شهادات ومذكرات

عبد السلام فاروق: الرحلة الخطيرة!

هى أولى رحلاتى خارج مصر.. كنت حينها فى مقتبل حياتى الصحفية، وكان السفر لأقرب مصيف يمثل حلماً بعيد المنال فما بالك برحلة أُدعَى إليها ووسيلتى إليها طائرة هى أعلى وأجمل من أحلامى البسيطة المتواضعة!

  لهذا جاءت موافقتى غير المشروطة على الدعوة رغم التحذير الكبير من رئيس التحرير.. وكنت مدفوعاً منساقاً لفضولى الصحفى واعتدادى برأيي وحماسة الشباب التى لا تترك مجالاً للتردد؛ فكنت مصراً على الذهاب رغم نصيحة رئيسي فى العمل ألا أذهب!

لماذا حذرنى مرسي عطا الله؟

  المكان.. إقليم كردستان العراق فى بؤرة الصراع العراقى الحدودى وفى أوج عنفوان صدام حسين.

الزمان. خريف عام 2000 وبالتحديد شهر أكتوبر منه. عندما جاءتنى دعوة من إدارة مهرجان شاعر العراق الأشهر محمد مهدى الجواهرى فى دورته الأولى، ممهورة بتوقيع فخرى كريم صاحب دار المدى للنشر، وكانت تحوم حوله شائعات بأنه اختلس 9 ملايين دولار من خزانة الحزب الشيوعى العراقى الذى كان عضواً فيه، ثم انشق عنه وهرب فيمن هربوا من العراق إبان حكم صدام حسين، ولم أكن على يقين من تلك الشائعة، ولم أسعى للتحقق من صحتها فوراً ، وإنما أجلت هذا المسعى وأقنعت نفسي أنى أملك خمسة عشر يوماً كاملة هى زمن الرحلة أتحقق فيها من صحة المعلومة على مهل..

 رشحنى للسفر الصديق الشاعر أحمد الشهاوى مؤكداً أنها ستكون فرصة أتعرف من خلالها على العديد من خلاصة شعراء ومثقفي مصر والعالم العربي. قدمت الدعوة لرئيس تحرير جريدة الأهرام المسائى آنذاك مرسي عطا الله رحمه الله لكنه اعترض، وظل معى فى شد وجذب محاولاً بشتى الطرق إثنائى عن تلك الرحلة حتى رضخ لإصرارى ووافق مضطراً، ونصحني بالحذر إذ أن الأوضاع في هذا الإقليم خطيرة ، وقال إنه غير مسئول عما سيحدث لي لا قدر الله إذا وقع لي مكروه.

قبل السفر بأيام  توجهت لمكتب الطيران السوري بشارع طلعت حرب في وسط القاهرة حيث حجزت إدارة المهرجان تذاكر السفر لعدد من الكتاب والمثقفين والصحفيين المصريين للسفر عبر الطيران السوري، سارعت بتجهيز الحقائب فى سعادة لا تُوصف، منتظراً وقت السفر على أحر من الجمر.. قامت الطائرة من مطار القاهرة الدولي إلي دمشق.. وأثناء الرحلة قابلت أدباء وروائيين وشعراء لم أكن أعرف أنهم مسافرون علي نفس الطائرة وكان منهم شوقي جلال والطاهر مكي وصبري موسي وكارم يحيي وفاطمة خير و حسين عبد الرازق و جميل شفيق ورفعت سلام وآخرين سقطوا من ذاكرة أنهكتها الأيام.

يوم تم شحننا إلى شاطئ الفرات!

  ذهنى كان مشغولاً طوال الوقت بمحاولة فهم أسرار العلاقة التى جمعت بين وزارة الثقافة المصرية ممثلة فى المرحوم سمير سرحان وبين صاحب دار نشر تحوم حوله الشبهات..لكن الرحلة أخذتنى بأحداثها الفريدة الغريبة والمثيرة حقاً، فلم تترك لى مجالاً للتأمل والسؤال والتقصى إلا لمماً..

  مكثنا فى دمشق ليلة واحدة، ثم غادرناها صباح اليوم التالى فى حافلتين إلى مدينة القامشلى المتاخمة للحدود العراقية فى رحلة طويلة زمنياً قصيرة عاطفياً، قبل نزولنا لنواصل رحلتنا فى الوسيلة الثانية وهى سيارات نصف النقل!! هكذا تم شحننا فى رحلة قصيرة متعبة استغرقت نصف الساعة إلى شاطئ نهر الفرات.. وهناك استخدمنا الوسيلة الثالثة بل الرابعة بعد الطائرة والحافلة وسيارة النقل؛ إذ كانت بانتظارنا مراكب صغيرة مجهزة لتنقلنا إلي الضفة الأخرى ، وهناك فوجئنا بوفد كردي كبير استقبلنا استقبالا حافلا أنسانا متاعب الرحلة،وكنا أول مجموعة عربية تذهب إليهم بهذا العدد الكبير الذي بدا أنه يحمل لهم دلالات كثيرة..

  كان الاحتفاء بنا ودياً تعبّر عنه الكلمات والوجوه والأيدي، وكانت المسافات الطويلة على الأرض تقصر في وجدان الناس.هكذا بات العراق جغرافيا أو قل تاريخياً من الإخاء والاحتفاء العربي الكردي تستثيره أبسط الكلمات، وتبكيه أبسط المشاعر تأكيداً على وحدة أرض العراق وتعبيراً عاطفياً بالغ التأثير بقدر ما كان تعبيراً سياسياً.. ولكن أنّى لعروبي مثلي  ألا يفكّر بما يقال إلا عبر القلب!

مباريات شعرية فى دهوك

 ليلتنا الأولى فى دهوك كانت الأجمل والأشد دفئاً، ولم تعقبها ليلة فى مثل روعتها وثرائها..

كنا قد تلقينا دعوة من اتحاد الأدباء فى دهوك، أمسية ثقافية رسمية وليلة عراقية من ألف ليلة كان نجمها الأهم الشاعر والمترجم حسن سليفانى الذى لم يقدم نفسه وإنما قدم زملاءه من الشعراء الكرد من الحاضرين والغائبين، بينما كان رئيس الاتحاد فاضل عمر، الشاعر والطبيب، منزوياً في الظل، بهدوئه وتواضعه الجم..بدأ الشعراء بقراءة قصائدهم، ثم طلبوا أن يستمعوا لشعرائنا، فنهض فوزى كريم فقرأ ما قرأ، وتلا الدكتور الأعرجى أبياتاً من قريضه، ثم انبرى الدكتور رشيد الخيون، الباحث في التاريخ، ليقرأ لنا أشعاراً بالعامية المصرية سرعان ما اكتشفنا أنها أشعاره.. وتحول الأمر لمباراة مرحة ممتعة..

  مفاجآت فى أربيل

  أمسية دهوك الدافئة خير ما استهللنا به برنامج الرحلة الثرية، ثم أتبعها عدة أمسيات فى أربيل..

   تعددت الأمسيات فى أربيل وتضمنت العديد من مظاهر الفن الكردى من رقص وغناء وتمثيل وفن تشكيلي، برنامج حافل مكدس لم يدع لنا فرصة لاجترار نكهة تلك الليلة الأولى والأخيرة من نوعها تفرداً وجمالاً..مرت بنا الأيام والليالى فى أربيل سريعة ممتعة وسط أجواء فنية وليالى ثقافية استثنائية وتخللتها إزاحة الستار عن تمثال برونزي للجواهري في بارك أربيل، من صنع الفنان العراقي سليم عبد الله المقيم في السويد حالياً.

  أما مفاجأة أمسيات أربيل فهي الطفلة (كردستان إلهام)، القادمة من عقرة..صوت عبقرى صغير، قامت بأداء أغنية للسيدة أم كلثوم فأدهشت السامعين.. وكم بين العرب أصوات ومواهب تظهر ثم تختفى فجأة دون أن ينتفع بموهبتها أحد ولا يكتشفها مكتشف!

  أذكر أن من بين الأشياء التي استرعت انتباهي في أربيل الكتيب الذي أصدرته مجلة (مه لامه شهور) والذي احتوى على العديد من كاريكاتيرات رسامي المجلة المنشورة في أعدادها السابقة. تلك المجلة تتميز بجرأتها في نقد الواقع القائم، وهي واحدة من بين مطبوعات عديدة صدرت في كردستان إثر صدور قانون المطبوعات الذي أقر أن لا رقابة على المطبوعات في الإقليم وكل مواطن حر في إصدار أي مطبوع وفق أحكام هذا القانون.

 كاد الطابع شبه الرسمى للاحتفالات ينسينا الجواهري الحاضر أبداً،نجم الدعوة وصاحب المهرجان.. لولا الأمسية النقدية التي أقيمت في أربيل والتي أسهم فيها كل من: رواء الجصاني، مفيد الجزائري، فاطمة المحسن، عبد الكريم كاصد، جليل المندلاوي..ثم حدثت مفاجأة أخرى سيئة كادت تفسد أجواء الندوة المقامة على شرف نجم المهرجان ؛عندما انقطع التيار الكهربائى ولم يستطع كاصد ولا المندلاوى من قراءة المداخلة الخاصة بهما، واضطرت الزميلة فاطمة المحسن لقراءة مداخلتها على ضوء مصباح شحيح. أعقبت الأمسية النقدية أمسية أخرى أقيمت في قاعة ميديا أسهم فيها الشعراء: العراقيان فاضل العزاوي وعبد الكريم كاصد، والمصري رفعت سلام، والمغربي عدنان ياسين، والجزائرية زينب الأعوج، والشعراء العراقيون الكرد.. فوزي الأتروشي الذي يكتب باللغة العربية، وحسن سليفاني، وبيربال محمود الذي ألقى قصيدة عمودية بالمناسبة.

جمهور من رجال الفندق!

  غادرنا أربيل إلى السليمانية، ناقلين حقائبنا عند الحدود إلى سيارات أخرى، وكأننا ننتقل بين دولتين!

وقف فى مقدمة المحتفين بنا الشخصية الأدبية البارزة عز الدين رسول، المعروف بترجماته الشهيرة لقصائد كوران وملحمة (مم ألان)، ومتابعاته الصبورة لما يستجد في الأدب الكردي. ومما قرّبه إلي قلبي ملامحه الوديعة الطيبة واستقباله الودود المحتفي بي وبالشاعر فاضل العزاوي..ثم افتقدناه، فيما بعد، في زحمة انشغالاته في اليومين التاليين اللذين قضيناهما في السليمانية..

  البرنامج المكتظ لم يترك للجميع فرصة للراحة أو الاسترخاء، ففي اليوم التالي ليوم الوصول، وبعد تعاقب الخطب التي تخللتها عبارات مثل «الشاعر العالمي محمد مهدي الجواهري» أو « نقول متواضعين إن تجربتنا مثالاً يحتذي»، وغيرها من العبارات الطريفة الأخرى، وبعد مشاهدة عروض الرقص الكردية الرائعة المفعمة بالحياة بقاعة مركز شباب السليمانية، توجه الضيوف إلى إزاحة الستار عن تمثال الجواهري الآخر، وسماع الخطب ثانية. أعقب ذلك رحلة طويلة إلى مكان تناول الغداء ولقاء أطول مع الطالباني، وعودة إلى قاعة (ره زى) لسماع الشعراء وهم يلقون أشعارهم أمام الموائد المهيأة للعشاء.

ويبدو أن الشعراء لم ترضهم الأمسية، ولا هم اكتفوا بما ألقوه من قصائد، وقد تملكهم الحماس وتغشتهم النشوة؛ فآلوا على أنفسهم استكمال أمسيتهم الخاصة في بهو الفندق.. وابتدرنا الشاعر رياض النعماني، الذي لم يشارك في الأمسية الشعرية، بقصائد قصيرة جميلة من شعره الشعبي. وقرأت الشاعرة الإمارتية حمدة خميس قصيدة مثيرة لما احتوت من مفارقات ذكية، ولأول مرة أسهمت الشاعرة الجزائرية آمال بشيري التي تكتب الشعر باللغة الفرنسية في إلقاء شعرها، فقمت بترجمة ثلاث قصائد من ديوانها الذي جلبته معها، فكانت ليلة طريفة جمهورها الشعراء أنفسهم وضيوف المهرجان.. ولعل أهم وأعجب جمهور فى تلك الأمسية التلقائية هم العاملون في الفندق أنفسهم الذين استهوتهم الأمسية وأعجبتهم القصائد وجذبتهم الأجواء.

لماذا حلبجة؟

  كان المقرر طبقا للبرنامج جلستين صباحية ومسائية حول الجواهرى..فضلت أنا ورفعت سلام انتهاز فرصة تأخير موعد الجلسة الصباحية للذهاب إلى حلبجة، واستغرقت الرحلة أطول من المتوقع واكتشفنا أن الجلسة المسائية ألغيت.. هكذا قضينا ليلتنا فى حلبجة مختارين ومضطرين !

  أرهقني بؤس منازل حلبجة، وفقرها الذي لم يطرأ على بال أحد وهي المدينة الشهيدة.. المدينة الرمز.. مدينة الأطفال الموتى في أحضان أمهاتهم وآبائهم.. حلبجة القبر الكبير الذي لم تتسع له أرض.. العينان الدامعتان أبداً.. خمسة آلاف قتيل وأكثر من عشرة آلاف متشرد في يوم واحد كأنه الطامة الكبري.. تلك الأرض التي شهدت من القتلى والمدفونين أحياء عدداً ضخماً كضحايا لأكبر هجوم بالأسلحة الكيماوية عرفه التاريخ فيما سمي بحملة الأنفال باطلاً، فى مأساة تحض الوحوش لتبكي على البشر. إنه الهجوم البشع الذى حدث ضد الأكراد عام 1988 بالأسلحة الكيميائية وغاز الخردل، الجريمة التى اعتبرتها المحكمة الجنائية العراقية نوعاً من الإبادة العرقية ضد الشعب الكردى على عهد صدام حسين.

أية مغفرة اتسع لها صدر هذا الشعب الذي تآخينا معه تحت شجرة الآلام! وأية حصافة جعلته مدركاً أن المسافة نائية بين الضحية والجلاد .لم نجد غير قبرين جماعيين ونصب لم يكتمل ومقبرة حائلة، وتمثال لأب ينحني على طفله الميت. أهذه مدينة كوران العظيم الذي أمضى طفولته بين أحضانها!

هروب إلى وسط المدينة

لم نجد الوقت ولا القدرة على التحدث مع شهود المأساة من سكان حلبجة، ولا لقاء هؤلاء الذين هجروها ليأنسوا بالسكنى إلى جوار التكايا والمساجد..رجعت حزيناً وقد تملكنى الزهد فى اللقاءات والخطب والقصائد والأمسيات، فوجدتنى أفر منها إلى وسط المدينة، أسواق العراق العريقة العامرة لعلنى أجد ضالتى بين وجوه البسطاء، الأزقة بنورها الخافت وظلها الممتد، البائعين الطيبين بابتساماتهم وتلقائيتهم..وددت شراء غرض فبالغ البائع الابن فى سعرها فإذا بأبيه يستدرك عليه بخفض السعر إلى أقل مدى، ثم ترك متجره واصطحبنى إلى سوق الهرج ..بعد جولة فى السوق صادفت الشاعر فوزي كريم ومعه الشاعر الكردي الشاب كورش قادر فذهبنا إلى مقهى شعبي لتناول الشاي العراقي (السنكين).

  هكذا بدا أننى تخلصت قليلاً من غصة الأسي التى حملتها فى ضلوعى فى حلبجة..ثم جاء الليل، وعلى هامش مأدبة عشاء أقيمت في أحد الفنادق، تم عرض فيلم سينمائي لأحد الشباب هو هاوري مصطفى ..كان الفيلم جريئاً فى نقده الهادف يحكي قصة زبال يصارع أكوام الزبالة وهي تنمو باطراد في المدينة.. افتقدنا فى السليمانية دفء الليلة الأولى فى دهوك..كما افتقدت صديقي الشاعر شيركو بيكس الذي كان خارج السليمانية للعلاج.. كم أحن إلى السليمانية، إلى أسواقها ومقاهيها، إلى باعتها وسكانها، إلى أكرادها الذين لا يعرفون العربية ولكنهم يذكرونك جيداً!

وجاء يوم الوداع ..

فى يوم الرحيل كانت لنا وقفات ومواقف..

تلكأنا عند دوكان المنطقة الساحرة الخلابة لتناول الغذاء والمسامرة..مررنا فى طريقنا بكويسنجق وتعجبت من حالتها البائسة وسألت كردياً بجانبي : لماذا كويسنجق على هذه الحال من الفقر؟ فقال: إن تغييراً لم يطرأ عليها منذ الستينات، ثم أشار إلى أعمدة علق عليها أربعة أو أكثر من الشباب الكرد! وحين سألته ثانية: لماذا؟ أجاب لأن كويسنجق أنجبت خيرة المثقفين الكرد!!هكذا كان يتخلص العرب من أفذاذهم!

نقلنا الأمتعة من سيارات السليمانية إلى تلك التى ستقلنا لأربيل..لا أدرى لماذا كل هذه الحواجز والحدود؟! لكنها السلطة وحب التحكم وموروثات المستعمر القديم.

ما بين السليمانية وأربيل كان الود موصولاً من الذين ودعونا بهذه والذين استقبلونا بتلك.عدنا إلى أربيل واختلطنا بالجميع من الأصدقاء والمعارف وما أشد ما وجدناه من مشاعر ود صادق وألفة خالصة..

 قال الطالباني (رئيس العراق فيما بعد) في لقائه بالضيوف: «إننا مازلنا جاثمين على صدر الشعب الكردي» ولعله كان على حق. قالها مازحاً شكلاً جاداً في أعماقه. متى سيتاح لشعبينا العربي والكردى، مثل بقية الشعوب الأخرى، الاستمتاع بطيب الحياة ورحابتها؟  فلقد رجعت بقناعة، ربما تكون خاطئة، أن لقاء الطرفين الكرديين لن يكون سهلاً. وإذا ما تساءل القارئ لماذا؟ فإن الإجابة في غاية البساطة.. ألا وهي: حب السلطة..من سيتخلى عن السلطة؟ تلك السلطة التي سبق أن دفعت بحاكمين من أصل كردي هما عبد الكريم قاسم وأحمد حسن البكر إلى شن حملات الإبادة ضد الشعب الكردي!

  في طريق عودتنا شاء مضيفونا ألا يسلكوا الطريق التي قدمنا منها بل سلكوا طريقاً أخرى.. طريقاً أجمل.. تبدأ بشلال (كلي علي بك) بشجرته الوحيدة في أعلى قمة الجبل وإنسانه الواقف بين صخرتين، وتتوقف عند (بيخال) حيث مسارب المياه وهي تنساب عبر الشجيرات الخفيضة والصخور المائلة إلى السواد، وتمر عبر (راوندوز) بمدخلها الجميل، و(مدكسور) بأطفالها النظيفين رغم الفقر، وقرية (دوري) ببيوتها الجديدة وأطفالها العائدين من المدرسة، ثم قرية (ريزان) بنهرها الذي تتوسطه جزيرة بهيئة سمكة أو طير، ثم قرية (بللي) الوادعة والطريق المتعرجة التي تبدو فيها السيارات البيضاء وكأنها أسراب بجع تتقاطع.

لا شواهد لأنفال أو لحرب.. فقط الحياة تنبض ساخرة من الحروب وقادتها.. من الجيوش العابرة والقتلة المارين وسط ابتسامة الطبيعة الخالدة.حتى صمت الموت وسط حياة الطبيعة يبدو صاخباً تاركاً لأصداء التاريخ فسحة الانبعاث من جديد، ربما لاستقبال أمل يأتى مع كل حياة جديدة تولد.

***

عبد السلام فاروق

في المثقف اليوم