اصدارات المثقف

ترنيمتان لمنفى واحد للاديبتين سوزان سامي جميل وأفين ابراهيم اصدار جديد عن مؤسسة المثقف العربي

صدر عن مؤسسة المثقف العربي في سيدني / استراليا، ودار العارف في بيروت / لبنان ديوان مشترك للاديبتين: سوزان سامي جميل وأفين ابراهيم بعنوان:

ترنيمتان لمنفى واحد

يقع الديوان في 176 صفحة من الحجم المتوسط، وغلاف جميل من تصميم الرسام: لقمان احمد. وقد تضمن مجموعتين من النصوص، الاولى للاديبة سوزان سامي جميل والثانية للاديبة أفين ابراهيم. وقدم للديوان الأديب جميل داري 

جاء في المقدمة

يقول هنري ميللر: "على الحالم أن يرضى بأنه يحلم واثقا من أن المخيلة تصنع الجوهر.. هذه هي وظيفة الشاعر وهي الأسمى لأنها تبلغه المجهول.. تبلغه حدود الخلق "

الشعر هنا مسكون بهاجس التوق إلى الأبعاد وسبر غياهب المجهول يحمل مصباحه في وضح الحلم..

قصائد الديوان مترعة بالأحلام المعجلة والمؤجلة فنحن أمامتجربتين شعريتين حالمتين متقاربتين جوهرا وروحا متآلفتين في نسيج  روحي وفني جميل فكأني بهما قادمتين من الأولامب وكل نوافذ الشعرية مشرعة لأفق مفتوح على كل جهات البوح بما تكنه النفس من عذاب وعذوبة.. ترسمان لنا شجرة البلاغة الحديثة من لغة طازجة وبعض تفجيراتها واحتراق في أتون الحياة دون اكتراث برمادية النظرية ..فشعر الحياة منبعه ومصبه الحياة نفسها ..

تجربتان شعريتان نثريتان ذواتا خصوصية شديدة لكل منهما.. مع رباط وثيق بين جموح الأنثى وثورتها على نفسها وعلى واقعها من أجل عالم خال من المرض والجوع والموت...

تعرفان كيف تأخذان حصان الكلمات إلى النهر.. تستمعان إلى خرير النفس ورفيف الحلم ..تتوجهان بالأسئلة إلى الماء الذي يتضور عطشا..

عند سوزان ثمة دائما ما هو جديد تحت الشمس من تجربة ولغة وبكاء على أطلال الزمن الذي يتسرب كالماء من بين الأصابع.. تمتشق مطرالدهشة  تستخرج جمرات الشعر من رماد الواقع.. وبين الحلم والواقع تجربة مترعة بالصدق والعمق تجعلنا نغسل أرواحنا بماء الشعر الزلال ...

تتحدث عن نفسها كما لو أنها المسؤولة عن بؤس وطنها العراق و العالم.. فهي صوت المتعبين على قارعة الانتظار المر " للذي يأتي ولا يأتي " فتبدأ من نفسها مرورا بالعالم عائدة إلى نفسها  في دوامة الممكن والمستحيل والوطن الذي يزداد اشتعالا كلما عبر الوقت عبر الظلام الذي يعاقره القلب لولادة قطرة ضوء بعيد..بعيد

قصائدها هنا رسولات القلب إلى العالمين

أمطار  معلقة بين الأرض والسماء..

سوزان تحمل حفنة من قلقها كما كان سيزيف يحمل صخرته.. تدبج نفيرها الشعري على ساحة الإبداع وتعبر عن شخصيتها الفنية المتميزة..

علاقة جدلية أو سريالية بين أطراف الصورة البلاغية.. فالشاعرة مضمخة بلغة مجنحة قادرة على الوصول إلى أبعد سماء..

القصيدة السوزانية نوع من صلاة الغائب وهي نائية في منفاها الجغرافي ..غير أنها تجعل من اللغة وطنا بديلا.. فتبث همومها الخاصة والعامة التي تنتقل إلينا بالعدوى.. حيث نشعر أن القصيدة ليست ترفا فكرا أو عاطفيا بل هي ضورة حياتية كالماء والهواء والحب ..

أفين شاعرة اللغة الجارحة تضمد الجرح بالجرح كما تطفئ النار بالناروتقارع المنفى بمزيد من اجتراح الوطن فإذا القصيدة عندها إبحار في الظلموت بحثا عن جثة ضوء ورميم صدى ..لديها فيض من الخيال ويقيني أن ما يرفع من مقام الشعرعندها هو هذاالخيال المجنح ..تشعر أن بينها وبين الحرف حالة عشق ..فالحرف قبلتها التي تيمم وجهها نحوه قبل طلوع الشمس وبعد مغيب الحلم ..هذا الحلم الذي تعاقره كخمرة معتقة فلا تزدادا منه إلا اقترابا ..

القصيدة الأفينية تأخذك من تلابيبك إلى عالم الشعر هناك حيث أساطين الإنس والجن يرقصون على موسيقا الكون المعلق من عرقوبيه ..أيها العابرون فوق الجحيم ها هو مطر الشعر يهطل وابلا من ماء ونار  ..لكل جيحم مطرها ولكل أفين نص مائي يغسل أرواحنا المتشققة من شدة القيظ والغيظ معا ..

لكم تسعدني هذه الحالة النفسية عندها ..حالة الحنين إلى قصيدة أشعر دائما أني  لم أقرأها جيدا فأعود لها أناء الليل وأطراف النهار..

تجعل من نجوم القصيدة عقودا تزين بها سماء المكان والزمان ....

إنها  تصنع من صلصال اللغة كائنا شعريا قدماه في الأرض ورأسه في السماء..

ليس الشاعر هو من يكتب القصيدة وحده وينتهي الأمر... فالقارئ الحذق يضيف إليها  من خياله أيضا فإذا بها تغدو قصيدة مشتركة وربما من هنا يحن إلى قراءتها حينا بعد حين.؟

واذا كان هذا من لدن شاعرة قديرة بقامة أفين فالبحر يزداد طولا وعرضا وتغدو القصيدة قاب فجرين أو أدنى من القلب ..

إن هذا العمل الشعري المشترك لشاعرتين مغتربتين في أقاصي الأرض إضافة مهمة إلى شعر الحداثة العربية وتأكيد أن المرأة قادرة على الدخول في قارة الشعر من أوسع أبوابها..

سوزان سامي جميل وأفين إبراهيم كلاهما شاعرة  قدرها أن تمتلك أجنحة كثيرة مكانها السماء لكنها تبقى مغلولة إلى الأرض ..تنهل من آلامها وآمالها.. فالشعر أولا وأخيرا لغة االحق والخير والجمال في واقع ما زال يحتاج إلى المزيد من الترميم وإعادة البناء على أساس تحقيق إنسانية الإنسان التي تهدروتراق صباح مساء ..

11 - 7 - 2012

في المثقف اليوم