آراء

آراء

لم تحظى زيارة وزير الخارجية الامريكية انتوني بلبكين لمصر وإسرائيل ورام الله خلال اليومين الأخيرين من يناير الماضي والتي أعقبت تصاعد التوتر في الأراضي المحتلة بكثير من الاهتمام لا محليا ولا دوليا، ليس لانشغال دول العالم بالحرب الأوكرانية وتداعياتها الاقتصادية بل لمعرفة الجميع وخصوصا الطرف الفلسطيني أن وزير خارجية أمريكا لا يحمل في جعبته أي أفكار أو مبادرات ذات مضامين سياسية يمكنها تحريك عملية السلام أو ردع الممارسات العدوانية الإسرائيلية، بالإضافة إلى معرفة الجميع أن الملف الأمني هو الذي يشغل الإدارة الامريكية، ولا نقصد هنا الملف الأمني في فلسطين المحتلة بل في المنطقة وتحديدا بالنسبة لإيران والخوف من تغيير الملفات والاولويات الأمنية للدول العربية وتمدُد النفوذ الروسي اليها.

كان الملف الأمني له الأولوية في الحوارات التي جرت بين بلينكن وقادة مصر وإسرائيل وفلسطين حتى وإن تحدثت البيانات الصحفية الرسمية التي أعقبت اللقاءات المغلقة عن تناول موضوعات سياسية كالسلام وحل الدولتين، وما يؤكد الأولوية الأمنية أن بلينكن زار مصر قبل إسرائيل والتقى بالرئيس الفلسطيني محمود عباس مباشرة بعد اجتماع الأخير بمدراء مخابرات مصر والأردن، وأن الزيارة تزامنت مع تعرض عدة مواقع حيوية إيرانية للقصف بطائرات مسيرة يُعتقد أنها إسرائيلية وردود الفعل الروسية الغاضبة غير المسبوقة، كما أن بلينكن بعد انتهاء زيارته ترك وفدا أمنيا في المنطقة وليس ممثلا سياسيا.

لقد أكدت زيارة بلينكن وما تمخض عنها من نتائج هزيلة، كالحديث عن السماح بتشغيل الجيل الرابع من الاتصالات وتقديم خمسين مليون دولار للأونروا ومطالبة الطرفين بوقف التصعيد والحفاظ على الوضع القائم في الأماكن المقدسة ومعارضة واشنطن توسيع الاستيطان الخ، كل هذا يؤكد أن القضية الفلسطينية ليست على سلم اهتمامات الإدارة الأمريكية ولا حتى اهتمامات دول المنطقة وخصوصا المطبِعة مع إسرائيل التي لم تفكر أي منها حتى باستدعاء سفيرها من دولة الكيان بعد مجزرة جنين ولا قبل ذلك  عندما اقتحم الوزير المتطرف بن غفير المسجد الأقصى، وهذا يضع القيادة الفلسطينية والقصية الوطنية أمام تحديات كبيرة لا ينفع معها الإعلان عن وقف التنسيق الأمني الذي سبق وأن تم الإعلان عن وقفه مرات سابقة قبل ذلك.

  ما يجعل القيادة الفلسطينية تشعر ببعض الارتياح أو تقول بأن مراهنتها على تسوية سياسية لم تفشل وما زال في الإمكان التعامل مع الاجارة الامريكية هو تكرار الإدارة الامريكية الحديث الملتبس عن حل الدولتين، بالرغم من أن الإدارة الامريكية تتحدث عن حل الدولتين منذ طرح خطة خارطة الطريق من طرف الرباعية الدولية عام 2002 كما أن الإدارة الامريكية ساعدت على قتل فرصة حل الدولتين من خلال دعمها ومساندتها للسياسة الإسرائيلية ووقوفها في مواجهة أي تحرك دولي في الأمم المتحدة لردع إسرائيل ومعاقبتها، كما أنها لم تطرح أية آلية أو تصور لكيفية تطبيق حل الدولتين.

خلال السنوات الماضية التي كان فيها اعتراف أمريكي وأوروبي، وحتى إسرائيلي في بعض المراحل، بحل الدولتين تضاعف الاستيطان بشكل غير مسبوق وتم بناء جدار الفصل العنصري بل وقفت واشنطن ضد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر عام 2004 والمندد ببناء الجدار والمطالب بإزالته وكررت ذلك في الثلاثين من ديسمبر من عام 2022  عندما وقف موقفا معارِضا للتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة على مشروع قرار لإحالة موضوع الاحتلال الإسرائيلي لمحكمة العدل الدولية، كما تزايد تهويد القدس وتم فصل غزة عن الضفة ومحاصرة القطاع والتضييق على السلطة في الضفة .

في ظل القول بحل الدولتين ووجود عملية تسوية ومفاوضات تم بطريقة ممنهجة تدمير البنية التحتية التي تؤسس لدولة على الأراضي المحتلة عام 1967، الأمر الذي يجعل فكرة حل الدولتين والدولة الفلسطينية كاللغز أو الأحجية التي تبحث عن منجم ليقول لنا ما هي جغرافية ومواصفات الدولة التي تتحدث عنها الإدارة الأمريكية؟

الالتباس والغموض الذي ينتاب فكرة الدولة الفلسطينية ليس وليد اليوم ولا يقتصر على الرؤية الإسرائيلية والأمريكية بل يمتد للحظة ولادة الفكرة والرؤية الفلسطينية التي تربط الدولة بالتسوية السلمية.

كان أول طرح لفكرة الدولة المؤسسة على التسوية هو قرار التقسيم لعام 1947 ويمكن القول إن هذه الدولة هي وحدها القابلة للحياة والممكنة لأنها متواصلة جغرافيا وتؤسس على نفس القرار الدولي الذي منح الشرعية لإسرائيل كدولة لليهود، ولكن تسوية أوسلو واقتصارها على قراري مجلس الأمن 242 و338 دون غيرها من قرارات الشرعية الدولية جعل هذه الدولة متجاوَزَة.، مع أن الرئيس أبو مازن عاد مؤخرا للتلويح بالعودة لقرار التقسيم.

بالرغم من انطلاق التسوية مع أوسلو وقبله مؤتمر مدريد وتأسيس التسوية على مبدأ الأرض مقابل السلام، فلا مؤتمر مدريد ولا اتفاقات أوسلو تحدثت عن دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967.

الفلسطينيون وحدهم فسروا أن اتفاقات أوسلو ستؤدي عند نهاية المرحلة الانتقالية في مايو 1999 إلى قيام الدولة، أما إسرائيل فلم تُلزم نفسها بدولة فلسطينية ولم تتحدث عن إمكانية قيام دولة للفلسطينيين إلا بعد أن طرح الرئيس بوش فكرة الدولة عام 202 ثم تمت الإشارة إليها في خطة خارطة الطريق ثم في قرار مجلس الأمن  1515 الصادر عام 2003 المؤيد لخطة خارطة الطريق، وفي عام 2012 صوت غالبية أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة على قرار/ توصية بالاعتراف بدولة فلسطينية وذلك بأغلبية 138 صوتا، وهو قرار غير ملزم ولا يتوفر على آليات لتنفيذه.

هذا الغموض المقصود هو ما شجع ويشجع إسرائيل على التلاعب بفكرة حل الدولتين، فبما انه لا يوجد مرجعية دولية تلزم إسرائيل بحدود الدولة وسيادتها، فهذه الدولة للفلسطينيين يمكن أن تكون في الأردن، وقد تعمل إسرائيل أن تكون هذه الدولة في قطاع غزة فقط. وشارون لم يخرج من غزة عام 2005 عبثا، أليس قطاع غزة مجاورا لإسرائيل ولا يوجد به استيطان ومتواصل الأجزاء وقابل للحياة كما تقول خطة خارطة الطريق، ما دام له بحره وحدوده مع مصر؟ وقد تكون الدولة مجرد كانتونات فيما سيتبقى من الضفة يديرها فلسطينيون وليسمونها دولة أو ما يشاءون ما دامت السيادة والأمن لإسرائيل.

الانقسام السياسي الفلسطيني والانقسام الجغرافي بين غزة والضفة وعجز السلطة والنخب السياسية الفلسطينية على الارتقاء لمستوى التحدي هو ما يجعل لإسرائيل وواشنطن الخيار في رسم ملامح وحدود هذه الدولة إن اضطرت منح الفلسطينيين دولة،

لم تعد المسألة اليوم الاعتراف أو عدم الاعتراف بحل الدولتين بل مكان ومضمون الدولة الفلسطينية وأيضا حدود ومضمون دولة إسرائيل، ومن الواضح أن رسم حدود إحدى الدولتين سيحدد حدود الدولة الأخرى وإسرائيل إلى اليوم لم ترسم حدود دولتها، وبات واضحا أن حل الدولتين لن يكون إلا من خلال تسوية وإذا ما استمر الوضع الفلسطيني والعربي على حاله فإن الدولة الفلسطينية الموعودة لن تكون إلا بما ترضى عنه إسرائيل.

وأخيرا فإن تلويح الإدارة الامريكية بحل الدولتين من خلال المفاوضات هدفه أن يستمر الفلسطينيون وخصوصا القيادة الرسمية في التمسك بالوهم وعدم البحث عن حلول أو أدوات نضالية أخرى.

***

إبراهيم ابراش

سُحقاً يا نفط.. يا لعنة التأريخ

يا نظرة حسد بعيون مكحولة

من يوم الطلعت بكاعنه الهليوم

جنابك مشتعل والناس مشعوله

أنت الغيرنه نعمه أو رفاه أو خير

وعلى شعب العراق سيوف مسلوله

يالعمرك سبعتالاف شنهوشبيك؟!

شورديت تزحف هاي مقبوله!؟

وضعك ما يسرني وحالك أصعب حال

لنته الشادهه ولا هي محلوله

البدو شيدوا دنيا وعمروا أوطان

وأنته بهالوطن هذا ألعبت جوله

ليش أبهالوطن هذا ألعبت جوله؟

***

 الشاعر العراقي عطا السعيدي

 ولعنة النفط 2006

يوصف النفط العراقي بأنهُ يأتي بالمرتبة الأولى في أسواق النفط العالمية من حيث التكلفة الواطئة لقرب الترسبات النفطية من السطح وخلو التضاريس الأرضية من التعقيدات الجيولوجية.

أهم حقول النفط في العراق

الشمال / كركوك، الموصل، صلاح الدين

الوسط والغرب / ديالى وبغداد والأنبار

الجنوب / البصرة وميسان والناصرية

الموضوع /

بوصلة ذاكرة العراق النفطية ومؤشرها المضطرب في بلاد ما بين القهرين !؟

- غياب الرقابة المتلكئة على المشاريع الأنتاجية للنفط، سوء الأدارة والتخطيط لجميع الحكومات التي أستلمت القرار بعد 2003 وهي معادلة حسابية خاسرة الرهان بين الحاكم الفعلي (بريمر) وحكومات النهب والفساد، وإن الموقف السيادي للعراق مخترق ومسيطر عليه عن بُعدْ تحت القبعة الأمريكية المتمثلة بحيتان المافيات الطفيلية الجشعة كما هو اليوم سيطرتها الشبه تامة على مصادر الطاقة وتوجيهها حسب منافعها الشخصية، وكما هو منظورعلناً في أحتلالها عسكريا للمنطقة الشمالية الغربية من سوريا وسرقة نفطها .

- عدم أهتمام جميع حكومات بلاد ما بين القهرين منذ التأسيس في 1921لحد اليوم في أستثمار (الغاز) المحترق المصاحب لأستخراج النفط !!!؟؟؟ .

- أشكالات أستخراجية للنفط العراقي

1- يعاني بأستخراج النفوط على النمط القديم بحقن الآبار بالماء بالوقت الذي يحتاج إلى التحديث بأتباع الطريقة العلمية ثلاثية الأبعاد في أستخراج النفط بأقل وقت وأقل عمالة وأقل كلفة .

2- أن أستخراج النفط يحتاج إلى مبالغ ضخمة فهذه تكون ثقلا على الموازنة، فلو أتبع العراق النموذج النرويجي الذي أسس (صندوق الأستدامة المالية) لدعم الأستخراج، للعلم إن دول النفط الخليجية تتبع هذا النموذج منذُ عقود.

3- تشهد العملية الأستخراجية في العراق اليوم منازعات ومنافسات شديدة بين الشركات المنتجة للنفط، وهنا تأتي مسؤولية الحكومة العراقية في تشكيل خلية أزمة خاصة لمراقبة الشركات للحفاظ على ريع الخزينة العراقية .

4- المشكلة الأزلية في أحتراق الغاز المصاحب للنفط، أن أحتراق الغاز المصاحب لآنتاج النفط في العراق تبدو (أزلية) لذا سميت بالنار الأزلية، وللأسف الشديد لم تلقى رعايتة وأستثمارهِ لغياب الحس الوطني عند جميع الحكومات العراقية، علما في أستثماره نحصل على أنتعاش أقتصادي وتغنينا من أستيراده بمليارات الدولارات من أيران، أضافة إلى التخلص من تلوث البيئة جراء الأنبعاثات الكاربونية .

وتمرُ تسعة عقود اليوم لأستخراج النفط في العراق والذي كان القدر الموعود في ذاكرة التأريخ العراقي عام 1938سنة أكتشاف النفط في أراضي كركوك وبتوالي السنين الأكتشافات تتوالى في نينوى وجنوب العراق وبأحتياطي قدره التخميني حوالي 360 مليار برميل وللواقع المريرحيث يبلغ النفط اليوم شيخوخته سعراً وربما أفول ترجي منافع أقتصادية وثقافية منهُ، بينما يظل النفط معزولاً في آبارهِ عن مجتمعات قطعت تجارب غنية وواضحة في بنيتها التحتية والفوقية وبتحدي ماراثوني فائق السرعة متحديتاً الزمن كالتجربة النرويجية التي أسست صناديق سيادية للأستثمارفي تحقيق عوائد مالية ضخمة، أو النظر ألى تجربة سنغافورا على الرغم من أنّها لا تمتلك النفط في أستثمارالموارد الطبيعية والأعتماد عليها بالتصدير والنظر ألى أسبانيا التي طورت مزارع الخيار بالأستثمار وتحصل على 2 ملياردولار سنويا من تصدير الخيار فقط، ألا يعادل بئراً نفطياً منتجاً؟، وبثت تلك البلدان الروح في الأقتصاد الصناعي والزراعي والثقافي والذي يعتبر العامل الديناميكي لتنمية وتطوير كافة القطاعات، بينما في عراقنا الحبيب تحوّل النفط إلى فجواتٍ غير مجسّرةٍ في ذاكرة الأجيال الحاضرة والمستقبلية بل لعنة وكوابيس أحلام، وللحسرة يكاد النفط العراقي أن يعلن تقاعدهُ وسط تأرجح أسعاره وأكتشاف بدائل للطاقة كل يوم، بيد أن العراق يراوح على الأقتصاد الريعي منذ تأسيس الدولة العراقية، ونضوب البترول يلوحُ في الأفق العراقي سنة 2040، وخبر عاجل اليوم " أن عام 2030 ستوقف السويد بيع السيارات التي تعتمد البنزين والديزل وهي أشارة للجمهورية السادسة العراقية أن تتدارك أمورها بعلاج أحادية الأقتصاد، وتبرز على سطح الواقع المرير والمحزن الحقيقة التالية (ظهور قطاع عام كبير متضخّم وقطاع صغير وطفيلي، وتتحوّل الحكومة من حكومة يعتمد عليها المجتمع إلى حكومة تعتمد على المجتمع)، وأصبحت الكتابة عن النفط اليوم مثل العملة المزيفة لكون الورقة الرابحة بـآيدي حيتان الكارتلات الغربية والأمريكية والتي أحتكرت الخبرة والسوق معاً .

النفط والصراع السياسي في العراق

إن تقسيم موروثات غنائم الدولة العثمانية المريضة والخاسرة للحرب العالمية الأولى بما في ذلك حقوق أمتياز (شركة النفط التركية) كان النفط محوراً أساسياً في رسم خارطة الشرق الأوسط، وتوزيع سلطة الأنتداب بين فرنسا وبريطانيا بنموذج متفق عليه بين الدولتين، بحيث أصبحت ولاية الموصل تحت سيطرة الأنتداب البريطاني، وتسلمت فرنسا السلطة على سوريا في أواخر عام 1918 وذلك بعد تأكد بريطاني تواجد النفط في مناطق متعددة من ولاية الموصل من ضمنها كركوك، وأشتغلت الشيطنة البريطانية في تأجيج فوبيا المطالبة التركية بولاية الموصل محورأ في تخويف الحكومة التأسيسية في العراق 1921، وكان ذلك عقب تنصيب الملك فيصل الأول ملكا على العراق .

وكانت من تداعيات لعنة النفط في العراق: أن توظف بريطانيا شرطاً مجحفاً وظالماً ومحرجاً في نفس الوقت أن توافق على منح حقوق الأمتياز لمجموعة (شركات النفط الغربية البريطانية، الفرنسية، الهولندية، والأمريكية) مقابل دعمها للعراق بأحقيتهِ في الأحتفاظ بولاية الموصل، وتمّ التوقيع على هذا الأتفاق الأولي بأتفاقية (1925) والذي أطلق عليه لاحقاً (اتفاقية شركة نفط العراق) ووزعت الحصص على أساس 75 /23 %لكل من تلك الشركات الأربعة والباقي 5% تعطى للسيد (كولبنكيان)، أضافة إلى ذلك الشرط التعسفي والأبتزازي على العراق تنازله عن حصته البالغة 20% الممنوحة لهُ بموجب معاهدة (سان ريمو) زائداً التأطير السياسي لنتائج الحرب العالمية الأولى وتقسيم المنطقة العربية بما فيها الجزيرة العربية وأصبحت الكمائن النفطية ومصادر الطاقة وتقسيمها إلى دويلات بحدود مصطنعة .

وتحطُ بنا بوصلة ذاكرة العراق النفطية بمؤشرها المضطرب لمحطة خواطر تراجيدية في بلاد ما بين القهرين إلى ثورة 14 تموز 1958 التحررية التي أعلنت سنة 1961 حركة نضالية ثورية في السيطرة الوطنية على الثروات الوطنية المستلبة من قبل الغرب وشركاتها الرأسمالية الجشعة في فرض القانون الوطني رقم 80 وهي أولى ثمار ثورة 14 تموز 1958 الذي سيطر فيه العراق على ما يقارب 5- 99% من أراضيه رسمياً، ولكن لم تجد الأوضاع السياسية أستقراراً وتوجه الحكومة نحو الأقتصاد الريعي مما أدت إلى بروز تغيرات ديموغرافية في المجتمع العراقي كالهجرة من الريف إلى المدن والنزاعات المسلحة وأهمال القطاع الزراعي ونفوذ الكولونيالية البريطانية على الخط بأثارة النعرات الثأرية للأقطاع وملاك الأرض أنتقاماً من حكومة الشهيد الراحل عبدالكريم قاسم، فحدث ما حدث في أنقلاب عسكري بقيادة حزب البعث الذي زج الشعب العراقي بأتون حروبٍ عبثية مع الأكراد والحرب العراقية الأيرانية وغزو أحتلال الكويت والذي دفع الشعب العراقي فاتورة ثقيلة لتلك الحقبة الظلامية، وكان عامل البحث عن مصادر الطاقة من قبل الأمبريالية الأمريكية أحتلت العراق في 2003 وأسقطت النظام، والسيطرة على آبار النفط العراقي وسحبه من سيطرة القطاع العام ولعودة الشركات الأجنبية وهذه المرّة بشراسة وأندفاعٍ أقوى، وتكفي شهادة قول المخطط للغزو الأمريكي (بول ووليفيتز):"أن العراق يطفو على بحيرة من النفط " .

وكان للص بريمردوراً محورياً في تبديد ونهب ثروات النفط والذي حكم بين أيار 2003 وحزيران 2004 ألف كتاباً موسوماً ب(عام قضيتهُ في العراق والنضال نحو غدٍ أفضل) بذر خلالها الطائفية المقيتة والمحاصصة الكارثية ونشر ثقافة الفوضى وساعد على أيجاد رجال حكم لا رجال دولة، وعدم أحترام مواثيق الأمم المتحدة والمحافظة على كيانات الدولة المحتلة وثرواتها، وكان من أفدح قراراته التعسفية القرار 39 الذي يسمح لخصخصة 200 شركة حكومية بتمويل أجنبي ومعفاة من الضرائب والقيود 100% وجعل التراخيص النفطية تخضع لمدة 40 سنة قادمة، والقرار 17 منح المقاولين الأجانب أدارة شركات الأمن الخاصة التي أوغلت في الوجع العراقي وأستمرت سرقات النفط وبأساليب مختلفة من الشركات الحالية وعواصم الدول الغربية والبعض من الموجودين داخل العملية السياسية وجمهورياتها الستة المتلاحقة وتلك السرقات أصبحت أقرب إلى الخيال وتهريبه والتي ساهمت فيها أحزاب وميليشيات ورؤساء عشائر هم متهمون بضياع ثروات النفط الهائلة منذ (عقدين) من الزمن الغادر حيث صفروا الخزينة وألحاق العجز بالميزانية العراقية والأتجاه نحو الأستدانة لتحميل الأجيال المستقبلية الرثاثة والفقر والمرض والبطالة والأمية، فهي الأستبداد والقهر الأجتماعي وكلها من تداعيات أكرامية الطبيعة للنفط في العراق وحتى على عموم العالم العربي

أخيرا وليس آخراً/لم يخف على أحد من أن هدف بوش في أحتلال العراق كان من أجل نقطتين أستراتيجيتين مهمتين:

الأولى هو حماية أمن أسرائيل، والثانية: هو السيطرة على منابع النفط حتى لا تقع في أيدي المتطرفين الأسلاميين، أو بأيدي بعض الدول الأقليمية الطامعة بخيراته وموقعه الجغرافي وهنا يمكن أن نقول: بأن النفط جاء نقمة ولعنة على العراق سياسياً وأجتماعياً وأقتصادياً وهو الذي فرض تأجيج الصراعات القائمة المرتكزة على أقذر مستلبات نخرت المجتمع العراقي التي هي الأثنية والطائفية والمناطقية التي أوصلتهُ لحافات الحرب الأهلية في 2006 و2014، والتي كانت من تداعياتها الكارثية حرب الأستزاف البشري والمادي للحرب الشرسة مع تنظيم الدولة الأسلامية، والذي يؤلمني كمواطن عراقي هو الآتي: قانون النفط والغاز الذي سوف يشرعن بقانون قادم لا محالة حيث يسمح لشركات النفط الأمريكية والبريطانية الحق في السيطرة على نسبٍ كبيرة من عائدات النفط العراقي فيما يبقى الفتات الضئيلة من هذا العائد للعراق المنهوب، لأن شعار حكومات ما بعد الأحتلال (الولاء قبل الأداء) حين نعكس هذه المعادلة الأداء أولا ثم يكون الولاء للوطن والأمة .

***

كاتب وباحث عراقي /ستوكهولم

شباط / فبراير 2023

....................

الهوامش

- عام قضيته في العراق- بول بريمر- المترجم عمر الأيوبي - بيروت/

- وحدة الدراسات الأقتصادية – شذى خليل /

- تقاريرأمريكية – الغارديان البريطانية – ترجمة كاتب المقالة.

- صراع المصالح النفطية- عصام سخينسي- عمان

 

تعليقا على عودة صفحة (حذار من اليأس) لتواصل سنتها التاسعة في جريدة (الصباح) كتب الصديق الأديب عاصم جهاد بالنص ما يأتي:

(الاخ الدكتور العزيز.. أقول:

انشغل بهموم المجتمع وايجاد الحلول لها.. واترك السياسة وهمومها التي لا تنتهي!. ولا تضيع وقتك وتحرم الناس من ايجاد الحلول والعلاجات النفسية للكثير من مشاكلهم وهمومهم. لم تجن من السياسية غير تعب القلب وتقلب وتعكير المزاج واضاعة الوقت، في مقابل ذلك لم تحصد من حذار من اليأس غير محبة وتعاطف وتفاعل المجتمع الأنساني. دمتم ألقا).

ولأن مثل هكذا موضوع يعتبر عاما وليس خاصا، فقد استطلعت الرأي، فكانت المواقف كالآتي:

مؤيد للنصيحة

* سمير العبيدي: هدف نظيف.

* كرار كاين، تقي حميد، سرحان الزيدي: أتفق

* هادي علي: نصيحة جيدة وتحتاج إلى قرار حازم من قبلكم للإلتزام بها، بعد ألأقتناع طبعا.

* عباس موسى: اجمل وأنقى نصيحة.

* جليل رهيف: نعم لقد قال حقا، السياسة مع هؤلاء الفارغين خسارة وقت ودوخة راس.

غير مؤيد للنصيحة

* ريسان الركابي: يقول (ابو گاطع) رحمه الله.. السياسة مثل النعاس تجيك غصبا، لأنه لا يمكن لأي انسان يحب وطنه أن يرى الخطأ.. ويبقى صامتا.

* د. نصيف جاسم الدليمي: لا أتفق معه مع كبير احترامي وتقديري لرأيه، فالعلماء هم ضمير الأمة وهموم الناس تقع ضمن أولويات بحثهم ومشاكل الحكم هم أول من يشخصها ويقترحوا حلولا لها.

* حسب الله يحيى: السياسة تدخل في صلب كل شئ في حياتنا. الحديث عن الخبز والمدرسة والمشفى والسوق والشارع كل هذا سياسة. وهي ليست بالضرورة انتماء لحزب وانما هي وعينا بكل شئ يجري حولنا.

* ناصر عزيز، عبد العزيز ججو، عباس خفاجي: أحنه العراقيين بشكل خاص لا نستطيع الأبتعاد عن مواضيع و هموم عالم السياسة/. وهل هناك عمل دون أن يكون له صلة بالسياسة؟!/. حياتنا في العراق أصبحت كلها سياسة في سياسه !.

* عشتار فينيسا: لا اتفق. النصيحة السياسية للساسة واظهار الخطأ والصح في المسار السياسي وعيوب الساسة، واظهار امراض المجتمع النفسية والعادات بسبب التخبط السياسي وعدم تحقيق الالتزامات الواجب تحقيقها من قبل الساسة للوطن والشعب هي نفسها دراسة نفسية اجتماعية عميقة للمجتمع في ظل سياسة فاشلة، فنفس الانسان وتفاعله الاجتماعي عناصر متداخلة السياسة العامة اهم جزء فيها.

* طارق الكناني: كلمة حق يراد بها باطل.. هو وكل من يمثل الطبقة السياسية ومن المتعلقين بالسياسة ان تنفذ كلماتك الى قلوب متابعيك، علما انك ترصد ظواهر اجتماعية وتطرحها بشكل علمي وهم يعتبرونها سياسة. يحسبون كل صيحة عليهم.. . لا تنشغل بهكذا ناصحين.

* دكتور فراس. اخصائي نفسي: أرى ان جنابكم اعطى ما بذخيرته العلمية للناس سواء من الناحية النفسية والاجتماعية والسياسية ومؤلفاتك تشهد بذلك، ولم تبخل باي شيء من علمك للناس خاصة وان المتخصص بعلم نفس الشخصية يجب ان يكون ملما بكل جوانب الحياة النفسية والاجتماعية والسياسية.

* جليل الجشعمي: بتناولك علم النفس السياسي في طروحاتك فان حجمك العلمي يكون بحجم مساحة العراق والوطن العربي. واذا جرد علمك عن السياسة فيكون حجمك عيادة دكتور في علم النفس ليس الا. بكتاباتك اصبحت تزعج الفاسدين والسراق والقتله، وبصمتك سجلت في ذاكرة العراقيين.. ويشهد لك التاريخ بذلك.

يحق.. أم لا يحق؟

السؤال هنا: هل يحق لعلماء النفس الأنشغال بالسياسة أم عليهم ان ينصرفوا لعلمهم الأكاديمي؟

هنالك ثلاثة مواقف: الأول يتبناه سلفيون يرون (أن الكلام في السياسة في عامة الناس خطأ، لأن السياسة لها رجال وأقوام، رجالها ذوو السلطة والحكم، اما أن تكون السياسة منثورة بين أيدي العوام وفي المجالس فهذا خلاف هدي السلف الصالح). والثاني يرى ان السياسة تخص جميع ابناء الشعب وحق للجميع، ولا احد له الحق في منع آخر. والثالث يتبناه أكاديميون من مختلف الأختصاصات يرون أن لهم الحق في الأنشغال بها.

متى انشغل علماء النفس بالسياسة؟

تعدّ الحرب الفرنسية البروسية، والثورة الاشتراكية التي جسدتها كومونة باريس 1871، هي السبب الذي دفع ادولف باستيان المتخصص بعلم الاجناس الى استخدام مصطلح علم النفس السياسي (Political Psychology) بكتابه رجل في التاريخ (Man in History)، ثم تطور ليصبح علما اكاديميا وتطبيقيا متعدد الاختصاصات يهدف الى فهم السياسة والسياسيين والسلوك السياسي من منظور علم النفس، وفهم العمليات العقلية للسياسيين من منظور اجتماعي سياسي.

وتعدّ العلاقة بين السياسة وعلم النفس.. ثنائية الأتجاه، فعلم النفس يستخدم عدسته لفهم السياسة والسياسيين، والسياسة تستخدم عدستها لفهم سلوك الجماهير ومواقف الخصوم من منظور علم النفس. غير ان علم النفس السياسي يركز على فهم العلاقات المتبادلة بين الأفراد والسياقات التي تؤثر في: المعتقدات، الدوافع، تغيير الاتجاهات، دور القائد في صنع السياسة الداخلية والخارجية، السلوك في العدوان الأثني، الحرب والأبادة الجماعية، دينامية وصراع الجماعات، التطرف السياسي.. ويدرس أسس وديناميات ونتائج السلوك السياسي مستخدما نظريته في السياسة ومستعينا بنظريات علم نفس الشخصية تحديدا.

ومن هذا الفهم، ادرك رؤساء دول كبار في العالم حاجتهم لعلماء النفس، واستعانوا بهم كمستشارين يصطحبونهم معهم في لقاءاتهم بقادة سياسيين كبار لاسيما في اوقات الأزمات والصراعات.. قدموا لهم المشورة العلمية، ليس فقط بتحليلهم ما وراء كلام الخصوم، بل وحتى لغة الجسد التي تكشف ما خفي.. ما يعني أن لعلماء النفس الحق بالأنشغال في السياسة بما يخدم شعوبهم.

توثيق شخصي للتاريخ

عذرا أنني ساتحدث عن نفسي لأن الموقف يتطلب ذلك.. أوجزه بالآتي:

في( 2003)انتخبت رئيسا لرابطة اساتذة جامعة بغداد عملت بنشاط ادى الى استشهاد استاذين من هيأتها الأدارية. وقد ترأست وفودا قابلت اعضاء مجلس الحكم باستثناء المعممين للمطالبة بمساواة اساتذة الجامعات في العراق بأقرانهم في دول الخليج، لأن بريمر وقتها حدد راتب الأستاذ الجامعي بين مئة الى ثلاثمئة دولار، ما اضطر كثيرين الى ان يبيعوا مكتباتهم. وكان بين الذين قابلناهم الراحل الدكتور احمد الجلبي.. ولما انتهى اللقاء انفرد بي وعرض علي الأنضمام لكتلته السياسية.. واعتذرت.

ولأنني كنت الأعلامي والأكاديمي الأبرز الذي يظهر عبر(الجزيرة) الفضائية العربية الوحيدة في 2003، ووجهت كلاما حادّا الى بريمر طالبته باطلاق سراح ستة دكاترة اختطفتهم القوات الامريكية، فان مدير مكتبه بعث في اليوم الثاني بعضوة مجلس الحكم (السيدة جل) وابلغتني بدعوته لمقابلته. وحين انتهى الحوار معه بوعد باطلاق سراحهم، لمّح لي بأنه يسره التعاون معه.. ولو ان احدا غيري استثمرها، لكان الآن في اميركا.

وبسبب نشاطي الأعلامي والجماهيري ومقالاتي بجريدة المدى( التقدمية الوحيدة حينها) تعرضت لمحاولة اغتيال في شارع ابي نؤاس صباح احد ايام توجهي لرئاسة جامعة بغداد.. ما اضطرني الى ان اغادر الى اربيل في (2005)

وكنت اسست في (2017) منظمة (تجّمع عقول) تضم نخبة من الأكاديميين والمثقفيين والفنانيين والأعلاميين من داخل العراق وخارجه، عقدنا مؤتمرات واقمنا ندوات في بغداد والمحافظات، فالتقى بي قيادي بارز يعرض عليّ الأنضمام لحزبه (الأسلامي)! فاعتذرت. وقبل كذا سنة.. زارني وفد من الحزب الشيوعي العراقي في بيتي بشارع حيفا.. وعرض عليّ العودة للحزب فشكرتهم واعتذرت.

اقول هذا لأثبت انني ما كنت طامعا بمنصب سياسي، وان ما قمت به من عقد مؤتمرات وندوات في بغداد ومراكز المحافظات، كانت تستهدف تقديم النصيحة العلمية للسياسيين واشاعة الوعي الأنتخابي بين العراقيين من منطلقي علم النفس السياسي وعلم نفس الشخصية.. وسنبقى، وعشرات من علماء النفس العراقيين، نواصل هذه المهمة من اجل شعب استثنائي في وطن استثنائي يمتلك كل المقومات لأن يعيش بحرية وكرامة.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

إنَّ تعدد الجيوش والحشود بالوطن الواحد يسفر عن تهشيمه، فمَن لديه عقيدةٌ وسِلاحٌ لا يخضع لغيره، وكيف إذا كان له ذراعٌ اقتصاديّة وبإشعارٍ رسميّ؟! ولنّا بسوَّار بن المُضرِّب الخارجيّ، في ولاية الحَجَّاح بن يوسف الثَّقفي على العراق(75-95هج)، فائدةٌ: «أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي/ وقومي تميمٌ والفَلاَة ورائِيا»(المُبرد، الكامل في اللُّغة والأدب). أقول: مَن لديه سِلاح بمستوى ما عند الدَّولة، وعقيدة خارجيَّة وقوة اقتصاديَّة، لا ترجو الدَّولة وطنيته. لا سَمع ولا طاعة لأحدٍ عليه، إلا لمَن يقرُّ له بالولاية.

إنَّ ولاء «الولائي» للعِراق وهمٌ مِن الأوهامِ، فمَن دخل بنية الدِّفاع ضد الإرهاب، وهو ما يليق به عنوان «الشَّعبي»، قد عاد مقاتلوه، بعد القيام بإسناد القوات المسلحة والتَّحالف الدُّوليّ، أمَّا مَن استمر فعنوانه الصَّحيح «الولائي»، وفق عقيدة ميليشياته، وتدبير أمرها ليس عراقياً. سيكون حال العِراق مع «الولائي» حال اليمن مع الحشد الحوثي، ولبنان مع حشد حزب الله، وأفغانستان مع حشد طالبان، خذوا عبث هذه الحشود تجاربَ أمامكم.

حصل في اجتماع مجلس الوزراء العِراقي (28/11/2022): «الموافقة على تأسيس شركة عامة باسم (المهندس)، برأسمال مئة مليار دينار، ترتبط بهيئة الحشد الشَّعبي». يُعد ما يُقترح باسم قادة الميليشيات قراراً، فالامتناع يعني التَّهديد المستمر، معلوم أنَّ «معزول الولائي لا يُستخدم، ومنصوبه لا يُعزل»، جاء ذلك استعارة بتصرف لصلاحيات علي الكَركي(1534)، نائب الإمام في عهد طهماسب الأول(ت: 1576)، الشَّاه الصَّفوي الثَّاني (مروّة، التَّشيع بين جبل عامل وإيران. التنكابني، قُصص العُلماء). صدر قرار شراكة الحشد في الاقتصاد، مع أنَّ وزراء يعلنون أنفسهم ضد الازدواجيَّة، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء، لكنّ مَن يعترض ينام على خطرٍ.

إذا كان الولائي يتذرع بفتوى «الجهاد الكفائي»، الأساس الذي تشكل عليه، فهذه لا عند إطلاقها، ولا بعد انتهاء المعارك، نطقت صاحبتها المرجعيَّة الدّينية باسم الحشد، أو شكرت جماعة بهذا الاسم، في كلِّ خطب الجمعة، التي ألقيت بين (2014-2017). لأنَّ تأسيس «الولائي» انطلق منذ 2003 بتفريخ الميليشيات، أما فتوى المرجعيَّة فقد اُستغلت لتأسيس الجيش الموازي. يُسافر قادته وينوب عنهم أبناؤهم لاستيراد السَّلاح، ولا اعتبار لقائد عام ولا وزير دفاع.

يقول نص فتوى «الكفائيّ»: «على المواطنين الذين يتمكنون من حمل السِّلاح، ومقاتلة الإرهابيين، دفاعاً عن بلدهم وشعبهم ومقدساتهم، عليهم التَّطوع للانخراط في القوات الأمنية»(13/6/2014). وجاء في «خطبة النَّصر» تحذير مِن مأرب تشكيل الحرس الموازيّ: «كانت نواياهم خالصة من أيَّ مكاسب دنيوية... ومِن الضَّروري المحافظة على هذه المكانة الرَّفيعة، والسُّمعة الحَسِنة، وعدم محاولة استغلالها لتحقيق مآرب سياسية، يؤدي في النِّهاية إلى أنْ يحلّ بهذا العنوان المقدس ما حلّ بغيره من العناوين المحترمة، نتيجة للأخطاء والخطايا التي ارتكبها مَن ادّعوها»(15/13/2017)، وخطايا الميليشيات بالاغتيالات تأتي في المقدمة.

بعد عبث الميليشيات، في الخطف والاغتيال، وجه سادة القادة الولائيين حشدهم إلى الجهاد النَّاعم، فأصبحوا يطلبون الإعمار، بعد أنْ أمسى وجوده العسكري فجاً. سيُذل العراقيّ تحت هذا الغطاء، فمَن تورط بدم الكفاءات والشَّباب، ودرب وأشرف على دخول الإرهابيين مِن الشَّام إلى العِراق، كي يعطي شرعية لتأسيس حشده، ليس له في الزّراعة والصّناعة.

لأجل هيمنة يريدها الولائيون لغير العِراق بعقيدة لا يخفونها، ولم يبق سوى الاقتصاد، وقد تحقق بهذه الشَّركة. لا أراها إلا بداية لمهالك جديدة. عندها ستُحكم كماشة الولائي على العِراق، باعتقاد وسلاح واقتصاد! غير أنَّ هذا الثّلاثي القاتل، تدبره نية سامة، والكلمة لمحمد صالح بحر العلوم(ت:1992): «بعض العقائد وهي غازٌ قاتلٌ/ مِن نَشرها تتسممُ الأَجواءُ»(بعض العقائد: 1934).

***

رشيد الخيّون - كاتب عراقي

 

كنت راجعت احدى الدوائر الحكومية بخصوص معاملة معينة، فأعطيت الملف لشخص كان يقف في الشباك ورجوته ان يستعجل فيها ان امكن فقال لي (اذا مستعجل خلي بالفايل 25 الف).

وتساءلت مع نفسي ما اذا كانت هذه (الرشوة) شائعة ام حالة استثنائية. ولأن من عادتي ان استطلع الرأي بخصوص ظواهر اجتماعية فأنني توجهت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بهذا الأستفسار:

(هل صحيح ان المراجع لأية دائرة حكومية في بغداد..

ما تمشي معاملته إذا لم يضع بالفايل ٢٥ الف دينار؟

الجواب.. بالذمة).

شارك في الأجابة أكاديميون ومثقفون ومتابعون فكانت النتائج ان الذين نفوا وقالوا (ماكو هيج شي) لا تتعدى نسبتهم 3%،  وقال احدهم بالنص:

- لا ماكو هيج ابدا خاصة بدوائر البلديات و دوائر العقارات والضريبة، فردت عليه احداهن:

- اكو.. دفعت 300 الف.. خلونا ساكتين،

- وردّ آخر: للاسف اكو، بس منكدر نحجي خوفا من الدعاوي الكيدية. نسكت ونقول لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

وقال أديب: أرى في الأمر مبالغة.. هذا حسب علمي.

وأقسم آخر: الشهادة لله، لم ندفع شخصيا هكذا مبلغ عند المراجعة، وانما رسوم ووصل واستمارات نكون بشكل معلن من دون اللجوء الى وضع مبلغ في الفايل.

وهناك من حددها بدوائر معينة:

- مو كل الدوائر، بس دوائر المرور شفتها بعيني،

- صارت عندي بدائرة المرور،، مو 25 الف.. أكثر،

- والله انا عن نفسي، راجعت الضريبة في حي العدل عبارة عن دائرة ابتزاز، يمكن صرفنا مليون دينار رشاوي في معاملة اصولية.

وهناك من سخر قائلا:

- خمسة وعشرين هاذي مال السلام عليكم!.. الموضوع اكبر من ذلك بكثير.

- هذا اذا تساهلوا مع المراجع وشافوه بلا ملابس!

وكان رأي الأغلبية المطلقة ان (الرشوة) موجودة، بينهم من خصها بدوائر معينة وآخرون عمموها.. اليكم نماذج منها دون ذكر الأسماء:

* بما ان الجواب سيكون بالذمة، فهذه الحاله لا تعمم على الجميع ولكنها موجوده في معظم الدوائر وخاصة في المعاملات المتعلقه بالاموال او العقارات، وهذه الحالات تحصل مع المحامين اثناء مراجعتهم، وهنالك حالات تنسيق خارج الدائرة. اما المعقبين فعملهم قائم على اساس مبلغ (٢٥) الف. نعم هذه الظاهرة منتشرة على نطاق واسع تحت مسمى (وين المالات).

* أكاديمي: صعدت اكثر من درج قاصداً غرفة المسؤول المعني، فوجدت عند الباب طابور من المراجعيين.أخذت موقعي في آخر الطابور وانا انتظر دوري.كان الدخول والخروج واغلب المراجعيين كانوا فرحيين بسرعة انجاز معاملاتهم لااعرف لماذا مما اثار استغرابي!!

جاء دوري فزعق بوجهي بعد ان بحث في وسط الفايل (شنو هاي).. قال لشخص يقف منتصباً بجانبه (اخذه خلي ايكمل اوراقه).

خرج معي الشخص المعني وعند غرفة الباب (باللوفه) قال (جيب خمسه وعشرين خليهه بنص الفايل). عملت المطلوب ثم دخلت.. فخرجت بعدها فرحاً جداً جداً اسوة بالاخرين.

ملاحظه :هذه في دوائر العقارات تحديداً.. طلع الواكفين كلهم معقبين بس اني الغشيم !.

* كنت مارا في احد شوارع مجمع سكني فسمعت احدهم يحدّث الآخرين وقوفا (ياجماعة هذا الموظف خلص معاملتي وما اخذ مني فلس)، فدفعني الفضول وقلت له بعد ان توقفت بالقرب منهم (حبيبي اكيد هذا شيوعي) فقال: (يمعود لا مو شيوعي بس هوه انسان نظيف) وبعد عدة ايام رآني ذلك المتحدث وصرخ باعلى صوته قائلا: (ابشرفي هذا الموظف طلع شيوعي!).

* كاتب: هناك أزمة أخلاق تعصف بالبلد وطبعا الموظف الصغير عندما يسمع بحجم الأموال المنهوبة والمسروقة وضعف الرقابة يصبح هذا دافعا له لممارسة الابتزاز والضغط على المواطن ليستجيب لرغباته.الرشوى والابتزاز أمر شائع ووباء استشرى كالنار في الهشيم. ولكن هل هو جديد ويرتبط بهذه المرحلة فقط.. طبعا لا. خذ مثلا في الحرب العراقية الايرانية نوع وحجم تجهيزات وارزاق الجندي الإيراني والعراقي، ستجد البون شاسعا، حتى ان رأس النظام قال مرة لو أنني ارسلت للجنود جملا لوصلته فقط الاذان.. وقس على ذلك.

* شاعر: عندما يسمع ويرى المواطن ان الرشوة وسرقة المال متفشية الى هذا المستوى يصبح لا اراديا ميالا الى التحصيل واكتناز المال بطريقة غير شرعية خوفا على نفسه.. وهذا يعني ان الحكومة هي الدافع الرئيسي لفساد المجتمع وفقدان الاخلاق.

* شنو الي تغير دكتور عن السابق.. الفساد باق ويتمدد.. الضريبة والطابو نماذج حية للفساد دون حسيب او رقيب تحت مرأى ومسمع المسؤول. ما تمشي شغلتك اذا ما تدهن زردومه كما يقولون.

* اكتب اليك سيدي الفاضل وانا استاذ وبدرجة بروف منذ عشرين سنة. راجعت وزارة التعليم العالي قبل ايام مرتين وفيهما تمت اهانتي بشكل حقير رغم انني كنت مكلفا بعمل لصالح الوزارة.. والله المستعان فألى اين المهرب؟

التحليل

تعني (الظاهرة) بمفهومها الأجتماعي.. شيوع فعل او سلوك بين افراد المجتمع، وغالبا ما تطلق على افعال ما كانت موجودة بمثل ما صارت عليه، مثل المخدرات في العراق التي كانت نسبتها قليلة في سبعينيات القرن الماضي، وشيوعها بعد 2010 لتصبح ظاهرة اتعبت حتى الدولة في مكافحتها.

ونرى، أن شيوع الرشوة في دوائر الدولة العراقية يعزى لثلاثة اسباب:

الأول، شيوع الفساد

يعترف الجميع بشيوع الفساد في العراق، بمن فيهم (المرجعية الموقرة) التي وصفت كبار الحكام بأنهم (حيتان الفساد)، فيما اعترف السيد نوري المالكي بان (لديه ملفات للفساد لو كشفها لنقلب عاليها سافلها).. وما كشفها مع انه كان في حينها الرجل الأول في الدولة. وان الفساد تسبب بصرف أكثر من ترليون دولار أميركي، بين عامي 2003 و 2018 بحسب الخبير الاقتصادي لؤي الخطيب، ليصبح العراق ثاني افسد دولة في العالم واولها في حجم الأموال المسروقة باعتراف خبراء عالميين، وأن ما يسرق يقاس بالمليارات بحسب نائب رئيس لجنة النزاهة الأسبق موسى فرج.

ومن متابعتنا للعملية السياسية في العراق بعد تشكيل اول حكومة عام 2006، توصلنا الى نظرية نفسية كانت بالنص:

(اذا تساهل القانون في محاسبة فعل كان يعدّ خزيا، وغض الآخرون الطرف عنه او وجدوا له تبريرا.. شاع في المجتمع ولم يعدّ خزيا كما كان.. الفساد في العراق مثالا).

ما يعني أن الفساد في العراق يشكل السبب الرئيس في وصول (الرشوة) الى ظاهرة بدوائر الدولة العراقية.

الثاني، غياب القائد القدوة

قل عن الرئيس العراقي الأسبق عبد الكريم قاسم ما شئت، لكن الجميع يعترف، بمن فيهم اعداؤه، بأنه كان نزيها. فالرجل كان ينام بغرفة في وزارة الدفاع، ولم يتقاضى امتيازات، فاقتدى به وزراء حكومته والموظفون في دوائر الدولة، فيما الذين تولوا الحكم بعد 2003 استفردوا بالسلطة والثروة وسكنوا القصور، مع أنهم رجال دين وان رسالة النبي محمد كانت اخلاقية بالدرجة الاساسية (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وكان عليهم ان يقتدوا بمن خصه الله سبحانه بقوله(وانك لعلى خلق عظيم).

وكان عبد الكريم قاسم يعتمد معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة، ومبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب في اغلب اختياراته.. مثال ذلك:ابراهيم كبة (اقتصاد)، محمد حديد (مالية) فيصل السامر(ارشاد)هديب الحاج حمود (زراعة) ناجي طالب (شؤون اجتماعية)…نزيهة الدليمي(بلديات).. وهي اول وزيرة في تاريخ العراق. واختياره عقلا اكاديميا عبقريا درس على يد آينشتاين لرئاسة جامعة بغداد التي تاسست في زمنه.. الصابئي المندائي الدكتور عبد الجبار عبد الله، برغم معارضة كثيرين، قالوا له كيف تعين هذا الصابئي.. فأجابهم: (عينته رئيس جامعة وليس خطيب جامع)، فيما قادة الحكم الجدد اعتمدوا مبدأ المحاصصة والقرابة للتعيين في دوائر الدولة التي تقاسموها (عائليا) وكثير منهم لا يملك شهادة ولا مؤهل ما اثار الشعور بالحيف لدى موظفين مستقلين شكل عاملا لتعاطي الرشوة.

واذا كان الموظف قد فقد القدوة السياسية فانه فقد القدوة الدينية ايضا، اقبحها ان يرى في التلفزيون اثنين من المعممين يتهم احدهما الآخر بالفساد فيصل الى حوار مع نفسه (اذا صاحب العمامة صار فاسد.. ظلت عليّ)!.

الثالث.. الفقر

يعدّ العراق البلد الأغنى في المنطقة.. وأحد اغنى عشرة بلدان في العالم، ومع ذلك بلغ عدد من هم دون خط الفقر فيه اكثر من 13 مليون في سابقة ما حدثت بتاريخ العراق السياسي. وزادها مؤخرا ارتفاع سعر الدولار وغلاء المواد الاساسية وبالذات الغذائية منها.. ليذكرنا الحال بمقولة ابي ذر الغفاري (عجبت لمن لا يجد قوت يومه ولم يخرج شاهرا سيفه).. وقد فعلوها من شباط 2011 الى كانون اول 2023، خرجوا في جميعها شاهرين علم الوطن، وما استجابوا لصرختهم.. لتشكل مبررا للرشوة عند من اماتوا فيهم الضمير الأخلاقي والديني.

والحل؟!

واضح ان الحل يكون بمعالجة هذه الأسباب الثلاثة.. وواضح ايضا ان الحكومة الحالية ليس بأمكانها حلها، وان السيد محمد شياع السوداني لو فكر في ذلك، فان عليه ان يتذكر سلفه السيد حيدر العبادي يوم كان رئيس وزراء ووعد بأنه سيضرب (الفساد بيد من حديد)، وأكد قائلا (يقتلوني.. خل يقتلوني) وفي أقل من شهر تخلى عن وعده واعترف علنا.. ان الفاسدين يمتلكون المال والسلاح والفضائيات.. انهم مافيا.

وتلك هي الحقيقة.. انهم مافيا و.. دولة عميقة.. بيدها الأمور، الآن و.. لغد بعيد!.. ما لم يتوحد ملايين الجياع في ثورة سلمية.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

منذ عدة عقود تعرضت مجموعة مجتمعات في شرقنا الاوسطي الى تغييرات فوقية اما بسبب الصراعات السياسية البينية او نتيجة حروب قاسية أحدثت تشويهات غائرة فيها، ناهيك عن فقدان قود الدولة وهيبتها امام تكوينات أخرى بديلة لها او مدسوسة في جسدها كما يحصل في لبنان واليمن وسوريا والعراق حيث يفقد المجتمع عذريته في الامن والسلم الأهلي، وتنهار أواصر النسيج الرابط بين مكوناته فينحدر الفرد تحت طائلة الخوف والبحث عن السلام الى بدائل لوطنه بحثا عن الحماية والشعور بالأمان، ويبدو ذلك جليا في هذه المجتمعات ومثيلاتها منذ تكوين أنظمتها السياسية، خاصة تلك التي خاضت صراعات سياسية واجتماعية حادة بسبب الانقلابات العسكرية والتناحر السياسي الدموي على السلطة، حيث فقدت عذريتها السياسية والأمنية والاجتماعية وتحولت الدولة الى اللا دولة بغياب قانون متفق عليه لتفاصيل الحياة، فتقزّم المجتمع وانكمش إلى مجموعة اوطان تحتضن افراده وتوفر لهم الأمان الذي افتقدوه بغياب الجامع الوطني، تلك الملجئيات الجزئية أو الأوطان البديلة التي التجأ اليها الفرد تكمن في القبيلة والدين والمال.

وفي هذه الطوابق الثلاث من الأوطان البديلة: القبيلة والدين والمال، ينكفئ فيها الفرد متحصنا بها في غياب مفهوم المواطنة والانتماء الجامع لوطن ولدولة تنظم حركة الحياة وحدودها وترسم خارطة القوانين ومؤسساتها، هذا الهروب يضطر فيه الفرد الخوض في دهاليز التاريخ والموروثات الاجتماعية في العادات والتقاليد وتركيباتها في محاولة للبحث عن السلام وتهدئة روعه وارتباكه النفسي إزاء فقدان الدولة للقانون الأساس وتطبيقاته في حياة تلك المجتمعات القلقة، وفي خضم هذا الارتباك النفسي والاجتماعي يفقد المجتمع ذلك النسيج الوطني المنتج للمواطنة ويتحول الى مجموعة تكوينات غير متناسقة لا يجمعها مشترك لا تشعر بحاضرها البائس ولا ترى بصيص امل في القادم من الأيام وسرعان ما تنحدر الى دهاليز التاريخ في محاولة للبحث عن البدائل او حقائق الأحداث لاستنباط ما يخرجها من ازمتها.

وفي صفحات التاريخ سرعان ما تصطدم بأوجه المدونات التاريخية للأحداث، تلك المدونات التي أكدت الأيام انها كتبت برؤى مختلفة وأمزجة متناقضة، بل ومواقف معادية أو متحالفة مع الحدث وعناصره وأسبابه ومسبباته، وهي بالتالي تحتاج إلى أدوات ووسائل غاية في الدقة والمهنية والتحقيق، لأن الحفر في التاريخ بمعاول مثلومة، ربما تقودنا إلى دهاليز معتمة، أو تفاجئنا بأحداث تعيد ذاكرتنا إلى ما لا يشتهيه البشر، وعلينا أن نتذكر دائمًا أن التاريخ ليس صفحات مقدسة أنزلتها الملائكة من السماء، إنما هي أحداث وثّقها بشر مثلنا، تتحكم فيه الغرائز والعواطف والحب والكره والانفعالات، وهو في الآخر يكتب من خلال زاويته التي ينظر منها إلى الأحداث، على خلفية معلوماته أو مشاعره تجاهها، وكيف يراها حسب تلك الميول، ومن هنا ندرك أن التاريخ ليس كتاباً مقدساً لا يخضع لتلك العوامل، وهو بالتالي مجموعة احداث يراها كاتبها في تلك اللحظة التي وثّقها، ولذلك علينا أن نتوخى الدقة في قراءتها، والاهم قراءة صاحبها الذي دونها؛ لذلك أرى أن الطريق الأقصر في بناء مجتمع معاصر بعيداً عن دهاليز أولئك الذين سجلوا تلك الوقائع تحت ضغط أمزجتهم، سواء أكانت تلك الصفحات معتمة أم مضيئة، أن نؤسس بنياننا على العلم الحديث والاستنتاجات بثقافة نقدية استنتاجية لكل ما سطره الأولين في توثيق الأحداث التي ورثت تداعياتها هذه المجتمعات، لكي نصل إلى مجموعة معطيات نبني على أساسها مجتمعاتنا الحديثة، وكلما تعلمنا أكثر، تعلم أبناؤنا وبناتنا أكثر، دونما العودة الببغائية والصنمية إلى التاريخ وصفحاته، فمن يبني حاضراً جميلاً لن يحتاج العودة إلى الماضي لكي ينظر إلى المستقبل.

***

كفاح محمود

 

 

منذ التأسيس الأول للدولة الوطنية العراقية عام  1921 ،شكلت ظاهرة عدم الثقة بين المواطن والسلطة اللوحة الأكثر حضورا ورواجا، لتكون لوحدها المعلم الأخطر ليس فقط على المستوى السياسي وإنما تمتد لتشوه بصبغتها باقي مناحي الحياة بعمومها وتشكيلاتها، ويعزى السبب في ذلك لسياسات مؤسسات السلطة نفسها، ويتوافق وطبيعة المجتمع العراقي بموروثاته الدينية والاجتماعية والاقتصادية.

على عهد البعث أسس لنمط جديد من علاقات الريبة والخوف وانعدام الثقة، ليس فقط بين المؤسسات السلطوية وأبناء الشعب، وإنما استفحلت مظاهر التخوين والظنون والتشكيك والوشايات بين أوساط الناس، ووضع الجميع في ريبة من أمورهم حتى البسيطة منها، خوفا من أن تؤول في غير محلها، وبات المواطن مع ما يسمع عن مخرجاتها، يخشى حتى أقرب الناس إليه.وجراء ما أقترف بسبب ذلك من جرائم،فككت الكثير من أواصر ولحمة العلاقات المجتمعية وبالذات منها الأسرية.

ما بعد عام الاحتلال 2003،وفي الراهن من الوقت وبعد سيطرة قوى سياسية جديدة على الشارع العراقي، وانتشار وسائل الإعلام، راجت بضاعة بمهام مستحدثة وبطبيعة سياسية، تخطت بأشواط بعيدة سابقاتها بالقدرة على الإيذاء، وراحت ترفع من حدة سوء النوايا وعدم الثقة بين الأفراد والقوى السياسية، وكذلك بين الشرائح المجتمعية، وما عاد المواطن يدرك معها أين يضع قدميه وأي طريق يتوجب عليه سلوكه.

فقد راج استعمال أسلوب الإشاعة السياسية والاجتماعية، لتصبح الوسيلة المثلى ليس فقط للتسقيط السياسي أو الاجتماعي، وإنما طريقة فائقة التأثير والقسوة في الابتزاز وتكميم الأفواه.ولم يكن هذا الأسلوب بالمستحدث في الشارع العراقي، ولكنه يعد اليوم من الأسلحة الفتاكة وذات الأثر المدمر، بعدما أصبحت وسائل الإعلام ملعبا وفضاءً واسعا ومباحا لها. وقدمت القوى السياسية وبالذات الحاكمة منها العون الكثير لترويج أسلوب الطعون والتخوين والظنون والعدوانية، عندما ابتدعت ما سمي بالمخبر السري، ليصبح واحدا من أكثر مجالات الارتزاق والتكسب عبر وظيفة الوشاية والابتزاز.

ومنحت السلطة نفسها الحق القانوني بإخفاء المعلومة والتستر عليها، وتم توظيف ذلك عبر التشويش وابتداع الفذلكة السياسية ودفع الحقائق إلى الخلف ووراء كواليس مغلقة تماما،وليتم تسريب الأخبار البعيدة عن جوهر الحدث، ورمي الاتهامات على الخصوم، وغلق الأبواب أمام الإعلام بحجة الحفاظ على أسرار الدولة. ووصلت المرحلة لحالة من الإسفاف والتخبط في التغطية على العيوب والعورات، ما عاد هناك معها مجال لجسر حالة انفصام الثقة بين الشعب وحكومته، بعد أن اختارت السلطة الابتعاد كليا عن مكاشفة الشعب بالحقائق، ومحاولة تحصين نفسها بالكبرياء والعنجهية السياسية، وتبني خيار عدم الاكتراث من الموقف النقدي الذي يوجه لها، أو العزوف والتغافل عن رؤية ما يتعرض له الناس من معاناة يومية عديدة وعامة، تسحقهم سحقا دون أن يجدوا من ينتشلهم من هذه الأوضاع المزرية 

واليوم نشاهد بشكل متسارع ومتضارب كيف تتسرب المعلومة إلى الشعب عن سبب انحدار سعر الدينار العراقي تجاه الدولار وعجز الحكومة ومراوغتها في قول الحقيقة وإعلان الأسباب الكامنة وراء هذا التدهور، وكيف باتت العملة العراقية مهددة وبزمن قريب لفقدان الكثير من قيمتها، مما ينذر بعصف مقبل يكبد الدولة والمواطن خسائر فادحة في المداخيل والمدخرات، وتعم الأسواق فوضى أسعار المواد الأساسية وبالذات الغذائية منها. وتتعرض قيم الفائض المالي الذي تراكم خلال السنتين الأخيرتين جراء ارتفاع أسعار النفط، إلى هزة عنيفة تفقده قوته الشرائية وقيمته السلعية.وأصبح الناس مع هذا التخبط والعشوائية في الأداء الحكومي، لا يعرفون حقيقة ما يحدث لوطنهم ولا يصدقون ما يصل لأسماعهم ،ويحملون بلوعة جارحة أسئلتهم الحائرة، أين تذهب كل تلك الأموال، ولماذا يدفع الناس فواتير أخطاء السلطة وأحزابها الحاكمة.

دائما ما تستخدم بعض أطراف السلطة أسلوب تسريب الإشاعة الإعلامية ، إن أرادت تمرير موضوعة ما لصالحها، ومثلها يفعل خصومها، ولذا يجد المواطن حيرة من أمره في محاولة مستحيلة لإمساك ما هو حقيقي من كل تلك التسريبات.

في واحدة من أكثر المساوئ التي تقترفها القوى السياسية الحاكمة لإشاعة الشكوك والظنون كانت وما زالت طبيعة تشكيل اللجان التحقيقية في الحوادث والمصائب السياسية والجرائم الكبرى، التي وقعت وتقع بشكل مستمر. فالمؤسسات الحكومية تقدم في حينها وبشكل متضارب تصريحات عجولة عن طبيعة تلك الأحداث، ثم تخرج في اليوم التالي لتعلن وبشكل بائس، ما يتعارض مع التصريح السابق. أو ان المؤسسات ذاتها، تتنازع وتطعن في تصريحات بعضها.

وحين يعلن عن تشكيل لجنة تحقيقية لاستجلاء واقع الحدث ومسبباته، تختفي بعد وقت وجيز معالم تلك اللجنة وتصبح في خبر كان، وتطمس جميع الوقائع وتختفي معها الوثائق والدلالات الجرمية، وفي الأخير تتبخر نتائج التحقيق وتختفي كليا معالم الجريمة، وتتواتر بعدها التصريحات في شطحات هزيلة متهافتة، رغم ألم المصاب ووجع الخيبة الذي يعتمر قلوب الناس ويخلد في ذاكرتهم. ولحد الآن لم نسمع من السلطات الحاكمة على عدد متوالياتها وأطوارها، والتي أدارت دفة السلطة على مر سنوات ما بعد سقوط البعث، ولو نتف بسيطة وحقيقية عن نتائج التحقيق في الجرائم الكبرى التي راح ضحيتها الآلاف من أبناء شعبنا في مختلف مناطق العراق. وما عدنا نعرف حقيقة الأمور وكيف وقعت أو دبرت، ومن أدارها وكيف تم معالجتها وإلى أي مرحلة وصلت نتائج التحقيق فيها، مثل جرائم السرقات الفائقة النهب للمؤسسات المالية،والتي فضلت السلطة نفسها إطلاق تسميات رنانة لتوصيفها.

فمازال المواطن في ريبة وشك من وقائع ما يدور وراء الكواليس عن سرقة القرن التي بلغت فيها المليارات من الدولارات من أموال الضرائب للشركات، وهي أموال يجب أن تكون عائداتها لخزينة الدولة، ومن ثم لصالح الشعب. فلأول مرة نسمع عن إطلاق سراح متهم متلبس بالجريمة وباعترافه الضمني وليس الظني، ليساعد السلطة في استرداد ما سرقه، بالرغم من معرفة السلطة والقضاء مقدار ما سرقه وأين وضع المبالغ المسروقة ومن هم شركاؤه في تلك الجريمة. ومع مثل هذه الطرفة الموجعة والغرائبيه، تفضل السلطات التلاعب بأعصاب الجمهور، عبر تسريب بعض أخبار بالصورة والصوت عن استرداد الجزء اليسير من المبالغ، وتتكتم عن مصارحة الناس بما اعترف به وقدمه للعدالة هؤلاء المجرمون الإرهابيون، وتفضل اللجنة التحقيقية حصر كامل القضية في دهاليز تحجب عنها الرؤية خوفا من إظهار الحقيقة التي تفشي علاقة هؤلاء المجرمين بأهل السياسة من الذين يديرون السلطة وبيدهم مكامن الحل والربط. 

ومما يؤلم وجعل الناس في ريبة وانعدام كلي للثقة بالسلطة،  اختفاء وطمس المعلومة  عن نتائج التحقيقات في مخالفات تزوير وسرقات ووقائع جرمية صريحة وواضحة في صفقات أجهزة ومعدات استوردت للعراق طيلة الأعوام العشرين، والتي مرت بكل تلك الكثافة والسعة عبر عمليات نهب مفضوحة ، ودائما ما كانت أصابع الاتهام تشير فيها ومن داخل مؤسسات السلطة نفسها وبشكل ناجز وفاضح عن ضلوع العديد من المسؤولين في جهاز الدولة، وفي أعلى مراكزها في تلك العمليات، وكان صمتهم وتسترهم  لوحده يوحي بوجود مهام موكلة للبعض في التهيئة والتنفيذ والتستر والإخفاء، لذا تراهم يبذلون جهودا كبيرة في تبادل الأدوار لطمس معالم الجريمة ومن ثم رميها في غياهب النسيان.

وبالرغم من معرفتنا بالأداء السيئ والمتهافت للعديد من المشاركين في مسؤولية إدارة الدولة، وانعدام كامل للمهنية عندهم، و جهلهم المطبق في إدارة مؤسسات الدولة، فإن هذا لن يعفيهم من أن يتهموا بالمشاركة الفاعلة وبقصديه في مثل تلك الجرائم،وهم ومهما اختلفت الظروف وتقادم الزمن، يبقون مطلوبين للعدالة. فعدم ظهور نتائج لأي نوع من التحقيقات يعني ضلوع تلك الأجهزة وبشكل مباشر في اقتراف تلك الجرائم. وعند هذا الحال يجب أن لا يتناسى أصحاب القرار بأن تلك الحوادث ليست فقط راسخة في أذهان أهل الضحايا، وإنما هي خزين ألم وخيبة وسوف تبقى دائما في ذاكرة الشعب عن الفترة التي اقترفت فيها ومن كان يدير دفة السلطة حينها.

***

فرات المحسن

أظهرت بعض الأبحاث السابقة أن الناس في الدول الغربية عادة ما يبالغون في تقدير حجم الأقليات العرقية الأخرى. [دراسات صادرة عن جامعة هامبورغ، جامعة جورج واشنطن،  وجامعة جورج تاون، وجامعة هارفارد، وجامعة ييل].

تتنبأ نظريات التهديد بين المجموعات بأن الأغلبية من السكان، يعتبرون أن الأقليات هم الأقل تفضيلاً. يبالغ الغربيون والأمريكيون في تقدير النسبة المئوية للسكان المولودين في الخارج أو الذين يعيشون في الولايات المتحدة وأوروبا بصورة غير شرعية.

في سبع تجارب استقصائية منفصلة بعدد من الدول، على مدى أحد عشر عاماً، وجد الباحثون أن المعلومات الدقيقة لا تؤثر كثيراً على مواقف السكان الأصليين تجاه الهجرة. تستدعي هذه النتائج التساؤل عن آلية معرفية محتملة يمكنها تفسير نظرية التهديد بين المجموعات. قد تكون المفاهيم الخاطئة عن حجم مجموعات الأقليات العرقية هي نتيجة وليست سبباً، للمواقف تجاه تلك المجموعات.

كيف يشكل الناس مواقف حول القضايا ذات التأثير العرقي؟ حسب نظريات القوة أو التهديد بين المجموعات، فإن العنصر الرئيسي هو انتشار الجماعات العرقية والإثنية في البيئة الأوسع، بما في ذلك مفهوم الأمة. يزداد الشعور بالتهديد بين المجموعات الأخرى. في المقابل، يمكن لهذا التهديد المتزايد تقليل الدعم للسياسات التي تفيد هذه المجموعات، واستفزاز الإجراءات التي تهدف إلى الحد منها من قبل السلطة السياسية.

أحد الأسباب المحتملة هو أن تصورات الناس عن التركيبة العرقية في محيطهم غالباً ما تكون غير صحيحة. يميل الناس إلى المبالغة في تقدير انتشار الأقليات والمجموعات، حتى عند المستويات المنخفضة نسبياً من التجميع، مثل أعدادهم في الأحياء. علاوة على ذلك، ترتبط المفاهيم الخاطئة لأعداد ومدى انتشار المجموعات بالمواقف السياسية ذات الصلة أكثر من انتشار المجموعة الفعلي في الواقع.  وبالتالي، فإن المواقف تجاه الأقليات قد تتوقف على التصور الخاطئ بأن هذه المجموعات أكثر عددًا مما هي عليه بالفعل.

هذا يثير السؤال المقلق: ما هي عواقب تقديم معلومات صحيحة عن انتشار الأقليات في الولايات المتحدة وأوروبا؟ بالتركيز على المعلومات حول المهاجرين، يميل الناس إلى المبالغة في تقدير انتشار المهاجرين. وأولئك الذين يقدرون بدقة أكبر نسبة المهاجرين في بلادهم يوجد لديهم آراء أكثر إيجابية حول الهجرة. ومع ذلك،  فإن هذا الاكتشاف لا يمكن أن يثبت ما إذا كانت التصورات الدقيقة في الواقع هي التي تسبب المواقف.

معتقدات خاطئة

 قد يطور الناس مواقفهم حول الهجرة لأسباب أخرى، ثم يقدمون تقارير وتقديرات الانتشار والأعداد التي تبرر هذه المواقف. على سبيل المثال، قد يقوم الأشخاص الذين يعارضون الهجرة بالإبلاغ عن تقديرات أعلى لأعداد المهاجرين لأنها تبدو متسقة مع معارضة الهجرة أو لأنها تساعد في تبرير موقف حزبهم المعلن. لهذا السبب، قام باحثون بفحص عواقب تقديم المعلومات الصحيحة عن المهاجرين عبر سبعة تجارب مسحية. تقوم جميع التجارب بتعيين المستجيبين بشكل عشوائي لتلقي أو عدم تلقي معلومات دقيقة حول انتشار المهاجرين قبل الإبلاغ عن المواقف حول المهاجرين وسياسة الهجرة. وجد الباحثين أن هذه المعلومات تقلل من متوسط تقدير حجم السكان المهاجرين، مما يجعل معتقدات الناس أكثر دقة. لكن المعلومات الصحيحة لها تأثير ضئيل على المواقف حول الهجرة - بغض النظر عما إذا كانت هذه المعلومات حول عدد السكان المهاجرين على الصعيد الوطني، أو السكان المهاجرين غير المسجلين على الصعيد الوطني، أو السكان المهاجرين المحليين. ينطبق هذا النمط على الأشخاص الذين تم تصحيح تصوراتهم الخاطئة بشكل صريح، وكذلك أولئك الذين يمتلكون معلومات دقيقة. بالإضافة إلى تأثير هذه المعلومات الصحيحة غير مشروط بالتقديرات الأولية للأشخاص: حتى بين أولئك الذين يبالغون في تقدير انتشار المهاجرين بشكل كبير، فإن المعلومات الصحيحة لا تفعل ذلك ولا تؤثر على المواقف من الهجرة.

تتقاطع هذه النتيجة مع نتائج دراسات تجريبية أخرى لتصحيح المفاهيم الخاطئة لأعداد المجموعات العرقية، وتتوافق بشكل عام مع دراسة أخرى لتصحيح المفاهيم الخاطئة عن الهجرة على وجه التحديد. تدعم النتائج التي تم التوصل إليها فكرة أن المعلومات الصحيحة يمكن أن تغير التصورات الواقعية، ولكن ليس بالضرورة أن تغير المواقف، لأن أحد الأسباب المحتملة هو أن مواقف الناس من الهجرة تتجذر فيها ميول نفسية راسخة تمكن الناس من مقاومة بعض المعلومات التي تتحدى معتقداتهم الحالية.  النتائج التي تم التوصل إليها تستدعي أيضاً

التساؤل عن آلية معرفية محتملة تقوم عليها نظرية التهديد الجماعي.

 ترتكز هذه النظرية على أن وجود حجم مجموعة عرقية خارجية يؤدي إلى إدراك مناظر لحجمها، والذي بدوره يؤدي إلى ظهور الشعور بالتهديد من قبل الأغلبية، والدفاع المقابل من قبل المجموعة. ومع ذلك، فإن معرفة الحجم الفعلي للمجموعة لا يغير المواقف تجاه تلك المجموعة. إن هذه المواقف قد تكون لا تعتمد كثيراً على حجم المجموعة نفسها أو تصورات عن حجمها. واحد من نتائج الدراسات التي توصل إليها الباحثين يؤكد أن التصورات حول العدد الكبير من المهاجرين، قد يكون نتيجة أكثر من كونه سبباً للمواقف تجاه الهجرة.

تم إجراء خمس استطلاعات منفصلة بين عامي 2006 و2017 لمعرفة التأثير السببي للمعلومات الصحيحة حول حجم السكان المهاجرين. تضمنت التجارب أربع مجموعات مختلفة طُلب منهم ببساطة تقديم أفضل تقدير لحجم السكان المولودين في الخارج.

لقياس اتجاهات الهجرة، يتم استخدم عنصراً واحداً أو أكثر من ثلاثة عناصر. واحد يلتقط بشكل عام المواقف تجاه الهجرة القانونية: “هل تعتقد أن عدد المهاجرين من الدول الأجنبية

الذين يُسمح لهم بالقدوم إلى الولايات المتحدة للعيش يجب زيادتهم كثيراً، أو زيادتهم قليلاً، أو تبقى على حالها؟ هل انخفضت الهجرة قليلاً أم انخفضت كثيراً؟

 المقياسان الآخران يلتقطان التصورات للتهديد الاقتصادي والثقافي الذي يشكله المهاجرون: ما مدى احتمالية أن يكون المهاجرون الوافدون حالياً إلى الولايات المتحدة سيسحبون الوظائف من الأشخاص الموجودين هنا بالفعل؟  وما مدى احتمالية ذلك؟ هل ستهدد الهجرة الحالية والمستقبلية أسلوب الحياة الأمريكي؟ "

استنتاجات

يميل الأمريكيون إلى المبالغة في حجم السكان المولودين في الخارج - بقدر ما يبالغون في حجم العديد من مجموعات الأقليات - وهذه المفاهيم الخاطئة مرتبطة بآراء غير مرحبة بالهجرة. لكن تجارب المسح هذه لا تقدم أي دليل ثابت على أن معرفة الناس للمعلومات الصحيحة حول حجم السكان المهاجرين قد يغير مواقفها من للهجرة، على الرغم من أن هذه المعلومات الصحيحة قللت من تقديراتهم لأعداد المهاجرين في المتوسط. لقد كان هذا صحيح بغض النظر عما إذا كانت المعلومات قد تم تقديمها لهم ببساطة أو قد تم تصحيحها مسبقاً بشكل مباشر أو غير مباشر.

النتائج تدعم الدراسات السابقة التي تفيد أن المعلومات الواقعية حول حجم مجموعات الأقليات لا تغير المواقف حول السياسات التي تؤثر على تلك الجماعات بصورة مماثلة. في دراسة أخرى تم بحث تأثير المعلومات حول الهجرة. تبين أن تقديم المعلومات حول أعداد السكان المهاجرين جعلت الناس أقل احتمالا لتضخيم أعداد المهاجرين، لكنه لم يجعلهم أقل قلقًا بشأن الهجرة ولم يغير من تفضيلاتهم السياسية.

في النموذج الدنماركي

أظهر بحث مماثل في الدنمارك، أن الدنماركيين يبالغون في تقدير عدد المسلمين بشكل كبير، لكن الأهم هو أن موقف الدنماركيين لن يتغير تجاه المسلمين إذا تم تصحيح هذا المفهوم الخاطئ، بمعنى أنه لو تم نشر الأعداد الحقيقية للمسلمين، فلن يصبح موقف الدنماركيين أكثر قبولاً للمسلمين. هذا لأن الناس لا تشكل الآراء والمواقف على أساس الإحصاءات، بل إن العواطف والتحيزات ضد المسلمين في الدنمارك تجعل من تقدير عدد المسلمين بالنسبة لعدد السكان قضية تخمينية ترتبط بالعلاقة مع أشخاص ملموسين لأنهم يثيرون مشاعر ومواقف الدنماركيين العرقيين، أكثر مما تفعله الأرقام والإحصائيات.

توصل "راسموس تو بيدرسن" Rasmus Tue Pedersen الباحث في السياسة والإعلام في قسم العلوم السياسية بجامعة كوبنهاغن أن "نظرة الدنماركيين للمسلمين تتأثر بالوجوه وليس بالأرقام". ويضيف "لقد بالغنا في تقدير عدد المسلمين لعقود. أن تصور الدنماركيين لعدد المسلمين خاطئ تماماً"

ما الذي قد يعنيه موقف الدنماركيين تجاه المسلمين إذا تم كبح الحقائق الخاطئة؟ هل يمكن التوصل إلى طريقة للخروج من المشكلة؟

يتساءل الباحث هل يجب توظيف مئة شخص في هيئة الإحصاء الدنماركية كي نتأكد أن جميع الدنماركيين يتلقون الإحصائيات الصحيحة في صناديق البريد الخاصة بهم كل صباح؟

الباحث ذاته يجيب على سؤاله بالقول "لن يغير ذلك مواقف الناس كثيراً". يوضح أن الأمر لا يتعلق فقط بما يحدث في وسائل الإعلام.

يذهب الباحث إلى ابعد من هذا، حيث يقول إنه حتى لو ذهب السياسيون والصحفيون والباحثون إلى بيت دنماركي لإبلاغ الدنماركيين بالعدد الحقيقي للمسلمين ونسبتهم بين السكان، فلن يكون لهذا العمل التأثير الكبير.

تشير التأثيرات المتعددة لأنواع مختلفة من الوسائط إلى أن العلاقة بين التعرض للوسائط والحساب الدقيق قد يكون أكثر تعقيدًا مما يُفترض.

الحقائق لا تؤثر على المواقف

أجرى الباحث أربع تجارب اختبر فيها ما إذا كان الناس يغيرون مواقفهم تجاه الهجرة عندما يتعلمون عدد المهاجرين الموجودين بالفعل في الدنمارك.

في التجارب طلب الباحث أولاً من المشاركين تخمين عدد المهاجرين. بعد ذلك تم إخبار الأشخاص إما بالعدد الصحيح بشكل مباشر أو غير مباشر.

أخيرًا، قاس الباحث موقف الأشخاص الخاضعين للاختبار فيما إذا كان ينبغي زيادة أو تقييد عدد المهاجرين وإلى أي مدى. وجد الباحث أن تقديم معلومات دقيقة حول أعداد المهاجرين والمسلمين ليس له أي تأثير تقريباً على مواقف الناس تجاه الهجرة. حتى عندما يتم توعية الأشخاص صراحةً بأن تصورهم لعدد المهاجرين غير صحيح، فلن يكون له أي تأثير لتغيير مواقفهم.

المزيد من الإحصائيات ليس هو الحل

بناءً على نتائج الباحثين الأمريكيين وأبحاث أخرى مماثلة، يعتقد الباحث الدنماركي بيدرسن أنه لن يكون هناك تأثير كبير لوجود وسائط تهدف إلى إيصال الإحصاءات إلى السكان.

قد يكون للوسائط تأثير مختلف. ربما يكون السياسيون الذين يتفادون ذكر الأرقام أكثر حرصاً لأنهم لا يريدون المجادلة مع الأرقام الخاطئة في وسائل الإعلام.

لذلك لا يكفي تصحيح سوء فهم السكان للأرقام المجردة إذا أردنا منهم تغيير موقفهم من قضايا سياسية محددة.

يقول بيدرسن إن "الصلة بين مواقفنا السياسية وهذه الأرقام المجردة ضعيفة نوعا ما" لأن مواقفنا السياسية تتشكل بواسطة العديد من العوامل، لكن هذه الأرقام المجردة ليست شيئاً يؤثر علينا بشكل خاص.

لكن إذا لم تتشكل الآراء بناءً على الإحصائيات، كيف تتشكل؟

أستاذ العلوم السياسية بجامعة آرهوس والباحث في تكوين المواقف "مايكل بانج بيترسن" Michael Bang Petersen يقول إن طريقتنا في تشكيل المواقف تعود إلى الوقت الذي كنا نعيش فيه صيادين، عندما يتعين عليك إصدار أحكام أخلاقية حول ما إذا كان يجب استبعاد شخص ما أو تضمينه في المجموعة، لقد كان علينا التعامل مع أشخاص ملموسين.

إن طريقة اتخاذ القرارات وتكوين المواقف لا تزال بداخلنا. ما نتفاعل معه اليوم هو أيضاً الحلقات المحددة والأشخاص الذين يظهرون في القصص الإخبارية. هناك الكثير من الأمثلة حول الجدل السياسي الذي يمكّن أشخاصاً محددين خلق أو تغيير موقف الجمهور في منطقة معينة، فالدراسات تُظهر أن النقاش يؤثر بالفعل في مواقف السكان. فالأرقام المجردة مجهولة الهوية ولا تولد المشاعر.

يتعلق الأمر بالخيال

أجرى مايكل بيترسن مع زملائه عدداً من التجارب لاكتشاف كيف تؤثر الزوايا الشخصية على مواقفنا. درس أحدهم العلاقة بين الخيال والمواقف السياسية. فمن خلال أحد عشر دراسة في الدنمارك والولايات المتحدة الأمريكية، حقق الباحثون في كيفية تأثير الفروق الفردية في الخيال على تشكيل موقفنا السياسي. ركزت الدراسات على قضية سياسية حاسمة: الفوائد النقدية.

يشرح مايكل النتائج التي أظهرت أن الخيال لديه شبكة أكثر ثراءً وحيوية وتماسكاً من الأفكار حول متلقي المساعدة النقدية أكثر من متلقي الرعاية.

حيث تم تشكيل مواقف أوضح من الناس الذين يحصلون على المساعدات النقدية، فكانت ردود فعل الناس العاطفية أقوى تجاه متلقي المساعدة النقدية، لقد شعروا بغضب إذا اعتبروهم كسالى، بينما اظهروا تعاطفاً أقوى تجاه متلقي الرعاية إذا اعتبروهم أناس غير محظوظين.

نعيد سرد القصة الشخصية

في تجربة أخرى، وضع بيترسن وزملاؤه مواضيع اختبار مختلفة للعب لعبة أطفال كلاسيكية، حيث يقرأ شخص قصة ويعيد المتلقي روايتها لشخص آخر، ثم يعيد الأخير روايتها. ثم ترى ما سيحدث في النهاية. كانت القصص التي كان على الناس إعادة سردها عبارة عن مقالة إخبارية تحتوي على قصة شخصية ملموسة وبعض الإحصائيات.

في النهاية ، تمكن بيترسن وزملاؤه من معرفة أي جزء من القصة نجا من التقاليد الشفوية. كانت النتيجة واضحة. حيث إنه "عندما يعيد الناس سرد قصة إخبارية على مائدة العشاء، يمكننا أن نرى أن ما يرسمونه هو الزاوية الشخصية وليس الإحصاءات العامة" إن ما يركز عليه الناس ويبرعون في تذكره هو هذه القصص الشخصية، كما يقول أستاذ العلوم السياسية، الذي ذكر "من الواضح أن العناصر العرضية تمر عبر سلاسل النقل هذه."

متلقي إعانة البطالة الكسول عالق في الذهن

في دراسة ثالثة استأجر مايكل بيترسن ومجموعته البحثية ممثلاً ليكون بمثابة متلقي الرعاية الاجتماعية النقدية. كان على الممثل أن يتصرف إما كمتلقي بطالة كسول أو شخص سيئ الحظ يريد العودة إلى العمل. قام الباحثون بعد ذلك بقياس الموقف تجاه متلقي إعانات البطالة بين أولئك الذين تعرفوا على هذين النوعين من متلقي إعانات البطالة، وكانت النتيجة مذهلة.

يقول بيترسن: "تمكنا من تتبع التغييرات في موقف الناس تجاه إعانات البطالة لمدة تصل إلى شهر، اعتماداً على ما إذا كانوا قد تعرضوا لمتلقي إعانة البطالة الكسول أو غير المحظوظ".

بالتعاون مع مجموعته البحثية، يقوم حالياً بتحليل النتائج، لذلك لم يتم نشر التجربة بعد كمقال علمي. يشير البحث إلى حقيقة أن القصص الشخصية وليس الإحصائيات هي التي لها تأثير على تشكيل مواقفنا، ومع ذلك هذا لا يصح دائماً.

***

حسن العاصي

كاتب وباحث فلسطيني مقيم في الدنمارك

................

مصادر

https://papers.ssrn.com/sol3/papers.cfm?abstract_id=2798622

https://dataverse.harvard.edu/dataverse/jop

https://videnskab.dk/kultur-samfund/danskernes-syn-paa-muslimer-paavirkes-af-ansigter-ikke-tal

ما نتحدث عنه هو ما اصطُلح على تسميتها بالثورات الشعبية لوصف الأعمال السلمية والعسكرية الموجهة ضد ما تعتبره الجماهير أنظمة دكتاتورية و استبدادية ورجعية الخ، والتي لم تنج منها دولة عربية منذ ثورة 26 يوليو في مصر 1952 وانتهاء بما يجري في السودان مرورا بـ (ثورات الربيع العربي) التي مر عليها 12 سنة وما زالت تداعياتها متواصلة، وقبل الاستطراد نؤكد على أن استعمالنا لمصطلح الثورة على كل محاولات اسقاط الأنظمة السياسية أو تغييرها لا يعني أنها كانت ثورات شعبية بالمفهوم الدقيق للثورة بل كان أغلبها انقلابات عسكرية أو حروبا أهلية أو مؤامرات خارجية أو ثورات مضادة.

بالرغم من توالي الثورات والانقلابات والحركات التصحيحية والمظاهرات والاحتجاجات وإسقاط أنظمة سياسية وحلول أخرى، إلا أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول العربية لم تتغير كثيرا إلى الأفضل بل توجد مؤشرات ووقائع على حالة تدهور وتراجع على كافة المستويات – باستثناء دول الخليج العربي-. فكيف يمكن تفسير ذلك وهل أن الشعوب العربية بثقافتها و منظومتها الاجتماعية وارثها التاريخي غير مؤهلة للقيام بثورات ناجحة وأن تحكم نفسها بنفسها؟ أم أن هناك قوى خارجية معنية باستمرار حالة التخلف العربي واستمرار الأنظمة الاستبدادية والشمولية؟ أو نفترض أن فكرة الثورة والانقلابات خاطئة من حيث المبدأ وأن نهج الإصلاح التدريجي هو المناسب أكثر للشعوب التي عانت طويلا من الاستعمار وتسودها حالة جهل وأمية؟

كثير من الثورات والانتفاضات الشعبية في العالم أُجهضت من الداخل ليس لقوة العدو أو لخطأ في مبدأ الثورة والمقاومة، أجهضها أشباه ثوار وأشباه مناضلين من ديماغوجيين وتجار كلام وشعارات، وبعض الثورات والانتفاضات كانت وبالا على شعوبها، حيث حل مستبدون وطغاة جُدد بزي ثوري أو جهادي محل الدكتاتوريين القدامى، وكان فساد أنظمة ثورية وإسلامية جهادية أكثر تدميرا من فساد أنظمة رجعية ويمينية.

كانت المنطقة العربية ساحة تجارب لكل الأيديولوجيات الأممية والقومية والإسلاموية والوطنية، وانساقت الجماهير العربية وراء الأحزاب والجماعات الأيديولوجية التي تطالب بالتغيير عن طريق الثورة عسى ولعل أن يكون على يدها الخلاص، وكان كل نظام جديد يأتي بعد الثورة/ الانقلاب يبدأ من نقطة الصفر متجاهلا ما حققه من سبقه واعدا بعهد جديد من الحرية والكرامة والازدهار والقضاء على الفقر والبطالة الخ، إلا أن الأمور تسير عكس الوعود ويكتشف الشعب أن كل الأيديولوجيات مجرد شعارات لتخدير الجماهير والتلاعب بعقولهم وأن هدف أصحاب هذه الأيديولوجيات هو الوصول للسلطة وليس مصلحة الوطن والشعب، وكان نتيجة كل هذه (الثورات) مزيد من البؤس وأنظمة سياسية مشوهة لا يمكن تصنيفها بأنها أنظمة ديمقراطية أو ليبرالية رأسمالية أو اشتراكية أو إسلامية أو ثورية.

 وهكذا يستمر الدوران في حلقة مفرغة من (ثورة) إلى أخرى ومن انقلاب إلى آخر، ويتواصل التلاعب بالمصير العربي وبالقضية الفلسطينية، هذه الأخيرة كان يتم توظيفها من بعض القوى المتصارعة على السلطة لتبرير انقلاباتها.

هذه الحالة كانت منذ السنوات الأولى للاستقلال واستمرت من بعدها وخصوصا في ظل ما يسمى الربيع العربي حيث تم التخلص من بن علي في تونس ومبارك في مصر والقذافي في ليبيا وعلي صالح في اليمن وقبل ذلك صدام في العراق، إلا أن الأمور زادت سوءا في هذه البلدان.

لسنا في وارد الدفاع عن الرؤساء الذين تم الإطاحة بهم ولكن من المفيد إعادة التذكير بما جرى في المنطقة العربية خلال العقد الماضي حتى نستخلص الدروس والعبر ولا يقع العرب في فوضى جديدة خصوصا أن المخططين والمنفذين لفوضى الربيع العربي ما زالوا فاعلين ويواصلون مؤامرتهم على الأمة العربية والقضية الفلسطينية.

التفكير بعقلانية وهدوء فيما جرى ويجري في الدول التي ضربتها فوضى (الربيع العربي) تجعلنا نكتشف كم كانت كبيرة وخطيرة المؤامرة على الأمة العربية، وكيف أن تحركات شبابية تجاوب معها غالبية الشعب تطالب بالحرية والديمقراطية وهي مطالب مشروعة ولا شك تحولت إلى حالة فوضى مُخطط لها مسبقاً من طرف أمريكا وأدواتها المحلية والكيان الصهيوني الرابح الأكبر من هذا (الربيع) المزعوم، أما الشعوب العربية فقد خسرت كثيرا دون أي مكاسب.

عندما تلتقي كل من: إسرائيل، تركيا، أمريكا والغرب، بعض دول الخليج وعشرات جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين وداعش والنصرة والقاعدة، على هدف دعم (الثورات) العربية وإسقاط الأنظمة القائمة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وحاولوا ذلك في الجزائر والمغرب ولكنهم فشلوا، فإن السؤال الذي يفرض نفسه ما هي مصلحة هذه الأطراف من إسقاط أو إضعاف هذه الدول والانظمة؟ هل لأنها دكتاتورية وتنتهك حقوق الإنسان الخ وتدخلهم كان دفاعا عن الشعب ومن أجل إقامة نظام ديمقراطي؟

لا نقصد من هذه التساؤلات الدفاع عن أي نظام ثار الشعب ضده، فكل الأنظمة العربية كانت وما زالت غير ديمقراطية، والتحركات الشعبية الأولى كانت على حق كما أن قمع الأنظمة لها كان خطأ كبيراً، ولكن لا يُعقل أن تكون الجماعات الإسلاموية المتطرفة تحارب لأنها تؤمن بالديمقراطية وتريد إسقاط أنظمة غير ديمقراطية! ولا يمكن تصديق أن تركيا تدخلت في سوريا وليبيا حرصاً على مصلحة الشعب السوري والليبي ولأنها ضد الدكتاتورية، كما لا يمكن لعاقل أن يصدق أن أمريكا تدخلت في سوريا وأرسلت قوات وبنت قواعد عسكرية من أجل عيون الشعب السوري ولأنها تريد نشر الديمقراطية، ونفس الأمر بالنسبة لتدخل الكيان الصهيوني وعدوانه المتواصل على سوريا.

بالعودة للسؤال الرئيس حول فشل (الثورات) بشكل عام يمكن الحديث عن عدة أسباب:

1- كانت تجري عملية اختزال أزمات ومشاكل البلاد بشخص الرئيس/الملك، فتحدث انقلابات عسكرية لتغيير رأس النظام، الرئيس/الملك اعتقادا أن المشكلة تكمن في الرئيس وأنه بالتخلص منه ستتغير أحوال البلاد تلقائيا، بينما في حقيقة الأمر المشكلة تكمن في كل المنظومة الاجتماعية والسياسية من مؤسسات وثقافة سياسية وعلاقات اجتماعية وارتباطات خارجية بالإضافة إلى أسباب موضوعية تاريخية.

2- غياب ثقافة الديمقراطية عند الشعوب وعند غالبية قوى المعارضة السياسية، بل أحيانا كانت بعض الأنظمة أكثر اهتماما بالمسألة الديمقراطية من قوى المعارضة.

3- غياب رؤية واضحة للثورة والنضال الجمعي عند الشعوب وقوى المعارضة حيث كان يتم غالبا محاولة تقليد تجارب ثورية خارجية دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية.

4- تراجع القوى السياسية التقدمية والديمقراطية المنظمة وفي كثير من الحالات كانت قوى المعارضة تعادي بل وتحارب بعضها البعض أكثر من معاداتها للنظام السياسي.

5- غياب قيادات كاريزمية وازنة على المستوى الوطني تقود الثورة وتشكل قدوة للجماهير.

6- ضعف مؤسسات المجتمع المدني وتشرذمها واختراقها أحيانا من قوى خارجية معادية.

7- قوة تدخل وتأثير قوى خارجية معنية باستمرار الشعوب العربية في حالة ضعف وتخلف، وفي هذا السياق نلاحظ تدخل دول الجوار والغرب وإسرائيل.

8- كانت الثورات/الانقلابات تنجح في عملية الهدم أو اسقاط الحكومات والانظمة القائمة ولكنها تفشل في بناء البديل الأفضل، فالهدم يحتاج فقط لجموع غاضبة وهائجة أو تحرك وحدات عسكرية ولكن البناء يحتاج لعقول وخبرات واستراتيجيات عمل وقيادات وطنية مستقلة بقرارها.

 ولكن هل الثورات والانقلابات الطريق الوحيد لنهضة الأمة ومواجهة وتغيير الأنظمة القائمة؟

 لا نقلل من أهمية التحركات الشعبية بغض النظر عن مسماها وحجمها ولكن ليست الثورات أو الانقلابات الطريق الوحيد للتغيير ومواجهة أنظمة فاسدة وشمولية، بل يمكن الزج بالجماهير في فعاليات ثقافية واجتماعية وعلمية تراكم إنجازات وإصلاحات متدرجة، ولو أخذنا التجربة الأوروبية لوجدنا أن غالبية المجتمعات الأوروبية – باستثناء الثورة الفرنسة- حققت نهضتها على كافة المستويات من خلال مراكمة إصلاحات وإنجازات بشكل متدرج وكان هناك مواكبة بين الثورة السياسية والثورة الصناعية والعلمية والثقافية، وما حققته هذه الدول يفوق بكثير ما حققته دول أوروبية أخرى نهجت نهج الثورة والانقلابات العسكرية كدول أوروبا الشرقية وإيطاليا والبرتغال واليونان، ونفس الأمر بالنسبة لليابان وكوريا الجنوبية والهند وماليزيا وإندونيسيا.

 ***

إبراهيم ابراش

ترجمة: د. هاشم نعمة

بسبب معاناة ألمانيا وفرنسا من نقص العمالة، فإنهما تخططان لسد هذا النقص من خلال المهاجرين. فسوق العمل الألماني يشبه الجبن ذي ثقوب. وفقا لأحدث الأرقام الصادرة عن وزارة الاقتصاد والخزانة الألمانية، هناك أكثر من 20,000 وظيفة شاغرة في دور  حضانة الأطفال، و 10,000 وظيفة شاغرة تعود لسائقي الشاحنات و 100,000 وظيفة شاغرة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. وفي الأسبوع الماضي، أفاد موقع الأخبار الإنكليزي Wired  أن مصنع تسلا الجديد في براندنبورغ لا يواكب السرعة في عمله بسبب نقص الموظفين، وأن ظروف العمل تجعل الموظفين يبحثون بسرعة عن وظيفة أخرى. ويبدو أن أحدث نقص صارخ يتمثّل في نقص أطباء الأطفال؛ إذ أن مستشفيات الأطفال الألمانية لديها، بالكاد، القدرة على مساعدة جميع الأطفال الذين يعانون من التهابات الجهاز التنفسي.

في كل عام، يتقاعد مئات الآلاف من  طفرة المواليد في ألمانيا (بعد الحرب العالمية الثانية)*. وإذا لم يتغير شيء، تتوقع وزارة العمل نقصا قدره 7 ملايين عامل بحلول عام 2035. سيكون نقص الموظفين على حساب  الرفاهية وقدرة الصناعة الألمانية التنافسية. ولتعويض هذا النقص، يريد الائتلاف (الحكومي)** في برلين جذب 400 ألف عامل إضافي سنويا من الخارج.

يبدو هذا الطموح رائعا. لقد وصل إلى ألمانيا ما يقدر بنحو 1.2 مليون شخص هذا العام (حتى نوفمبر/تشرين الثاني)، وبالكاد استطاعت البلديات الألمانية إيوائهم. وجاء أكثر من مليون لاجئ إلى ألمانيا من أوكرانيا منذ نهاية شباط| فبراير. علاوة على ذلك، يقول الوزير هوبرتوس هيل (العمل، الحزب  الديمقراطي الاجتماعي)، إن مجموعة صغيرة فقط من طالبي اللجوء قدمت للحصول على مساعدات اجتماعية. ويريد هيل والوزراء المعنيون روبرت هابيك (الاقتصاد، الخضر) ونانسي فايسر (الشؤون الداخلية، الحزب الديمقراطي الاجتماعي) وبيتينا ستارك واتزينغر (التعليم، الحزب الديمقراطي الحر) جذب الأشخاص المتعلمين.

متاعب أقل

على غرار المثال الكندي، تريد ألمانيا توظيف العمالة المهاجرة الوافدة من الخارج، على وجه التحديد في القطاعات التي يوجد فيها نقص حاليا. كما يمكن للمعني (المهاجر)*** حامل دبلوم في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أن ينتقل إلى ألمانيا دون متاعب كثيرة. وبالنسبة إلى العمال الذين ليس لديهم دبلوم، فتَمكُّنهم من اللغة الالمانية سيجعل بناء حياتهم في المانيا أسهل. إن سد هذه الوظائف الشاغرة في ألمانيا سيتطلب تجنيدا مكثفا من الخارج.

هناك قدر كبير من التأييد لنية حكومة شولتس.  يبدو أن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي / الاتحاد الاجتماعي المسيحي المعارضين مستعدان أيضا لدعم مشروع القانون الذي سينظر البرلمان في إمكانية إقراره  في كانون الثاني| يناير. صحيفة التابلويد بيلد التي لا تتردد عادة في الكتابة ضد المهاجرين، تكتب بشكل معتدل نسبيا عن "الأجانب" الذين يريد الائتلاف "جلبهم" إلى ألمانيا. وبالتالي فإن نقص الموظفين يمثّل مشكلة تؤثر على الجميع بدرجات متفاوتة؛ على سبيل المثال، نقص في القدرة الاستيعابية لدور حضانة الأطفال أو عدد رحلات القطارات التي يتم إلغاؤها بسبب نقص السائقين.

يرى جيرالد كناوس، خبير الهجرة وأحد مهندسي ما يسمى بصفقة تركيا في عام 2015، أن نية حكومة شولتس تمثّل فرصة. "يجب على ألمانيا إبرام معاهدة  وذلك للحد، في الوقت نفسه، من الهجرة غير الشرعية. على سبيل المثال، يمكن أن تُعرضَ  على بلدان العبور مثل تونس أو المغرب وبلدان المنشأ تنظيم هجرة منظمة، وهذا من شأنه أن يسهل القدوم إلى ألمانيا للمتمتعين بالتعليم أو بالمهارات اللغوية. وفي المقابل، يمكن لتلك الدول  وبسهولة أن تستعيد طالبي اللجوء الذين رُفضت طلباتهم".

تعاني ألمانيا، مثل باقي الدول الأوروبية الأخرى، من سياسة الترحيل. وفي نهاية المطاف، يتم إرجاع  عدد قليل فقط من طالبي اللجوء الذين تم رفض طلباتهم إلى بلدانهم الأصلية. وقد أطلق ائتلاف برلين للديمقراطيين الاجتماعيين والخضر والليبراليين، في اتفاقه الائتلافي، "حملة إخلاء تعسفية ". بالمناسبة، لم يعد الائتلاف يرغب بتسمية "ترحيل" الأشخاص ، بل "إرجاع" حيث أن المصطلح الأخير أكثر إنسانية قليلا.

الأحزاب اليمينية والناخبون

بعد فترة وجيزة من تقديم حكومة شولتس خططها، والتي من المفترض أن يُقرَّها البرلمان في كانون الثاني| يناير، أعلنت فرنسا أيضا عن نيتها جذب مزيد من العمال المهاجرين؛ إذ تريد الحكومة الفرنسية منح "بضعة آلاف إلى عشرات الآلاف"  من تصاريح الإقامة المؤقتة للمهاجرين الذين يمكنهم العمل، من بين مجالات أخرى، في قطاعي الخدمات والبناء.

تستهدف الخطة الأشخاص الذين لا يحصلون تلقائيا على اللجوء في فرنسا، لكنهم في الواقع يتمتعون، في كثير من الأحيان، بوضعية اللجوء، حسبما قال وزير العمل أوليفييه دوسوبت في إعلانه في أوائل تشرين الثاني| نوفمبر في محطة إذاعة فرانس إنفو. وذكر كمثال على ذلك مهاجرين من بلدان مثل سوريا وأفغانستان.

كما يمكن للمهاجرين الموجودين بالفعل في فرنسا الذين يعملون بشكل غير مُصرَّح به في القطاعات التي تعاني من نقص الموظفين، التقدم بطلب للحصول على تصريح الإقامة هذا. في المجموع، يعمل ما يقدر بنحو 400,000 إلى مليون مهاجر غير شرعي في فرنسا. على عكس ألمانيا، ستكون تصاريح الإقامة من حيث المبدأ لمدة عام واحد، ولا يمكن لمَّ شمل الأسرة. وخلال هذه السنة، يمكن لهؤلاء العمال المهاجرين التقدم بطلب للحصول على تصريح الإقامة لسنوات عدة، وبعد ذلك يتعين عليهم أيضا إجراء اختبار لغوي.

سياسة الهجرة الأوروبية

على الرغم من أن مدة الخطة الفرنسية أقصر بشكل ملحوظ من مدة الخطة الألمانية، إلا أن الوزراء المعنيين كانوا حذرين في قراراتهم. ولتجنب غضب الأحزاب اليمينية والناخبين، أكد دوسوبت ووزير الداخلية جيرالد دارمانين، في كل مقابلة، أن الخطة لا تعني أن المهاجرين غير الشرعيين ستجري مساعدتهم على نطاق واسع للحصول على أوراق الإقامة الدائمة. ويتناسب هذا النهج مع وجهة نظر دارمانين القائلة بأن الدولة يجب أن تكون "لطيفة مع [المهاجرين] اللطيفين، ولئيمة مع اللئيمين."

قد تعني خطط ألمانيا المتقدمة - التي يتعين عليها أولا العثور على 400,000 شخص مؤهل سنويا - وخطة فرنسا الحذرة اتجاها جديدا في سياسة الهجرة الصعبة في أوروبا.

يقول كناوس: "الحديث عن الهجرة في أوروبا مستمر في دوائر ميؤوس منها منذ سنوات. ببساطة لا يوجد توافق في الآراء بين الدول الأعضاء، ويبدو أنه لا توجد مصلحة في إيجاد حلول مشتركة اليوم كما كانت قبل خمس سنوات." وبهذا المعنى، فإن الوضع أسوأ مما كان عليه قبل خمس سنوات، كما يقول كناوس، لأن المهاجرين يُرفضون على الحدود الخارجية ومن الشواطئ الأوروبية يُعيدونَهم إلى البحر. وهذا "الصد التعسفي" يَنتهك القانونَ الدولي. وقد انتهى الأمر بفرونتكس، وكالة الحدود الأوروبية، إلى أزمة هوية مطلقة، وفقا لكناوس، لأن المنظمة تُراقب بينما حقوق الإنسان تُنتهك.

يعتقد كناوس أن الخطة الألمانية يمكن أن تكون مشروعا تجريبيا لأوروبا، إذا تكلَّلت ببعض النجاح. "من المهم أن تُثبت مجموعة من الدول الأعضاء أن الهجرة القانونية والمنظمة أمر ممكن. هذا ممكن - ولكن إذا كنا ننتظر مشروع قانون ناجح في بروكسل، فهذا يعني أننا في انتظار جودو Godot".****

***

.........................

* المترجم

*** المترجم

** المترجم

**** جودو هي مسرحية لسمويل بيكيت. المترجم

- الترجمة عن: NRC Handelsblad, 16 December 2022.

ما نقصده هو سياسة التعامل مع بريطانيا بإعتبارها واقعاً لا بُدّ منه في أعقاب الحرب العالمية الأولى 1914 ـ  1918 وسقوط الإمبراطورية العثمانية "الرجل المريض". وهي سياسة إتبعها الهاشميون ـ أبناء شريف مكة ـ وسار عليها تلامذتهم بإخلاص، وأفضل من مَثّلها من هؤلاء التلامذة في العراق هو الباشا نوري السعيد.

كانت الدولة العثمانية تَتَرَنّحُ منذ فترة طويلة، والذي أمَدّ في عمرها هو رغبة الدول الكبرى، إذ لم تحن بعد ساعة موتها بحسب معاييرهم الإمبريالية.

أشعل شريف مكة الحسين نار الثورة ضد العثمانيين في عام 1916 بمساندة من الحلفاء وخصوصاً بريطانيا. وقد قَدّم الحلفاء للعرب وعوداً بالحصول على الإستقلال بعد الإنتصار ونهاية الحرب، لكنها كانت سراباً! وإتفاقية سايكس بيكو خير دليل على ذلك. ففي الوقت الذي حارب فيه العرب بتفانٍ بجانب الحلفاء ضد العثمانيين، كان الحلفاء يُقسّمون الأسلاب فيما بينهم! فإتفاقية سايكس بيكو (وثيقة مفجعة، ناتج الجشع في أبشع صوره، جزء مرعب من السياسة المزدوجة) بحسب جورج أنطونيوس كما نُقل عنه في:

فيليب نايتلي وكولن سمبسون: خفايا حياة لورنس العرب، مركز طروس للنشر والتوزيع الكويت ط1 2020 ص97

وقد ربط فيصل نفسه وثيقاً ب"لورنس العرب" الى نهاية الثورة العربية. المصدر السابق ص94، والمثير في الأمر هنا أن أهداف الرجلين كانت متعارضة! فقد ظن فيصل أنه يستطيع أن يستخدم لورنس في مدّ موجة إستقلال العرب في الشرق الأوسط. وكان لورنس متأكداً هو الآخر أنه يستطيع أن يستخدم فيصل في تفتيت الكتلة الإسلامية وتقوية السيطرة البريطانية في الشرق الأوسط. أهداف متعارضة ما كان لها إلاّ أن تؤدي الى كارثة. المصدر السابق ص90

هل كان لورنس أميناً مع فيصل والعرب؟ سَلّطَ الباحثان ـ نايتلي وسمبسون ـ الضوء على ذلك:

(فقد وضح الآن أنه خلافاً للعلاقة العاطفية العميقة نحو العرب، لم يكن لورنس ليهتم بالعرب كشعب، وأنه بدلاً من أن يُكَرّس نفسه لوحدة قبائلهم المنشقة على نفسها لكي تصبح أمة عربية موحدة، كان يؤمن بأن مصلحة بريطانيا أن يبقى الشرق الأوسط منقسماً على نفسه، وأنه وهو يُباعد نفسه عن متابعة قضية العرب وحقهم في الحرية والإستقلال، كان عاقداً العزم على جعل البلاد العربية جزءاً من الإمبراطورية البريطانية) المصدر السابق ص10

وكان هَمّ لورنس محصوراً في مناوأة النفوذ الفرنسي في الشرق الأوسط، فعمل ترتيباً لكي تقوم اليهودية العالمية بتمويل فيصل، بل تمويل العرب جميعهم بفائدة 6% (وقد لعبت الدسيسة التي إحتواها هذا المخطط دوراً في خلق إسرائيل لا يمكن أن يُقال: إن نتيجته كانت في مصلحة العرب. لم ينسحب لورنس من الحياة العامة بعد الحرب، لأنه أحس بأن العرب قد غُدر بهم، ولكنه إنسحب لأنه شعر بالضيق بعد أن نُبذ مشروعه للشرق الأوسط وفُضّل عليه مشروع غيره، ولم يكن هناك إختلاف جوهري بين المشروعين في الأمور التي تهم العرب، فقد حرم كُلّ من المشروعين العرب من الإستقلال الحقيقي) المصدر السابق ص11

ولورنس "لم يكن أميناً" مع فيصل في الترجمة بشأن إتفاقية فيصل ـ حاييم ـ لورنس. فقد إجتمع فيصل مع الزعيم الصهيوني د. حاييم وايزمان، وخرجوا بإتفاقية نجد فيها "عدم أمانة لورنس" بشكل عام، فقد حَرّف لورنس نص العبارة العربية التي كتبها فيصل. يُنظَر:

محمد مظفر الأدهمي: الملك فيصل الأول / حياته السياسية وظروف مماته الغامضة ـ دراسة وثائقية، الذاكرة للنشر والتوزيع بغداد ط1 2019 ص48 و 49

وهذا ما أشار إليه نايتلي وسمبسون أيضاً (وتوجد إختلافات بين ترجمة لورنس وتلك التي عُملت فيما بعد بمعرفة "أنطونيوس") المصدر السابق ص161

أما في سوريا حين سحقت قوات الجنرال غورو حكومة فيصل، فلم يكن لبريطانيا أن تقف بجانبه ضد حليفتها فرنسا، فكانت التضحية بفيصل "نقطة سوداء في تاريخ عون العرب البريطاني" بحسب وصف إليزابيث مونرو. المصدر السابق ص184

وبشأن عبد الله بن الحسين، فقد إستعمل معه تشرشل وهربرت صوئيل ولورنس "دبلوماسية سريعة متفوقة ساحرة كاملة بالوعود والتهديد والعقاب" في إجتماع بيت المقدس في 1921، وقد تعهّد عبد الله بمنع أي نشاط معادٍ للفرنسيين أو الصهيونيين في الإقليم. ليكتب نايتلي وسمبسون في الحاشية:

(حكم عبد الله حتى عام 1951 عندما أُطلق عليه الرصاص، وتوفي وهو داخل الى المسجد الأقصى في بيت المقدس يرافقه صغيره الملك حسين الحالي، وكان القاتل من أتباع مفتي بيت المقدس السابق الحاج أمين الحسيني الذي إتهم عبد الله بخيانة العرب فيما يتعلق بفلسطين) المصدر السابق ص194 و 195 و196 المتن + الحاشية الأولى في الصفحة الأخيرة.

أما الوالد الكبير الشريف حسين، فقد كانت نهايته مع الدبلوماسية البريطانية مؤلمة حقاً، فقد تنازل عن العرش للملك الظافر إبن سعود ونُفي الى العقبة ثم الى قبرص ليموت في عمّان أخيراً.

(لم يكن هناك شك في أن حسيناً كان رجلاً عجوزاً عنيداً سريع الغضب، يصعب التعامل معه، إلا أن هناك أيضاً قليلاً من الشك في أن بريطانيا عاملته بدناءة، تتملقه وتُعظّمه كلما لائمها ذلك، وتتخلى عنه كلما رفض أن يرضخ) المصدر السابق ص202

وقد سَلطَ المؤرخ الكبير د. كمال مظهر أحمد الضوء على فيصل "الباحث عن العرش في مذكرات لويد جورج"، وخرجَ بإستنتاجاتٍ في غاية الأهمية:

فقد أولى الأمير فيصل البريطانيين ثقة مطلقة غير مُبرّرة، وكان يرى مخالب الذئب جيداً، لكنه ظل مع ذلك وديعاً، ولم يؤمن أبداً بالعمل الثوري  للجماهير كما آمن الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك، ومع إعجابه بالتجربة التركية لكنه لم يعتبر منها، وفيصل كان مسؤولاً عن شَلّ الحركة الوطنية في سوريا.

كمال مظهر أحمد: أضواء على قضايا دولية في  الشرق الأوسط، الجمهورية العراقية ـ وزارة الثقافة والفنون 1978 ص141 الى 195

لنفحص الآن هذه السياسة "سياسة الأمر الواقع"، هل كانت سياسة ناجعة "واقعية"؟

بعد المعطيات أعلاه تَبيّن أنها لم ناجعة! كذبٌ وخداع ومراوغة وزرع لأسرائيل من جانب بريطانيا! وهذا ما دفع قائد ثورة العرب في 1916 الشريف حسين الى أن "يتأسف أشد الأسف لإشعاله الثورة العربية"! ضد العثمانيين. نايتلي وسمبسون: نفس المصدر والصفحة.

وفي قراءة عميقة وحفر دقيق تَوَصّل نايتلي وسمبسون الى:

(لقد جلبت التسوية مظهراً من مظاهر النظام، ولكن الوقت أظهر أنها إنما أرجأت الحساب فقط، وكما رأينا، إمتد العمر بأسرة فيصل في العراق حتى عام 1958، عندما قُتل فيصل الثاني بأيدي الثوار، كما قُتل عبد الله بسبب مسألة اليهود في فلسطين عام 1951، إلاّ أن حفيده الملك حسيناً الحالي ما زال يحكم بصورة قلقة في الأردن، تلك الدولة التي خلقها تشرشل ولورنس، وإحتفظت بريطانيا بإنتدابها على فلسطين حتى عام 1948 عندما إضطرت للتخلي عنه، وظهرت دولة إسرائيل الى الوجود. إن المنطقة بأسرها وقد تحطّمت من الغم الموروث من "المغامرة الشرقية أيام الحرب" ما زالت تعرض نفس الصورة المكتئبة المزعجة التي رآها تشرشل في عام 1921) المصدر السابق ص203

ما إنفكّ الباشا نوري السعيد عن ترديد هذه السياسة، أي الإتكاء على بريطانيا كقوة عظمى على أرض الواقع. ولو سَلّمنا جدلاً معه بصحة ما إدّعاه، وتركنا جانباً ما أثبتناه في أعلاه، نقول:

ألا يحق لنا أن نتحفّظ على هذه "السياسة السعيدية"؟! فقد ردّدها الباشا منذ بداية تأسيس الدولة العراقية الى أن أطاحت به ثورة تموز في 1958!

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

كشفت الأزمة النقدية الأخيرة في العراق والتي اهتز خلالها الدينار العراقي اهتزازا شديدا، فتراجع أمام الدولار الأميركي ليسجل قرابة ألف ستمائة دينار مقابل الدولار الواحد خلال أيام قليلة، وهو رقم لم يصل إليه منذ ثمانية عشر عاما، كشفت عن أمور خطرة كثيرة، قد لا تكون جديدة ومفاجئة على أية حال ولكنها معبرة جدا، وفي مقدمتها حقيقة ارتهان العراق الشامل؛ سياسياً واقتصادياً وأمنياً لدولة الاحتلال الولايات المتحدة الأميركية ولحلفائها الغربيين وتفاقم نفوذ وتدخلات دول الجوار في شؤونه الداخلية.

تبريرات حكومية:

في البداية، حاولت السلطات العراقية التقليل من خطورة هذا الحدث النقدي بعزوه إلى عوامل تقنية ولوجستية مالية؛ فقد أعلنت رابطة المصارف العراقية في بيان غامض لها أن ارتفاع سعر الصرف ناتج "عن تعديل آلية عمل نافذة بيع العملة الأجنبية في البنك المركزي العراقي حسب متطلبات التعاملات الدولية"؛ أما البنك المركزي العراقي فأعلن أن هذا الارتفاع في سعر صرف الدولار ناجم عن "ضغوطات مؤقتة ناتجة عن عوامل داخلية وخارجية، نظراً لاعتماد آليات لحماية القطاع المصرفي والزبائن والنظام المالي". وسائل إعلام غربية وأميركية أشارت بوضوح إلى مسؤولية واشنطن والبنك الفيدرالي الأميركي تحديدا عن هذا التدهور الذي أصاب الدينار العراقي وكونها أقدمت على عرقلة حصول العراق على عائداته النفطية السائلة بالدولار معللة ذلك بتهريب جهات عراقية أموالا طائلة بالدولار إلى إيران وسوريا الخاضعتين لعقوبات أميركية.

لقد انعكس عدم استقرار سعر الصرف وتراجع قيمة الدينار أمام الدولار سريعاً على الوضع الاقتصادي، فالتهبت أسعار المواد الاستهلاكية وسُجل مستوى ركود اقتصادي واضح، وهذا ما أحرج حكومة السيد محمد شياع السوداني المدعومة من قبل "الإطار التنسيقي" الذي يضم الأحزاب والفصائل المسلحة الإسلامية الشيعية وحلفاءها من الأحزاب الكردية والعربية السُّنية في ما سمي "تحالف إدارة الدولة"، خصوصا وأن شياع كان قد انتقد عدة مرات، قبل توليه منصبه حكومة سلفه المدعوم من واشنطن السيد مصطفى الكاظمي على رفع سعر الصرف الرسمي من 1182 إلى 1460 دينارا للدولار الواحد في ديسمبر/كانون الأول 2020.

اعتراف بالسبب الحقيقي:

في هذا الخضم، كان المستشار المالي للحكومات العراقية المتوالية د. مظهر محمد صالح، أكثر صراحة ووضوحا في تعليله لهذا الحدث، حيث أكد ما حاولت الحكومة إنكاره وقال "إن القضية تتعلق بسياقات البنك الفيدرالي الأميركي المتخذة مؤخرا، وجاءت نتيجة الخشية من التحويلات المشبوهة والمشكوك فيها". صالح أضاف قائلا "إن أموال العراق من الدولار كاحتياطات مودعة بحساب البنك المركزي العراقي في الفيدرالي الأميركي، يتم طلبها عبر تحويلات من قبل الزبائن والمصارف، وأن الجهات الدولية - يقصد الأميركية تحديدا - كانت لا تعرف طبيعة هذه الطلبات التي تأتي من المصارف العراقية".

وتابع صالح "أنه في الفترة الأخيرة بات لدى هذه الجهات الدولية توجس من أن كثيراً من هذه الطلبات لا تخدم الاقتصاد العراقي، وبالتالي استحدث البنك المركزي العراقي منصة خاصة جديدة للتحويلات، وبات بإمكان المركزي الأميركي ملاحظة بعض الطلبات غير المنتظمة والمشبوهة، الأمر الذي أدى لرفضها. وبناء على ذلك وصلت عمليات رفض التحويلات الخارجية إلى نسبة 75%". مصادر حكومية أخرى قالت إنَّ واشنطن وضعت قائمة سوداء بأكثر من عشرة مصارف عراقية أهلية تتهمها واشنطن بتهريب العملة إلى إيران وسوريا، وأن نسبة رفض التحويلات الخارجية فاقت الخمسة وسبعين بالمائة، وهو ما يعني حصاراً أميركياً نقدياً فعلياً على حركة الأموال العراقية.

غير أن هناك من لا يلقي اللوم والمسؤولية في ما حدث على الطرف الأميركي فقط وخصوصا من المدافعين التقليديين عن الاحتلال وتداعياته، فبحسب الباحث الاقتصادي والسياسي نبيل جبار العلي، فإن هذه الخشية من تهريب العملة الصعبة العراقية الى دول الجوار حاضرة أيضاً "لدى بعض الأطراف السياسية المهمة والداعمة للدولة العراقية، وتلك الأطراف المنضوية داخل تحالف الإطار التنسيقي"، وهذا يعني في ما يعني أن أطراف الإطار التنسيقي ليست - كما يقال - على قلب رجل واحد في مواجهة الهيمنة الأميركية، ما ينذر بحدوث انقسامات وخلافات بينها، إنْ لم تكن تلك الخلافات قد بدأت بالفعل، وهو يعني أيضا أن هذه الأطراف في سعيها لضمان بقائها في الحكم مستعدة لتقديم المزيد من التنازلات للطرف الأميركي المهمين على العراق حتى لو كان ذلك على حساب حليفها الأيديولوجي والجيوسياسي الإيراني.

واستنباطاً، يمكن القول إنَّ الاحتلال الأميركي نجح في استنبات فئة اجتماعية زبائنية نامية باستمرار، تحرص على مصالح الاحتلال وعلى بقاء الهيمنة الأميركية. وهذه الفئة مؤلفة أساساً من ساسة ومثقفين وباحثين وأثرياء من محدثي النعمة يدافعون عن استمرار الهيمنة الأجنبية لأن فيها ضماناً لمصالحها واستمرارها في الحكم بالتبعية، والاستمرار في نهب الريع النفطي بأشكال متعددة وتحويله إلى الخارج عبر التحويلات السائبة.

ورغم أن سعر صرف الدولار انخفض انخفاضاً طفيفاً لاحقا، بعد سلسلة إجراءات مالية إدارية لم تمس جوهر المشكلة اتخذها البنك المركزي العراقي، فإن بعض الباحثين الاقتصاديين - عبد السلام حسن مثلا - يتوقعون استمرار الأزمة، وعبر بعضهم من توقعات متشائمة منها "أن يصل سعر صرف الدولار بالأسواق الموازية (السوداء) إلى ألفي دينار للدولار الواحد"، وأن واشنطن كما قال حسن "جادة في إدامة الضغوط على المركزي العراقي بسبب عدم رضاها عن استمرار تهريب العملة لدول إقليمية". إن عدم استقرار الوضع النقدي والمالي - والسياسي أيضا - في العراق يعطي لهذه التوقعات المتشائمة شيئاً من الصدقية، طالما افتقدت القيادات السياسية العراقية حتى الآن لأي بديل استقلالي فعّال أو استعداد لمجابهة الهيمنة الأميركية بشكل جذري لم تبده يوما منذ قيام حكم المحاصصة الطائفية والعرقية سنة 2005.

تواطؤ حكومي عراقي؟

يُحَمِّل الخبير الاقتصادي أحمد إبريهي علي مسؤولية تراكم أموال العائدات النفطية العراقية في البنك الفيدرالي الأميركي إلى الحكومة العراقية التي - كما يرى - ليست ملزمة ولا مجبرة على إيداع أموال عائدات النفط العراقية في جهة واحدة. يكتب إبريهي "إن العراق لم يكن مرغماً على إبقاء أمواله في بنك مركزي بعينه. ومنذ الآن صار بإمكانه استلام إيرادات النفط في البنوك التي يختارها، ولا يقتصر على الاحتياطي الفدرالي". ويضيف "اتخذ مجلس الأمن في الجلسة 8972 يوم 22 شباط 2022 قراره رقم 2621 بتصفية حساب التعويضات - بعد اجتياح الكويت 1990- وإغلاقه، وإعادة المتبقي للعراق وحلِّ لجنة التعويضات نهاية عام 2022 والتي كان آخر اجتماع لها في التاسع من كانون الأول، ونفّذ القرار. ونهاية عام 2022، أُغلِق ملف التعويضات وتحرر المورد النفطي من هذا القيد. وبهذا لم يعد من الضروري استلام إيرادات النفط في حساب وحيد لا في الاحتياطي الفدرالي ولا أي مكان آخر/ صحيفة الحوار المتمدن".

تفعيل الهيمنة الأميركية:

وفي ضوء هذه التوقعات المتشائمة فإن الأمر برمته، والمشهد العراقي ككل، سيبقيان محكومين بالمعادلات التي أوجدها الاحتلال الأميركي والتداعيات والإفرازات التي نتجت عنه ومنها الهيمنة الأميركية الغربية والتدخلات الإقليمية والنفوذ المتنامي لدول الجوار في الشأن العراقي وخاصة الإيراني والتركي.

إن التصريحات السالفة التي أدلى بها مسؤولون وباحثون ماليون واقتصاديون عراقيون وأجانب لا توضح بشكل دقيق السياق الحقيقي لهذا لحدث البليغ في دلالاته، ولماذا حدث بهذه الحدة التي كادت تؤدي إلى انهيار العملة العراقية، ولماذا أتى في هذا التوقيت بالضبط لا في غيره. في الواقع، فإن خشية واشنطن من تشكيل حكومة عراقية من قبل أحزاب وفصائل الإطار التنسيقي ليست جديدة، ولكنها أيضا ليست خشية قوية أصلا وقد لا تتجاوز مستوى القلق العادي، فللطرفين - واشنطن والإسلاميين الشيعة- تجارب طويلة من التعامل الإيجابي والتعاون تحت سقف الهيمنة والاحتلال منذ سنة الاحتلال 2003، سيما وأن حكومة "الإطار التنسيقي" الجديدة قدمت تنازلات وقامت بممارسات كثيرة وملموسة بهدف إرضاء واشنطن وكسب ودها، سواء كان ذلك عبر تصريحات زعماء الإطار التنسيقي -كنا قد تطرقنا لبعضها الذي جاء على لسان نوري المالكي في مقالتنا السابقة "انطباعات شاهد عيان جنوبي: بانوراما القيامة العراقية/ الأخبار 2 كانون الأول 2022"- وأيضا في تصرفات وإجراءات حكومية لا سابق لها ومنها المشاركة في مناورات بحرية في الخليج العربي مع الأسطول الخامس الأميركي وبمشاركة قوات لدولة الكويت يوم 12 من شهر كانون الأول الماضي وللمرة الثانية خلال أربعة أشهر، وأيضا بتكرار لقاءات رئيسها محمد شياع السوداني بالسفيرة الأميركية ببغداد لينا رومانسكي والتي بلغت تسعة لقاءات خلال أربعين يوما من عمرها، وهو أمر انتقدته عليه حتى أطراف من داخل الإطار التنسيقي، ومشاركة السوداني في "مؤتمر بغداد 2" الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان تحت الإشراف الفرنسي قبل أسابيع قليلة والذي جوبه بانتقادات عراقية حادة للمؤتمر ككل ولخطاب وأداء السوداني فيه من أطراف معارضة ترفض هذا النوع من التدخلات والإملاءات الغربية والإقليمية في الشأن العراقي، بلغت درجة توجيه الأوامر من الرئيس المصري – الذي يمر اقتصاد بلده بأزمة اقتصادية حادة – لبغداد بما يجب ولا يجب عليها فعله، وطرح ممثل دولة الكويت في المؤتمر مطالبات تتعلق بترسيم الحدود على حساب العراق، وتكريس تحول العراق إلى سوق حرة استهلاكية لدول الجوار وتدمير ما تبقى من زراعة وصناعة عراقيتين.

إن أداء حكومة السوداني ومن خلفها الإطار التنسيقي، على قصر عمرها، يهدف بجلاء إلى إرضاء واشنطن وتقديم المزيد من التنازلات للبقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، والفوز بموافقتها على إلغاء مطلب الانتخابات التشريعية المبكرة واستبدالها بانتخابات محلية لمجالس المحافظات كما أعلنت قيادات الإطار أخيرا، حتى لو أدى ذلك إلى انهيار الدينار العراقي وتكريس تحول العراق إلى مستعمرة أميركية مباشرة تحكمها أحزاب وفصائل فاسدة، بل وقد بلغ الفساد والنهب الشامل للمال العام في عهدها القصير ذروة لم يبلغها من قبل. وبهذا فإن من شبه المستحيل توقع أن تستغل هذه الحكومة الأزمة العامة في البلاد بجرأة وتراهن على شعبها وتتخذ مواقف استقلالية جذرية تهدف إلى تحقيق الحد الأدنى من الاستقلالية والحد من الهيمنة الأجنبية وخاصة الأميركية. الإطار التنسيقي وحكومته لن تتخذ موقفاً وطنياً كهذا لأنها تعرف أنها طرف ممقوت ومكروه شعبياً حتى بمقاييس الانتخابات الأخيرة، والتي كشفت عن هزيمتها وانحشارها في زاوية، وهي ما كانت لتستطيع تشكيل حكومة لولا انسحاب التيار الصدري طوعاً من العملية السياسية في مواجهة الثلث المعطِّل الذي أُشهِر بوجهه فجاءت هذه الحكومة التي يمكن تسميتها بحكومة الثلث المعطِّل.

مَن يكسر المتاهة؟

لم يعد يدخل في باب التخمينات والظنون التآمرية القول إن العراق، ومنذ سنة 2005، أدخل إلى متاهة سياسية لا مخرج منها، معبرا عنها بنظام حكم قائم على الطائفية السياسية والعرقية إلا بزوال الهيمنة الأميركية التي أوجدت وحمت هذا النظام. وقد توضحت أكثر فأكثر طبيعة المعادلة التي ترسخت والقائمة على منح السياسيين المحليين وخاصة ممن قدمهم الاحتلال كممثلين مزعومين للمكونات الطائفية والعرقية الأكبر في البلاد الحكم المباشر مقابل تعهدهم بإبقاء الوضع العراقي مرتهنا بالكامل للإرادة والإدارة الأميركية. والخلاصة تقول بلسان حال الأميركيين "سنعطيكم الحكم مقابل أن تعطونا عراقا كسيحا عاجزا عن الدفاع عنه نفسه وإطعام شعبه، ينخره الفساد والتوتر الاجتماعي الدائم"!

لقد أوفى الطرف العراقي المحلي، ممثلا بأحزاب ومليشيات الطوائف والعرقيات جميعا، بعهده، ومنع خروج العراق من حالة الموت السريري وفرَّط بسيادته واستقلاله أيما تفريط، ودمَّر ما هو قائم من زراعة وصناعة وتعليم ومؤسسات وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية والأمنية التي فككها الاحتلال وأعاد تشكيلها فكان أن انهارت انهيارا مخجلا أمام بضعة آلاف من المسلحين التكفيريين في معركة سقوط الموصل الكاريكاتورية، ووافق على ارتهان عائدات النفط العراقي وتحويلها الى البنك الفيدرالي الأميركي.

واليوم، فإن إقدام واشنطن على إغلاق جزئي لصنبور الدولارات العراقية المرتهنة في البنك الفيدرالي الأميركي هو - كما يقول العراقيون في لهجتهم الشعبية- مجرد "جرة أذن" صغيرة وقد تكون تحذيرية لحكومة السوداني - ولغيرها أيضا - من مغبة المراوغة أو محاولة الخروج من تحت المظلة الأميركية، مع ترك مسافة محسوبة بدقة لهذه الحكومة لتأدية بعض الخدمات لحليفها الإيراني إنما تحت الرقابة الأميركية الدائمة والدقيقة التي بدأت الآن في حركة الدولار ولن تنتهي غدا بتفتيش جيوب الحاكمين!

بكلمات أخرى؛ فواشنطن قالتها صريحة لساسة النظام والمعارضة "إن من يريد أن يُخْرِجَ العراق من متاهة الهيمنة الأميركية عليه أن يواجه انهيارا فوريا في قيمة الدينار العراقي". وبما أن ساسة العراق الحاليون لا يجيدون التفكير خارج "الصندوق الأميركي" بعد أن غادروا الخطاب الوطني الاستقلالي منذ وصولهم إلى الحكم، فقد استسلموا للتهديد مباشرة دون أن يتعبوا أنفسهم ويتحققوا حتى من أوراق القوة المحتملة والكامنة بين أيديهم ومن نقاط قوة العُملة والاقتصاد العراقيين في بلد يعتبر الثاني من حيث الإنتاج النفطي بعد المملكة العربية السعودية، دع عنك نقاط القوة الجيوسياسية التي يحوزها العراق بغض النظر عمن يحكمه!

أكثر من ذلك، يمكن القول إنَّ الحكومات العراقية متواطئة فعلا في الإبقاء على الهيمنة الأميركية في جانبها المالي، فالخبير الذي اقتبسنا عنه قبل قليل، أحمد إبريهي علي، يقول إن "من الأوهام أن الولايات المتحدة لا تسمح للعراق إيداع أمواله في بنوك مركزية لدول أخرى وعملات غير الدولار. ونبين ان العراق حتى في سنوات ولاية الصندوق العراقي للتنمية كان يستطيع تحريك أرصدته والإيداع والاستثمار في دول أخرى وقد فعل. ولتأكيد هذا أعتمدُ فقط على البيانات المنشورة في موقع البنك المركزي العراقي دون إضافة معلومات من مصادر شخصية. إن احتياطيات البنوك المركزية مبينة في ميزانياتها العمومية، وثمة بنوك مركزية لا تُفصِح عن مكونات احتياطياتها الدولية، ذهب وعملات وأدوات استثمار ودول. لكن البنك المركزي العراقي يعرض الكثير من هذه المعلومات في ميزانيته العمومية". فماذا يعني ذلك إن صحت معلومات الخبير، ونرجح أنها صحيحة؟ هل يعني ذلك أن الحكومات العراقية المتوالية هي التي كانت تصر على بقاء التبعية المالية والنقدية لدولة الاحتلال؟

الانفجار الاجتماعي قادم:

ليس من المتوقع تماما، والحالة هذه، أن تلجأ أطراف الإطار التنسيقي، طوعاً أو اضطرارا، إلى تحدي المظلة الأميركية والرد على غطرستها ردا وطنيا استقلاليا يستعيد السيادة العراقية ويصحح العلاقة الإقليمية مع الجارة إيران لتكون علاقة سيادية وندية بين بلدين مستقلين متعاونين في مواجهة عدو إمبريالي واحد، لا علاقة تبعية ونفوذ فالت من أي قيود، فالفاسدون لا يصنعون الاستقلال ولا السيادة.

في المقابل، لا يمكن المراهنة على خصوم الإطار التنسيقي في التيار الصدري أو القوى التي تسمي نفسها "المدنية" ومنها شخصيات ومجموعات تشكلت تحت ماركة انتفاضة تشرين حقاً وباطلاً، والحزب الشيوعي الذي لم يقطع حتى الآن مع دوره كحزب من أحزاب السلطة التي جاء بها الاحتلال، ويخرج من هذا الدور المنافي لتاريخه وتراثه الثوري، عبر عملية نقدية شاملة لمواقفه وتراثه القريب، وحتى بقايا "حزب البعث" التي تحولت إلى أطلال سياسية في السنوات القليلة الماضية ولكنها انتعشت أخيرا بدفع من حالة الاستياء الشعبي المتفاقمة والبحث العشوائي عن بديل وحل للأزمات المتراكمة؛ لقد فشلت كل هذه العناوين  في تحقيق انغراس حقيقي في الوسط الجماهيري، وفي وضع يدها برنامجياً على العقدة المركزية في المأساة العراقية المتمثلة في الهيمنة الأجنبية الأميركية والنفوذ الإقليمي. إن هذه القوى السياسية العراقية جميعاً، ورغم الخلافات الأيديولوجية والسياسية الحادة بينها أحيانا، ولكنها تشترك في الموقف المهادن وغير المعادي للهيمنة الأميركية بل وحتى المعوِّل على العون الأميركي للتخلص من حلفاء طهران في أحزاب الإطار التنسيقي.

والخلاصة هي أن كلا المعسكرين السياسيين المحليين سواء كانوا من حلفاء طهران أو واشطن أو العائمون في "المنطقة الرمادية"، وطالما أغفلوا وهادنوا الهيمنة الأميركية وسكتوا على النفوذ الإقليمي وتغاضوا عن ركائز نظام المحاصصة الطائفية العرقية ممثلة بدستور المكونات، فلا يمكنهم، ولا يُتَوَقَع منهم أن ينتجوا أي برنامج وطني استقلالي جذري للإنقاذ الوطني ولاستعادة استقلال العراق وسيادته وإخراجه من المتاهة العبثية التي يدور فيها منذ عقدين تقريبا،

هذا يعني منطقياً أن الوضع السياسي في العراق سيستمر في التعفن، وسيعاد انتاج الأزمات القديمة، وتولد أزمات أخرى جديدة، وبهذا فالأبواب باتت مفتوحة على احتمالات عدم الاستقرار واندلاع اضطرابات اجتماعية واسعة النطاق بدفع من تلك الأزمات. إن من شبه المؤكد أن العراق سائر نحو انفجار اجتماعي كبير، ولكن السؤال المركزي سيبقى كما هو: هل سيتمكن العراقيون، في خضم تلك الانفجارات الاجتماعية المتوقعة، من انتاج بديل سياسي وطني استقلالي وقيادات في مستوى المهمة التاريخية المطروحة على جدول الأعمال عراقيا وإقليميا، أم أن الغلبة ستكون مرة أخرى للقمع الحكومي الدموي المنتهي بخدعة انتخابات مبكرة أخرى يديرها الفاسدون أنفسهم ومن وراءهم من داعمين أجانب وجهات دينية محلية، وبتأجيج من الانتهازية السياسية في الأحزاب الحاكمة كما في المعارضة المعوَّلة على الهيمنة الأميركية والغربية؟

***

علاء اللامي- كاتب عراقي

 

ان علاقة وسائل الإعلام بحل الصراعات وبناء السلام المجتمعي هي احدى الموضوعات المهمة التي تربط بین مجال العلاقات الدولية والدراسات الاعلامیة، وفي النضال ضد الحرب العدوانية والعنصرية والفصل العنصري والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان، التي تعود ببعض أسبابها إلي التحيز والجهل، تسهم عن طريق نشر المعلومات عن مطامح جميع الشعوب وتطلعاتها وثقافاتها ومتطلباتها و في إزالة الجهل وعدم فهم الشعوب لبعضها البعض وتسهم بدورها الأساسي في تربية الشباب بروح السلام والعدالة والحرية والاحترام المتبادل والتفاهم، بغية تعزيز الحقوق والمساواة في الحقوق بين جميع البشر وجميع الأمم وتعزز التقدم الاقتصادي والاجتماعي. ولها أيضا دور هام تؤديه في التعريف بوجهات نظر الجيل الناهض وتطلعاته.

 دخل مفهوم " السلام والإعلام "مدخلا جديدا للإعلاميين ومكنهم من البحث في الأسباب البنائیة والثقافية للصراع ومدى تأثيره علی حیاة المواطنین و تقدیم المضمون الذی یعکس القواسم المشترکة بين کافة أطراف الصراع وطرح مقترحات ومبادرات لتخفيف حدة هذا الصراع في المجتمعات التي تعاني منه.

لا شك فيه ان انتشار ثقافة بناء السلام يخلق بيئة ملائمة للإبداع الثقافي والفكري، ويحد من الخطابات التي تنمي الكراهية ويساعد على عدم نشوب النزاعات، أو إمكانية حلها بالطرق السلمية، مثلما يسهم في إحداث التغيير بنحو يعزز قناعة الإنسان بأن السلام هو، نقطة الانطلاق نحو الرفاهية والسعادة وممارسة حرية الرأي وحرية التعبير وحرية الإعلام، المعترف بها كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان وحرياته الأساسية و هو عامل جوهري في دعم السلام والتفاهم الدولي.

دور الإعلام بكل انواعه يعيد بناء المجتمعات في نشر ثقافة بناء السلام بعد الحروب في زيادة الاهتمام بالبرامج السياسية والثقافية المتعلقة بثقافة بناء السلام، واستحداث وحدات متخصصة فيها لإعداد مؤتمرات وبرامج ذات الصلة، وتضمين مبادئ وأفكار بناء السلام في المقررات التربوية والتدريسية لنشر هذه الثقافة بين الاجيال القادمة وجعلها مجتمعية ومتاحة للجميع والعالم يشهد أحداثا في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية كافة.

 يتسم العالم بالتأرجح بين السلم والحرب في الكثير من الحلات، ولا شك أن فكرة نشر ثقافة بناء السلام في المجتمعات التي عانت طويلاً من الحروب والأزمات والنزاعات و اجه مصاعب جمة، وإن نشر تلك الأفكار يحتاج إلى وقت وجهد إستثنائيين من خلال قنوات مختلفة مهامها في أن يكون لها دور في بناء السلام ونشر ثقافته في مناطق النزاع كافة، كي يتحقق الأمن والإستقرار، فضلا عن أنها قد تكون عاملاً مهما في تصعيد النزاع أو تخفيفه، وتوجيه الأوضاع العامة سلباً أو إيجاباً، لذلك تستدعي الحاجة إلى دراسة هذه الوسائل الاعلامية من منظور علمي وتشخيص جوانبها السلبية والايجابية، في ضرورة تقويم عملها، والتعمق بالدور الذي يجب أن تلعبه في بناء السلام .

من الواضح على خلفية تبادل الآراء والمعلومات وتدفق الأفكار وتنوع الثقافات، التي لا تتوفر في حالة الحروب والنزاعات، يصبح من الضروري التفكير في كيفية جعل السلام واقعاً ملموساً، وعدم الفصل بين بناء السلام وثقافة السلام، لأن بناء السلام ليس بغاية نهائية، بل الغاية هنا هي ترسيخ ثقافته للحد من عدم نشوب الحروب مجددا، أو يجعل من حلها بالطرق السلمية أكثر إمكانا دون اللجوء الى العنف، لكي تسهم في إحداث التغيير من الجذور لكي يوصل الفرد والمجتمع معا إلى حالة يتم فيها التعبير عما هو موجود في المكنونات الداخلية بعيدا عن اللجوء إلى استخدام العنف.

 إن من أهم الأشياء التي تخدم هذه الثقافة، قناعة الإنسان بأن السلام هو نقطة الانطلاق نحو الرفاهية والسعادة، وبناءً على ذلك فإن لثقافة بناء السلام قواعد كثيرة ومتعددة، إلا أنها تفرض وجود وسائل وأطر تخدم قناعة الفرد وترسخ في أعماقه مبادئ السلام عبر الطرح الإعلامي الهادف والمتوازن، فثقافة السلام لا بد أن يوازيها رفع الجهل ومحاربة الأمية والابتعاد عن مبدأ إلغاء الآخر.

من الطبيعي أن تجد كل فئات المجتمع مساحة تعبير عن همومها في مثل هذه الوسائل، وكلما وجد المواطن مساحة تعبير ملائمة عن همومه في الإعلام المتنوع، كلما كان ذلك مؤشرا علي أن هذه المؤسسة الإعلامية ذات طبيعة ديناميكية تفاعلية مع المواطن.

وعلى العكس هناك إعلام يلعب دوراً ضد ثقافة المواطنة، سواء بتجاهل هموم مواطنين في المجتمع، أم بتفضيل التعبير طبقيا أم سياسيا أم ثقافيا أم دينياً، عن هموم مجموعات معينة من المواطنين دون غيرهم، وقد يصل الأمر إلى أبعد من ذلك، حين يوظف الإعلام ذاته، كأداة صراع سياسيا أو ثقافيا أو اقتصاديا أو دينيا، من خلال تحريك مجموعات من المواطنين علي بعضهم البعض، أو نشر ثقافة البغضاء في المجتمع، أو تصوير قطاعات من البشر بصورة سلبية مما يدفع المواطنين إلى التعامل معهم بتعالِ غير مبرر.

 تتبنى بناء السلام في القنوات الفضائيات عبر الأداء الطبيعي في القنوات المرئية، تشمل الموضوعية والتوازنات والحيادية والدقة في تطبيق المعايير الاخلاقية البعيد عن السيطرة المباشرة للحكومات، كلما كان إسهامها في تعزيز بناء السلام اوسع واكبر، إذا لم تكن مخطئة في طريقة الأداء و الغرض.

عندما تدخل القنوات الاعلامية ضمن البرامج المتعلقة بالنزاعات، فإن بإمكانها أن تسهم في بناء السلام، على شرط أن تكون قد اكتسبت مسبقاً سمعة جيدة وحازت على ثقة الجمهور ولا ينظر إليها كأداة للدعاية، ولها دور بناء لا يُستهان به في تغذية أو دعم أو ظهور العنف والإرهاب والتطرف، فبعض وسائل الإعلام تتبنى منهج التطرف، وعدم احترام العقول والشعائر الدينية والاخلاقية، أو تسعى إلى زرع الفتن وإثارتها من خلال بعض البرامج أو الافكار والتهويل والتضخيم، ولعل من أبرز الاستنتاجات التي تم التوصل اليها هي الاهتمام من قبل البعض من الفضائيات بالبرامج السياسية العامة، والموضوعات ذات الصلة ببناء السلام واتجاهاته بخاصة وهي مع الاسف قليلة، وقد أكدت عليه نتائج التحليلات المضمونة ويعود ذلك الاهتمام حسب المعطيات العامة إلى الوضع السياسي الجديد الذي شهده العالم عامة ورافق ذلك من العملية السياسية بمعطيات ذات طبيعة أمنية واقتصادية.

ان التركيز الكبير عبر البرامج السياسية في القنوات الفضائية بالقضايا ذات الصلة بالسلم المجتمعي وبناء الثقة بين مكونات الشعب العراقي أمر مهم في هذا الوقت، وهو يجب ان يحتل المرتبة الأولى ضمن سلم الاهتمام والأولويات في هذه البرامج فضلاً عن التركيز الكبير على قضايا ومفاهيم حقوق الإنسان في العراق والعالم بوصفها قضايا باتت تشكل أسس ومبادئ في العملية السياسية العراقية، وهو ما تجسد إلى حدود بعيدة عبر البرامج السياسية والثقافية .

ان التركيز عبر مضامين البرامج السياسية في وسائل الإعلام على الاتجاهات المختلفة مثل إرساء الأمن عبر محاربة الإرهاب والتطرف وسيادة القانون والمساواة تقود إلى البناء السليم للمجتمعات وحل النزاعات سلميا، وهو ما ينسجم مع التجاذبات السياسية التي يشهدها العالم والمنطقة الإقليمية في المجالات والقضايا ذات الصلة.

لعل الاهتمام بدور المراة في تحقيق السلام في المجتمع، هو ما يجب تجسد عبر البرامج السياسية التي تعرضها القنوات الاعلامية لتدخل في سياق النظرة الايجابية للنظام السياسي الجديد في العالم للمكانة المتميزة للمراة في المجتمع والدور السياسي الذي تلعبه، ، وتشخيص مواقع الضعف والقوة لتقويم العمل وتفعيل الأداء.

نجد اليوم هناك صراعاً دولياً في عصر العولمة، وعصر القفزات الإعلامية الهائلة، مما يجعل الإعلام الدولي خاضعاً لسيطرة الأقوى و الأكفأ والأقدر مالياً وخبرة. مما يستوجب إعادة النظر في هيمنة أمريكا وبعض الدول على الإعلام الدولي وليس من الغريب في هيمنة الدول الغربية على محتوى الرسائل الاعلامية و التي تملك زمام أدوات الهيمنة الثقافية من وكالات أنباء ومراكز انتاج برامج تلفزيونية وأفلام سينمائية وأخبار صحافية عالمية، وبالتالي إنّ الكثير من الرسائل الإعلامية التي تنقلها الدول المسيطرة على الإعلام إلى الدول النامية فيها من المحتوى ما يضر بقيم وثقافة الشعوب النامية، والمسمى بالغزو الثقافي سببه الخلل الحاصل في الإطار القانوني الدولي المتصل بالاعلام حيث أنّ التشريعات الدولية السائدة وتطبيقاتها تعطي النصيب الأكبر لعدد من الدول الراسمالية على حساب أغلبية دول العالم والتي تساهم دائماً في خلخلت السلام ومن هنا فلابدّ من تصحيح مسارات ضرورية في التشريعات الدولية التي تساهم في تهيئة الظروف عبر النشاطات المشتركة للمنظمات المتخصصة لتكفل تداول المعلومات تداولا حرا ونشرها علي نطاق أوسع وبصورة أكثر توازنا، وتهيئة الظروف التي تكفل حماية العاملين وغيرهم من المساهمين في الإعلام أثناء تأدية مهامهم. ولعل ان منظمة اليونسكو مؤهلة تماما لتقديم إسهام ثمين في هذا الميدان.

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

 

قال وزير الخارجية البولندي الأسبق رادوسلاف سيكورسكي، إن وارسو تدرس خيار ضم الجزء الغربي من أوكرانيا، وبينما تطالب السلطات البولندية الرسمية الآن بالإنكار، هناك دلائل على أن سيكورسكي أعرب عن رغبات وارسو، فقد أصبح من الواضح أكثر فأكثر، أن أوكرانيا كدولة متكاملة ليس لها مستقبل، حتى لو تمكن نظام كييف، عن طريق الصدفة، من إبقاء جزء كبير من الإقليم تحت سيطرته، وبالتالي فإن أمنيات وارسو ستتحقق في ظل وضع اقتصادي متدهور بشكل كبير في أوكرانيا.

وليس هناك شك في أن الأمريكيين سيشاركون في مثل هذا المخطط - فليس سراً على أحد أن واشنطن تعتبر وارسو حليفتها الرئيسية، ولها نفس التفكير في أوروبا، هذا يعني أنه ليس بأي حال من الأحوال ضد تعزيز الثقل السياسي والاقتصادي لبولندا على حساب جزء من الأراضي الأوكرانية، لذلك، بالإضافة إلى الرغبة البولندية الكبيرة في ضم الأراضي، فإن الولايات المتحدة مستعدة أيضًا لمساعدة وارسو في هذا الشأن، وبالطبع، تمت إضافة تفاصيل نظام كييف - النظام الذي منح البولنديين بالفعل سلطات خاصة على الأراضي الأوكرانية (بما في ذلك الحق في ممارسة وظائف الشرطة).

السلطات البولندية الحالية، بالطبع، ردت على كلام سيكورسكي بغضب واتهامات بالخيانة، وإن تصريحات رادوسلاف سيكورسكي لا تختلف عن الدعاية الروسية، لكن الحقائق على الأرض جميعها تؤكد ما أعلن عنه الوزير البولندي السابق، وإذا انتهت العملية الروسية العسكرية الخاصة، باتفاق سيبقى بموجبه جزء من أوكرانيا السابقة تحت سيادة كييف (على سبيل المثال، جزء من الضفة اليمنى لنهر دنيبر)، فسيتعين على بولندا أن تجد خيارات أخرى لإضفاء الشرعية على الضم، وعندها فقط سيثار موضوع الديون، حيث يمكن لبولندا، مقابل أقاليم، أن تتولى سداد التزامات القروض الأوكرانية للولايات المتحدة.

لقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا في عام 2022 بنسبة 31٪، ومن المرجح أن ينمو هذا الرقم  ويرجع ذلك جزئيًا إلى استمرار الأعمال العسكرية، وجزئيًا بسبب حقيقة أن كييف فقدت عددًا من المناطق إلى الأبد، ومن المحتمل أن تخسر البعض المزيد في المستقبل، وقدرت الاضرار التي لحقت بالبنية التحتية المتضررة 85٪ من الناتج المحلي الإجمالي، وبلغ عجز ميزانية الدولة في عام 2022، 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي - أي بعبارة أخرى، تعيش الدولة بالكامل على الأموال الخارجية، وستستمر - ويتوقع الاقتصاديون عجزًا في عام 2023 بمقدار 15٪ من الناتج المحلي الإجمالي، ولا يزال هذا توقعًا متفائلًا للغاية.

في غضون ذلك، لم تكن جميع الأموال الخارجية عبارة عن تبرعات طوعية من الغرب الجماعي لإنقاذ نظام كييف، وذهب جزء كبير كقروض يجب سدادها، ومن الناحية الاسمية، بالطبع، الآن حجم الدين ليس حرجًا - نعم، لقد نما بنحو 37 نقطة مئوية في عام 2022 وبلغ 80 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، لكن هذا هو الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، وهو في الواقع غير موجود، وفي الواقع، لا يوجد شيء لسداد هذا الدين - لا الآن ولا في المستقبل المنظور حتى الآن، ومع عبء الديون الحالي، سيتعين على كييف دفع 5.4 مليار دولار فقط في عام 2024 و 7 مليارات دولار في عام 2025 لخدمة ديونها الخارجية السيادية، وليس من المستغرب أن فيتش أعطت أوكرانيا تصنيفًا قبل التخلف عن السداد.

في الوقت نفسه، يعمل المقرضون الدوليون على مبدأ "بنك الحديد يحصل دائمًا على ما يريد"، لن يغفر أي شخص ديون أوكرانيا (أو ما سيبقى منها) - خاصة بعد نهاية NVO الروسي، عندما تنتهي المساعدة المقدمة لنظام كييف، والسؤال الذي يطرح نفسه - كيف ستدفع كييف الديون التي تراكمت لديها الآن؟، والجواب، في الواقع، هو واحد – عيني، ولحسن الحظ، توجد بالفعل أمثلة على هذه المدفوعات عينيًا، وعلى وجه الخصوص، في بعض الأحيان يتم الدفع للصين من قبل تلك البلدان التي، لأسباب مختلفة، غير قادرة على خدمة أو سداد الأموال المقترضة من جمهورية الصين الشعبية، ونتيجة لذلك، تدفع طاجيكستان بمناجم الذهب، وسريلانكا بقاعدة بحرية، والجبل الأسود بميناء.

ولطالما تعرضت هذه الممارسة لانتقادات شديدة من الغرب، الذي أكد أن بكين تلوي أذرع المدينين - لكن من غير المرجح أن ينتقد أي شخص الدول الغربية إذا اتبعت المسار الصيني، وكوكب المشتري مسموح به، ومع ذلك، من الممكن أن يصل الدفع العيني من قبل أوكرانيا إلى مستوى جديد، ويمكنها سداد ديونها ليس بتأجير الأرض وباطن أرضها، ولكن عن طريق نقل أراضيها مباشرة إلى جارها نهائيًا والمرشح الأول لهذا النوع من الضم هو بولندا.

نعرف إن وارسو ليست بأي حال من الأحوال الدائن الرئيسي لأوكرانيا - فهي لا تقدم رسميًا مبلغًا من المال مثل تكاليف لفيف أو إيفانو فرانكيفسك، ومع ذلك، هناك عدة حجج لصالح هذا الإصدار، وبادئ ذي بدء، هناك رغبة بولندية كبيرة، حيث تعتبر وارسو أراضي غرب أوكرانيا أقاليم بولندية في الأصل وهي مستعدة لإعادتها في أول فرصة، وكان أحدث دليل على ذلك تصريح لوزير الخارجية البولندي السابق، حيث أكد رادوسلاف سيكورسكي أن السلطات البولندية أرادت ضمهم فور بدء العملية العسكرية الروسية وكانت هناك لحظة تردد في الأيام العشرة الأولى من الحرب، "عندما لم نكن نعرف جميعًا كيف ستسير الأمور، وربما تنهار أوكرانيا"، وبهذه الكلمات، أجاب على سؤال عما إذا كانت وارسو قد نظرت في خيار ضم غرب أوكرانيا.

وليس هناك شك، في أنه إذا استمر نظام كييف في الانهيار خلال NWO، فإن بولندا ستتبع مقاربة ثانية للقذيفة، ستقدم قوات لحماية سكان هذه الأراضي المزعومة من الروس أو القوميين المحليين أو الزواحف - لا يهم الشيء الرئيسي هو أن الأراضي ستعود تحت السيادة البولندية، ولكن إذا لم ينهار، وإذا انتهت NWO باتفاق سيبقى بموجبه جزء من أوكرانيا السابقة تحت سيادة كييف (على سبيل المثال، جزء من الضفة اليمنى لنهر دنيبر)، فسيتعين على بولندا أن تجد خيارات أخرى لإضفاء الشرعية على الضم، وعندها فقط أثير موضوع الديون، حيث يمكن لبولندا، مقابل أقاليم، أن تتولى سداد التزامات القروض الأوكرانية للولايات المتحدة، ويشرح المحامي الدولي، كيرا سازانوفا الأستاذ المشارك في RANEPA، من وجهة نظر القانون الدولي، تثار الأسئلة فقط حول الشكل الذي سيتم فيه إضفاء الطابع الرسمي على مثل هذا النقل، ويوضح الخبير، إن "هناك الكثير من الخيارات، وسيختلف كل منها في خصوصياته القانونية الدولية: التبادل / الإيجار / بيع الأراضي". على أي حال، سيخرجون بشيء ما، بعد كل شيء، فإن بنك الحديد دائمًا ما يشق طريقه.

***

بقلم الدكتور كريم المظفر

انتهت دورة كأس الخليج العربيّ لكرة القدم بالبّصرة، بعد عشرة أيام مِن المباريات والمهرجانات الفنيَّة التي امتدت من 9 إلى 19 يناير 2023، والاحتفاء بضيوفها، وتقاطر بقية العراق إليها. نجحت مع أنَّ قوىً حاولت تضبيب الأجواء، فلا يطربها هذا التَّلاقي، تريد بقاء العِراق منفذ أزمات.

انتهت الدورة بفوز العِراق، وقد فاز بثلاث دورات سابقات (1979/1984/1988). حرصت الدول المشاركة أنّ تكون البَصرة راعية الدَّورة (25)، فالعِراق بحاجة لدملِ الجراحِ، منذ زمنٍ وهو يعاقر الرعب: تفجير يتبع تفجيراً، واختطافات تنتهي باغتيالات.

نستعير «الصَّحوة» عنواناً، فلا يبدو كان اسماً على مسمى، فالصحويون مِن أصحاب منابر لهم حرية العبث بالعقول، يتصايحون غيرةً على العفة والدين، وكأن بالبَصْرة ظهر دينٌ جديدٌ! وجوهر الزَّعيق ألا يُشغل الشَّباب عن حكاياتهم وخرافاتهم، وعندها تُغلق الدكاكين. هذا، ولسان الحال يقول: «والمُلصِقونَ بعرشِ اللهِ ما نسجتْ/ أطماعُهم: بِدعَ الأهواءِ والرِيّبا»(الجواهريّ، قف بالمعرة 1944).

أقول نستعير التسمية، فالبَصْرة أخذتها غفوة الأحزان، خلال حربيين كارثتين (1980-1988) و(1991) وثَّالثة لم تبق ولم تذر، يوم اختيرت أمّ قصرها بوابة الزحف حتى بغداد. أخذت سماؤها لسنوات تمطر صواريخ وقذائف، تركت النيران نخيلها جذوعاً بلا رؤوس، ثم طالها الحصار، والخراب بعد 2003.

اختفت ملامح المدنيَّة فيها، تلك التي أقامها مدير عام الموانئ مزهر الشّاويّ (ت: 1984)، خلال (1958-1963). كانت بداية مصلحة الموانئ (1919) ميناءً، وتطورت في (1956) لتكون «مصلحة الموانئ العِراقيَّة». غّير أنَّ هذا الضَّابط البغداديّ عملها مدينة كاملة بالمعقل (دليل الجمهوريَّة العراقيَّة 1960)، وبما أسس صارت البصْرة مِن أجمل المشاتي. أحبه البَصريون لأعماله الإنسانيَّة ونزاهته التي لا تشوبها شائبة، حتى جاء قرار عزله (1963). كانوا رجالاً لا يعرفون الطَّائفية ولا خيانة مالٍ أو وطن.

كان عزله مثالاً لتضييع الكفاءة والإخلاص، وهكذا كل ثورة تسقط ما قبلها، ممارسة قديمة يرصدها الجاحظ(ت: 355هج) في تهديم العُمران: يطمسون «آثار من قبلهم، وأنْ يميتوا ذكر أعدائهم، فقد هدموا بذلك السَّبب أكثر المدن وأكثر الحصون، كذلك كانوا أيام العجم وأيام الجاهلية، وعلى ذلك هم في أيام الإسلام، كما هدم عثمان صومعة غمدان، وكما هدم الحصون التي كانت بالمدينة، وكما هدم زياد كل قصر لابن عامر، كما هدم أصحابنا بناء مدن الشَّامات لبني مروان»(كتاب الحيَّوان). ومعلوم أنَّ إبعادَ أهلِ الكفاءةِ أفظعُ مِن هدمِ العمران وخسارته، وهذا ما حصل بقسوة وشراهة بعد خراب 2003 بقانون اصطلحوا عليه بالاجتثاث، ثم لطفوه بالمساءلة والعدالة، وباغتيالات وإقصاءات منظمة لأهل الكفاءة.

نجد مدناً تُقاس بحاضرها، الذي سيكون متكأً تاريخياً لمستقبلها بعد حين، ومدناً ضاع حاضرها بالخراب، وتأمل مِن تاريخها يسعفها بالنُّهوض، هي البَصْرة، التي حشدت ماضيها وأعطت كلمة افتتاح الدَّورة الرَّائع لرمزها الأسطوري السّندباد البحريّ، محتفيةً بالخليج الذي أخذ اسمها قديماً «خليج البَصْرة».

كان نشوء فرق الكلام والفلسفة واللَّغة من مفاخرها، وهذا ابن المعتز(قُتل: 296هج)، يدافع عن أبي نواس(ت: 195هج: «تأدب بالبَصْرة، وهي يومئذ أكثر بلاد الله علماً وفقهاً وأدباً»(طبقات الشُّعراء). لذا مثلها لا تنهيها الأوجاع سريعاً، لا نقول ذلك عاطفةً أو مجازاً، إنَّما للنخلة جذور ضاربة في العمق. نُسب إلى الشَّاعر الأمويّ مرار العدويّ، وقيل لغيره، في النَّخلات: «ضربنَ العِرقَ في ينبوعِ عينٍ/ طلبنَ معينه حتّى روينا/ بناتُ الدّهرِ لا يخشينَ محلاً/ إذا لم تبق سائمةٌ بقينا»(ابن قُتيبة، الشِّعر والشُّعراء). إنَّه شِعرٌ، ولكنْ «إنَّ مِن الشّعرِ حكمةً»(سُنن التَّرمذيّ). لذا تسمية الملعب بـ«جذع النَّخلة» أملني خيراً.

***

د. رشيد الخيّون - كاتب عراقي

25 يناير 2023

 

 

 

الفرس القدماء كانوا يسمون الخليج العربي "ورئي تاجيكان" أي بحيرة العرب، أما بحر فارس فهو ليس الخليج العربي، والجغرافيون العرب قبل الجغرافي الفارسي ابن رستة لم يسموا الخليج بالخليج الفارسي قط! فقرات من حلقة جديدة من سلسلة مقالات للمؤرخ د. سيار الجميل بهدف الاطلاع على وجهات نظر أخرى ومختلفة حول الموضوع وسأتبع بعض الفقرات بتعليقاتي عند الضرورة... الفقرات:

* "سأحاول الكشف عن الموقف من اسم الخليج في العصور الوسطى من خلال ما فعله البعض من الجغرافيين البلدانيين الفرس الذين كتبوا مآثرهم باللغة العربية، ولكنهم أساءوا جدا في تسمية الخليج العربي ببحر فارس، وثمة تفسيرات تقول بأنهم قصدوا ببحر فارس غير هذا الخليج، ولكن منهم انتشرت التسمية الى كل العالم بعيدا عن حقائق عروبته منذ القدم أو حقيقة سومريته من القدم الأقدم ...  دعونا نعالج هذا "الموضوع " على مهل:"

- تعليقي: يأخذ د. سيار الجميل بمصطلح "العصور الوسطى" وهذا مصطلح خاص بالتأريخ الأوروبي  وفق المنهج "الأورومركزي" ويعني عصور التخلف والظلام التي سادت أوروبا بين القرنين الخامس والرابع عشر قبل أن تبدأ نهضتها الكبرى في القرون التالية، أما في التاريخ العربي والصيني والهندي فلا توجد "عصور وسطى" متخلفة تقابلها في هذا الأوان، لأن هذه الأصقاع كانت في أوج ازدهارها الحضاري في هذه العصور؛ ونعلم أن الرشيد العباسي وأبناءه وأحفاده الأقربين عاشوا بدءا من القرن التاسع الميلادي فما بعده، وفي الصين كانت مظاهر الحضارة في ذروتها حيث تمكنت سلالة سونغ الحاكمة من إعادة توحيد الصين في دولة واحدة سنة 979 م، وقد  تزامن ذلك مع صعود الدولة الفاطمية في مصر، أما في أوروبا في هذا القرن والذي يليه فكانت عصابات الفايكنغ الهمجية الدموية تحول أوروبا الى رماد وخرائب بين أواخر القرن الثامن وحتى القرن الحادي عشر (793-1066) والحروب الطائفية والاقطاعية تعصف بأرجائها. ع.ل.

* إن أول من سماه "الخليج الفارسي" ابن رستة عام 290هـ، وهو جغرافي فارسي، من أهل أصفهان. بمعنى أن ابن رستة قد سنَّ "التسمية"، إذ لم نقع على تسمية كهذه من قبله قطّ. وبناء عليه، فقد وجدناها تتسرب إلى الثقافة العربية القديمة أولاً، ونجدها قد تسربت إلى الغرب ثانياً.

* لماذا تحوّلت التسمية من "بحر" إلى "خليج"؟ وهل كان السابقون يقصدون الخليج العربي أصلًا؟ في العام 500هـ أطلق ابن البلخي "درياي بارس" بحر فارس)، ولم يقصد الخليج المومأ إليه أصلًا! وفي العام 605هـ سماه الجغرافي المولود في مدينة طوس محمد بن نجيب البكران الخراساني "بحر بارس" بحر فارس، وهو كما أعتقد لم يقصد الخليج العربي أصلًا! وفي العام 625هـ سماه ياقوت الحموي "بحر فارس"، وهو ينقل معلوماته عن الآخرين بصدد الخليج المشار إليه من دون أن ينتبه إلى المفارقة الجغرافية.

* وفي القرن الثامن الهجري، ذكر حمد الله المستوفي (جغرافي ورحالة وموسوعي وأديب فارسي، توفي سنة 1349 م) الامتداد البحري من السند وحتى عمان جزءاً من بحر فارس. وبناء عليه، فإن المستوفي هو الأصوب والأشد مطابقة للجغرافية من الآخرين بعد مقارنته بما قالوه! (توضيح: أي أن حمد الله المستوفي يقصد ببحر فارس ذلك الامتداد الشاسع من السِّند إلى عُمان وليس الخليج العربي.ع.ل).

* ويؤكد لنا ذلك ابن الفقيه في القرن الثالث الهجري عندما قال إن بحر فارس متصل ببحر الهند (المحيط الهندي.ع.ل) وهما بحر واحد، بمعنى إنه لم يقصد الخليج العربي أصلًا، فالخليج لا يتصل ببحر الهند البتة. أمّا ابن رسته، فقد قال إن بحر فارس شعبة من المحيط الهندي. هنا يتأكد لنا جغرافيًا أن ابن رستة قد قصد أحد بحار المحيط الهندي؛ أي الأقرب إلى الهند منه إلى العرب أو بلاد فارس!

* كذلك وصفه الأصطخري عام 340هـ، وبزرك بن شهريار رامهرمزي عام 342هـ، ومحمد بن أحمد المقدسي في عام 375هـ بخليج فارس هنا نتساءل: كيف تحوّلت التسمية من "بحر" إلى "خليج"؟ وهل كان يُقصد ببحر فارس الخليج الذي يعنينا أمره جغرافيًا؟

* يؤكد ذلك الأصطخري (نسبة إلى مدينته أصطخر جنوب إيران الحالية، توفي سنة 957م) عندما اعتقد أن بحر فارس يمتد حتى الهند، علماً أن البحار العربية، وخاصة البحر العربي، متصلة بالمحيط الهندي بحر الهند، وليس الخليج العربي بالذات.

* أمّا ابن البلخي (جغرافي ومؤرخ من القرن 12 من مدينة بلخ بأفغانستان)، فقد قال إن بحر فارس جزء من البحر الأخضر، ولم أجد هذه التسمية عند الإغريق ولا عند العرب ولا عند الفرس.

* ثم يأتي الإدريسي بعد ذلك ليسمّي البحر الأخضر بحر فارس، وقال إنه متصل ببحر الصين. بمعنى إن بحر فارس هو غير الخليج العربي مطلقًا، فأين الخليج العربي من بحر الصين؟

* وعدَّ ياقوت الحموي بحر فارس شعبة من بحر الهند الأعظم أي المحيط الهندي.

* كما يمكن تتبع ظهور اسم "بحر البصرة" إلى مرحلة الفتح الإسلامي؛ وقد استخدم هذا الاسم العديد من الجغرافيين والمؤرخين والمؤلفين العرب مثل ياقوت الحموي، وخليفة بن خياط، والخليل بن أحمد الفراهيدي. وفي عصر الخلافة العباسية، ظهر اسم آخر للخليج العربي وهو "خليج العراق" الذي كان يستخدم إلى جانب اسم "الخليج العربي".

* أمّا في الأدبيات الفارسية، فقد ذكر نقلاً عن حمزة أن اسمه بالفارسية زاره كامسير، بحر كامسير)، واسمه المحلي قرب مهروبان "زراه أفرنك" بحر أفرنغ. وهذا يدل على أن البحر الواقع جنوبي إيران لم يكن له في القديم اسم واحد، وكان يسمى في كل نقطة من نقاط الساحل باسم تلك النقطة؛ مثل بحر مكران وبحر كرمان، لتسمية المياه الساحلية في هاتين الحالتين.

* الفرس القدماء اسموه بـ " بحيرة العرب " !: إن المصادر الإيرانية القديمة لم تطلق تسمية بحر فارس على الخليج العربي قطّ؛ ففي جزء من مخطوط يعود إلى العصر الساساني ذكر اسم المياه الساحلية التي هي جزء من الحيرة أحياناً باسم "مياه حجر أو هجر الساحلية"، فالتسمية عربية أساساً عند الإيرانيين في موروثهم القديم. ومما يؤكد ما توصلنا إليه أنه في عصر شابور بن أردشير، وحكم مهرزاد مرزيان في الحيرة، والحيرة كما نعرف كانت عاصمة عربية للمناذرة في العراق، كان الخليج العربي يُسمّى بحيرة العرب "ورئي تاجيكان"، وفي كتاب زند وهومن يسن سُميت مياه البحرين الساحلية بهران بحران).

- تعليقي: كلمة "تاجيكان" باللغة الفارسية صيغة جمع تعني العرب، وجذر هذه الكلمة من تازي، أي عربي، مأخوذة من النسبة "طائي"، نسبة الى قبيلة طيء العربية الكبيرة والتي كانت في حجمها أقرب الى شعب متوسط الحجم، وكان الفرس قديما يطلقون على كل عربي طائي أو تايجي أو تازي حتى صارت علماً لهم عند الفرس، وعنهم أخذ الصينيون هذه الكلمة "تازي" وأطلقوها على العرب كما ذكر الراحل هادي العلوي في كتابه "المستطرف الصيني".

***

علاء اللامي

.......................

* رابط يحيل الى مقالة د. الجميل في المصدر، وهناك في أسفل المقالة عدة مقالات للكاتب وهي مفيدة وجديرة بالقراءة:

https://almanarjournala.blogspot.com/2023/01/blog-post_57.html

 

يفتقر العديد من قراّء التاريخ الى روح النقد والصبر على البحث والتمحيص في المعلومة التاريخية من حيث توافقها مع الواقع وانسجامها مع طبيعة عصرها وكذلك غياب التدقيق في مرجعية المؤرخ والبحث في مصداقيته في ضوء ما يقدمه من طروحات وأحداث ومعظمها لا يستند الى مصدر موثوق ذلك ان العديد من الروايات التاريخية التي يتناولها المؤرخون تعرضت الى تأويلات مختلفة وشابها الكثير من الشكوك في مصداقيتها بسبب الفارق الزمني الكبير بين وقوعها وتدوينها، كما ان عددا من المؤرخين لا يتمتعون بالقدر المطلوب من الحيادية والمصداقية والنزاهة مما يجعل التسليم برواياتهم على انها الحقيقة المطلقة تاريخيا امرا صعبا، وعليه لا يمكن ان نعول على صحة كل ما تذكره الكتب من أحداث وسير شخصية خصوصا التي تقدمها الكتب المدرسية المليئة بعبارات التمجيد والمدح لشخصيات تاريخية قامت بانتهاكات انسانية عديدة وقدمتها هذه الكتب على انها شخصيات عظيمة واسطورية، لقد تعلمنا من تاريخنا المعاصر ان امتلاك السلطة يعني السيطرة على الاعلام والتصرف بالحقائق وفق ما يشتهي الحاكم وعادة ما تأتي منسجمة مع هوية وسياسة السلطة القائمة وبالتالي يحتاج التاريخ الى قراءة نقدية وعقل متفتح يتقبل ازاحة الثوابت عند اكتشاف خطأها خصوصا في طبيعة الروايات التاريخية التي جاءت ورسخت في اذهان الغالبية عن طريق التلقين واصبحت مثل صخرة جاثمة على العقول تحتاج الى قوة جبارة لزحزحتها، فهؤلاء لا يريدون ان يصدقوا ان التاريخ ملغوم بالأكاذيب والمبالغات وان الكثير من أحداثه كُتب بإرادات الحكام وبالأقلام الخائفة والمأجورة لتبرير اخطاء الحكام وحماقاتهم الكارثية لهذا فان الثقة المطلقة بها تصبح عاهة مستديمة ومؤخرا اختير لحاملها وصف (القافل).

 المعروف عن الكاتب الفرنسي (أناتول فرانس 1844 ــ 1924) هو استهتاره بالتاريخ وتجاهله له، ويوم سُئل عن اسباب ذلك أفاد مشيرا الى حادثة مرور وقعت أمامه وهو جالس في شرفة بيته، قال رأيتها بأم عيني ولكنني عندما قرأت ما كتبته الجرائد عنها في اليوم التالي جاء مناقضا كليا لما شهدته، واكثر من ذلك لم تتفق الجرائد المختلفة في سردها لما وقع ناقضت كل واحدة منها الاخريات، وقال كيف تنتظرون مني ان اصدق ما أقرأه في الكتب عن احداث وقعت قبل مئات السنين بعد ان رأيت بعيني كيف ضاعت الحقيقة بين ليلة وليلة.

***

ثامر الحاج امين

هي الجَائِحة: مبدئيا؛ فالبعد الخلفي لهاته الأوراق؛ محاولة خلق نقاش مسرحي؛ مختلف عما ساد في المهرجان العربي بدورته (13) بحيث كانت المحاباة والمجاملات؛ والآراء الفورية والحماسية؛ تجاه هذا دون ذاك، لأسباب ترتبط بالشللية والمصلحية؟ لهذا فكيف يمكن أن يستقيم حالنا؟ إلا بنقاش مسؤول وموضوعي وجريء وكذامنزاح عن النفعية المقيتة، والمصالح الضيقة التي تنتهي بانتهاء (المهرجان) لأن المهرجان/ صورة لنشاط يتحكم فيه الزمني؛ أمام فعل ينقضي. ومن ثمة فهو ليس وظيفة، ولا بقرة حلوب. وبالتالي لا خلاف بأن الجائحة الكوفيدية؛ التي أصابت المعمور؛ قد أوقفت عجلة الحياة بشكل شبه كلي؛ لكن في المجال الإبداعي والثقافي في العالم العَربي (تحديدا) كان هنالك شلل تام رغم بعض المحاولات ذات الطابع الإفتراضي؛ في الأردن والجزائر ولبنان، لتفعيل الفعل الثقافي والمسرحي والسينمائي عن بعْد وبالتالي فالفيروس بانتشاره الاستبدادي هل استطاع أن يسيطر على عقل المبدع ويجمد حركية الممثل؟ باعتبار أنَّ المسرح عمَل عقلي/ فكري/ انجازي؟

مما لاشك فيه؛ أن أي جائحة أو كارثة، تخلف وستخلف مضاعفات وآثارا سلبية على الحياة الإقتصادية والإجتماعية؟ أما الفنية/ الإبداعية حتميا ستعطيها قوة الاندفاع نحو العَودة للمشهد بحماسة؛ وفي نفس اللحظة تفرض ممارسة غمار البحث عن صيغ ومفاهيم إبداعية ونظريات فنية وأفكار متطورة بأساليب وأنماط بديلة؛ مواكبة ومتفاعلة إبداعيا بمخلفات الأضرار الشديدة التي تركها [الفيروس الكوفيدي] على عيش الناس وبحياتهم ونفسيتهم.، وعلى الخلفيّات الاجتماعية والاقتصادية وكذا السياسية؟ ولقد حاولنا ممارسة التلميح في العَديد من الدراسات؛ إبان الجائحة (1) من أجل توظيف وأدرمة المآسي التي عاشها المواطن العَربي (تحديدا) من ارتفاع نسبة الجرائم / الأمراض النفسية / الانتحار/ الجوع /القلق/ الكمامات/ الانعزال/ القتل المجاني/ الكساد/ قتل الأصول/ الاعتقالات التعسفية / حالة الطوارئ/.../ وأقرب حدث لمسرحته جماليا وفرجويا: وضعية "الفنان العربي" في ظل الجائحة؛ تجسيد لوقائع ولواقع مادي ملموس؛ مشحون ومتقاطع بالمتخيل بداهة لحياته ولعلائقه الأسرية والشللية،علما أن الجائحة ساهمت في خلق اغتراب للمواطن العربي؛ موازاة مع الرجة والاختراق الذي أحدثه العالم الرقمي جوانية الجائحة، التعليم عن بُعد / الاجتماعات عن بعد/ المسرح عن بعْد/ المحاكمات عن بعدٍ/..../. وبناء عليه فتفعيل أغلب المآسي والأحداث ومحاولة مسرحتيها بمنظور جاد وبأساليب متطورة تقنيا وتصوريا،سيوقف إلى حد ما الرداءة والتفاهة التي أضحت تخترق المسرح؛ من لدن بعض التجار والسماسرة والتافهين؛ وبهذا يمكن أن يتلاحم الواقع الاجتماعي العربي بالعالمي؛ لردم التخلف الحاصل بين المسرح العربي والكونية. باعتبار أن الفن الرابع قبل الجائحة وحتى بعيد الجائحة ! يعيش إكراهات وأعطاب شبه مزمنة وأزمات متوالية، تلك التي تنخر مشهده جوانيته؟ سواء من الجوانب التمويلية أو الحصارية أو الصراعاتية أو الإقصائية؛ ناهينا عن الحروب الطائفية ومحاولة الهيمنة على كراسي سلطة؛ بحيث الخريطة العربية تحمل إلتباس الرؤية وتعيش ضبابية المشهد؛ والذي زاد في قتامته؛ انفجار الحرب (الروسية = الأوكرانية) ليتزعزع الاستقرار من جديد ! وبالتالي هل المهرجانات المسرحية مابعْد "جائحة كورونا" بإمكانها أن تعيد للمسرح فعاليته وعافيته؟ وستقلل للحَدّ من أعطابه؟

المهرجانات:

تأكيدا بأن أي نشاط وتظاهرة ثقافية/ فنية هي مكسب من المكاسب للفاعلين المسرحيين ورافد من أهم الروافد إجرائيا في تنمية الحراك والفعل الثقافي وتطوير الحياة المسرحية، قبل المحيط الاقتصادي والاجتماعي؛ وإن كانت وجهة نظر تختلف بين هذا وذاك تجاه مهرجان (ما) لكن أغرب ما أطلعت عليه؛ ويحتاج لنقاش جاد ومثمر: فمثلا بعد 35 سنة من الحركة المسرحية، لم يقدم مهرجان قرطاج للمسرح النتائج المرجوة ونفس الأمر ينطبق على مهرجان القاهرة الدولي للتجريب ومهرجان الهيئة العربية للمسرح.. كلها تظاهرات تسير دون استراتيجية لأنها مهرجانات تشتغل على الموجود. وهو وضع كارثي...(2) ربما سيبدو أن هذا القول فيه نوع من الخلفيات الشخصية؛ ولكنه كان مسؤولا عن مهرجان قرطاج لسنوات؛ وبالتالي ربما هي صحوة أمام ما آل إليه المسرح العَربي الذي يعتبره مريضا وغيرمواكب لتطلعات الفرد والمجتمعات؟ فمن زاوية المعاينة والمعايشة؛ فالمسرح العربي كانت له إشراقات متميزة؛ وتمظهر فعاليات لها قيمتها الفنية؛ وصاحبة تموقفات إبداعية / سياسية؛ لكن بدخول الدخيل والسماسرة وتجار الأزمات في المشهد الإبداعي بشكل همجي وكتلوي مشكلا "لوبيات" تتصارع وتتشابك فيها المصالح الذاتية، بقناع المسرح؛ والذي أفرزمشاهِد غير مألوفة ومفاهيم غير دقيق في النسيج المسرحي [ظاهرة] الربيع العربي التي خلخلت المفاهيم والثوابت والتصورات الثقافية والسياسية؛ وأنتجت واقعا عربيا معقدا ومساهما في استفحال مظاهر الانتهازية والاستغلالية، ناهينا عن المناخ الدولي السياسي/ الاقتصادي؛ الذي له تأثيره على الخريطة العربية؛ وهذاما نلمسه جوانية المهرجان العربي في دورته (13) بحيث يلاحظ بأن المسرح العربي شبه تائه؛ في مناخ يغلب عليه تبادل المجاملات، والنمطية في الإشتغال الفكري والأشغال التنظيمية؛ بحيث لم تشعر بأن هنالك تغيير في منظور المهرجان وأجوائه، بل هنالك ملل وتكريس بأننا نحن (العَرب) ظاهرة صوتية؛ ولسنا ظاهرة إبداعية ! لكن المثيرفي هاته الدورة الحضور الجماهيري بكثافة غير مسبوقة لمواكبة العُروض المسرحية؛ حتى ضاقت أرجاء القاعات (الثلاث) التي كانت تحتضن العروض ! وهذا لم يكن في الدورة السابعة (2015/الرباط) ؟هل مرد ذلك للتعطش وللجوع الذي عشناه إبداعيا جراء (الجائحة الكورونية) ؟ أم مرده للدعاية الشفوية التي كانت تسبق العروض؟ هل كان هنالك تجنيد لجيش خفي؛ مستغلا آلية التدوين ووسائل التواصل الإجتماعي؛ لإعطاء صورة مقبولة للمهرجان؟ هل استضافة نحو أربعمئة مسرحي عربي من الوطن العربي وخارجه، هي السبب المباشر في ملء القاعات (الثلاث)؟ ولكن المطب تلك التصريحات القبلية التي لا يمكن تجاوزها؛ وتكشف عن خلل (ما) إما في الاستراتيجية العامة أو في عملية التفعيل الإجرائي للعروض المسرحية؛ ولنتأمل إن: الدورة الثالثة عشرة من المهرجان ستضم العروض المشاركة في المسابقة الرسمية.... إضافة إلى برنامج تفعيل لعروض المسرح المغربي على امتداد جهة الدار البيضاء- سطات (3) هذا لم يتم و(لا) وجود له على أرض الواقع؟ فمثلا دار الشباب ابن خلدون في مدينة "المحمدية" لاوجود حتى لملصق التظاهرة المهرجانية؛ علما أن هنالك جناح بالمؤسسة الشبابية مستغلة للتطبيب والتمريض؟ لكن هنالك إخبار أوسع منه يشير بالقول الصحفي: بحث المجتمعون جدولة العروض اليومية وسياستها ومواعيدها... إضافة إلى مقترحات برمجة العروض المغربية على امتداد التراب الوطني المغربي(4) فمثل هاته المعطيات ومقاربتها إمبريقيا؛ نستشف بأن الأغلب الأعم تائه (!) وليست العروض المسرحية وحدها؟ والمفارقة العجيبة؛ أن هنالك عرض بعنوان (تائهون) من تونس الشقيقة ! فأين يتجلى التيه في العروض المسرحية؟

مبدئيا هنالك تيه؛ ولن نقول (خلل) في أغلب مكونات كل عرض وعرض؛ على مستوى الواقع والمتخيل وكيمائية التركيب للمكونات الدرامية التي ينهض عليها الفن المسرحي !وهنا سندرج أرضية أين يكمن التيه؛ على أمل استقراء كل العروض(لكن) وهذا نداء عملي؛ بعيد عن تسليم الأظرفة (المالية) فهل يحاول أو يستطيع الإخوة الذين ألصقت لهم صفة (ناقد) في المهرجان؛ واستلذوا بها ! أن يغنوا الساحة النقدية بتفكيك وتحليل تلك العروض المشاركة، أم بانتهاء المهرجان انتهى وجودهم لأنه: لابد من كتابات إعلامية ودراسات نقدية لا ترحم، تنجزها أقلام حرة مستقلة لا انتهازية تلهث وراء الربح والكسب المادي، لأن المجتمع في حاجة أكثر إلى أن يرتقي الفن بالذوق العام(5) فطبيعي أن كل عمل يحمل مجهوده ويمتلك تصوراته؛ ولا يمكن الانتقاص هذا من هذا؛ إن كانت هنالك موضوعية التحليل وتجديد الخطاب الاستقرائي؛ بعيدا عن الحسابات الشخصية والسياسوية؛ وبعجالة هنالك أعمال تفتقر لمفهوم المسرح الذي يتجلى عمليا في الفعل /الصراع؛ وهامت في السرد المطلق كأننا أمام تمثيلية إذاعية، وليس أمام عرض مسرحي/ ركحي؟ والغريب أن جل العروض استعملت (الميكروفون) كأننا في مراقص ليلية أوفي حفلات الأعياد الوطنية ! والأغرب أن بعض العروض مارست العري الجسدي للممثل؛ بشكل مجاني وبعض الممثلين حفاة الأقدام؟ وأعمال سقطت في الرتابة؛ نتيجة تكرار الحوار والصور، مِمّا فقدت بوصلة التصاعد الدرامي. والذي يزيدنا حيرة؛ أغلب العروض المشاركة، وظفت السجائر التدخين بشكل مكثف ومسترسل؛ إضافة لإستعمال البخور/ المواد الكيماوية كتقنية مشهدية؛ دون مراعاة لبعض المتلقين الذين هم مصابون بضيق التنفس(!) مقابل هذا بعض العروض لم تراع حاسة السمع حينما وظفت الموسيقى الحية والمباشرة؛ والتي كانت أعلى إيقاعا من الحوار. ناهينا عن غياب اللغة العربية كبوتقة للتواصل الفعال في المهرجان العربي؛ بحيث هذا يطلق العنان للغة الفرنسية وهذا للغة الإنكليزية؛ وهذا للدارجة المحلية الضيقة...كل هذا باسم البحث عن حساسية إبداعية جديدة؛ أو توطيد المشروع الفني الذي في مخيلتهم؛ والبعض يحاول تفعيل وإنجاز ما بعد الدراما؟ هل تحقق البعْد الدرامي؛ في ذروة العرض؛ لتحقيق نفيه فيما بعد كحل من الحلول؟ وما نفهمه أن كل تجربة تختار شكلها الفني؛ بشكل منضبط إلى حد ما؛ وذو لمسات ترنو للانفتاح المقبول للخصوصية العربية؛ و مجانبا قدر الإمكان التبعية أو الذوبان المستباح في منظومة (الآخر) وهنالك أصوات من قلب المهرجان؛ عبرعروضها تدعي أو تسعى لخلق عرض [ دراماتورجي]؟ فهذا المفهوم الذي انغرس في البيئة العربية في سياق المثقافة البئيسة؛ لازال يحتاج لتدقيق معرفي/ تطبيقي.

في تقديري أن أغلب العروض المشاركة تضليلية عما يقع في الساحة العربية من صراع ; وآهات؛ لأن المسرح البديل ينطلق أساسا من البحث عن المشترك الإنساني والكوني. وقبل هذا وذاك فالواقع العربي متخم بالقضايا والمواضيع وبالصراع الذي تفاقم بشكل ملفت للنظر ويعيش "مباينية" بين الجماهير والشعب والشعب فيما بينه وبين السلطة والسلطة بين السلطة؛ وبين محتكري السلطة والطامعين فيها؛ إنه غليان، من الاحداث السياسية / الإجتماعية/ الثقافية، بحيث هذا الغليان والخراب والدمار واقع سوريالي الذي تعيشه بعض الأقطار؛ التي عادت بنيتها وذهنيتها للقرون الوسطى؛ فهل هذا الوضع العبثي/ اللامنطقي/المنحط/.../ يسمح ياترى بتحقيق ما بعد الدراما ! التي تعني تجاوز الحداثة (؟) وبتجاوز الحداثة عمليا سننخرط رهبة أو رغبة في عوالم الرقمنة؛ وبالتالي فالسؤال الجوهري من كل هذا هل العروض المشاركة لامست بشكل عرضي (حتى) هذا الوضع الثقافي/ الفني/ التقني/ البديل؟

سؤال للهيئة:

ما تسعى إليه الهيئة العربية للمسرح؛ من زاوية النهوض بالمسرح العربي؛ لأمر متميز ومائز ومطرب؛ ويتضح أنها تفكّر في الحلول عوض التركيز على الأزمة التي يشهدها "المسرح العربي" ولكن هل المهرجان الذي هو متنقل بطبيعته؛ إطاره وفعاليته لمن؟ هل للمحترفين/ للمهنيين/ للمراهقين/ للهواة /...؟ والذي لا يطرب أكثر ويفرض عدة تساؤلات؛ في كل دورة تقريبا نفس الأسماء والوجوه تتكرر؛ وتجتر نفس الخطاب بشكل زئبقي وموارب مع الحالة المهرجانية، والفضاء المحتضن له؛ والجميل أن موقع "الهيئة" يوثق مجريات كل دورة (حجية وشهادة) . مقابل هذا نفس الدول التي شاركت مؤخرا (الدورة13- المغرب2023) نفسها في (الدورة 12 – الأردن2020) وفي (الدورة 8- الكويت2016) على سبيل المثال، فأين هي العروض: القطرية/ سلطة عمان/ الجزر القمر/ فلسطينية / اليمنية / الموريتانية /البحرينية/ الليبية/ السعودية/..../ أليست منخرطة في الهيئة؟ أم لا تتوفرعلى عروض مسرحية تسمح لها بالمشاركة، مما نجد في كل دورة دولة عربية تشارك بثلاث أو أربع عروض/ فرق – مسرحية، وهل هذا الأمر يستقيم أمام مشروع عربي للنهوض بالحركة المسرحية العربية؛ لمواجهة التحديات الكثيرة التي تواجهنا اليوم وأمام هذه التغيرات التي يعرفها العالم؟ وبالتالي فما تصور الهيئة أمام هذا القول الآتي من فلسطين/ القدس:... فما هو الثمن الذي يجب أن تدفعه هذه الدول كي تكون المهرجانات المسرحية الوطنية تحت إمرة "الهيئة العربية للمسرح"؟ إنه ببساطة تدجين المسرح كفعل نقدي طليعي وتهميش المسرحيّين الحقيقيّين والمثقّف الحقيقي والناقد الحر(6)

***

نجيب طلال

.......................

الإستئناس:

1) انظر في أفق تنظير للمسرح الكُوروني؟ لنجيب طلال صحيفة الحوار المتمدن عدد[6863] بتاريخ (08/04/2021)

2) المهرجانات العربية في حاجة إلى الاستقلالية والمسرح العربي مريض: حوار مع مدير المسرح الوطني التونسي فاضل جعايبي لصحيفة "الشروق "أجراه العربي بن زيدان بتاريخ 2018/12/18

3) مهرجان المسرح العربي في الدار البيضاء 10 يناير: صحيفة الخليج بتاريخ /03/ يوليو/ 2022

4) اجتماع الهيئة العربية للمسرح باللجنة العليا المنظمة للدورة 13 من مهرجان المسرح العربي؛ جريدة بيان اليوم بتاريخ 23/10/2022

5) حوار مع مدير المسرح الوطني التونسي فاضل جعايبي لصحيفة "الشروق" [ الإستئناس -2]

6) هيئة تخريب المسرح العربي: لإسماعيل الدباغ (مخرج وممثل مسرحي فلسطيني من القدس، مؤسس "فرقة مسرح الرواة" المقدسية) صحيفة العربي الجديد بتاريخ/ 25 / أكتوبر/ 2019

إن الفقر ولد مع الحياة ومع الفقير و'العسر يشين الاخلاق ويوحش الرفاق' والكثير من أبناء الفقر أغنياء اليوم ويشكل الفقر عقدة صلبة صعبة التخلص منها عند الكثير وقد ذكرها سبحانه وتعالى في العديد من الايات القرانية الكريم، العديد من سكان الأرض إن لم نقل معظمه يعيش حالة الفقر ونبينا الكريم (ص) كان يحزن ويتغير وجهه عندما يرى أناس ذو فاقة ومحتاجين، وكان صلى الله عليه وآله وسلم إذا أهدي إليه طعام لا يأكله حتى ينادي على فقراء المسلمين ليأكلوا معه وهم (أهل الصفة)، وقد يكون على مسافة ليست ببعيدة عنا هناك من لا يجد أبسط مقومات الحياة من الفقراء في فصل الشتاء الذين يسكنون منازل مُتهالكة، يُصارعون أمعائهم الخاوية بأجسادٍ أنهكها البرد، برودة قارسة تتسلل من كُل مكان إلى داخل المنزل. الفرق بين الفقراء والمساكين، وليس الفقر اختياراًلوجود فقراء وإنما نصيب محدود وقدر وتسرع وجنون وتبذير والكثير أوصل العديد إلى الفقر الذي لا يفضل أحد أن يعيشه ولو بعض ساعات فما باله أن يزاوله ويكون معه بكل مراحل حياته وتفاصيلها بوفاء الوفي وإخلاص الوفي الذي لا يتركه مهما كان ومهما تغير الحال، والفقر بقي العائق الكبير الذي يواجهه كل فقير وهو ذلك العجز الذي يقفل جميع الأبواب إلا أن أبواب الله مفتوحة وفي خدمة عبده دوماً بلا انقطاع فالجأ إلى الله وكن واثق بأن بابه لن يغلق في وجهك فأنت العبد المؤمن الصالح الواثق المؤمن بالله وبقدرة الله “الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ”.) سورة البقرة، آية: 268(، أن الفقر ظاهرة إجتماعية تؤدي إلى تبعات اجتماعية وإقتصادية مخرّبة ولا تخلو الدول منها في جميع عصورها والبشر يعاني منها دائماً. ظاهرة الفقر مختلفة بواعثها بالنسبة إلى البيئات المختلفة فلذلك للفقر معان نسبيّة بمختلف الظروف، يتشابه معنى الفقراء والمساكين بشكل عامّ، لكن ميّز علماء اللغة بينهما، فقال ابن السِّكِّيت: الفقير هو الذي له بُلغةٌ من العَيش أما المسكين فليس له شيء، وقال ابن الأعرابيّ: الفقير الذي لا شيء له والمسكين مثله، وقال الأصمعي: المسكين أفضل حالًا من الفقير، وقال يونس: الفقير أحسنُ حالًا من المسكين وللامساواة الفاقعة ليست قدراً بل خياراً سياسياً كما يعتقد البعض وللحقيقة فأن لو تكفل الغني بأخيه الفقر لتحولت الدنيا من حولنا وتوقفت الحروب واختفى الجوع والحزن الذي يقطع القلوب وعم الخير والسلام الأرض واحتمى الصغير بحضن الكبير.وسبحانه وتعالى ذكر في القران الكريم البقرة الاية: (271) ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ ولواجهنا ما عجز الكبار والعظماء على مواجهته وحله، ولكان الشر انسحب بكل هدوء ونزلت الجنة إلى الأرض لتعيش معنا وشعارنا الحب والعمل لوجه الله وفقط الغني يتكفل ومن واجبه أن يتكفل بالفقير الذي قد يكون أخوه ابنه أبوه أحداً من أقاربه وجاره.

والفقر جذر لكل المشاكل الإجتماعية وهو اكثر من مجرد الافتقار إلى الدخل أو الموارد أو ضمان مصدر رزق مستدام، حيث إن مظاهره تشمل الجوع وسوء التغذية وانحسار إمكانية الحصول على التعليم والخدمات الأساسية، إضافة الى التمييز الاجتماعي والاستبعاد من المجتمع وانعدام فرص المشاركة في اتخاذ القرارات. معظم البلدان النامية، على الرغم من إحراز تقدم كبير في السنوات الأخيرة في مجال الحد من الفقر، معدلات الفقر لا تزال مرتفعة وبالنسبة لعدد كبير من البلدان الفقر يعتبر من أهم المشاكل الأساسية للدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، من بين 48 دولة التي تعتبر من الدول الأقل نمو هناك 21 دولة عضو في منظمة التعاون الإسلامي. وبالإضافة إلى ذلك، إن ربع سكان الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي يعيشون بدخل تحت حد 1.90 دولار أمريكي يوميا

فيي الواقع، لم تعد شريحة الـ50% الأفقر تحصل سوى على 12 سنتاً من كل دولار من الدخل، فيما يحصل الـ1% الأغنى على 27 سنتاً، أي ضعفي حصّة نصف السكان. وتشير المنظمات الدولية إلى أن مليارديرات اليوم يمتلكون ثروات أكبر بكثير ممّا امتلكه نظراؤهم يوماً، فهي ارتفعت من نحو 5 آلاف مليار إلى 9 آلاف مليار بين عامي 2008 و2018، ولكن من دون أن يؤدّي ذلك إلى زيادة معدّلات الضريبة المفروضة على هذه الثروات. فمن كلّ دولار يُجبى من الضرائب، هناك 4 سنتات فقط يتمّ تكوينها من الضرائب على الثروة، في مقابل 39 سنتاً من ضرائب الاستهلاك. نتيجة لذلك، باتت الثروة أكثر تركّزاً، ففي عام 2018 استحوذ 26 شخصاً على ثروات توازي ما يملكه نصف سكّان الأرض، بعد أن كان عددهم يقارب الـ43 شخصاً في 2017 أي قبل سنة واحدة فقط.

الفقر ظاهرة معقدة و حقيقة راسخة ومنتشرة، وهناك قرابة نصف سكان العالم كما ذكرنا يعيشون على أقل من دولارين في اليوم. آما أن هناك أكثر من مليار شخص يكابدون العيش بأقل من دولار واحد في اليوم. بل إن هناك تحديا أقوى يكمن فيما يمكن أن تكشف عنه القياسات الإحصائية ومنها أن الفقر يولد شعورا متناميا بقلة الحيلة والمهانة، وعدم القدرة على التفكير أو التخطيط أو الجنوح بالخيال إلى ما يتجاوز واقع الكفاح اليومي لمجرد البقاء، لكن بلا أي دعم أو إمكانات للصعود على سلَّم الفرص. ولنا أن نتصور إلى أين يمكن أن تقودهم مجهوداتهم إذا كان هذا السلم في مكانه الصحيح. وتكمن مسؤوليتنا المشتركة في المساعدة على اي نتيجه تنقذهم منها.

التغلب على الفقر يتطلب رؤية بشأن الإمكانات التي تنطوي عليها زيادة التعاون الدولي من أجل تحقيق أهداف مشتركة. والهدف المتمثل في تحقيق العمل اللائق هو إحدى الأماني الأساسية لكل الأفراد والأسر والمجتمعات والأمم على اختلاف تاريخها وثقافاتها. وهو قضية تجمع الشعوب وتوحد صفوفها في مسعى تعاوني. وهو فضلا عن ذلك حلم يمكن أن يتحول إلى حقيقة من خلال التقدم خطوة بخطوة على طريق بناء الثقة والإيمان بقدرتنا على تشكيل النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتمكين الناس من تحقيق الاستفادة الكاملة من قدراتهم. وهو مسعى يقوم على فهم جديد للأمن البشري والحاجة إلى عقد اجتماعي لتحقيق هذا الأمن ودعمه، التغلب على الفقر يتطلب رؤية بشأن الإمكانات التي تنطوي عليها زيادة التعاون الدولي من أجل تحقيق أهداف مشتركة. والهدف المتمثل في تحقيق العمل اللائق هو إحدى الأماني الأساسية لكل الأفراد والأسر والمجتمعات والأمم على اختلاف تاريخها وثقافاتها. وهو قضية تجمع الشعوب وتوحد صفوفها في مسعى تعاونية لإنقاذ المجتمعات التي تشكوا من الفقر، هو فضلا عن ذلك حلم يمكن أن يتحول إلى حقيقة من خلال التقدم خطوة بخطوة على طريق بناء الثقة والإيمان بقدرتنا على تشكيل النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتمكين الناس من تحقيق الاستفادة الكاملة من قدراتهم. وهو مسعى يقوم على فهم جديد للأمن البشري والحاجة إلى عقد اجتماعي لتحقيق هذا الأمن ودعمه.

***

عبد الخالق الفلاح - باحث واعلامي

 

نقصد بالنظامين: الدكتاتوري زمن الرئيس صدام حسين، والديمقراطي بعد عام 2003.

والهدف من هذه المقالة ينطلق من حقيقة ان الامور في السياسة والمجتمع لن تستقيم ما لم تكن اولى مهماتنا اصلاح ما افسده هذان النظامان في الشخصية العراقية، واستثمار ما احدثه خليجي البصرة فيها، فضلا عن ان في هذه النصوص شهادات لاحداث تهم المؤرخين المعنيين بتاريخ العراق الحديث، وتوثيق للأجيال يلتقطون العبرة منها.

الشخصية العراقية زمن النظام الدكتاتوري

بدءا من العام 1980، رصدنا التحولات التي حصلت في الشخصية العراقية فوجدنا انها توزعت بين اربعة انواع، هي:

النمط السادي:

تجسدت السادية بأقبح وأفضع اشكالها في شخصية الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بتعمده ذمّ الآخرين وازدرائهم، والتقاط عيوبهم، وتحقيرهم، والبحث عن أخطائهم وتضخيمها من أجل معاقبتهم بشدّة، فضلا عن دوافع تسيطر على السادي وتدفعه قسرا إلى تدمير سعادة الآخرين وتبديد آمالهم.

والحق، ان صدام حسين ما كان أول حاكم سادي في العراق، فالسلطة في هذا البلد مارست عبر أكثر من ألف سنة مختلف الأساليب التي تجعل الناس ينظرون إلى " الخضوع " بوصفه حقا للراعي وواجبا على الرعية، وأن عليها أن تتقبل آلامها ولا تشكوها حتى لأنفسهم، ليتحقق من خلالها ( معادل نفسي ) طرفاه "السادية " و"المازوشية " يمنح السلطة الشعور بالاطمئنان على ديمومتها.

النمط المازوشي

بدأ تدجين العراقيين على السلوك المازوشي في سبعينيات القرن الماضي، آخذا شكل الترغيب والترهيب للانتماء إلى حزب البعث، ثم الإجبار على الالتحاق بالجيش الشعبي وعسكرة الناس الذي يعدّ من أعلى الممارسات في (معادل) السادي – المازوشي بين السلطة ورعاياها، والمبالغة في أساليب إذلال الناس وتحقيرهم، أقساها..أخذ ثمن الطلقات من أهل المعدوم الذي تم بها قتله، وعدم السماح بإقامة مجالس العزاء للذين تعدمهم السلطة، اوصلت الفرد العراقي إلى أقصى حالات اليأس المتمثلة بتوليد يقين لديه بأن تقرير مصيره بيد السلطة وحدها.

الشخصية المتمردة (الثورية)

تمثلت هذه الشخصية بمعارضين للنظام الدكتاتوري باختلاف انتمائاتهم السياسية (شيوعيين، وطنيين، اسلاميين..) احتموا بجبال العراق واهواره او غادره.

وما حصل هو أن المبالغة في ممارسة السادية من قبل السلطة، نجم عنها مبالغة في ممارسة المازوشية بين الناس، وكبت ملأ الحوصلة، وحقد يغلي من الداخل ينتظر لحظة الانفجار ليشفي غليله في انتقام بشع..وقد حصل!..من قبل الشخصية المتمردة (الثورية) التي اوجدها ذلك النظام بين أفراد الأسر المنكوبة بضحاياها بشكل خاص.فلقد شهدت بأم عيني كيف وضعوا اطارات السيارات حول رقاب بعثيين وأحرقوهم وهم احياء بعد هزيمة الجيش العراقي في غزو الكويت 1991.

الشخصية المقهورة

في كتابه الممتع لعالم النفس اللبناني مصطفى حجازي يصف الانسان المقهور بانه المسحوق امام القوة التي يفرضها الحاكم المستبد فلا يجد من مكانة له في علاقة التسلط العنفي هذه سوى الرضوخ والتبعية والوقوع في الدونية كقدر مفروض..ومن هنا شيوع تصرفات التزلف والاستزلام والمبالغة في تعظيم السيد اتقاء لشرّه او طمعا في رضاه، وهذا ما حصل، فلقد انتج النظام الدكتاتوري اشد انواع الشخصية سلبية هي (الشخصية المقهورة).ونجم عنها مفارقة سيكولوجية تمثلت بتغذية نرجسية الحاكم(صدام) وتضخيم اناه، وتحقير المقهور لنفسه والاستكانة والاستسلام والتبخيس او الحط من قيمته كانسان يعاني كل انواع الحرمان.

الشخصية العراقية زمن النظام الديمقراطي

في زمن الحكم السياسي الطائفي، استعادت (ش.ع) بقوة ممارسة ما تطبعت به من طبائع التعصب والتحيز والتطرف وعدم احترام الرأي الاخر، وزاد عليها غلبة التفكير الخرافي والقدري والدوغماتي (الانغلاق الفكري) في تعاملها مع مشاكلها الحياتية.وصارت تعيش بداخلها حالة خوف من المجهول مصحوبة بتملق او خنوع للحاكم الطائفي..والأخطر سياسيا، فقدانها لعراقيتها الوطنية وخضوعها لتعزيزالحكّام الطائفيين:التعصب للهويات الفرعية، الطائفية، العرقية، العشائرية، المناطقية، الذي كان موجودا فيها قبل التغيير 2003، لكن اعراضه ما كانت حادة..الى انفجاره بعنوان جديد هو صراع الهويات في احتراب(2006- 2008) كانت ضحاياه عشرات الألاف من الأبرياء، وفيه اوصلوا العراقي الى أن يقتل أخاه العراقي لسبب في منتهى السخافة ما اذا كان اسمه حيدر أو عمر أو رزكار.

وأخلاقيا، تتصف الشخصية العراقية بالتزامها بالعبادات (صلاة، صوم..) ولا تلتزم بالقيم الدينية كالصدق وقول الحق، غير انها كانت تمارسه على استحياء فيما صارت تمارسه علنا زمن الطائفية. والسبب، أن الحكومات والبرلمان، اشاعت فسادا فاحشا وصيّروه من فعل كان يعدّ حراما الى شطارة وانتهاز فرصة. والأقبح:تبادل اتهامات الفساد بين معممين، وتناقض افعال مسؤولين (دينيين)في السلطة مع اقوالهم، اوصلت العراقي لحوار داخلي:(اذا اهل الدين " القدوة" ما ملتزمين بالقيم الدينية فما الذي يدعوني الى الالتزام بها وقد ضاقت بنا السبل)..نجم عنها انها (خدّرت) الضمير الديني ايضا فشاع لديه الكذب، النفاق، التزلف، واللاحياء.

ما أحدثه خليجي البصرة في الشخصية العراقية

كشفت متابعتنا اليومية لجماهير المشجعين ان مونديال البصرة احدث تأثيرات في الشخصية العراقية، نوجزها بالآتي:

- سيكولوجيا: اشاع الفرح وروى على مدى اسبوعين عطش العراقيين للمتعة، لدرجة أن البصريين افادوا بأن (الفرح بدد الكثير من الاوجاع، حتى عيادات الاطباء امست فارغة). واثبت الحدث ان العلاقة بين العراقي والوطن كعلاقة العاشق بمعشوقته..يحبه ويفديه بروحه.

- اجتماعيا: كانت فرصة استثنائية لتجمعات جماهيرية التقى فيها العراقيون باختلاف مكوناتهم الأجتماعية في مدينة واحدة يجمعهم حدث ممتع احيا تقاليد اصيلة في الشخصية العراقية، اروعها..أن الآف العراقيين في مدرجات الملاعب، باختلاف دياناتهم وانتماءاتهم.. كانوا يرددون (بالروح بالدم نفديك يا عراق).

- وطنيا: عكست صورة ايجابية عن العراق عجز عنها السياسيون، و كشفت عن حجم المحبة التي يحملها العراقيون لاشقائهم العرب في الخليج، ما دفعهم عبر فضائياتهم الى أن يتغنوا بالعراق (سلام عليك، على رافديك يا عراق القيم..فانت مزار وحصن ودار لكل الامم.. فبغداد تكتب مجد العظام وما جف بها مداد القلم).

- سياسيا: أحيت الهوية الوطنية وأنعشت الشعور بالأنتماء للعراق اللتين اماتهما السياسيون الطائفيون بأشاعتهم الهويات الفرعية القاتلة وثقافة القطيع التي تديم بقاءهم للأستفراد بالسلطة والثروة.

وما حدث في خليجي البصرة هو احياء لوثبة تشرين 2019، فكلاهما ينشدان (استعادة وطن) ولكن بطريقتين مختلفتين..سياسية في تشرين و رياضية في خليجي 25.وكلاهما احيا ما هو جميل في الشخصية العراقية، لكن حدث البصرة أشاع تفاؤلا بعد يأس عقب قمع الوثبة، في بشرى واعدة ان العراقيين سيتوحدون ويعيدون لأربعين مليونا اليقين بأنهم قادرون على خلق غد يليق بوطن يمتلك كل المقومات لأن يعيش اهله برفاهية وكرامة.

***

أ. د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية 

 

كُتِبَ الكثير عن هذا الموضوع المهم والحَسّاس جداً، فأغلب المصادر والمراجع ـ إن لم تكن جميعها ـ التي تناولت فترة الزعيم قاسم قد تَطَرّقت لهذا الموضوع. ولا أحتاج الى التأكيد على "تباين" هذا التناول، فسيخضع الأخير بكل تأكيد للخلفيات الأيديولوجية القاهرة لتكون المُوَجّه الفعّال لقلم الباحث. فهناك من يُرجِعها ل"التطرف الشيوعي"، وهناك من يُحَمّلُ الأطراف القومية والبعثية الوزر، وحكومة قاسم لن تنجو من مسؤوليتها الكبيرة بكل تأكيد. ونحن بدورنا سنتناول هذه القضية من منظار آخر، سندرس المسألة بتجرد ما إستطعنا.

لم يُبدِ حُكام العراق في العهد الملكي بعد نيل الإستقلال في عام 1932 كبير إهتمام بتنظيم الأحزاب السياسية، بل كان هذا النظام مُضمِرَاً العداء للنظام الحزبي، لهذا فقد إضطر زعماء الأحزاب "المعتدلة" الى العمل في الخفاء ثم التحالف مع "المتطرفين". المعتدلون: حزب الإستقلال و الحزب الوطني الديمقراطي. المتطرفون: حزب البعث والحزب الشيوعي (سايرنا الباحث القدير مجيد خدوري في هذا التقسيم مع بعض التحفظ).

أسفر هذا التعاون الى تشكيل "جبهة الإتحاد الوطني" والتي أصدرت بيانها الأول في 9 / 3 / 1957، وعلى الرغم من تباين الإتجاهات والأهداف بين تشكيلة هذه الجبهة، الى أن هدفها الأول هو التصدي للسلطة الحاكمة ولإجراءاتها الإرهابية. أما المطالب الوطنية الكبرى التي أكّدَت عليها الجبهة، فيمكن حصرها بما يلي:

تنحية وزارة نوري السعيد وحَلّ المجلس النيابي ـ الخروج من حلف بغداد ـ مقاومة التدخل الإستعماري ـ إطلاق الحريات الديمقراطية ـ إلغاء الإدارة العُرفية.

تهاوى النظام وسقطت الملكية نتيجة قيام ثورة 14 تموز 1958 بتدخل عسكري بقيادة الزعيم قاسم وزميله العقيد عارف. فوجدت هذه الأحزاب نفسها أمام عمل جديد غير مألوف، فقد تَمَرّسَت سابقاً على العمل في المعارضة والخفاء، خصوصاً الحزب الشيوعي الذي إضطهدته السلطة الملكية إضطهاداً لا مثيل له في تلك الحقبة. وعليه فقد وجدت هذه الأحزاب نفسها أمام عملٍ غير مألوف. وهذا ما أكّده د. عبد الحسين شعبان: فقد فاجأ العمل العلني قيادة سلام عادل التي إعتادت على العمل السري، ولم يكن لديها خبرة في شؤون الإدارة والدولة.

قيل الكثير عن دكتاتورية قاسم ونزعته الفردية في الحكم، ونحن هنا لا نريد أن ندفع ذلك عنه، خصوصاً أن الرجل كان عسكرياً، وطبيعة العسكر معروفة عند إستلام السلطة. لكن هل نضع اللوم على قاسم فقط؟ الموضوعية تأبى هذا التعامل الحَدّي! يقول الباحث مجيد خدوري:

(كان من المُنتَظَرِ أن تُوَفّرَ جبهة الإتحاد الوطني قيادة حكيمة للجيل الجديد بعد الثورة لو أن الأحزاب السياسية بقيت متضامنة، وإستطاعت أن ترفع الى السلطة العسكرية برنامج عمل من شأنه أن يُحَوّل الحكم العسكري المؤقت الذي قام في أعقاب الثورة، الى حكم مدني ... ولقد حاول قاسم أن يجعل من الأحزاب المعتدلة العمود الفقري للحكم، ولكن المعتدلين أبوا أن يتجاوبوا معه)

قصورٌ كان قاتلاً من الزعماء الوطنيين "المعتدلين" خصوصاً! أي حزب الإستقلال والحزب الوطني الديمقراطي، فقد قَدّموا السلطة على طبقٍ من ذهب الى العسكر! وتركوا الشارع ـ إذ لم يكن لهم جمهور واسع ـ الى "المتطرفين"! أي حزب البعث والحزب الشيوعي!

مجزرة الموصل:

أُذيع بيان "حركة ـ ثورة" العقيد عبد الوهاب الشواف في يوم 8 آذار 1959، وقد كتبه الضابط القومي محمود الدرة. وقد إستهدفت الحركة قيادة الزعيم قاسم، فكان رد الأخير سريعاً، إذ إستهدفت الطائرات العراقية مقر قيادة العقيد الشوّاف، فأصيب الأخير ثم قُتِل، فإنهارت المقاومة.

قبل أن نتجه الى الأحداث المأساوية، لا بُدّ من تسليط الضوء سريعاً على أوضاع هذه المدينة العريقة:

كانت هناك عناصر ناقمة على العهد الجديد في الموصل، وفي طليعتهم أصحاب الأراضي وشيوخ القبائل، وهذا ما دفعهم لإثارة النقمة ضد هذا العهد. إضافة للفئات التي تدعو الى الوحدة العربية الشاملة، فهؤلاء لا يتفقون مع قاسم وسياسته، وعليه فقد خلقت هذه العناصر الناقمة مناخاً ملائماً لثورة مضادة. وكانت الموصل ـ لعلّها ـ بيئة تعتمل فيها مشكلات شديدة التعقيد عند إندلاع حركة الشواف. فقد شعر أهلها بأن مدينتهم، وهي المدينة الثانية في العراق، مهملة إهمالاً تاماً. وكان هذا الشعور قديماً، فقد تضررت الموصل إقتصادياً بعد إنفصالها عن تركيا.

لا أحتاج الى التأكيد بأن إعتمادنا هنا سيكون على المصادر "المحايدة"، فهي الأسلم والأوثق.

عندما أعلن الشواف ثورته، أخذت العناصر الوحدوية والمناوئة للشيوعية بمهاجمة الشيوعيين ومؤيديهم في الموصل، وتَعَرّضَ أنصار السلام الذين لم يكونوا قد غادروا الموصل بعد الى الأذى، وقُتِلَ منهم إثنان بطريقة وحشية. لكن الموقف تغير بعد هزيمة الشواف، فلم يتقدم أحد لدعم الشواف وحركته، وهذا ما جعل الكفة تميل الى الجانب الشيوعي، وقد ضعف الموقف الوحدوي بسبب هجمات الأكراد الموالين لقاسم، فقد زحفوا على المدينة وأعملوا فيها تقتيلاً وتخريباً. وقد هَبّ سكان الأحياء الفقيرة لنجدة الشيوعيين، فهاجموا أحياء الطبقات الغنية، فتم بعدها إرتكاب أعمال فظيعة من جانب الشيوعيين.

واضحٌ هنا أن المسألة أكبر من أن تُختَزَل بطرف دون آخر، وطبعاً فالجميع مُدان.

يُسَلّطُ الأستاذ جرجيس فتح الله الضوء هنا على فترة سمّاها ب"الإرهاب الأعظم في الموصل"، إمتدت من عام 1960 الى 1963، أي الى سقوط قاسم. ويقول بأن الصمت عن هذه الفترة كان تآمرياً مقصوداً، وبرأيه أن هذا التكتم التآمري قد وصل الى كتاب حنّا بطاطو الضخم! وبحسب فتح الله إن إرادة عبد الكريم قاسم تقف وراء هذا التدمير المنظّم للموصل، مع التأكيد بأن القتل لم يكن من نصيب جهة واحدة، فقد شمل المسيحيين والشيوعيين وغيرهم من الأبرياء، وقد سَجّل فتح الله نفسه 158 إسماً من القتلى، ويتوقّع أن العدد كان أكثر.

مجزرة كركوك 1959:

تسامحت القيادة الشيوعية العراقية في قبول أعداد كبيرة من الأعضاء الجُدد، وهؤلاء لم يُعَدّوا إعداداً فكرياً صحيحاً، فقد كانوا يؤازرون قاسم وعلى إستعداد للقيام بأعمال العنف إن تَطَلّب ذلك.

ساعد تركيب الطبقات الإجتماعية في كركوك على المذابح فيها، فقد الوضع حساساً جداً بين الكُرد والتركمان وشركات النفط. يقول القيادي الشيوعي الكردي عزيز محمد في تفسير له عن هذه الأحداث، أي أحداث الإحتفال بذكرى السنة الأولى لثورة تموز وما أعقبها من حوادث دموية:

إنطلقت المسيرة ولم يخطر في بالنا أن يحصل ما حصل، وكان من المقرر أن تسير المظاهرة بإتجاه ساحة الشركة، وشارك في المظاهرة الكثير من النساء والأطفال. وبينما كانت المسيرة تشقّ طريقها في شوارع المدينة، وتحديداً عند دار السينما في كركوك، سمعنا صوت إطلاق للنيران على المظاهرة، ولم يُعرَف المصدر. كنتُ في العادة أحمل معي مسدسي الشخصي، ولكن من قُبيل الصدفة لم يكن معي لكوننا لم نتوقع تفجر الوضع ولم نسعَ إليه.

لا بُد من التركيز الآن على ما يلي:

1ـ حساسية الوضع بين الكرد والتركمان وشركات النفط

2ـ عزيز محمد هو المسؤول عن التنظيم الشيوعي في كركوك وكان كُردياً، وهذا ما سنعود إليه لاحقاً.

السؤال الذي يفرض نفسه الآن وبقوة: هل قامت تلك المذابح بناءاً على أوامر صادرة من مكتب الحزب الشيوعي في بغداد؟ سنستأنس الآن بعدّة مصادر:

1ـ الدكتور أوريل دان:

لقد أظهر الشيوعيون في أحيان كثيرة قسوة مجنونة، ولا سيما الجنود الكُرد الذين إعتراهم هياجٌ صعب ضبطه. ليس في الإمكان التحقيق في من كان البادىء بالإستفزاز يوم 14 تموز. وليس ثم دليل قانوني يُثبت صدور أمر من مركز الحزب الشيوعي العراقي في بغداد لتنفيذ مخطط مذبحة. ولكن يمكن التأكيد وبصورة معقولة أن أمراً كهذا لم يصدر.

2ـ المؤرخ حنّا بطاطو:

لا شيء آذى الشيوعيين بقدر ما فعلت أحداث كركوك الدموية في 14 ـ 16 تموز يوليو. ومع ذلك، فقد أصبح مؤكّداً الآن أن هذه الأحداث لم تكن مُدَبّرة من قِبَلِ زعمائهم، ولا هُم سمحوا بها. ولكن يمكن أن تُعزى هذه الأحداث جزئياً الى طبيعة تلك الأزمنة من أفعال القسوة القصوى التي كانت شائعة في لحظات عدم الإستقرار الإجتماعي والغليان غير الطبيعي. ولكن اللوم المباشر يقع بوضوح على عاتق الأكراد المتزمتين ذوي الميول المختلفة.

3ـ الدكتور عبد الفتاح البوتاني:

ليس ثمة إتفاق على من كان البادىء بالإستفزاز وإطلاق الشرارة الأولى، كما أن تقارير مدير شرطة كركوك "جاسم محمد السعودي" ومدير الأمن "نوري الخياط" لا تتفق على الجهة التي أتت الإستفزازات منها أيضاً. وليس ثمة دليل قانوني يُثبت صدور أمر من المكتب السياسي للحزب الشيوعي أو من اللجنة المحلية للحزب في كركوك لتنفيذ مخطط مذبحة. وهنا لا بُد من القول بأن الصورة المأساوية التي ثبتت في أذهان الناس كانت تميل الى أن الحزب الشيوعي هو الذي دَبّرها عن سابق إصرار، وخطط لها ونفذها، والقصد من ذلك إرهاب الناس وإخضاعهم لإرادته والتمهيد للإستيلاء على السلطة في النهاية، وكان لعبد الكريم قاسم الدور الحاسم في ذلك. حتى أن أحد المعاصرين ـ ويذكر في الحاشية الأستاذ عبد الغني الملاح ـ كتب يقول: إن قاسم هو الذي وَرّط الكورد في ذبح التركمان، كما ورط الضباط الثائرين في الموصل في إعلان ثورتهم لكي يسحقهم.

4ـ الأستاذ جرجيس فتح الله:

على أن ما بات في حكم المؤكّد الآن وبالشكل الذي لا يقبل جدالاً أن تلك الأحداث الأليمة لم تكن مدبرة، وإنما هي بنت ساعتها. وأن قادة الحزب الشيوعي في العاصمة لم يكونوا وراءها ولم يأمروا بها ولم يوطئوا لها عن قصد، وإنما فوجئوا بها مثل غيرهم. لا سيما إذا أخذنا في الإعتبار الظروف التي سبقت وزامنت وقت إرتكابها. وأما ما لا سبيل إلاّ الى نعته بأعمال بربرية وفظائع وحشية إرتُكبت ضد الخصوم فهي أعمال لم تكن بالنادرة ولا بالجديدة ولا قاصرة على مدينة كركوك وحدها. ولا سيما في ظروف فورة الدم والغليان وعدم الإستقرار الإجتماعي كهذا الذي إجتاح العراق من أقصاه الى أدناه في فترة ما بعد الثورة.

ساهم الشيوعيون وأنصارهم ومؤيدوهم فيها "كَكُرد" أكثر منهم "شيوعيين". وإن كانت النهاية التي طمحوا إليها شيوعية أكثر مما هي كردية. وغالبية من شارك في أعمال القتل والنهب والتدمير لم تكن شيوعيتهم تَتعدى بشرتهم عمقاً. فهُم من شيوعيي الرابع عشر من تموز. كما أن جميع المنظمات الشيوعية المساهمة في المسيرة التابعة منها والواجهة كانت مرتبطة بالفرع الكردستاني للحزب. إنتهى

ولولا الخوف من التطويل والإسراف في تثبيت النصوص لأستشهدنا بكُتّابٍ آخرين. وطبعاً يجب أن لا ننسى تأثير الإعلام الخارجي على الساحة العراقية ودوره في إشعال النار، إعلام عبد الناصر إنموذجاً.

وما يجدر ذكره هنا أن قيادة الحزب الشيوعي العراقي قد قامت بعدها ب"نقد ذاتي مرير" أُطلق عليه ب"الجلد الذاتي". قامت القيادة بهذه الخطوة في سياق إستنكار هذه الأعمال البشعة، وهذا ما أفقدها شعبيتها أمام جماهيرها كما ذكر عدد من الباحثين.

ما تَوَصّلنا إليه من خلال هذه الجولة البحثية السريعة:

1- لم تكن "جبهة الإتحاد الوطني" منسجمة من حيث البناء الداخلي، هدف واحد جمع بين أطرافها، وهو إسقاط الملكية العراقية.

2- إنعكس "عدم الإنسجام" هذا على الساحة العراقية بعد سقوط الملكية وقيام الجمهورية. ف"المعتدلين"، أي الإستقلال والوطني الديمقراطي، وكانت احزاباً نخبوية، لم تشترك في العمل السياسي وأحجمت عن التدخل بحجة سيطرة العسكر. أما "المتطرفين"، البعث والشيوعي، فقد بقيت الساحة لهما، وضاعت فرصة ثمينة.

3 - كانت الأحداث الدموية "بنت ساعتها"، والتركيز على المدينتين "سوسيولوجيا" مهم جداً، فبدونه لن يتمكّن الباحث من تقديم صورة منضبطة عن هذه الأحداث المأساوية.

4 - فتحت قيادة الحزب الشيوعي باب الإنتماء الى الحزب على مصراعيه لأسباب مهمة آنذاك برأيها، وهذا ما أثّر سلباً عليها وعلى الأحداث اللاحقة.

5 - تَصَرّف الشيوعيون في كركوك "كَكُردٍ" قبل أن يتصرفوا "كَشيوعيين"، بل كان على رأس الحزب الشيوعي في كركوك عزيز محمد، وهو شيوعي كردي. ولا يوجد دليل رسمي يُثبتُ صدور أمر من مكتب الحزب الشيوعي في بغداد أو كركوك على تنفيذ مذبحة بالخصوم.

6 - قامت قيادة الحزب الشيوعي بمراجعة ذاتية مريرة في سياق إستنكارها لهذه الأعمال الوحشية.

7 - الجميع مُدانٌ هنا، ولن نُبَرّرَ لأحدٍ أبداً.

***

بقلم: معاذ محمد رمضان

...................

المصادر بحسب الإستخدام:

1ـ مجيد خدوري: العراق الجمهوري، إنتشارات الشريف الرضي ط1 إيران 1418

2ـ جعفر عباس حميدي: التطورات والإتجاهات السياسية الداخلية في العراق 1953 ـ 1958 ط1 1980 ساعدت جامعة بغداد على نشره

3ـ عبد الحسين شعبان: سلام عادل / الدال والمدلول وما يمكث وما يزول ـ بانوراما وثائقية للحركة الشيوعية، دار ميزوبوتاميا في بغداد ط1 2019

4ـ محمود الدرة: ثورة الموصل القومية 1959، منشورات اليقظة العربية في بغداد ط1 1987

5ـ جرجيس فتح الله: العراق في عهد قاسم ـ أراء وخواطر ج2 دار آراس ودار الجمل ط1 2014

6ـ عزيز محمد يتحدث ـ صفحات من تاريخ العراق السياسي، حوار وتعليق: سيف عدنان القيسي، مكتبة النهضة العربية في بغداد ط1 2019

7ـ أوريل دان: العراق في عهد قاسم، ترجمة وتعليق: جرجيس فتح الله، دار آراس ودار الجمل ط1 2012

8ـ حنا بطاطو: العراق ك3 ـ الشيوعيون والبعثيون والضباط الأحرار، بترجمة: عفيف الرزاز، مؤسسة الأبحاث العربية ط3 2003، دار القبس الكويت

9ـ عبد الفتاح البوتاني: العراق ـ دراسة في التطورات السياسية الداخلية 14 تموز 1958 ـ 8 شباط 1963، دار الزمان دمشق ط1 2008

يقتبس د. الجميل عن كتاب له قيد النشر الفقرات التالية، مع الإشارة إلى أن الأستاذ الجميل خلط للأسف بين المؤرخ الروماني بليني الأصغر واسمه الكامل هو جايوس بلينيوس كاسيليوس الثاني (61 – 112م)، وهو محام ومؤلف وقاض روماني، وعمّه الذي رباه وعلمه الملقب ببليني الأكبر، واسمه الكامل هو گايوس پلينيوس سـِكوندوس (توفي في آب/ أغسطس 79م).  ومعلوم استنباطا أن ذكر اسم الخليج العربي في القرن الميلادي الأول ليس معناه أن الاسم ولد في هذا القرن بالضبط بل ولد قبله بعدة قرون ربما، وأنه كان مكرسا ومعروفا في هذا القرن ...الفقرات:

* أول من أطلق عليه "الخليج العربي" فهو المؤرخ الروماني بلينيوس في القرن الأول الميلادي، ويسمى أيضًا، گايوس پلينيوس سـِكوندوس (كان حيًا في 23 - 25 أغسطس/ آب  79م). اشتهر باسم پليني الأكبر، في هذه الفترة التي كانت فيها المنطقة بالكامل بما فيها سواحل هذا الخليج الشرقية والغربية، عربية أو فارسية، تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية.

* منذ القرن الأول الميلادي نرى مؤرخاً شهيراً هو المؤلف الروماني بليني (62-113م) يسمي الخليج باسمه الصحيح؛ أي الخليج العربي، وذلك في وصفه لمدينة خاراكس التي يرجّح الباحثون أنها مدينة المحمرة.

* تعليقي: "إذا كان المقصود جزيرة خارك جنوب الخليج فهي ليس قريبة من المحمرة في شمال الخليج، وربما المقصود مدينة بهذا الاسم وقد انقرضت الآن وقام على أنقاضها بلدة المحمرة وسكانها من العرب حتى اليوم وهذا هو الأرجح. والطريف أن الإيرانيين يسمونها "خرمشهر" لنفي عروبة المدينة جاهلين أن هذه الكلمة "خرمشهر"عربية أيضا وهي مركبة من " خور أم شهر" والخور في اللغة العربية هو: مصبُّ الماء في البحر. والخَوْرُ المنخفض من الأرض بين مرتفَعَيْن. ع.ل".

* وننشر ما قاله بليني حرفيا: (النص باللغة الإنكليزية موجود في المقالة ورابطها في نهاية الفقرات).

وترجمة النص: فقرة منها/ " تقع مدينة خاراكس في الطرف الأقصى من الخليج العربي، حيث يبدأ الجزء الأشد بروزاً من العربية السعيدة (أودايمون) وهي قد تمّ بناؤها بمهنية كبيرة، بحيث كان نهر دجلة إلى يمينها...".

* لقد استخدم العديد من الجغرافيين والمؤرخين الكلاسيكيين في العصور القديمة اسم "الخليج العربي" بسبب الوجود العربي على كل موانئه وجزره، وعلى رأسهم الجغرافي الكلاسيكي الشهير سترابون Strabo (توفي سنة. 19م على الأرجح) وكان العرب القدماء يسمون الشاطئ الممتد من البصرة إلى عمان "الخط"، وهو يضاف أحيانًا فيُسمى "خط عبد القيس".

* صورة لخريطة قديمة باللغة اللاتينية وقد أطلقت على الخليج بالاتينية اسم الخليج العربي (Sinus Arabicus)، وربما استلهمت هذه الخريطة الاسم الذي أطلقه المؤرخ الروماني بليني بلينيوس الأصغر في القرن الأول للميلاد على الخليج فسماه "الخليج العربي".

***

علاء اللامي

.......................

*رابط مقالة/ الخليج العربي: تسمية تاريخية كلاسيكية وعلمية له قبل ان تكون تسمية قومية ! أ.د. سيار الجميل - المنار الثقافية الدولية .

المصدر:

https://almanarjournala.blogspot.com/.../blog-post_25.html

 

توطئة: كأس الخليج العربي 25 هو النسخة الخامسة والعشرون التي تقام كل سنتين بمشاركة ثمان منتخبات عربية خليجية، بدأت نسخته الاولى في البحرين عام 1970 وتوجت فيها باللقب، وفي 1979استضاف العراق البطولة في العاصمة بغداد عام 1979 وتوج باللقب في نسخته الخامسة، وتأتي اقامته في البصرة بعد اكثر من أربعين سنة شهد فيها العراق حروبا كارثية، وعداءا عربيا بسبب قيام الرئيس العراقي صدام حسين بغزو الكويت.

 بدأ حفل الافتتاح يوم الجمعة 6 كانون الثاني 2023 على ملعب جذع النخلة بكلمة من السندباد البحري، الشخصية الاسطورية التي كانت تنطلق من البصرة للتجارة عبر البحار والمحيطات من حكايات الف ليلة وليلة، تخللته العديد من الدلالات الرمزية التي تجسّد تاريخ العراق عبر مؤثرات صوتية ومجسمات تاريخية لحدائق بابل المعلقة وبوابة عشتار وانجازات الحضارات المتعاقبة في العراق، وعرض مجسمات (هولوغرام) لصروح في الدول المشاركة مثل مجسم جامع الشيخ زايد في ابو ظبي، ومجسم ابراج الكويت. ويعد هذا العرض الذي استمر أربعين دقيقة هو الأول من نوعه في تاريخ البطولة الذي أبهر الحاضرين في الملعب والمتفرجين عبر الفضائيات العربية.

  استهلت البطولة بمباراة بين منتخبي العراق وسلطنة عمان وانتهت بالتعادل امام جمهور ملأ الملعب زاد عدده على 65 الفا يحملون لافتات كتب عليها عبارات ترحب بالاشقاء العرب و يهتفون..بالروح بالدم نفديك يا عراق.  

 استطلاع رأي  

 من عادتي انني استطلع الرأي في حدث مهم كهذا ليستوفي المقال او (الدراسة) احد اهم شروطها العلمية.. وكان بالنص:

 (امتلأت ملاعب البصرة بالمشجعين العراقيين من كل مدنهم في سابقة ما حدثت بتاريخه الرياضي. ما الأسباب لهذه الحشود ولهذا الفرح غير المعهود، من وجهة نظرك؟)

 شارك في الأجابة اكثر من 230 بينهم أكاديميون ومثقفون واعلاميون، اليكم نماذج منها موثقة بالأسماء:

د.عقيل مهدي يوسف

حشود.. ارادت العودة الى الطريق.. الشرعي.. السالك بين.. الفرق العربية.. بعد.. صدمة.. الفرقة.. والمتاهات.. التي.. فرطت.. بفرح يجمعهم.. ومرت سنوات ثقيلة..متخمة بالمشكلات.. والصراعات.. وما هذه المناسبة..الخليجية سوى اضاءة فجر مشرق.. لبداية جديدة.

وحيد الخفاجي

قطعا غياب كتل الشؤوم السياسيه هو السبب في الحشود...والنجاح..اى باتوا رمز التفرقه والفساد والفشل..

د.عباس الكريطي وفارس الجرش،

الناس تريد تفرح..كفى بكاء وعويل اللهم رحمتك وعفوك / البحث عن انتصار بعد خيبات امل متلاحقة بطعم الهزيمة.

جليل رهيف و وليد الفتلاوي

الناس بحاجة الى فرح و هم افضل من السياسيين لانهم متحابين يجمعهم حب الوطن/بسبب تراكم الخيبات وغياب الافراح مدة طويلة جدا

  طارق شاكر

شعب محب للفرح والسعاده والاخاء، ولكن الغرباء جعل من البعض منه ذئابا مفترسه، ولكن بكثرة اللقاءات الجماهيريه سوف ينتهي هذا العداء المفتعل.

 عبدالرزاق الاستاذ

الطبيعه الجميله للعراقي..تظهر في مواقف مختلفه، كرم من طبيعته والبساطه.يحتاح نركز ونقوي الحاله الايحابيه.اكبر صدمه للاعلام الذي يعادي الشعب العراقي.

 احسان الفرج

إنه البحث الغريزي اللاوعي عن أي نجاح وسط سلسلة الفشل والانهيار في كل مفاصل الحياة في العراق وعلى كل الاصعدة!!

**

استطلاع رأي (2)

وللتأكد من ثبات المزاج والكشف عن أبعاد اخرى، اجرينا استطلاعا ثانيا (في 17 كانون اول 2023) كان بالنص:

 (هل ترى ان خليجي البصرة الذي حضرته جماهير من مختلف مدن العراق، له تاثير سياسي ايجابي؟ هل سيعيد احياء الشعور بالأنتماء للعراق؟..هل سيوحد العراقيين الذين فرقهم سياسيون طائفيون فاشلون اذلوا ملايين وافقروهم؟..ام انها..هبة..وتروح؟. نرجو ان تكون الأجابة موضوعية بعيدة عن الأنفعال والعواطف)

اليكم نماذج توثق ما حصل:

محبو جيفارا

 لأنهم شعب يحب الحياة والعراق، ولأنه مع الدولة المدنية والعلمانية وضد الجهل والخرافة، ويقول لسارقي خيرات العراق وسارقي ضحكات اطفاله لن نموت وسنمضي نحو المجد والازدهار.

غازي عسكر

يدل على ان العراقيين شعب متحضر وحي رغم كل الصعوبات، وتحدي للحكام والعمائم.

داوود حنون و أبو ازهر العكيلي

تعطش الجماهير لمثل هكذا تجمعات وحبهم للحياة، وهناك من ذهب للبصرة وهو ليس بمشجع ولكن حبا للوطن ومن اجل انجاح البطولة/ حب العراقيين للحياة المدنية والتخلص من الكبت والحرمان بكل اشكاله.

ابو احمد النصراوي

 هذا يعني الاعلان عن انتهاء حقبة الدم والعودة للحياة الطبيعية وتعطش الناس للفرح بعد سنوات الالام والاحزان، و اشارة لمن يحكم هذه البلاد لبدء الاعمار واتاحة فرص عمل للشباب.

محمد حيدر البصري

 هذا تحد واضح للشباب والجماهير الصامتة..لبصرة الثقافة والادب، بصرة الفراهيدي والجاحظ والحسن البصري والسياب والريكان..استقبلت الضيوف بشوق منقطع النضير .الأحتفال بهذه المناسبة ما هو الا عرس جماهيري واع..العراق ممكن ان يمرض لكنه لا يموت.

سناء عبد الله و أحمد خضير

الشعب العراقي محب للحياة محب للفرح، شعب حيوي..عشرون سنة حاولت احزاب السلطة تدجينه لكن الفرح متجذر ومتاصل فيه / رسالة الى الفاشلين..كفى!

واجابات أخرى نوجزها بالآتي: (اعلان رسمي لمدنية الدولة، تحد للاحزاب الدينية والطائفية وتشوق للانفتاح والحرية، واعلان رسمي لمدنية الدولة، شعب ليس لديه ما يفرحه غير هذه اللعبة، تعرض العراق الى كبت الحريات وفي كل المجالات ولهذا فهو متعطش للتجمعات الجماهيرية والشعور بالمواطنة، بتكاتف الشعب واتحاده يتم التغيير والخلاص من الفساد والفاسدين وبناء عراق جديد بين اخوانه الخليجيين وبعيد عن الذي لا يحب لشعبنا ان يفرح، دورة الخليج اثبتت ان السياسيين بواد والشعب بواد اخر. فشلت الاحزاب الطائفية والعرقية في تفريقنا ونجحت الرياضة في اثبات وحدتنا وخوتنا).

 التـــحليـــل

 تفيد نتائج الأستطلاعين أن خليجي 25 في البصرة احدث تأثيرات في مجالات الحياة كافة لدى العراقيين، نوجزها بالآتي:

* سيكولوجيا: اشاع الفرح وروى على مدى اسبوعين عطش العراقيين للمتعة، لدرجة أن البصريين افادوا بأن ( الفرح بدد الكثير من الاوجاع، حتى عيادات الاطباء امست فارغة).واثبت الحدث ان العلاقة بين العراقي والوطن كعلاقة العاشق بمعشوقته..يحبه ويفديه بروحه.

* اجتماعيا: كانت فرصة استثنائية لتجمعات جماهيرية التقى فيها العراقيون باختلاف مكوناتهم ودياناتهم وانتماءاتهم في مدينة واحدة يجمعهم حدث ممتع احيا تقاليد عراقية اصيلة، وضيافة لا توجد في أي شعب في العالم..بفضاء واسع اثبت فيه انواع الكرم العراقي.

* وطنيا: عكست صورة ايجابية عن العراق عجز عنها السياسيون، و كشفت عن حجم المحبة التي يحملها العراقيون لاشقائهم العرب في الخليج، ما دفعهم عبر فضائياتهم الى أن يتغنوا بالعراق (سلام عليك، على رافديك يا عراق القيم..فانت مزار وحصن ودار لكل الامم..فبغداد تكتب مجد العظام وما جف بها مداد القلم).

* سياسيا: أحيت الهوية الوطنية وأنعشت الشعور بالأنتماء للعراق اللتين اماتهما السياسيون الطائفيون بأشاعتهم الهويات الفرعية القاتلة وثقافة القطيع التي تديم بقاءهم للأستفراد بالسلطة والثروة.

رسائل البطولة

 وجهت البطولة رسائل نوجز اهمها بالآتي:

* الأولى لدول الخليج تقول: تقدمنا نحوكم بخطوات، فتقدموا نحونا بنفس نوايانا الطيبة، تدفعهم لأتخاذ قرار سياسي خليجي يهدف الى تطوير العلاقات مع العراق.

* الثانية للسياسيين العراقيين تقول:انكم بحاجة الى (مدرّب) سياسي ينقل لعبة العملية السياسية من سكة المحاصصة الى سكة دولة مؤسسات مدنية تصنع الفوز للوطن والمواطن، كما صنع الفوز مدرب الفريق العراقي واشاع الفرح ورد الأعتبار العربي للعراق.

* لثالثة لرئيس وزراء العراق السيد محمد شياع السوداني تقول:عليك استثمارها بمؤتمر يضم دول الخليج يعقد في بغداد، يخرج بقرارات تعزز التعاون بمجالات الحياة كافة، وتحرص على ادامة العلاقات وتعزيز الأحترام المتبادل.

*الرابعة الى الجماهير العراقية والعربية تقول: ان الدبلوماسية الشعبية تحقق ما تعجز عن الدبلوماسية السياسية في توحيد الشعوب.

 مباراة الختام

بدأ الزحف الجماهيري نحو ملعب جذع النخلة من صباح يوم المباراة ( الخميس 19 /1 /2023)، وفي الظهر امتلأ الملعب بـ(65) ألف متفرجا ما اضطر المسؤولين الى نصب عشرين شاشة عملاقة بملعب الميناء المجاور ليمتلأ بأكثر من ثلاثين الف متفرجا قدموا من مختلف مدن العراق.

 كانت المباراة صعبة..واستشنائية، ودراماتيكية بأشواطها الأربعة كان فيها الفريق العماني..عنيدا وندا قويا، وانتهت بفوز المنتخب العراقي (3-2) ولم تنم مدن العراق بتلك اللية..وتجمهروا في حشود يغنون ويرقصون بفرح غير معهود.

وختامها

 اثبت خليجي البصرة 25..بتنظيمه، بمبارياته، بجمهوره أنه كان استثناءا مميزا على صعيد بطولات كرة القدم العربية والعالمية، أعاد لعراق الحضارت صورته المشرقة، فلهم وللعراقيين

تهنئة معطرة برائحة العراق، فبه احيوا ما هو جميل في الشخصية العراقية، وبه أشاعوا تفاؤلا بعد يأس في بشرى واعدة انهم سيتوحدون ويعيدون لأربعين مليونا اليقين بأنهم قادرون على خلق غد يليق بوطن يمتلك كل المقومات لأن يعيش اهله برفاهية وكرامة.

***

أ.د. قاسم حسين صالح

مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية

20 كانون اول 2023

السلطة السياسية ركن أساس من اركان الدولة فلا يمكن تصور وجود دولة أو كيان سياسي بدون سلطة سياسية بفروعها الثلاثة التشريعية والتنفيذية والقضائية، وفي الدول الديمقراطية وخصوصا الغربية منها تم الحسم في موضوع السلطة من حيث ماهيتها وطرق الوصول اليها حيث الشعب والقانون مصدر السلطات، كما أن تولي المناصب العليا في مواقع السلطة تخضع لآليات واضحة،  حيث القيادات الرسمية: وزراء ونواب تشريعي وكل من يتولى منصباً سياسياً رفيعاً جاءوا عن طريق الانتخابات أو ضمن معايير قانونية وموضوعية، وحتى بعد تولي المنصب الرسمي توجد قوانين وآليات للرقابة والمحاسبة في حالة وجود أي تجاوزات حتى وإن كانت صادرة عن رئيس الدولة، كما أن الثقافة والوعي السياسي للشعب لا يسمحوا بكثير من التجاوزات والفساد وإن حدثت تبقى تحت السيطرة حيث الجهات الرقابية والقانونية في الدولة تتدخل بالإضافة الى قوة تأثير الرأي العام، وإن لم تتدخل فإن الوضع الاقتصادي يمكنه تحَمُل وجود بعض الامتيازات لرجال السلطة والطبقة السياسية وهي امتيازات ضرورية لضمان الولاء للدولة والنظام السياسي ولأن طبيعة عمل الطبقة السياسية تتطلب تميزها معيشياً عن عامة الشعب.

أما في الدول العربية فإن السلطة حالة ملتبسة من حيث ماهيتها وظروف تأسيسها ووظيفتها وعلاقتها بالشعب أيضا من حيث الوصول إليها والمحافظة عليها. إذا كان رجال السلطة في الدول الديمقراطية موظفون كبار في خدمة الشعب ولذا يحضون باحترام الشعب وهناك ثقة متبادلة بين الطرفين فإن رجال السلطة في غالبية الدول العربية غير محبوبين من الشعب وتنعدم الثقة بين الطرفين وذلك بسبب الطريقة التي وصلوا فيها للسلطة وغياب معايير النزاهة والشفافية في تعيينهم وتقديمهم مصالحهم الخاصة على المصلحة الوطنية.

طرق الوصول للسلطة في الحالة العربية متعددة منها التقليدية كالتوريث في الأنظمة الملكية، الانقلابات العسكرية، الثورات، وأحياناً يتداخل الانقلاب مع الثورة، وفي هذه الطرق يتم الوصول للسلطة بإزاحة جماعية لطبقة سياسية وحلول أخرى محلها، وبعض دهاقنة السياسة من المنافقين والانتهازيين ينقلون ولاءهم من نظام لآخر (مات الملك عاش الملك) وما أكثرهم في أيامنا هذه.

وهناك طرق للوصول للسلطة من خلال جهود شخصية وبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي القائم. فالبعض حتى يصل إلى السلطة أو الموقع الذي يصبو إليه يلجأ لوسائل لا تمت للأخلاقيات والقوانين الناظمة والمطلوبة للعمل السياسي المحترم حيث يطبق القاعدة التي أسسها الفيلسوف الإيطالي نيكولاي ميكيافلي والتي تقول:(الغاية تبرر الوسيلة)، وبما أن الهدف بالنسبة له الوصول إلى السلطة لذاتها وما تجلبه من منافع شخصية وليس كوسيلة لخدمة الصالح العام فهو لا يتورع عن عمل أي شيء لتحقيق هدفه.

نمط من الناس يوسوس له شيطانه وينصحه قائلاً: حتى تصل إلى السلطة نافق الناس وجاملهم ومارِس الكذب دون حَرج، تظاهر بالتواضع والتدين أمام المتدينين وعامة الناس، وهاجم الدين والمتدينين أمام العلمانيين والحداثيين، نافق وامدح علناً كل من هو في السلطة وبرر ممارساتهم وهاجم خصومهم وفي نفس الوقت تآمر عليهم سرا إن استطعت وإن تطلب الأمر، أكثِر من الشعارات الكبيرة حول الوطنية والثورة والدين والأخلاق واذرف الدموع إن استطعت على حال البلاد والعباد، إلعب على كل الحبال بالتظاهر بأنك مع السلطة وضدها، مع المتدينين ومع العلمانيين، مع الفقراء ومع الأغنياء، ولكن احذر أن تمس رأس النظام مباشرة. أو المشاعر الدينية السائدة في المجتمع حتى وإن كنت غير راض عنها.

وفي بعض المجتمعات العربية ذات التعددية الطائفية أو العرقية، كلبنان والعراق، فيمكن الوصول إلى المواقع المتقدمة في السلطة وفي المشهد السياسي من خلال ركوب موجة التعصب الطائفي أو العرقي، ويبدأ بالبروز كزعيم في جماعته ولو على حساب وحدة الدولة والمجتمع ويتسلح بطائفته ليصبح زعيما وقائدا سياسيا، أما إن كان طالب السلطة والجاه أكثر ذكاء وأقل وطنية وأخلاقاً فأمامه طريقاً أقصر للوصول وهي التشبيك والتواصل مع جهة أجنبية لها تأثير ومصالح في البلاد.

ففي السنوات الأخيرة تجري عملية صناعة القادة بسهولة في العالم العربي، وكثير من القيادات البارزة في المشهد السياسي السلطوي هم صناعة أجنبية، إما جاؤوا على (ظهر دبابة) أمريكية وقد تكون فرنسية أو روسية أو إيرانية أو اخونجية أو إسرائيلية، أو صيَّرتهم قادة ماكينة انتخابية في ديمقراطيات شكلية يتحكم بها المال السياسي وبربوغندا فضائيات ووسائط تواصل اجتماعي موجهة وممولة جيداً، أو بوضع ملايين الدولارات تحت تصرفهم لشراء الموالين والأتباع وذمم الناس، أو ركوب موجة التدين السياسي وادعاء النيابة عن الله ورسوله في تدبير شؤون العباد وخصوصاً إن كان الخطاب الديني مشفوعاً بالمال والسلاح.

بعد أن يصل بسلامته إلى مواقع السلطة ويصبح صاحب السعادة والمعالي ولأنه جاء بطريقة غير نظيفة وغير شرعية، فإنه يقلب ظهر المِجَن للشعب ويتنكر لكل شعاراته ووعوده، فلا يتردد بقطع صلته بمن كانوا أقرب الناس إليه ويتعالى عليهم إن طالبوه بالوفاء بوعوده، وما أن يتمكن من موقعه ولأنه يعرف أن وجوده في السلطة لن يدوم والشعب سرعان ما يكشفه ويأتي انتهازي آخر ليحل محله فإنه يبدأ بالسرقة وتجميع المال بكل الوسائل وتجهيز محل إقامة خارج البلاد.

بشكل عام وبغض النظر عن طبيعة النظام السياسي وطريقة الوصول إلى السلطة فإن تولي منصباً سياسياً كبيراً له فوائد شخصية وله أضرار في نفس الوقت، الفوائد المادية للوزير أو النائب التشريعي أو القائد العسكري أو الأمني وكل من يتولى منصباً كبيراً قد تكون بالنسبة للبعض أهم من الفوائد المعنوية كالمكانة الاجتماعية والشهرة مع اعتقادنا بصعوبة الفصل بين الأمرين حيث تجلب المكانة الاجتماعية والسياسية الثروة وهذه الأخيرة تجلب المكانة الاجتماعية والسياسية، والأمر يختلف من شخص لآخر ومن دولة لأخرى حسب الثقافة المجتمعية، أما الأضرار فمتعددة من معنوية حيث كل من يتولى منصباً وخصوصاً في العالم العربي بما فيه الحالة الفلسطينية يكون عُرضة للاتهام بالفساد والمحسوبية والتخلي عن مبادئه بل والخيانة وأحياناً يتم تكفيره الخ، وأحياناً تكون الأضرار أكثر خطورة في المجتمعات غير المستقرة سياسياً واجتماعياً أو تشهد حروبا أهلية حيث يكون المسؤول وعائلته عرضة للاغتيال.

تلعب الثقافة المجتمعية والسياسية دوراً في تَشَكُل نظرة الشعب للمسؤول، فحتى وإن كانت المكاسب والامتيازات من حقه قانوناً كالرواتب المرتفعة نسبياً والحياة المرفهة فإن عامة الناس لا يتقبلون هذا التمييز، وكأنه مطلوب من المسؤول أن يعيش حياة عامة الناس فيأكل أكلهم ويلبس لباسهم ويسكن مثلهم، بينما لا ينظر عامة الناس نفس النظرة لرجال الأعمال والتجار الكبار والسماسرة وكل من ينتمي للطبقة الغنية في المجتمع حتى وإن كانت مصادر أموال هؤلاء غير مشروعة.

في الحالة الفلسطينية وفي زمن الثورة والنضال كانت القيادات السياسية والعسكرية صناعة وطنية خالصة وكان دور الجهات الخارجية محدوداً ومن تفرضه هذه الجهات لاعتبارات أيديولوجية أو مالية أو نتيجة تواجد الثورة في بعض الدول كان دوره هامشياً، ولكن مع قيام السلطة الفلسطينية واعتمادها مالياً على الجهات المانحة وما تفرضه عليها اتفاقية أوسلو من التزامات سياسية وأمنية واقتصادية أصبحت الجهات الخارجية تؤثر في صناعة القيادات السياسية والأمنية، ونظراً لما تتعرض له السلطة من ضغوطات إسرائيلية وخارجية فإن حالة ضعف تنتاب قدرتها على الرقابة والمحاسبة للمسؤولين السياسيين وللأحزاب وقادة مؤسسات المجتمع المدني، حتى مع وجود مؤسسات رسمية للرقابة ومكافحة الفساد.

أما السلطة في قطاع غزة وكيف جرى تأسيسها ومن يتولى أمرها من قيادات أمنية وسياسية وعلاقاتها مع الخارج الخ فهي حالة ملتبسة من حيث علاقتها بالسلطة الوطنية ومن حيث مصادر تمويلها وامتيازات رجالها ، وإن كانت سلطة حركة حماس تقول بحيازتها شرعية دينية ودستورية بالإضافة إلى شرعية المقاومة إلا أن مجريات الأحداث والواقع الراهن يُشير إلى تآكل كل هذه الشرعيات.

***

إبراهيم أبراش

مما لا يند عن ذهن أو يلتوي على خاطرأن النقص المتأصل في الشخصية السودانية يدعوها دوما للتنصل عن واجباتها ويحملها على التصديق بأنها متفردة من ناحية الخصال والسجايا..هذا شئ الشئ الآخر أن الله ابتلاها بما ابتلى به سائر خلقه وهو التباهي بالقبائل والأنساب وينبغي علينا كمجتمع أن نحارب هذه الآفة التي أقعدتنا كثيرا عن مجاراة الركب ومسايرة الشعوب في تقدمها.

وفي الحق أن علل المجتمع السوداني كثيرة يفوق عددها الإحصاء وحتى نستأصل تلك الأسقام التي أوهته نحتاج للكثير من الوقت ولعظيم من الجهد..نحتاج لقادة تؤمن بأن التعليم هو الحل الناجع لازاحة كل تلك المصائب التي استوطنت السودان وضربت خبائها فيه..وأن التركيز على الأجيال القادمة ونفث ترياق الوطنية فيها هو العلاج الأمثل لتلاشي كل المعضلات التي عانت منها الأجيال السابقة. القوانين الرادعة أيها السادة ونشر قيم العدل والمساواة وعدم تفضيل عرق على عرق آخر في المكانة أو التوظيف هو الطريق الذي ينجينا من كل تلك العقابيل التي نعاني منها الآن ..في اعتقادي أن كل مشاكل السودان تكمن في الشعور بالغبن الذي يلازم كل أطياف وشرائح المجتمع السوداني ومردة مشكلة تاريخية لم نستطع الفكاك منها وهي مشكلة حدثت في عهد المهدية والعهود التي تلتها وهي التقسيم الذي عززته أحداث المعارك والهيجاء والائتلافات والخلافات التي حدثت بين قبائل الشريط النيلي الذين يدعون عروبة محضة وبين قبائل الغرب التي كانت تتضجر من هذا الادعاء ..ثم الدور الذي لعبه الخليفة عبد الله التعايشي في التنكيل ببعض قبائل هذا الشريط الأمر الذي نتج عنه كل هذه المرارات والحزازات التي ما زلنا نعاني من ويلاتها..ولعل الشئ الذي زاد الأمور ضغثا على ابالة هو انفراد النخب الشمالية بحكم السودان على فترات طويلة فلم يشهد السودان حاكما من الغرب أو الجنوب الذي مضى وما زلنا نأمل في عودته وإيابه إلا بعد قيام هذه الثورة التي شمخ فيها العميل حمدوك بأنفه..

الحل في اعتقادنا لكل هذه الأزمات التي تؤرق أذهاننا يتمثل في محاربة قحت التي أرست من قيم العمالة وطرد المأفون فولكر وطغمته وكل سفير عربي يزعم أن بلاده هي الوصية على السودان وأن السودان الذي نهض بدولهم ما زال يجهل كيف يتدبر الحلول المثلى لعلاج مشاكله.

إن معالجة كل هذا التردي يتمثل في وجهة نظرنا القاصرة  بتعزيز قيم الدين والعمل بها فلا تفضيل إلا بالتقوى ولا حكم إلا بالشورى ولا قوانين يخطها لنا الغرب أو نستلهم نصوصها من حضارته المقيتة التي  تروج الآن للخنا والفجور بل نأخذها من شريعة سمحة غضة هذبت النفوس وشذبتها من أوضار الانحراف والمهج من الآثرة والطمع.

الحل لأعطاب الشخصية السودانية يكمن في التحلي بقيم الدين وبسط المساواة وسبر أغوار تلك النفس التي استطابت حياة الكسل والخمول والتباهي بخروق ثوبها الذي لا يغطي تفاصيل جسدها..نحتاج أن نقف على مواطن هذه العلل وأن يصف لنا أساطين الأطباء روشتة العلاج لمهج صدئة أوشك لهاثها حول التفاخر أن يفنيها..التعليم والانفاق عليه بسخاء والاهتمام بجرثومته وعيبته هو ما ينتشل السودان من وهدته ثم التصاهر الذي بدأته الحركة الإسلامية بين كافة أطياف القبائل هو الأمر الذي يقضي على زهو بعض القبائل التي تتدعي شرف باذخ ومجد أثيل.

***

د.الطيب النقر

 

كما كان متوقعا، كانت أوكرانيا الموضوع الرئيسي، للمؤتمر الصحفي السنوي لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، فقد حاول "الزملاء الغربيين" بحسب تعبير الوزير لافروف، جعل الأحداث في هذا البلد ومن حوله الحدث الإعلامي والاقتصادي والسياسي الرئيسي لعام 2022، ما حدا بالوزير الروسي الى التذكير على الفور، بأن "ما يحدث الآن في أوكرانيا هو نتيجة سنوات عديدة من استعداد الولايات المتحدة وأقمارها لحرب عالمية مختلطة ضد روسيا ".

الوزير الروسي استشهد بمقال صدر مؤخراً عن عالم السياسة الأمريكي إيان بريمر، قال فيه إن الناتو يقاتل روسيا من خلال أوكرانيا، وهو ذات التعبير الذي أشار فيه الرئيس الكرواتي زوران ميلانوفيتش الذي "صرح بصراحة أن هذه حرب للناتو ضد روسيا"، لذلك عندما ينكر " الشركاء الغربيين " ويثبتون بالرغوة في الفم، أنهم ليسوا في حالة حرب مع روسيا، وأنهم يساعدون أوكرانيا فقط على مواجهة العدوان، واستعادة وحدة أراضيها، فهم كما وصفهم لافروف "مخادعون"، وحجم الدعم يشير بوضوح إلى أن الغرب قد وضع الكثير في هذه الحرب ضد روسيا ".

ساعتان ونصف الساعة، هو الوقت الذي استغرق فيه وزير الخارجية الروسية للإجابة على أسئلة الصحفيين في مؤتمره الصحفي الموسع، والتي لخص فيها نتائج عام 2022 للدبلوماسية الروسية، مرت بشكل سريع، حتى أن الكثير من الحضور، تخيلوا إن المؤتمر استغرق نصف ساعة فقط، وشبه سيرغي لافروف إجراءات الولايات المتحدة لإنشاء تحالف ضد روسيا بتصرفات أدولف هتلر، وذكر أنه إذا حاول زعيم الرايخ الثالث في وقت ما حل "المسألة اليهودية"، فإن واشنطن الآن توحد أوروبا ضد الاتحاد الروسي من أجل حل "المسألة الروسية" بشكل نهائي.

أحداث اليوم في أوكرانيا هي نتيجة سنوات عديدة من استعدادات واشنطن لحرب مختلطة ضد روسيا، في محاولة لمنع تشكيل عالم متعدد الأقطاب ودفع أملاءات الولايات المتحدة، وأصبحت هذه الأطروحة من أهم الأطروحة في خطاب رئيس وزارة الخارجية الروسية، ووفقًا للوزير لافروف، تحاول الولايات المتحدة و "أقمارها الصناعية" الآن بنشاط تنفيذ نفس الممارسة في آسيا والعديد من المناطق الأخرى من العالم، ومع ذلك، ففي محادثة استمرت ثلاث ساعات مع ممثلي وسائل الإعلام الروسية والأجنبية، كان هناك أيضًا مكان للإيجابية - في الوقت الحالي عندما يتعلق الأمر بعلاقات روسيا مع الصين والعالم العربي وأمريكا اللاتينية.

وفي الوقت نفسه، لم يعد الغرب الجماعي، بحسب الوزير، منذ فترة طويلة مجتمعًا من شركاء متساوين، لأن "الاتحاد الأوروبي خضع تمامًا للإملاءات الأمريكية" وأصبح "سمة من سمات الناتو"، وكان تأليه ذلك هو التوقيع في 10 كانون الثاني (يناير) على إعلان مشترك بين الناتو والاتحاد الأوروبي، "ينص بشكل مباشر على أن حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي لهما مهمة استخدام جميع الوسائل السياسية والاقتصادية والعسكرية لصالح المليار الذهبي "، وهذا يعني تدمير تلك الآليات التي أنشأها الغرب نفسه - السوق الحرة، والمنافسة العادلة، وحرمة الملكية، و "الشيطنة، والابتزاز، والعقوبات، والتهديد بالقوة وخط الغرب، "و لتدمير الروابط التقليدية للشركاء التاريخيين ".

الوزير لافروف أوضح، وبوضوح تام، لماذا لا تعتبر موسكو بداية العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، انتهاكًا لميثاق الأمم المتحدة، ووفقا له، يجب احترام مبدأ السلامة الإقليمية المنصوص عليه في القانون الدولي فقط فيما يتعلق بالدول التي تحترم حكوماتها مبدأ تقرير المصير، وتمثل مصالح جميع الشعوب التي تعيش في إقليم معين، وهذا لا يمكن أن يقال عن سلطات كييف منذ 2014، بالإضافة إلى ذلك، أوضح لافروف أنه في الوقت الحالي من غير المجدي التحدث مع الغرب فقط حول أوكرانيا - يتم استخدام دولة أوروبا الشرقية حصريًا لتدمير النظام الأمني في المحيط الأطلسي، والذي تضمن حل جميع القضايا من خلال الحوار والتسوية.

ووبخ لافروف السلطات الأمريكية ليس فقط لمحاولتها فرض أملاءاتها على بقية العالم، ولكن أيضًا على النفاق - بينما أعلن عن نيته معاقبة أنظمة معينة بالعقوبات، في الواقع، فرضت الولايات المتحدة قيودًا أصابت شعوب الدولة بشكل مباشر الدول التي لم تعجبهم، وبشكل عام، وردا على سؤال عن كيفية تطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن، ألمح لافروف مباشرة إلى أن الكرة لم تكن بالتأكيد إلى جانب روسيا، وقال "ليس الأمر متروكًا لنا"، "لم ندمر العلاقات مع الولايات المتحدة"، " ولن نركض وراء الولايات المتحدة بمقترحات" لنكن أصدقاء.

واعتبر الوزير لافروف، إن حلف شمال الأطلسي قد تعدى، بالفعل على الدور القيادي في منطقة المحيط الهادئ، والذي كانت واشنطن وحلفاؤها يسمونه بعناد منطقة المحيطين الهندي والهادئ لبعض الوقت الآن، متجهين إلى إنشاء بنية كتلة هناك ضد روسيا و الصين، وكان أبرز مثال على ذلك هو ظهور تحالف AUKUS، حيث تجذب الولايات المتحدة اليابان بنشاط إلى ذلك، "تتدحرج إلى كوريا الجنوبية" و "بالتأكيد ستجذب نيوزيلندا وكندا إلى هناك"، في الوقت نفسه، فإن مسار الولايات المتحدة لتوسيع شكل الكتلة يحدث بسبب تقويض تلك الهياكل التي شكلت البنية الأمنية في آسيا، وخاصة الآسيان.

وبالطبع، تطرقت الأسئلة أيضًا إلى علاقات روسيا مع مناطق أخرى من العالم، ودعيت علاقات روسيا مع الصين بالشكل المثالي للاتصالات الثنائية - "العلاقات براغماتية وثقة وقائمة على توازن المصالح"، ولكن الغرب يحاول إحداث الفتنة في علاقات موسكو وبكين، وقال لافروف "نرى كل هذه المباريات مع الصين"، وفقًا له، فإن بكين تدرك جيدًا المبادئ التوجيهية العقائدية "روسيا أولاً، ثم الصين" وما هي مخاطر التنمية الوطنية التي ينطوي عليها العمل في الأنظمة المالية والاقتصادية الغربية على البلاد، هذا هو السبب في أن الاتحاد الروسي والصين يبتعدان تدريجياً عن الدولار، ويخدمان نصف حجم التداول التجاري باليوان والروبل.

وللعرب نصيب مهم أيضا في المؤتمر الصحفي الموسع فقد وصف الوزير لافروف العرب بأنهم "أصدقاؤنا القدامى والحقيقيون" لم يخذلوا موسكو أيضًا، و أشار الوزير، إلى انه يوجد في العالم العربي "فهم لموقفنا، وفهم أن الأمر لا يتعلق بأوكرانيا، بل يتعلق بالنضال من أجل نظام عالمي جديد بين أولئك الذين يعتقدون أن العالم يجب أن يخضع لهم، و أولئك الذين يريدون النظام العالمي كان ديمقراطيا، كما أشار في نفس الوقت، بأنه كان هناك ضغط كبير على دول العالم العربي.

وكما قال لافروف، قبل ثلاثة أيام من خطابه في القاهرة، حيث عقد اجتماع لممثلي جامعة الدول العربية، جاء وفد من سفراء الدول الغربية إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، وطالبوه بشكل مباشر بإلغاء خطاب الوزير، أو إدانة الاتحاد الروسي علنًا، أو على الأقل عدم تصويره معه، ولهذا، لم يرد ممثلو الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية برفض مهذب فحسب، بل تواصلوا أيضًا بشكل خاص مع زميلهم الروسي بعد الحدث حتى يتمكن من التقاط صورة معهم شخصيًا، ويمكن اعتبار الدليل الرئيسي على أن الضغط الأمريكي على العالم العربي لم يمر، هو حقيقة أنه لا توجد دولة واحدة في المنطقة قد دعمت العقوبات ضد روسيا، وهذا، بالمناسبة، مهم أيضًا للمنطقة الشاسعة من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، والتي نوقشت العلاقات معها لاحقًا، وأشار رئيس وزارة الخارجية الروسية إلى أنه هنا أيضًا، لم تنضم دولة واحدة، باستثناء جزر البهاما، إلى العقوبات المناهضة لروسيا.

ولفت لافروف إلى أن الدول الغربية لا تحرك ساكنا لتسوية الأزمات في الشرق الأوسط بعدما تحول إلى الهدف الجديد المتمثل في استنزاف روسيا وإلحاق هزيمة استراتيجية بها، وقال إن هناك "استياء واضحا" يشعر به "زملاؤنا (في العالم العربي) إزاء حقيقة أن الغرب الذي يطرح يوميا مطالب بشأن أوكرانيا، لا يفعل شيئا على الإطلاق بشأن القضية الفلسطينية"، وهذا يسبب خيبة أمل عميقة لأن أيا من قضية فلسطين والتسوية في ليبيا - بعد أن دمر الغرب هذا البلد - لا يشهد تقدما يذكر، كما لا تزال هناك مشاكل في العراق، وأنحاء أخرى بالمنطقة، لكنها بالطبع أصبحت في المرتبة الثانية إن لم تكن الثالثة في أولويات الغرب، مقارنة بضرورة استنزاف روسيا وإلحاق هزيمة استراتيجية بها".

ولم تُترك دون اهتمام مناطق مثل آسيا الوسطى، حيث ظلت العلاقات مع البلدان التي ظلت بعد بدء منظمة المياه العالمية متوازنة إلى حد ما، وأفريقيا، و"كجزء من اتصالاتنا مع منظمة شنغهاي للتعاون ورابطة الدول المستقلة و بريكس ورابطات آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، نحاول بناء مثل هذه الأشكال من التفاعل التي ستفيدنا ولا يمكن لمن يريدون حكم العالم التأثير"حسب قول لافروف .

***

بقلم: الدكتور كريم المظفر

 

توطئة: على الرغم من العقوبات الغربية التي تستهدف انهاك واضعاف الاقتصاد الروسي، إلا أن الروبل الروسي ارتفع إلى أعلى مستوى منذ 7 سنوات مقابل الدولار الأمريكي. إذ تواصل العملة الروسية ارتفاعها أمام العملتين الأمريكية والأوروبية، فقد انخفض سعر صرف الدولار واليورو مقابل الروبل إلى مستويات هي الأولى منذ آذار/ مارس العام 2020.

ويعد قرارالبنك المركزي الروسي باتخاذ مجموعة من الإجراءات لتحقيق الاستقرار المالي والاقتصادي في البلاد، الأمر الذي حد من الطلب على العملات الأجنبية في السوق المحلية أمرا صائبا والذي يتضمن تغيير طريقة الدفع من الدولار الأمريكي إلى الروبل الروسي في صادرات الغاز إلى الدول غير الصديقة، بما في ذلك إلى دول الاتحاد الأوروبي مع إلزام المصدرين في روسيا ببيع 80% من عائدات النقد الأجنبي في بورصة موسكو. وان انخفاض واردات البضائع إلى روسيا كما توقع تقرير لموقع “Rt arabic” الاقتصادي أن فائض ميزان المدفوعات الروسي قد يصل هذا العام إلى مستوى تاريخي يتراوح بين 200 و300 مليار دولار. وصرح "بنك روسيا" إن الرصيد في الحساب الجاري لميزان المدفوعات الروسي ارتفع في النصف الأول من العام 2022 ما قيمته 138.5 مليار دولار، وهو ما يزيد 3.5 مرات عن الفترة نفسها من العام 2021 التي بلغت 39.7 مليار دولار (1]).

وأضاف أن ميزان التجارة الخارجية في السلع والخدمات الروسية ارتفع في النصف الأول من العام 2022 بمقدار 2.6 مرة إلى 158.4 مليار دولار، مقارنة بـ 60.5 مليار دولار في نفس الفترة من العام 2021. وطالبت روسيا الدول الأوروبية بتسديد مدفوعات الطاقة بالروبل، وقطعت إمدادات الغاز عن العملاء الذين رفضوا القيام بذلك. ولهذا يطبق البنك المركزي الروسي سياسات لمنع المستثمرين والشركات من بيع العملة وغيرها من الإجراءات التي تجبرهم على شرائها.

واكد دميتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين، في نهاية شهر تموز 2022، أن الحكومة الروسية تناقش مسألة ربط العملة الروسية الروبل بالذهب، الأمر الذي سيدعم العملة الروسية ويضمن استقرارها، إذ استقر في الأشهر الأخيرة، رغم التأثير المبكر للعقوبات، فقد فشلت إلى حد كبير في شل الاقتصاد الروسي، حيث أدى ارتفاع أسعار الطاقة إلى زيادة أرباح روسيا.

في غضون ذلك، ارتفعت العملة الروسية إلى أعلى مستوى في 7 سنوات مقابل الدولار الأمريكي، بفضل جهود الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بدعم الروبل، وعلى الرغم من أن روسيا تخلفت عن سداد ديونها الخارجية في يونيو/ حزيران، إلا أن الأسواق العالمية بالكاد تأثرت، حيث كانت هذه الخطوة متوقعة على نطاق واسع، وكانت السوق تستعد بنفسها.

الروبل يأخذ مكان الصدارة بين العملات وعلى مستوى أسعار الصرف

أصبح الروبل العملة الأفضل أداء في العالم هذا العام، نتيجة الخطوات المتخذة لحماية النظام المصرفي والنقدي الروسي من العقوبات الغربية، وكذلك الإجراءات الروسية بمنع مغادرة الأموال الى خارج البلاد، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار الوقود الأحفوري، عملت كلها على خلق الطلب على الروبل ورفع قيمته.

وقد ساهمت هذه الإيرادات، التي تصل روسيا في الغالب بالدولار واليوروعبرآلية مبادلة الروبل المعقدة في دعم سعر صرف الروبل، وان “روسيا حققت فوائض قياسية في حسابها الجاري من العملات الأجنبية، بسبب هذا الوضع”. وكان فائض الحساب الجاري لروسيا من كانون الأول/يناير إلى مايس/مايو من العام الجاري 2022 يزيد قليلاً عن 110 مليارات دولار، وفقًا لإحصائيات البنك المركزي الروسي Банк России . وتعتبرروسيا أكبر مصدر للغاز وثاني أكبر مصدر للنفط في العالم، و من أكبر المصدّرين للقمح، وأحد كبار منتجي الحبوب على مستوى العالم، وأحد كبار منتجي المعادن النادرة كذلك المستخدمة في عديد من الصناعات المتقدمة، وزبائن موسكو الأوروبيون كانوا يشترون بمليارات الدولارات الطاقة الروسية أسبوعيًا خلال الأيام الأولى من الحرب، بينما حاولوا في الوقت نفسه فرض عقوبات عليها. هذا الموقف غير الثابت، وضع الاتحاد الأوروبي، في موقف حرج، حيث تمكنت روسيا من جني أموال ضخمة من مبيعات النفط والغاز والفحم بشكل مضاعف.

نستنتج مما سبق ان الاستراتيجية الاقتصادية المتبعة في روسيا أظهرت مدى قوة الاقتصاد مع الإجراءات الصحيحة والخطط الاقتصادية القيمة، للحفاظ على الدولة الاقتصادية والعسكرية، وعلى الصعيدين المالي والاقتصادية تعتبر موسكو أن ارتفاع قيمة الروبل دليلا على فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، حيث قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال منتدى سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي السنوي: “كانت الفكرة واضحة: سحق الاقتصاد الروسي بعنف” ثم تابع: “لم ينجحوا.. من الواضح أن ذلك لم يحدث” (2]) .

وأصبح الروبل قويًا لدرجة أن البنك المركزي الروسي أصبح يتخذ إجراءات لمحاولة إضعافه، خوفًا من أن يؤدي ذلك إلى جعل صادرات البلاد أقل قدرة على المنافسة. منها خفض سعر الفائدة ثلاث مرات لتصل إلى 11 بالمئة في أواخر أيار/مايو، وذلك على الرغم من رفعها في بداية الحرب بأكثر من الضعف إلى 20 بالمئة من 9.5 بالمئة سابقا.

وجاءت أكثر من نصف هذه المكاسب من الاتحاد الأوروبي، بنحو 60 مليار دولار. وفي حين أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي عازمة على خفض اعتمادها على واردات الطاقة الروسية، فقد تستغرق هذه العملية سنوات. وفي العام 2020، اعتمد الاتحاد الأوروبي على روسيا في 41٪ من واردات الغاز و36٪ من وارداته النفطية، وفقًا لذات المصدر(3]) .

الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين

تشكل الشراكة الاستراتيجية بين روسيا والصين عقبة لا يمكن التغلب عليها أمام النخبة الحاكمة الأميركية أمام فرض هيمنة الأوليغارشية المالية على العالم. وتعتمد قوة هذه الأخيرة على قضية المال العالمي، الذي تحد من إمكانياته الإرادة السياسية للدول ذات السيادة القادرة على إنشاء واستخدام عملاتها الوطنية في التعاون الدولي. وإذا تمكنت الصين وروسيا، جنبا إلى جنب مع الهند وإيران، من تشكيل نظام نقدي ومالي مستقل عن الدولار، على الأقل بالنسبة لمنظمة شانغهاي للتعاون، فإن نتيجة الحرب الهجينة العالمية ستكون محددة سلفا. ومن دون تغذية ميزان مدفوعاتها وعجز ميزانية الدولة بقضية العملة العالمية التي لا نهاية لها، فإن الإمبراطورية الأميركية سوف تفقد قوتها العسكرية والسياسية بسرعة.

إن ما يثير قلق النخبة الحاكمة الأميركية هو عملية التكامل الاقتصادي الأوراسي، فضلا عن تطوير تعاون روسيا مع إيران والهند ودول الهند الصينية، على الرغم من تراجع شكلها. منذ بداية تشكيل الاتحاد الجمركي في إطار EurAsea، ذكر المدافعون الأمريكيون عن احتواء روسيا وأن القيادة الروسية تسعى بالتالي إلى إحياء الاتحاد السوفيتي . دعونا نتذكر فقط كلمات وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في مؤتمر صحفي في دبلن في 6 كانون الأول/ديسمبر 2012، والتي تنقل بإيجاز معنى السياسة الخارجية الأمريكية: "يتم اتخاذ خطوات لإعادة سوفييتية المنطقة. وسوف يطلق عليه بشكل مختلف الاتحاد الجمركي والاتحاد الأوراسي وما إلى ذلك. ولكن دعونا لا ننخدع. نحن نعرف ما هو الغرض من ذلك ونحاول إيجاد طرق فعالة لإبطائه أو منعه" (4]) .

تقع روسيا الاتحادية في الوعي الملتهب للنخبة الحاكمة الأمريكية، وهي مركز التجمع لعالم مستقل عن الولايات المتحدة، وبالتالي يجب، كما يقول قادة الرأي الأمريكيون، تدميرها وتقطيعها ومحوها. إن الجمع بين الخوف من روسيا (روسيا فوبيا) المزمن من التأريخ الأنجلوسكسوني والعلوم السياسية مع الرغبة في الهيمنة العالمية يحدد مسبقا التوجه المعادي لروسيا للحرب الهجينة العالمية التي أطلقتها النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة. إن روسيا بتقاليدها الإنسانية الأرثوذكسية، هي، وفقا للاستراتيجيين السياسيين الأنجلوسكسونيين، العقبة الرئيسة أمام تأسيس هيمنة الأوليغارشة الرأسمالية على العالم، التي تسيطر بالفعل على بلدان الغرب. يجب القول إن هذا الرأي يتوافق مع قناعة الوعي الأرثوذكسي نفسه بدور روسيا كقوة أخيرة تمنع العالم من مجيء المسيح الدجال.

والواقع أن تصاعد الخوف من روسيا بدأ في الغرب بعد أن حددت القيادة الروسية مسارا للحفاظ على المؤسسات التقليدية للأسرة والعقيدة، وعلى نطاق أوسع، لحماية القيم الأخلاقية العالمية المتأصلة في الأديان العظيمة. فالذين يسعون إلى تدمير البوصلة الأخلاقية وحرمان المواطنين من أي هوية - حتى الجنس، أينما تغلغلت منظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي اللذان تسيطر عليهما واشنطن، تتكشف عملية التحرش بالشباب وتجريد المجتمع من إنسانيته ولم تكن أوكرانيا استثناء من ذلك.

ومن أجل معرفة الظرف الذي يمر به الاقتصاد الوطني لروسيا الاتحادية في ظل الحرب الروسية-الاوكرانية يجب الاطلاع على ما هو موجود من تحليلات وتقارير وأبحاث ودراسات مختبرية لبعض من مراكز الأبحاث العلمية الاقتصادية في روسيا الاتحادية التي تستند في أبحاثها على معلومات مهمة تفيد الباحث في الخروج باستنتاجات مفيدة ومهمة.

الصناعة تفقد بعض من استيراداتها في العام 2022

أظهرت حسابات معهد غايدار (IEP) للدراسات الاقتصادية في موسكو أن تزويد الصناعيين بالمواد الخام والمواد نصف المصنعة الضرورية للإنتاج الصناعي في تموز2022 من قبل الشركات المصنعة الروسية ارتفع إلى 79٪ - نسبة إلى متوسط مستوى السنوات السابقة. وانخفض توفر المواد الخام المستوردة والمواد الضرورية للانتاج الصناعي إلى 20٪ مقابل 31٪ في حزيران من نفس العام.

وتم تسجيل أكبر انخفاض في عجز الواردات الوسيطة في صناعة الأغذية - من 79 ٪ إلى 48 ٪ (انظر جدول رقم 1). "ترتبط هذه النتيجة بجهود الشركات نفسها وبالدعم النشط من الدولة. في الوقت نفسه، يعاني المنتجون الأجانب المرتبطون بصناعة الأغذية الروسية، على الأرجح، من ضغوط سياسية متواضعة من حكوماتهم " (5]) . و يعكس لنا الجدول رقم 1. مقدارعدم كفاية القطاعات الصناعية من المواد الخام المستوردة .

ومع ذلك حقق ممثلو الصناعات الخفيفة نجاحا أقل أهمية في ذلك، ولا تحظى مشاكل استبدال الواردات بأولوية عالية لكل من الشركات نفسها والسلطات، كما يعتقد الاقتصاديون في معهد Gaidar وخصوصا سيرغي تسوخلو أن التغيرات الملحوظة في توافر المواد الخام والمواد والمكونات المستوردة غير مرئية في الهندسة الميكانيكية - ويرجع ذلك إلى حقيقة أن "الشركاء السابقين تمكنوا من وقف جهود الشركات والسلطات إلى حد كبير" في هذا الاتجاه.

4717 جدول

ونظرا لانخفاض توفر الاستيرادات، فإن شركات صناعة البناء غير قادرة الآن على تلبية النمو الموسمي في الطلب. الوضع صعب في صناعات النجارة واللب والورق - ليس لديهم مشاكل مع المواد الخام الرئيسية، لكن هذه المنتجات لا يمكنها الاستغناء عن المواد الكيميائية المستوردة والورنيش والدهانات والاكسسوارات.

احتفظ نقص المواد الخام والمواد نصف المصنعة بالمركز الخامس في أعلى 5 قيود لنمو الإنتاج، وسجل نتائج الدراسات الاستقصائية في معهد غايدار IEP. وكما لاحظ الباحثون، فإن "الخروج المتأخر من أزمة العقوبات البطيئة، والدعم الرسمي للواردات الموازية، واستخدام احتياطيات استبدال الواردات غير المستخدمة سابقا، سمح للصناعة بتقليل حدة النقص في المواد الخام والمواد نصف المصنعة " (6]).

الصناعيون يأملون بالعودة إلى العلاقات التجارية مع الغرب

نشرت صحيفة كوميرسانت باللغة الروسية بيانات عن مراقبة الوضع في الصناعة الروسية، أعدها سيرغي تسوخلو، رئيس مختبر مسوحات السوق في معهد غايدار.

سجلت نتائج الدراسات الاستقصائية لمعهد غايدار في القطاع الصناعي في شهر آب/أغسطس 2022 ديناميكيات سلبية معتدلة للطلب، إذ انخفضت المبيعات بحلول شهر تموز/يوليو بشكل طفيف. هذه التغيرات مستمرة منذ شهر نيسان و بدأت تخيب آمال الصناعة، التي تمنع توقعات الطلب الايجابية، كما قال مؤلف الدراسة سيرجي تسوخلو. ولأن حصة تقديرات الطلب العادية بعد شهر نيسان والانتعاش الطفيف في مايس بدأت تتراجع ببطء الى 51٪ مقابل 53٪ في تموز. واستمر الانخفاض في الإنتاج، الذي سجله معهد غايدار في تموز بعد نمو شهر حزيران/يونيو . وعلى الرغم من أن خطط الإنتاج المدني قد عادت إلى النمو، يبدو أن فترة النقص في مخزونات المنتجات النهائية، التي عملت الصناعة بموجبها على مدى الأشهر ال 24 الماضية والتي تقترب من نهايتها . كما أظهرت تقديرات مخزونات المواد الخام والمواد نصف المصنعة اتجاها إيجابيا. تم الجمع بين انخفاض طفيف في العرض العادي للمواد نصف المصنعة والمواد الخام الروسية (من 79 ٪ إلى 74 ٪) مع زيادة في توافر الواردات - من 20 ٪ إلى 29 ٪، مما دعم التحسن في ديناميات الإنتاج الصناعي في تموز. وأظهرت نتائج الدراسة أن المستجيبين في معهد غايدار للشهر الثالث على التوالي خفضوا أسعار البيع، وكانت خططهم الاستثمارية ناقصة للغاية. أولا وقبل كل شيء، يمكن تحسينها من خلال إمكانية التنبؤ بتحسن الوضع الاقتصادي (68٪ من الاجابات)، ونهاية حرب العقوبات والعودة إلى العلاقات التجارية والاقتصادية مع الغرب (51٪) وانخفاض أسعار المعدات والبناء (50٪) (7]).

وأشار سيرغي تسوخلو، بعد حساب مؤشر التكيف الصناعي، إلى تدهور حاد في وضع الشركات الروسية في الربع الثاني من العام الجاري 2022. أدت الشركات الروسية إلى تدهور حاد في تقييم مؤشراتها الرئيسية على خلفية تأثيرات الحرب الروسية-الأوكرانية وحرب العقوبات الغربية والأمريكية. ويتبع ذلك من بيانات مؤشر التكيف (الطبيعي) للصناعة، والذي يتم حسابه كل ثلاثة أشهر من قبل معهد Gaidar بناء على نتائج مسح للشركات. يقيم المشاركون في الدراسة الوضع الطبيعي في عملهم من خلال 6 مؤشرات: حجم الطلب، ومخزونات المنتجات النهائية (المنتجات الجاهزة للتسويق) والمواد الخام، وعدد الموظفين، والقدرة الإنتاجية والوضع المالي.

انخفض المؤشر في الربع الثاني 2022 من 74٪ إلى 63٪. وفي المرة الأخيرة التي انخفض فيها المؤشر كثيرا كان في أزمة 2008-2009، ولكن الأهم من ذلك كله حدث في الربع الثاني من العام 2022، إذ تدهور تقييم الوضع مع مخزونات المواد الخام . فقد بلغت نسبة الشركات التي اعتبرت الوضع في هذا القطاع طبيعيا 62٪ مقارنة ب 86٪ في الربع الأول. بدأ الوضع في الاستقرار تدريجيا في شهري تموز وآب، ولكن على حساب المكونات المحلية، إذ بلغ مستوى رضا الشركات عن مخزونها 76٪ (8]) .

تعويض الخسائر الناجمة عن العقوبات الغربية

تمكنت روسيا من تعويض الخسائر الناجمة عن العقوبات المفروضة من قبل الدول الغربية، حسبما قال الرئيس فلاديمير بوتين في مقابلة مع وكالة تاس:" بسبب التدابير التقشفية خسرت البلاد حوالي 50 مليار دولار، لكنها "كسبت نفس المبلغ". حيث أجبرت إجراءات العقوبات روسيا على "تشغيل أدمغتها"، بما في ذلك البدء في إنتاج منتجات وتقنيات لم تكن لدى البلاد من قبل. وأضاف بوتين: "هذا يفيدنا بالتأكيد، إنه ينوع اقتصادنا، في الواقع، يساعدنا على حل مهمة رئيسية" (9]).

وقال رئيس فرنسا مانويل ماكرون:" إنه لا يوجد شيء إيجابي في العقوبات السياسة المفروضة على روسيا. ساعدت القيود المتبادلة التي فرضتها روسيا البلاد على تطوير الزراعة وتحرير السوق المحلية. لذلك، وفقا له، أصبحت روسيا مصدرا رئيسيا للقمح وبدأت في تزويد نفسها بالحليب واللحوم. إذ فرضت روسيا حظرا على استيراد أنواع معينة من المنتجات الغذائية من الولايات المتحدة والنرويج وأستراليا وكندا ودول الاتحاد الأوروبي في العام 2014 ردا على العقوبات الغربية، والسبب في ذلك هو ضم شبه جزيرة القرم والوضع في اقليم الدونباس"(10]. في وقت لاحق، تمت مراجعة القائمة مرارا وتكرارا، في حزيران 2019، مددت الحكومة الحظر الغذائي حتى نهاية العام 2022 (11]).

لقد حسن صندوق النقد الدولي بشكل كبير توقعات الاقتصاد الروسي. لكن التعبئة العسكرية يمكن أن تربك الطاقات الانتاجية. إذ تمكنت روسيا من إعادة توجيه جزء كبير من صادراتها النفطية إلى آسيا كما تؤكد وكالة أنباء تاس الروسية (12]) .

واستنادا على هذه الخلفية، يبدو تقييم الوضع في روسيا متفائلا للغاية، إذ رفع صندوق النقد الدولي توقعاته بمقدار 2.6 نقطة مئوية مقارنة بتقديرات تموز/يوليو ويتوقع الآن انخفاضا بنسبة 3.4٪ هذا العام و 2.3٪ في العام المقبل (تم تحسين التوقعات بمقدار 1.2 نقطة مئوية). وقال صندوق النقد الدولي إن إمدادات النفط والصادرات غير المتعلقة بالطاقة لا تزال قوية، وإن الطلب المحلي يظهر علامات على الاستقرار بفضل الدعم المقدم من القطاع المالي، الذي ساعد في تخفيف تأثير العقوبات (13]) .

الولايات المتحدة ستتوقف عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة بعد افلاس أوروبا

يعتقد العالم السياسي مراد بشيروف أن الولايات المتحدة ستتوقف عن تزويد أوكرانيا بالأسلحة ولن تبدأ المفاوضات مع روسيا إلا بعد إفلاس المنافسين الصناعيين الرئيسيين في أوروبا. وتجد الدول الأوروبية نفسها بالفعل على وشك كارثة اقتصادية بسبب العقوبات المناهضة لروسيا. وقال الخبير بشيروف ان الأوروبيين اضطروا بالتالي إلى نقل العديد من المنتجات الصناعية إلى الولايات المتحدة. وقال في مقابلة مع موقع ukraina.ru "بمجرد أن تلتهم الولايات المتحدة كل الهامش، أي الإنتاج المربح في أوروبا، بمجرد أن تنتقل مرافق الإنتاج هذه، إلى جانب العمليات المصرفية، إلى أراضي الولايات المتحدة، ستنتهي هذه القصة بأكملها" (14]).

على الروس معرفة المنتجات الجديدة لإختيارها في الظروف الجديدة

يعتقد سيرغي زوبوف Sergei Zubov، كبير الباحثين في مختبر الدراسات المالية في معهد غايدار Gaidar Institute for Economic Policy، أن التخطيط اليوم أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، ولكن يجب أن يلبي الحقائق الجديدة التي ينغمس فيها المجتمع،لأن كل ثانية يمر بها المجتمع الروسي لا ترقى إلى مستوى الخطط طويلة الأجل وسوف تؤدي الى أخطاء لاتحمد عقباها، حسبما ذكرت Nezavisimaya Gazeta، نقلا عن بيانات المسح من المنصة المالية عبر الإنترنت Webbankir. "قد تبدو بعض افتراضات محو الأمية المالية، التي غرستها وزارة المالية والبنك المركزي في الروس، بعد أحداث فبراير/شباط 2022 منفصلة عن الواقع. لا عجب في ذلك لأن استطلاعات الرأي التي أجريت بين الروس كشفت عن انقسام حول هذه القضية. ما يزيد قليلا عن 50٪ من المجيبين الآن إما لا يضعون خططا على الإطلاق، أو يخططون لمدة أقصاها شهرين إلى ثلاثة أشهر. وحتى أقل بقليل من النصف إنه لا يزال لديهم استراتيجية طويلة الأجل. ومع ذلك، بالنسبة للعديد من الروس، من الصعب للغاية وضع خطط طويلة الأجل - خاصة الآن، لأن السكان غير متجانسين ولذلك أصبح التخطيط أكثر أهمية من أي وقت مضى."على الرغم من الطبيعة الأساسية للتحول المستمر، فإننا نرى أن المجال المالي والاقتصادي يستمر في العمل والتطور بنشاط. وبالتالي، يجب على الناس التكيف مع الظروف الجديدة. بالطبع، في الوقت الحالي، يتم تحديث مهمة الضمان بالنسبة للكثيرين. ولكن يجب ألا ننسى أن الحالة، مهما بدت حرجة هي مؤقتة وأن العودة إلى الحياة الاقتصادية النشطة ستؤدي حتما إلى استراتيجيات جديدة في المجال المالي. واليوم، يقدم السوق المالي الذي تمثله البنوك والتقنيات المالية منتجات وخدمات جديدة يجب على المواطنين إتقانها، قدر الإمكان، من أجل التنقل في ظروف جديدة" (15]).

عواقب تأثيرات الحرب الروسية-الأوكرانية على العالم

وفي الوقت نفسه، فإن عواقب تأثيرات الحرب الروسية-الأوكرانية تؤثر على العالم بأسره، كما يلاحظ صندوق النقد الدولي. لذلك، في أوروبا، أدت إلى زيادة في أسعار الطاقة، وتقويض ثقة المستهلك، وتفاقم الوضع في قطاع التصنيع. ويشير الصندوق إلى أن الدول المجاورة في أوروبا الشرقية ودول البلطيق عانت أكثر من غيرها.

ووفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي، سيتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي من 6٪ في العام 2021 إلى 3.2٪ في العام 2022 و2.7٪ في عام 2023، وهو أدنى معدل نمو منذ العام 2001 باستثناء حالتين – في العام 2009 بسبب الأزمة المالية العالمية في 2008 والعام 2020 بسبب جائحة كورونا. وبالمقارنة مع تقييم تموز للصندوق، لم تتغير التوقعات للعام الحالي، وبالنسبة للعام التالي انخفضت بنسبة 0.2 نقطة مئوية.

يتم تفسير العديد من المشاكل من خلال تباطؤ كبير في النمو في الاقتصادات الرائدة:

الانخفاض في الولايات المتحدة في النصف الأول من العام 2022 ؛

الانكماش المتوقع في منطقة اليورو في النصف الثاني من العام الجاري2022؛

تباطؤ النمو في الصين بسبب تفشي كورونا والحجر الصحي وتفاقم الأزمة في سوق العقارات.

ووفقا لتوقعات صندوق النقد الدولي، سوف يتسارع التضخم العالمي مرتين تقريبا - إلى 8.8٪ هذا العام مقابل 4.7٪ في العام الماضي، لكنه سيتباطأ إلى 6.5٪ في العام 2023.

كيف ستؤثر مشاكل الطاقة على الصورة الأوسع للتضخم؟

وتعتمد أوروبا بشكل كبير على الغاز القادم من روسيا ولن تكون قادرة على التحول بسرعة إلى إمدادات بديلة إذا تم إغلاق خطوط الأنابيب. ولذلك مع اقتراب فصل الشتاء وارتفاع مستوى احتياطيات الغاز في أوروبا عما كان متوقعا، أصبحت مشكلة إمدادات الغاز أقل حدة. ومع ذلك، إذا استمرت الأزمة هذا العام، فإن المشكلة ستنشأ مرة أخرى.

ومن المسائل الأكثر أهمية تأثير الأزمة على أسعار النفط والغاز والسلع الأساسية الأخرى. سيؤدي الارتفاع الحاد في الأسعار إلى زيادة أخرى في التضخم والإضرار بالمستهلكين. وأنه في أسوأ التوقعات، يمكن أن ترتفع أسعار النفط إلى 120-140 دولارا للبرميل. وإذا استمر النمو حتى نهاية العام الجاري2022، وشهدنا زيادة في أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا، فسوف يضيف حوالي نقطتين مئويتين إلى التضخم في البلدان المتقدمة - أكثر في أوروبا، وأقل في الولايات المتحدة. وهذا سيضع ضغوطا إضافية على الدخل الحقيقي. ويمكن أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية محمية نسبيا، ولكن المزيد من الزيادات في الأسعارالتي يفرضها منتجو النفط والغاز الصخريين، سوف تضرب في وقت واحد جيوب المستهلكين الأمريكيين.

الخاتمة

يتعزز الاقتصاد الروسي في حين يقع الاقتصاد الأوروبي في الركود. هذا ما كتبته الطبعة البريطانية من مجلة الإيكونوميست. والتي تؤكد بأن الوضع الاقتصادي في روسيا يتحسن، على الرغم من العقوبات الغربية، وتكلفة المعيشة في روسيا أرخص بكثير من أوروبا.

"هناك جانب حساس للحرب الاقتصادية بين موسكو والغرب. وفي حين تتأرجح أوروبا على شفا ركود عميق، فإن الوضع الاقتصادي في روسيا آخذ في التحسن. ما يمكن أن يكلف مئات اليورو في بيوت برلين أو باريس هذا الشتاء، يكلف بضعة روبلات في موسكو. لذا فإن كل هذه مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت، والتي تظهر كيف تعمل أفران ومطابخ الغاز في البيوت الروسية طوال اليوم (دليل على وفرة الغاز ورخصه في روسيا. سناء مصطفى)، ليست مزحة، ولكنها تلميح واضح للأوروبيين" كما تكتب الصحيفة.

كما تستشهد مجلة الإيكونوميست بأرقام محددة، على سبيل المثال، مؤشر للنشاط التجاري، يحسبه بنك جولدمان ساكس. وهذا يدل على أن الوضع في روسيا أفضل مما هو عليه في أكبر الدول الأوروبية - ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والمملكة المتحدة . ويشير المنشورإلى بيانات بنك Goldman Sachs، الذي يحسب "مؤشر النشاط الحالي"، ويحلل الوضع في الاقتصاد كل شهر. ووفقا للبنك، فإن نشاط روسيا يتجاوز هذا الرقم بشكل كبير في أوروبا. فقد انخفض مؤشر الإنفاق الاستهلاكي، الذي حسبه سبيربنك Sparbank، بعد المرسوم المتعلق بالتعبئة العسكرية في روسيا، ولكن بعد ذلك ارتفع قليلا مرة أخرى. هناك أيضا انتعاش ونمو في أحجام الإنتاج في صناعة السيارات. وهذا يشير إلى أن الشركات المصنعة كانت قادرة على استبدال الإمدادات من الدول الغربية (16]) .

***

أ.د. سناء عبد القادر مصطفى

.........................

الهوامش والمصادر:

11/7/2022.

https://worldexpo.pro/peterburgskiy-mejdunarodnyy-ekonomicheskiy-forum-spief. 15/06/2022

ندوة الاقتصاد العالمي في بطرسبورغ . روسيا. 15/06/2022

06.2022·Петербургский международный экономический форум (ПМЭФ) (англ. St. Petersburg International Economic Forum (SPIEF)..

ندوة الاقتصاد العالمي في بطرسبورغ . روسيا. 15/06/2022

Сергей Глазьев. Что происходитв 2023. Аналика и Прогнозы. Россия. Москва. 08.09.2022.Стр.3.

سيرغي غلازييف. ماذا يجري في 2023؟ تحليل وتوقعات المستقبل. روسيا. موسكو. 8/9/2022. صفحة 3.

Сергей Цухло .Промышленость продолжает лишаться импорта, Института Гайдара (ИЭП).Москва. Россия.01/08/202.

سيرغي تسوخلو. الصناعة تستمر في عدم الاستيراد . معهد غايدار. موسكو، روسيا. 01/08/2022

Института Гайдара (ИЭП).Москва.Промышленная активность обновила минимум санкционного кризиса. Россия.15/7/2022.

معهد غايدار. موسكو. روسيا. أصلحت الصناعة الحد الأدنى من آثارأزمة المقاطعة الغربية.

Сергей Цухло .Промышленость продолжает лишаться импорта, Института Гайдара (ИЭП).Москва. Россия.15/8/2022

سيرغي تسوخلو. الصناعة تستمر في عدم الاستيراد . معهد غايدار. موسكو، روسيا. 15/08/2022

ТАС.Экономика , Путин оценил влияние санкций на российскую экономику. Владимир Путин. 16 мар 2020.

تاس. الاقتصاد، تقييم بوتين لتأثيرالمقاطعة على الاقتصاد الروسي. فلاديمير بوتين. 16/03/2020.

Политика, 15 фев 2020 Макрон заявил об отсутствии позитива в санкциях против России.

موقع السياسة، 15شباط 2002. تصريح ماكرون عن عدم وجود ايجابيات في فرض العقوبات على روسيا.

راجع مقالتينا عن تأثير العقوبات على الاقتصاد الوطني الروسي :

د. سناء عبد القادر مصطفى: كيف نجحت روسيا في عكس العقوبات الاقتصادية الأمريكية والأروبية لصالح تنمية وتطوير اقتصادها الوطني؟ . شبكة الاقتصاديين العراقيين. 21/12/2018.

13. د. سناء عبد القادر مصطفى: ردة فعل القطاع الزراعي في روسيا الإتحادية ازاء العقوبات الأمريكية والاوروبية . شبكة الاقتصاديين العراقيين.27/2/2019.

Sergei Zubov. Nezavisimaya Gazeta. 13/10/2022.

سيرغي زوبوف. الصحيفة المستقلة، فيببانكير. 13/10/2022

Юрий Смитюк / ТАСС. России удалось перенаправить значительную часть экспорта нефти в Азию.

يوري سميتوك/وكالة أنباء تاس. نجحت روسيا في توجيه قسم كبيرمن تصدير النفط الى آسيا. 11/10/2022

13. See more at https://english.pravda.ru/news/russia/149340-putin_energy_marke.6/10/2022

Марат Баширов.Ukraina. ru. 5/10/2022.

مراد بشيروف. موقع أخبار Ukraina.ru . 5/10/2022

Sergei Zubov. Nezavisimaya Gazeta. Webbankir. 13/10/2022.

سيرغي زوبوف. الصحيفة المستقلة، فيببانكير. 13/10/2022

Британский The Economist: Ситуация в экономике России улучшается на фоне рецессии в Европ.TACC, 13/10/2022

مجلة الايكونوميست البريطانية. تحسن وضع الاقتصاد الروسي في ظل تدهور أوروبا. وكالة أنباء تاس، 13/10/2022.

ملاحظة: المقالة نشرت في العدد 435 من مجلة الثقافة الجديدة العراقية في الصفحات 22-31.

 

لماذا أصبحت مدينة أونفيرس البلجيكية تحظى بشعبية كبيرة بين مهربي المخدرات عامة والكوكايين خاصة؟ صار هذا السؤال يتردد في الآونة الأخيرة بشكل متواصل في مختلف وسائل الإعلام البلجيكية والأوروبية، وهو في الحقيقة سؤال مشروع لأنه ينبني على أدلة واقعية ملموسة. تشير الإحصائيات إلى أن الجمارك اعترضت السنة الماضية (2022) 110 طن من الكوكايين في ميناء أونفيرس، وهو ضعف ما تم اعتراضه في ميناء روتردام بهولندا، الذي كان في الماضي الأشهر في تهريب المخدرات.

وتعزو التقارير الإعلامية والأمنية اختيار مهربي الكوكايين ميناء أونفيرس كأفضل وجهة لتهريب بضائعهم إلى جملة من الأسباب. أولها أنه منذ خمسينات القرن الماضي أصبح هذا الميناء الأول أوروبيا في استيراد الموز من بلدان أمريكا الجنوبية مثل كولومبيا والإكوادور وغيرهما، والتي تعرف أيضا بإنتاج الكثير من مخدر الكوكايين. ثم إن ميناء أونفيرس يتمتع بموقع استراتيجي في أوروبا، حيث يتوسط مختلف بلدان أوروبا الغربية، وهذا ما يسرع نقل البضائع في كل اتجاه. كما أن ميناء أونفيرس يمتد على مساحة شاسعة تقدر بأكثر من 12 ألف هكتار، ما يصعب مهمة التحكم في الحركة الهائلة التي يشهدها. بالإضافة إلى ذلك، تتوزع ميناء أونفيرس خمس محطات للشحن والتفريغ، تستقبل كل ساعة 1400 حاوية تنقل عبر الشاحنات والقطارات عبر مسافة طويلة قبل مرورها إلى خارج الميناء، ما يجعل مراقبة كل هذه الحركة المكثفة أمرا معقدا وصعبا. ويستغل أباطرة المخدرات هذه الوضعية لتهريب سلعهم والتكتم عليها داخل الميناء قبل أن تصل إلى بوابات التفتيش الخارجية.

وقد تناقلت قصاصات الإعلام أنه تم العثور في بداية هذا الشهر على 2.5 طن من الكوكايين على متن إحدى السفن البنمية، التي لم يُسمح لها بالرسو في ميناء أونفيرس بعد تهديد كاذب بوجود قنبلة فيها. ولم يتضح بعد ما إذا كان ذلك التهديد الكاذب بالقنبلة له علاقة بالمخدرات الموجودة على متن السفينة.

ولم يعد تأثير تهريب المخدرات يقتصر على وضعية الميناء الأمنية واللوجيستيكية فقط، بل تجاوزها إلى مدينة أونفيرس وما جاورها من مراكز ومدن صغرى. وتجدر الإشارة إلى أن مدينة أونفيرس التي يعيش فيها أكثر من نصف مليون نسمة تعتبر عاصمة أكبر مقاطعات منطقة الفلاندر، وهي مقاطعة أونفيرس التي تقدر ساكنتها بحوالي مليوني نسمة. ويصل عدد المسلمين على صعيد مدينة أونفيرس تقريبا 200 ألف نسمة، بحوالي 17%. وتشهد الأحياء لا سيما التي تسكنها شرائح أجنبية ومسلمة مهمة خلال السنوات الأخيرة جملة من أعمال العنف وتبادل إطلاق الرصاص بين مختلف عصابات المخدرات، إلى درجة أن ساكنة بعض الشوارع والأحياء أصبحت تعيش في خوف متواصل من هذه الوضعية الحرجة، التي لم تعد تهدد أعضاء هذه المجموعات الإجرامية فقط، بل صارت تتجاوزهم إلى المواطنين العاديين الأبرياء أيضا.

ولعل خير دليل على هذه الوضعية المزرية، هو مقتل الطفلة فردوس الأسبوع الماضي، التي لقيت حتفها جراء رصاصة طائشة خرقت باب المرآب فأصابتها وهي داخل المنزل. وتنحدر فردوس من أصل مغربي، وهي لم تتجاوز بعد سن الحادية عشر. وقد ذهبت وسائل الإعلام إلى أن هذه الجريمة الشنعاء حدثت في إطار حرب المخدرات التي تشهدها مدينة أونفيرس منذ شهور، حيث يتم تبادل إطلاق النار بين الحين والآخر بين أعضاء مختلف العصابات في بعض الشوارع والساحات، فكانت فردوس ضحية هذه الحرب، رغم أن والديها لا علاقة لهما بظاهرة المخدرات. وقد تردد أن عمها الذي يعيش في إحدى الدول الخليجية يعتبر من تجار المخدرات، لكن أسرتها أكدت أنها لم تعد تربطها أي علاقة به منذ سنوات طويلة. وقد كتبت أم الضحية فردوس: "قلب الأم يمكن أن يتحمل الكثير، لكن هذا الألم لا يطاق!"

ولم يسلم السياسيون البلجيكيون من تهديدات عصابات المخدرات، حيث حاولت مجموعة من أربعة أشخاص من هولندا، وأغلبهم من أصول أجنبية مسلمة اختطاف وزير العدل البلجيكي فنسنت فان كويكنبورن من منزله في مدينة كورترايك، حيث اكتشفت أمام المنزل سيارة بداخلها حقيبة تحتوي على أسلحة أوتوماتيكية. ما دفع السلطات البلجيكية إلى تصعيد درجة مستوى المراقبة الأمنية المشددة، وإخفاء وزير العدل المهدد والمستهدف خلال أسابيع طويلة في منزل آمن بمكان سري.

وختاما، نخلص مما سبق إلى ملاحظتين مهمتين. أحدهما أن مختلف الشرائح المسلمة في بلجيكا وأوروبا تسعى جاهدة إلى الاندماج الإيجابي في المجتمع من خلال شتى الإسهامات البناءة في العمل وعبر الدراسة والمشاركة الاجتماعية والسياسية والاستثمار الاقتصادي، غير أن هذه المجموعات المنحرفة تأتي في آخر المطاف لتحطم كل ما يبنيه المسلمون. والخلاصة الأخرى هي أن التعاطي مع المخدرات؛ تجارةً وإدمانا يعتبر ممارسة لا تمت بصلة إلى تعاليم الإسلام وثقافة المسلمين، فهي محرمة بإجماع المذاهب والعلماء، غير أن وسائل الإعلام المؤدلجة والسياسيين المناوئين يغضون الطرف عن هذه الحقيقة، ليوظفوا آفة المخدرات في النيل من دين الإسلام والمواطنين المسلمين دون أي تمييز أو استثناء. 

***

 بقلم: التجاني بولعوالي     

 

 

بالرغم من وجود تنظيمات اعطيت لها صبغة ثورية كمنظمة أبناء الشهداء ومنظمة ابناء المجاهدين وأخرى أعطيت لعها صبغة حقوقية كالتنظيمات التي تدافع عن حقوق الإنسان، فضلا عن الجمعيات وتنسيقيات المجتمع المدني لافي الجزائر إلا أن هذه التنظيمات وما تطرحه من افكار لم يعد كافيا في بلد يعيش التغيرالت على كل المستويات، بلد مهدد من الداخل والخارج وما يحدث بعد مرور أربع سنوات من الحراك الشعبي الذي كان هبّة جماعية التف حولها الشعب الجزائري، حيث عانقت الجماهير  الحريّة وهي تنادي بجزائر جديدة يبنيها كل ابنائها من دون استثناء، لاسيما والوضع في العالم يجعل الجزائر بلد مستهدفٌ، بعد تصريحات الجانب الفرنسي الأخيرة، وبات من الضروري أن يكون هناك صوتٌ مدوِّ لوحدة الصفّ، وها هي النخبة في الجزائر ترفع صوتها من أجل إنشاء تنظيم وطن جديد للم الشمل ووحدة الصف.

هي مبادرة قامت بها مجموعة من الأشخاص يمثلون  النخبة في البلاد من مثقفين ورجال أعمال، إعلاميين وإطارات سامية في الدولة احتلت مناصب حساسة جدا وكانت العين التي تحرس البلاد والعباد في وقت الأزمة قبل أن تحال على التقاعد المبكر، بالإعتماد على النخبة باعتبارها القاطرة الأولى في عملية التوجيه الصحيح  وهو ما اشار إليه صااحب المبادرة السيد  سعيد بودينار دون أن  ينسى القاعدة التي بدورها مطالبة بالحضور القوي لتحقيق التنمية المستدامة، كانت لنا مشاركة في لقاء نظمه اصحاب المبادرة  ووقفنا على أطروحاتهم  بعدما وضعوا أصبعهم على الجرح وهم يرسمون لوحة للوضع البائس اللذي يعيشه المجتمع الجزائري والمشكلات التي يتخبط فيها، كانت دعوةلوضع عملية تقارب  ممنهجة في رسالة وجهوها إلى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون دعوه فيها إلى الإستثمار في الطاقات البشرية  من مختلف فئات المجتمع وبخاصة الطاقات العسكرية التي احيلت على التقاعد المبكر والإستثمالر في قدراتها وخبرتها من أجل خدمة الشباب وقيادته من أجل تحقيق الوحدة الوطنية وإحداث نهضة جزائرية قوية

ربما يحقق هذا التنظيم وطني الذي يجمع كل شرائح المجتمع الجزائري بمختلف طبقاته ومستوياته الفكرية وحدة الوطن من خلال إشراك كل الطاقات الفاعلة  والتي لها قابلبية لخدمة الوطن والتضحية من أجله والسير على درب الشهداء وتقديم إسهاماتها للإجابة على اسئلة الساعة والتحديات التي تواجه الدولة، ومن خلبال الأفكار التي طرحت فهذا التنظيم الوطني الجديد الذي هو قيد الإنشاء، بعيد كل البعد عن كل ما يدعو إلى التحزب والتكتل والتحجر والتموقع، بمعنى أن هذا التنظيم الوطني ليس له أي غرض سياسي بقدر ما يسعى إلى تقريب وجهات النظر بين المواطنين وجمعهم على رؤية موحدة لمستقبل الجزائر، فهو يحمل تقاليد الثقافة الوطنية التي تدافع عن ثوابت الأمة ومقدساتها بالدرجة الأولى وتدافع عن المواطن وحقوق الإنسان بصفة عامة،  حاملين في ذلك شعار: "الجزائر شجرة مورقة تُظِلُّ الجميع وهي لا تحجب ظلها حتى عن الحطّاب".

  وقد قدم صاحب المبادرة السيد سعيد بودينار رؤيته المستقبلية والإستراتيجية التي يمكن إتباعها حيث يرتكز برنامج هذا التنظيم الجديد على عناصر عديدة تكون أكثر انسجاما وتنسيقا من خلال تشكيل تنسيقيات ولائية ولجان عمل تتكون من إطارات أو نخبة تتواصل مع الجامعات بالاعتماد كذلك على القاعدة النضالبة التي يكون دورها تجسيد الأفكار ميدانيا،  وعلى حد قوله هو، فالجزائر كانت منطقة صراع منذ الفينيقيين، وعاشت ضغوطات سواء من الداخل أو الخارج مثلما حدث في العراق وآثار النهب للثروات، فما يحدث وراءه أشخاصا تابعين أو يخدمون مصالحهم،  والشعب الجزائري اليوم بحاجة إلى تكوين موحد  وتحقيق وحدة الشعوب، بحكم أن الجزائر ليست منعزلة عن العالم أو تعيش في كوكب مستقل عنه، ولطالما كانت الجسر الذي يربط بين الشعوب ويحقق وحدتهم، والجزائر لعبت دورا محوريا في تحقيق مصير الشعوب وكانت لها مواقف مشرفة وهذه الشروط أو العناصر بإمكانها تحقيق القوة ومواجهة كل التحديات للم الصف .

إن من أهداف هذا التنظيم   تفعيل  المواطنة الحقيقية  وتكريس الديمقراطية التشاركية، مع  وضع خارطة طريق لبناء مجتمع  يتحمل مسؤوليته ويصنع تاريخه بنفسه وبطريقة أكثر عمقا، لأن النزاع القائم حاليا في العالم عميق، وتسعى القوى إلى طمس هوية الشعوب والقضاء على  سيادتها، والجزائر لبست في منأى من هذا الخطر،  فهي مستهدفة، أراد المتحدث في اختتام كلمته أن يلفت انتباه السلطات العليا بأن الجزائر تزخر بطاقات شبانية هي في حاجة إلى من يمسك بيدها ويقودها ويرشدها  حتى تخرج إلى بر الأمان وتكون قادرة على تحمل مسؤوليتها، كما أن هناك طاقات عسكرية أحيلت على التقاعد المبكر، وهؤلاء لم يبلغوا سنّ الأربعين  بع،د ولا زالوا قادرين على العطاء والخدمة، وبإمكان الدولة  أن تستثمر في هذه الطاقات العسكرية لصالح شريحة واسعة من الشباب، حتى يواكب التغيير الذي يشهده العالم وتحقيق آماله  يعتمد قبل كل شيئ على التطبيق الشامل وغير الانتقائي لحقوق الإنسان.

 هذه الرؤية لقيت استحسان المشاركين في اللقاء وهم يستمعون إلى مداخلة صاحب المبادرة سعيد بودينار مرددا بالقول : نحن لسنا مساندين ولا معارضين، بل نسعى لنكون وسطاء ومرافقين لسياسة الدولة إن كانت تخدم مصلحة الوطن والشعب معا، وهذا هو الهدف الأساسي من هذا التنظيم، بالإضافة إلى الدفاع عن مقدسات الأمّة والرد على فرنسا التي خلقت النعرات بين الجزائريين هذا قبائلي وذاك شاوي والآخر إباضي وتشتيت صفوفهم،  فالمبادرات التي تقوم بها الدولة حاليا أضاف المتحدث هي عن طريق المجتمع المدني والمجلس الأعلى للشباب، إلا أن  هذا لا يكفي، لأن بعض الفئات لا تزال تفتقر إلى التجربة الميدانية الكافية للنهوض بالمجتمع ولا تملك رؤية معمقة للواقع  وللمستقبل، كما تفتقر إلى الآليات والميكانيزمات لإيجاد الحلول للمشاكل المطروحة في الساحة وتقديم البدائل، والتصدي للأزمات قبل وقوعها على كل الأصعدة .

***

علجية عيش

 

محمد العباسيكافة أشكال الثورات والانقلابات والاحتجاجات الشعبية والمظاهرات والاعتصامات حول العالم وعبر التاريخ، متى نراها محقة وأهدافها سامية؟  فعبر تاريخ الأمم شهدنا ثورات قامت بها جهات مختلفة ولأسباب متفاوتة وبنتائج كثير منها انتهت بسلبيات وتداعيات كارثية.  بل يمكننا في الكثير من تلك الحالات أن نشهد حجم التدخلات الخارجية سواء لدعمها أو لإجهاضها.. لنعود بعدها نبكي على الزعامات والحكومات المعزولة في ظل التداعيات الكارثية والدمار الاقتصادي والمجتمعي نتيجة الفوضى العارمة التي كثيراً ما تتبع تلك الحركات في ظل افتقار البدائل الانقلابية، بالذات العسكرية منها، لأبجديات السياسة وإدارة الدول.. بل ويشهد لنا التاريخ كيف تنقلب الأمور بعد أن كانت راسخة رغم بعض المظالم إلى حالات من الفوضى والصدامات والحروب الأهلية.

ففي الثمانينات وما قبلها وبعدها شهدت دول قارة أمريكا الجنوبية الكثير من الثورات والانقلابات الكارثية، وكانت الولايات الأمريكية تلعب لعبتها القذرة بين أضلاع هذه الدول، تارة تساند الثوار هنا وتارة تحاربهم هناك، كيفما كانت مصلحتها تستدعي، دون أدنى اهتمام بالشعوب المطحونة.. وطبعا في ظلال الحرب الباردة، كان الإتحاد السوفيتي أيضاً يلعب من خلف الكواليس في دعم هؤلاء أو ردع أولئك، لتستمر الصراعات وتنهك كافة الجوانب دون أدنى مراعاة لعذابات تلك الشعوب وخسائرها البشرية والاقتصادية.. مجرد لعبة مصالح على طاولة "الشطرنج" بين الدول الكبرى.

ناهيك عما فعلته الدول التي تدّعي اليوم نصرتها لحقوق الإنسان والديموقراطية لقرون من الزمان في القارة السوداء، من أقصى شمالها حتى أخمص جنوبها، من استعباد للبشر ونهب للخيرات ومجازر تقشعر لها الأبدان.. وكذلك فعلت بريطانيا العظمى واسبانيا وفرنسا وغيرها في كافة أرجاء الكرة الأرضية حيث أدت سياساتها الاستعمارية للقضاء على شعوب وحضارات بأكملها بدءاً من القارتين الأمريكيتين حتى أستراليا، والمئات من الجزر المنتشرة حول العالم.. وحتى اليابانيين كان لهم تاريخ مظلم في السيطرة على كثير من دول شرق آسيا والتحكم بشعوبها وممارسة أقسى أشكال التفرقة العنصرية والاستعباد والاستغلال.. ولن ننسى أفعال الأمة الروسية في السيطرة التامة بالحديد والنار ضد أغلب الأمم المحيطة بها ضمن ما أصبحت فيما بعد تُعرف بالاتحاد السوفيتي.

فهل يمكننا القول بأن الحركات المناهضة لتلك القوى الاستعمارية كانت خاطئة وقادتها من الوطنيين كانوا خونة فقط لأنهم رفضوا الخنوع والخضوع وتقبل الذل والظلم الواقع عليهم؟   وهل كان قادة الثورات المناهضة للشخوص الديكتاتورية المنصوبة على رؤوسهم من قِبل بعض الدول الكبرى لتسيير مصالحهم مخطئين في اشعال الحركات الشعبية ضد زعمائهم المفروضين عليهم بدعم من القوى الخارجية؟   يبدو لنا جلياً بأنه من منطلق المبدأ العام بأن مثل تلك الثورات كانت محقة في أهدافها.. فالخيانة صفة تنطبق بكل جلاء على تلك الزعامات "المطايا" ممن قد نصبتهم دول وقوى خارجية رغماً عن رغبة الشعوب لتكون خناجر في خاصرة الأوطان.. بل مثل أولئك الزعماء هم وحدهم ومن خلفهم أعضاء حكوماتهم الخانعة يمثلون قمة هرم الخيانة والعمالة وهما صفتان متلازمتان في المدلول السياسي.. وإلى يومنا هذا لم تتخلص الكثير من أمم العالم من هكذا رموز، سواء على مستوى الحكام أو المسئولين المؤتمنين على شعوب بأكملها.. بينما تنزلق الشعوب من قاع إلى قاع.

فمن ليس له عهد ولا امان فهو بطبيعة الحال خائن، وكل من لم يرع عهدهُ فهو خائن.. فالخائن هو من يضر بمصالح وطنه وشعبه وأهله من أجل مال أو نزوة أو سلطة أو مصلحة شخصية أو لإرضاء أطراف أخرى أجنبية على حساب وطنه.  الخيانة لها آثار مدمرة على كافة المستويات، على الفرد ومن ثم على المجتمع.. وهنا أقول المجتمع، فحين تأتي الخيانة من شخص ذو موقع ومسؤولية فالشخص المبدع بالكذب والكثير الغموض والذي يلعب على حبال المجاملات بشكل كبير والذي يبالغ في المدح في غير محله فهذا شخص يحمل صفات الخائن بكل جدارة.. فالخائن هو شخص تتعارض مجمل أفعاله مع القيم السوية وبالتالي يكون أثر ممارساته مدمراً ويتسبب بالضرر لكافة أصحاب الحقوق المستحقة.

لكن، متى تكون الثورات والاحتجاجات عادلة؟ فمثلاً ما تشهده السودان هذه الأيام بالذات، بعد أن قامت الحركات الوطنية بثورتها البيضاء ضد ديكتاتورية حكم "عمر البشير" وتخلصت بعد سنوات من الضياع والعزلة الدولية، بل وفقدت نصفها الجنوبي لتنقسم السودان إلى دولتين، وتكاد بسبب ذلك العهد الغابر أن تنفصل عنها غربها المتمثلة في إقليم دارفور، وشرقها المتأزم المتمثل في تحركات قبائل "البجا"، لتتحول من دولة غنية بالخيرات إلى أربع دول مأزومة بالويلات وتنحرها الصراعات.. وها قد عادت الممارسات للواجهة من جديد لتواجه شفير الهاوية بحركات احتجاجية شاهدة على الانقسامات بشأن إدارة المرحلة الانتقالية، حيث تنظم أطراف متناحرة تظاهرات واعتصامات في خضم أزمة سياسية تشهدها السودان بعد محاولة انقلابية، في وقت لا يزال يعاني فيه السودانيون من تضخم يقترب من الـ400 في المئة.

تشير كافة الأصابع نحو جماعة الإخوان في السودان بعد عزلهم في نخر البلاد عبر حصار العاصمة الخرطوم عبر الولايات الطرفية وذات التأثير الكبير ومن ثم جر البلاد إلى دوامة العنف والوصول إلى مخططهم الفوضوي بعد ضربات متلاحقة لقياداتهم.. وجاءت الاحتجاجات بعد أيام من تلقي الإخوان ضربات موجعة من "لجنة التفكيك" التي صادرت أملاك رموز بارزين واقتحمت فساد الأمن الشعبي، الجهاز السري للحركة الإخوانية السياسية، وطردت المئات من منسوبي الجماعة الإرهابية من مؤسسات الدولة.. ففي 17 سبتمبر الماضي، أعلن سودانيون موالون لـ"محمد الأمين ترك"، زعيم قبائل "البجا"؛ وهي إحدى أكبر المكونات السكانية في شرق السودان؛ إغلاق الميناء الرئيسي للبلاد ووضعوا متاريس و"حواجز" في العديد من المدن والنقاط الواقعة على الطريق الرئيسي الذي تمر به صادرات وواردات البلاد، وكذلك إغلاق خطّي تصدير واستيراد النفط.. وتتصدر مطالب المحتجين لعودة الحياة إلى طبيعتها حل لجنة تفكيك تنظيم الإخوان وهو ما يدعم فرضية تورط فلول الإخوان في تحريك عجلة التصعيد بالمنطقة تحقيقاً لمصالحهم التنظيمية، وخشية أن يقعوا تحت مقصلة اللجنة التي تحظى بدعم شعبي كبير.. كما يطالبون بحل الحكومة الحالية وتشكيل مجلس عسكري جديد يدير البلاد لفترة انتقالية أخرى تعقبها انتخابات، وكذلك إلغاء مسار شرق السودان باتفاقية جوبا.

الوضع في السودان يبدو كأحدث حلقة من حلقات تداعيات الربيع العربي الذي عصف في العشر سنوات الماضية باليمن وسوريا وليبيا ومصر وتونس.. ربما تمكنت جمهورية مصر من الخروج من عنق الزجاجة ولعقت جراحها وتحظى اليوم ببعض الاستقرار.. وربما تفادت تونس أسوأ التوقعات ولم تزل تحاول لملمة الأوضاع.. لكن الصراعات والانقسامات لم تزل تعصف باليمن وسوريا وليبيا ولبنان بلا هوادة.. ومن جانب آخر، لم يزل العراق يعاني من سيطرة الميليشيات المدعومة من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي هي الأخرى خاضت تجربة الانقلاب قبل أربعة عقود ضد حكم الشاه لتقع فريسة لحكم الملالي والسيطرة التامة لعقول لم تزل تؤمن بتصدير الثورات وتفكيك العالم العربي.

وتنقل لنا المحطات الإخبارية صور الاحتجاجات بالصوت والصورة، ونسمع بين ثناياها أصوات المحتجين الذين يرددون مصطلح "السلمية" وينددون بقمع قوات الأمن لهم، بينما هم يلجئون إلى ممارسات أبعد ما تكون عن السلمية.. فالمحتجون يقومون بسد الطرقات وحرق الإطارات ورمي الحجارة وحرق المركبات وتدمير المحلات التجارية وتخريب المقار الحكومية والشرطية.. ورغم كل أفعالهم التخريبية يتوقعون من الأجهزة الأمنية أن تبقى صامتة ولا تتحرك تجاههم بأي شكل من أشكال التدخل للسيطرة على الأوضاع.. ربما تكون المطالب أحياناً محقة ومنصفة، غير أن أغلب تلك الممارسات تشوبها الكثير من التهور والعنف والغوغائية، ويقع بسببها ضحايا من كافة الأطراف، بل ويطال الضرر أهالي المناطق المشتعلة ممن لا ناقة لهم ولا جمل في تلك الأحداث.. بل وربما تحتاج بعض الحركات الاحتجاجية لأن تكون صاخبة بشكل ما حتى تستدعى لفت انتباه وشغف المحطات الإخبارية لتنال مرادها من الضغط على الحكومات بسبب الأضرار الاقتصادية لتتحول تلك الممارسات إلى صورة من صور الابتزاز بالذات حين تتحرك الجماعات الحقوقية الأجنبية "المشبوهة" في تدويل تلك التحركات وبالتالي تضغط هي الأخرى على حكوماتها لممارسة ضغوط دولية تقف مع المحتجين تحت مسميات واهية.. بينما نرى في كثير من الأحيان أن تلك الدول المنادية بحقوق حرية التعبير لا تتهاون مع المحتجين "المخربين" في بلدانها!!

 

بقلم: د. محمد العباسي - أكاديمي بحريني

 

 

 

محمد المحسنلم لا نستجيب للمتغيرات العالمية وتنخرط في التاريخ، ليس بغرض الاستسلام لتراكماته ودراميته البسيطة، لكن لاعادة بلورته وصياغته والفعل فيه! لم ندرك بعد أن الإعلام سلاح متعدد الاغراض ولعل من أخطرها: الاختراق والهيمنة، وهذا ما يستخدمه الغرب ضدنا بدهاء متفاديا الحروب وإراقة دماء جنوده؟! أليس وطننا سوقا للاستهلاك: تجريبا وتخريبا، انطلاقا من إشباعنا بالمواد الاعلامية الهابطة مرورا بسياسة التمييع والتهميش! أليس بامكاننا الارتقاء بالخطاب الاعلامي العربي الى مرتبة التحديات التي يمليها ـ الراهن الاعلامي الكوني طالما ان لأثر يائنا المال والنفط وبريق الذهب، ولمثقفينا الكفاءة الفكرية والأدبية ما يؤهلنا ـ للتموقع ـ في الألفية الثالثة بإرادة فذة وعقول مستنيرة!

إن الحديث عن دور وسائل الاعلام ووظائفها في الوطن العربي لا يزال يريق الحبر الكثير لا سيما وأننا نمر بمرحلة متخمة بالتحديات، حيث يحتدم الصراع بين العرب في ـ الجنوب ـ وبين الغرب ـ في شمال العالم الصناعي المتقدّم بما من شأنه أن يدعونا الى ضرورة تأكيد الذات وإثبات الهوية عبر المحافظة على الأصالة وإنتاج الصورة الحقيقية والفاعلة لحضارتنا ففي ضوء الرؤية العالمية الجديدة للإعلام والتي حوّلته الى مكسب مادي يخضع لقواعد اقتصاد السوق تجد وسائل الاعلام نفسها مدعوة الى مزيد التحرر من قيود السيطرة والبيروقراطية كي يزداد دورها الإيجابي في خدمة الأهداف الوطنية والقومية والإنسانية وحتى تواكب وتعايش قضايا الشعوب واحتياجاتها بصورة أعمق وأقوى. ولعل من خلال طرحنا للتساؤلات التالية نستسيغ مدى أهمية وسائل الاعلام في تفعيل الواقع العربي الراهن محليا واقليميا ودوليا، ومدى قدرتها على مواكبة الراهن الاعلامي الكوني:

ـ الى أي حد يمكن تخصيص قسط من الموارد المتاحة للدولة قصد استثماره في بناء ودعم النظام الاعلامي ؟

ـ ما هو مدى الحرية التي يمكن تقريرها لوسائل الاعلام أو ما هي حدود الرقابة على هذه الوسائل ؟

ـ هل للقطاع العام كما للقطاع الخاص دور فعال في التنمية الاقتصادية لوسائل الإعلام ؟

ـ ما هو مدى التماثل والتوافق المطلوب ؟

-وما هو مدى التغاير والتنوع المسموح به ؟

إن طرح هذه الأسئلة قطريا وعربيا أمر مؤكد، فالإعلام وفي عالم ما فتئت تزداد فيه الفجوة بين الدول المتقدمة والنامية حيث يختل التوازن في تبادل الأنباء والأفكار فيما بينها، يحتاج الى أن يرتفع الى المستوى الاقليمي لمواجهة التسلط المفزع لوسائل الاتصال في الدول المتقدمة، مما يستوجب رؤية مغايرة لما عليه نظامنا الاعلامي اليوم، إذ لا بد من ايجاد معادلة حتى ولئن كانت عسيرة بين إتاحة المجال لاختلاف الآراء وتنوعها وإتاحة تلقي أفكار الثقافات المتعددة وتداولها، وبين ضرورة المحافظة على القيم الأصيلة للشعب وذاتيته القومية، فالتجربة أثبتت أن التناقضات سافرة، بين ما تمنحه دساتير معظم البلدان العربية من حريات: حرية التعبير وحرية الصحافة، وبين ما يشهده الواقع من ممارسات للتضييق على الصحافة وللحد من مقدار الحرية التي تتنفس من خلالها، وظلّت تبعا لذلك الشكوك تحوم حول إمكانية أداء الإعلام العربي لوظيفته المطلوبة وهي إشاعة الحرية والديمقراطية في الحياة العربية. إن الحاجة تدعو الى ترابط المواطنين وتجانس أفكارهم حول الأهداف الوطنية المطروحة، والإعلام له دور بالغ الأهمية في تشكيل الذاتية الوطنية وتقوية وحدتها والتصاقها حول أمهات القضايا، مثل الموقف الاعلامي من الصراع العربي ـ الاسرائيلي في كل أقطار الوطن العربي، كما أن له دورا فعالا في صياغة العلاقات بين الأقطار، فتوتر الأوضاع بين الدول العربية مردّه سوء استخدام وسائل الإعلام، وكذا ـ ايغال ـ بعض المؤسسات الاعلامية العربية في ـ النرجسية وجنون العظمة ـ الى درجة تجعلها تلفق التهم، تسوق الأوهام والأراجيف و ـ تسيء ـ بالتالي ـ دون وعي منها ـ لدولة عربية تصاغ قراراتها السياسية وتنجز مشاريعها التنموية تحت شعاع الشمس ـ وذلك تحت شعار ـ مخاتل ـ: الرأي والرأي الآخر!

ان عجزنا على اقتحام قنوات الاعلام العالمي التي ـ تصهينت ـ لا يبرّر تقصيرنا في الاهتمام بذاكرتنا والتأسيس لهويتنا ودعم ثقافتنا والتنبيه لمخاطر المد الاعلامي المعولم الذي يهدف الى تخريب القيم الأصيلة للمجتمع وتهميش سلوكيات الأطفال وأخلاقيات الشباب بسبب ما يعرضه من برامج تهدف الى خدمة الغرب وتكريس صورته في عيوننا وهي التي نستوردها من أوروبا وأمريكا لدرجة ثبت معها أن تلك البرامج أكثر تدميرا من أي عامل مؤذ آخر ولعل في قولة ـ غسان كنفاني ـ خير دلالة لما نروم الاشارة إليه: إن الفن الذي ينظر إليه بعض الشباب الآن تحت أي شعار كان لا يقل خطورة عن السلاح الرديء…

ومن هنا يجوز القول إن الإعلام العربي بوسعه أن يرتفع الى مستوى مسؤوليته، إذا ما استخدم على نحو رشيد في تكريس رسالته لخدمة الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والإنمائية وهو بالتالي قادر على أداء مسؤولياته في مختلف المجالات وأن يكون أفضل أداة لتحقيق الديمقراطية وأبلغ لسان في التعبير عنها، بدلا من نشر الأكاذيب وانصاف الحقائق… ومن ثم المزايدة على ـ بلد عربي ـ ينحت دربه الحضاري بإرادة سياسية فذة، وتفاؤل خلاّق، ويؤسس بالتالي للارتقاء بحقوق مواطنيه ـ فكرا وممارسة ـ الى منصة الاحترام الدولي.

 

محمد المحسن - كاتب صحفي تونسي 

 

 

سليم مطريتوجب اولا التوضيح والتأكيد على اننا لا نتكلم عن (الدولة العباسية والسلالة العباسية)، بل عن دور العراق والعراقييـن في تلك الحقبة في صنع الحضارة، في بغداد والكوفة والبصرة والموصل. تماما كما نتكلم عن الابداع العراقي في زمن البعثيين، فلا نخلط البعث مع الكتاب والشعراء والمغنين والرسامين في تلك الحقبة، امثال: الجواهري والتكرلي وفاضل عواد والعطار.. الخ. كذلك مثلا عند الحديث عن السعوديين كشعب، وليس كعائلة حاكمة. وهذا ينطبق على كل تاريخ البشرية: هنالك الدولة الحاكمة، وهنالك الشعب بثقافته وهويته.

يلاحظ في السنوات الاخيرة سيادة الاهتمام بالمرحلة الحضارية النهرينية (السومرية ـ الاكدية) وهذا امر جيد. ولكن المشكلة ان هذا يتم من خلال التغييب شبه الكامل للمرحلة العباسية التي تعتبر أزهى واقرب حقبة حضارية في تاريخنا، وقد دامت خمسة قرون من نهضة ابداعية حضارية، احيا خلالها العراقيون ميراث اسلافهم في (سومر وبابل ونينوى)، لكن في معاقل حضارية جديدة: (بغداد والكوفة والبصرة والموصل).

علما بأن الجزء الاعظم من هويتنا الحالية: تراثنا ومذاهبنا ولهجاتنا وعاداتنا وطراز بيوتنا ومعالمنا وحتى اكلاتنا وثيابنا، مرتبطة بهذه الحقبة، ومع ذلك نصر بعناد على تجاهلها؟!

طبعا هنالك اسباب عديدة لديمومة هذا التجاهل منذ سنوات طويلة، منها:

1ـ بما ان هذه الحقبة الحضارية العراقية مرتبطة بالاسلام، فتم ربطها بسذاجة وسطحية باجتياح جماعات الاسلام السياسي والتعصب والتطرف والعنف في وقتنا الحالي. وهذا خلط خبيث بين الدولة العباسية الحاكمة(بمحاسنها وعيوبها مثل كل دولة) والعراق كشعب وحواضر ابداعية عظمى.

2ـ اما السبب الاهم والاخطر فيتمثل بـ(الفيتو) الذي يفرضه الاسلاميون الشيعة والسنّة ضد هذه الحقبة الحضارية. فالشيعة اختصروا القرون الحضارية العظيمة فقط بمقاتل العلويين والبكائيات واللطميات؟؟! رغم ان الشخصيات الشيعية قد ساهمت بدرجة كبيرة بصنع هذه الحضارة، بل ان كبار مبدعي هذه الحضارة هم من الشيعة، ثم ان التشيع فقها ومذهبا ومدارسا ومراجعا نشأ بفضل المثقفين العراقيين في تلك الحقبة. فهل من المعقول احتساب كل هذا على (العباسيين)؟؟!!

اما الـ(السنّة السلفية) فأنهم يرفضون كل شيء حضاري وابداعي فني وادبي وفلسفي، لانه يشجع على المروق ويسيء الى طهارة ونقاء الاسلام وميراث السلف الصالح؟؟!!

3ـ هنالك ايضا (القوى الحداثية الداخلية) المدعومة غربيا، التي تصر على استمرار ضعفنا وتناحرنا من خلال قطعنا عن تراثنا الحضاري الاقرب والحي، وربطنا فقط بـ(تاريخ نهريني) بعيد وبعيد رغم عظمته، الا انه لا يمس مباشرة حياتنا الروحية وهويتنا الحالية.

إذن كي لا يُفسر كلامنا بغير معناه، نختصر القول:

ـ نعم ثم نعم، لنعتز ولنثقف بتاريخنا النهريني، وانا من بين اوائل من طالب بذلك.

ـ ولكن ايضا ثم ايضا ثم ايضا، لنعتز ونثقف بتاريخنا العباسي وحضارتنا العراقية التي رغم صبغتها العربية الاسلامية الا انها كانت مرحلة حضارة وطنية بامتياز، ليس فقط لانها نشات وازدهرت في حواضر العراق: (بغداد والكوفة والبصرة والموصل)، بل ايضا لأن جميع اهل العراق قد شاركوا فيها وانتموا اليها: سريان مسيحيون، ويهود وصابئة وحتى الارمن، بالاضافة الى العرب والاكراد والتركمان..

ملاحظة: هنالك العشرات من مجموعات الفيسبوك المتخصصة بتاريخ العراق النهريني.. ولكن ليست هنالك مجموعة واحدة عن هذه الحقبة الحضارية العراقية العباسية!؟

صحيح هنالك مجموعات عن الحقبة العربية الاسىلامية، لكنها جميعها لا تتحدث الا عن الحروب والغزوات ومحاربة الكفار.. الخ..

نحن بحاجة الى  تكوين مجموعات متخصصة بـــ: نوابغ العراق ودورهم في صنع الحضارة العربية الاسلامية. أي مجموعات متخصصة فقط بالموضوع الحضاري، وليس بالقيل والقال عن مقتل فلان وغزوة فلانة وفتوحات علان .. فقط فقط فقط النشاط الحضاري الذي يحتاج الى مئات الكتب للحديث عنه.

لمن يرغب بمعرفة جوهر حضارتنا العراقية العباسية، وقائمة باسماء مبدعينا العراقيين الكبار في هذه الحقبة العباسية، ليطالع كتابنا الحالي(تاريخ العراق)، او دراستنا في موقعنا:

الدور العظيم والمنسي للعراقيين في صنع الحضارة العربية الإسلامية

https://urlz.fr/h14t

 

سليم مطر ـ جنيف

 

  

عبده حقييشير مصطلح "دولة الرفاهية" إلى شكل من التدبير الحكومي تلعب فيه الدولة الوطنية دورًا رئيسيًا في حماية وتعزيز الرفاه الاقتصادي والاجتماعي لمواطنيها. تقوم "دولة الرفاهية" على مبادئ تكافؤ الفرص والتوزيع العادل للثروة على جميع المواطنين غير القادرين على الاستفادة من الحد الأدنى من شروط الحياة الكريمة وتوفير الضمان الاجتماعي، وبرامج التأمين ضد البطالة، ومساعدات الرعاية الاجتماعية للمواطنين غير القادرين على العمل، وهذه كلها أمثلة تجسد ركائز دولة الرفاهية.

تمارس معظم الدول الحديثة بعض هذه العناصر فيما ما يعتبر دولة الرفاهية. وبالتالي يتم استخدام هذا المصطلح في كثير من الأحيان بمعنى ازدرائي لوصف الحالة حيث تخلق الحكومة المعنية حوافز ليس لها معنى، مما يجعل الشخص العاطل عن العمل يستفيد من مساعدات الرعاية الاجتماعية ويكسب أكثر من الشخص الكادح . أيضا يتم أحيانًا انتقاد دولة الرفاهية باعتبارها "دولة مربية" يتم فيها تدليل المواطنين المسنين ومعاملتهم مثل الأطفال.

لقد أصبحت دولة الرفاهية هدفا للسخرية حيث في ظل هذا النظام، فإن رفاهية مواطنيها هي مسؤوليتها بالدرجة الأولى. بعض البلدان تقدم مفهوم "دولة الرفاهية" هذا على أنه يعني تقديم تعويضات مالية على البطالة وفقدان الشغل ومساعدات الرعاية الاجتماعية على المستوى الأساسي، بينما تأخذها دول أخرى إلى أبعد من ذلك بكثير من خلال الرعاية الصحية الشاملة، والدراسة الجامعية المجانية، وما إلى ذلك. وعلى الرغم من أن معظم الدول تقع ضمن طيف أنشطة "دولة الرفاهية" مع وجود عدد قليل من الرافضين لهذا المصطلح بين الدول الأكثر تقدمًا، إلا أن هناك الكثير من الخطابات المشحونة عندما يثار هذا المصطلح في الحوارات .

وعلى الرغم من أن المساواة العادلة بين المواطنين ومستوى المعيشة الذي توفره الدولة للفقراء يعود تاريخه إلى ما هو أبعد من الإمبراطورية الرومانية، فإن دول الرفاهية الحديثة والتي تجسد أفضل مثال على الصعود والانهيار التاريخي لهذا المصطلح هما دولتا بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية . حيث منذ الأربعينيات إلى السبعينيات من القرن الماضي، ترسخت دولة الرفاهية في المملكة المتحدة استنادًا إلى تقرير بيفيردج مما أدى إلى تطور في العمل الحكومي ليحل محل الخدمات التي كانت تقدمها الجمعيات الخيرية والنقابات والكنيسة في السابق . في الولايات المتحدة الأمريكية، وضع الأساس الذي قامت عليه دولة الرفاهية من خلال الكساد الكبير والثمن الباهض الذي دفعه الفقراء والعمال خلال هذه الفترة.

من جهته فقد تطور نظام دولة الرفاهية في بريطانيا على الرغم من بعض المعارضة الحماسية من قبل مارجريت تاتشر في الثمانينيات، واستمر حتى اليوم على الرغم من أنه يحتاج في كثير من الأحيان إلى إعادة الهيكلة والتعديلات لمنعه من التعثر بشكل كبير. من جانبها لم تذهب الولايات المتحدة الأمريكية أبدًا إلى حدود المملكة المتحدة، ناهيك عن دول أخرى مثل ألمانيا أو الدنمارك، وقد حقق رونالد ريغان نجاحًا أكبر بكثير من مارغاريت تاتشر في تقليص دور الحكومة. الكثير من الناس ينظرون إلى معدلات النمو الاقتصادي المختلفة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة خلال الفترات التي ازدهرت فيها دولة الرفاهية وتعثرت للتوصل إلى استنتاجات حول ما إذا كانت جيدة أو سيئة على الأمة ككل.

إذا كان من المؤكد أن الدولة نادرًا ما تكون الوكيل الأكثر فعالية من حيث التكلفة لتقديم البرنامج، فمن المؤكد أيضًا أنها هي المؤسسة الوحيدة التي يمكن أن تعتني بجميع مواطنيها دون أن تدفع للقيام بذلك كجزء من أجندة أخرى . إن إدارة دولة الرفاهية محفوفة بالصعوبات، ولكن من الصعب أيضًا إدارة أمة تكافح فيها قطاعات كبيرة من السكان للحصول على الغذاء والتعليم والرعاية اللازمة لتحسين أوضاعهم الشخصية.

 

عبده حقي

ترجمة بتصرف

 

(انتم لديكم دبابات.. وانا لدي أغاني، ومن سوء حظكم أن الامريكان لم يخترعوا دبابة تستطيع قتل الأغاني، أنا أقوى منكم، الان الزمن بستهلك الدبابة، ويزيد الأغاني قوة).. ميكس تيودواركس المناضل الشيوعي اليوناني

أصبحت كلمتا الديمقراطية وحقوق الانسان تستخدما في الوقت الحاضر، للمزايدة والمتاجرة السياسية من قبل الامريكان والدول الغربية السائرة في فلك الامبريالية الأمريكية والصهيونية العالمية، ففي الثامن من ديسمبر كانو الأول لعام 2021، نظم الرئيس الأمريكي جو بايدن (قمة من أجل الديمقراطية ) عبر لقاء منلفز، وذلك بسبب من جائحة كرونا، التي لازالت مخيم وتجول على العالم، ضم هذا اللقاء ممثلين عن مايقرب مائة دولة ومنظمات غير حكومية، وهذا المؤتمر أخذ منحى آخر هو الهجوم على جمهوريتي الصين الشعبية وروسيا الاتحادية، وكما تدعي الولايات المتحدة الأمريكية هو الكشف عن الصراع بين الديمقراطيات والانظمة الدكتاتورية والاستبدادية، حقا ان هذه القمة مدعاة للسخرية من قبل الشعوب التي تعرف جيدا عن الديمقراطية ومدى التزام الولايات المتحدة الأمريكية بحقوق الانسان، وبحق الشعوب بأختيار أنظمتها، لا أريد الخوض في التاريخ لكي أتحدث عن ما قامت به الامبريالية الأمريكية ايام سيطرتها على أصحاب الأرض فيها وأسمتهم بالهنود الحمر بعد ان قدموا المستوطنين من اوربا ليسكنوا هذه الارض المكتشفة حديثا، لقد أقاموا المجازر ضد السكان الاصلين، مستخدمين شتى الاساليب التي تمس حقوق الانسان من أجل القضاء عليهم ومنها اساليب الحرب الجرثومية لقتل الهنود الحمر، ولنرجع الى التاريخ الحديث في اواسط القرن العشرين المنصرم، لنتذكرالحرب العالمية الثانية عندما استخدموا الامريكان سلاحهم الجديد في ضرب مدينتي هيروشيما وناكازاكي بالقنبلة الذرية مما أدىالى قتل الملاين من السكان المدنين، والتي لازالت اليابان تعاني من الامراض السرطانية والامراض الوراثية وبعد ذلك شنت الحروب على كوريا بعد ان أستقلت كوريا الديمقراطية بقيادة مؤسسها كيم ال سونغ , هذه الحروب شنت من قبل المستعمر الفرنسي والامريكي واستخدمت فيها كل الأسلحة المصنعة حديثا، وكان للشعبين السوفيتي والصيني الفضل الكبيرفي مساعدة الشعوب كما جرى في الحرب ضد فيتنام في معارك تحرير فيتنام وتوحيدها بقيادة الزعيم الشيوعي هو شي منه وهزيمة الولايات المتحدة الأمريكية بجيشها وعملائها من خونة الوطن والشعب الفيتنامي، وانا التدخلات في شؤون البلدان في مناطق متعددة من العالم، على سبيل المثال اقدمت على اسقاط حكومات وطنية كما جرى في أيران مع حكومة محمد مصدق والعراق مع حكومة عبد الكريم قاسم واندنوسيا مع حكومة أحمد سوكارنوا، ومع حكومات في أمريكا الاتينية في زعزة الاستقرار وفرض الحصار والنامر بقتل القادة كما في كوبا والبرازيل ونيكاراغوا وفي تشيلي ومقتل الدكتور الليندي واليوم يعود اليسار الى السلطة بعد فوزهم في الانتخابات وانتخاب الشاب القائد الطلابي السابق غبريل بوريك، وعودة اليسار الى الكثير من البلدان الاتينية، واليوم يدعون نصرة الشعوب، من دفع السعودية الى دفع الاموال لشراء الاسلحة وارسالها الى القاعدة وكذلك ما يسمى بالمجاهدين في افغانستان لمحاربة السوفيت والذين دخلوا الى كابول يطلب من الشرعية انذاك حكومة الدكتور نجيب الله، دمرتم المجتمع الافغاني وجاء المتخلفين الطالبان الى دفة الحكم وبرعايتكم، وبالامس خرجتم بعد حرب طالت عشرون عاما، وتركتم البلد في فوضى، واما الشرق الاوسط فلعبتم اقذر الادوار بتوجبه تهم كاذبة الى العراق بحجة وجود سلاح دمار شامل وكذلك صلة النظام بالقاعدة في أفغانستان وخرجتم على العالم بهذه الاكاذيب لتدمير دولة العراق وانهاك شعبه في فوضتكم الخلاقة كما ادعت كوندليزا رايس .و بعدها خرج كولن باول ليعتذر عن أكذبوبة جئتم بها، ولاينسى شعبنا العراقي ما قام به مرتزقتكم في ما يسمى ب قوات بلاك وتر وما رتكبت من مجازر بحق العراقيين في ساحة النسور والبصرة وغيرها من مدن العراق، والان تسمى هذه المنظمة العسكرية اليوم ب اكاديمي ومؤسسها هو الأمريكي اريك برينس . امامجازر سجن ابو غريب شاهدها العالم على شاشات التلفزة وما فيها من اعمال يندى لها جبين الانسانية، وما تشكيلكم للدواعش بما يسمى ب دولة العراق والشام الاسلامية وهي صنعتكم كما صرح بذلك الرئيس السابق ترامب بأن السيدة هنري كلنتن هي من غذتها وجهزتها لتدمير سوريا والعراق . ان الدينار والخراب الذي اصاب بلدي العراق والمعانات المستمرة احد اليوم على يد الحكومات التي نصبتموها ومليشياتها تقع المسؤولية عليكم، وما تقدم لايحق السيد جو بايدن ولغيره من القيادة الأمريكية ان تدعي الديمقراطية وحقوق الانسان، أين انتم مما يقع اليوم في فلسطين المحتلة من قبل دولة الكيان العنصري الصهيوني من قتل للشعب وتهجبره وتدمير بيوتهم على ساكنيها واعتقال الاطفال والنساء، الستم من وقعتم على الحق للشعب المحتل بالمقاومة . يكفي كذبا ومتاجرتا بالديمقراطية وحقوق الانسان .

 

محمد جواد فارس - طبيب وكاتب

‎2021-‎12-‎22

 

عدنان ابوزيدهل يعمل جميع خريجي المعاهد والجامعات، في مجالات اختصاصهم، في الدول المتقدمة؟، وهل الحكومة هي التي تتكفّل بتعيينهم، ام انهم يكافحون، ويتنافسون بندّية من أجل الظفر بوظيفة؟.

سؤال سيكون مهما، لو رصدنا ان الخريجين في العراق يعتقدون ان خريجي دول أوربا المتقدمة والولايات المتحدة، واليابان، والصين وروسيا، يمارسون اختصاصاتهم التي درسوها ويتدفقون الى سوق العمل، لمجرد انهم حاملو شهادات.

دراسة للبنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك حول سوق العمل لخريجي الجامعات، تفيد بأن 27 بالمائة فقط من حاملي درجة البكالوريوس يعملون في وظائف "مرتبطة بشكل مباشر" بتخصصهم فيما 62 بالمائة فقط منهم لديهم وظيفة تتطلب شهاداتهم، ما يعني أن عددًا كبيرًا جدًا من الأمريكيين من ذوي التعليم المتقدم، تضيع امتيازاتهم الدراسية ومواهبهم العلمية في سوق العمل.

لعل أكبر كذبة متداولة، ان الدول المتقدمة تقدّم الاغراءات والعروض المغرية لأصحاب الشهادات من الأجانب، لكي تسحبهم من بلدانهم، فيما الواقع ان هؤلاء الخريجين وأصحاب الخبرات والمواهب هم الذين يهاجرون الى تلك الدول بحثا عن فرص العمل.

الذي يعيش في تلك المجتمعات، يعرف جيدا، وبعيدا عن التنظير، والتلفيقات الزائفة، ان هناك أطباء يبحثون عن فرص عمل، وان خريجي اقتصاد يعملون في مجال الرياضة، وان طلاب جامعات يعملون في المطاعم.

يشير بحث أجرته جامعات المملكة المتحدة إلى أن واحدًا من كل ثلاثة خريجين ينتهي بهم الأمر إلى "عدم التطابق" مع الوظائف التي يجدونها بعد ترك الجامعة، لهذا السبب تكثر الاعمال والوظائف الطوعية، لاكتساب المهارات وتجارب العمل، والدورات التدريبية، لكن الفرق ان العاطلين في الدول المذكورة انفا، لهم رواتب مجزية من الضمان الاجتماعي، تنتهي حال الحصول على وظيفة.

والجامعات في الغرب، لا تخرّج فقط، بل هي مشارك فعال في إيجاد الوظائف، عبر الدورات التدريبة لسد "فجوة الخبرة"، بمساعدة التمويل الحكومي لدعم تطوير المهارات، حيث يفضّل العديد من أرباب العمل توظيف الشباب الذين أمضوا أعواما في العمل.

لا تبدو ثمة علاقة بين جامعات العراق وسوق العمل، فمهمتها هي تفريخ الآلاف من الخريجين سنويا، الذين لا فرصة لهم في التوظيف غير المسار الحكومي، وفي حين ان الجامعات في العالم المتقدم تقود الصناعة والبحوث والوظائف، فان جامعات العراق لا تتجاوز دور "التفقيس" لخريجين بمستويات علمية لا تبعث على الفخر في الكثير من الحالات.

لكي نستفاد من التجارب الناجحة، ينبغي دراستها وتطبيقها، ومن ذلك ان تصنيفات التوظيف في تايمز البريطانية للتعليم العالي، والتي تقيس آفاق الخريجين لكل جامعة رئيسية حول العالم، تفيد بهيمنة جامعات الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وهولندا و فرنسا وألمانيا وأستراليا والصين وكندا على المراكز الأولى في قدرتها على إقامة علاقات موثوقة مع ارباع العمل، والشركات الكبرى، ما جعلها لا تمنح الشهادة فقط، بل والوظيفة ايضا. 

 

عدنان أبوزيد

 

حسن الحضريتسعى الأنظمة السياسية إلى فرض وجودها، والتأسيس لبقائها قدر ما تستطيع؛ وفي سبيل ذلك يعمل كل نظامٍ منها في عددٍ من المحاور التي يُوليها اهتمامه، بحسب طبيعته وطبيعة الدولة التي يحكمها، والوسائل المتاحة له، والوسائل الأخرى التي يمكنه إيجادها والعمل من خلالها؛ والنظام القوي الناجح هو الذي يطوِّر منظومته من أجل العمل في ظل ما هو متاح من إمكاناتٍ ومقدَّرات، وغالبًا يُكتَب له النجاح في هذه الحال.

أما الأنظمة الضعيفة الفاشلة فإنها تحاول أن تُخفي ضعفها وفشلها، وتظهر في صورة مزيفة، لذلك يكون منهجها غير متوافقٍ أبدًا مع الإمكانات والمقدَّرات المتاحة على أرض الواقع؛ فهي لا تريد سوى فرض سيطرتها، والظهور بمظهر القوي الناجح، ومن أجل ذلك تخوض في عدد من المشروعات الوهمية أو غير ذات الجدوى، التي لا طائل من ورائها سوى إهدار المال العام، وإغراق الدولة في بحرٍ من الدُّيون الخارجية، التي تجعلها فريسة سهلة للدول الدَّائنة، إضافة إلى إرهاق الناس وإنهاكهم بضرائب كبيرة غير مناسبة وغير مبرَّرة بشيء سوى تلك الأسباب العبثية، التي تجهر بها الأنظمة الحاكمة أو تخفيها أو تدَّعي ما يبدو لها من ادِّعاءات كاذبة تستخفُّ بها الناس.

ومما تفعله بعض تلك الأنظمة الحاكمة في الدول النامية، ويدل على قصور رؤيتها الاستراتيجية؛ أنها تهدر ميزانياتٍ ضخمةً في تنفيذ مشروعات غير مدروسةٍ دراسةً علمية صحيحة، تقوم بتنفيذها في غير موضِعها الصحيح؛ مثل إحاطة المدن والقرى بعددٍ ضخمٍ من الكباري والطرق العلوية الداخلية والخارجية، التي لا جدوى لكثيرٍ منها؛ وإنما أُنشِئت لأغراضٍ سياسية محضة، وكذلك إهدار المال العام في بناء منشآت لا يستخدمها أحد سوى النظام الحاكم؛ الذي هو غنيٌّ عنها ولديه البدائل الموجودة والمتاحة، لكن النظام الحاكم حين يكون ضعيفًا أو فاشلًا؛ لا يجد شيئًا يتستَّر خلفه سوى مثل تلك المشروعات العبثية، التي يحاول أن يصنع لنفسه بها شيئًا من الهيبة، أو يضع بها حاجزًا بينه وبين الناس؛ حتى ينظروا إليه بعينِ الضعيف المستضعف إلى القوي الشجاع.

ومن ذلك أيضًا رصف الطرق في شوارع ومناطق مكتظة بالسكان، دون وضع إشارات للمرور، أو العمل على تنظيم سير السيارات والمَركبات في تلك الطرق والشوارع التي لا يفرِّق قائدو المركبات بينها وبين الطرق السريعة؛ بعد أن اعتادوا العشوائية حتى أصبحت جزءًا من نظام حياتهم غير المنظمة؛ إضافة إلى سوء تخطيط المدن الجديدة التي يتم إنشاؤها، وغير ذلك من مشروعات يتم فيها إهدار ميزانيات ضخمة من المال العام، ثم تكون نهايتها الفشل.

ولا يخفى أن بعض تلك الأنظمة السياسية الحاكمة تهدف من وراء مشروعاتها الاستراتيجية هذه؛ إلى الظهور أمام العالم بمظهر غير حقيقي، كالمتشبِّع بما لم يُعطَ، فهي تحاول تقليد الدول المتقدمة من حيث المظهر، دون أن تتوافر لديها قدرات تلك الدول؛ وتلك المشروعات التي تستنزف المال العام؛ لا تَتَناسب أبدًا مع المستوى المعيشي للسكان، وكان الأَولى لتلك الأنظمة أن تسعى إلى تنفيذ مشروعات حيويَّة يرتفع بها متوسط الدَّخل، ويتحسن مستوى المعيشة.

وفي الأغلب الأعم تكون رؤوس هذه الأنظمة الضعيفة الفاشلة؛ عسكرية الطابع، والعسكريون في الأغلب لا يصلحون للسياسة؛ والصفات القيادية لا علاقة لها أبدًا بالجانب العسكري؛ فما هو إلا جانب من جوانب كثيرة تتطلَّبها القدرات السياسية والإدارية، وقد يكون الإنسان عسكريًّا كفؤًا لكنه ضعيف إداريًّا، قاصر الرأي، وهؤلاء العسكريون الذين أثبت الواقع فشلهم السياسي؛ لم ينتبهوا إلى قول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يتشاور مع المسلمين في من يلي الأمر مِن بعده، فذكروا له سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- وسعدٌ أحد العشرة المبشَّرين بالجنة، وكان النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُفَدِّيه بأبيه وأمه؛ «عن عليٍّ رضي الله عنه، قال: ما سمعتُ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- جمع أبويه لأحدٍ إلا لسعد بن مالك؛ فإنِّي سمعتُه يقول يوم أُحُد: «يا سعدُ؛ ارمِ، فِداكَ أبي وأمِّي» [متفق عليه]، فلمَّا ذكروه لعمر -رضي الله عنه- قال: «ذلك يكون في مِقْنَبٍ من مَقانبكم» [«فصل المقال» لأبي عبيدٍ البكري (ص 112)]؛ والمِقنب هو جماعة الخيل والفرسان؛ أي: إنه رجُل حربٍ وقتالٍ وليس رجُل سياسة.

فالرؤية الاستراتيجية الصحيحة واجبة وضرورية في الحياة السياسية؛ حتى يستطيع الحاكم أن يؤدي دوره نحو بلده، والتوجيه الاستراتيجي موجود في القرآن الكريم؛ من ذلك قول الله تعالى: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (78) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) [الأنبياء: 78- 79]؛ فقد رُوِيَ أن «الغنم نفشت في الكَرْمِ ليلًا، فلم يصبح فيه ورقة ولا عُود إلا أكلته الغنم، فاختصموا إلى داود -عليه السلام- فقضى بالغنم لأصحاب الكرم، فقال له سليمان عليه السلام: أوَغيرَ ذلك يا نبي الله؟ تُعطي لأصحاب الكرم الغنم فيصيبون من ألبانها ومنفعتها، ويعالج أصحاب الغنم الكرم، حتى إذا عاد إلى هيئته؛ دفعت إلى هؤلاء غنمهم، وإلى هؤلاء كرمهم» [انظر «تفسير مجاهد» (ص 473)]، فهذه الآية الكريمة فيها توجيه إلى التعامل الاستراتيجي الصحيح في وضع حلول ناجحة للمشكلات والمعضلات.

وقد كان النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- يتشاور مع أصحابه -رضي الله عنهم- في الأمور الاستراتيجية كغيرها من سائر أمور الأمَّة؛ رُوِيَ أنه «لمَّا كان غزوة تبوك؛ أصاب النَّاسَ مجاعةٌ، قالوا: يا رسول الله؛ لو أذنتَ لنا فنَحَرنا نَواضِحَنا، فأكلنا وادَّهَنَّا؛ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «افعلوا»، فجاء عمر، فقال: يا رسول الله؛ إن فعلتَ؛ قلَّ الظَّهر، ولكن ادعُهُم بِفَضلِ أزوادهم، ثم ادعُ الله لهم عليها بالبركة؛ لعلَّ الله أن يجعل في ذلك؛ فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «نعم»، فدعا بنطعٍ، فبسطه، ثم دعا بفضل أزوادهم، فجعل الرجل يجيء بكفِّ ذُرةٍ، ويجيء الآخر بكفِّ تمرٍ، ويجيء الآخر بكِسرةٍ، حتى اجتمع على النِّطع من ذلك شيء يسيرٌ، فدعا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- عليه بالبركة، ثم قال: «خُذوا في أوعِيَتِكم»، فأخذوا في أوعيتهم، حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملؤوه، فأكلوا حتى شبعوا، وفضلتْ فَضلةٌ» [أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 56 برقم 27)]، وهذا الحديث فيه المشورة الاستراتيجية التي أشار بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقَبِلَها النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم.

إن التخطيط الصحيح يقتضي الاهتمام بالأمور التي هي أولى وأهم، ثم الأمور الأقل أهمية؛ والنظام السياسي الذي يعمل على تنفيذ مشروعات تدرُّ عائدًا ماديًّا على المواطنين، ثم يتَّجه إلى الرفاهيات والكماليات بعد ذلك؛ هو أفضل وأقوى من النظام الذي يسلب المواطنين أموالهم وقُوتَ يومهم في صورة ضرائب ونحوها، من أجل تنفيذ مشروع ترفيهي يجمِّل به المظهر الخارجي للدولة.

وكم من حاكمٍ عادلٍ أو سياسيٍّ ناجحٍ؛ وَلِيَ دولة فقيرة من المال والثروة، واستطاع أن ينهض بها إلى ويضعها في مصافِّ الدول الغنيَّة المتقدمة؛ فالفقر الحقيقي ليس فقر الثروة؛ وإنما هو الفقر الفكري والخُلُقي؛ فإذا عمل النظام الحاكم من خلال منهج فكري صحيح، وتمسَّك بأخلاق العدل والشورى؛ فلا شك أن النجاح حليفه حينئذ مهما كانت صعوبة الحال التي يمرُّ بها.

والسُّنَّة النبوية الشريفة ملأى بالتوجيهات الاستراتيجية، التي لو استمدَّت منها الأنظمة الحاكمة؛ لعبرت بشعوبها إلى طريق الرخاء والازدهار؛ ومن ذلك ما رُوِيَ «أنَّ رجلًا من الأنصار، جاء إلى النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يسأله، فقال: لكَ في بيتِكَ شيءٌ؟؛ قال: بلى؛ حِلسٌ نلبس بعضه ونبسط بعضه، وقدح نشرب فيه الماء؛ قال: ائتني بهما؛ فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- بيده، ثم قال: مَن يَشتري هذين؟؛ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم؛ قال: مَن يزيدُ على درهمٍ؟؛ قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين؛ فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين، فأعطاهما الأنصاري، وقال: اشتَرِ بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشترِ بالآخرِ قَدومًا فأْتِني به؛ ففعل، فأخذه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فشَدَّ فيه عُودًا بيده، وقال: اذهَبْ فاحتَطِبْ، ولا أراكَ خمسةَ عَشَرَ يومًا؛ فجعل يحتطب ويبيع، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فقال: اشترِ بِبَعضِها طعامًا، وبِبَعضِها ثوبًا» [أخرجه ابن ماجه في سننه (2/ 740 برقم 2198)].

فهذا الحديث الشريف فيه أفضل توجيه استراتيجي للتعامل مع الفقر والحاجة، ولو عملت به الأنظمة الحاكمة في الدول الفقيرة؛ لأغناها الله من فضله، واستطاعت أن تفيق من كبواتها المادية التي تسيطر على أبنائها.

 

حسن الحضري

عضو اتحاد كتاب مصر

 

 

كريم المظفربسبب التطورات السياسية والعسكرية المتوترة بين روسيا من جهة، وحلف شمال الأطلسي (الناتو) والولايات المتحدة من جهة أخرى، فقد عقد الإجتماع السنوي لهيئة وزارة الدفاع الروسية هذه المرة بظروف استثنائية متوترة، ويشوبها القلق الكبير من أحتمال تصاعد هذه التوترات، وإمكانية الوصول بها إلى مرتبة الصدام المباشر، ولم يكن الحضور مقتصرا على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير الدفاع سيرغي شايغو، وقيادة الأركان فحسب، بل أيضا قيادة القوات المسلحة، وممثلي سلطات الدولة والمؤسسات العامة، ولأول مرة، شارك مسئولون من قيادة المناطق العسكرية، والأساطيل، والتشكيلات والوحدات العسكرية، وكذلك طلاب وطلاب التعليم العسكري العالي .

وكعادته، فقد تضمن حديث الرئيس بوتين في الاجتماع، رسائل عديدة، في المقدمة منها، هي أن موسكو لا تطلب لنفسها أي ظروف استثنائية في مجال الأمن، لكنها لن تترك تحركات الغرب العدائية ضدها بلا رد، والتشديد على إن روسيا تدعو إلى ضمان أمن متساو وغير منقسم في كل الفضاء والأوراسي، مع التذكير انه في حال استمرار النهج العدواني السافر من قبل " زملائنا " الغربيين فان روسيا سترد عليه باتخاذ إجراءات مناسبة في المجال العسكري التقني، والرد بشكل صارم على أي خطوات غير ودية ضدها، وأن من حق موسكو أن تتخذ "الخطوات الضرورية لضمان أمن روسيا وسيادتها".

الرئيس الروسي حمل الولايات المتحدة المسؤولية عن تدهور العلاقات بين موسكو وواشنطن، مشيرا إلى أن روسيا كانت في كل مرة مضطرة للرد على خطوة أمريكية غير ودية إزاءها، مذكرا أن السبب المحتمل لتمسك الولايات المتحدة بنهجها هذا هو "شعورها بالنشوة من الانتصار - أو الانتصار المزعوم - في الحرب الباردة، أو سوء تقدير الوضع والتحليل الخطأ لسيناريوهات تطوره المحتملة"، كذلك ذكر بوتين أن حشد الولايات المتحدة والناتو قوات عسكرية قرب حدود روسيا يثير قلق موسكو الشديد، والإشارة بهذا الصدد إلى نشر عناصر الدرع الصاروخية الأمريكية في رومانيا والخطط لنشر منصات "إم كا - 41" المكيفة لإطلاق صواريخ "توماهوك" في بولندا.

ولدى تطرقه إلى موضوع ضمانات الأمن التي تنتظرها روسيا من الغرب فان الرئيس بوتين أشار إلى أن روسيا بحاجة إلى "ضمانات طويلة الأمد وملزمة قانونيا"، لكنه شددت بالقول "لكننا نعرف جيدا أن حتى هذا لا نستطيع الثقة به "، لأن الولايات المتحدة تنسحب بسهولة من كل الاتفاقات الدولية التي فقدت أهميتها في نظرها، وأشار بهذا الصدد إلى انسحاب واشنطن من الاتفاق حول الدرع الصاروخية والاتفاقية حول السماء المفتوحة، لكنه ذكر أن مثل هذه الوثائق أفضل من تعهدات شفوية، مضيفا: "نحن نعلم قيمة هذه الأقوال والوعود".

لقد أظهرت الأحداث في يوغوسلافيا السابقة والعراق وسوريا أن الولايات المتحدة "تفعل ما تشاء"، لكن ما يحدث في أوكرانيا، حيث تدعم واشنطن السلطات في كييف بقوة، يختلف عن تلك الأحداث بشكل جذري، وقال بوتين "إنهم يفعلون ما يشاؤون "، لكن ما يفعلونه الآن على أراضي أوكرانيا، أو يحاولون فعله ويخططون للقيام به ليس على بعد ألف كيلومتر من حدود روسيا الوطنية، فهو يحدث على عتبة البيت الروسي، " ويجب أن يفهموا أنه لم يعد لدينا ببساطة مكان للتراجع " بحسب قول الرئيس بوتين .

الرسالة الأخرى التي حرص الرئيس الروسي إلى إيصالها إلى المشككين في النوايا الروسية، هي نفى روسيا صحة ادعاءات تصور المقترحات الروسية الموجهة إلى واشنطن والناتو بخصوص ضمان أمن روسيا على أنها "إنذار" للغرب، مع ذلك فقد ذكّر الرئيس الروسي بأن الأمريكيين، "ينشطون " على مسافة تقدر بآلاف الكيلومترات من أراضيهم الوطنية، وذلك بذرائع مختلفة، بما في ذلك بذريعة ضمان أمنهم، أما عندما يرون عائقا متمثلا بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة فهم يقولون إنه شيء عفا عليه الزمن ولم تعد له فائدة، أما إذا وجدوا أن شيئا من هذا يتماشى مع مصالحهم فسرعان ما يتحدثون عن أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة والقوانين الإنسانية الدولية، وقال بوتين "لقد سئمنا من هذا التلاعب"، وهاجم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشدة سياسات الولايات المتحدة التي تعتمد التدخل عسكريا في دول أخرى في تجاهل سافر للقانون الدولي.

وتساءل الرئيس بوتين: "من أعطى (الولايات المتحدة) الحق في توجيه ضربة لعاصمة أوروبية، مدينة بلغراد؟ لا أحد!، لقد قررت ذلك بنفسها بكل بساطة، فيما تراكض من يدورون في فلكها من خلفها وهم ينبحون بصوت خافت، وهذا كل ما في القانون الدولي!"، وكذلك تساءل "وبأي حجة دخلوا العراق؟ (تحدثوا عن) تطوير أسلحة الدمار الشامل، ودخلوا ودمروا البلاد وأوجدوا بؤرة للإرهاب الدولي ثم تبين أنهم أخطئوا، قالوا "المخابرات خذلتنا". رائع! وهذا هو كل التبرير! اتضح أنه لم يكن هناك أي أسلحة، والسؤال أيضا يف دخلوا سوريا؟ هل بموافقة مجلس الأمن الدولي؟ (كلا،) " إنهم يتصرفون على هواهم"!، وحمل بوتين الولايات المتحدة مسؤولية تدهور الوضع في أوروبا في الفترة الأخيرة، مشيرا إلى انسحاب واشنطن من مختلف المعاهدات الدولية الخاصة بالاستقرار الاستراتيجي وسعيها لتوسيع حلف الناتو.

التطورات في القضية الأوكرانية وتطوراتها وقيام الولايات المتحدة بتسليح أوكرانيا وحثها على مواجهة روسيا يخلق تهديدات خطيرة للأمن القومي الروسي، كما عبر عنها الرئيس الروسي، والسؤال اليوم الأكثر إلحاحا ماذا تفعل الولايات المتحدة الآن على الأراضي الأوكرانية ؟، الواقعة ليس على بعد آلاف الكيلومترات من الحدود الروسية، ولكن على عتبة دارها بحسب توصيف الرئيس الروسي، لذلك شدد على ضرورة "أن يفهموا أنه ليس لدينا مكان لمزيد من التراجع "، مشيرا في الوقت نفسه لا توجد أسلحة فرط صوتية لدى الولايات المتحدة حتى الآن، "لكننا نعرف متى سيمتلكونها "، هو ذا أمر لا يمكن إخفاؤه، و(يوما ما) سيسلمونها إلى أوكرانيا، هذا لا يعني أنهم سيستخدمونها غدا، لأنه يوجد لدى روسيا "تسيركون"، وليس لهم مثله بعد، لكن تحت هذا الغطاء سيسلحونهم وسيدفعون متطرفين من الدولة المجاورة باتجاه روسيا، بما في ذلك إلى شبه جزيرة القرم، على سبيل المثال، وذلك في ظل ظروف مواتية لهم، كما يبدو لهم " .

روسيا تشدد على إن توسيع البنية التحتية العسكرية للناتو في أوكرانيا خط أحمر بالنسبة لروسيا، وأنه إذا ظهرت بأوكرانيا منظومات صواريخ يمكنها الوصول إلى موسكو في بضع دقائق فإن روسيا ستضطر للرد بتهديدات مماثلة، وتشير إلى أن العلاقات بين روسيا والغرب جميعا، كانت في التسعينيات وحتى بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين صافية، فلماذا الحاجة إلى توسع الناتو قرب حدودها وتساءل الرئيس الروسي: "هل يعتقدون أننا لا نرى هذه التهديدات؟ أم يعتقدون أننا سنتفرج عليها مكتوفي الأيدي؟ لم يعد لدينا مكان للتراجع"!.

وزير الدفاع الروسي سيرغي شايغو، هو الآخر حمل الرسالة العسكرية ( للناتو ) في تقريره المقدم في الإجتماع الموسع لوزارة الدفاع بحضور الرئيس فلاديمير بوتين، وأشار إلى أنه تم وضع 21 قاذفة صواريخ باليستية عابرة للقارات "يارس" و "أفانغارد" و "سارمات" في حالة تأهب في قوات الصواريخ الإستراتيجية، لتزويد القوات النووية للطيران الاستراتيجي بحاملتي صواريخ استراتيجيتين من طراز Tu-160M، استخدم غواصة Borei-A التي تعمل بالطاقة النووية Generalissimo Suvorov في الأسطول، تزويد القوات البرية والقوات المحمولة جواً والقوات الساحلية للبحرية بأكثر من 1000 قطعة من الأسلحة المدرعة والمدفعية الحديثة، و لتزويد القوات الجوية والبحرية بـ 257 طائرة جديدة وحديثة، خمس مجموعات من نظام الصواريخ المضادة للطائرات S-400 Triumph، استخدم خمس غواصات وإحدى عشرة سفينة سطحية وثلاثة زوارق قتالية في البحرية، وتوريد نظامي صاروخ ساحلي للقوات، وكذلك الإشارة إلى القوات المسلحة نفذت كافة التدريبات القتالية المخطط لها، بما في ذلك 45 تمرينا دوليا على مختلف المستويات هذا العام، وفي سياق عمليات فحص مفاجئة للجاهزية القتالية للقوات، قامت التشكيلات والتشكيلات بإعادة تجميع صفوفها على مسافة تزيد عن 3.5 ألف كيلومتر، ونفذت مهمات تدريب وقتالية على مسافات خارج مناطق مسؤوليتها، ولأول مرة في التاريخ الحديث، تم إجراء تمرين عملياتي مع مجموعة من قوات أسطول المحيط الهادئ في منطقة البحر البعيد

وفي القوات الجوية، تم تشكيل فوج صاروخي للطيران والصواريخ المضادة للطائرات، تم تسليم 151 عينة من معدات الطيران الجديدة والحديثة، وتلقت قوات الدفاع الجوي والدفاع المضاد للصواريخ أكثر من 30 نوعًا من الأسلحة، بما في ذلك أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات S-400 Triumph و S-، 50 Vityaz، وتم تشكيل فوج طيران منفصل، مسلح بطائرة MiG-31IK بصاروخ Dagger الفرط صوتي، وتلقت البحرية ثلاث غواصات حديثة وأربع سفن سطحية وعشرة قوارب قتالية وسبعة عشر سفينة وقوارب دعم وثلاثة أنظمة صواريخ ساحلية. هذا العام، شكلت البحرية أربع وحدات عسكرية جديدة، بما في ذلك فوج هندسة المدفعية والبحرية، في حين أوشكت اختبارات الدولة لصاروخ كروز زيركون الأسرع من الصوت على البحر على الانتهاء. سيبدأ تسليم المسلسل العام المقبل.

وتتزايد القدرات القتالية وتقنيات التحكم في نظام الفضاء الموحد تم إطلاق المركبة الفضائية الخامسة كوبول، اكتمل بناء مركز القيادة الغربي الحديث لنظام الفضاء الموحد بنقله إلى التشغيل التجريبي، اكتملت اختبارات المركبة الجوية طويلة المدى غير المأهولة "Altius-RU"، بدأت عمليات تسليم أنظمة الاستطلاع والإضراب "Inokhodets" و "Forpost".

الرسائل الروسية السياسية والعسكرية تأتي هذه المرة في ظل جو الخلافات الذي يسود بين أعضاء الحلف والذين لم يتوصلوا إلى توافق حول المحادثات مع روسيا بخصوص الضمانات الأمنية التي تطالب بها روسيا وشكلها، ووفقا لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، نقلا عن مصدر في الناتو، رضخت بلدان الناتو لضرورة التفاوض مع روسيا، حيث يريد العسكريون في دول الغرب "تجنب الرفض المباشر" لاقتراح موسكو، وبالتالي يحاولون إيجاد مجالات التوافق المتبادل وتهدئة الوضع"، ورغم أن المسئولين الغربيين يرفضون جميع مقترحات روسيا تقريبا، ويعتبرونها "مستحيلة وغير قابلة للتصديق وتتعارض مع المعاهدات المبرمة بعد نهاية الحرب الباردة"، إلا أنهم يعترفون بأن "إغلاق الباب" أمام عرض موسكو الدبلوماسي يمكن أن يفاقم الوضع.

وبحسب المصادر الغربية التي قالت لصحيفة فاينانشيال تايمز، إنه لا يوجد إجماع حول كيفية سير المفاوضات أو من سيشارك فيها، لذلك سيكون من الصعب العثور على المجالات التي يمكن فيها إجراء "مفاوضات مفصلة"، لأن الحلف يرفض أي تنازلات، يمكن أن "تؤثر على أمن أعضائه أو سيادة أوكرانيا"، في وقت تصر موسكو على تطوير الضمانات الأمنية في فترة زمنية محددة، وقدمت بهذا الصدد مقترحا شاملا بشأن الضمانات الأمنية القانونية استعدادا لجولة جديدة من الحوار حول الاستقرار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، و إذا لم يستجب الناتو والولايات المتحدة لمطلب روسيا بضمانات أمنية، فقد يؤدي ذلك إلى مرحلة جديدة من المواجهة، وردا على اتهامات الغرب، أكدت روسيا مرارا وتكرارا أنها لا تهدد أي جهة ولن تهاجم أحدا، لكنها لن تتجاهل الإجراءات التي قد تكون خطرة على مصالحها.

 

بقلم : كريم المظفر

 

 

علاء اللاميدروس تشيلي الليندي وعراق قاسم وفنزويلا تشافيز تؤكد: من يتسلح بالشعب الكادح لن يُسقطه الغرب الإمبريالي بانقلاب عسكري

* الدرس الأول: سقط حكم عبد الكريم قاسم، ذو التوجهات اليسارية الشعبوية في العراق لأسباب عديدة، ولعل أهمها هو أنه رفض تسليح الشعب، وجرَّد مليشيات المقاومة الشعبية التي شكلها الشيوعيون من سلاحها وحلَّها، ورفض تسليح حتى المجموعات الشعبية التي هرعت من المناطق القريبة على مقره في وزارة الدفاع في باب المعظم للدفاع عنه يوم الانقلاب ضده، ولهذا كله أُسقط بسهولة واقتيد أسيرا مغدورا وقُتل هو وعدد من رفاقه رميا بالرصاص في غرفة العازفين الموسيقيين في دار الإذاعة العراقية ببغداد من قبل مليشيات وعساكر اليمين القومي في  شباط 1963.

* الدرس الثاني: الرئيس الاشتراكي التشيلي سلفادور الليندي أقدم هو الآخر بعد فوزه في انتخابات 1970 وتنصيبه رئيسا، على حلِّ مليشيات الدفاع الشعبية فواجه طيران الانقلابيين عملاء المخابرات الأميركية ودباباتهم وحيدا فأجهزوا عليه وعلى تجربته الاشتراكية! عن هذه التجربة كتب الروائي الكولومبي الشهير غارسيا ماركيز الآتي (ففوز حزب الوحدة الشعبية - بزعامة الليندي - لم يحدث ذعرا مجتمعيا كما كان توقع البنتاغون الأميركي، إنما العكس هو الصحيح، إذ حازت سياسات الحكومة الجديدة ولا سيما في مجالي العلاقات الخارجية والاقتصاد رضى شعبيا كبيرا. فخلال العام الأول وحده تمّ تأميم ست وأربعين مصنعا وأكثر من نصف القطاع المصرفي، كما تمت إعادة أكثر من 24 مليون هكتار الى الفلاحين، وتمت السيطرة على التضخم وحلت مشكلة البطالة وزاد دخل الفرد بنسبة 40% تقريبا ... ونجحت في اتخاذ إجراء قانوني حاسم مكنها من اعادة السيطرة على كل مناجم النحاس التي كانت تستغلها فروع الشركتين الأميركيتين “أناكوندا” و”كنيكوط” دونما الاضطرار إلى منحهما أية تعويضات انطلاقا من حقيقة تمكن الشركتين،على مدى خمسة عشر عاما،من تحقيق أرباح خيالية).

كان الليندي يكره العنف بعمق، ولكنه كان ثوريا عنيدا أيضا - كما كتب ماركيز - فقاتل بشراسة ببندقية رشاشة أهداها له كاسترو. وكان يعلم أن الانقلاب ضده سيكون دمويا فقد سبق له وأن توقع المذبحة القادمة قال "واهم من يظن أن انقلابا عسكريا في تشيلي بوسعه أن يكون على غرار ما نراه في بقية دول أميركا اللاتينية، أي أن يقتصر على تغيير الحرس في قصر الرئاسة، وذلك لأنه اذا خرج الجيش على الشرعية في بلد كهذه فسوف تنهمر حتما حمامات الدماء على غرار ما حصل في أندونيسيا"! وفعلا فقد قُتل في تشيلي "حوالى عشرين ألف شخص، وتم تعذيب ثلاثة آلاف مسجون سياسي بصور وحشية، وتم فصل 25 ألف طالب، وتسريح أكثر من مئتي ألف عامل".

* الدرس الثالث: في فنزويلا تشافيز تأسست مليشيات شعبية في الأحياء العشوائية "الباريوزا"، فتضايق الرئيس منها، وقال له مستشاروه أنها ستستفز اليمين، وكاد يأمر بمنعها وحلِّها ولكن الانقلاب الذي قام به العسكر الموالي لواشنطن قلب كل الحسابات: فقد اعتُقِلَ الرئيس وسيطر الانقلابيون على الحكم، وهنا حدث ما لم يكن في الحسبان فقد (رد أهالي الباريوز وانتفضوا دفاعاً عن تشافيز الذي انتخبوه، ونزل أبطال حرب الشوارع واصطدموا مع قوى الأمن وظهر السلاح الشعبي، ووضعت خطط لاحتلال ومحاصرة مواقع حكومية. هذه الهبة الشعبية شبه المسلحة قسمت المؤسسة العسكرية. وأقنعتها بأن البلاد متجهة صوب حرب أهلية إن لم يعد تشافيز، وهكذا عاد! ويعتقد أن تشافيز أدرك خطأه بأن أليندي سقط بعد أن حل الميليشيات الشعبية، وأن هذه القوى حماية للحركة البوليفارية، أكثر من حلقات المثقفين ومظاهرات الشباب السلمية/ حسن الخلف - رابط لمقالة في نهاية المنشور).

* والسؤال الحارق والأهم: هل سيستخلص الفائز الاشتراكي التشيلي الجديد العبرة من دروس التاريخ البعيد والقريب ويختط طريقا ثوريا حقيقيا فيتسلح بالشعب الكادح دفاعا عن انتصاره الانتخابي ويطبق مشروعه الاشتراكي ويعمقه أم أنه سيكرر أخطاء الماضي؟

حول بوريك: غابريال بوريك نفسه يصف نفسه باليساري المستقل، وكان نائبا في البرلمان عن حزب يسمى "التقارب الاجتماعي"، وكان بوريك من قادة الاحتجاجات والتظاهرات والانتفاضة الشعبية في 2019، وهو من أب كرواتي مهاجر وأم أسبانية مهاجرة ولكن الإعلام الغربي يسمي تحالفه "أقصى اليسار" لمشاركة الحزب الشيوعي التشيلي ذي الثقل الجماهيري الكبير فيه ومنظمات يسارية مختلفة وشخصيات يسارية مستقلة ونقابات فيه وأحيانا يسمونه "من اليسار الجذري"، وهو كان مترددا في ترؤس وقيادة التحالف اليساري ثم استجاب لرغبة رفاقه في الانتخابات الداخلية للتحالف "جبهة التحالف الواسعة" كما يمكن ترجمة اسمها، حيث فاز فيها على مرشح الحزب الشيوعي دانيال جادو بسبب وسطيته - وسطية بوريك -ضمن اليسار ، وقبل الشيوعيون النتيجة وترشح بوريك.

 

علاء اللامي

...........................

1-رابط يحيل إلى ترجمة مقالة "لماذا قتلوا الليندي (احداث 11 أيلول 1973)... بقلم غابرييل غارسيا ماركيز":

https://manateq.net/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%82%D8%AA%D9%84%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%8A%D9%86%D8%AF%D9%8A-%D8%A7%D8%AD%D8%AF%D8%A7%D8%AB-11-%D8%A3%D9%8A%D9%84%D9%88%D9%84-1973-%D8%A8%D9%82/

2- رابط مقالة " «ثورة الباريوز» في فنزويلا" بقلم حسن الخلف:

https://al-akhbar.com/Opinion/62727/%D8%AB%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D9%88%D8%B2-%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%86%D8%B2%D9%88%D9%8A%D9%84

3- رابط تقرير إخباري/ تشيلي: مرشح اليسار الشاب بوريك يحقق فوزا كبيرا على منافسه اليميني المتطرف ويصبح رئيسا جديدا للبلاد... أعلنت اللجنة الانتخابية في تشيلي فوز مرشح أقصى اليسار غابريال بوريك البالغ من العمر 35 عاما فقط في الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية على مرشح اليمين المتطرف خوسيه أنطونيو كاست بعد أن حصد 56% من الأصوات مقابل 44% لمنافسه:

https://www.france24.com/ar/%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D8%A7/20211220-%D8%AA%D8%B4%D9%8A%D9%84%D9%8A-%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D8%B3%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%A8-%D8%A8%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%83-%D9%8A%D8%AD%D9%82%D9%82-%D9%81%D9%88%D8%B2%D8%A7-%D9%83%D8%A8%D9%8A%D8%B1%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B1%D8%B4%D8%AD-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%B7%D8%B1%D9%81-%D9%88%D9%8A%D8%B5%D8%A8%D8%AD-%D8%B1%D8%A6%D9%8A%D8%B3%D8%A7-%D8%AC%D8%AF%D9%8A%D8%AF%D8%A7-%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF

 

صلاح حزاميقال الكثير عن كون العراق واحد من اغنى بلدان العالم، وغالباً مايصدر هذا الكلام من اشخاص غير متخصصين وليست لديهم فكرة عن اوضاع باقي دول العالم.

لاحظت ان كلاماً من هذا النوع ازداد بعد العام ٢٠٠٣، عندما وصل الى الاعلام والمنابر المختلفة عدد من الاشخاص الأميين والجهلة والجياع الذين لايستطيعون المقارنة بين العراق والعالم.

الآن لنتعرف على معنى ان يكون البلد غنياً او فقيراً.

هنالك غنى بالثروات الدفينة في باطن الارض والتي قد تساوي مبالغ ضخمة، لكن ذلك لايجعل من البلد غنياً على ارض الواقع.

جمهورية الكونغو الديمقراطية، من اغنى بلد العالم بالمعادن النفيسة التي تستخدم في صنع الطائرات ومركبات الفضاء وبطاريات السيارات الكهربائية، اضافة الى مناجم الماس الكبيرة. لكن شعب الكونغو واحد من افقر الشعوب واكثرها بؤساً

حيث تسيطر عصابات ومليشيات مدعومة من دول وشركات اجنبية على اقاليم البلاد الشاسعة فيما يشبه الدول المتعددة داخل الدولة، والتي لاتستطيع عمل شيء لايقاف هذه السرقات.

اليابان ليست فيها موارد، تقريباً، لكنها دولة غنية وفي مقدمة دول العالم.

فنلندا، دولة اسكندنافية صغيرة ليس فيها سوى الاخشاب، لكنها في طليعة دول العالم في التعليم . 

سنغافورة، جزيرة صغيرة ليست لديها حتى مياه كافية للشرب ومساحتها ٥٠٠ كم مربع لكنها من ارقى الدول في كثير من المجالات.

القائمة طويلة،  التي تُثبت ان الغنى ليس امتلاك موارد طبيعية يتم بيعها وتوزيع عائداتها بما يشبه اسلوب الغنائم والأسلاب بين جيوش من الموظفين العاطلين واللصوص الفاسدين والمؤسسات الديكورية التي لاداعي لها والتي تستنزف عوائد النفط، مثل حالة العراق.

الغنى يحتاج الى وجود سلطة مخلصة مؤمنة بالتنمية والبناء وبتعليم وتدريب القوى العاملة واستثمار موارد البلد على النحو الامثل  وتثقيف الناس على اهمية العمل المنتج الشريف.

انها تحتاج الى بناء سلطة القانون وعدم حماية من يقصّر في واجباته .

الغنى، هو وجود شعب منتج وجاد يعتمد على نفسه ويحترم اصول العمل ويخلق الفائض الذي يأخذ منه اجوره.

اذا حصل ذلك وتصاعد النمو الاقتصادي بمعدلات عالية تفوق معدل نمو السكان، واذا اقترن ذلك بقدر مناسب من العدالة في توزيع ثمار التنمية، يتحسن مستوى دخل ومعيشة الافراد.

وعندما يصل مستوى الدخل الى مايغطّي الحاجات الاساسية ويبلغ مستوى تغطية سلع وخدمات الرفاه وتمكين الناس من السكن في بيوت لائقة وارسال أبنائهم الى مدارس راقية والحصول على خدمات صحية لائقة والتمتع ببنية تحتية سليمة وعصرية والعيش في بيئة نظيفة،وان يتمتع الناس بنظام للنقل والاتصالات ملائم ومريح،  واذا ساد القانون وشعر الناس بالأمان، حينذاك يقال ان البلد غني.

الغنى ليس ان يحصل ٢٧ ألف شخص على شهادات مزورة من دولة معينة، ثم يتظاهرون قاطعين الشوارع للمطالبة بتعيينهم في التعليم العالي كاساتذة ( لكي يكتمل الانهيار) !!

الغنى لايعني ان يتظاهر المئات من خريجي الهندسة قاطعين الطريق امام مصفى صغير لايتّسع لهم مطالبين بالتعيين في ذلك المصفى !!

بموجب ماتقدم، فأن العراق بلد فقير من الناحية الواقعية وبموجب حقائق الحياة المؤلمة التي يعاني منها الناس.

ان يحصل شخص على مبلغ كبير سواء من خلال الفساد والرشوة او العمل التجاري او راتب او تقاعد لايستحقه، ويعود الى بيته عديم الكهرباء وعديم الماء الصالح للشرب وبدون صرف صحي وبدون شوارع نظيفة ومعبّدة وبدون تعليم مناسب لابنائه ( كأن لايحصلون على كتب ويجلسون على الارض في المدرسة)، ويقضي ساعات في الزحام للعودة الى بيته وسط دخان خانق وضجيج قاتل وفوضى تبعث على السأم، اذا كان يعيش هكذا فهو فقير جداً حتى لو سرق كل اموال العالم.

تثقيف الناس من قبل بعض الأدعياء مثل بعض السياسيين الحمقى والخبراء المنافقين الجهلة، بثقافة الغنى المزعوم،فان ذلك يخلق لدى المجتمع وهم الغنى المجاني والرفاه الخرافي.

سوف يستمر الناس بالمطالبة والاستجداء والبحث عن نصيب من الغنيمة بدون جهد حقيقي.

وسوف يستمر بعض السياسيين بتوزيع المناصب والوظائف بالآلاف على من هب ودب لغرض كسب القواعد والانصار، دون اكتراث بمالية الدولة وحاجات التنمية.

حالياً يأتي معظم الموازنة من ايرادات النفط، وحتى الجزء الذي يأتي من مصادر غير نفطية، هو يعتمد على انفاق الدولة للموارد النفطية .

ايرادات منافذ الاستيراد سوف تتوقف معظمها عندما لاتنفق الدولة، اذ لاتوجد قوة شرائية لدى المجتمع تخلق طلباً على الاستيرادات..

كذلك، بدون دولارات النفط لايستطيع العراق استيراد شيء اصلاً، وبالتالي لاتوجد ايرادات جمركية.

كما أن الكثير من النشاطات في كل القطاعات سوف تتوقف او تصاب بالضعف بدون استيراد مستلزماتها من خلال دولارات النفط.

اين هو الغنى؟

هل هو قطاع صناعي ناجح وكفوء،وديناميكي يوفر فرص عمل وفائض اقتصادي؟

أم قطاع زراعي منتج ويستخدم الاساليب الحديثة مع شبكات ري عصرية تقتصد بالمياه وتحمي التربة من التغدّق وتحمي المخزون المائي؟

أم انه قطاع خدمات نشيط يخدم باقي القطاعات ويخلق فرص عمل؟

الآن نحتاج الى الواقعية وليس المبالغة والكذب الذي يمارسه اشخاص طارئون لامصلحة لهم في تطور العراق،

يحتاج الناس الى ادراك حقيقة الأمور دون تزوير وخداع ووعود مستحيلة التحقق.

 

د. صلاح حزام

 

 

في المثقف اليوم