قضايا

مريم لطفي: متى ظهر الشرك والكفر؟

وهل خلت القرون من التوحيد؟

 (ماتَعبدونَ من دونهِ إلا أسماءً سَميتموها أنتم وآباؤكم ماأنزلَ الله بها مِن سُلطان) يوسف 40

إن قضية الشرك بالله تعتبر من أخطرالقضايا التي تعرضت لها البشرية على مر العصور لما تحمل من جحود بنعم الله، والتي انحرفت عن صراطها بسبب الغلو والمغالات والتعظيم ثم التقديس لغير الذات الالهية.

ومع علم الانسان إن لله خالقا مدبرا حكيما له مقادير الحكم والرزق والحياة والموت، لكنه انحرف وضل الطريق بسبب غواية الشيطان والمغالات بتقييم وتعظيم غير الله.

وإذا ما تأملنا الايات القرآنية التي نزلت بالمشركين سنجد الاتي:

-الظلم (وَاتبع الذينَ ظَلموا أَهواءَهُم بغيرِ علمٍ) الروم 29

ويتجسد بظلم الانسان لنفسه بانحرافه وضلالته وبابتعاده عن الله وعن جنته، ثم توريثه وانتشاره

 فيما بعد ليحمل بذلك كل الاوزار والذنوب لكل من تبعه (وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة.

-الانحراف عن الحق (فمن أظلم ُ ممن افترى على الله كذبًا ليُضلَّ الناسَ بغيرِ علمٍ) الانعام144

-الرضوخ لفجور النفس وغواية الشيطان (ومنَ الناسِ من يُجادِل في الله بِغير عِلمٍ ويتبعُ كلَّ شيطانٍ مَريدٍ.كُتبَ عليهِ أنّهَ من تولاهُ فأنّهُ يُضلّهُ ويهديهِ إلى عذاب السعير) الحج3-4

-إتخاذ مالاينفع ولايفقه وجعله ندا لله (أتجادلوني في أسماءٍ سميتموها أنتم وآباؤكم مانزلَ الله بها من سلطان) الاعراف 71

 وعندما يقع اختيار الله على أي نبي فلابد أن يكون النبي مستوفي الشروط لاداء الرسالة، وعندما خلق الله آدم عليه السلام وعلّمه الاسماء كلها (وعلم آدم الاسماء كلها) البقرة 31

لكي يستطيع أن يكون خليفة في الارض، ومن صفات النبي التنبؤ بكل شئ عن طريق الوحي، مما يعني إن آدم قد علّم ابناؤه ومن ورثه كل شئ بما في ذلك عبادة الله، فكيف إذن ظهر الشرك وعبادة الاصنام؟

بحقيقة الامر وحسب الأيات القرآنية التي ذكرها الله لتكون بيّنة وبيانا للناس فإن الشرك وعبادة الاصنام ثم الكفر فيما بعد ظهر بعد طوفان نوح بدليل الآية القرآنية (أولئك َ الذين أنعم الله عليهم من النبيينَ من ذُريّةِ آدمَ وممَّن حَمَلنا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرّيّةِ إبراهيمَ وإسرائيلَ وممَّن هَدَينا واجتبينَا إذا تُتلى عليهم آياتُ الرحَمنِ خرّوا سُجَّدا وبُكيَّا فَخَلفَ مِن بَعدِهم خَلفٌ أضاعٌوا الصَّلاة واتَّبعوا الشّهوات فسوفَ يَلقَونَ غَيَّا) ..مريم 58

هذه الآية القرآنية توضح إن عبادة الله الواحد الأحد بقيت ممتدة من خلافة آدم، أي إن القرون لم تخلو من التوحيد، لكن ظهر الشرك، والشرك كما نعلم هو إشراك أي أحد بعبادة الله، فمتى ظهر الشرك؟

إن بداية الشرك في البشرية جمعاء كانت بسبب الغلو، ففي الفترة مابين آدم ونوح لم يشرك أحد بالله جل وعلا، ثم جاء قوم نوح وكان فيهم كبراء القوم وساداتهم الموحدين لله، وقد إكتسبوا شعبية بسبب أخلاقهم الفاضلة والكثير من الصفات التي جعلت لهم مكانة كبيرة في نفوس القوم، لكن وبعد وفاتهم، وبسبب حب القوم الشديد لهم اقترح أحدهم أن يصنعوا لهم تماثيل، ليتذكروا محاسنهم ومناقبهم واخلاصهم في عبادة الله .

لكن للشيطان شأن آخر (قالَ رَبّ بما أغوَيتني لأ’زَيّنَنَّ لهم في الأرضِ ولأغوينهُم أجمَعين) الحجر39، فكما غوى آدم وأخرجه وزوجه من الجنة، سيكمل عمله الى الأخير، فبدأت غوايته لأولئك القوم الذين كانوا متيمين بكبرائهم، وقد أحسن التغرير بهم لكي يتخذونهم قدوة ثم آلهة فيما بعد!!

 (مانعبدهم إِلَّا لِيُقرِّبونا إلى اللهِ زُلفَى) الزمر3

وتلك كانت البداية بداية الشرك التي بدأت بغوايةو إيغال ثم شرك ثم كفر، فقد عمدوا الى صناعة تماثيل لهم ليمجدونهم ويتذكروا صفاتهم وطرق اجتهادهم في العبادة، هذاا لتذكير الذي إعتبروه الدافع والمحفزظنا منهم إن ذلك يقربهم لله جلَّ وعلا (قُل يا أهل الكتابِ لا تَغلُوا في دينكم غير الحق ولا تتَّبعوا أَهواءَ قومٍ قد ضَلّوا مِن قَبلُ وأَضلوا كثيرًا وضلّوا عن سَواءِ السبيل) المائدة77

وقد دعا الله سبحانه وتعالى لبناء السفينة ودعوة الناس لترك عبادة الاصنام والاوثان التي لاتضر ولاتنفع واتباع سبيل الحق والرشاد (لقد أرسلنا نوحًا إلى قومهِ فَقَال ياقومِ اعبدوا اللهَ مالكم من إلهٍ غيرهِ إنّي أخافُ عليكم عذاب يومٍ عظيمٍ) الاعراف59

إن الدليل العقلي والنقلي قد أكدا على بطلان الشرك فما الذي دعا المشركين وفيهم أصحاب عقول وفطنة الى الشرك بالله؟

وقد أجاب الله سبحانه وتعالى عن ذلك في كتابه العزيز (بل إن يَعدُ الظالمونَ بعضهم بعضًا إلا غرورا) فاطر40

أي إن الطريق الضال الذي سلكوه ليس لهم فيه حجة، وانما زين بعضم لبعض اعمالهم، واقتدى المتاخر بالمتقدم الضال، وزين لهم الشيطان سوء أعمالهم، فنشأت في قلوبهم، وصارت صفة من صفاتها، فتعسر زوالها والتخلص منها، اضافة الى النفع المادي الذي تخلل ذلك فحصل ماحصل من البقاء على الكفر والشرك والضلالة (بل قالوا إنا وجدنا آباءَنا على أمّةٍ وإنا على آثارهم مهتدون) الزخرف 22

ومالبثت تلك الضلالة إلى أن تطوّرت كالنار في الهشيم لتصبح تلك ظاهرة بين القبائل وهو تمجيد زعيم القبيلة من خلال صنع تمثالا له عند موته، ثم عبادة ذلك التمثال فيما بعد، وقد تطور الامر ليتخذ أشكالا شتى ومنعطفات أخرى، فبدأ الناس بصنع تمثالا لكل متوفى حتى امتلأت البيوت والأسواق بانواع الاصنام والاوثان وشيئا فشيئا انصرف الناس لعبادة الاصنام وابتعدوا عن عبادة الله الواحد (فَخَلفَ مِن بَعدِهم خَلفٌ أضاعٌوا الصَّلاة واتَّبعوا الشّهوات فسوفَ يَلقَونَ غَيَّا) .. مريم 58، فهي اذن شبهة أوهى من شبهة وتقليدا أعمى بغير علم واعتمادهم على موروث كاذب وآراء فاسدة وعقول كاسدة، لان الشرك لم ينزل به سلطان وهو تخرص بغير علم ومحض افتراء على الله (ومن يشرك بالله فقد افترى اثما عظيما) النساء48

وعليه فإن التجاوزات على الذات الالهيّة قد بدأت بعهد نوح عليه السلام واستمرت واستفحلت ثم ظهرت الاساطير وتداولها الناس، وكان لابد لله أن يقوّم هذه الامة بإرسال الرسل والانبياء لتوحيدها وهدايتها سبيل الرشاد (إنّا أرسلناك بالحقِّ بشيرًا ونذيرًا وإنّ من أُمةٍ ألا خلا فيها نذيرٌ) البقرة 119

وفي هذه الاية دلالة واضحة بيّنة كعين الشمس على إن البشرية لم تخلو من التوحيد وهذا ما جسدته الآية الكريمة بما يقطع الشك باليقين.

فتبا لمن قلد تقليدا أعمى واتبع من لاعلم له ولاعقل راجح، وافتراء الكذب والتكذيب بآيات الله وانهم جعلوا لاصنامهم صفة التقديس وهي لاتعلم ولاترى ولاتضر ولاتنفع (وقيل لهم أين ماكنتم تَعبدون .من دون الله هل ينصروكم أو ينتصرون) الشعراء92

***

مريم لطفي/ العراق

في المثقف اليوم