آراء

كريم المظفر: لماذا زار رئيس الوزراء العراقي روسيا؟

زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الى روسيا، تكمن أهميتها الكبيرة، ليس في الوقت الذي جاءت فيه فحسب، بل في تشكيلة أعضاء الوفدين المشاركين في المباحثات، فقد أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثات في موسكو مع ضيفه العراقي، الذي قام بزيارته هي الأولى من نوعها منذ تسلمه منصبه، واستمرت يومين،، وهذا يؤكد أهمية المباحثات التي اجراها الجانبان، واهمية القضايا المشتركة التي تمت مناقشتها، وقد عقد خلالها سلسلة لقاءات مع كبار المسؤولين الروس، و حضر خلالها أيضا منتدى الطاقة الذي افتتح في موسكو بحضور الرئيس الروسي أيضا .

فقد رافق السوداني خلال الزيارة، نواب رئيس الوزراء، وزير الخارجية فؤاد حسين، ووزير النفط حيان عبد الغني، وحيدر حنون - رئيس هيئة النزاهة الاتحادية، وعدد من المسئولين في وزارة الدفاع والكهرباء، بالإضافة الى مستشارين من عدد من الوزارات، في حين مثل الجانب الروسي، وزير الخارجية سيرغي لافروف، ووزير المالية أنطون سيلوانوف، وشولغينوف نيكولاي غريغوريفيتش - وزير الطاقة في الاتحاد الروسي، الرئيس المشارك للجزء الروسي من اللجنة الحكومية الدولية للتعاون التجاري والاقتصادي والعلمي والتقني بين الاتحاد الروسي وجمهورية العراق، شوغايف ديمتري إيفجينيفيتش - مدير الخدمة الفيدرالية للتعاون العسكري الفني في الاتحاد الروسي، وميخيف ألكسندر ألكساندروفيتش - المدير العام لشركة JSC Rosoboronexport، وفاغيت يوسفوفيتش ألكبيروف – مساهم في شركة PJSC Lukoil، وسيتشين إيغور إيفانوفيتش - الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس إدارة شركة PJSC NK Rosneft، واختتمت فقط بالتوقيع على مذكرة تفاهم بين هيئة النزاهة العراقية ومكتب المدعي العام الروسي في مجال منع الفساد والوقاية منه، وتبادل المعلومات عن أموال الفساد المهربة، وأماكن إقامة المتهمين والمدانين .

روسيا استقبلت وباهتمام كبير السوداني، ووصفت زيارته " بالرائعة "، فقد زار روسيا ضيوفًا أجانب من هذه الرتبة مؤخرًا بشكل غير متكرر، لكن زيارة السوداني جاءت أيضاً خلال الحرب بين "إسرائيل" وقطاع غزة، وعليه، أصبحت المفاوضات الروسية العراقية أيضاً فرصة للتعبير عن موقف البلدين من الأحداث الجارية، كما إن اللقاء الأول بين بوتين والسوداني، جرى على خلفية الوضع الصعب في العراق وما حوله، وهذا لا يمكن إلا أن يؤثر على العلاقات الاقتصادية بين البلدين .

الرئيس الروسي في كلمته الترحيبية في الكريملين، أشار الى ارتفاع حجم التداول التجاري بنسبة 43% العام الماضي، لكنه انخفض هذا العام، وبالتالي وكما قال بوتين مخاطبا ضيفه "هناك شيء للحديث عنه، وبهذا المعنى فإن زيارتك تأتي في الوقت المناسب للغاية"، وفي الوقت نفسه، أشار الجانبان إلى أهمية التعاون بين البلدين، لا سيما في سوق النفط، سواء على أساس ثنائي أو ضمن أوبك+، واعتبر بوتين الطاقة مجالا رئيسيا للتفاعل بين روسيا والعراق، وشارك الزعيمان في أسبوع الطاقة الروسي، وهو حدث يشارك فيه خبراء في مجال الطاقة العالمية، لكن، بالطبع، الجزء الأكثر صدى في تصريحات بوتين والسوداني كان تقييمهما للصراع الحالي بين إسرائيل وحماس.

اللقاء كان فرصة كبيرة للتعرف على وجهات نظر الجانبين في العديد من القضايا المهمة التي تحدث في العالم، سواء عن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، او الحرب " الظالمة " التي تشنها " إسرائيل " على شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، واتهم الرئيس الروسي الولايات المتحدة ان ذلك هو نتيجة فشلها في سيستها في الشرق الأوسط، وأن " الكثيرون ممن يتفق معه في هذا الرأي "، لأن واشنطن حاولت احتكار التسوية، لكنها للأسف لم تهتم بإيجاد حلول وسط مقبولة لدى الطرفين، وشدد بوتين على “ضرورة تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة”، وإلى ذلك، دعا بوتين والسوداني طرفي الصراع إلى خفض الأضرار التي لحقت بالمدنيين إلى الصفر، وعن الازمة الأوكرانية، فقد أوضح السوداني بان العراق اليوم بحكومته ونظامه السياسي ينشد الاستقرار في كل مكان بما فيها الأزمة مع أوكرانيا، وقال "العراق عانى من الحروب والحصار، ولاقى ويلات من هذه الاحداث، لذلك نحن مع الموقف الداعم لإيجاد لغة الحوار، وإيجاد الحلول السلمية هذه النزاعات "، في المقابل اعرب الرئيس الروسي عن تفهمه للموقف العراقي بهذا الخصوص.

رئيس الوزراء العراقي بدوره، عبر عن رأيه من داخل الكريملين (الحصن المنيع) وأكد إن هذه نتيجة طبيعية لتصرفات "إسرائيل" التي استمرت في انتهاك حقوق الفلسطينيين، وتحدث ضد الحصار المفروض على قطاع غزة ودعا إلى حل سلمي لجميع الصراعات، بما في ذلك الصراع الإسرائيلي الفلسطيني،واعتبر السوداني ما يجري بانه نتيجة طبيعية بسبب امعان الاحتلال الإسرائيلي في ارتكاب الجرائم والانتهاكات المستمرة طيلة سنوات، ووسط صمت دولي، وعجز عن تنفيذ الالتزامات والقرارات ما يسمى بالشرعية الدولية، وقال " نحن أمام انتفاضة للشعب الفلسطيني لنيل حقوقه ووقف هذه الانتهاكات " .

ويؤكد المراقبون ان المفاوضات في موسكو أظهرت مرة أخرى مع رئيس الوزراء العراقي، أن الموقف تجاه روسيا لم يعد الآن سلبيًا كما كان من قبل، وهذا ما تثبته أيضًا الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس دولة عضو في الناتو، ولم يكن من الممكن تحقيق عزل روسيا، وان العراق، و بعد وصول السوداني إلى السلطة، وكما قال الكاتب حمزة مصطفى، ظهر مصطلح جديد في سياسة العراق الخارجية، وهو «الدبلوماسية المثمرة»، وتتلخص هذه الإستراتيجية في أنه لا ينبغي للمرء أن يركز حصرياً على اتجاه واحد في السياسة الخارجية، وخاصة في مجال الأسلحة والطاقة والاستثمار حيث تستثمر فيه 19 مليار دولار، لذلك فإن السوداني، جعل من زيارته الى موسكو، رسالة واضحة تفهم القيادة الأمريكية التي ترفض حتى الان استقباله في البيت الأبيض، بأن بغداد تحاول الحفاظ على نفس مستوى الاتصالات مع موسكو كما كانت في عهد الاتحاد السوفييتي، ومثل هذا الأمر بالتأكيد لن يرضي الأمريكان .

ويرى الروس انه في الآونة الأخيرة، وفي إطار إعادة التوجه العالمي لبلدان الجنوب، بدأ "الأصدقاء" التقليديون للولايات المتحدة، مثل المملكة العربية السعودية أو العراق، بالتفكير في إيجاد شركاء آخرين "، لذلك لا يستبعدون أن تكون زيارة محمد السوداني لروسيا مدفوعة ليس فقط بأسباب اقتصادية، بل أيضا بالرغبة في إجراء إعادة التوجه السياسي، ومع الأخذ في الاعتبار العقوبات الغربية ضد روسيا، فإن زيارة رئيس الوزراء العراقي لموسكو هي في حد ذاتها بيان سياسي للغرب، وفي المقام الأول الولايات المتحدة، يجيب على ما يقولون عنه دائمًا، إن روسيا وجدت نفسها في عزلة سياسية، لذا فإن مثل هذه الزيارات غير المنسقة لها تأثير سيء على الأسطورة التي تقدمها وسائل الإعلام والسياسيون الغربيون.

وفي الواقع إن العراق مهم جدا بالنسبة لروسيا، فمن وجهة نظر جيوسياسية، فهو يقع بين سوريا وإيران، وهي أحد حلفاء روسيا الرئيسيين في الشرق الأوسط، وبالنسبة لروسيا، العراق مهم بالطبع فيما يتعلق بالتعاون في مجال تطوير جبهة طاقة موحدة أقوى في مواجهة العقوبات، وكذلك الحديث يدور عن إمكانية مشاركة الشركات الروسية في المشاريع النفطية العراقية الجديدة .

ولم يكن النفط والطاقة وحده مات مناقشته، فإن الحديث بينهما شمل وبأسهاب، معالجة قضايا تسديد المبالغ المستحقة للشركات الروسية العاملة في العراق، وإيجاد الصيغة المناسبة لحل هذه المعضلة، وقد حضر لهذا الشأن وزير المالية الروسي انطوان سيلوانوف، وان الجانب المهم في المباحثات أيضا، وإمكانية مناقشة موضوع اشراك الشركات الروسية في موضوع تشييد محطات الطاقة الكهربائية، والذي تعارضه واشنطن وبشكل كبير، خصوصا وان للشركات الروسية تجربة كبيرة في تشييد محطات الطاقة الكهربائية الموجودة في العراق، بالإضافة الى متابعة الاتفاقات التسليحية بين العراق وروسيا .

وفي منتدى الطاقة الذي افتتح في العاصمة موسكو، أكد رئيس الوزراء محمد السوداني، انفتاح بلاده على المستثمرين، واستعدادها لتقديم فرص كبيرة لهم، وأشاد بشدة بفعالية أوبك+ التي “تسيطر على المخاطر السياسية في أسواق الطاقة وتثبت التوازن”. العرض والطلب"، بالإضافة إلى ذلك، أوضح السوداني مشكلة تخلف صناعة الغاز في العراق، واشتكى من أنه “لم يستثمر العراق في قطاع الغاز منذ فترة طويلة، ونتيجة لذلك، فإنهم مضطرون إلى استيراد “الوقود الأزرق”.

وبالطبع تم التركيز على النفط والغاز على جدول أعمال زيارة رئيس الوزراء العراقي، ويمكن ملاحظته أيضًا من أعضاء الوفود للبلدين واثنين من "جنرالات النفط الروس "، هما إيغور سيتشين( رئيس روس نفط ) وفاغيت ألكبيروف (رئيس لوك أويل)، والذين كانا حاضرين في الاجتماع الرسمي"، الأمر الذي يؤكد، أن التعاون الروسي العراقي في قطاع الطاقة ذو طبيعة مبدئية واستراتيجية .

ويعد العراق أحد أهم الدول في الشرق الأوسط، وان روسيا الآن بحاجة إلى بناء علاقات في نظام عالمي جديد"، إن روسيا ودول منطقة الشرق الأوسط هي التي تحدد بالفعل وستحدد مشهد الطاقة العالمي خلال العقد المقبل، لذلك المحافظة على مستوى عالٍ والبقاء على اتصال دائم مع السلطات في المملكة العربية السعودية وقطر والامارات، والآن جاء دور العراق، يعد امر مهم .

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

في المثقف اليوم