قضايا

تأثير أعمال ابن سينا الفلسفية على الغرب

رحيم الساعديVan. s. Riet By

From Encyclopedia Iranica

ترجمة: د. رحيم الشياع الساعدي

تعرفت أوروبا الغربية على ابن سينا عندما ظهرت النسخ اللاتينية من بعض أعماله العربية في الفترة ما بين منتصف القرن الثاني عشر وأواخر القرن الثالث عشر. كانت هذه الإصدارات نتاجًا لحركة ترجمة كبيرة والتي أصبحت مجموعة كبيرة من الأدب الفلسفي والعلمي ذات الاصل اليوناني، العربي واليهودي، وأثرت بشكل كبير على الفكر في القرون الوسطى في القرن الثالث عشر.

من أشهر أعمال أبن سينا (افسينا كما يلفظه الغرب) الفلسفية في العصور الوسطى كان كتابه الموسوعي كتاب الشفاء ويتكون من سيرة ابن سينا كما في مقدمة تلاميذه الجوزجاني وأربعة ملخصات، أي مجموعات، وتعامل مع تخصصات معينة، وهي المنطق والفيزياء والرياضيات والميتافيزيقيا.

ويقسم وفق التخصصات أو الأقسام والفيزياء (الطبيعيات أي فروع من فلسفة الطبيعة والميتافيزيقا (الالهيات) أي فروع معرفة الله وترجمت الى اللاتينية ولم تُترجم الرياضيات والاجزاء الوحيدة من المنطق التي تمت ترجمتها هي المقدمة (المدخل)

فصل من القسم الخامس عن الإثبات (البرهان، أي عن طريق القياس المنطقي)، ومقطعان من القسم الثامن حول البلاغة (الخطابة) ويقدر بـحوالي عُشر النص العربي، وتم إجراء بعض الترجمات خلال النصف الثاني من القرن الثاني عشر في مدينة طليطلة  وهي :

1-  مقدمة للمنطق، تسبقها مقدمة الشفاء وفصل من قسم الإثبات 2- العلوم الطبيعية، تشكل ثلاثة أرباع القسم الأول وهي عن الفيزياء بالمعنى الدقيق للكلمة اما المادة التي تشكل محور العمل فهي حول الروح (كتاب النفس)؛ 3-  الميتافيزيقيا بأكملها.

وقد ترجم القسم الثامن من العلوم الطبيعية، الذي يشكل أطروحة عن الحيوانات حوالي 1230م للإمبراطور فريدريك الثاني، ملك صقلية تم ترجمة لمقطعين يخصان الخطابة، تقريبا في سنة 1240م وهي لأسقف بورغوس (مدينة في شمال إسبانيا في قشتالة) .

وفي بورغوس أيضًا، استؤنفت ترجمة علم الطبيعة تحت رعاية الأسقف غونزالفو غارسيا دي غودييل، بدايةً من الجزء الأول الذي تركه غير مكتمل في طليطلة (مدينة في وسط إسبانيا على نهر تاجوس، عاصمة منطقة كاستيا لا مانشا -المترجم -) على الرغم من العمل المنجز في برغوس، فإن النص اللاتيني لا يصل إلى ترجمة كاملة للنص العربي

أما الأجزاء الأخرى المترجمة من العلوم الطبيعية فهي الأقسام 2 و3 و4 و5، عن السماء والعالم، و(الكون والفساد)، الأفعال والانفعالات، والأرصاد الجوية، أي الظواهر الجوية. وتمت ترجمة ثلاثة فصول من القسم الأخير بشكل منفصل في نهاية القرن الثاني عشر؛ ولدينا بالتالي نسخة من هذا الجزء في وقت سابق من نسخة بورغوس.

تمت ترجمة القسم السابع من العلوم الطبيعية، والذي يشكل أطروحة قصيرة عن النباتات، تحت عنوان

Liber de vegetabilibus (كتاب عن النباتات) وهذا العنوان مذكور في قائمة مكتبة السوربون العظيمة التي تعود إلى القرن الرابع عشر والتي تم تجميعها في عام 1338م.

إن أسماء جميع المترجمين الرئيسيين في الشفاء تقريبًا (وليس مساعديهم) معروفون تمامًا. كان الفلاسفة الإسرائيليين كل من ابن داوود (وهو إبراهيم بن داود، فلكي، فيلسوف ومؤرخ، يهودي عاش في الأندلس الإسلامي. أهم مؤلفاته هي «العقيدة الرفيعة – المترجم).

ورئيس الأساقفة دومينيك جونديالسفي أو جونديسالينوس، وكلاهما مذكوران في الرسالة التي كانت حول رسالة الأسقف يوحنا من طليطلة ؛ ومايكل سكوت، الذي كرس أطروحة على الحيوانات لفريدريك الثاني؛ وجون وشلامون، المذكورين في جزء من العلوم الطبيعية المترجمة في بورغوس .

وهيرمان الألماني، الذي ورد ذكره في مقدمة ترجمته لخطاب أرسطو الذي أدخل فيه مقاطع من شفاء ابن سينا؛ المترجم من المقتطفات الثلاثة من علم الأرصاد الجوية وقسم من العلوم الطبيعية

من ناحية أخرى، تقدم المخطوطات اللاتينية إشارات متناقضة لدور جيرارد كريمونا (جيراردو الكريموني أو جيرارد من كريمونا مترجم إيطالي للأعمال العلمية العربية، والذي عثر على أعماله في مكتبات طليطلة في إسبانيا –المترجم -)، الذي أقام في طليطلة مع دومينيك غونديسالفي وترجم كتاب ابن سينا في الطب. 

وتشير بعض المصطلحات اللاتينية المستخدمة في ترجمة الميتافيزيقا إلى أن جيرارد ربما كان له بعض الدور بهذه القضية، لكن لواحد فقط من المخطوطات الأربعة والعشرين المعروفة المترجمة. اما الثلاث مخطوطات الاخرى فتُنسب الترجمة إلى دومينيك جونديالفي، لكن ذلك لم يكن من مصادر مستقلة – ينظر:

 - Van Riet، Liber de philosophia prima I-IV، p. 123.

وبالإضافة إلى الشفاء، عُرفت أعمال فلسفية أخرى قام بها ابن سينا من قبل الأوروبيين في العصور الوسطى، وهي الأدوية القلبية (دواء القلب)، وهي مقالة عن مواضيع معينة نوقشت أيضًا في كتاب النفس. تمت ترجمة هذا العمل القصير إلى اللاتينية في أوائل القرن الرابع عشر من قبل أرنود دي فيلنوف (وهو طبيب من بلنسية وعالم لاهوت من العصور الوسطى – المترجم -) في برشلونة في عام 1306م، وقد أدرج تلميذ ابن سينا   الجوزجاني (أبو عبيد الجوزجاني توفي في 1070 م  وهو طبيب ومؤرخ فارسي – المترجم -) جزءًا من المقال في النص العربي لكتاب النفس في ضوء علاقته بالموضوع .  وقد تم بالفعل ترجمة هذه الفصول إلى اللاتينية.

أخيرًا، يذكر كتابان آخران من أعمال ابن سينا في كتاب بوجيو ((بوجيو براشيوليني  1380  - 1459م) وهو باحث من بدايات عصر النهضة الإيطالية. نجح في استرداد عدد كبير من النصوص اللاتينية الكلاسيكية حيث كان أغلبها طي النسيان في مكتبات الرهبانية الألمانية والفرنسية ونشر نسخاً مخطوطة بين المتعلمين - المترجم -)

 والأخر الذي كتبه الراهب الدومينيكي ريمون مارتن في 1278م وكان أحدهما هو كتاب الإشارات والتنبيهات وفسر ريموند مارتن العنوان على أنه " الخالي من الإشارة، والآخر هو كتاب النجاة، الذي تُرجمت إحدى صفحاته إلى اللاتينية.

وشكلت أعمال ابن سينا الفلسفية جوهر مجموعة كبيرة من الأدب تضم ترجمات أخرى من اللغة العربية، حيث كُتبت كتابات ابن سينا المترجمة مع نصوص لمؤلفين مسيحيين وافلاطونيين. كما ترجم دومينيك جونديالفي نفسه ملخصا لفلسفة الغزالي الذاتية ولابن جبرول، وقام بتجميع العديد من الأطروحات المشهورة التي تحتوي على اقتباسات من إعادة صياغة اعمال ابن سينا .

ونسب الى ابن سينا كتبا منحولة ومنها ما نشر لمؤلف يتحدث عن مفهوم إضاءة الروح من خلال مادة منفصلة، على النحو الذي يدرسه الفارابي وابن سينا، ويحاول تجميع ذلك مع تعاليم القديس أغسطين، ويُطلق على مجمع الأفكار السائدة في هذه المرحلة التاريخية، كما تشهد على ذلك مؤلفات الأفلاطونية العربية والمسيحية، اسم "السينوية الاوغسطينية، ان هذه المصطلحات هي موضع تساؤل من قبل مؤرخين معينين في فلسفة القرن الثالث عشر.

في الثلث الأول من القرن الثالث عشر، لم تعد أعمال أبن سينا تدرس فقط ما يتعلق بكتاب الإلهام الأفلاطوني الجديد مثل ديونيسيوس الزائف أو القديس أوغسطين أو جون دونس سكوتوس أو إريجينا ؛ بل كانت تستخدم أيضا في دراسة أرسطو عبارات ابن سينا الخاصة بـ ارسطو وتلبي احتياجات أوائل المترجمين لأرسطو إلى أن حلت محلها تعليقات ابن رشد الحرفية وقبل أن يتعرف المسيحيون الغربيون على ابن رشد، كان تأثير ابن سينا على الأرسطية اللاتينية ملحوظًا للغاية  (ينظر : فان ستينبرجين، الفلسفة، الصفحات 186-87).

في وقت مبكر من عام 1210 م، حُظرت في باريس قراءة كتب عن الفلسفة الطبيعية لأرسطو و"التعليق" عليها. وفي عام 1215 م ، تم التأكيد على الحظر وتوضيحه من قِبل روبرت دي كورسيل، بمرسوم البابا إنوسنت الثالث، في أحد اللوائح التي حددت ما يمكن تدريسه في كلية الآداب بانه (يجب ألا تقرأ كتب أرسطو حول الميتافيزيقيا والفلسفة الطبيعية، ولا" الملخصات) .

ويقترح المؤرخون تفاسير متباينة إلى حد ما لهذه الحظر، مع مراعاة ظروف وهويات المعلمين المشتبه بهم مثل (أموري بين، دافيد دينانت، وغيرهم)، لكن يتفق الجميع على أن عبارة التعليقات  تشير بالتأكيد (إن لم يكن حصرا) إلى انها إعادة صياغة أبن سينا .و يشار إلى أن الحظر لا ينطبق إلا على تدريس هذه النصوص، وليس على القراءة الشخصية واستخدامها، وأن نطاقها كان محليًا تمامًا. لكن في عام 1229 م، يمكن قراءة كتب أرسطو والتعليقات عليها التي كانت قيد الحظر في باريس وتعليمها في جامعة تولوز الناشئة .

وتدخل أعمال أبن سينا المختلفة بشكل بارز في الموسوعة الفلسفية العلمية الكبرى لألبرتوس ماغنوس (معروف أيضا باسم القديس ألبيرت الكبير، وهو كاهن وراهب دومينيكي حقق الشهرة لمعرفته الشاملة ودعوته للتعايش السلمي بين العلم والدين. ويعتبر أعظم لاهوتي وفيلسوف الماني من العصور الوسطى. كان الأول من بين دارسي القرون الوسطى الذي طبـّق فلسفة أرسطو في الفكر المسيحي –المترجم -  .

والذي بدأ العمل عليها في منتصف القرن الثالث عشر، في الوقت الذي انتصرت فيه الأرسطية في باريس. وكانت رغبته في "إعادة صياغة أرسطو لاستخدامه من قبل اللاتين" و"وضع في متناول اليد جميع النتائج العلمية التي توصل إليها العقل البشري حتى عصره" وبدلاً من التعليقات الحرفية على أعمال أرسطو، يستشهد بصيغ ويستخدم بشكل متكرر أعمال ابن سينا الخاصة، وفي معظم الأحيان من دون شكلها الصريح يستخدم الاعمال في اقتباسات لم يتم تحديدها بعد (ينظر : فان ريت، Liber de philosophia prima I-IV، ص. 159 * -163 *). لذلك، يمكن وصف فلسفة البرت الكبير، كما هو معروض في موسوعته، بأنها افلاطونية جديدة، وقبل كل شيء أرسطوطاليسية (أرسوتيليانيسم) (ينظر : فان ستينبرجين، الفلسفة، ص 303).

تحتوي كتابات توما الاكويني (توماس أكويناس) على أكثر من 400 اقتباس واضح لأبن سينا، مأخوذة أساسًا من (القسم 6) والميتافيزيقا وفي بعض الحالات من الفيزياء بالمعنى الدقيق للكلمة، وعلى أساس التفسير القوي لأرسطو الذي كان في ضوء انتقادات ابن سينا، فإن توما الاكويني يؤيد أو يرفض أطروحات ابن سينا المقتبسة، مما يضعها في منظور أكثر وضوحًا وهو يفعل هذا في مناقشاته عن الله الخالق، العناية الإلهية، التمييز الحقيقي بين الجوهر والوجود في الكائنات المحدودة، تشبيه الوجود، وفكرة الضرورة (التي يدرجها في قائمة الصفات التجاوزية)  (ينظر Verbeked، ص 36).

باتباع الأمثلة التي وضعها البرت الكبير وتوما الاكويني من بعده، أصبح من المعتاد دمج جوهر ترجمات ابن سينا وتجميعها في مجموعة من نصوص مؤلفين آخرين مثل أرسطو، وبوثيوس (فيلسوف وسياسي روماني اشتهر بعجلة الحظ و‌عزاء الفلسفة التي أصبحت واحدة من الأعمال الفلسفية الأكثر شعبية وتأثيراً في العصور الوسطى-المترجم – وبرقلس   وأفرويس، وكان مستقبل ابن سينا في الغرب مرتبطًا بالمصنفات التي تم فيها دمج الكثير من الأفكار المستخلصة منه (ينظر جويشون، الفلسفة، ص 127).

لا يعرف إلا القليل عن عملية نشر المواد الطبيعية والتي تُرجمت في بورغوس بعد وفاة توما الاكويني في 1274 وربما قبل وقت طويل من وفاة ألبرتو الكبير في عام 1280 ونصوص هذه الكتب ليست مدرجة في في اعمال ابن سينا المطبوعة في البندقية في عام 1508 ولم تتم دراستها بشكل منهجي بعد.

في القرن السادس عشر، قام الطبيب الفيلسوف أندريا ألباجو بترجمة العديد من الأعمال الفلسفية القصيرة لابن سينا من العربية إلى اللاتينية، لكن هذه الترجمات الجديدة لم يكن لها أي تأثير يذكر على الفكر الغربي المعاصر.

ان حصيلة العمل المنجز خلال الثلاثين عامًا الماضية تعد بإحياء دراسات ابن سينا في الغرب في العقود القادمة، مع إيلاء الاهتمام الخاص بها .

 

..................

المراجع:

Andrea Alpago, Avicenna philosophi . . . Compendium de anima. De Mahad . . . Aphorismi de anima. De deffinitionibus et quaesitis. De divisione scientiarum . . . , Venetiis, apud Juntas, 1546.

M.-Th. d’Alverny, “Notes sur los traductions médiévales d’Avicenne,” Archives 19, 1952, pp. 337-58.

Idem, “Avendauth,” in Homenaje a Millas Vallicrosa I, 1954, pp. 19-43.

Idem, “Les traductions d’Avicenna (Moyen Age et Renaissance),” in Avicenna nella storia della cultura medievale, Accademia Nazionale dei Lincei 304, 1957, pp. 71-87.

Idem, “Avicenna Latinus I à XI,” Archives 28-39, 1961-72. Idem, “Les traductions d’Avicenne. Quelques résultats d’une enquête,” Correspondance d’Orient, no. 11 (Actes du Ve congrès international d’arabisants et islamisants), Brussels, 1970, pp. 151-58.

  1. Baur, Dominicus Gundissalinus, “De divisione philosophiae,” Beiträge zur Geschichte der Philosophie des Mittelalters IV, 2-3, Münster, 1903.
  2. Cortabarria Beitia, “L’étude des langues au Moyen Age chez les Dominicains,” MIDEO 10, 1970, pp. 189-248.

Ēt. Gilson, “Avicenne et le point de départ de Duns Scot,” Archives 2, 1927, pp. 89-149.

Idem, “Les sources gréco-arabes de l’augustinisme avicennisant,” Archives 4, 1929, pp. 5-149.

  1. M. Goichon, La philosophie d’Avicenne et son influence en Europe médiévale, 2nd ed., Paris, 1951.
  2. Mandonnet, Siger de Brabant et l’averroïsme latin au XIIIe siècle, Louvain, 1908-11.
  3. T. Muckle, “The treatise "`De Anima" of Dominicus Gundissalinus,” Mediaeval Studies 2, 1940, pp. 23-103.

 

  1. Van Riet, Avicenna latinus.Ēdition critique de la traduction latine médiévale: Liber de anima seuSextus de naturalibus I-V, Louvain and Leiden, 2 vols., 1968-72; Liber de philosophia prima sive scientia divina I-X, 2 vols., Louvain and Leiden, 1977-80; Lexiques, 1 vol., Louvain-la-Neuve and Leiden, 1983.
  2. Van Steenberghen, La philosophie auXIIIe siècle, Philosophes médiévaux 9, Louvain and Paris, 1966.
  3. Vansteenkiste, “Avicenna-citaten bij S. Thomas,” Tijdschrift voor Philosophie 15, 1953, pp. 457-507.
  4. de Vaux, Notes et textes sur l’avicennisme latin aux confins des XIIe-XIIIesiècles, Bibliothèque Thomiste 20, Paris, 1934.
  5. Verbeke, “Introductions doctrinales” in Avicenna latinus, ed. S. Van Riet: “Une

في المثقف اليوم