيح المشكلة أو حتى محاربتها.

خلاصة القول: علينا عدم التردد عن توضيح أو حتى محاربة العادات السيئة والتقاليد البالية التي كثرة في مجتمعنا.. فالواجب الديني والعقلي والأخلاقي يتطلب منا التصدي لمثل هذه الممارسات لأنّ بعض الناس أصبحت حياتهم تقليداً أعمى ليس غير.. وسيبقى مجتمعنا ينحدر إلى حضيض القيم البالية بسبب ضعف بعض الحكومات من جهة، وانحطاط الثقافة المجتمعية من جهة أخرى، وكما قال الكاتب البريطاني الشهير وليم شكسبير 1616 – 1564: (أصعب معركة في حياتك حينما يدفعك الناس إلى أنْ تكون شخصاً أخر).

***

شاكر عبد موسى/ العراق

كاتب وأعلامي

أنا ضائقاً بهذه الحياة، وساخطاً عليها، حياتي التي اكتنفتها المصاعب، وأحاطت بها الآلام، هي في الحق حافلة بمواطن الضنك والضيق، وليس فيها ما يدفعك أن تمضي سائر أيامك وادعاً مطمئناً، قرير العين راضي البال، كلا، ليس في أيامي شيئاً من هذا، فأنا أحس بثقل هذه الأيام، وأخذ بحظي منها، وأقنع بما تمنحني إياه من بهجة ضئيلة، أو متعة قليلة، والمتع التي انقطعت ما بيني وبينها من أسباب، أقصاها عندي أن تجد صديقاً من أصدقاء الصبا والكهولة، تحادثه في غير تكلف ولا استخفاء، أو تخلو بكتاب تلتمس فيها العزاء والشفاء من عللك وأوصابك، تلك العلل التي لا تستطيع أن تجهر منها بشيء، أو تنكر منها شيئا. والحق الواقع الذي لا شك فيه، أن السودان- حفظه الله- الذي كل شيء فيه يدعو إلى ضيق أو انكار، يتحفني، ويتحف كل قاطنيه، بمحن لا تجد النفوس عنها منصرفا، وبرزايا لا تجد الأفئدة إلى التخلص منها سبيلا، فكل شيء فيه ساكن لا يتحرك، وكل شيء فيه واقف لا يسعى ولا يضطرب، لا يتيح لك هذا الوطن الجامح، إلا مثل هذه الأحاديث التي تزيد من ضجرك وهمك، والضجر الذي لا حد له في طول، أو عرض، أو عمق، كما يقول الدكتور طه حسين،  يقبل علينا في هدأة كل صباح، متكلفاً شيئاً من العنف، حتى يلتصق بوتيرة الدقائق والساعات، والأيام والليالي في هذه الديار، ليفيض على وجوهنا هذا العبوس، وعلى مهجنا هذا البؤس، وعلى عقولنا هذه الفدامة التي تجعلنا لا نقف عند شيء، ولا نلتفت إلى شيء.

وفي الحق نحن اطمئننا إلى هذا الضجر، ووثقنا به، وتعلقت نفوسنا بوجه الشاحب الكئيب، بعد أن رسخ في قناعاتنا، أن الضجر وحش كاسر، لا يمكن استرضاؤه، أو التغلب عليه، لقد اتخذنا الضجر خدنا لنا إذن، واعتدنا على عذابه الهادئ المتصل البطئ، ولعل من الخطأ الفادح أن نعتقد أن أعاصير الضجر وزوابعة التي تزداد شدة والحاحا، هي ظاهرة طارئة لم يعرفها إنسان هذا البلاد، أو أنه كان يلتمس الفرص، وينتهز السوانح، حتى يلتف علينا، ويمتص رحيق سعادتنا امتصاصا، فالحقيقة الواضحة الساطعة أن الضجر قديم الصلة بهذه الديار، وأنه يألفها، ويحبها، ويكلف بها، لأجل ذلك هو ينداح في كل مكان، وينساب في كل ناد.

الضجر حقيقة من ضمن الحقائق التي نعرفها، ونتعايش معها، فنحن نرى صورة الضجر البشعة، ونسمع صوته الأجش البغيض، ونحن بعد كل هذا مرغمين أن  نوادده، ونهادنه، ونصانعه ونتيح له المناخ الذي يكلف به، ويرتاح إليه، نهيئ له هذه الحلبة التي يلتقي فيها بوجهه القبيح، الدميم، المشوه، بوجه المعاناة السافر، ليصطدما في وطن واحد، ويسحقا مستقبلنا القاتم، ويصبغا مذاهبنا السياسية التي لا تخضع للحرية، ولا للديمقراطية، ولكنها ترتهن للتسلط، والعسف والخصام، بهذا اللون الأحمر القاني، لون الدماء التي لا تدل على معنى محقق في أذهان ساسة هذه البلاد.

***

د. الطيب النقر

 

اقول لهؤلاء السادة، هنيئاً لكم ما حصلتم عليه من ثروات بطرق مختلفة انتم تعرفونها افضل من غيركم.. لكني اناشدكم ان تتوجهوا لاستثمار تلك الثروات الخرافية في مشاريع تنموية في العراق في القطاع الصناعي والزراعي والتطوير العقاري وغيره.. انها افضل من ايداعها في بنوك اجنبية وجعلها عرضة للاحتيال او المصادرة كما حصل في لبنان !!

انها توفر الحماية والتصالح مع هذا المجتمع الطيب ضعيف الذاكرة..

قد يكون سلوككم التنموي (والذي سوف يدر عليكم أرباحاً كبيرة ايضاً) نوع من التكفير عن الذنب وقد يصبح نوعاً من المصالحة مع الشعب الذي سرقتم امواله وقد يحصل نوع من المسامحة الاجتماعية ويمكن التعامل معكم كاصحاب رؤوس اموال وطنية ومستثمرين كبار..

وانتم تعرفون اننا لانمتلك ذاكرة اجتماعية نشطة !!

افتتحوا مصنعاً او مزرعة او مشروعاً للتطوير العقاري، وسوف تشاهدون الكم الهائل من المديح والثناء.

اعرف ان معظمكم متدينين، لذلك فأن عقوبة الله عليكم قد تصبح أخف!!.. سوف يقبل الله توبتكم لاسيما وان الحسنات يُذهِبن السيئات!!.. قد تشعرون بشيء من راحة الضمير (بافتراض ان لديكم ضمائر)...

قد نبرر لكم ذلك باعتباركم نواة رأسمالية وطنية!!

أنا يائس تماماً من امكانية استرداد الاموال المسروقة وانتم كذلك تعرفون.. لذلك دعونا نبدأ صفحة جديدة ونقبل بهذا التعويض للمجتمع والذي سوف يوفر فرص عمل ويقلل الاستيراد الخ....

لايمكن ان يستمر هذا النهب الى ما لانهاية، في العراق مصالح دولية وليست محلية فقط وقد تؤدي الى خسارتكم كل شيء.

كنتم اذكياء عندما بحثتم عن فرص السرقة والاحتيال، فكونوا اذكياء في النجاة والعيش بأطمئنان..

الحلب الجائر للابقار قد يقتلها، لذلك حافظوا على بقرتكم الحلوب ولكن بطرق مشروعة هذه المرة...

حتى في عالم الاستثمار والاعمال ستكونون سادة الساحة ولن يستطيع أحد منافستكم، وسوف تجنون الكثير بشكل يبدو كما لو كان شرعياً !!

اسأل الله ان يهديكم

***

د.صلاح حزام

 

الديمقراطية بمعنى حكم الشعب بواسطة نوابه الذين يفوّضهم لذلك بالإنتخاب، ما عادت كما كانت في القرن العشرين، ذلك أن المعارف والعلوم بأنواعها قد تطوّرت وبلغت ذروتها، ومنها العلوم النفسية التي تعني معرفة النفس وآليات السلوك البشري، وبموجبها يتم ترويضه وبرمجته وفقا للمصالح والغايات.

أي أن البشر ما عاد يمتلك ما نسميه بحرية الرأي والإختيار، وإنما يمكن إعداده لتنفيذ ما يُراد منه دون شعوره وتوهمه بأنه يتخذ قراره بنفسه، ويقرر مصيره كما يرى ويعتقد، والحقيقة أنه مسيّر لا مخير، ومقبوض على وعيه الفردي والجمعي.

وبموجب مفاهيم وقوانين ونظريات وآليات، صارت المجتمعات كالعجينة التي تستطيع أن تصنع منها ما تشاء وتشتهي، فما عادت إرادة الشعوب حرّة، وفقدت دورها وقيمتها، لأنها من الممكن إختصارها ببضعة أفراد تمتثل لهم وتتبع وتقبع في أحضانهم، وفي مجتمعاتنا لعبت العمائم دورها والعشائر والنخب وغيرها الكثير من رموز مختصرات الشعوب ومصادرة حقوقها وتحويلها إلى أرقام.

فالديمقراطيات في أكثر الشعوب تقدما صارت تديرها وسائل الإعلام والتواصل الإجتماعي وفقا لمنطلقات تخدم المرشح المطلوب، وفي المجتمعات المنكوبة، يسيرالبشر وراء هذا وذاك من مُستعبديه ومبرمجيه وفقا لمنطوق السمع الطاعة المبهرج بالدين.

وهذه الحالة تفسر تصدير الديمقراطيات المنتهية الصلاحيات لمجتمعاتنا،  لكي تتحول إلى أدوات لإفنائها وتمزيق وحدتها وقدرتها على الحياة الحرة الكريمة.

فهل توجد إنتخابات نزيهة ذات مصداقية عالية؟

هل توجد دوافع وطنية حقيقية؟

مجتمعات الديمقراطيات المدنسة بالأدينة، تحققَ فيها إلغاء الوطن والمواطنة، وصار الإنتماء للطائفة والعشيرة من الأولويات والمسلمات اللازمة للبقاء، وتشرعن الفساد وطفح كيل الأنانية وإنغمس في مستنقعات الويل والوعيد، ويا روحي ما بعدك روح.

و"إذا لم تستطع شيئا فدعه....وجاوزه إلى ما تستطيع"!!

***

د. صادق السامرائي

إعتدنا على الكِتاب، وعندما يظهر في الصورة متحدث في مواضيع ثقافية تكون خلفه أدراج مكتبته الخاصة، فهي صورة تقليدية لا تزال تتكرر في وسائل التواصل والمواقع ومحطات التلفزة، فهل ستبقى في القرن الحادي والعشرين؟

إن معظم أصحابها من المخضرمين، الذين ولدوا في القرن العشرين ويعيشون في القرن الحادي والعشرين، الذي طغت فيه الحواسيب المنضدية والشخصية أو الحضنية، وتمادت في ضآلة حجومها، حتى وصلنا إلى مصنوعات متطورة لا تحتاج إلى كيبورد، فالرائج مكاتب عليها الحواسيب بأنواعها.

في العقد الأخير من القرن العشرين ذكر رائد الكومبيوترات بأنه يسعى أن يكون في كل بيت حاسوب، وأعتُبر ما ذكره ضرب من الخيال البعيد، وإذا بالحاسوب يهيمن على كافة النشاطات المعاصرة، وصارت الدوائر مُستعبَدة بالحاسوبات، وأصبح العقل مرهونا بها، بل أن أجهزة الذكاء الإصطناعي أخذت تتمددت في ربوع الحياة، حتى ليتساءل البعض عن حاجتنا للعقل!!

قبل عقدين قال لي أحد الزملاء الصينين، في هذا القرن سوف لن نحتاج لعقولنا، لأننا سنصنع ما هو أقدر منها!!

لم أوافقه، وتجدني أهزأ مما رأيت في حينها، فالعالم التكنولوجي أو النانوتكنولوجي يتحرك بقدرات خارقة، ويسبر أغوار مستقبل لا يمكن لخيال أن يتصوره، فالواقع الذي نعيشه أغرب من أي خيال، وما خطر على بال جميع الأجيال التي مرّت فوق التراب وذابت فيه.

الكتاب الورقي مهم، فكل علم لم يحوه القرطاس ضاع، ويبدو أن من الصواب القول، أن كل علم لم يدوَّن إليكترونيا سيضيع، فأجيال القرن الحادي والعشرين، وهنت علاقتهم بالورق، وتعززت تفاعلاتهم مع الشاشات بأحجامها المتنوعة.

بل حتى الكلام ما عاد له أثر وقيمة في حياتهم، وإنما ما ترسمه أصابعهم على الشاشة أمامهم، وما يتوافد إليهم من صور صامتة وناطقة، فالكتاب المسموع أكثر رواجا من الكتاب المطبوع ورقيا.

فإلى أين تمضي قافلة الحياة؟!!

وهل صدق الجاحظ حين قال: "أوفى صديقٍ إن خلوت كتابي...ألهو به إن خانني أصحابي"؟!!

***

د. صادق السامرائي

 

إن "المحرقة" التي رسختها الحركة الصهيونية في العقل اليهودي بعد تضخيمها وتعليقها كتميمة في عنق مواطني دولة الاحتلال، باتت صكوك غفران لكل ما ارتكبوه في الماضي وما يرتكبونه اليوم.

فالدولة الصهيونية العلمانية التي قامت بتنحية الدين اليهودي جانبا بعد أن تمردت عليه واستخدمته عند الحاجة فقط منذ بدايات قيامها، في الحقيقة ما كانت لتولد لولا تلك التميمة الثمينة"المحرقة" التي تدخل الرعب في قلب اليهودي كلما تلمسها أو وقع نظره عليها. فمن صنع المحرقة عرف كيف يصنع شعبا روبوتيا يحتضن سلاحه على الدوام، متأهبا للضغط على زناده في لحظة الخطر. ولأن اليهودي يعلم أن دولته لاشرعية قامت على أنقاض شعب آخر هو صاحب الأرض الشرعي، تحتم على معلق التميمة أن لا يغفل لحظة عن هذا الصاحب الذي يهدد بقائه، لأن الثاني لم ينسى أرضه برغم ما فعله الأول بحقه من قتل وتدمير واستلاب.

لكن هذه اليد التي تحمل السلاح وتتأهب على الدوام للضغط على زناده ستصاب بالخدر والشلل وبالتالي نهايته الحتمية لو أفلت الزناد. والسؤال هنا، هل هذه الدولة الخائفة المتوجسة على الدوام ستزدهر يوما ويطول عمرها؟ دولة ترى نفسها الضحية، ما جعلها تتمادى إلى أقصى حدود التمادي، تقضم كل يوم من الكعكة دون رادع، تقيم المستوطنات، تمزق الأرض، تذل الفلسطيني عند كل حاجز، تقتحم البيوت ليلا، تتعدى على الحقوق، تتعامل بدونية وسادية، تمارس فعل التطهير العرقي عن طريق القتل الجماعي والترحيل.

وما تفعله اليوم في حربها على غزة هو نتاج الخوف والرعب الذي دبّ في قلبها جراء مقاومة قلبت موازينها ومرّغت شوفينيتها بوحل الهزيمة. تدّعي الانتصار وهي مهزومة، تنتصر لنفسها بحصار وتجويع وتدمير وترحيل وقتل.

طفل غزة في مهده يرعب دولة الاحتلال، تراه جيشا كاملا، مدججا بأعتى الأسلحة، لذلك تقدم على قتله قبل أن يترك هذا المهد. تقتل الرحم الذي يلد الأبطال، ترى فيه تهديدا لوجودها لأن من ينبت ويكبر بداخله هو الذي سيخرج غدا من تحت الركام يحمل وصايا الجدود، يقاتل من يتحصن داخل دبابة، يدمرها من مسافة صفرهم.

تميمتهم تتحكم بهم مع خليط متناقض من الأساطير المزيفة، تطبخها القيادات المتعجرفة. لكن هيهات فخليطهم محترق وخوفهم سيقتلهم. ودولة قامت على الظلم لن تبقى، ويوم اقتلاعها قد اقترب بإذن الله. والمسألة مسألة زمن ووقت، فأين الفرنجة؟ وأين الصليبيين؟

وسيأتي الزمن لنقول أين هي دولة الاحتلال ؟

***

بديعة النعيمي

من الملفت للنظر في الشخصية العراقية الحالية وخصوصا في السنوات الأخيرة من القرن الماضي والحاضر تتجه إلى منحنيات مخيفة وتراجع في السلوكيات الأخلاقية والنفسية التي كانت تمتاز بها سابقا وكانت مضربا للأمثال وأسلوب حياتي يُقتدى بها منذ قرون من الزمن لكن تحت وطأة مطرقة التغيرات الحياتية الطارئة التي تواجهها الأسرة والمجتمع بأكمله والضغوطات التي تمارسها بعض الجهات والوسائل التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي والكثير من المفاهيم المنحرفة التي زُرعت في العقل البشري لتحول المجتمع والفرد إلى كائن مبرمج كالدمية والماكنة المسيرة وراء سراب أسمه التحرر والديمقراطية المنحرفة أصبحت وبالا بتأثيرات خارجية رُسمت له بدقة على هذا الشكل والنمط من المعيشة والتفكير حيث أبتعد الفرد عن القيم والمبادئ والأخلاقيات والعقل النير الذي كان يسود المجتمع وهذا ما نلاحظه الآن في مجتمعنا العراقي في الفكر والمنطق وأسلوب العيش مع أقرانه ومحيطه حيث تحول المجتمع العراقي ومع الأسف إلى غابة تسودها الوحوش والعقول المنحرفة الوصولية وانقلبت الموازين الأخلاقية والمبادئ التي تربينا عليها وعرفناها جيل بعد جيل منها  المحبة والتسامح والتكامل والألفة والتعاون والرقي في أسلوب العيش والفكر والتفكير والتعايش السلمي الطاغي على المجتمع العراقي إلا أن الشعب العراقي فقد هذه الخصائص العريقة في السنوات الأخيرة حيث أخذت التغييرات الجديدة تؤثر على واقعه وتجره إلى الهاوية وإلى التمزق الأسري والمجتمعي تنهش به الأحقاد والجريمة وحب المال والفساد والمخدرات والممارسات الخاطئة التي يمارسها الفرد في حياته اليومية في ظل غياب القانون الرادع والحلول الحكومية لبناء دولة ومؤسسات مؤثرة في انتشال هذا المجتمع فالشخصية العراقية أصبحت تفتقد الكثير من الأخلاق الجيدة والحميدة والترابط والتلاحم المجتمعي والأسري في الحياة متكأين على الظواهر السلبية البالية التي لا تعكس حضارة العراق الأصيلة وهذا لا يشمل الكل بل الأكثرية فالشخصية العراقية كادت أن تكون أكثر عدوانية وشراسة وعدم مبالاة بالمسئولية اتجاه الآخرين وقسوة في القلب ومحبة للنفس الذاتية ومؤذية في كثير من الأحيان فله الاستعداد والقدرة في الإساءة للغير بدون إي اعتبار للموازين الأخلاقية وليس له خطوط حمراء يقف عندها في أسلوب العيش مع الآخرين .

أما البقية الباقية ممن تشبثوا وتمسكوا بما لديهم من التراث الأخلاقي القديم والقيم والمبادئ والكلمة الصادقة هم في عزلة مجبرين لا حول لهم ولا قوة في مواكبة هذا العصر وهذا الجيل المتمرد الفاقد لكثير من القيم والغافل عما يجري من حوله والسائر في رحاب الفوضى والفشل اليومي للمجتمع وأن هذه الثلة لا تستطيع أن تقف أمام هذا الطوفان الجارف لانحراف المجتمع لإيقاف مده ولا الحد منه ولا تقبله بما يحمله من ظواهر دخيلة فأكثرها أصبحت متفرجة ولسان حالها يقول (لا أمر لمن لا يُطاع) وأن هذه الأصوات نشاز في آذان الآخرين .

ومن هنا تكمن المسئولية الكبرى والثقيلة في الإسراع والتكاتف من قبل كل المعنيين في الدولة والمجتمع والمؤسسات التي لها تأثيرا على أرض الواقع أن تأخذ دورها في انتشال المجتمع العراقي من هذه الدوامة الخطيرة لوضع المجتمع على سكته الصحيحة من جديد لإنقاذه.

***

ضياء محسن الاسدي

الحروب الفاشلة في العراق وأفغانستان وما عملته القوى الغربية بدعوى(الربيع العربي) والذي لم يحقق شيئاً سوى زيادة العداء لواشنطن، وإزدياد الاصوات الداعية لضرورة إخراج كل القوات الاجنبية وتحديداً الامريكية منها من الشرق الاوسط، لذلك تبلور توافق داخل الدوائر الرسمية في واشنطن وبشقيها(الديمقراطي والجمهوري) باتجاه إخراج القوات الامريكية والحد التدريجي من الوجود العسكري فيها واستبداله بالاستثمار السياسي والاقتصادي ليكون بديلاً لنفوذها فيها.

المحور الآخر كالصين وروسيا وكوريا الشمالية تدفع باتجاه تطوير علاقاتها التجارية والاقتصادية وفق مبدأ استراتيجي يعتمد على الطلب المتزايد على استيراد الطاقة مع بلدان الشرق الاوسط وشمال أفريقيا،والذي أتاح لهذه البلدان النفوذ الواسع فيه، كما أن تراجع النفوذ الامريكي في المنطقة أتاح لهذه الدول العودة للشرق الاوسط بعد غياب،خصوصاً روسيا التي غابت عن المشهد في أعقاب إنهيارالاتحاد السوفيتي بداية التسعينات من القرن الماضي،ما اتاح لواشنطن الدخول بعد أحداث عام 1991 وحب الكويت،وما تلاها من أحداث 11 سبتمبر وغزو العراق وأفغانستان والذي سبب استنزاف هائل لقدرات الولايات المتحدة العسكرية والسياسية،والتأثير السلبي على صورتها في عموم العالم العربي والاسلامي.

توقف التراجع العسكري الامريكي بعد الحرب (الروسية-الاوكرانية) 2022،وأعادت واشنطن فكرة تواجدها بقوة، واحتياجها الى الحلفاء في المنطقة للسيطرة على الطاقة وأسعارها،أو لحشد الاصوات والتأييد الدولي لمواقفها ومواقف القوى الغربية لمواجهة روسيا والصين او لمنع تمدد نفوذها وقطع العلاقة فيما بينهم وبين إيران والخليج.

أن الكيفية التي سيتطور فيها الصراع في غزة سيكون لها آثار سلبية على الاقتصاد العالمي،والذي يعاني فعلاً من الصدمات إذ ان سلسلة من الأحداث الكارثية قد تمتد إلى الخليج نفسه والتي يمكنها أن تؤدي إلى الصراع بين القوى العظمى بالإضافة ان الانظمة في المنطقة ممكن لها أن  تتزعزع على أثر الغضب الشعبي بسبب فشلها في إدارة هذا الصراع ومحاولة تخفيف حدته او مساعدة مدينة غزة المحاصرة.

الحرب المفروضة على غزة 2023 وكلفتها الانسانية والاقتصادية الباهظة،بالاضافة الى تداعياتها السياسية والامنية على المنطقة،ويبدو من خلال تسارع الاحداث انه بات بعيد المنال،وبالقراءة الواضحة لمجريات الاحداث في فلسطين وعموم المنطقة بالإضافة الى احداث البحر الاحمر،والتي جاءت لتعيد واشنطن الى خانة التدخل المباشر في المنطقة مرة اخرى،وإعادة هيمنتها وتوظيف كل قدراتها ومواردها من أجل دعم الكيان الاسرائيلي،ومحاولة تقويض أي تحرك لمنافسيها في المنطقة، وإيجاد أرضية مناسبة لاستكمال الدمج الاقليمي لتل أبيب بالتطبيع فيها وبين دول المنطقة.

***

محمد حسن الساعدي

من أهم الطرق لإيجاد العلاج  عبر وسائل صحيحة عند الإصابة بعلّة من العلل، ومن أفضل الطرق هو نحدّد مصدر هذه العلّة ومكانتها. ولعلّ من البديهي أن نعترف أن عالمنا اليوم يعاني أزمة حادة في ثقافته وخاصة الأمة الاسلامية التي تنتمي لها الامة العربية، تسبّبت في تعطيل نهضتها، وفقدان مناعتها وتعرّضها الدائم لتيارات داخلية وخارجية، حوّلتها إلى بؤرة صالحة لكل أوبئة النكوص والتخلّف. حيث لم تتهيّأ لها أسوار إرادية حامية وراعية لمنجزاتها، أي لم تستكمل تكوين البنية الأساسية لترفع عليها بناءها النهضوي الصحيح.

إن الصدمات المتلاحقة التي تعرّض لها عالمنا منذ الغزوات الاستعمارية، وما أعقبها من نكبات وهزائم وثورات مجهضة وحروب أهلية ضروس، لم تفلح في إطلاق أبسط شرارات الانبعاث لتوليد واقع متغيّر، ولم تتمكن من إحداث الهزّة المطلوبة في حدودها الدنيا لإنتاج نهوض طبيعي، إنما قادت إلى أزمة زلزال كارثي وليس إلى انتكاسة مرحلية، كما يحلو لبعض المنظّرين القوميين تجميله.

إن  الشعوب التي تغيب عنها أبواب الوعي تغيب عنها الحياة والصحة، ومن هنا أصبحت الشعوب عارية من أي سقف يحميها ويوفّر لها سبل التنمية والتقدّم وكان  انهيار العواصم الثقافية عبر مرحلتين وسميت السقوط الأول والسقوط الثاني، في العوامل التي أدت إلى السقوط الأول لم تكن قوية كما أنها لم تكن مدعومة خارجيا بينما السقوط الثاني كان قويا تحت قيادة عسكرية وانخراط السياسيين القدامى بالدعم المالي والسياسي خارجي. وهذا يوضح طبيعة السقوط وقوته ويسهل رصد النتائج وتحليل الظاهرة.

أن البذور الأولى الفتيّة لليقضة التي نشطتت في بداية القرن الماضي  سرعان ما بدأت تتساقط براعمها تباعًا، ولم تتبلورأيًّا من مسمياتها لتشكّل تيارًا ثقافيًا نورانيًا بنيويًا يشعّ على زوايا المجتمع وطبقاته جميعها، لأن هذه المبادرات بقيت في حيّز تنظيري ضيّق، دون أن تنعكس داخل كينونة المجتمع والإنسان وظلت متلبسة لأنها لم تأتي عن وعي وبقي في إطار نهوض النائم، أو نهوض المذهول المستيقظ هلعًا على وقع الصدمات، وبقي تحت تأثير هول الرعب المغيِّب للوعي، ولم يُحدث يقظة وصحوة حقيقيتين، يمكنهما أن تكملا مراحل النهوض الواعي المؤسّس للتغيير ولعبت السلطات دورا مهما وكبيرة في انهيار الثقافة في الكثير من البلدان، بسبب كون ان السلطة اقرب إلى ان تكون تجسيداً عملياً لرؤية مصلحية محدّدة، تسعى إلى تثبيت الواقع واعادة انتاجه وتسييد مشروعيتها فيه، بالممارسة الجزئية والآنية. وكانت ولاتزال لكل سلطة ثقافتها المعبرة عن رؤيتها ومصالحها تسهم في إعادة إنتاجها وتصديرها وفق مفاهيمها ومقايسها، "يكرس الطاغية والنظام من حوله جهدهم لإقناع الناس بأن ما يمارسونه هو استبداد ضروري للمجتمع من أجل الاستقرار. البلد يتعرّض للكثير من المؤامرات الخارجية التي تُخترع بالمئات وتُستعرض أخبارها الكاذبة، ما ظهر منها وما سوف يظهر، من أجل خلق حالة من البارانويا والهستيريا لدى الناس. يعلّق الدستور. تُفرض أحكام عرفية. ربما تستمر الحالة عشرات السنين." عن طريق اجهزتها الايديولوجية على حد التعبير المشهور للفيلسوف الفرنسي ألتوسير. وفي هذا الصدد يعتقد العالم ان لكل ثقافة سلطتها وفاعليتها

،لكون ان الحاكم لا يثق بشعبه. هو يعرف أن الكذب متبادل. هو يكذب لأنه يضمر غير ما يعلن. والشعب يكذب لأنه يظهر غير ما يضمر. القمع يجبر الناس على التخلي عن الأخلاق، وإغلاق الضمير، وفرملة العقل. ينتهي المجتمع الى الإغلاق. يغلق نفسه، يدور حول ذاته، تتعطّل آليات المشاركة، فتحدث الكثير من التشنجات بين النظام وزبائنه وبين المجتمع. فتموت فكرة الدولة، وتنهار بوصلتها وتسميتها.

***

عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي

 

"نحتاج إلى خيال كبير لنتصوّر تلك الفظاعات التي تفرضها علينا الأشياء"، ذلك ما كتبه الناقد الفرنسي جيرارد جينيه، وهو ما كنت أردّده مع نفسي، وأستعيده طيلة الأيام التي قضيتها في الموصل، خصوصًا حين شاهدت مظاهر الخراب والدمار، التي خلّفها "داعش" بعد احتلاله للمدينة (2014 - 2017)، حيث اسْتمعت إلى قصص وحكايات أقرب إلى الخيال.

وأكثر ما استوقفني هو موضوع التعليم، الذي خصّصتْ له جامعة الموصل العريقة، التي تأسست في العام 1967، مؤتمرًا دوليًا ضخمًا بمناسبة اليوم العالمي لمنع التطرّف العنيف (12 شباط / فبراير) بالتعاون مع كرسي اليونيسكو والوكالة الجامعية الفرنكوفونية وجامعة النور الفتيّة الواعدة، التي زرتها هي الأخرى، واطّلعت على منجزها بعد إعادة إعمارها.

في تلك الأصبوحة الموصلية المشرقة الجميلة، طرحت السؤال المحوري، لماذا استهدف داعش التربية والتعليم بشكل خاص؟ وهو سؤال فاصل بين المدنية والتوحّش، وبين الظلامية والتنوير. فكيف لمن يريد "بناء دولة" أن يدمّر صروحًا أكاديميةً وثقافيةً وتاريخيةً؟ ألم يقل الرسول العظيم "أطلبوا العلم ولو في الصين"، أوَليس ما جاء في القرآن الكريم "وقل ربي زدني علمًا" ؟ فكيف إذًا يُجهز على 83% من مباني جامعة الموصل، ويفكّك أجهزتها المخبرية، ويستولي على 300 عجلة وواسطة نقل وسيارة، ويعدم 5 ملايين كتاب ومطبوع ومخطوطة، في محاولة لتغيير فكر الناس، فهل تمكّن هولاكو، الذي أحرق ربع مليون كتاب ومخطوطة، من تغيير فكر الناس وقناعاتهم؟ وهل استطاع "هولوكوست الكتب"، الذي قام به هتلر في ألمانيا والنمسا، تجريف العقول وتحريف الأفكار، أم أن ذلك ولّد العكس؟

لم يتمكّن "داعش" بالترغيب أو الترهيب، من الاستحواذ على العقول أو استمالة القلوب، بل إنه، بأفعاله الإرهابية، حوّل السخط إزاء التمييز ومحاولات الاستتباع، التي كان الموصليون يعانون منها، إلى ردّ فعل ضدّه، وهكذا تدريجيًا، لم يجد بيئةً حاضنة أو مستعدّة أو مولّدة لأفكاره. والموصليون، الذين جار الزمان عليهم، لم يرضخوا ولم يستسلموا، بل نظموا مقاومة ثقافية ضدّ داعش وأساليبه الإرهابية بالصبر والمطاولة والدفاع والامتناع، وبجميع الوسائل تصدوا لمحاولات احتوائهم أو إرغامهم، ودفعوا بسبب ذلك أثمانًا باهظة.

وما أن انتهت العاصفة الهوجاء، حتى شمّر الموصليون عن سواعدهم لإعادة بناء مدينتهم بمحبة وألفة وتعاون، وحاولوا تدويل قضيتهم للحفاظ على التراث والإرث الحضاري لمدينتهم، كما حدثني البروفيسور طارق القصار، رئيس قسم العلوم السياسية، وكان لليونيسكو دور في ذلك، وهو ما أشارت إليه البروفيسورة قبس حسن، مديرة كرسي اليونيسكو بجامعة الموصل، وشارك المجتمع المدني بحيوية في ذلك، لاسيّما مبادرات بعض الشباب، وهو ما لمسته من إعادة بناء قاعة "مؤسسة بيتنا للثقافة".

وحسب رئيس الجامعة، البروفيسور قصي كمال الدين، فقد استعادت الجامعة عافيتها، وهي تضمّ 24 كليّة و 142 قسمًا و7 مراكز أبحاث مختصّة، من بينها "مركز السلام والتعايش السلمي"، وثمة مساعدات وصلتها من عدد من البلدان، مثل ألمانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا ودولة الإمارات العربية المتحدة والكويت، إضافة إلى المتحف البريطاني، وغيرها.

سأل الجنرال شارل ديغول، وهو يتقدّم بجيشه لتحرير فرنسا من الاحتلال النازي: وماذا عن الجامعات؟ فقيل له أن جامعة السوربون تناقش أطروحات الدكتوراه والماجستير في الأقبية، ويتلقى الطلبة محاضراتهم ودروسهم في أجواء من السريّة والكتمان، وهنا علّق ديغول يومها: إذًا فرنسا بخير طالما الجامعات بخير، وهذا ما فعلته الموصل في مقاومتها "لداعش"، فلم تتوقّف الدراسة في الجامعة، بل كانت امتحانات الطلبة قد استُكملت في مناطق بديلة، خارج سيطرة داعش، ومع مطلع العام 2018، أُعيدت إليها الحياة، حيث كانت المدينة بأكملها في ورشة عمل جماعية متصلة، فأُعيد بناء وترميم المباني المهدّمة والمكتبات وتجهيز المختبرات، ومع بداية العام الدراسي (2023 - 2024)، بلغ عدد الطلبة في جامعة الموصل لوحدها نحو 60 ألف طالب.

وبقدر ما في الموصل الحدباء "أم الربيعين" من حزن وذاكرة وسؤال، لماذا حدث كلّ ذلك؟ وكيف حدث؟ ومن المسؤول؟ لكن المهم عندها أنه ثمة أمل وإرادة وإصرار على إعادة البناء والنجاح والتفوّق، وهو ما لمسته في النخبة الأكاديمية والفكرية والثقافية، التي تفيض إبداعًا وجمالًا وعلمًا.

كل ما في الموصل يدلّ على أنك أمام مدينة عظيمة، فهناك ينتصب تمثال أبو تمّام، وهنا تستذكر أبو فراس الحمداني وقوله الأثير:

أَقولُ وَقَد ناحَت بِقُربي حَمامَةٌ / أَيا جارَتا هَل تَشعُرينَ بِحالي؟

وعلى الضفة الأخرى تستعيد اسحاق الموصلي وتلميذه زرياب، الذي أضاف وتراً خامساً لآلة العود، وهو صاحب فن الإتيكيت وأول من أدخل لعبة الشطرنج إلى أوروبا. كما يحضر التاريخ الإنساني بكلّ ثقله من حضارات الأكديين إلى الأشوريين، وصولًا إلى أعلام الموصل ورواد الثقافة العراقية المعاصرة، وقسم منهم من الأصدقاء، مع استحضار الدور الاقتصادي والاجتماعي والعسكري والتربوي لمدينة الموصل، التي تعرف التنوّع والتعايش القومي والديني والاجتماعي والثقافي.

وإذا كان الانتصار على "داعش" عسكريًا قد حصل، فثمة جبهات بحاجة إلى تعزيز وتعضيد، مثل الجبهة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والقضائية والإعلامية والمدنية والأمنية والاستخباراتية والدينية، وذلك لاستكمال الجهة التعليمية والتربوية، لتوفير الأمن التعليمي بشكل خاص والأمن الإنساني بشكل عام، وتلك هي إحدى مخرجات مؤتمر الموصل وكرسي اليونيسكو.

***

د. عبد الحسين شعبان

في المثقف اليوم