شهادات ومذكرات

حبيب البدوي: جون فوسه.. رحلة الحائز على جائزة نوبل عبر اللغة والوجود

بقلم: حبيب البدوي

ترجمة: د. محمد عبدالحليم غنيم

***

إن ملحمة المؤلف النرويجي جون فوس الأدبية هي شهادة على القدرة الهائلة للغة على استكشاف أعمق فترات الاستراحة في الوجود الإنساني. منذ بدايته الميمونة في عام 1983، نسج فوس نسيجًا معقدًا من المسرحيات والروايات والمجموعات الشعرية والمقالات وكتب الأطفال. يمتد نطاقه الإبداعي إلى الأنواع الموسيقية، ويسلط الضوء على التنوع النادر الذي لا يحققه سوى القليل من صانعي الكلمات في حياتهم. تلقى أعمال فوس صدى على نطاق عالمي، وفي عام 2023، منحته الأكاديمية السويدية جائزة نوبل في الأدب، مما يمجد قدرته الاستثنائية على التعبير عما لا يمكن وصفه.

تتعمق روايات فوس في المشاعر الخام الصريحة التي تكمن في جوهر التجربة الإنسانية. إنه يواجه القلق وانعدام الأمن والارتباك ببراعة فنية تتحدث إلى القراء على مستوى شخصي عميق، وحتى حميمي. وتشير الأكاديمية السويدية على نحو مناسب إلى أن أعمال فوس "تعطي صوتاً لما لا يمكن قوله"، معترفة بمهارته التي لا مثيل لها في التقاط أدق الفروق الدقيقة في المشاعر الإنسانية.

بمنح جائزة نوبل في الأدب لجون فوس، يشيد عالم الأدب بشخصية بارزة يتجاوز تأثيرها الحدود. تُرجمت كتابات فوس إلى العديد من اللغات، مما مكّن الجمهور العالمي من المشاركة في استكشافه لجوانب الحياة الأساسية: الولادة، والوفاة، والإيمان، وضعف الإنسان. إن موضوعاته العالمية لها صدى عميق، وتقدم للقراء مرآة مؤثرة لتجاربهم الخاصة.

أستاذ أدب متعدد المواهب:

لوحة فوس الأدبية عبارة عن بانوراما لسرد القصص. تشكل الروايات والقصص القصيرة والشعر وأدب الأطفال والمقالات والمسرحيات والنصوص النسيج الغني لإنتاجه الإبداعي. يشهد هذا التنوع على إتقانه لتقنيات السرد، مما يسمح له بالتنقل بين البنيات الدبية المتنوعة بسهولة تامة. في هذه الرقصة المعقدة بين الأنواع، يعكس فوس تعقيد الوجود الإنساني ويتأمل أبعاد الحياة التي لا تعد ولا تحصى بدقة ملحوظة.

صوت ما لا يوصف:

ما يميز فوس هو قدرته على التعبير عما هو غير معلن، وهي ميزة تكمن في جوهر توقيعه الأدبي.إن اعتراف لجنة نوبل بقدرته على إعطاء "صوت لما لا يمكن قوله" يتجسد في أعمال مثل "Septology VI-VII". في هذه الأوديسة المتسامية، يجتاز القراء الحالة الإنسانية من خلال عينى رسام نرويجي مسن. إن نثر فوس، الذي يتميز بإيقاعه الواثق والتأملي، يدعو إلى التأمل العميق. في إيقاعه الهادئ، يمزج بين الذاكرة والروحانية والتأمل الفني، مما يخلق قصة آسرة ومؤثرة بعمق في نفس الوقت.

أهمية نينورسك

إن تفاني فوس في كتابة أعماله في نينورسك يمثل بمثابة تكريم للتقاليد الريفية في غرب النرويج. تعد هذه النسخة المكتوبة من اللغة الإسكندنافية جزءًا لا يتجزأ من التراث النرويجي، الذي يعتز به جزء متواضع من السكان. إن الاعتراف العالمي الذي تحظى به  كتابات فوس يرفع من شأن نينورسك، ويؤكد على أهميتها الثقافية المتميزة. من خلال اختيار نينورسك كوسيلة له، لا يحافظ فوس على تراث لغوي فحسب، بل يشيد أيضًا بالنسيج الغني للثقافة النرويجية.

الاعتراف والإرث

تعد جائزة نوبل التي حصل عليها فوس علامة فارقة في الأدب النرويجي ولغة النينورسك. وهو ينضم إلى كادر حصري من صانعي الكلمات النرويجيين الذين تم تكريمهم بهذه الجائزة المرموقة، مما عزز مكانته كرائد في المشهد الأدبي في البلاد. يعد هذا الاعتراف تأكيدًا واضحًا على التزام فوس الذي لا يتزعزع بالقيمة الجوهرية للأدب، الذي لا تحجبه دوافع خفية أو اعتبارات خارجية.

الإرث والتأثير:

من المقدر أن يتردد صدى إرث جون فوس الأدبي عبر العصور. إن أعظم ما أبدعه يقف بمثابة شهادة على القوة الدائمة للغة وسرد القصص. لقد تركت قدرة فوس على إلقاء الضوء على الحالة الإنسانية وقشرة طبقات الوجود بصمة لا تمحى في عالم الأدب. وستظل أعماله منبعًا للتأمل والإلهام للأجيال القادمة، حيث تقدم شهادة خالدة على قدرة الأدب على الوصول إلى أعماق التجربة الإنسانية.

البصمة الدائمة للحائز على جائزة نوبل:

بمنح جائزة نوبل في الأدب لجون فوس لعام 2023، العالم يعترف بإسهاماته التي لا مثيل لها في الأدب العالمي.إن قدرته على اجتياز أشكال سردية متنوعة وإضفاء الحياة على ما لا يوصف تدفعه إلى مجمع المؤلفين الاستثنائيين. من خلال ولائه للغة النينورسك ورحلته نحو موضوعات عالمية، ترك فوس علامة لا تمحى على الكون الأدبي. يقف إرثه بمثابة تذكير بليغ لقدرة الأدب المتسامية على فهم تعقيدات الوجود الإنساني، مما يترك بصمة دائمة في قلوب وعقول القراء في جميع أنحاء العالم .وأخيراً "دعونا نحلم حتى نحقق".

***

.....................

المؤلف: حبيب البدوى، حصل البروفسور حبيب البدوي على دكتوراه في الفلسفة في التاريخ من الجامعة اللبنانية. وكانت أطروحته عن التاريخ الياباني الحديث. في الجامعة اللبنانية، يشغل البروفيسور البدوي منصب منسق الدراسات الأمريكية ومستشار أكاديمي مطلوب. وقد حصل البروفيسور البدوي على جائزة "الشخصية الأكاديمية لعام 2018" من قبل "المركز الثقافي الآسيوي" لجهوده المتواصلة في تعزيز الدراسات اليابانية في جميع أنحاء العالم. نشر الدكتور حبيب البدوي العديد من الكتب والأوراق البحثية حول موضوعات معاصرة تتعلق بالعلاقات الدولية والجغرافيا السياسية.

 

في المثقف اليوم