شهادات ومذكرات

فضل الله .. من قال إن الحسين يموت؟

adil ridhaعاش السيد محمد حسين فضل الله في النجف الاشرف ببداياته قبل عودته الي لبنان ليعيش بين الفقراء الي يوم وفاته، حيث عاش ثنائية غريبة من حيث البيئة الحوزوية الكلاسيكية الجامدة، ومن حيث انطلاق الرجل بفضاء الحرية الفكري الساعي الي التجدد الديني، فهو الفقيه الكلاسيكي والحداثي العصري المتنور بنفس الوقت، مما شكل جمع الرجل لتناقض كان وما زال يتم تقديمه بالإعلام العربي والعالمي عن تناقض ما بين الإسلام والحداثة وما بين الإسلام والحياة وما بين الإسلام والعلم الحديث،ان المرحوم محمد حسين فضل الله خرج من هذه الثنائية المتناقضة التي كانت وما زالت يتم ترويجها بالإعلام والكتب والحوارات علي مختلف اشكالها والتي تروج وتنشر علي ان من هو متدين هو انسان خارج نطاق الحداثة وما قام به السيد محمد حسن فضل الله وما عاشه شعار وفكر وحركة هو انه انطلق من اسلام حركي ليصنع النموذج الحضاري الحداثي، والمنطلق الي فضاء التطبيق لما يؤمن به.

أذا أردنا أن نفهم حركة السيد محمد حسين فضل الله علينا أن نستوعب مبدأ رئيسي وأساسي وهو "أقامه العدل" أن هاتين الكلمتين تختصر كل ما تحرك به السيد محمد حسين فضل الله على طول تاريخه الطويل، ومن هنا أنطلق مشروع الإسلام الحركي" بمقابل "الإسلام الجامد" حيث ارتكزت أساسيات الإسلام الحركي على عدة عوامل مهمة وهي تنقية التراث من الخرافة، محاربة الغلو والتصدي للبدع والخرافات، وأسقاط الموروث الاجتماعي المخالف للأسلام الحركي، وهذا كله يصب ويتحرك بخانة صناعة حالة موازية للأسلام الجامد.

في كل هذا كان مطلب الوعي مهم وحيوي، ومن هنا نفهم دعواته المتكررة للمجتمع بأن يفكر معه ومن ذلك كله كانت كلمته المشهورة "فكروا معي" وهي دعوة تختزن معني وقيمة أن تعيش "الامة بمعني الناس" أن تعيش تلك الامة معني القيادة ودور القيادة بكل أبعاده.

من أقامه العدل عن طريق الإسلام الحركي تحقق للسيد محمد حسين فضل الله عبوره كفكر الي باقي الأديان، لأن العدل من ناحية هو مطلب أنساني ومن ناحية أخري كان للسيد ضمن تطبيقاته وتنفيذه للأسلام الحركي علي ارض الواقع قاعدة أخري مهمة ومحورية أنطلق بها الي كل الاخر من حوله وهي الحوار؟

والحوار يكون عند السيد فضل الله بالسعي الي الوحدة مع الاخرين ضمن ما هو مشترك، لتأسيس علاقة مع كل الاخر واعتبار أن الحوار هو صيغة لحل كل الازمات، وللحوار مع السيد أسس وقواعد وقدم نظرية له وهنا الميزة والتميز، حيث أنطلق الحوار ضمن أسس مهمة منها:

الجدية: فليس الحوار هو حوار الاستهلاك الإعلامي، وليس خطاب المجاملة.

الغاء الذاتية والشخصانية في الحوار: حيث الفكر يواجه فكر وليس الامر أن يواجه شخص شخص أخر.

حوار يبتعد عن الغاء المساحات المشتركة ويبدأ مما هو مشترك، فأذن البداية تكون بالمشترك فيه وليس بالمختلف عليه، وهنا يكون الغاء العقم الجدلي في الحوارات الطائفية او الدينية الاستعراضية المثيرة.

حوار يعيش مبدأ قبول الاخر وعدم الغاءه والتعايش معه.

أذن من كل هذا انطلق السيد محمد حسين فضل الله وأسس لمرجعية فقهية شاملة كانت قادرة على الخوض بما هو ممنوع، حيث الغي الخوف من نقاش المقدسات؟ حيث لا مقدس بالحوار فالحقيقة بنت الحوار، فكانت المرجعية المؤسسة البديلة عن المرجعية الفردية، وهو ما تم اعتباره كتطوير للواقع المرجعي الفقهي القديم.

أسس السيد محمد حسين فضل الله لمبادئ المرجعية المؤسسة على غرار الفاتيكان حيث يكون للمرجع جهاز معاون من مراكز دراسات ويعمل معه مستشارين متخصصين ومؤسسات خدمية تنطلق مما هو دين لتخدم الانسان وهنا تنفيذ لمبدأ أن الدين يخدم الانسان وليس ان الانسان يخدم الدين.

تم استغلال المالي الشرعي من أخماس زكوات صدقات وتبرعات الي تأسيس:

واحد وثلاثين مركز ثقافي

أربعة عشرة مدرسة ثانوية تخدم خمسة عشرة ألف تلميذ

تأسيس سبعة معاهد مهنية

أنشاء أربعة مراكز لذوي الاحتياجات الخاصة واللؤلؤة الرائعة مؤسسة الهادي التي تقدم خدمات راقية مميزة لذوي الاحتياجات الخاصة.

نشاء أربعة مراكز صحية منها مستشفى ضخم وهو مستشفى بهمن.

وأيضا تأسيس أكبر مكتبة عامة في لبنان حيث تضم أكثر من مائة ألف كتاب.

ولعل ما هو أهم في كل الموضوع هو تأسيس لدورة مال شرعي خادمة للمؤسسات، حيث التمويل الذاتي للمؤسسات، فتم أنشاء مؤسسات اقتصادية تغطي ما هو فراغ لم تملئه الدولة الرسمية بلبنان، وهذه المؤسسات تقدم فائضها الربحي من الأموال للمؤسسات الخدمية للمرجعية المؤسسة، وهنا تم تحقيق دائرة المال الشرعي وأنجاز الاستقلالية وصناعة نموذج واقعي حقيقي مملوس.

ضمن حركة السيد محمد حسين فضل الله مع المرجعية المؤسسة، قدم السيد مرجعية فقهية لا تخاف من نقاش الممنوع، وأيضا لا تنفصل عن الناس وتتواصل معهم بمختلف الوسائل والأساليب، حيث اللقاءات المباشرة، وإقامة صلاة الجمعة، والندوات الحوارية المفتوحة، والمقابلات التلفزيونية والاذاعية والصحفية وأيضا السؤال المباشر المفتوح للمرجعية، مما شكل سابقة في الأوساط الاسلامية الحوزوية حيث ان ذلك كان خلاف ما تعارفت عليه الأوساط الحوزوية الكلاسيكية.

رغم هذا كله كان السيد فضل الله يجمع بين متناقضين !؟ حيث ثقافة الحوزة التقليدية مضافا اليها مسألة التجديد الديني.

 

الفقه والتجديد الديني:

عاش السيد فضل الله مسألة قراءة المقدس ورفع ما هو خرافة عنه وربط تلك القراءة للمقدس بالواقع الفردي الاجتماعي السياسي، وهو أيضا يأخذ بظروف الزمان والمكان والأهم أمكانية التطبيق.

هنا السيد فضل الله يتحرك بمسألة تطهير الفكر الديني وليس الغاءه.

من أهم الأمور بمسألة تطهير الفكر الديني:

- هي حاكمية القران الكريم على الروايات الضعيفة واعتبار القران الكريم هو الأساس الأول في الاجتهاد.

- الغي السيد شرط الذكورة عن مرجعية التقليد.

- الغاء الاعلمية والدخول الي مبدأ تعدد المراجع حيث اعتبر ان الدين او الفقه اختصاص، كما هي الهندسة الطب المحاماة اختصاصات.

- أعتمد السيد قاعدة المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات.

- أفتي بطهارة كل ما هو انسان.

- تحريم العادات المبتدعة في طقوس العزاء وحرم ضرب الرأس بالسيوف والجسد بالسلاسل.

- أعاد دور صلاة الجمعة في الواقع الإسلامي الشيعي الجعفري الاثني عشري.

- ربط العلم بالفتوي ومثالها حيث الرؤية العلمية للهلال وادخل علم الفلك بتحديد بدايات الشهور الهجرية

- ناقش قضايا معاصرة تتعلق بالاختصاص الطبي، حيث أعتبر أن "الطب هو المرجع للدين" ومن هو أصدر فتاوي مهمة مبنية على هذا القاعدة مثل ربط الموت بموت الدماغ ضمن نقاشاته لمسألة الموت الرحيم، وأيضا فتوي بخصوص عمل عمليات التجميل لما هو ضروري، وفتوي حلية استخدام وسائل منع الحمل.

- تحريم شتم الصحابة والخلفاء أو القول بكفرهم او بخروجهم عن الإسلام بما فيهم جميع أمهات المؤمنين، وكان السباق الي ذلك من باب الايمان وليس من باب المداراة! او التزلف او التقية!؟

 

السيد محمد حسين فضل الله والقرآن الكريم:

ولعل من أهم الامور الدينية انطلاقه من تقديم فقه عصري قابل للتطبيق يعتمد القرآن الكريم ركن اول للاجتهاد مما طور مسألة اختصاصه بتقديم التفسير الحركي للقرآن، حيث أنتقد حرفية التفسير وعاش السيد محمد حسين فضل الله ان القرآن لن يفهمه الحرفيون، ولكن يفهمه الحركيون الذين يعيشون الإسلام حركة في الانسان والواقع، والحركية تأتي أيضا تأتي بمعني القدرة على التطبيق.

الغي السيد الفلسفة من التفسير، وربط الآيات بالمجتمع لحل مشاكل الانسان، ورفض كل خروج زائد عن النص، وركز الفلسفة فقط بالجانب الروحاني من تفسير القران حيث العرفان وعلم حب الله، هنا التفسير القرآني يعيش فكرة ان الإسلام يعبر عن حركة لواقع وانه يجاوب على تعقيدات الحياة.

 

الحوار الإسلامي المسيحي:

كان السيد محمد حسين فضل الله يناقش حالتين الاولي وطنية قطرية مع المسيحيين:

حيث كان يؤمن بالتعايش، وكان يدعو المسيحيين الي دراسة الإسلام كمشروع فكري حركي، كما هي باقي المشاريع الأخرى كالماركسية والقومية ...الخ، وكان يدعوهم للأيمان بجمهورية أسلامية أو دولة أسلامية للمسيحيين، من باب أيمانهم بها وقناعتهم فيها، ووضع السيد محمد حسين فضل الله مسألة دولة الانسان كحالة وسط ما بين الدولتين الاستبدادية الديكتاتورية وما بين دولة الإسلام كمشروع نظري؟

الحالة الثانية مع الحوار الإسلامي المسيحي هي الحالة اللاهوتية أذا صح التعبير حيث أعتبر المسيحيين موحدين بالخط العام ضمن فلسفة خاصة بهم؟

 

الخطاب الإسلامي العام:

قدم السيد محمد حسين فضل الله مصطلحات خاصة ضمن خطابه الإسلامي من أمثال:

الإسلام الحركي

الحالة الإسلامية

الواقع

الانطلاق والانفتاح.... الخ من مصطلحات ميزت الخطاب الذي قدمه، وكان ذلك من باب تمييز الإسلام كحالة أيديولوجية منفصلة مميزة، فكما للماركسيين والقوميين مصطلحاتهم فأيضا للإسلاميين مصطلحاتهم.

وكذلك ضمن الخطاب الإسلامي المعاصر الذي قدمه السيد محمد حسين فضل الله ركز على بشرية الفكر الإسلامي وعلى ان كل فكر يمثل حقيقة بمقدار اقتناع الفرد به.

الغي السيد محمد حسين فضل الله عبودية الانسان للأشخاص والغي عبودية القيادة إذا صح التعبير وتحرك بمسألة نقد القيادات الإسلامية والغي ربط النقد بالعداوة الشخصية.

 

العلاقة مع الغرب:

كان المرحوم السيد محمد حسين فضل الله يريد إعادة تقديم الجانب الحضاري والإصلاح الاجتماعي ليكون الفرد والمجتمع والمؤسسة حالة حضارية النموذج للأخر.

وكان السيد محمد حسين فضل الله منفتح على كل الشعوب ويعيش التفريق بين نظام سياسي غربي، وبين ما هو شعوب غربية، واعتبر الغرب مجال لحركة الإسلام وليس موقع للتصادم.

في ذكري السيد محمد حسين فضل الله المتجددة هذه كانت أحد الاضاءات عليه كمشروع نظري وحركة على ارض التطبيق.

 

الدكتور عادل رضا

 

في المثقف اليوم