قضايا

مقولات الحقوق عند هابرماس

علي رسول الربيعي

يبدأ هابرماس مقولاته عن الحقوق بالتأكيد على أنظمة الحقوق التي تتضمن تلك الحقوق التي يجب على المواطنين منحها لبعضهم البعض إذا كانوا يريدون تنظيم حياتهم معًا بطريقة مشروعة عن طريق القانون. إن مبدأ الخطاب وهدفه هو افتراض شكل مبدأ الديمقراطية فقط على طريق إضفاء الطابع المؤسسي القانوني، ويمنح مبدأ الديمقراطية قوة الشرعية لعملية تشريع القانون.[1] عموما، لدى هابرماس ثلاثة حقوق أساسية، اثنان منها ناتجة عن تطوير حقوق مستقلة سياسيا. والثالث هو الحق الاجتماعي. تشتمل المقولة الأولى على فرعين.وتتضمن هذه المقولات:

(1) الحقوق الأساسية الناتجة عن التطور المستقل سياسيا للحق في الحريات الشخصية المتساوية. وتتطلب هذه الارتباطات الضرورية مايلي؛ (I. 1) الحقوق الأساسية التي تنجم عن التطور المستقل سياسيا لمكانة أو وضعية الفرد أو العضو الإجتماعي  في الفعل الأختياري كالتواصل الاجتماعي بموجب القانون (1.2) الحقوق الأساسية التي تنجم مباشرة عن قابلية تطبيق الحقوق وعن التطوير المستقل سياسيا للتدابير القانونية.

(2) الحقوق الأساسية في تساوي فرص المشاركة في تشكيل الرأي والإرادة التي يمارس المواطنون فيها استقلالهم السياسي  ويشرعون من خلالها القانون.

(3) الحقوق الأساسية لأحكام الرفاه والأمن الاجتماعي، وتوفير الحماية من المخاطر الاجتماعية والتكنولوجية وكذلك توفير الظروف البيئية غير التالفة للحياة، وفي الواقع، يعد هذا ضروريًا، في ظل الظروف السائدة، لتكافؤ الفرص في استخدام الحقوق المدنية المدرجة.[2]

أريد  أوضح فيما يلي، تستند مقولات الحقوق عند هابرماس إلى تشريعات مستقلة سياسياً، وهي مصدر تشريع القوانين الديمقراطية. وأن جميع مقولات الحقوق التي حددها هابرماس هي حقوق دينطولوجية ( deontological rights)، تستند إلى القانون الوضعي، في تناقض مع القانون (الحقوق) الطبيعي. وبالمثل، نشأت الحقوق الأساسية الأولى والثانية من تطور الأستقلالية السياسية. ويكشف تحليل الاستقلالية السياسية من بين أشياء أخرى، عناصر من الحقوق المدنية والسلطة التشريعية. وبالتالي، فإن الحقوق الناتجة عن تطوير الأستقلالية السياسية مليئة أو مثقلة بالمضمون القانوني. إن معظم المبادئ القانونية والخطابات القانونية العملية المعروفة و المعترف بها ، في المجتمعات الديمقراطية ،هي تلك التي تسنها تشريعات مستقلة سياسيا أو من خلالها. هذه هي القوانين المدنية التي يمكن أن تتخذ شكل دول أو دساتيروطنية، أو الناشئة عن تطور الدساتير في أبعاد مختلفة في التطبيق.

يكشف تفسير نظام الحقوق والشكل القانوني، وبالطريقة نفسها، عن كيفية تكوين وترتيب المؤسسات القانونية  في المجتمع الديمقراطي، من خلال تطبيق هذه المقولات من الحقوق. ومن هنا نستمر في التأكيد على أن فكرة التشريع الذاتي للمواطن تتطلب أن يُفهم من يخضعون للقانون كجهات مخاطبة وفي الوقت نفسه على أنهم مشرعون للقانون. ولا يمكننا تلبية هذا المطلب من خلال التفكير في الحقوق المتساوية في الحريات الشخصية كحق ذو أساس أخلاقي يجب على المشرع السياسي أن يسنها كقانون وضعي. إن تشريع القوانين المستقلة سياسيا هو وحده الذي يمكِّن الجهات المرسل إليها القانون من الحصول على فهم صحيح للنظام القانوني ككل.[3]

وبالتالي ينقسم الحق في الحرية الشخصية  داخل مقولة الحقوق الأساسية الأولى ( المذكروة أعلاه)، إلى حقين آخرين؛ بوصفه عضو في جمعية طوعية من المتحدين، بموجب القانون أولاً، والتدابير القانونية ثانياً. إن الحرية الذاتية في المقام الأول هي حق خاص أو حق سلبي. وهذا هو الحق الذي يؤمن للفرد منطقة عدم التدخل من قبل أي اقتحام خارجي. يقول هابرماس إنه بالنسبة للفاعل الذي يتصور قراره بمقتض حقوقه الشخصية أو حريته ... لا يهم ما إذا كان يمكن  للآخرين قبول الأسباب التي تعتبر  قاطعة بالنسبة له للقيام بالفعل.[4] الخطوة الأولى في تطوير الحقوق الشخصية هي تلك الخاصة بوضع العضو في رابطة طوعية من المنتسبين. وتسدعي هذه الخطوات وجود علاقة بيذاتية، ويتواصل المواطنون طواعية وبدون أيً  تعسف أوإكراه. غالبا ما يأخذ التفاعل شكل عقد؛ ويكون للفاعل عادة معرفة كاملة بماهية الأتحاد وكافة وشروط الاتفاق. كما يستخدم المواطنون في هذا المستوى حقوقهم التواصلية أيضًا.

التطور الثالث لهذا الحق الأساس هو اتخاذ تدابير قانونية ضد أولئك الذين ينتهكون حقوق الآخرين. هذا هو الحق في اتخاذ إجراءات قانونية ضد المتطفلين على حق الفرد وحياته. وفقا لهابرماس ، تتطلب الطبيعة القسرية للقانون أنه في حالات النزاع يجب أن تكون هناك إجراءات خاصة لتفسير وتطبيق القانون  الساري بطريقة ملزمة. يمكن للأشخاص الاعتباريين تقديم التظلمات (klagebefognissen)، وبالتالي حشد السلطات القسرية المرتبطة بحقوقهم، إذا كان لديهم حرية الوصول إلى محاكم مستقلة وفعالة تعمل بشكل فعال وتفصل بين النزاعات بشكل نزيه ومُخوَّل ضمن إطار عمل القوانين.[5] ويمكن أن يكون هذا الحق أيضًا بمثابة أساس قوي لسيادة القانون المعروفة باسم ( Habeas Corpus)  "يوجد هذا القانون في العديد من الدول، وينص على أنه لا يمكن احتجاز شخص ما في السجن ما لم يمثل أمام قاض، وعليه أن يقرر ما إذا كان  يستحق أن يظل هذا الشخص في السجن أم لا. "

يتطلب إنشاء مدونة قانونية، وفقًا لهابرماس، الحق في  الحريات الشخصية المتساوية مع حقوق العضوية المتلازمة مع جماعة أو مجتمع، وكذلك ضمان حقه في اللجوء الى القانون . يقول هابرماس لا يوجد قانون شرعي بدون هذه الحقوق. هذه الحقوق التي رأيناها حتى الآن هي حقوق ذاتية وهي تطور للحقوق الأساسية التي تنتج عن الاستقلال السياسي: الحق الأساسي الثاني هو الحق في فرص متساوية في المشاركة في الرأي. وتشكيل الإرادة التي يمارس المواطنون فيها حقوقهم في الأستقلال السياسي وتشريع القانون. هذه هي الحقوق المدنية التي يمارس من خلالها المرء اللأستقلالية والحكم الذاتي. لا يمكن للحقوق الشخصية بمفردها التشريع على المستوى المدني، لأن ذلك يقع ضمن نطاق الحقوق المدنية أو السياسية. وبالتالي، يجب أن تضمن الحقوق السياسية المرغوبة المشاركة في جميع العمليات التداولية ذات الصلة بالتشريع.[6]

ومن ثم فإن تشريع القوانين المستقلة سياسياً هو فقط الذي يجعل من الممكن لخطاب القانون أن يقدم الفهم الصحيح ككل. وفقًا لهابرماس، يستخدم المواطنون الاستقلال الذاتي السياسي في إطار تأسيس الدستور لتفسير ملزم قانونًا لنظام الحقوق الذي يشكِّل نفسه بطريقة مرجعية ذاتية الأداء. يكمن وراء هذه الخلفية، فهم الحقوق الأساسية التي اختارها الدستور على أنها قراءة تعتمد على السياق لنفس نظام الحقوق. يتم تقديم البيانات القانونية، في حالة القانون الطبيعي، لمقدم القانون الدستوري مقدمًا ويأتي دخول هذه الحقوق أولأ  للوعي فقط من خلال ايجاد تفسير دستوري محدد. تشير هذه الفكرة أيضًا إلى الطبيعة  الدينطولوجية لنظام الحقوق. وبالتالي، فإن مقولات الحقوق عند هابرماس دينطولوجية وأنها تتحقق في وقت تشريع القوانين، ولا سيما تطبيقاتها.

  

الدّكتور عليّ رّسول الرّبيعيّ

........................

[1] Habermas, Jürgen, 1997, Between Facts and Norms, Polity Press, 154.

[2] Habermas, Between Facts and Norms,122-123.

[3] Habermas, Between Facts and Norms,121.

[4] Habermas, Between Facts and Norms,119-120.

[5] Habermas, Between Facts and Norms.125.

[6] Habermas, Between Facts and Norms.127.

 

 

في المثقف اليوم