قضايا

دراما كورونا.. بين التراجيديا والكوميديا السوداء

عبد السلام فاروقهناك عشرات القصص والحكايات فاضت بها الصحف والفضائيات ووسائل الإعلام والميديا يومياً وهى لا تمثل إلا قطرة فى بحر من المآسى والمفارقات حول العالم بسبب الجائحة.

أبطال تلك القصص من كل الفئات والأعمار والشخصيات، نجوم وزعماء وأطباء وممرضات وأطفال وعجائز ورجال أعمال وفقراء ومستغلين وكرماء . مسرح عالمى ضخم يعرض بشكل يومى حكاية الإنسان واللاإنسان.

الإنسانية بمواجهة استراتيجيات القطيع

كان أكثر ما أثار الجدل الإعلامى والفلسفى تلك السياسة السلبية المخيفة والاستراتيجية معدومة الإنسانية المسماة "سياسة القطيع" . ورغم ذلك تبناها عدد من زعماء الدول الأوروبية دعاة التقدم والتحضر والرقى!

تقضى تلك السياسة بجعل الطبيعة تأخذ مجراها ! فينتشر الوباء ما شاء له أن ينتشر، ويموت مَن يموت، ويعيش مَن يعيش، على اعتبار أن لكل مرض دورة زمنية تنتهى تلقائياً، ثم يتم إحصاء الخسائر وتهنئة الناجين! الغرض من تلك السياسة الغريبة هو تحقيق فكرة البقاء للأقوى، حيث ينجو فقط مَن يستطيع أن يقاوم المرض، وهو ما يجعل تلك البلد التى اتبعت مثل هذه السياسة محصنة ضد ذلك الوباء لعدة سنوات قادمة!

هناك منطق فى هذه السياسة، لكنها سياسة أنانية فوقية تعلن باختصار :"أنا ومن بعدى الطوفان"، فالسلطة هنا سيعنيها فقط أن تحمى نفسها من الوباء، فيما تترك الشعب يواجه مصيره وحده .

بالطبع تمثل تلك السياسة انتحاراً جماعياً مع وباء مثل كورونا، لهذا لم ينادى بها كثيرون.. ثمة دول أخرى أمسكت العصا من المنتصف، كالسويد مثلاً..

 بعد شتاء اسكندنافي طويل ومظلم، ورغم تفشي كورونا في أوروبا، فإن السويديين يرفضون البقاء في منازلهم، حتى في الوقت الذي يحجز فيه المواطنون في أجزاء كثيرة من العالم أنفسهم طوعا وكراهية في أماكنهم. وقد نصحت السلطات السويدية المواطنين بممارسة "البعد الاجتماعي" و"العمل من المنزل"، إن أمكن، وحثت أولئك الذين تزيد أعمارهم على 70 عاما على العزل الذاتي كإجراء وقائي. تلك نصائح وإرشادات لا أكثر، فالدولة لا تريد إزعاج الناس أو فرض شئ عليهم. لهذا فمقارنةً بعمليات الإغلاق الإجبارية والعزل في أماكن أخرى من العالم، فإن الحكومة السويدية تبدو أكثر مرونة وتساهلاً. هذا ويُذكر أن السويد تُعد من أعلى 20 دولة من حيث الإصابات التى تعدت 5000 إصابة، ونحو 300 وفاة.

دواء للديدان يقتل الوباء فى 48 ساعة!

أكثر الأخبار عُرضةً للشائعات والتأويلات هى الأخبار المتعلقة بعلاج كورونا..

فبينما تلحّ منظمة الصحة العالمية أن فيروس كورونا لا علاج ولا لقاح له، وأن العلاجات واللقاحات فى طَور التجريب والاختبار، وربما يتوافر لقاح فى غضون شهور. لكن الناس لم تعد تعبأ بتصريحات المنظمات العالمية، كما لم تعد تصدق تصريحات الرؤساء والمسئولين ؛ لاسيما وقد أخفقت وصفة ترامب العلاجية (مزيج الكلوروكوين والأزيثرومايسين) فى علاج الناس، بل وتسببت فى هلاك البعض!

السباق الآن على أشده بين شركات الدواء للتوصل إلى لقاح فى القريب العاجل، وأكثر التجارب اقتراباً من إحداث نتائج هى تلك التى تتعلق بالأجسام المضادة فى بلازما أولئك الذين نجوا من المرض واستطاعوا مقاومته ؛ إذ أن مثل تلك المضادات الطبيعية تمثل طريقة لتحفيز الأجسام على الإسراع بتوليد جسيمات مناعية قادة على تعطيل الفيروس أو إهلاكه.

وإلى جانب المحاولات الرسمية لوزارات الصحة فى كل العالم، وإلى جانب شركات الأدوية العالمية، اقتحمت شركات التبغ السباق وأعلنت أنها بصدد إنتاج لقاح قريب يعتمد على مشتقات من نبات التبغ!

الصين حينما سئلت عن طريقة العلاج المتبعة قالت أنها استخدمت علاجاً دوائياً تقليدياً لعلاج الأعراض كالمضادات الحيوية والمسكنات ومضادات الإسهال وخوافض الحرارة إلى جانب تعزيز المناعة بالأدوية والنظام الغذائى المناسب . قالت أيضاً أنها لجأت لطب الأعشاب الذى برعت فيه، وأنها استخدمت مزيجاً فعالاً من نبات العرقسوس والإفيدرا، وكلاهما اشتهر استخدامه لديهم لعلاج الحمى والزكام.

المحاولات الجادة الأولى أكثرها انصبت على إيجاد علاج من بين الأدوية واللقاحات الموجودة بالفعل إذ لو وجد مثل هذا العلاج سوف يختصر على المتخصصين شهوراً من الأبحاث والتجريب والإنتاج. آخر تلك العلاجات المقترحة هو دواء مضاد للطفيليات والديدان والجرب هو (إيفرميكتين) وهو دواء آمن وبسيط ليست له أضرار جانبية خطيرة كدواء ترامب. وقد نقلت قناة الحرة عن موقع (7news) الأسترالى أن دراسة لمعهد الطب الحيوى فى جامعة موناش الأسترالية أكدت أن هذا الدواء قادر على التغلب على الفيروس خلال 48 ساعة، حيث يوقف نمو خلايا الفيروس بجرعة واحدة! والغريب أن الدواء البسيط رخيص التكلفة قادر على إزالة فاعلية الحمض النووى للفيروس وشل قدرته على الانقسام وإحداث أضرار فى غضون يومين، فيقضى عليه بسرعة وبأقل جرعة .

فلو صدق الخبر، فسوف يمثل أملاً حقيقياً لدى كل المصابين فى العالم.

بطل اليونان طبيب

إنه مواطن عادى استطاع إنقاذ بلاده من مصير مشابه لمصير إيطاليا المجاورة لليونان. يلقبونه الآن بلقب "منقذ الأمة" لأنه أجبر وزارة الصحة فى بلاده لاتخاذ إجراءات صارمة وسريعة، وألا يتساهلوا كإيطاليا . هذا الرجل اسمه (تسوتريس تسودراس) أب لسبعة أطفال، متخصص فى علم الأوبئة، وبمجرد أن سمع عن أول إصابة فى إيطاليا سارع بالدعوة لغلق البلاد، ووضْع خطة لإجبار البلاد لاتخاذ تلك الخطوة؛ حيث جمع حوله عدداً من الشخصيات المؤثرة فى المجال الصحى وبمبادرة من تسودراس، جرى إنشاء غرفة عمليات مبكرة مكونة من 26 عالما، وتم إعداد 13 مركزا طبياً، رغم أن إيطاليا لم يكن بها إلا 11 حالة وفاة فقط و330  مصابا، ولم يكن الوضع حرجاً بعد.

في 26 فبراير 2020، تم تسجيل أول حالة في اليونان في مدينة سالونيك، لامرأة قادمة من شمال إيطاليا. وعلى الفور تحركت السلطات، وأغلقت المدرسة التي أصيب فيها الطفل ابن المرأة المصابة، وتم وضعهما في بالحجر الصحي. وفي 27 فبراير تم توقيف المدارس، والمهرجانات الجماعية، والكرنفالات، ثم طالب  تسودراس بإجراءات مشددة، واستجابت على إثرها السلطات، وبدأت في تطبيق الحجر الصحي العام، وتم إغلاق كل شي ما عدا الصيدليات ومحلات البقالة. وبفضل مبادرة هذا الرجل باتت اليونان من أقل البلدان إصابة فى أوروبا.

السخرية.. سلاح المصريين ضد الخوف

تعليقات صحفية وإعلامية كثيرة، عربية ودولية، صَبَّت اهتمامها حول طريقة المصريين فى التعامل مع أزمة كورونا . قالوا : "أن تلك طريقة المصريين المعتادة لمواجهة الأزمات، لكن ماذا عن مواجهة الموت؟ هل سخريتهم من نوع الكوميديا السوداء؟ أم مؤشر للتسليم واللامبالاة؟

تلك الملاحظة ليست جديدة، بل جاءت على لسان كثير من المؤرخين ومن بينهم مؤرخى علوم الوبائيات .. فقد جاء فى مقدمة كتاب الأوبئة والتاريخ لشيلدون واتس اقتباس من كتاب قديم آخر يسرد مشاهدات "إلكسندر كينجلاك " عام 1835م لتصرف المصريين تجاه وباء اجتاح المدينة، فيقول: (القاهرة والطاعون.. كان الطاعون سيد المدينة طوال فترة إقامتى، وظهر الخوف فى كل شارع وكل حارة .. يمتلك الشرقيون حظاً وافراً أكثر من أوروبا تحت بلوى هذا النوع .. نُصبت الخيام، وعُلِّقَت المراجيح لتسلية الأطفال-عيد كئيب- لكن المسلمين تباهوا باتباعهم لعاداتهم القديمة غير عابئين بظلّ الموت). ويعلق شيلدون على كلام كينجلاك قائلاً : ( أثناء الحياة والكتابة فى مدينة إسلامية كبيرة بعد 160 سنة من ملاحظة كينجلاك صدمتنى استمرارية وحدة الثقافة الإسلامية عندما تُواجَه بأزمات تهدد الحياة..)، وفى نهاية تلك المقدمة الطويلة يعود ليقول : (.. يبقَى أن الناس العاديين من النوع الذى لاحظه ألكسندر كينجلاك فى المقابر القاهرية عام 1835م، ورأيته أنا فى شوارع القاهرة مراراً وتكراراً، أظهروا رغبتهم فى قَبول تساوى القيمة والكرامة لكل شركائهم من البشر.. فى مثل هؤلاءء الناس توجد بذور مستقبل أكثر إنسانية ).

السر إذن ليس فى السخرية ذاتها، بل ما تحمله السخرية من دِلالة..

سخرية المصريين فى زمن الأزمة بهذا الفهم، لا تعنى الاستسلام واللامبالاة السلبية، بل هى ذات دلالة إيجابية فلسفية عميقة، حيث ينبع الشعور بالأمان من جَوف مشاعر الخوف بالتهوين منه. فالخوف شعور، والتهكم رد فعل مضاد يهدف لقهر مشاعر الرعب والفزع . ومثل هذا النوع من التهكم لا ينتمى للكوميديا السوداء والسخرية العدمية المريرة ، بقدر ما ينتمى لعمق الفهم ورباطة الجأش.

إن نهايات أغلب الكتابات الخاصة بالأدباء الجادِّين أصحاب الرؤى والأفكار العميقة المؤثرة، كانت من نوع السخرية والملهاة .. هذا ما حدث مع المازنى ويحيى حقى وأنيس منصور وحتى أحمد شوقى الذى تأثر فى هذا المَنحَى بوليم شكسبير. مثل هذا الأمر قد تلاحظه حتى لدى النقاد، فقد اهتم بعض كبار النقاد والفلاسفة كهنرى برجسون وهوبز وكانط وكيركجورد، بل وحتى سقراط وأفلاطون بالفكاهة والسخرية وتحدثوا عنها بإسهاب.. وللدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق كتاب نقدى هو (الفكاهة والضحك) يتحدث فيه عما يُدعَى "الجروتسكية " وهى أسلوب من أساليب الفن والتصوير تمتزج فيه السخرية بالرعب.

 وهو أسلوب فنى ساد فى فترات القرون الوسطى التى انتشرت فيها الأوبئة والجوائح . وتنسحب الجروتسكية فى نظر د. شاكر على بعض الأفلام الهوليودية الحديثة، كسلسلة أفلام  "Scary Movie"  والتى يختلط فيها الرعب والمشاهد الدموية بالضحك والتهكم والمحاكاة . والمقصود هنا هو التهوين من أثر الخوف لإحداث الطمأنة.

 

عبد السلام فاروق

 

في المثقف اليوم