قراءة في كتاب

المسلمون الأميركيون أزمة الهوية والتحديات المعاصرة للكاتب والباحث اللبناني الشيخ باقر بري

qasim madiيشتغل الكاتب والباحث "باقر بري" على اشكالية عصرية معقدة، تتداخل فيها الكثير من الصور التي تهمنا نحن كمغتربين، تهمنا جميعاً في عصرنا المضطرب الذي أخل في الكثير من الأمور في وقتنا الحالي . مما ادخلنا في نفق مظلم في ظل تصاعد وتيرة العداء والكراهية للمسلمين من قبل المتطرفين الغربيين، والذين يريدون بنا سوءاً، منطلقاً من ذاكرته العاجة بالكثير من الصور المعرفية؟ وهو يسقط أسئلته هذه على حالة الفرد المسلم في المجتمع الامريكي، وهنا يتساءل ! إذ كيف نستطيع ان نقدم هذه المكونات في إطار تحقيقها في الشخصية المسلمة، بعبارة أخرى كيف يمكن أن نصوغ هذه الهوية الإسلامية في الفرد المسلم  وأن نحافظ عليها عند المسلمين الذين يعيشون كأقلية في المجتمعات الغربية العلمانية؟ وهو الجوال في اروقة العلوم الإسلامية، ولديه العديد من البحوث والكتب المنشورة، والساعي لإيجاد حلول تسهم في توصيلها إلى القارئ الغربي والعربي، ومن معرفته الفكرية ومتابعاته الميدانية بين صفوف المسلمين وغير المسلمين، يستنتج الكثير من الحلول التي تهمنا وتهم الأجيال، وهو لايكل ولايمل، وهو الباحث الذي يستند على أقوال علمية مهمة في استصراخ العقول النتنه من قبل بعض المسلمين، الذين يحاولون تشويه صورة العربي المسلم، وهناك الكثير من الفلاسفة من العرب وغير العرب بحثوا في موضوعة " أزمة الهوية"

 يقول الفيلسوف الفرنسي " فيريليو " إلى أي مدى يمكن التحرر من الإيدلوجيا والبحث في موضوع الهوية علمياً .

وهنا يؤكد " بري "  قائلاً بالحرف الواحد " يرتبط الكثير مما تبثه عن الإسلام بتصورات الفرق الإسلامية فيه، وبالسجالات العقائدية وخطابات الكراهية المذهبية ، وبالكثير من المحاضرات والدروس، وفتاوى الاحتياط ، والتكفير والتحرز الصادرة لشرائح وعقول تعيش في بيئة إسلامية تمر بظروف حضارية خاصة " ومن هنا يشخص كل مشاكل الاختلاف التي تخلق لنا فضاءات سلبية مريضة تعزز التفرقة بين هذه الامة العظيمة، ولو رجعت إلى الوراء فإن الرسالة المحمدية التي أداها الرسول محمد " ص " ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً، ونحن نفتخر بهذه الرسالة، وحتى اسلط الضوء على هذا الكتاب المهم من إطار منثبق من تعاليم الإسلام ومعاييره، ومقاصده وملائم لطبيعة الحياة الامريكية وخصوصياتها، وهل يمكننا التمترس بالذاتية والهوية والخصوصية الثابتة في عالم أصبح بفضل التطور التقني والفيض المعرفي العلمي متقارب الحدود، كل هذا وضعه في كتابه كي ينقذ العديد من الأجيال ومنهم الجيل الثاني والثالث من أبناءنا نحن كمغتربين، وهو يتجاذب الحديث مع الكثيرين سواءاً كانوا هؤلاء علماء متفقهين، أو مفكرين، أو من طلبته وهم من أبناء المهاجرين من البلدان الإسلامية، ويؤكد في جميع بحوثه وكأنه عالم نفسي متمرس، يخوض في عوالمنا الداخلية التي لازالت تعاني الكثير من الأزمات، والتي تحمل انعكاسات وخيمة على النواحي النفسية والفكرية والسلوكية لهؤلاء،ويبدو " بري " الشاب المتفتح وهو الذي يُجيد اللغتين الانكليزية والعربية بطلاقة، محافظاً على مرونة لغته الأدبية، وعندما تقرأ كتُبه التي لاقت رواجاً كبيراً داخليا وخارجياً، لما أنطوت عليه من معلومات عُدت وثيقة مهمة من وثائق التي يدُرسًها الباحث في الولايات المتحدة الامريكية،  وبعد أن وقع كتابه بين ُيدي والمعنون " أزمة الهوية " الصادر عن دار الولاء للطباعة والنشر، وهو من القطع المتوسط،ويقع في 95صفحة .

 يقول الكاتب والباحث " بري " إذا كان المسلمون الأميركيون يعانون تهم الإرهاب وعقدة الإسلام فوبيا، فثمة مشكلة إكبر تواجههم في المجتمع الأمريكي المعاصر ، عنوانها " ذوبان هويتهم الدينية وانسرابهم من مبادئهم وقيمهم ، وهذه المشكلة تمثل أزمة حقيقة تواجه خصوصاً الجيل الجديد " ص7

 ويبدو أن الغربيين المعتادين على المثل القائل أما أبيض أو أسود، أي أما ان يكون الجميع في طريق واحدة أو أخرى، ولهذ يحتاج الباحث والكاتب " بري " أن يفعل من موسوعته الفكرية في هذا الإتجاه كي يقنع الطرف الآخر، ويصب كل جهده في توصيل الكثير من الاشكاليات ،مطالباً الجماعات الاسلامية في الغرب، أن تندمج في مجتمعاتها الجديدة دون الذوبان والتخلي عن الخصوصيات الدينية والثقافية، وهو القائل في أن التحديد والتقديم لأبعاد هذه الهوية بشكلها الفلسفي والاستدلالي قد يدخل في حيزه الكثير من تعقيدات العلوم والنصوص والشروح والتعليقات عليها، ومن هنا يستمر قصوره المعرفي ويقصد " القادمون من المسلمين " ويأخذه شك في هذه المعارف، أو يساوره شعور بالحاجة للعثور على إطار واضح للهوية الدينية، إطار يبسط عليه فهمها، ويسهل عليه الانخراط في مكوناتها وتعاليمها  ويعطيه القدرة على شرحها للآخرين، والدعوة إليها بكل افتخار واعتزاز، ونحن بدورنا كما البقية نرصد المشهد الإسلامي من خلال المؤسسات التي تصرف عليها الكثير من الأموال من خلال الزكاة التي يدفعها المسلمون، أو جمع التبرعات أو من خلال أنشطة مختلفة، وجدنا أن هذه المسألة من أعقد المسائل الثقافية والحضارية التي تواجه المسلمين في الغرب وهنا يؤكد الباحث والكاتب " بري " فإن من يعايش الجاليات المسلمة في امريكا ويحتك بأفرادها عن قرب يلمس مدى ضبابية المعرفة التي يعيشها أبناؤها وبناتها تجاه حقيقة الإسلام وتجاه قيمه وتعاليمه، فنسبة مرتفعة من أبناء الجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين المسلمين لا يعرفون من دينهم سوى بعض الشكليات فقط ص8

والذي يتأمل عناوين فصول هذا الكتاب، إضافة إلى مضمون مدخله، تتمحور حول الشؤون الآتية، 1-مفهوم الهوية الدينية 2 –الهوية الإسلامية وخصوصية الصبغة الإلهية 3- مفهوم الهوية الدينية وخصوصية الصلاة 4- الهوية الإسلامية ومكارم الأخلاق وغيرها من المواضيع المهمة، وعلى المؤسسات الدينية في الولايات المتحدة الامريكية ان تُدرس هذه الكتب للجيل الثاني والثالث في مراكزها الإسلامية المنتشرة هنا،كي تصحح الصورة النمطية السيئة المعروضة عنها في أذهان الكثيرين وتجلى صورة الإسلام بصفته السمحة النقية الخالدة .

 

قاسم ماضي – ديترويت 

 

في المثقف اليوم